هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا ، الأحد الثاني من الزمن الأربعيني

 

الاب وسام مساعدة – عمان

في مسيرة الزمن الأربعيني تقودنا الكنيسة من البرية الى الجبل، من برية التجربة الى جبل التجلي، من ساحة المعركة مع إبليس الى قمة جبل لقاء آدم الجديد مع الله، بأبهى صورة له، بالصورة التي أرادها الله أن نكون عليها.   

اليوم يصطحب يسوع بطرس صاحب الطبع الناري، ويعقوب ويوحنا الى الجبل ليصلي…الجبل لماذا؟

من ناحية طبيعية، الجبل هي المنطقة الأكثر إرتفاعاً عن الأرض والأقرب الى السماء، والجبل هو المكان الأكثر صعوبة للصعود إليه، ولكنه بالرغم من مشقاته، إلا إن الوصول الى قمته يعطي الفرح والسعادة ويمنحنا الرؤية الأوسع والأشمل لكل ما يدور حولنا.

لنرَ الجبل في الكتاب المقدس، عندما قدم إبراهيم ابنه وحيده اسحق صعد به الى الجبل، وموسى على الجبل أعطاه الله لوحي الوصايا، وإيليا التقى بالله على جبل حوريب، وعلى الجبل وعظ يسوع المعلم بعظته الكبرى، وعلى الجبل صعد ليصلي وعلى جبل الجلجثه صلب الإنسان المحبة لتنفجر القيامة من أعماق الأرض. بين الطبيعة وبين الروحانيات هنالك ما هو مشترك، إن الإنسان بطبيعته يتوق الى الأسمى، الى العلى، الى ما يفوق إدراكه، الى الكمال، وهذه هي دعوة الإنسان الصعود الى العلى للإلتقاء بالكامل بالرغم من صعوبة الطريق. يدعونا يسوع في هذا الأسبوع الثاني الى الصعود الى الجبل لنلتقي به. الطريق وعرة وشاقة وهنالك ما يجذبنا الى الأسفل دائماً، عليك أن تلقي عن كتفيك كل ما يحاول منعك من الصعود الى العلى "كبرياءك وكل الإتفاقات المبرمة مع عدوك وعدو الله مزقها وانظر الى العلاء…، آمن بأن هنالك إلها حيا ينتظرك، سيقدم لك حملاً فداء عنك، سيقدم لك شريعته، سيقدم لك ذاته حباًُ بك ولك. كن على يقين بأنك عندها فقط في تلك اللحظة ستتجلى أنت على صورة الإبن الذي خلقت أنت على صورته كمثاله، بأبهى صورة على الإطلاق لإنك ستعكس صورة الله فيك.

حسنٌ ان نقيم ههنا، فلو نصبنا ثلاث خيام واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا. بعد أن استيقظ بطرس من نعاسه، تفاجأ بما رآه، رأى السماء على الأرض، رأى الله، رأى تاريخ محبة الله للبشر متجلياً بموسى وبإيليا وبيسوع…نور التجلي أعمى بصره، يريد بطرس أن يقيم هنا على الجبل، يريد أن ينصب ثلاثة خيم، يريد أن يسكن على جبل طابور…وكأنه بطلبه هذه أراد أن يجمِّد مشروع الله الخلاصي. نستطيع أن نقول، بأن بطرس بقوله هذا أعلن بطريقه أو بأخرى رفضه للصليب، وهذا تماماً عكس الحوار الذي دار بين يسوع وإيليا وموسى، الذي تمركز عن رحيل يسوع في أورشليم. في قمة التجلي كان الصليب هو محوّر الحديث، الوجه الذي تبدّل منظره هو الوجه إياه الذي سيبصق عليه وهو نفسه الذي سيلطم وهو إياه الذي سيغرق بالدماء… والثياب التي تلألأت كالبرق هي إياها التي ستُمزّق، وهي نفسها التي سيقترعُ عليها…والجسد نفسه أي يسوع الذي تجلى أمام تلاميذه الثلاث بأبهى صورة، ستتجلى المحبة على جبل الجلجلة بالصورة إياها، إلا أن الإنسان لطخها بدماء خطاياه.

ماذا يعني لنا هذا اليوم؟ سأنثر بضع أفكار في ساحاتكم:

   بين الوادي والجبل، أين أريد أن أسكن، أن أقيم؟ أريد أن أسكن وادي الخطايا، وادي البكاء والعويل، وادي البعد عن الله، أسير وتاركاً خلفي الله. أما أنا من رواد الجبل، جبل اللقاء بالله، إن حياتنا هي عبارة عن التضاريس التالية، السهل والوادي والجبل، في لحظات يمكن أكون فيها بالسهل بساحات التجربة وها أنا من جديد أمام مفترق طرق: إما أن أصعد إلى الجبل لألتقي بالله وإما أن أهبط إلى وادي الخطيئة.

   يسوع في تجليه لم يكن غائباً أبداً عن ناظريه جبل الجلجثه، إلا ان هذا الجبل كان جبل قوة، جبل النعمة، الجبل الذي شهد على المحبة الثالوثية، الجبل الذي شهد ظهور الإبن وحلول الروح القدس والجبل الذي منه أعلن الله الآب صوته، هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا. لا تخف في حياتك ستشهد تجليات عديدة، ستشهد محبة الله، ستظهر بها في أبهى حللك لكن كن على يقين، لا تكن أعمى على مثال بطرس، فأمامك جبل الجلجثة لتصعده ،جبل الموت، الموت عن ذاتك ،الموت عن العالم الموت عن وعن وعن….لتشهد في حياتك القيامة، الحياة الجديد التي لا تعرف الموت أبداً.

   جبل التجلي هو جبل الصلاة، أيها المسيحي صل، صل في ساعات تجليك، صل في ساعات صلبك، صل في ساعات موتك، صل في قيامتك، بين الجبل والجبل ان كنت في السهل أم في الواد صل، لا تخف. الصلاة هي سماؤك المنتفحة على الله لتسمع صوته يقول لك: أنت ابني الحبيب الذي عنه رضيت، وروح الله القدوس سيحل عليك لبغمرك من حضوره، ويسوع المسيح الرب سيكون فيك وسيتجلى فيك لإنك كنت على صورته آدم الجديد… صل، ففي الصلاة قوة.