البعد البيئي والكوني للسلام

في رسالة بندكتس السادس عشر بمناسبة اليوم العالمي الثالث والأربعين للسلام

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الثلاثاء 15 ديسمبر 2009 (Zenit.org).

 عقد قرابة ظهر اليوم الثلاثاء مؤتمر صحفي في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، تم فيها تقديم رسالة قداسة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة اليوم العالمي الثالث والأربعين للسلام بعنوان: "إذا أردت تعزيز السلام، فاحم الخليقة".

قام بالمداخلات الكاردينال ريناتو رافايلي مارتينو، الرئيس المتقاعد للمجلس الحبري "عدالة وسلام"، المونسينيور ماريو توزو، أمين سر المجلس الحبري عينه، والدكتور تومازو دي روتزا، المسؤول في المجلس الحبري المذكور.

تحدث الكاردينال مارتينو عن آنية الموضوع الذي يتطرق إليه قداسة البابا في إطار "تعليمه حول السلام" الذي يقدمه كل عام.

فبعد أن استعرض الأب الأقدس في عام 2006 السلام كهبة من الله في الحق (2006)، وكثمرة احترام الشخص البشري (2007)، ثم كتعبير عن شركة العائلة البشرية (2008)، المدعوة لكي تزيل مختلف أنواع الفقر المادي وغير المادي (2009)، يصل الآن للحديث عن "الإطار" الذي التي تتلقى فيه البشرية الدعوة للسلام: الخليقة.

نظرة كونية للسلام

وأوضح الكاردينال أن البابا يقدم نظرة كونية للسلام، كثمرة للطمأنينة الكونية التي يتلقاها الإنسان من الله، سلام يتحقق في حالة من التناغم بين الله، البشرية والخليقة. ومن هذا المنطلق "يشكل الانحطاط البيئي، لا زوال التوازن بين البشرية والخليقة وحسب، بل يبين عن انحطاط أعمق في الشركة بين البشرية والله".

سيرًا على خطى أسلافه، بولس السادس ويوحنا بولس الثاني، يستنكر بندكتس السادس عشر "الأزمة البيئية" ويتساءل: "كيف يمكننا أن نبقى لا مبالين أمام المشاكل التي تتولد عن ظواهر التغيرات البيئية، التصحر، الانحطاط وانحدار القدرة الانتاجية لمساحات زراعية واسعة، وتلوث الأنهار والتجمعات المائية، وفقدان تنوع الكائنات الحية، وازدياد الظواهر الطبيعية المتطرفة، وتدمير غابات المناطق الاستوائية والمدارية؟ كيف يمكننا أن نتجاهل ظاهرة ما يعرفون بـ "اللاجئين البيئيين": وهم أشخاص اضطروا أن يقوموا بهجرة جبرية ليواجهوا مخاطر ومستقبل مجهول؟".

أمام هذه المشاكل لا يعرض البابا حلولاً تكنيكية، ولا يتدخل بالسياسات الحكومية، بل يذكر بالتزام الكنيسة في الدفاع عن الأرض، والماء والهواء التي هي هبة الخالق للبشرية، ويحض على التوازن في العلاقة مع الخالق، مع البشرية، ومع الخليقة.

وجهات لمسيرة مشتركة لكل البشرية

يقدم الأب الأقدس في رسالته وجهات لمسيرة ممكنة نحو بناء سلام يحترم البيئة، فيتحدث أولاً عن إنماء نظرة غير اختزالية للطبيعة والإنسان، نظرة لا تعتبر الإنسان إلا ثمرة من ثمار الصدفة والتطور، وتزيل التمييز الكياني والقِيمي بين الشخص البشري والكائنات البشرية.

ويتحدث ثانيًا عن ضرورة القيام بتجديد ثقافي عميق. فالأزمات التي نعيشها على مختلف الأصعدة الاقتصادية، الغذائية، البيئية، أو الاجتماعية هي بالعمق – بحسب الأب الأقدس – أزمات أخلاقية.

ثم يتكلم ثالثًا عن مسؤوليتنا نحو الخليقة وواجبنا بالاعتناء بها. وهذه المسؤولية لا تعرف حدودًا، فبحسب مبدأ التعاضد، من الضرورة بمكان أن يلتزم كل إنسان في الإطار الذي يترتب عليه. وتأتي من هنا أهمية التربية البيئية التي يجب أن تتم في صلب العائلة.

وأخيرًا، يقترح البابا مراجعة عميقة لنموذج النمو والتطور، وهي مسؤولية تترتب على عاتق المسؤولين على الصعيد المحلي والدولي. يدعو الأب الأقدس في هذا الإطار إلى التفكير بمعنى الاقتصاد وأهدافه، لتصحيح مشاكله وأخطائه.

كما ويشدد الأب الأقدس على ضرورة الاحتكام بعدالة توزيع الخيور الأرضية، وعلى ضرورة التعاضد بين الأجيال، ومن ثم على ضرورة استعمال موارد الطاقة بشكل معتدل ومسؤول.

القديس فرنسيس الشاهد لتناغم الخليقة

وأخيرًا أوضح الكاردينال مارتينو أن خيار بندكتس السادس عشر لموضوع البيئة ليس عشوائيًا، فالرسالة تأتي بعد 30 عامًا من إعلان القديس فرنسيس شفيعًا لمحبي البيئة.

إن نشيد الخلائق الذي نظمه القديس فرنسيس هو شهادة آنية حتى في زمننا المعقد هذا، وإذ ننظر إلى فقير أسيزي نتعلم أن نحب الخليقة، وأن نرى فيها حب الخالق اللامحدود: "تباركت، يا رب، مع جميع خلائقك؛ تباركت، يا ربي، من أجل الذين يغفرون حبًا بك؛ سبحوا ربي وباركوه واحمدوه واخدموه بتواضع كبير".