هل انتهت مدة كنيسة المسيح؟

بقلم روبير شعيب

الفاتيكان، الأربعاء 10 مارس 2010 (Zenit.org).

من ينظر إلى تاريخ الفكر الأوروبي، يلتقي بشخصية لا يعرف عنها الكثير، ومع ذلك فقد لعبت دورًا كبيرًا في فكر الكثير من الفلاسفة، لدرجة أن الكاردينال هنري دو لوباك قد تتبع تسلسل أفكاره هذا المفكّر في مجلدين كبيرين: هذه الشخصية هي الأباتي جواكينو دا فيوري، من كالابريا في إيطاليا.

ما هي الفكرة الرئيسية التي يقدمها هذا الأباتي الذي لم تقبل الكنيسة تعليمه كونه مناهضًا لفكر الإنجيل والكنيسة؟

ينظر دا فيوري إلى التاريخ في إطار مثلث فيعتبر أن الحقبة الأولى هي حقبة الآب، وهي حقبة العهد القديم المتميزة بقساوة صورة الله وبنوع من العبادة العبودية. أم الحقبة الثانية فهي حقبة الابن، حقبة العهد الجديد حيث بدأ يظهر وجه الله تدريجيًا في المسيح، مؤديًا بالبشرية إلى نوع من الحرية. وأخيرًا الحقبة الثالثة هي حقبة الروح القدس الذي وحده يقود إلى حرية أبناء الله.

نتيجة هذا التعليم هو أن تاريخ المسيحية، وتاريخ الكنيسة التي أسسها يسوع هو مرحلة تدريجية مؤقتة تقود إلى واقع دائم هو واقع حرية أبناء الله الذين يقودهم الروح القدس. وحلول هذه الحقبة، بالنسبة لجواكينو دا فيوري وأتباعه يعني انتهاء مدة الكنيسة كواقع تراتبي، وبدء عصر مواهبي يقتاد فيه كل إنسان بهدي الروح القدس ولا يحتاج إلى من يعلمه ويهديه، لأن الروح القدس يعلم كل إنسان في باطن قلبه.

هذا التعليم الذي مارس جاذبية كبيرة على العديد من المفكرين في التاريخ الحديث (أشهرهم هيغيل وماركس)، كما وكان له تأثيره في تاريخ الكنيسة. ففي تعليم الأربعاء، حيث تابع الأب الأقدس الحديث عن القديس بونافنتورا وتعليمه اللاهوتي والروحي شرح الأب الأقدس أن

في زمن القديس بونافنتورا ظهر تيار من الإخوة الأصاغر، كانو يعرفون بـ "الروحيين"، وكانوا يعتبرون أن فرنسيس افتتح مرحلة جديدة من التاريخ، وأن "الإنجيل الأبدي" الذي يتحدث عنه سفر الرؤيا قد ظهر، وأنه يحل بدل العهد الجديد. هذه الجماعة كانت تصرح بأن الكنيسة قد استنفدت دورها التاريخي، وأن الجماعات المواهبية قد حلت مكانها وهي مؤلفة من أشخاص أحرار يقودهم الروح القدس، أي "الفرنسيسكان الروحانيون".

رفض القديس بونافنتورا فكرة الوقع الثالوثي للتاريخ. فالله هو واحد لكل التاريخ ولا ينقسم إلى ثلاثة آلهة.

ثم أوضح أن يسوع المسيح هو كلمة الله الأخيرة – فيه قال الله كل شيء، مانحًا ذاته وقائلاً ذاته. الله لا يستطيع أن يقول أكثر من ذاته، ولا يستطيع أن يهب أكثر من ذاته. الروح القدس هو روح الآب والابن. يسوع بالذات يقول عن الروح القدس: "… سيذكركم بكل ما قلته لكم" (يو 14، 26)، "يأخذ مما لي ويعلنه لكم" (يو 16، 15). ولذا ليس هناك إنجيل آخر أسمى من الأول، وليس هناك كنيسة أخرى يجب انتظارها.

وانطلاقًا من هذه الركائز اللاهوتية أوضح بونافنتورا أن الرهبنة الفرنسيسكانية لا يجب أن تقوم بدل الكنيسة بل في الكنيسة وفي إيمانها.

بهذا المعنى يشرح القديس بونافنتورا أن "عمل المسيح لا ينتقص بل ينمي" (Opera Christi non deficiunt, sed proficiunt). ما بدأه المسيح في الكنيسة لا ينقص بل يستمر، ولذا يدحض القديس – كما أوضح البابا – من يرى أن تاريخ الكنيسة في الألفية الثانية هو تاريخ انحطاط. يقول البابا: "عمل المسيح لا ينتقص بل ينمي. ماذا كانت الكنيسة من دون الروحانية الجديدة التي حملها السيسترسنسيون، الفرنسيسكان، الدومينيكان، وروحانية القديس تريزا الآفيلية، ويوحنا الصليب، وسواهم؟ اليوم أيضًا يمكننا أن نقول: عمل المسيح لا ينتقص بل ينمي".

ويخلص البابا إلى القول: "يعلمنا القديس بونافنتورا التمييز الضروري، وحتى القاسي، للواقعية اليقظة والانفتاح على المواهب الجديدة التي يهبها المسيح بالروح القدس لكنيسته".

هذا ونقد البابا في تعليمه اليوم فكرة أخرى هي "الطوباوية الروحية". وشرح: "نعرف كيف أنه بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، اعتقد الكثيرون أن كل شيء صار جديدًا، وأن هناك كنيسة أخرى، وأن كنيسة ما قبل المجمع قد انتهت وأن هناك الآن كنيسة هي "أخرى" بالتمام".

وصف البابا هذه الطوباوية بـ "الفوضوية"! وأردف: "حمدًا لله قام ربابنة سفينة بطرس الحكماء، البابا بولس السادس ويوحنا بولس الثاني، بحماية فرادة واستمرارية الكنيسة، التي هي دومًا كنيسة خطأة وفي الوقت عينه محور نعمة".

خلاصة القول، الكنيسة هي شعب الله، هي عروسة المسيح الذي لا يخلف بوعوده ولا يبدل عهده، بل يحفظ الأمانة. وثبات الكنيسة هو من ثبات أمانة المسيح، وحيث عروسة المسيح فهناك روحه. وأمانة المسيح العروس، التي هي أمانة أبدية – فحب الله في الكتاب المقدس هو "حب أزلي أبدي" – وهذه الأمانة تحفظ الكنيسة عروسة تتنقى بأمانة عريسها حتى مجيئه بالمجد. مدة الكنيسة لا تنتهي ولا تشيخ، بل يجدد الرب شبابها بالأسرار، بالصلاة، وبالقديسين الذين يجعلون وجهها يتألق شبابًا وإشعاعًا يدعمها وعد مؤسسها بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها لأنه معها حتى انقضاء الدهر.