عظة الاحد الثانى من امشير

" هذا بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم "

بقلم  الاب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

إعداد ناجى كامل – مراسل الموقع من القاهرة 

 

 

إستعرضنا فى قراءات شهر طوبة المبارك:

– هروب العائلة المقدسة إلى مصر  –  طوبى للبطن ..بل طوبى للذين يسمعون ويعملون

– يسوع ويوحنا ، فرحى هذا قد إكتمل  –  يسوع نور العالم يعيد النور للاعمى منذ مولده

وتطالعنا قراءات امشير باحدين فقط هذا العام حيث سيقع الاحد الثالث من امشير كأحد الرفاع وبداية الصوم الكبير.. فالاحد الاول : يسوع خبز الحياة "إعملوا للطعام الباقى" والثانى : معجزة تكثير الخبز وإشباع الجموع

+ البولس : من الرسالة  إلى غلاطية 5/2- 14   

يواصل بولس مناقشة قضايا المسيحين من اصل وثنى فى صراعهم مع المسيحين من اصل يهودى والذين كانوا يطالبون الجميع بالخضوع لشريعة موسى بما فيها الختان وتمنى بولس ان يقطعوا من الجماعة الكنسية:

– إن اختتنتم فالمسيح لا ينفعكم شيئا

– فى المسيح لاختان ولا قلف بل الايمان الذى يعمل بالمحبة

– إنكم دعيتم الى الحرية لا كفرض جسد بل اخدموا بعضكم بالمحبة

– الناموس كله يتم بكلمة واحدة " احبب قريبك كنفسك "

   يتوقف كثيرون طويلا امام ممارسات طقسية معينة ويتمسكون بضرورة تطبيقها بصورة حرفية وكأن اى اخلال بها يعنى إخلالا بالإيمان و العقيدة وبالله نفسه ..هكذا لم يفهم اليهود المتنصرون أن الختان كان علامة للعهد مع ابراهيم ونسله فحسب وليس فرضا على كل من يؤمن بإله ابراهيم ولم يدركوا انهم بالمعمودية صاروا ابناء لعهد جديد هو "عهد الحرية "

عهد " المحبة الصادقة " عهد الخدمة المجانية عهد الانطلاق بعيدا عن قيود الناموس والشريعة التى لم تنفع طوال التاريخ كل من اتبعها لان الكل زاغوا وفسدوا واعوزهم مجد الله برغم الختان والناموس .

   يركز بولس الرسول حديثه حول شريعة العهد الجديد " المحبة " ففى المسيح لا ختان ولا قلف بل ايمان عامل بالمحبة ، اخدموا بعضكم بالمحبة ..يلخص بشارتى العهد القديم و الجديد الانبياء والناموس ويسوع والرسل فى كلمة واحدة " احبب قريبك كنفسك " .

 

+ الكاثوليكون : من الرسالة الاولى للقديس يوحنا 3/ 18-24

   يجدد و يؤكد القديس يوحنا ما تحدث عنه بولس فى رسالته إلى اهل غلاطية :

– يا احبائى لا نحب بالكلام ولا باللسان بال بالعمل والحق

– هذه هى وصية الله أن نؤمن بإسم إبنه يسوع المسيح ونحب بعضنا بعضا

  هكذا يتضح تدريجيا منهاج العهد الجديد كما ادركه الرسل وبشروا به فى العالم كله.

"المحبة " وليس غيرها هى عنوان الحياة الجديدة ومنهاج العهد الجديد ،هذه المحبة تشمل كل جوانب الحياة ولا تكتفى بالكلام والآناشيد والشعارات بل تنطلق لتتحول إلى اسلوب حياة اسلوب عمل اسلوب عطاء. 

 

+الابركسيس : من سفر اعمال الرسل 15/ 22- 29

" راى الروح القدس ونحن لا نضيف عليكم ثقلا اكثر …. كونوا معافين "

  هذا هو قرار المجمع بعد مناقشة موضوع الشريعة و الختان وتطبيقهما على المسيحين غير اليهود ،وهو الرأى الذى قدمه بولس وبرنابا إلى المجمع ودافع عنه وتبناه بطرس الرسول وايده وقرره مجمع الرسل وارسلوه مكتوبا مع بولس وبرنابا مدعمين برسولين آخرين هما يهوذا (برسابا) وسيلا.

  هكذا يكون قد حسمت نهائيا شرائع العهد الجديد المبنية على علامات الروح القدس لا الجسد واكتفى المجمع بنصح المسيحيين بالابتعاد عن كل ما يدنس حياتهم كالمشاركة فى ذبائح الاصنام وشرب دماء الذبائح أو التغذى بحيوانات مخنوقة  كما نهاهم عن الزنى والنجاسة وركز اذن على الطهارة الداخلية طهارة القلب.

 

+المزمور95 /6- 7

– قدموا للرب يا جميع ربوات الامم

– قدموا مجدا وكرامة لإسمه

– احملوا ذبائح وانطلقوا فادخلوا دياره

– اسجدوا للرب فى هيكله المقدس

  يدعو المرنم بالروح لا شعب إسرائيل المختون التابع للشريعة فقط بل جميع ربوات الامم متنبأ بدخول الامم اى الشعوب الوثنية إلى الايمان بالله وعبادته .ويطلب من هؤلاء المؤمنين القادمين سجودا ومجدا وإكراما لإسم الرب وهو ما يطلبه من اليهود ايضا .. كما يسمح لهم بالمشاركة فى حمل الذبائح والدخول إلى هيكل الرب للعبادة . ما اروعها من نبؤة وما اروع تحقيقها الذى يتم فى اوانه.

 

+الانجيل من يوحنا 6/5- 14

– فرفع يسوع عينيه فرآى جمعا كثيرا مقبلا اليه.

– قال هذا ليمتحنه.

– هناك غلام صغير معه خمسة ارغفة وسمكتين.

– ما هذا لمثل هذا الجمع!؟

– إجعلوا الناس يتكئون.

– اخذ يسوع الارغفة وشكر وبارك واعطى .

– بقدر ما شاء كل واحد .

– فلما شبعوا.

– قال : إجمعوا الكسر حتى لا يضيع منها شيئا

– اثنى عشر قفة فضلت عن الآكلين

– هذا هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم

   تنطلق المعجزة هنا وهى من اعظم معجزات يسوع من منطلقات اربع :

* المنطلق الكتابى : تتحقق نبؤات العهد القديم عن الله الذى سيقيم فى وسط شعبه ويرعاهم  ويعولهم .

اذا رجعنا إلى سفر الخروج يوم راى الله مذله شعبه فى مصر وسمع صراخهم فارسل موسى ليخلص شعبه ويحررهم من عبودية الفرعون فشق البحر وعبر بهم إلى البريه فى الطريق إلى ارض الميعاد ،وكان الله يحل بينهم فى خيامهم ويسير امامهم حين يرتحلون وغذاهم "فقال الرب لموسى الآن امطر عليكم خبزا من السماء وعلى الشعب ان يخرجوا ليلتقطوه (خروج 16/4) وقال موسى : سيعطيكم الرب عند الغروب لحما تأكلونه وفى الصباح خبزا تشبعون منه (خروج 16/8) هكذا عاش الشعب لمدة اربعين سنه كطفل يحمله الله على كـتفين يظلله من حر النهار ويدفئه من برد الليل وينير ظلامه لئلا يعثر،وظلت هذه الصورة النموذجية حلما تصبو اليه النفوس وتشتهيه القلوب وتنتظره القبائل والشعوب …لذلك فرحت الجموع وصمت الفريسيون امام هذه المعجزة فهى من المعجزات القلائل ليسوع التى لم ينتقده فيها الفريسيون ولم يتربصوا به عندما صرخت الجموع "هذا بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم"

* المنطلق التاريخى :هى عودة إلى ايام سفر الخروج حيث قاد موسى الشعب الى البرية  وكان الله يعتنى بهم ويغذيهم بالمن السماوى وبالسلوى ويفجر لهم الماء من الصخور .

ليس منفصلا عن المنطلق الكتابى فسفر الخروج يسجل تاريخ العهد الموسوى بين الرب وشعبه وكان موسى قد اوصى إخوته قبل موته : " يرسل لكم الرب الإله نبيا من بين اخوتكم فاسمعوا له " وظل الشعب عبر تاريخه ينتظر هذا النبى ويتوسم صفاته فى كل نبى يظهر حتى انهم ارسلوا إلى يوحنا المعمدان يسألونه "هل انت الآتى أم ننتظرآخر؟" فقال لست اياه. يريد اليهود اذن الرجوع بالتاريخ إلى الوراء والعيش مع الرب والإتكال عليه كما كان اباؤهم يفعلون فى البرية .وهناك ربط بين معجزة تكثير الخبز ونزول المن السماوى فى البريه .

فهل يعيد التاريخ نفسه ؟؟

* المنطلق اللاهوتى : تؤكد عناية الله بالانسان حتى قبل ان يفكر الانسان نفسه فى العناية  بذاته " رفع يسوع عينيه ورأى الجمع مقبلا اليه فقال من اين ناتى بخبز لنشبع هؤلاء ؟! "

     الله يعرف احتياجاتنا قبل ان نفكرفيها وهو كفيل وحده بإشباع جوعنا

الهدف من هذه المعجزة متنوع :

1-     التاكيد على عناية الله واهتمامه (من اين نجد خبزا)

2-     التاكيد على قدرة الله على كل شئ مهما بدا مستحيلا فى عيون البشر (لا يكفى دينار)

3-     التأكيد على قبول الله لكل من يقبل اليه مهما كانت ظروفه وإشباع احتياجاته .

4-     التاكيد على مشاركة الانسان فى عمل الله ( صبى صغير ).

5-     التأكيد على الحفاظ على النعمة وعدم إهدارها ( إجمعوا الكسر) وإن فيض الله وكرمه لا يعنى البذخ والاسراف.

6-     التأكيد على ان لدى الله مكان للجميع حتى التائبين وان اثنى عشر قفه مملؤة بعدد اسباط إسرائيل مازالت تنتظر جميع شعبه .

* المنطلق الانسانى  : هناك الرسل كوسطاء بين العناية الإلهية و الاحتياجات البشرية فيلبس ،اندراوس  والباقون الذين تناولوا من يد المسيح واتكاوا الجموع وناولوهم حتى شبعوا وهناك الصبى الذى يحمل الخمسة ارغفة والسمكتين وكان قاربا للخلاص والفرح،الله يريد مشاركة صبى ولو برغيف ليشبع الجموع .

وهنا يريد الرب ان يحدث تغييرا فهو يريد شركاء لا اجراء ، لم يشرك الله شعب البريه  فى ايه مسئولية ، كان يتولى هو تلبية كافة احتياجاتهم وكانت النتيجة تذمر مستمر،تذمر الشعب على الرب وعلى موسى قائلين : ليتنا متنا فى ارض مصر فهناك كنا نجلس عند قدور اللحم وناكل من الطعام  حتى نشبع (خروج 16/3)

لذا الرب يريد من شعب العهد الجديد مشاركة فهو :

1-     يسال فيلبس رغم انه عالم بما سيفعل

2-     يستمع لاندراوس رغم برغم بساطة ما يطرحه

3-     يقبل وجبة الصبى برغم انها لا تكفى لرجل واحد

4-     يعطى لتلاميذه الدور فى تجليس الشعب وتقسيمه فرقا

5-     يبارك ويكسر ويعطى التلاميذ فيناولون هم بانفسهم

6-     يطلب من تلاميذه جمع ما تبقى ليشاركهم مسئولية التدبير

7-     لايترك الجمع متوقفا على الغذاء المادى بل يغذيهم روحيا

8-     يشفق على التلاميذ بعد الخدمة فيمنحهم فرصة الراحة

9-     يتولى هو بنفسه صرف الجموع بعد ان اشبع احتياجاتهم المادية والروحية .

منطلق العهد الجديد هو ان الله حاضر فى الكنيسة ويعمل ويبارك ويخصب عمل الخدام فيها ويعتنى بكل فرد ويشمل بعنايته جميع الذين يقبلون اليه، ولا يفرق بين غنى وفقير ،يهودى وغير يهودى ،شاب وكهل وصبى، رجل وإمرأة.  فخيراته ومعجزاته لا تعرف التفرقة العنصرية.