عظة الأحد الثالث من الصوم الاربعينى المقدس

 

 

الحرب مستمرة

بقلم  الآب / بولس جرس

راعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر – بمدينة نصر

 

 

إعداد ناجي كامل – مراسل الموقع

 

+ البولس : من الرسالة إلى افسس 6 /10-24ٍ 

 

         البسوا سلاح الله الكامل لتستطيعوا مقاومة حيل إبليس

         حربنا ليست ضد لحم ودم

         اثبتوا ومنطقوا احقاؤكم بالحق

         صلوا بكل صلاة ودعاء فى كل حين

    يعلن بولس للمؤمنين فى افسس حالة الاستعداد القصوى للقصوى للحرب، فهى حاضرة ومحتدمة وقد أعلنها إبليس حربا عشواء لا تهدأ ولا تعرف للهدنة طريقا. فعلى المؤمنين بيسوع المسيح ابن الله ربا وإلها أن يكونوا دائما مستعدين متشددين فى الله وفى عزة قوته.عليهم ان يكونوا جاهزين بأسلحتهم الكاملة ليستطيعوا الصمود والتصدي فى مقاومة إبليس بحيله الرهيبة.

   نوعية الحرب تختلف عن حروب العالم فهى ليست ضد لحم ودم بل حرب روحية ضد عالم لا يستطيع الإنسان مواجهته وقهره سوى بقوة من الله .انها الحرب بين النور والظلام بين ابناء النور بقيادة الرب يسوع وبين قوى الظلام بقيادة ابليس.

   الأسلحة ايضا مختلفة أولها الصلاة فى كل حين والصوم والحق والبر والسلام وقبلها جميعا ترس الايمان وخوذة الخلاص وسيف الروح الذى هو كلمة الله.

+ الكاثوليكون: من رسالة القديس يعقوب 4/ 7 – 17 ٍ

–   إخضعوا لله وقاوموا ابليس فيهرب منكم

–   إقتربوا من الله فيقترب منكم

   نفس توجهات بولس فى معركة الحياة و الموت معركة النور والظلمة معركة المسيح وإبليس التى بدأت بالصوم المقدس والتجارب ولم تتوقف ابدا بل تزداد اشتعالا ولايمكن الخلاص منها والانتصار فيها سوى بمزيد من الاقتراب من الله والالتصاق به وذلك عن طريق طهارة اليد ونقاوة القلب ،التواضع وصدق الكلمة.

  يذكر يعقوب المؤمنين بأن حياتهم على الار ض ليست سوى بخار يظهر قليلا ثم يضمحل.

 + الابركسيس: من سفر اعمال الرسل 25/ 13 إلى 26 ٍ/1

بولس يرفع دعواه إلى القيصر من آجل المسيح وابليس يشعل عليه الحرب لكنه يزداد التصاقا واقترابا من المسيح واثقا انه وحده قادر على خلاصه وليس القيصر أو الحاكم.

+ المزمور: 104/3-4

* ليفرح قلب ملتمس الرب: قلب السامرية والسامريين فى فرح

* اذكروا معجزاته وآياته واحكامه : معجزات عظيمة وآيات واضحة وأحكام قاطعة لعهد جديد

   لا يعرف التمييز بين ابناء الأب الواحد.

 + الإنجيل : من يوحنا 4/ 1-42 " السامرية "

    تمتعنا فى الأسبوع الماضي بأجمل آيات الكتاب المقدس على الإطلاق فى مثل الابن الضال وكيف اعلن يسوع للعالم ان السماء وقلب الآب والملائكة يفرحون بعودة الخاطئ وتوبته وكشف لنا يسوع عن حنان ذلك الآب وترقبه ورحمته وغفرانه…

   وحيث قامت الحرب على المسيح بسبب حبه للعشارين والخطأة ، يحملنا إنجيل اليوم إلى خطوة اكثر جرأة عكس كل منطق اليهود واعتقاداتهم: إذا مر عليك ظل أو طيف سامرى فأنت نجس إلى المساء "فما بالك بالذى يجلس معهم؟".

   بعد انقسام مملكة إسرائيل بموت سليمان وبعد انتقال موقع الهيكل من مقره الاصلى على جبل جيزارين إلى أورشليم عاصمة المملكة تكرس الشقاق وتحول إلى عداوة وحرب بين الدولتين استمرت مئات الأعوام … حتى جاء المسيح وأجتاز الحدود فقابل السامرية وضرب لليهود مثل الابن الضال وعن السامرى الصالح الذى اثبت ببره وصلاحه انه اكثر برا من جميع اليهود بما فيهم الكاهن واللاوى.

   يعلن المسيح من خلال لقاء اليوم بالمرأة السامرية حقائق إيمانية جديدة .

– اولا : ان أبناء الله جميعهم متساويين أمام أعين الله ابيهم.

– ثانيا : ان يسوع هو الماء ألحى ومن يشرب منه لا يعطش إلى الأبد .

– ثالثا : أن عبادة الله لا تتوقف على مكان العبادة "بل بالروح والحق"

– رابعا : أن المسيا سيدخل إلى قرية السامريين وهو لا يميز بين يهودى وسامرى فقد جاء

          ليوحد

– خامسا : اعتراف العالم الغير يهودى بالمسيح "لسنا لآجل كلامك نؤمن إننا سمعنا ونعلم انه ربا وإلها وأن هذا هو" فى الحقيقة مخلص العالم"

 

تعالوا نتامل النص:

·   لما علم …اقام الكتبة والفريسيون الحرب على يسوع منذ البداية وبدئوا بالوقيعة بينه وبين يوحنا ولم تكن رسالة يسوع أن يعمد بل أن يبشر بالملكوت الجديد

·   كان لابد… حتمية لقاء الله بالإنسان عن طريق المسيح فلا راحة للبشر بدونه ولا  راحة لقلب ألآب بدون عودتهم لبيت ألآب و حضنه.

·   نفس الفعل مع زكا: كان مزمعا ان يمر من هناك ونفس ما حدث مع الكثيرين، ليس صدفة ان يمر من هناك ولا صدفة ان يتوقف عند البئر ولا صدفة ان يكون وحده ولا صدفة أن تخرج السامرية فى تلك اللحظة ، فكل شئ مدبر مخطط له ومعد من قبل فى قلب الله وعلم الله … كم من أمور تعبر بنا فى الحياة وتظنها صدفة بينما نكتشف بعد ذلك انها حولت حياتنا وانها كانت تدبيرا إلهيا.

·   اعطنى لأشرب: انه فعلا عطشان ذلك الكائن أمامك أيتها المرأة لكنه ليس عطش البشر ،انه عطش إلهى ، لا يرون غير عوده الخراف الضالة إلى الحظيرة ولا يتوقف سوى رجوع الابن الضال إلى حضن آب ينتظر ويتحنن ويغفر،انه عطشان إلى تلك الحقول التى ابيضت للحصاد يريد ان يروى ظمأ قلبه وعطشى نفسه وجوع روحه إلى تلك الانفس المغتربة والمستبعدة.

·   كيف؟ إلى علامة استفهام وتعجب ، ليس من المعتاد ان نرى هنا يهودا فأنت فى حدود مملكة السامرة و ليس بمعتاد ان يبقوا جالسين ليلاقوا ما فى نظرهم نجس ودنس وعار على أبناء يعقوب ،وليس من الطبيعي حتى ان يكلم يهودى إمراة فى وضع مثل هذا الانفراد ..هل انت عطشان حقا ايها السيد أيدفعك عطشك هذا الرهيب إلى تجاوز جميع الحدود والمحاذير…!

·   لو كنت تعرفين: كثيرا ما يطلب منا فى مسيرة الحياة أشياء تبدو غريبة وصعبة ،    اخرج من أرضك واترك اهل بيتك ، قدم ابنك الذى تحبه إسحق ذبيحة لى … اترك كل شئ واتبعني ، احمل صليبك واتبعني ، البعض يتجاوب والبعض يصم أذنيه ويمضى فى طريقه وهم الأغلبية. حفظ لنا التاريخ فقط من تلك الأقلية التى تبعت دون ان تعرف إلى أين الترحال وأين سيكون المصير ومتى سيكون الاستقرار ..بأنهم باقون إلى اليوم أحياء رغم مرور القرون " إبراهيم ،موسى، أشعياء، داود، بطرس، بولس ، إسطفانوس، الانبا انطونيوس ،الانبا بولا، الانبا مقار… هؤلاء وأمثالهم استطاعوا بإيمانهم لا بعقلهم أن يفوزوا بما لا يعرفون ، ما لم تره عين وما لم تسمعه اذن ولم يخطر على قلب بشر بالخبز الحي بالماء الحي الذي يشربه ولا يعطش إلى الآبد.

·    اعطينى يا سيدي : لا اعرف – لا أدرك – لا استطيع ان أتصور نوعيه هذا الماء ، اعرف شيئا واحد انى عطشى وانى بحاجة اليك وإلى مائك الحي اعطنى يا سيدي من هذا الماء وكفاني عطشا وارتواء كاذبا.

·    الساجدون الحقيقيون : لم بعد يهم الله ولم يهمه قط أماكن ومواقع و أشكال العبادة حتى حين بنى سليمان هيكله وحل مجد الله عليه قال "ما سكنى الله بين البشر وليست  الأرض سوى موطئ لقدميه " ليس الله إذن فى أورشليم وليس على جبل جيرازين لا هو فى مكة ولا هو فى روما ولو كان هنا لما كان هناك فالله لا يسكن هياكل صنعتها ايدى البشر، وانه قبل ان يكون له هيكل فذلك ليجمع أبناء البشر للعبادة الجماعية والسجود ، لكنه موجود فى كل مكان وزمان لكل من يدعوه ويسجد له بالروح والحق،نظرية جديدة كفيلة بان تقيم الدنيا وتقعدها ، فأصحاب المصالح كثيرون وبناة المعابد مازالوا يعيشون وليس غريبا ان يقدموه إلى المحاكم بحجة انه يهدم هيكل الله ..لكنه يقصد اننا يمكن ان نصلى إلى الله ونخاطبه حتى فى جوف الحوت "آية يونان"

·   سمعنا وعينا : آمن كثيرين من السامريين فى تلك المدينة ، ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم ، إيمان هؤلاء دليل على حلول الزمن المسيانى ، زمن افتقاد الله لشعبه " علمنا ان المسيا متى جاء يعلمنا " ها قد جاء وعلمهم وها هم قد آمنوا وعرفوا انه المسيح المخلص .ها قد ابيضت الحقول للحصاد.

 

نحن إذ نلتقى بيسوع عن آبارنا المشققة حيث نروى عطشنا الدائم إلى ملذات العالم، يدعونا إنجيل السامرية اليوم إلى أن نتوجه إلى يسوع ذلك النبع الحي الذى من يشرب منه فلن يعطش إلى الآبد ، طالبين ان يروى عطش نفوسنا ويشبع جوع أرواحنا.