لماذا لا يحيل مبارك مرتكبى مجزرة نجع حمادى للمحاكمة العسكرية؟

 

المصري اليوم-حسنين كروم

المجزرة التى تعرض لها أشقاؤنا الأقباط يوم الخميس الماضى بعد خروجهم من الكنيسة فى نجع حمادى، وجعت قلوبنا وكسرت روحنا الوطنية، وما أعقبها من اشتباكات بين المسلمين وبينهم ومع الشرطة ليست الأولى، إنما هى حلقة من مسلسل دموى بدأ بأحداث الزاوية الحمراء فى القاهرة عام 1971، واعتداءات على كنائس ومحال ذهب للأقباط من جانب الجماعات الإرهابية قبل توبتها، وأخطر حلقاته امتدادها إلى مواطنين عاديين، لا هم أعضاء فى جماعات أو لهم علاقة بالسياسة، وشملت مدناً وقرى فى معظم المحافظات، بحيث أصبحت أى مشكلة عادية بين مسلم ومسيحى قابلة للتحول لمعركة طائفية، كما لن تكون مجزرة نجع حمادى وما تلاها الأخيرة، وربكم وحده الأعلم بما قد تفاجئنا به الأيام المقبلة، لأن هناك شرخاً حقيقياً حدث منذ عام 1971 بإعلان الرئيس الراحل أنور السادات أنه يبنى دولة العلم والإيمان، وأنه الرئيس المؤمن،

وبدأ استخدام سلاح تكفير الخصوم السياسيين لأول مرة من جانب رئيس البلاد، واستخدام الدين فى معارك السياسة وتمرير قوانين مكانها الطبيعى مجلس الشعب والرأى العام لا الأزهر وعلماء الدين، ولأول مرة يدخل رئيس دولة المسلمين والأقباط معركة علنية مع البابا، ويتهمه بأنه يريد إقامة سلطة موازية له ثم عزله،

ويقول فى خطبة علنية أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية، أى أن الشرخ الحقيقى بدأ منذ عام 1971، وأخذ يتعمق وبلغ أكثر مراحل اتساعه عام 1981 لتشهد مصر فى السادس من أكتوبر اغتيال رئيسها بأيدى الجماعات الإسلامية، التى أطلقها على خصومه السياسيين، وارتكاب مجزرة مروعة ضد العشرات من ضباط وجنود مديرية الأمن فى أسيوط، عندما استولى عليها الإرهابيون وطلبوا منهم الوقوف أمام الحائط، ثم حصدوهم بالرصاص من ظهورهم،

ومحاولة الاستيلاء على الحكم لإقامة نظام دينى، وصحيح أن نظام الرئيس مبارك دخل فى مواجهات دموية مع الجماعات الإرهابية استمرت سنوات فيما يشبه حرب العصابات، تخللتها اعتداءات محدودة على الأقباط هدفها الرئيسى سرقة محال لتمويل الإرهاب، لكن المواجهة الرئيسية كانت بينها وبين النظام، إلى أن أعلنت الجماعة الإسلامية عام 1997 مبادرتها بالتخلى عن العنف، لكن كانت الروح الطائفية قد نزلت من قمة النظام إلى أقسام ليست قليلة من القاعدة الشعبية المسلمة والمسيحية، بالإضافة إلى أن النظام واصل استخدام الإسلام والمؤسسات الدينية -الأزهر ووزارة الأوقاف- لخدمة أهدافه السياسية الخارجية والداخلية،

وآخرها أوامره لمجمع البحوث الإسلامية للاجتماع برئاسة شيخ الأزهر وإصدار بيان باعتبار إقامة الجدار على الحدود مع غزة يتفق مع الشريعة الإسلامية، وأن مهاجميه يخالفونها، ولم يطلب من المجمع المقدس للكنيسة أن يجتمع برئاسة البابا شنودة ويصدر بياناً مشابهاً، ما دام الجدار عملاً يخص مصلحة الوطن لا مصلحة مسلميه دون أقباطه، وفى نفس الوقت تحولت الكنيسة إلى قيادة سياسية فعلية للأقباط هى التى تتقدم بمطالبهم، لا الأقباط فى الوزارة أو الحزب الوطنى الحاكم، رغم تفاخره بانضمام أكثر من مليونى شاب جددوا شبابه ولا نعلم هل من بينهم أقباط أم أن جميعهم مسلمون.

وجاملت الكنيسة النظام بأن أصبحت طرفاً فى تأييد تولى جمال مبارك رئاسة الجمهورية، رغم أن النظام لم يطلب منها ذلك لكنها المزايدة لتمرير مطالب للأقباط هى نفسها مطالب إخوانهم المسلمين، أو نكاية فى الإخوان المسلمين، والنظام نفسه – فى تقديرى – لا يرحب بهذا التأييد داخلياً، لمعرفته أنه سيترك آثاراً مضادة له لدى المسلمين وإن كان قد يفيده فى أمريكا وأوروبا، ولمعرفته أيضاً أن الكنيسة تحمله دون غيره الوقوف ضد مطالب الأقباط، وأن أجهزته تشجع الاعتداءات عليهم، وهى اتهامات يرددها قادة الكنيسة علناً..

والذى يعزز هذه الاتهامات تردد النظام فى مواجهة الاعتداءات بالتطبيق الصارم للقانون على رقاب الجميع، بدلاً من حكاية الصلح العرفى، والخضوع لمصالح شخصيات تنتمى إليه تخشى على مراكزها فى انتخابات مجلس الشعب بحجة أن الإخوان قد يستفيدون بأن يظهروا وكأنهم المدافعون عن المسلمين.. رغم أن هذه مشكلة يمكن مواجهتها بالتزوير، وهو يتم العمل به على نطاق واسع، وفى بعض الحالات قد تكون له فوائد فى مثل هذه الحالات، ومادام النظام لا يستخدم القانون فإنه فقد هيبته واحترامه وشجع الناس على تقليده فى تحديه.

والحل فى منتهى البساطة، وهو قرار من رئيس الجمهورية، بإحالة جميع قضايا الفتنة الطائفية والثأر والبلطجة والمشاركين فيها مسلمين وأقباطاً مهما كانت مناصبهم التنفيذية والسياسية والبرلمانية إلى المحاكم العسكرية، وهى جرائم أخطر من تلك التى ارتكبها الإخوان المسلمون وأحيلوا بسببها إليها وهم مجموعة «خيرت الشاطر»، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن،

وأشنع من جريمة الصحفى والأمين العام لحزب «العمل» المجمد مجدى أحمد حسين، وحبس سنتين بسببها وهى دخول غزة عن طريق أحد الأنفاق والنظام يعتبر القضاء العسكرى مكملاً للمدنى ويجوز إحالة المدنيين إليه، ولتكن البداية إحالة مرتكبى مذبحة نجع حمادى إليه بشرط توالى الإحالات بالنسبة لأى حالة،

ووقتها سيكتشف الجميع أن الرعب سيجبر الكثيرين على التخلى عن حكاية الثأر والفتنة والبلطجة لمجرد إحساسهم بجدية النظام، ويكفى الإشارة لحادثة وقعت عام 1968 -على ما أذكر- قبل انطلاق مدفع الإفطار فى أحد أيام شهر رمضان، بقيام عصابة بإيقاف ترام رقم (21) فى محطة رمسيس وسرقة ركابه باستخدام المطاوى، ومع ركاب أتوبيس فى ميدان الظاهر،

واعتبر الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر ما حدث ترويعاً للمواطنين وتحدياً لهيبة الدولة، ولم يمر إلا يومان فقط حتى كان جميع اللصوص حتى حرامية الفراخ والغسيل وتجار المخدرات والبلطجية وأصحاب السوابق من الإسكندرية لأسوان داخل المعتقلات.