موت المسيح وموتنا

بقلم الأب هاني بخوم

موت المسيح، اي موت ابن الله، هو عثرة لليهود وحماقة لدى الوثنيين. فهل يُعقل ان يموت ابن الله؟ الموت هو نهاية، هو حد، فكيف يموت ابن الله؟ كيف يموت الابدي والذي لا حد له ولا نهاية؟ نعم موت ابن الله هو عثرة وحماقة للبعض، ولكن لمن يؤمن خلاص وقدرة.

انياس دي لا بوتيه، في كتابه الام المسيح[1]، يؤكد ان موت المسيح ليس فقط عبارة عن تضحية مؤلمة او فعل بطولي، بل هو حدث يعلن من خلاله المسيح عن ذاته. لم يمت المسيح على الصليب كي يُظهر لنا فقط  مقدار الالام التي تحملها من اجلنا، بل كي يُظهر لنا مجده، اي طبيعته.

فطبيعة الله هي محبة، ولكن اي محبة؟

فالمحبة هي شعور عميق يدفع المُحب لاعطاء ذاته دون انتظار المقابل، ويَظهَرُ عُمق المحبة  بالاخص عندما تتلقى الرفض والنكران، اي انها  تتجلى عندما تجد امامها اللامحبة. هذا السر كبير حقا، فالمحبة تتلألأ عندما تجد امامها من يرفضها، من يخنقها، من يقتلها، لانها الوحيدة التي تستطيع ان تصمد امام عدم المحبة.

هكذا موت المسيح يُظهر لنا محبته. فالموت الذي هو نهاية الوجود والكيان يتحول ناطق ومبشر بحب الله للبشر. فالموت قد مات اذاً، لم يعد له وجود، تحطم من الداخل، تغيرت هويته، لم يعد الحَد الذي يفصلنا عن الوجود وتحقيق الذات بل اصبح امكانية لتحقيق الذات واعلانها كلياً.

فالموت، ليس فقط الموت الجسدي، ولكن ايضاً الموت الذي يختبره الانسان كل يوم: عندما يشعر انه مكروه او مظلوم، عندما  يعاني من الم او من مرض. هذا الموت اليومي لا يكون بَعدَ الان حَدٌ لنهاية الامل والحياة، بل امكانية كي يحقق الانسان نفسه كاملاً ويُظهر طبيعته كابن لله، وريث مع المسيح، شخص قادر ان يحب.

مات المسيح، وبموته حطم الموت، حوَّل الموت، فحتى ان بقي شكله الخارجي كما كان دائماً، وان بقيت آلامه موجودة كما كانت دائماً، لكن لم يعد له سلطان على كيان الانسان العميق، على طبيعته. بل بالاحرى اصبح الموت خادماً للانسان، يخدمه ويجعله يُعبِّرُ عن طبيعته، عن محبته.

زمن صوم مبارك.

 



[1] Cf. De La Potterie, I. La Passione di Gesù, San Paolo, 1998, 12.