هل سيسمع العالم صرخة الأبرياء؟

البطريرك ديلي: "نحن شعب أصيل، ولن نقبل بأن نُطرد من بلادنا"

بقلم طوني عساف

الموصل، الجمعة 26 فبراير 2010 (zenit.org)

 أبرياء يقتلون يومياً في العراق، يذبحون داخل بيوتهم وفي جامعاتهم ومدارسهم وعلى الطرقات… ذنبهم أنّهم مسيحيون.

صرخة حق

إزاء الاوضاع الأليمة التي لحقت بالعراقيين المسيحيين في الأسابيع القليلة الماضية وبعد تعرضهم لأبشع أنواع الترهيب والتنكيل أصدر مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الانطاكي بياناً وجهه الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (http://www.zenit.org/article-5962?l=arabic)، استغرب فيه حجج المسؤولين الحكوميين، متهماً إياهم "بالتواطؤ في عملية تفريغ مدينة الموصل من المسيحيين القاطنين فيها منذ قرون"، ومتيائلاً "لماذا، بالله، لا يعطى المستهدفون الأبرياء سلاحاً للمدافعة عن أنفسهم، عوض أن يذبحوا كالنعاج؟"

"لقد طفح الكيل – قال يونان – ولا ضمير إنساني، وأنتم من يتحلى به في عراق اليوم، يرضى بهذا الانفلات الأمني في الموصل، حيث يستباح قتل الأبرياء العزّل دور رادع".

يونان، وفي مقابلة مع تلفزيون تيلي لوميار مساء أمس قال إن "الوضع في مدينة الموصل هو الأسوأ في كلّ مناطق العراق…ونحتاج إلى قوى أمنية أكثر من السابق كي تبقى الأقلية المسيحية متمسكة بأرضها  ولا تفرغ المدينة يوماً منهم".

"نحن المسيحيون في الشرق مررنا بكثير من الظروف، فاضطهدنا وقتلنا وهجّرنا – تابع البطريرك – .. نحن أبناء شهداء وشهيدات… ولكن اليوم بما أننا نعيش في عالم متقارب، يجب أن نوصل قضيتنا إلى العالم ونقول أن هذا ليس مقبولاً ولا مبرّراً، فهناك أقلية تستهدف بسبب اختلافها الدينيّ… "

المزيد من القتلى

يوم أمس جرت في كنيسة القديسين بهنام وسارة للسريان الكاثوليك بمنطقة قرقوش بالعراق مراسمُ تشييع رجل مسيحي وابنيه قُتلوا في منزلهم بحي "الساحة" في مدينة الموصل على يد رجال مسلحين يوم الثلاثاء الماضي. في ختام التشييع قال أسقف الموصل للسريان الكاثوليك المطران جورج قس موسى إنها المرة الأولى التي "يدخل فيها هؤلاء المجرمون إلى منازل المسيحيين لقتلهم، وهو أمر في غاية الخطورة"، معتبراً أن هذا العمل يعكس فشل الإجراءات الأمنية التي وعدت السلطات باتخاذها لحماية المواطنين المسيحيين وضمان أمنهم وسلامتهم.

أدت عملية القتل هذه إلى رفع حصيلة المسيحيين الذين قتلوا خلال الأيام السبع الأخيرة في هذه المدينة الواقعة شمال بغداد إلى ثمانية أشخاص.

هجرة قصرية

أسوء حالة استنفار تشهدها العائلات المسيحية في الموصل، فقد فرغت دوائر الدولة بكل فروعها ومؤسساتها، من مسيحييها خلال الأيام الأخيرة . وأبدى مدراء الدوائر والمؤسسات التعليمية، تسهيلات للطلبة والموظفين المسيحيين، نظراً للظروف الخطيرة التي تحيط بهم فيما استمرت هجرة النزوح الجماعي للعائلات الى المدن والمناطق الاكثر امناً، ضماناً لارواحهم التي باتت مهددة في كل وقت.

وسط أجواء القلق والتوتر التي يعيشها مسيحييو الموصل، هناك أخبار عن المزيد من عمليات الاستهداف التي ستطال المسيحيين، في خطوة يفسرها المتابعون بأنها تهدف الى خلق المزيد من الضغط على المسيحيين ليتركوا منازلهم

أساقفة الموصل سلموا رسالة تتضمن مطالب واضحة إلى الإدارة المدنية المحلية في البلاد لتتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الحضور المسيحي وشددوا على ضرورة أن يتدخل المجتمع الدولي للضغط على الحكومة المركزية، والإدارة المحلية، حتى يقوموا بمبادرات فورية لحماية المسيحيين.

غداة صدور بيان الأساقفة، وجه المونسنيور شلمون وردوني، النائب البطريركي الكلداني في بغداد دعوة إلى الأسرة الدولية عبر إذاعة الفاتيكان: "نسأل الجميع، من بلدان أجنبية وحكومة مركزية وحكومة منطقة الموصل، أن تعتبر المسيحيين مواطنين صالحين. نحن نبذل قصارى جهدنا للدفاع عن العراق. كما أننا مستعدون لإنجاز واجباتنا، ولذلك تحديداً نطالب بحقوقنا. إننا نطلب الحماية ليس أكثر".

مع هجرة المسيحيين  سيزول قسم كبير من البلاد، من ناحية الثقافة والحضارة، بل أيضاً من ناحية المصلحة العامة لأن محبة الآخرين ليست سهلة، وتعزيز وحدة الجميع ليس سهلاً. المسيحيون هم الذين يزرعون روح المحبة والوحدة هذه".

موقف الكنيسة

في رسالة الى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أُعلن عنها في 24 فبراير، دعا البابا بندكتس السادس عشر الى حماية المسيحيين مذكراً المالكي بوعده أن حكومته "تأخذ على محمل الجد وضع الأقليات المسيحية التي تعيش منذ قرون كثيرة مع الأكثرية المسلمة، مسهمة بشكل هام بالرخاء الاقتصادي، الثقافي والاجتماعي في الأمة العراقية".

هذا وأشار موقع عينكاوا الإلكتروني ان البطريرك الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل على الكلدان، وصل اليوم الى الموصل في زيارة خاصة، سيلتقي خلالها المسؤولين في المدينة لمناقشة اوضاع المسيحيين فيها. وحسب مصادر الموقع في الموصل فانه من المقرر ان يلتقي قداسة البطريرك، المسؤولين الاداريين والامنيين في المحافظة، لبحث ما يتعرض له المسيحييون من عمليات استهداف مستمرة كما سيجتمع قداسته مع المطارنة ورجال الدين في الموصل. واضافت المصادر ان قداسة البطريرك يحاول بزيارته وضع حد للمأسي التي يتعرض لها المسيحييون، والحيلولة دون هجرتهم، اذ اجبرت حتى الان على نزوح المئات من العائلات الى باقي المدن العراقية او خارج البلد.

وفي لقاء مع محافظ نينوى أثيل النجيفي طالب البطريرك "بأن تُجرى تحقيقات دقيقة وصريحة، وأن لا تستثنى أية جهة مهما كانت حصانتها، وأن تُكشف نتائج التحقيقات للناس، لإعادة الثقة التي فُقدت من جراء تسيس هذه الملفات خدمة لمساومات سياسية، وأكد أن الكنيسة ترفض أن تُوجّه القضية لتكون مادة للمُزايدات السياسية والانتخابية، أو للحصول على منافع سياسية على حساب مكوّن أساسي أسهم ويُسهم في نهضة العراق."

وأعرب البطريرك عن أسفه لما "آلت إليه أحوال شعبنا إذ أضحوا ورقة ضغط في العملية السياسية التي لن تُبنى بدماء الأبرياء، بل بجهود المُخلصين. وأن الكنيسة ستستخدم كافة السُبل المتاحة أمامها، لإعلام الرأي العام حول حال المسيحيين، لغرض إيجاد وسائل الحماية التي تضمن سلامتهم، ومُشاركتهم الفاعلة في بناء العراق. فنحن شعبٌ أصيل، ولن نقبل بأن نُطرد من بلادنا. "

من جهة أخرى واحتجاجاً على الاعمال الارهابية التي تخطف حياة المواطنين العراقيين بشكل عام والمسيحيين في الموصل بشكل خاص، أصدر مجلس مطارنة نينوى في "بيان" أصدره اليوم، الجمعة 26 فبراير، ومما جاء فيه:

– تنظيم مسيرات، سلمية، احتجاجية في المدن والبلدات المسيحية، يوم الاحد 28 شباط التي تصادف الذكرى السنوية الثانية لأختطاف المثلث الرحمة المطران الشهيد مار بولس فرج رحو.

– ايقاف القداديس في كنائس مدينة الموصل، يوم الاحد المقبل، ودعوة المؤمنين من المسيحيين والمسلمين الذين هم ضحايا العنف الاعمى مثلنا الى الصلاة من اجل السلام وعودة الامن، وابقاء قنديل الرجاء يضيء درب هذه المدينة التي لم تربط اديانها وقومياتها غير أواصر المحبة والتآخي والتضامن.

تساؤل

"ألم يحن الوقت كي تقوم الحكومة في "دولة القانون" بالضرب بيد من حديد، فتعاقب المجرمين والمتواطئين معهم في الموصل؟" (البطريرك يونان في رسالته الى المالكي)

(أسهمت في كتابة المقال رانيا شربل)