من أجمل ما قيل في الكاهن: أنتَ الكاهن، أَنتَ ملحنا

روما، الجمعة 12 فبراير 2010 (zenit.org)

 سلطت السنة الكهنوتية التي نعيشها، الضوء على الكاهن وعمله في الكنيسة في خدمة النفس والجسد. "أنت الكاهن، أنت ملحنا"، هو عنوان هذا النص الذي يعتبر من أجمل ما كتب في الكاهن، من ميمر الحب الإلهي لمار يعقوب السروجي. نقله من السريانية الى العربية، الأب الياس شخطورة، من الرهبنة الأنطونية المارونية. الأب شخطورة يقوم بدراسة معمقة في روما حول آباء الكنيسة الشرقيين.

إِنّ الأعمالَ الشِرّيرة تَزيدُ خُطورةً، حَتى أنَّ الكاهنَ نفسه يَغضَب، هو حَارسُ الأَسرار، لا بل يَكرَهُ أَخاهُ وَيَسخَرُ مِنه.

أَمامَ هَذا الوَاقِع، أَيَجبُ عليّ السُكوتُ أَم التَكَلّمُ بِاحتِرام؟ أَيَجب عَليَّ التَكلمُ بِوضوحٍ أَو إِغلاقُ فَمي كَي لا أُعَلِّم؟

الكاهنُ هُو مِلحُ الأَرض، وَهو الذي يُصَالِحُ المُتخاصمِين؛ فإذا كانَ هو في خِصام، مَن سَيُصالِحُهُ مَع قَريبِهِ؟

لاَ أَحدَ يَزيدُ المِلحَ على المِلحِ لِيَجعَلَه بِحالَةٍ أَحسَن؛ إِذا فَقَدَ المِلحُ نَكهَتَه، مَن يُعيدُ لَهُ طَعمَهُ اللَذيذ؟

إذا فَقَد المِلحُ نَكهَتَه مَاذا بِاستِطَاعَتِنَا أَن نَضعَ في الغِذاء؟ إِذا فَقَدَ المِلحُ نَكهتَه، فمِنَ المُستَحيلِ عِندَهَا أن يُعطي نَكهَةً لَذيذة.

إذاً أَنتَ أيُها الكَاهن، الذي أَنتَ مِلحُنَا، أُجلُب نَكهَتَك الطيِّبةَ كَي تَجعلَنَا مُمَيَّزينَ عَن الآخرين؛ أَنتَ لاَ تَفقِدُ نَكهَتَك الطيّبة، لِذَلك نَنتَظِرُكَ كَي تَجعَلَنَا أَطهَارا.

أُمْزُجْ ذَاتَكَ بِنَا، نَحنُ الذين فَقَدنَا نَكهَتَنَا الطيّبة، أَصبَحنَا أَشراراً إذ لاَ نَقوم بأعمَالٍ جَيّدة؛ رُدَّنَا إلى السَّبِيل المُستَقيم وَأَعِد إِلَينَا النَّكهَةَ الطَيّبة التي فَقَدنَاهَا.

الكُلُّ يَنتَظِرُ نَكهَةَ مِلحِكَ الطَيِّبِ، فَتَجْعَلُهُم أَطهاراً؛ إِن زالَت نَكهَتُكَ الطيّبةُ، لَبَكَينا من نَكهَتِكَ الكَريهَة.

أيُهَا الكاهِنَ، أَنتَ المِلحُ،

إَنتَبِه أَلاَّ تَغضَب مَع قَريبِكَ، وإِلاّ لَقَالَ النَّاسُ: لمَ يَعُد هُنَاكَ نكهَةٌ لِلمِلحِ.

"أَنتُم مِلحُ الأَرض" إِن أَعْطَيتُمُ السَّلامَ وَطَنَكُم.

"أَنتُم نُورُ العَالمَ" إِن عَلَّمتُمُ الآخَرينَ مَن هُو الله.

تُصالِحُونَ مَن هُو عَلَى خِلافٍ مَعَ قَريبِه؛ تُهَدِّؤونَ مِن رَوعِ مَن يَغضَبُ على رَفيقِه.

أَنتُم الكَهَنَةُ! تُعَلِّمُون الآخَرينَ حُبَّ أَعدَائهِم؛ تُعطونَ دُرُوساً في كَيْفِيَّةِ عَطَاءِ الحَيَاة.

تُعلِنُونَ بِاسمِ الله "إِذا أَخطَأَ أَخَاكَ سَبعَ مَرات، سَامِحهُ سَبعاً وَسَبعينَ مَرّةً سَبعَ مَرّات".

عَلى آلاتِكُم الموسيقيَّةِ، تُرَنِمونَ إِنجيلَ ابنِ الله؛ تُرَنِمونَ تَرانيمَ الحُبِّ، كَي يُحبَّ كُلُّ واحِدٍ مَن يَكرَهُه.

يَسمَعُكم كُلُّ المَسيحِيينَ في الكنيسةِ تقولونَ بِقلوبٍ طَاهِرَة وفِي كُلِّ الأَنْحَاء: "لا يَغلِبَنَّ أَحَدٌ الشَرَّ بالشَر".

أَنتَ، أيُّهَا الكاهِنُ، عَلّمتَني مَا تَقولُهُ الكُتُبُ المُقَدَّسَةُ، وَبِفَضلِ ذَلكَ أَحَببتُ عَدُوّي. وَلَكِن مَاذا عَليَّ أَن أَفعلَ إِذا رَأَيتُكَ أَنتَ أَيُهَا الكَاهِنُ تَكرَهُ أَخَاك؟

تُعلِّمُني: "أَحبِب مَن يَكرَهُكَ"؛ وَلَكِن عِندَمَا يَكونُ أَخوكَ أنتَ في حَالَةِ غَضَبٍ مِنك، لا تَجِدُ نَفسَكَ أهلاً لِتَبني السَّلامَ مَعَه.

قُلتَ لي: "الرَبُّ لَن يُسامِحَكَ إذاَ لا تَغفِر"؛ وأَنتَ لا تُريدُ مُسَامَحَةَ أَخيكَ الذي أَبغَضَك. 

إِذا لا تَحتَرِمُ مَا يَجِبُ عَليكَ القِيامَ بِه، هَل بِاستِطاعَةِ أَحدٍ أَن يُرشِدَك؟ أَخاَفُ مِن تَأديبِكَ أَيُهَا الكاَهِن.

عَندمَا قَرأتَ لَنَا الكُتُبَ المُقَدّسَة، عَلَّمتَني أَن أَقومَ بِبِنَاءِ السَّلامِ مَع أخي. بالحقيقة، لَن يُقبَلَ في يَومِ الغُفرانِ العَظيمِ مَن كانَ غَاضِباً حَاقِدا.

في البُشرى الجَديدةِ نَقرَأُ: "أُترُك قُربَانَكَ وَصَالِح أَخَاك".

نعم، إن كَان أَحَدُهُم في حَالَةِ غَضَبٍ، ويُصَالِحُ أَخَاه، يَستَطِيعُ عِندَها وَبِسُهولَةٍ أَن يُقَرِّبَ قُربَانَهُ لله.

وَلَكِن عِندَمَا لا نَستَطيعُ القيامَ بالمُصَالحَة، لَحْظَةَ نَرفَعُ البَخّورَ لله، تَكُونُ تَقدِمَتُنَا بَالية. وإَذا كَان رافِعُ البَخُّورِ غَاضِباً حاقداً، يُهينُ بذلك مَسكِنَ الله.

بالحَقيقَة، في اليومِ الذي نَطلُبُ فيه الغُفرانَ مِنَ الله، يَكونُ البَخُّورُ عَلامَةَ حُبِّنَا له. هَذا هُو ضَميرُ القَلبِ النَّقي الذي إِحتَضَنَتهُ الجُذورُ المُبارَكةُ لِشَجَرةِ الحَياة.

هذا البَخُّورُ المُختارُ الذي يَرفَعُهُ الكَاهنُ في قُدْسِ أَقداسِ الهَيكلِ، يُصَوِّرُ الأَفكارَ الطّاهِرَةَ مِن كُلِّ عَيب.

إن "الشَمعَدَان" ذا الأَعمِدَةِ السّبْعِ، الذي كان يُضِيءُ خَيمَة اللّقَاء، يَرمُز إلى حُبِّ الله الذي يَسكُنُ في قَلبِ الإنسَان الطّاهِر.

إِن كانَ الكاهنُ فِعلاً "يُحِب"، يَستَطيعُ عِندَهَا الْمُثولَ أَمَام الله، وَلَكِن إِن كَان يَفتَقِدُ لِهَذا الحُبّ، فإنّ أَيَّ مَسيحِيٍ هُو أَفضَلُ مِنُه.