عظة الكاردينال ساندري بمناسبة عيد القديس مارون في روما

عميد مجمع الكنائس الشرقية: "من حق اللبنانيين أن ينعموا بسلامة وسيادة بلدهم"



روما، الثلاثاء 16 فبراير 2010 (zenit.org).

ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها الكاردينال ليوناردو ساندري، عميد مجمع الكنائس الشرقية، خلال الاحتفال بالقداس يوم الأحد بمناسبة مرور 1600 عام على وفاة القديس مارون، شفيع الكنيسة المارونية.

السادة الكرادلة،

الإخوة في الأسقفية والكهنوت،

سعادة السفراء، السلطات المحترمة،

أيها الموارنة الأعزاء في روما،

أيها المؤمنون،

أرفع التسبيح لله الآب لأجل صليب وقيامة المسيح يسوع، الإله الحق والإنسان الحق، ولأجل نعمة الروح القدس، التي ننالها في هذا الاحتفال الليتورجي بحسب الطقس الانطاكي الماروني.

أرفع الشكر للثالوث الأقدس لأجل القديسة والدة الله، التي تجعلنا نشعر بأننا أبناء محبوبون في الابن الإلهي، تغمرنا رحمته اللامتناهية. مع مريم، سلطانة جميع القديسين، أرفع الشكر لله الذي وهبنا القديس مارون.

في هذا الجو الروحي، يسعدني أن أفتتح – في روما، مقر كرسي خليفة بطرس – يوبيل الـ 1600 عام على عودة القديس الكبير مارون الى بيت الآب. العصور تمر، ويبقى حياً – بنعمة الله – مصباح الإيمان المسيحي الذي نقله مارون ولا يزال ينميه فيكم، داعياً الجميع الى القداسة. الكنيسة المارونية تفخر بقديسين كبار وسموا مسيرتها الروحية: القديس شربل، القديسة رفقا، القديس نعمةالله الحرديني وآخرين في مسيرتهم نحو المذابح. جميعهم يرافقوكم في احداث التاريخ المحزنة والمفرحة لانه "لا شيء ، لا موت ولا حياة، يمكنه ان يفصلنا عن محبة الله في المسيح يسوع".

نسأل الرب بركته في هذا السنة اليوبيلية، ونحن نعلن الإيمان الرسولي في شراكة تامة مع قداسة البابا بندكتس السادس عشر، أسقف روما. لقد افختر الموارنة – على مر العصور – بإعلان ذواتهم أبناء للكنيسة الكاثوليكية، بفضل رابط الوحدة في الحقيقة والمحبة مع الحبر الأعظم الروماني.

فلتكن السنة اليوبيلية سنة رحمة في التوبة، في الشكر وفي الشهادة المتجددة للمسيح، فادي الإنسان. فلتكن سنة سلام نابع من قلب الله، لأن السلام يكون حقيقياً ومستقراً فقط إذا ما أتى منه. السلام الحقيقي لا يأتي من العالم. بشفاعة القديس مارون، نطلب بثقة أن يعم السلام باسم الرب يسوع ووالدة الله الكلية القداسة.

أيها الموارنة الأعزاء، أود قبل كل شيء أن أذكركم بأهداف اليوبيل التي وضعها بطريرككم، الكاردينال نصرالله بطرس صفير، في رسالته الرعوية لهذا الحدث: " الصلاة والتفكير والتوبة والعودة إلى التاريخ والتأمّل فيه لأخذ العِبَر وإحياء القيم المارونيّة وتجسيدها من جديد في رسم استراتيجيّة كنيستنا للألفيّة الثالثة… سنة عدالة ومصالحة وتوبة… سنة نعم خاصة للإنسان وللجماعة، سنة الفرح وليس فقط الفرح الداخلي".

أتوجه الى غبطته بخالص تحياتي، ومعكم أرفع الصلاة من أجله، هو أب ورأس الكنيسة المارونية. أتوجه بتفكيري الى أعضاء السينودس، الى الكهنة والرهبان والراهبات، الى العائلات وجميع المؤمنين، كما وأتوجه بالشكر من وكالة البطريركية ومن الرهبنات المارونية لدعوتي لهذا الاحتفال الذي يظهر جمال أن يعيش الإخوة معاً.

القديس مارون، رجل الصمت والكاهن، عاش بين نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس في إنطاكية سوريا. فيه استشهد تيودوريتوس المؤرخ في كتاب "التاريخ الديني"، الذي كتب حوالي سنة 440 وقال فيه أنه "زينة جوقة القديسين الإلهية". اجتذب مارون – المتمرس في التقشف وفي الصلاة الكاملة – عدد لا يحصى من النفوس. على قمة الجبل، حوّل المعبد الوثني الى كنيسة مسيحية: كان رمز بذار الإنجيل التي نمت بقوة الإله الحي. وكان، بما يأتيه من عجائب، يستقطب الكثيرين الى الحياة التأملية والى العمل الرسولي بحماس. كان المؤمنون يبحثون عنه في كل سوريا ولبنان ليستمعوا الى تعاليمه وينالوا العزاء. القديس يوحنا الذهبي الفم بعث له برسالة حوالي سنة 405، يعترف به فيها بانه "ناسك" ويؤكد له على تقديره وعلى صداقتهما التي لا يمكن للزمن والمسافات أن تمحوها. وبحسب تيودوريتوس، أسلم مارون روحه لله عام 410، بعد أن أتم أعمالاً عظيمة لبلوغ الحكمة الكاملة، وبعد أن زرع للرب حديقة نرى اليوم ثمارها.

ذاع صيت قداسته وجابت ذخائره أماكن عديدة. في دير القديس مارون بالقرب من نهر العاصي، ومن ثم في أماكن أخرى، حفظ تلاميذه تلك البذرة التي نمت وأصبحت "الكنيسة المارونية". ويبقى مارون، مؤسسها وأبوها في الروح، مصدر إلهامها.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لا بد لتلك الحديقة أن تزهر بعد لمجد الله ولخلاص النفوس، وهي بالتأكيد ستستمر في الإزهار إذا ما بقي الموارنة أمينين لكلمة الله. أردد للجميع دعوة الرسول: "فاثبت أنت على ما تعلمته وكنت منه على يقين. فأنت تعرف عمن أخذته، وتعلم الكتب المقدسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تجعلك حكيما فتبلغ الخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2 تم 3: 14-15).

هذه الحديقة ستحمل ثمار الحياة الأبدية إذا ما عرف الموارنة أن "يطلبوا أولاً ملكوت الله" (راجع لو12: 22-33)، وإذا  – كالقطيع الصغير – لم يخافوا، واعين بأنه "يطيب لله أن يمنح ملكوته للصغار"؛ وإذا وثقوا بالعناية الإلهية وإذا اعترفوا بأن المسيح هو "الكنز الحقيقي".

فنسأل أنفسنا أمام الله، وبكل وعي ضمير، أين هو كنزنا الحقيقي؟ وأين هو قلبنا بالفعل؟ هذا السؤال موجه بخاصة إلينا نحن الكهنة في ضوء مثال القديس مارون في هذه السنة الكهنوتية. إنه السؤال الذي لا بد لصداه أن يتردد في السينودس المقبل من أجل الشرق الأوسط: ينبغي على المسيحيين– المدعويين بهذا الاسم في انطاكيا بالتحديد – وعلى رعاتهم أن يصوبوا نظرهم الى يسوع، الكنز الحقيقي، ليجدوا جوهر الإيمان وينموا في الشراكة. هذا هو الكاريزما الحقيقي للحياة الرهبانية: الجوهر والشراكة في المسيح.

أيها الموارنة الأعزاء، تحملوا مسؤوليتكم تجاه الكنيسة والأمة. سيكون من المحزن أن تخيبوا آمال الله والكنيسة ولبنان. اشهدوا لإيمان الآباء، في التعاون بين الكنائس الكاثوليكية الشرقية والكنيسة اللاتينية، وعززوا، كجماعة كاثوليكية، الحوار المسكوني ليكون اللقاء بين الأديان بنّاء. هكذا فقط يستطيع لبنان – فسيفساء الديانات والثقافات – أن ينعم باستقرار السلام في الاحترام والتضامن المتبادلين.

خلال اشتراكي مؤخراً في لقاء بعنوان "كيف يفكر البابا بالعالم"، اعدت اقتراح عبارة قالها قداسته في كلمته الى أعضاء السلك الديبلوماسي في 9 يناير 2006. معرباً عن فرحه للوفاق الذي كان شعبكم يصعنه بين مختلف الجماعات والطوائف، قال قداسته أن لبنان هو "رسالة ورمز للتعاون والتعايش".

في هذا المكان المقدس المكرس لوالدة الله الكلية القداسة، وفي التفكير بمزار حريصا المريمي، أشدد على أنه لكي يحملوا للعالم هذه الرسالة، "من حق اللبنانيين أن ينعموا بسلامة وسيادة بلدهم". ولكن على كل واحد أن يقوم بواجبه، طالباً من الله الحكمة والعدالة. وطنكم سيزهر إذا كنتم حكماء وصدّيقين في المسيح.

فالمزمور يطمئننا ان "الصدّيق كالنخل يزهر، ومثل أرز لبنان ينمي" (91: 13). فليشفع لكم القديس مارون والعذراء الأم القديسة. وليغمر الله لبنان بفيض بركاته! آمين.

نقله الى العربية طوني عساف – وكالة وينيت العالمية (zenit.org