خطيئة قايين والميلاد

 

للأب هاني باخوم

نائب مدير اكليريكة امّ الفادي في لبنان

قصة قايين وقتله لإخيه، هي قصة تروي لنا اصل الخطيئة تجاه القريب. قايين كان يعمل في الأرض، مزارعاً، قدّم لله من ثمار الأرض تقدمة. أمّا هابيل فقد كان راعياً، وقدم لله باكورة ما لديه من القطيع. الاثنان قدّما مما لديهما، الاثنان فعلا ما عليهما فعله، فلماذا إذاً قبل الله عطيّة هابيل ورفض عطيّة قايين؟

التّقليد العبري يقول انّ قايين لم يقدّم من باكورة محصوله، لكنّه قدّم من المحصول تقدمة. قايين لم يقدّم باكورة الثّمار، لم يقدّم نتاجها الأول، بل قدّم من الثّمار، احتفظ بالباكورة لنفسه وقدّم لله مما تبقّى لديه منها. تقدمة الباكورة شيء هام، ويعني ان يقدّم لله اول المحصول، وبعدها عليه ان ينتظر ان تعطيه الارض ثماراً جديدة. اي عليه ان يثق، ان يعطي لله ما عنده وينتظر منه ان يدبّر له. قايين لم يفعل ذلك، احتفظ بالباكورة لنفسه، احتفظ بها وأمّن احتياجاته، ومن الثّمار التّالية قدّم للرّبّ. لم يخاطر مع الرّبّ، لم يعطِه كلّ شيء، لم يقبل ان يضع نفسه بين يديّ العناية الالهية، فدبّر هو لنفسه..

بالتّأكيد، خطيئة قايين انّه قتل اخيه بسبب الحسد والغيرة، لكن جذور خطيئته اعمق، وقبل عملية القتل. القتل ما هو الا تجسّد للخطيئة السّاكنة في داخله: عدم الثّقة بالله وبتدبيره؛ ان يقدّم للرب ما هو اضافيّ وزائد لديه، يقوده إلى قتل اخيه، فخطيئته الاصلية هي ضد الله. لكن لماذا اذاً قدّم تقدمة للرّبّ؟ لماذا لم يمتنع تماماً؟ هنا يظهر جذر آخر لخطيئة قايين: قايين في العمق يفكر ان الله هو اله يجب اسكاته ببعض العطايا كي لا يعاقبه. يجب ان امنحه شيئاً، فهو يطلب مني ان اعطيه، سأعطيه كي امنعه من اذيَّتي. قايين يقول ما فكر به ابواه، آدم وحواء، لذلك اكلا من الشّجرة: الله لا يحبنا فلو كان كذلك لما كان منعنا من اكل تلك الثّمرة الشّهية، جميلة المنظر. نعم، الله لا يحبنا!!! هكذا صدقا كلام ابليس.

هذا ايضاً فِكْرُ قايين. والله لم يقبل عطيته، فيقول قايين: كنت محقاً الله لا يحبني، قدّمت له ولم يقبل التّقدمة. ما احبني من البداية، انا مظلوم، انا فاقد الحظ، لست كأخي…….

يشعر بانّه الضّحيّة، وكلّ شيء ضدّه. هو بريء ومظلوم، والانسان المظلوم لا يمكنه العيش بدون ان يطلب الحق، والعدالة. يشعر انه محكوم عليه، ولا يتحمّل هذا الحكم. وفي نفس الوقت لا يريد ان يعرف لماذا لم يقبل الرّبّ منه العطيّة؟ لم يهتم بهذا، قايين مخدوع لدرجة انّه يرى الاحداث بطريقة مختلفة عمّا هي، وذلك  بسبب حكمه على الله….

يشعر بانه مظلوم ، ويجب عليه ان يتحرر من هذا الظّلم. يجد اخاه مختلفاً عنه، ووضعه مختلف، هو ليس مثله، فيُخرج عليه هذا الظّلم الذي يشعر به، يقتله…..

قصة قايين، هي قصتنا، قصة صراعاتنا وخلافاتنا واحكامنا على الآخرين…الانسان يصارع اخاه لانّه في العمق، هو في حكم على الله. خطيئة الانسان ضدّ قريبه ما هي الا تجسّد لخطيئته ضدّ حبّ الله ورحمته والتي تكمن في تفكيره السّيّء عن الله: الله متطلّب، يطلب منّي الكثير، ويمنعني عن الاكثر. في العمق لم يمنحني ما احتاجه.

ميلاد المسيح هو اثبات العكس. الله يريد شيئاً واحداً من الانسان: الله يريد ان يعطي الإنسان كلّ شيء، ان يعطيه طبيعته الالهية، امكانية الحبّ بلا حدود، ان يكون سعيداً.

يسوع المسيح، عطيّة الله للبشر، هي الرّدّ على فكر قايين ضد الله. قايين يقدّم من الثّمار، والله يقدّم له الثّمرة الوحيدة!!!!

في ميلاد المسيح امكانية للمغفرة، لمن يقبل بانّه خاطىء وقاتل، وفي حكم مستمر على الله. ليس فقط المغفرة ولكن امكانية حياة جديدة ابدية من الآن.

ميلاد مبارك.