لبنان: الزواج المختلط بين مختلفي الدين والمذهب والجنسية

في المركز الكاثوليكي للإعلام 16 فبراير 2010



بيروت،  الثلاثاء 16 فبراير 2010 (Zenit.org).

ندوة صحفية عقدت اليوم ظهراً في المركز الكاثوليكي للإعلام بدعوة من اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام، تحت عنوان: "الزواج المختلط بين مختلفي الدين والمذهب والجنسية"، شارك فيها: الاستاذة الجامعية في جامعة القديس يوسف – كلية الحقوق والعلوم السياسية، البروفسور ندى شاوول، والاستاذ المحاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة القديس يوسف – بيروت  ومعهد الحكمة العالي للحق القانوني، البروفسور ابراهيم طرابلسي، رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام، المطران بشارة الراعي و النائب البطريركي العام على منطقة جونيه ورئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة في لبنان، المطران انطوان نبيل العنداري، بحضور الخوري عبده أبو كسم، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام ، الاب يوسف مونس، أمين سرّ اللجنة الاسققية لوسائل الإعلا، الأب سامي بو شلهوب، المسؤول عن فرع السمعي والبصري في المركز وعدد كبير من الإعلاميين والمهتمين.

 

بداية رحب الخوري عبده ابو كسم بالحضور وقال :

يرتكز موضوع ندوتنا اليوم حول الزواج المختلط بين مختلفي الدين والمذهب والجنسيّة، وهو موضوع دقيق وشائكٌ بعض الشيء، وهو بالإضافة إلى ذلك أمرّ طبيعي في بلدٍ متعدّد الطوائف كلبنان.

وإذا كان مؤتمر الزيجات المختلطة الذي نظمته اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة الأسبوع الفائت قد حدّد مفهوم الزواج المختلط بأنه الزواج الذي يجمع بين زوجين مختلفين في الجنسيّة أو الدين أو الطائفة، فمن الواجب أيضاً النظر والبحث عن الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى عقد مثل هذه الزيجات.

هل من هذه الأسباب الحب الذي يجمع بين حبيبين من دين مختلف؟ أم منها ما هو هروبٌ يقوم به أحد الشريكين من زواج أول  لعقد  زواج  ثانٍ من شريك ينتمي إلى دين مختلف عن دينه وبذلك يضمن وبرأي صاحبه التفلّت من التزامات يفرضها الزواج الأول؟

ومن هي المراجع الدينيّة الصالحة للبت في قانونيّة عقد مثل هذه الزيجات في ظل قانون للأحوال الشخصية يتمايز به لبنان عن سواه من الدول بفضل تعدّد طوائفه.

سوف تكون هذه الندوة غنية في مضمونها بفضل مشاركة اصحاب السيادة، والزملاء الملافنة في علم القانون، وما يزينها اليوم حضور طلاب اعزاء من كلية القانون الكنسي في جامعة الحكمة نقدر لهم مشاركتهم معنا، وإني إذ اتمنى أن تفتح هذه الندوة الآفاق حول أفكار جديدة وحلول راعوية لمثل هذه الزيجات. لا يسعني إلاّ أن أرحب بكم جميعاً باسم صاحب السيادة المطران بشارة الراعي، رئيس اللجنة، متمنياً أن تضيء مداخلات اليوم على هذا الموضوع بكل جوانبه. وأهلا وسهلاً بكم.

 

ثم القت كلمة البروفسور ندى شاوول فقالت:

عندما شرّفني سيادة المطران بشارة الراعي بدعوتي لطرج إشكالية الزواج المختلط بين مختلفي الدين والمذهب والجنسية تذكّرت، طرفةً صغيرة كانت تحكيها لي والدتي عندما كانت تتابع دراستها في مدرسة راهبات العائلة المقدّسة الفرنسيات في آواخر ثلاثينات القرن الماضي والقصة تقول: أنّه في يوم من الايام طلبت ريّسية المدرسة، وقد بدا الاضطراب على ملامحها، من التلميذات الصلاة من أجل أحدى التلميذات وتدعى ماغي لأنها مأساوية ويجب الصلاة من أجلها. واعتقدت التلميذات في بادئ الأمر أن ماغي مريضة لكن الريسة نفت ذلك ولكنها بقيت تردّد يا مسكينة يا ماغي "وانتاب الخوف التلميذات واعتقدت أنّ ماغي قد توفيت غير أن الراهبة نفت ذلك مع أنها كانت تؤكّد أنّ ما حصل مع ماغي هو أسوأ من المرض والموت وهي تبكي ونتتحب على مصير ماغي. وعندما سُئلت بإلحاح عن حقيقة وضع ماغي، قالت : "صلوا يا احبائي من أجل المسيكينة ماغي فإنها قد تزّوجت ارثوذكسياً.

وإننا غذ نشكر الله على كون الزواج المختلط بين مُختلفي المذهب داخل الطوائف المسيحيّة لم يعد يُثير مثل هذه الردود الفعل وعلى التطوّر الذي حصل على صعيد الإنفتاح على الآخر والتركيز على الأسس المشتركة بين مختلف المذاهب المسيحيّة، لا يمكننا سوى ان نعترف بانّ الزواج المختلط خاصة بين مختلفي الدين والجنسية لا يزال مصدر إشكاليات وتباينات داخل الثنائي الزوجي والعائلة بالمعنى المصغر والموسع والمجتمع والوطن.

بالمبدأ إنّ مفهوم الزواج المختلط mariage mixte  يتنافى مع شرعة حقوق الإنسان ومبدأ المساواة بين البشر الذي تكرسُه هذه الشرعة بحيث لا يجوز التفريق بين إنسان وآخر على اساس العرق او الدين أو الجنسية، في حيث أن مفهوم الزواج المختلط هو مبني على الإقرار بوجود فرق بين الزوجين من حيث الدين أو المذهب أو الجنسية

هذا من الناحية القانونية المحضة. أما من الناحية الإجتماعية والعملية، فالأمور مختلفة. أمام المشاكل التي تنتج غالباً عن الزيجات المختلطة أو على الأقل امام المشاكل التي يترّقب أو يتوقع  الفرقاء حصولها، تختلف ردود الفعل ومنهم من يعتبر أن الصعوبات جمّة وأن التباين في العادات والتقاليد والثقافة كبير بحيث يجب رفض هذه الزيجات والابتعاد عنها قدر المستطاع وإرشاد الأزواج بتجنبها لأنها محكومة حتماً بالفشل وبالتالي ولهدف تفادي أن تكون حياة الزوجين وأولادهما تعيسة، من المستحسن الابتعاد عن الزيجات المختلطة. وتكثر في هذا الإيطار الأقاويل الشعبية والأمثلة التي تؤكد ذلك "ما هو حلالك إلاّ أولاد ملتك" كل شيء وإلا وله شئ" الخ وابعد عن الشر وغني له» الخ…

أمّا النمط الثاني فهو الذي يعتبر إننا جميعاً أولاد الله وأنّ لا فرق بين إنسان وآخر فكلنا أخوة ومتساون وعلى كل حال إن المشاكل التي قد تحصل هي مصطنعة تختلقها السلطات في الدولة والسلطات الدينية للسيطرة على رعاياها إلخ…  

… هناك فريق ثالث يهرب من المشكلة أو بالآحرى إنه يعتقد أنّه يهرب من المشكلة وذلك بعقد الزواج المختلط خارج لبنان تحت حكم قانون آخر مدني يرعى حقوق وواجبات كل من الزوجين وغالباً ما يتبع الزواج المعقود في الخارج إقامة في الخارج وتربية الأولاد وفقاً لأنماط وقيم مدنية توّفر المساواة الرجل والمرأة وتؤمن حقوقهم بالكامل.

إن نفي إشكاليات الزواج المختلط أو الهروب منها إلى نظام قانوني آخر كما واعتبارها عائقاً محكماً أمام الإقدام على الزواج هي كلها ردود فعل غير مجدية وغير ناضجة. فمن الأفضل طرح الإشكالية بواقعية ومعرفة عوائقها وأبعادها لأنّ الإنسان هو عدو ما يجهل وإنّ معرفة الآخر والتباينات الموجودة بين مختلق الأديان والجنسيات هي الباب للقبول به والبناء على العناصر المشتركة بهدف تخطي الصعوبات وإنجاح المشروع الأسري.

إن طرح إشكالية الزيجات المختلطة لا يمكن مقاربته سوى من خلال عنصر تضارب القيم المرجعية valeurs références بين الإديان المختلفة والجنسيات المختلفة وبدرجة أقل بكثير بين المذاهب المختلفة.

متى يظهر هذا التباين ؟

إن الزواج، خاصة الزواج المختلط هو مبني مبدئياً على علاقة الحب التي تنشا بين الزوجين وعلاقة الحب هذه التي توحّد الثنائي تعزله في المرحلة الأولى عن مجتمعه بحيث لا يرى الواحد سوى الآخر فتتلاشى البيئة والمجتمع وتتضاءل أهميتها غير انّه سرعان ما يعود المحيط ويأخذ مكانته بالذات عندما تبدأ الحياة الزوجية الحقيقية ويواجه الحب والعلاقة الغرامية الواقع والعقبات ففي هذه المرحلة يظهر التضارب في القيم المرجعية.

1-   الزواج المختلط بين مختلف الجنسية:

في مجتمعنا اللبناني، غالباً ما يكون الزواج المختلط من حيث الجنسية من لبناني أو لبنانية مع شخص عربي (أوروبي، أميركي أو كندي) في حين أنّ الزواج من مواطن آسيوي أو إفريقي يبقى نادراً. في هذه الزيجات، هناك عدة إشكاليات، منها القانونية والمعروفة، وهي إشكالية نيل الجنسية (صعوبة أو سهولة نيلها، حقيقة الزواج، mariage blanc،  مشكلة جنسية الأطفال ومنع اللبنانية المتزوجة من أجنبي من إعطاء جنيستها اللبنانية لولدها وهي موضع حملات إعلامية واسعة من أجل تغيرها وسط تجاذبات وخلفيات سياسية. هناك أيضاَ على الصعيد القانوني إشكالية الإرث على اساس مبدأ المعاملة بالمثل principe de réciprocité   بين الدول.

أما على الصعيد الاجتماعي، فإن تضارب القيم يظهر خاصة على صعيد تمسك الفرد العربي بقيمه الفردية (حريته الشخصية، وسعادته الخاصة، وعدم بالروابط والطقوس العائلية والإجتماعية) في حين انّ الفرد الشرقي غالباً ما يغلب مصلحة الجماعة خاصة العائلة على مصلحته وحريته الشخصية. وعلى سبيل المثال إن قيمة التضحية من أجل الأولاد أو الزوج هي قيمة موجودة وكرّسة وهي موضع احترام من قبل المجتمع الشرقي، فإذا ضحت زوجة بسعادتها الشخصية من أجل أولادها وقبلت باستمرار زواج لا يسعدها من أجل استقرار أولادها فهذا الامر مقبول ومشجع في حين أنه مدان اجتماعياً وقد يكون موضع سخرية في المجتمع الغربي. ويظهر ذلك أيضاً في العلاقة مع الأهل الذين هم موضع اهتمام الأولاد وقد يقبلون بأن يسكنوهم معهم (هذا واقع لغير الميسورين في الشرع الإسلامي)، في حين يرفض الفرد في الغرب رفضاً قاطعاً ذلك. تجدر الإشارة على تقارب القيم حالياً بسبب العولمة وعمل النساء خاصة بعد الحرب في لبنان الذي غيّرت الكثير من القيم، غير أن تغير الواقع لا ينتج عنه حتماً وبالوتيرة ذاتها تغيراً في القيم المرجعية التي قد تبقى تقليدية ولو تبدلت الأحوال العملية.

هناك أيضاً عوائق عدّة في اللغة والعادات والتقاليد والعلاقة بالمال ورعاية الأطفال بحيث يتوّجه الغرب إلى إعطاء الولد استقلالية في حيث أن الشرقي يعتبر الولد ملكه وتبقى علاقة السيطرة عليه …

2 – الزواج المختلط بين مختلفي الدين:

إن العيش المشترك بين مختلف الأديان في لبنان وبالرغم من الحروب والنزاعات قد يقرّب القيم المرجعيّة بين الدين المسيحي والاسلامي خاصة وأن المناطق الجغرافية في لبنان غالباً ما تكون مختلطة وليست من لون واحد. غير أنّ العادات والتقاليد الثقافية تختلف كما تختلف مسائل ال gender أي علاقة الرجل بالمرأة. إنّ وضع المرأة في الإسالام الناتج عن إمكانية تعدّد الزوجات والطلاق من جانب واحد يعزّز القيم الذكورية خاصة أن الزواج هو عقد كسائر العقود في الإسلام يمكن الخروج من قيوده بإرادة أحد الفريقين. ويختلف الوضع في الدين المسيحي حيث ان الزواج هو سرّ ولا يفرّقه سوى الله مع منع الطلاق.

ويزيد الوضع تبايناً الفروقات على الصعيد القانوني، ففي حين أن الطوائف المسيحية تخضع من ناحية الإرث لقانون مدني هو قانون 1959 الذي يؤمن المساوة بين الرجل والمرأة من الناحية الإرثية فإن المسلمون يخضعون للشرع الإسلامي الذي يكرس قاعدة "وللذكر مثل حظ الاكثريين".

ولو أن الحيل القانونية كثيرة للتهربن من هذه القواعد كاللجوء  لتغيير الدين أو المذهب للتمكّن من الطلاق بالنسبة للمسيحين أو كالهبة والحسابات المصرفية المشتركة للبنات لإعطائها حصة ارثية مساوية لحصة الذكر، فإن المهم ليس القاعدة القانونية بحد ذاتها بل ردود الفعل الفكرية والذهنية القيمية التي تنتج عن هذه القواعد.

3 – الزواج المختلط بين مختلفي المذهب: 

برأينا، أن هذه الزيجات التي اصبحت كثيرة لم تعد تثير مشاكل كبيرة لا لدى الطوائف المسيحية ولا لدى الطوائف الإسلامة (اشكالية سياسية). وبالنسبة للطوائف المسيحية فإن التقارب بين المذاهب واللقاءات المسكونية خاصة بعد مجمع Vatican II ، ساهمت بشكل فعّال في تقارب وجهات النظر ومحو التباينات والإنشقاقات والبرهان على ذلك أن موضوع اختلاف المذهب لم يعد يُذكر أو يُثار في المجتمع المسيحي.

خاتمة:

إن معرفة حجم المشاكل التي تنتج عن الزيجات المختلطة وما إذا كانت تؤدي هذا النوع من الزيجات إلى افتراق أو طلاق أكثر من غيرهما من الزيجات لا يمكن تقيّمها بشكل علمي إلاّ من خلال معرفة الأرقام والإحصائيات وبالتالي فتح سجلات المحاكم الروحية والمذهبية والإطلاع على حيثيات أحكامها، كما والإطلاع على سجلات النفوس، بهدف رسم سياسة قانونية واجتماعية تساهم في تقليص التباينات ونشر التفاهم والإنسجام داخل الثنائي الزوجي الاسري.

ثم كانت مداخلة للمحامي ابراهيم طرابلسي بعنوان : إشكـالية الزواج المختلـط بين الواقـع والقـانون وقال:

 

 

أولا: مقدمـة:

الاختلاط في المجتمع المتعدد ولقاء الناس من مختلف الجنسيات يؤدي غالبا إلى قيام زيجات مختلطة وقد وضع المشترع الديني والمدني الإطار القانوني لمثل هذه الزيجات .

علمتني تجربتي أنه في بعض الزيجات المختلطة حيث الاختلاف في الدين وأحيانا في المذهب والجنسية لا تتأخر النزاعات في النشوب بين الزوجين نتيجة عدم القدرة على التأقلم والتعاون بسبب اختلاف البيئة الاجتماعية والمفهوم الديني والقانوني للزواج وأبعاده.

من خلال رفع هذه النزاعات أمام المحاكم تبدأ مرحلة "شد الحبال" بين الزوجين في محاولة لتطبيق القانون الأكثر نفعا لأحدهما.

في الواقع، يتلطى الزوجان وراء انتمائهما الطائفي أو المذهبي والوطني والمقصود هنا الانتماء حسب الجنسية .

سميت دراستي إشكالية الزواج المختلط بين الواقع والقانون لأن الخلاف يدور دائما حول القانون الواجب التطبيق على النزاع والمحكمة الصالحة للبت به وتتداخل فيها التشريعات الدينية والمدنية والقوانين اللبنانية والأجنبية.

– لا يمكن إيفاء هذا الموضوع الشائك حقه من خلال دراسة واحدة مهما كانت معمقة ودقيقة لأن تشابك القوانين وتضارب الصلاحيات وندرة المراجع حولها تبقي الباب مفتوحا أمام ثغرات ونواقص اعتذر منكم سلفا إذا وجدتم أنها اعترت دراستي.

ثانيا: تعريف الزواج المختلط:

الزواج المختلط هو الزواج الذي يختلف فيه الزوجان ديانة ومذهبا وجنسية.

1 – الزواج المختلط بين مسيحيين من مذاهب مختلفة:

   

* قاعدة الصلاحية والقانون الواجب التطبيق في الزيجات المختلطة المنعقدة بين مسيحيين من مذاهب مختلفة:

القاعدة القانونية للزيجات المختلطة بين المسيحيين من مذاهب مختلفة نجدها في المادتين 14 و15 من قانون 2 نيسان 1951.

جاء في المادة 14:

"إن السلطة المذهبية الصالحة للحكم في عقد الزواج ونتائجه إنما هي السلطة التي يكون عقد لديها الزواج وفقا للأصول وبموجب قواعد الصلاحية المعينة في المادة 15 بشأن الزيجات المختلطة وبحال وجود عقدين صحيحين أو أكثر فالسلطة المختصة هي التي أجري لديها العقد الصحيح".

نظمت المادة 15 الزيجات المختلطة لجهة قاعدة الصلاحية في حال الاحتفال بعقد الزواج أمام سلطة الطائفة التي تنتمي إليها طالبة الزواج:

"في الزيجات المختلطة يجب مبدئيا إجراء العقد أمام السلطة الروحية التي ينتمي إليها الرجل ما لم يتفق طالبا الزواج على اختيار سلطة الطائفة التي تنتمي إليها طالبة الزواج بموجب تعهد خطي يوقع عليه الطالبان معا يتضمن الرضوخ لقوانين الطائفة المذكورة".

– تفيد المادة 15 أنه في حال نشوب نزاع بين الزوجين فإن المحكمة المختصة تكون محكمة الطائفة التي تنتمي إليها الزوجة ويصار من أجل حفظ اختصاص هذه المحكمة إلى التدقيق في المعاملات السابقة للزواج للتأكد من وجود التعهد الخطي الموقع من الزوج والذي يثبت رضوخه لسلطة محكمة المذهب الذي تنتمي إليها زوجته . وفي حال عدم وجود مثل هذا التعهد فإن المحكمة الصالحة تكون محكمة المذهب الذي ينتمي إليه الرجل استنادا لأحكام المادة 14 المذكورة أعلاه .

استقر اجتهاد محكمة التمييز ومن بعده الهيئة العامة لهذه المحكمة على عدم التوسع في تفسير القاعدة المنصوص عنها في المادة 15 من قانون 2 نيسان 1951 لجهة تحديد المرجع الصالح للبت بالنزاع في الزيجات المختلطة:

جاء في قرار لمحكمة التمييز أنه لو عقد الزوج الماروني زواجه أمام سلطة طائفة زوجته الأرثوذكسية، فإن المحكمة الروحية المارونية هي الصالحة للنظر في نتائج الزواج حيث أن الزوجين لم يوقعا على تعهد خطي أثناء العقد يفيد خضوعهما للسلطة الأرثوذكسية (تمييز، قرار نهائي (الغرفة الأولى)، رقم 31 تاريخ 8/5/1961) .

2. الزواج المختلط بين معمدين وغير معمدين:

تجيز الكنيسة الكاثوليكية فقط زواج الكاثوليك من غير معمدين بعد التفسيح من مانع اختلاف الدين وقد حددت المادة 804 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية شروط التفسيح من هذا المانع:

* تنازع القوانين في حالة اختلاف الدين:

يمكن من خلال عرض الحالة التالية فهم إشكالية تنازع القوانين في الزواج المختلط المنعقد بعد التفسيح من مانع اختلاف الدين، في حال وجود عقدي زواج أجريا تباعا أمام سلطتين دينيتين مختلفتين .

– حالة زواج شاب شيعي من فتاة مارونية أمام المرجع الجعفري وهو زواج صحيح لأن الشرع الإسلامي يجيز زواج المسلم من كتابية.

ومن ثم اتباع هذا الزواج بعقد جرى أمام الطائفة المارونية باعتبار أنها تجيز الزواج بين معمدة وغير معمد، وهذا الزواج صحيح أيضا في حال جرى التفسيح للزوج المسلم من مانع اختلاف الدين.

– نشب نزاع بين الزوجين فلجأ كل منهما إلى طائفته فصدر حكم عن المحكمة الجعفرية أعلن الطلاق بينهما وحكم آخر صادر عن المحكمة المارونية أعلن بطلان زواجهما.

القاعدة المتبعة لتحديد المرجع الصالح نجدها في المادة 14 من قانون 2 نيسان 1951 التي نصت على أن السلطة الصالحة للحكم في عقد الزواج هي السلطة التي يكون عقد لديها الزواج وفقا للأصول وأنه في حال وجود عقدين صحيحين أو أكثر فالسلطة المختصة هي التي عقد لديها العقد الأول. وهنا تكون السلطة الصالحة هي محكمة المرجع الذي عقد الزواج الأول أي المحكمة الشرعية الجعفرية بغض النظر عن أي من العقدين سجل في دائرة الأحوال الشخصية.

– وهذه القاعدة كرستها عدة قرارات صادرة عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز نذكر منها القرار رقم 14/98 أساس 184/98 تاريخ 22/10/1998.

 

* الزيجات المختلطة المنعقدة بين مسلمين وغير مسلمين:

القاعدة في الشرع الإسلامي تقول بصحة الزواج المنعقد بين مسلم وكتابية، وفي حال نشوب نزاع في هذا الزواج المختلط تكون المحكمة الشرعية صالحة للبت بالزواج ونتائجه.

 زواج الكتابي من المسلمة:

يعتبر الشرع الإسلامي زواج الكتابي من المسلمة حراما وغير شرعي، فيمنع قيامه أصلا حتى لا تتعرض الزوجة المسلمة للتحول والتغيير عن دينها، لأن في زواجها من الكتابي تسلطا عليها وحرمانها من دينها أو منعها من ممارسة شعائرها الدينية، فتصبح الزوجة، في هذه الحالة، مرتدة.

3. الزيجات المختلطة المنعقدة في لبنان بين أجانب ولبنانيين :

جاء في القرار 109 ل.ر الصادر عن المفوض السامي بتاريخ 14/5/1935 في مادته الأولى:

المادة 1- للمحاكم المدنية وحدها الصلاحية اللازمة للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية المختصة بأجنبي واحد أو بعدة أجانب إذا كان أحدهم على الأقل تابع لبلاد تخضع للحق المدني وفقا لقوانينها النافذة.

يتضح من هذا النص أن المحاكم المدنية اللبنانية هي وحدها الصالحة للنظر في دعاوى الأحوال الشخصية وفي عقد الزواج ونتائجه كافة إذا تم الشرطان الأساسيان وهما:

1 – أن يكون كلا الزوجين أو أحدهما أجنبيا في حين العقد.

2 – وأن يكون أحدهما أو كلا الزوجين تابعا لبلاد يطبق فيها على الأحوال الشخصية فيما يتعلق بأساس الحق، القانون المدني لا القانون الطائفي.

– تطبيقا لأحكام القرار 109 ل.ر اعتمدت محكمة التمييز اللبنانية في قراراتها واجتهاداتها المبادئ التالية:

 إن المحاكم المدنية هي وحدها الصالحة للنظر في الأحوال الشخصية إذا كان كلا الزوجين أو أحدهما أجنبيا (تمييز هيئة أولى رقم 72 تاريخ 31/5/1960 ورقم 44 تاريخ 29/5/1962).

– إن الأجانب وإن كانوا ينتسبون إلى طائفة معترف بها، فإنهم يخضعون في شؤون الأحوال الشخصية لأحكام قانونهم الوطني (تمييز رقم 106 – 28 – 11/1962).

* الاجتهاد فيما يعود للصلاحية:

نشير إلى بعض القرارات الصادرة عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز المؤيدة عدم صلاحية القضاء المدني للنظر في خلاف ناتج عن زواج مختلط بين لبناني وأجنبية عقد في لبنان.

– أكّدت الهيئة العامة لمحكمة التمييز القرار رقم 19/74 على أنه في حال عقد زواج ديني في لبنان بين لبناني وأجنبية، ثم اكتسبت هذه الأخيرة الجنسية اللبنانية بعد زواجها وقبل إقامة الدعوى، فلا مجال للقول بصلاحية المحاكم المدنية ويكون المرجع الذي عقد الزواج لديه هو الصالح للنظر بصحة الزواج أو بطلانه أو انحلال روابطه.

"بتاريخ الدعوى لم يعد إذن من حالة توجب الاستثناء من اختصاص المحكمة الروحية الصالحة وفقا للمبدأ العام طالما أن الزواج عقد لديها وطالما أن طلب بطلانه عالق بين زوجين لبنانيين.

وبما أن الفقرة 2 من المادة 19 لقانون 2/4/1951 إذا كانت تنص على أن تغيير الجنسية بعد عقد الزواج لا يؤثر على تطبيق أحكام القانون المذكور وإنما ذلك لمنع المتداعيين من التهرب من أحكامه. أما تغيير الجنسية المؤدي إلى تأييد أحكامه كما هي الحال في اكتساب الزوجة للجنسية اللبنانية "فهو لا يدخل أدنى تعديل على تطبيق الأصول والقواعد المبنية في هذا القانون أي في قانون 2/4/1951 ، إنما هو خروج عن الحالة المستثناة من أحكامه هذه للعودة إلى سيادة المبدأ العام، الذي ينص عنه قانون 2 نيسان 1951" .

– جاء أيضا في القرار رقم 6 الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز تاريخ 18/3/1971: حالة زواج لبناني أرثوذكسي، تزوج من بلجيكية زواجا أرثوذكسيا في بيروت.

اكتسبت الزوجة الجنسية اللبنانية بعد الزواج، فإذا أجيز للزوجة أن تحتفظ بجنسيتها الأصلية، بالإضافة إلى جنسيتها اللبنانية، يبقى التفضيل بين الجنسيتين هو للجنسية اللبنانية، حفاظا على سيادة القانون اللبناني، وللمحكمة الأرثوذكسية صلاحية الحكم بفسخ الزواج.

– جاء أيضا في قرار صادر بتاريخ 18/3/1971 في حالة الزواج الحاصل بين لبناني ويونانية في اليونان بعقد أول أرثوذكسي وثاني كاثوليكي، اعتبر أن القانون اليوناني هو قانون مدني، ولا بد من عقد زواج مدني بعد الزواج الديني، وحيث إن عقد الزواج لم يحصل في لبنان، وإن كان دينيا، والمحاكم المدنية اليونانية تنظر في الخلافات الناشئة عن القانون المذكور. وحيث إن شروط المادة الأولى من القرار 109/1935 متوافرة، لأن أحد الزوجين أجنبي، لذلك تكون المحاكم المدنية اللبنانية صالحة لدعوى الطلاق.

أما إذا اكتسبت الزوجة الأجنبية الجنسية اللبنانية، بالإضافة إلى جنسيتها الأصلية، فيبقى التفضيل بين الجنسيتين للجنسية اللبنانية، حفاظا على سيادة القانون اللبناني، وتصبح المحكمة الدينية اللبنانية هي الصالحة للحكم بالطلاق.

* اجتهاد غير مستقر فيما يعود للصلاحية:

ورد في القرار رقم 3 الصادر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز بتاريخ 7/3/1985 أن المحاكم المدنية تبقى صالحة للنظر بالخلاف الناشئ بين زوجين إذا كان أحدهما أجنبيا ، وإن كان عقد الزواج قد حصل أمام سلطة دينية ، وذلك وفقا للمادة الأولى من القرار رقم 109 ل.ر .

وقد اتخذ هذا القرار بالأكثرية وأيّد القاضي المخالف النظرية القائلة بأن القرار 109 ل.ر لم يعد يطبق في لبنان على المسيحيين منذ قانون 2/4/1951 وعلى المحمديين منذ صدور قانون تنظيم المحاكم الشرعية في 16 تموز 1962، فضلا عن أن تطبيق القانون الأجنبي يتنافى مع مبدأ السيادة الوطنية، لأن لكل لبناني الحق بأن يحاكم في لبنان وفقا للقانون اللبناني.

ثم كلمة للمطران الراعي تحت عنوان:  الاتفاق الراعوي بين الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية في لبنان:

ا. الموجبات

        أدرك رؤساء الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية في لبنان خطورة ممارسة تغيير المذهب من اجل الحصول على الاطلاق، باستغلال حرية المعتقد التي يقرّها الدستور اللبناني.

المشكلة هي ان ازواجاً كاثوليك يبدّلون مذهبهم الكاثوليكي الى مذهب غير كاثوليكي فقط من اجل الحصول على الطلاق، إما لانهم لم يتمكنوا من الحصول على بطلان الزواج في كنيستهم الكاثوليكية، وإما، وهذا غالباً ما يحصل، لان الحصول على الطلاق أضمن وأسهل وبالشكل الاسرع، من دون محكمة تحقق وتستجوب وتطلب شهوداً وتبادل لوائح، ولو كانت الكلفة باهظة.

ان مثل هذه الممارسة تشوّه حرية المعتقد وتستغلّها. فحرية المعتقد تعني الحق والواجب لكل شخص بشري، بحكم ما ينعم به من عقل سليم وارادة حرّة ومسؤولية شخصية، ان يبحث عن الحقيقة، وفي طليعتها تلك المتعلقة بالشأن الديني، مستعملاً الوسائل الملائمة، ليكوّن لنفسه حكماً ضميرياً مستقيماً وحقاً، وفقاً لفطنته، ويُلزمه بالخضوع لهذه الحقيقة عندما يعرفها، وبتنظيم حياته كلها وفقاً لمقتضياتها. ان تغيير المذهب او الدين عن قناعة وايمان بحقائق ومعتقدات هذا المذهب او الدين، مع الالتزام بعيش مقتضياته، يحترم حرية المعتقد. اما ان يكون التغيير من اجل الاستفادة من تسهيلات هذا المذهب او الدين، مثل الحصول على الطلاق،  فذلك انتهاك لكرامة كلً من المذهب الكاثوليكي الاصيل والمذهب غير الكاثوليكي او الدين المعتنق، فضلاً عن انه يحطّ من قدسية الزواج، ويستهتر بالايمان والمعتقدات، ويفكك عائلات كاثوليكية قائمة في الاساس على رباط دائم لا ينفصم بموجب الشرع الالهي، ويخلّف آثاراً سلبيةً على الاولاد على المستوى الروحي والنفسي والاجتماعي.

وهناك ايضاً اشكالية قانونية تستفيد منها الكنائس غير الكاثوليكية التي تستقبل ازواجاً كاثوليك وتغيّر مذهبهم وتعطيهم حكم الطلاق. الاشكالية هي ان القرار 60 ل.ر. الصادر عن المفوّض السامي الفرنسي في 13/3/1936 في مادته 23 البند2 ينص: " اذا ترك الزوجان طائفتهما، يكون زواجهما والصكوك والموجبات المتعلقة بالاحوال الشخصية تابعة لقانون نظامهما الجديد".

لكن قانون 2 نيسان 1951 الصادر عن رئيس الجمهورية اللبنانية يعتبر في المادة 14 ان  "السلطة المذهبية الصالحة للحكم في عقد الزواج ونتائجه انما هي السلطة التي عُقد لديها الزواج". ونص في المادة 35 على ان " يُلغى كل نص مخالف لاحكامه او غير متفق مع مضمونه".

من المؤسف ان الممارسة القضائية ما زالت تطبق القرار 60 ل.ر. تاريخ 13/3/1936 لا قانون 2 نيسان 1951. وهذا ما نشكو منه نحن الكاثوليك.

اما في الواقع فان ثلاث طوائف غير كاثوليكية لا تسمح بقبول ازواج كاثوليك يغيّرون مذهبهم الكاثوليكي لديها من اجل الحصول على الطلاق وهي: كنيسة الروم الارثوذكس، وكنيسة الارمن الارثوذكس، والكنيسة الانجيلية. فبقيت المشكلة عالقة مع كنيسة السريان الارثوذكس والكنيسة الاشورية.

في ضوء الادراك لهذه الخطورة، تدارس هذه المشكلة مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في مؤتمره السادس عشر المنعقد ما بين 16 و20 تشرين الاول/ اكتوبر 2006 في مقر البطريركية الارمنية الكاثوليكية في دير بزمار. وانشأ " لجنة مشتركة لمتابعة قضايا ابدال المذهب او الطائفة للحصول على الطلاق" تمثلت فيها كل من الكنائس التالية: المارونية والملكية الكاثوليكية واللاتينية من جانب الكنيسة الكاثوليكية؛ والروم الارثوذكسية والارمنية الارثوذكسية والسريانية الارثوذكسية والاشورية والانجيلية.

بعد عدة اجتماعات ودراسات ومناقشات، توصلّت اللجنة الى اقرار " اتفاق راعوي بين الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية في لبنان"، اقرّه بطاركة الشرق الكاثوليك وممثّلو الكنائس البطريركية للروم الارثوذكس والارمن الارثوذكس والسريان الارثوذكس والاشوريين والكنيسة الانجيلية في الاجتماع المسكوني الذي عقدوه في بكركي بتاريخ 26 تشرين الثاني 2008 .

2. نص الأتفاق الراعوي

        في الاجتماع المسكوني الذي عقده في بكركي بطاركة الشرق الكاثوليك وممثلو الكنائس البطريركية للروم الارثوذكس والارمن الارثوذكس والسريان الارثوذكس والاشوريين والكنيسة الانجيلية، بتاريخ 26 تشرين الثاني 2008، وافق الآباء على الاتفاق الراعوي الذي قدمته بالتفصيل اللجنة المشتركة المكلفة متابعة قضايا ابدال المذهب او الطائفة للحصول على الطلاق.

        فقرروا لمدة سنتين التدابير التالية:

  1. ابدال المذهب او الطائفة للحصول على انحلال الزواج

 بما ان الكنائس الكاثوليكية والكنيسة الانطاكية الارثوذكسية تعتبر أن السلطة الصالحة للحكم في عقد الزواج ونتائجه هي تلك التي عقد لديها الزواج، وتبقى سارية على زواج الذين يتركون طائفتهم ويعتنقون طائفة اخرى، سواء تركها احد الزوجين او كلاهما بهدف التهرب من التقاضي لدى تلك السلطة،

وبما ان الكنيسة الارمنية الارثوذكسية والمجمع الاعلى للطائفة الانجيلية يرفضان قبول اشخاص يطلبون الانضمام الى عضويتهما بسبب الطلاق،

وبما ان الكنيستين السريانية الارثوذكسية والاشورية تخالفان الرأي لاعتبارهما ان قانون 2 نيسان 1951 لم يلغِ قانون 60 ل.ر. الصادر في 16 اذار 1936،

وريثما يصار الى تفسير رسمي بهذا الشأن،

قرّر الآباء أن تبقى السلطة الطائفيّة الصالحة للحكم في عقد الزواج ونتائجه تلك التي عقد لديها الزواج، وتكون سارية على زواج الذين يتركون طائفتهم ويعتنقون طائفة أخرى سواء تركها أحد الزوجين أو كلاهما، وبالتالي فإن الكنائس تعتمد المادة 14 من قانون 2 نيسان 1951 لإصدار أحكامها، ولا تقبل انضمام أيّ شخص إليها بهدف الطلاق.

        2. كيفية تعاطي الكنيسة الكاثوليكية مع احكام المحاكم الارثوذكسية والانجيلية التي تعلن انحلال الرابطة الزوجية

        توافق الآباء على ثلاثة:

أ- يعطي مطران الأبرشية الكاثوليكي إذناً بالزواج بقرار إداري في حال كان الحكم الأرثوذكسي أو الإنجيلي متوافقاً مع أسباب بطلان الزواج لدى الكنيسة الكاثوليكيّة. ذلك أن من الناحية القانونيّة لا تتمتّع المحاكم الكاثوليكيّة بالسلطة القضائيّة على الزيجات المنعقدة لدى الكنائس الأرثوذكسيّة والإنجيليّة، وأن الروح المسكونيّة تقتضي احترام صلاحيّة محاكم هذه الكنائس.

ب- بالمقابل تلتزم المحاكم الأرثوذكسيّة والإنجيليّة بإصدار الأحكام المُعلنة بطلان الزواج وفقاً للأصول القانونيّة، أي بتعليل وافٍ مستندٍ على أقوال الأزواج وشهودهم. وفي حال عدم التعليل، يصعب اعتماد الأحكام بقرار إداري.

ج- في حال عدم توافق الحكم الأرثوذكسي والإنجيلي مع القانون الكاثوليكي، يحصل اتصال بين مطران الأبرشيّة الكاثوليكي والرئيس الكنسي الأرثوذكسي أو الإنجيلي مصدر الحكم، لبحث الموضوع وللسعي لإيجاد مخرج أخوي. وإذا تعثّر ذلك يعرض هذا الحكم على اللجنة المشتركة لتحديد حجم المشكلة، فيُصار على أساسها بناء الحلول الملائمة.

البطريرك الكاردينال نصرالله بطرس صفير                     

بطريرك انطاكية وسائر المشرق                 

البطريرك اغناطيوس الرابع

بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس

البطريرك اغناطيوس زكا الاول عيواص

بطريرط انطاكية وسائر المشرق- الرئيس الاعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم اجمع

البطريرك غريغوريوس الثالث

بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم للروم الكاثوليك

الكاثوليكوس ارام الاول قشيشيان

كاثوليكوس بيت كيليكيا للارمن الارثوذكس

البطريرك اغناطيوس يوسف يونان

البطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي في العالم

البطريرك الكاثوليكوس نرسيس بيدروس التاسع عشر

بطريرك الارمن الكاثوليك لبيت كيليكيا

المطران بولس دحدح

الرئيس الروحي الاعلى لطائفة اللاتين في لبنان

المطران نرساي دي باز

مطران الطائفة الاشورية

المطران ميشال قصارجي

مطران بيروت للكلدان

الاب فيلو باتير الانبا بيشوي

رئيس الطائفة القبطية في لبنان وسوريا

القس الدكتور سليم صهيوني

رئيس المجمع الاعلى للطائفة الانجيلية في سوريا ولبنان

القس مكرديج قره كوزيان

رئيس اتحاد الكنائس الارمنية الانجيلية في الشرق الادنى.

3 مخاطر آخرى على العائلة المسيحية

وأدرك رؤساء الكنائس خطورة آخرى على العائلات المسيحيّة من جرّاء تغيير أزواج  مسيحيين دينهم واعتناقهم الاسلام. فكتبوا بشأنها إلى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء، لاتخاذ التدابير الحاسمة. والمشكلات هي:

1. تسجيل عقد زواج ثان لأزواج من الطوائف المسيحيّة

تقوم دوائر الأحوال الشخصيّة بتسجيل عقد زواج ثانٍ أُجري حسب الشريعة الإسلاميّة في لبنان والخارج لأزواج مسيحيّين مرتبطين بعقد زواج سابق معقود أمام المراجع المسيحيّة المختصّة.

تحصل هذه الحالة عندما يقوم أحد الزوجين المسيحيّين بإبدال دينه معتنقًا الإسلام، ويعقد زواجًا إسلاميًّا جديدًا، فيما وثاق الزواج المسيحي الأول ما زال قائمًا. الامر الذي ينتهك احترام الزوج الآخر وكرامته. علماً ان الزواج عهد يلتزم به الزوجان الاحترام المتبادل وتعزيز كرامتهما.

وإنّها مخالفة لقانون الأحوال الشخصيّة للطوائف المسيحيّة الذي تمنع تعدّد الزوجات، وبالتالي عقد زواج جديد أثناء قيام الرابطة الزوجيّة. هذا ما درجت على إقراره محكمة التمييز اللبنانيّة. ويعتبر قانون العقوبات هذه المخالفة جنحة يُعاقب عليها في المادة 485. وتُعاقب المادة 19 من قانون 2 نيسان 1951 هذه المخالفة بالسجن من شهر إلى سنة وبالعطل والضرر الذي تقدّره المحاكم النظاميّة الصالحة.

لا يستطيع الزوج المسيحي، الذي أبدل دينه من مسيحي إلى مسلم، التفلت من التزامات عقدها قبل إبدال طائفته، ومنها الالتزام بقانون الزواج المسيحي الذي يتميّز بوحدة الرباط الزوجي، ويمنع تعدّد الزوجات.

2. تسجيل أحكام طلاق بعد انتقال أحد الزوجين المسيحيّين منفردًا او كليهما إلى الإسلام

إنّ تسجيل مثل هذه الأحكام مخالفة للمادة 14 من قانون 2 نيسان 1951 التي تنص على «إن السلطة المذهبيّة الصالحة للحكم في عقد الزواج ونتائجه إنما هي السلطة التي يكون عقد لديها الزواج وفقًا للأصول».

انها مخالفة صارخة لهذه المادة من قِبَل الدوائر الرسميّة القضائيّة والإداريّة التي تنفّذ أحكام طلاق بعد انتقال أحد الزوجين المسيحيّين منفردًا او كليهما إلى الإسلام.

 أن تبديل مذهب الزوجين المسيحيّين بتاريخ لاحق لعقد زواج لا يُدخل أدنى تعديل على صلاحيات المحاكم الروحيّة التي عقد لديها الزواج، ونرى أنّ تبديل ديانة الزوجين من أجل التحرّر من أنظمة أحوالها الشخصيّة واستغلال أحكام أنظمة طائفة أخرى، يشكّل تحايلاً على القانون، يقع في مجال الملاحقة المنصوص عليها في قانون العقوبات، ويشكّل أيضًا إساءة للطائفة الأصليّة وللطائفة التي انتقلا إليها. ومعلوم أن التقيّد بالمادة 14 من قانون 2 نيسان 1951 متعلّق بالانتظام العام.

3. ابدال طائفة او مذهب الولد القاصر عندما يبدّل الزوج منفرداً طائفته او مذهبه

ان هذه الممارسة تخلّف صدمة نفسية وروحية واجتماعية لدى الاولاد القاصرين من جراء ابدال طائفتهم او مذهبهم الطارىء والمفروض عليهم، خلافاً لانتمائهم وممارستهم وثقافتهم.

بالعودة الى قانون قيد وثائق الاحوال الشخصية الصادر بتاريخ 17/12/1951 لا يتبيّن وجود نص يفيد بان الاولاد القاصرين يتبعون والدهم يصفته متولياً السلطة الوالدية عليهم في حال تغيير طائفته او مذهبه. فعندما يبدل الزوج طائفته او مذهبه منفرداً، تنتقل السلطة الوالدية الى الزوجة بقرار من المحكمة.

فيطلب اتخاذ تدبير لحفظ الاولاد القاصرين في طائفتهم او مذهبهم الاصليين، حتى سنّ الرشد الذي يتيح لهم حق ممارسة حرية الدين والمعتقد.

4. حرمان الزوج المسيحي واولاده المسيحيين  من الارث اذا اعتنق الزوج الآخر الاسلام

صحيح ان اختلاف الدين مانع من موانع الإرث في الشرع الإسلامي. وبات يقابله القانون بالمعاملة بالمثل في المادة 9 من قانون الإرث لغير المحمدين بتاريخ 23/6/1956، وبالتالي لا يرث من المورّث الذي يتوفاه الله، مسلماً أم مسيحيًّا، إلاّ أعضاء عائلته وورثته الذين ينصّ عليهم قانون المتوفى شرط عدم اختلاف الدين. وبعد أن كان الاجتهاد اللبناني قد استقّر طويلاً على عدم سريان تغيير الزوج دينه منفصلاً، أخذ الاجتهاد يتطوّر باتّجاهات متضاربة إلى حدّ بلغ فيها مرحلة الأخذ بالاعتبار ديانة الزوج المتوفى عند وفاته.

ثمة تجاوزات تخلف اضراراً مادية ومعنوية من جراء استغلال القوانين، عندما يعتنق زوج مسيحي الاسلام ليحرم من الارث الزوج المسيحي الباقي على دينه واولاده المسيحيين. وهذا ضرب من الظلم وعدم المساواة يجب تجنبه، باتخاذ قرار رسمي يمنع مثل هذا الظلم.

 

واختتم الندوة المطران انطوان نبيل العنداري بكلمة بعنوان: حول راعوية الزيجات المختلطة  فقال:

  1- يُشَكِّلُ الزواجُ المختلط بين رجلٍ وامرأة مُختَلِفَي المذهب أو الدين أو الجنسيّة  ظاهرةً تَتنامى بداعي العَولَمَة وانفتاحِ المُجتَمَعات المُتَعَدِّدَة على بعضِها وسُهولةِ الاختلاط وَتَدَفُّقِ الهِجرَة.

ويَحمِلُ هذا النوعُ من الزيجات الكثيرَ من التَحَدّياتِ وَالمُؤَثِّراتِ على كُلٍّ من المُستَويات العائلية والاجتماعية والثقافية والدينية والقانونية.

وَلَئن كانَتِ الزيجات المختلطة واقعاً مَفروضاً على مُجتَمَعاتِ اليوم، فَإنَّها تُواجِهُ مَسائلَ أساسيّة وحياتية بسببِ تَنَوُّعِ واختلافِ الثقافات والأعراق والأديان.

لذلكَ تَلمُسُ المُجتَمَعات والأديان الحاجةَ، وضَرورَةَ العودة، إلى أُسُسِ الزواج اللاهوتية، وإلى رَسمِ خطّةٍ راعوية لتحضيرِ هذه الزيجات ومرافقَتِها.

2- من العناوين الأساسية لهذه الخطة الراعوية، نَذكرُ:

أ‌-        ضرورةَ التحضير المُباشر لسرّ الزواج من أجلِ بناءِ عائلةٍ سَليمَة، وتَفادي المَشاكِل التي قد تُؤَدّي إلى زَعزَعةِ أُسُسِ البَيتِ وَأَحياناً إلى افتراقِ الزَوجَين وَفَسخِ الزَواج.

لَقَد أَلقَت اَلمُتَغَيِّرات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بظلالها على الزواج والعائلة فيما خَصَّ حُقوقِِ الأزواج وواجباتِهِم، وَمَفهومِ الإلتزامِ المُتَبادَل، وتربيةِ الأولاد، ونقلِ الإيمانِ وَالقِيَمِ الإنسانيّة بَعيداً عَنِ التَسطيحِ الديني واللامُبالاة الدينية.

إنَّ الخِلافات الزوجية المُتَزايدَة، وما يَنتُجُ عَنها من فِرَاق، تُشَكِّلُ جُرحاً كَبيراً في العائلة والوَسَطِ الاجتماعي، وقد أصبَحَت، مَعَ الأَسَفِ الشَديد، وَكَأَنَّها أَمرٌ طَبيعيٌّ في مُجتَمَعِنَا.

ب‌-    يَقتَضي هذا التَحضيرُ للزواج  إعدادَ الشَريكين على أساسٍ من التنشئةِ المُتَخَصِّصَة، الشَخصيّة والمُلائمَة، لِيَكونَ الزَواجُ المختلط والعائلة مكانَ نُمُوٍّ في الإيمانِ وَالعَقيدَةِ وَالتَقليد. وَيَقتَضي بالتالي مُصارَحَةَ الخَطيبَينِ بالمَشاكِل التي قَد يَتَعَرَّضانِ لها مُستَقبَلاً، وطريقةَ مُواجَهتها وَإيجادَ الحلولِ لَها.

ج- يُولي هذا النوعُ من التَحضيرِ اهنماماً خاصّاً بِمَعرِفَةِ ظُروفِ التَلاقي وَالتَعارُف بينَ طالِبَي الزَواج، وَنَوعيّةِ العَلاقَة القائمَة بَينَهُما، وَخَلقِِ مُناخٍ وَجَوٍّ مُؤاتٍ منَ الثِقَةِ يُمَكِّنُهُما من التَخاطُبِ بِصِدقٍ وَصراحَةٍ وَشفافية. وَيَدعو الشَريكَ المسيحي إلى تَحَمُّلِ مَسؤوليّةِ ما هو مُقدِمٌ عَلَيهِ تُجاهَ الشَريكِ الآخَر في تَعزيزِ الحُبِّ وَالتَفاهُمِ وَالاحترامِ المُتَبادَل وَالحِوارِ البَنّاء.

د- الإهتمامُ بالمُرافَقَةِ الشَخصيّة لِكُلِّ ثُناءٍ(كوبل) على حِدَة، معَ ما يَلزَمُ هذه المُرافَقَة مِنَ الوَقتِ مِن قِبَلِ المُرافِقِ والثُناءِ معاً، وَتَعزيزِ حِوارٍ صادِقٍ بَينَ الزَوجَين حَولَ مُختَلَفِ المَواضيعِ التي تُضيءُ حَياتَهُما الزَوجية وحَياةَ العائلة، وَتُساعِدُ على تَجاوُزِ الفُروقات وَالتَمايُزات وَالضُغوطات، وَتُرَكِّزُ على الإيجابياتِ التي تَجمَعُ  بَينَهُما وعلى حِوارِ المَحَبَّةِ وَالحَياة كَإطارٍ يُسَهِّلُ الحِوارَ الروحي في جَوٍّ من الصَلاةِ والإلتزامِ بِمُقتَضَياتِ الإيمانِ وَالمُمَارَسَةِ الدينية.

ه- أمّا تطبيقُ التَوَجيهات الراعوية التي تُعنى بالّلقاءِ والإستقبالِِ، وَالأوضاعِ الخاصَّة، والأُمورِ القانونية والإدارية، والمُرافَقَة، وَالتَمييز، وَالنُمو، والمَسيرَةِ الإيمانيّة، وَطَريقَةِ الاحتفالِ بالسرّ، والمَواضيعِ الاقتصاديّة، وإطارِ التَحضير بشَكلٍ عام وَمَنهَجيَّتِه وَكَيفيّةِ مُمارَسَتِه، ومَسؤوليّةِ المُهتَمّين بالتَحضيرِ وَالمُرافَقَة مِن كَهَنَة وَعلمانيين، وما تَقتَضيهِ هذه المَسؤولياتِ مِن إعدادٍ وَتَنشِئَة، وَمضمونِ المَواضيعِ الواجِبِ معالَجَتها في التحضيرِ القَريبِ وَالبَعيد، يَدعو كَنيسَتُنا إلى تَنسيقِهَا في إطارِ عَمَلٍ كَنَسي بواسطةِ إعدادِ وَإصدارِ  دَليلٍ راعَويٍ عَمَلي تَضَعُهُ بينَ أَيدي المُرافِقين يَتَناولُ كُلَّ المَراحِل: قَبلَ الزَواجِ وفيهِ وَبعدَه.

    قَدَّرَنا اللهُ وإياكُم على القيامِ مَعاً بهذه الوَرشَةِ الراعوية مِن أَجلِ خَيرِ عائلاتِنَا ودَيمومَتِهَا. وَشُكراً!