رأينا نجمه في المشرق فجئنا لنسجد للرب، عيد الغطاس

 

الاب وسام مساعدة – عمان

يد الغطاس أو عيد ظهور الرب. اليوم تعيد الكنيسة في هذا الزمن الميلادي السعيد مجموعة من الأعياد على رأسها عيد الميلاد وعيد والدة الله وعيد العائلة المقدسة واليوم هو عيد الغطاس ويوم الأحد القادم ستحتفل الكنيسة بعيد عمّاد الرب. تقدم لنا الكنيسة أيام حافلة للتأمل والتفكير على أصعدة مختلفة ومتنوعة من حياتنا الروحية من خلال هذه الأيام المقدسة التي نعيشها والتي من خلالها نستطيع بنعمة الرب، أن نقدِّس أنفسنا.

 

أريد أن أتأمل معكم اليوم بثلاثة أمور وهي التالية:

أولاً: النجمة التي قادت الملوك الثلاث من المشرق الى أورشليم ليبحثوا عن الطفل الملك. إنّ الله تعالى يكلمنا في حياتنا اليومية من خلال العديد من الأمور التي تحدث في حياتنا اليومية العادية جداً: إشارة، شخص معين، حلم، فكرة، كلمة،  نشعر ونؤمن أنها لا يمكن إلا أن تكون رسالة من الله نفسه. يكفي أن نفحص أيامنا السابقة ونبحث عن حضوره في حياتنا. أعرف شخصا سمع عن عائلة ميسورة الحال في أيام العيد، قام بشراء حاجات أولية للبيت بمبلغ معين من المال، وقد كان بحاجة لهذا المال، إلا أنه لم يفكّر مرتين، لم ينظر الى حاجته مقابل حاجة هذه العائلة، إلا ان الله بعد ساعات كافأه الضعف تماماً. ليسأل كل منا نفسه هذا السؤال: هنا في هذا الموقف، أو هذه الكلمة التي قالها لي فلان، أو هذا الإنسان يستفزني من الداخل، يثير نارا تكاد تنطفئ إلا أنها تصارع وتريد أن تشتعل من جديد، ما أريد أن أقوله هو أن الله يكلمني كل يوم لكن السؤال هل أسمع صوته، هل أدرك أن الله هو الذي يكلمني، أم أن هنالك أصوات تتضارب مع صوت الله، تشوش على صوت الله، لا أستطيع ان أسكتها.

 

ثانياً: سنقارن سوية بين ملوك الشرق وملك أورشليم، وكيف كل منهم بحث عن الطفل وماذا قدموا له؟ ملوك من الشرق أتوا من بعيد، تركوا عروشهم، تركوا بلادهم، تركوا شعبهم، وصرفوا المال الكثير، وتحملوا عبء السفر ومشقاته، حر الشمس وبرد الصحراء، أعدوا كل هذا كلا شيء مقابل أن يجدوا الطفل، وكانت نجمة من بين كل نجوم السماء هي البوصلة التي ترشدهم ليس لأورشليم بل لمدينة صغيرة جداً هي محطتها الأخيرة مدينة بيت لحم فوق مغارة حقيرة ليجدوا صبية وشابا يحيطان بطفل صغير مقمط في مذود ليصبح مأكلاً لكل الشعوب.

ملك أورشليم، هيرودوس الكبير، ليس بعيداً أبداً عن مدينة بيت لحم، عندما سمع عن ميلاد الطفل الملك، اضطرب واضطربت معه كل المدينة، فزعاً وخوفاً تعبيراً عن رفضه لولادة ملك جديد، سيحل مكانه، وسيتسلط على شعبه، وينزله عن عرشه، وبسببه سيصبح هيرودوس الكبير لا شيء هذه الأفكار دارت في رأس هيرودوس الذي طلب من المجوس أن "اذهبوا وابحثوا عن الطفل بحثاً دقيقاً، فإذا وجدتموه، اخبروني لأذهب أنا وأسجد له". لكن ما هذا إلا ليعبر عن مشاريعه المستقبليه: قتل جميع أطفال مدينة بيت لحم من سن سنتين فما دون، أغرق هذا الملك مدينة صغيرة بدم أطفال أبرياء وبدموع أمهات ثكلى.

ملوك الشرق أهدوا الطفل تعبهم ومشقتهم وتواضعهم الكبير أمام تواضع الطفل الإلهي وكللوا هذا كله بذهبٍ ومرٍ وبخورٍ اعترافاً منهم بانه ملك وإله حق واستباقاً لإلامه وموته، وغادروا مدينة بيت لحم والفرح العظيم يغمر قلوبهم. أما ملك أورشليم فلم يتنازل عن عرشه لإن كبرياءه لم يسمح له، ولم يبذل جهداً ليبحث عن الطفل، ولم يقدم له سوى الموت كهدية لميلاده، ليغمر اليهودية بأسرها بالعويل وبصراخ أمهات.

أمام هاتين الصورتين المختلفتين تماماً، أسئلة أريد أن أطرحها:

·  هل أبذل جهداً في البحث عن الرب في حياتي، أم أنني لا أكلف نفسي أبداً بالبحث عنه؟

· هل أستطيع أن أتنازل عن مالي عن مركزي عن عرشي عن أفكاري عن قناعاتي في سبيل أن أجد الرب، أم أن هنالك مناطق محظورة في حياتي، ممنوع الإقتراب ، مناطق مزروعه بالألغام؟

·   هل أعيش في حياتي نوعا من الإضطرابات نتيجة لحضور الله في حياتي؟

·  هل أنا في حياتي مصدر فرح أم مصدر حزن وموت لكل من هم حولي؟

·   هل الله مصدر فرحي وسلامي أم أني أبحث عن فرح وسلام دنيوي زائل مزيّف؟

                      

ثالثاً: ظهور الرب للوثنيين أولاً طفلاً ومن ثم ظهر للملأ مسيحاً يوم العماد. والعيد يحمل رسالة قوية لنا اليوم، وهو أن الله  أبداً لم يكن في يوم من الأيام حكراً على جماعة أو فئة معينة من الناس، نعم قد اختار الشعب العبراني لكي يصل من خلاله الى كل الشعوب، والله لديه العديد من الطرق والوسائل التي من خلالها يستطيع ان يصل لكل إنسان. وحياة يسوع على الأرض ما هي إلا تحقيق لإرادة الله الخلاصية الشمولية. أيها الأحباء اعملوا لخلاصكم برعدة ولا توفروا الغالي ولا الثمين في سبيل خلاص نفوسكم، يقول القديس بولس الرسول في الرسالة الأولى الى أهل قورنتس (9: 24): إن العدائين في الميدان يعدون كلّهم، وأنّ واحداً ينال الجائزة، فاعدوا كذلك حتى تفوزوا، وكل مبار يحرم نفسه كل شيء، أما هؤلاء كي ينالوا إكليلاً يزول، وأما نحن فلكي ننال إكليلاً لا يزول. كما أننا نتسابق في الحفاظ على صحة أجسادنا ورشاقتها من خلال نظام غذائي صحي معين، علينا أن نضع أيضاً ونوفر أنظمة غذائية روحية لأرواحنا الضعيفة كي تنطلق وتفوز في سباق الخلاص وسط ميدان هذا العالم لننال مع القديسين إكليلاً لا يزول. أمين

عن ابونا