البابا يجيب على تساؤلات الشباب

خلال لقائه بهم في الذكرى السنوية الخامسة والعشرين على اليوم العالمي الأول للشبيبة



الفاتيكان، الجمعة 26 مارس 2010 (zenit.org). – ننشر في ما يلي الأسئلة التي طرحها الشباب في معرض لقائهم بالأب الأقدس بندكتس السادس عشر مساء الخميس 25 مارس استعدادًا للاحتفال بيوم الشبيبة العالمي الخامس والعشرين بعنوان: "أيها المعلم الصالح ماذا يجب أن أفعل لأرث الحياة الأبدية". نرفق الأجوبة المكتوبة بفيديو لمشاهدة قداسة البابا يجيب على أسئلة الشباب.

* * *

شابة: أيها الأب الأقدس، إن الشاب في الإنجيل سأل يسوع:  أيها المعلم الصالح ماذا يجب أن أفعل لأرث الحياة الأبدية؟ أنا لا أعرف حتى ماهية الحياة الأبدية. لا يمكنني أن أتصورها، ولكني أعرف شيئًا: لا أريد أن أبذر حياتي، بل أريد أن أعيشها بالعمق ولا أريد أن أعيشها لوحدي. أخاف ألا يحدث هذا الأمر، أخاف أن أفكر فقط بذاتي، أن أخطئ كل شيء وأن أجدني قاصرة عن الوصول إلى الأهداف التي يجب أن أتوصل إليها، مكتفية بالعيش يومًا فيوم. هل من الممكن أن أجعل من حياتي واقعًا جميلاً وعظيمًا؟

 

http://www.h2onews.org/arabian/137-events/224443347-benedict-xvi-our-lives-are-all-willed-by-god.html

 

جواب الأب الأقدس: أيها الشباب الأعزاء،

قبل أن أجيب على السؤال، أود أن أشكركم من كل قلبي لحضوركم، ولشهادة الإيمان العظيمة هذه، لأنكم تريدون أن تعيشون في شركة مع يسوع، ولأجل حماستكم في اتباع يسوع والعيش بشكل سليم. شكراً!.

والآن بالعودة إلى السؤال. لقد قلتي لنا أنك لا تعرفين ماهية الحياة الأبدية وأنك لا تستطيعين تخيلها. ما من أحد منا يستطيع أن يتخيل ماهية الحياة الأبدية، لأنها خارجة عن إطار خبرتنا. مع ذلك، يمكننا أن نبدأ بفهم شيء عن الحياة الأبدية، أعتقد أنك من خلال سؤالك، قد قدمت لنا شرحًا لجوهر الحياة الأبدية، أي الحياة الحقة: ألا نبذر حياتنا، بل أن نعيشها  بالعمق، ألا نعيش لذواتنا، وألا نعيش لليوم وحسب، بل أن نعيشها حقًا في كل غناها وملئها.

وكيف إمكانية القيام بذلك؟ هذا هو السؤال العظيم، الذي توجه به الشاب الغني في الإنجيل إلى الرب (راجع مر 10، 17). للوهلة الأولى، يظهر جواب الرب جافًا. فبالمختصر المفيد يقول: إحفظ الوصايا (راجع مر 10، 19). ولكن إذا ما فكرنا جيدًا، إذا أصغينا جيدًا للرب، في كامل الإنجيل، نجد عظم حكمة كلمة الله، كلمة يسوع. الوصايا، بحسب كلمة أخرى ليسوع، هي ملخصة في وصية واحدة: محبة الله من كل القلب، من كل العقل، من كل الوجود، ومحبة القريب مثل الذات. تتطلب محبة الله معرفة الله والاعتراف به. وهذه هي الخطوة الأولى التي يجب أن نقوم بها: أن نسعى للتعرف على الله. بهذا الشكل نعرف أن حياتنا ليست موجودة عبثًا، وأنها ليست صدفة. حياتي أرادها الله منذ الأزل. أنا محبوب وأنا ضروري. يملك الله مشروعًا لأجلي في ملء التاريخ؛ يملك الله مشروعًا خاصًا بي. حياتي مهمة وضرورية أيضًا. لقد خلقني الحب الأزلي بالعمق، وهو ينتظرني. ولذا، هذه هي النقطة الأولى: أن أعرف، وأسعى إلى التعرف على الله فأفهم بهذا الشكل أن الحياة هي هبة، وأن الحياة هي أمر جيد. ومن ثم فالأمر الجوهري هو الحب. أن أحب هذا الإله الذي خلقني، والذي خلق هذا العالم، الذي يدبر الأمور وسط مصاعب البشرية والتاريخ، والذي يرافقني. وأن أحب القريب.

إن الوصايا العشر التي يشير إليها يسوع في جوابه، هي فقط توضيح لوصية الحب. هي، إذا جاز التعبير، قواعد حب، تدل على طريق الحب من خلال هذه النقاط الأساسية: العائلة، كركيزة المجتمع؛ الحياة، التي يجب احترامها كهبة من الله؛ الإطار الجنسي، في العلاقة بين الرجل والمرأة؛ الإطار الاجتماعي وأخيرًا الحقيقة. هذه العناصر الأساسية توضح طريق الحب، وتوضح كيف يمكننا أن نحب حقًا وأن نجد الطريق القويم.

ولذا هناك إرادة أساسية في الله من أجل كل منا، وهي ذاتها لأجل كل منا. ولكن تطبيقها يختلف في حياة كل منا، لأن الله يملك مشروعًا محددًا لكل إنسان. لقد قال القديس فرنسيس السالسي مرة: الكمال، أي أن نكون صالحين، عيش الإيمان والمحبة، هو جوهريًا شيء واحد، ولو بأشكال مختلفة. إن قداسة الراهب الشرتوزي هي مختلفة جدًا عن قداسة رجل السياسة، أو العالم أو المزارع، وما إلى ذلك.

هكذا، بالنسبة لكل إنسان، يملك الله مشروعه ويجب علي أن أجد، في إطار حياتي، طريقتي لعيش إرادة الله هذه الفريدة والمشتركة التي نجد قواعدها الكبرى في توضيحات الحب. ويجب أن أسعى بالتالي أن أطبق جوهر الحب، أي ألا أتمسك بحياتي لأجل ذاتي فقط، بل أن أهب حياتي، لا أن أملك الحياة، بل أن أجعل من الحياة هبة، وألا أبحث عن ذاتي بل أن أعطي الآخرين. هذا هو الجوهر، وهو يتطلب التخلي، أي الخروج من ذاتي وعدم البحث عن ذاتي. وإذ لا أفتش عن ذاتي، بل أهب ذاتي للأمور الكبرى والحقيقية، أجد الحياة الحقة. بهذا الشكل يجد كل إنسان في حياته الإمكانيات المختلفة: الالتزام في عمل التطوع، في جماعة صلاة، في حركة، في عمل الرعية، في المهنة.

إيجاد دعوتي وعيشها في كل مكان هو أمر مهم وأساسي، إن كنت عالمًا وإن كنت مزارعًا. فكل شيء مهم أمام عيني الله: ومن الجميل أن يعاش بعمق مع ذلك الحب الذي يفدي العالم حقًا.

ختامًا أود أن أخبر قصة صغيرة من سيرة القديس جوزبينا باخيتا، هذه القديسة الإفريقية الصغيرة التي وجدت الله والمسيح في إيطاليا، والتي تؤثر في دومًا بشكل كبير. كانت راهبةً في دير إيطالية؛ وذات يوم، جاء أسقف المكان إلى الدير ورأى تلك الراهبة السوداء الصغيرة، ويبدو أنه لم يكن يعرف شيئًا عنها فقال: "أيتها الأخت ماذا تفعلين هنا؟" فأجابت باخيتا: "الأمر نفسه الذي تقومون به أنتم يا صاحب السيادة". فأبدى الأسقف الامتعاض وقال: "كيف يدون ذلك أنك تفعلين الأمر نفسه الذي أقوم به أنا؟" فأجابت الراهبة: "نعم، كلانا نريد أن يفعل إرادة الله، أليس كذلك؟". هذه هي النقطة الجوهرية: أن نعرف، بعون الكنيسة، وكلمة الله والأصدقاء، إرادة الله إن في خطوطها الكبرى المشتركة للجميع، وإن في طابعها الملموس في حياتي الشخصية. بهذا الشكل ربما لا تضحي الحياة أسهل، ولكنها تضحي بالتأكيد جميلة وفرحة. فلنصل إلى الرب لكي يساعدنا دومًا لنجد إرادته ونتبعها بفرح.

شاب: الإنجيل يخبرنا بأن يسوع نظر الى الشاب وأحبه. قداسة البابا، ما معنى أن ينظر إلينا يسوع بمحبة، كيف يمكننا أن نقوم نحن أيضاً بهذه الخبرة؟ هل يمكننا بالفعل أن نعيش هذه الخبرة في هذا الزمن؟

http://www.h2onews.org/arabian/132-the-pope/224443349-benedict-xvi-jesus-is-known-above-all-by-the-heart.html

جواب الأب الأقدس:  لا يمكننا أن نتعرف على شخص بنفس الطريقة التي نتعلم بها الرياضيات. للرياضيات، يكفي العقل ولكن لكي نتعرف الى شخص، وبخاصة شخص عظيم – يسوع الإله الإنسان – نحتاج الى العقل ولكن في الوقت عينه نحتاج الى القلب أيضاً. فقط من خلال انفتاح قلبنا عليه ومعرفتنا لما قاله، ما فعله، ومن خلال محبتنا ومن خلال مسيرتنا نحوه، يمكننا أن نتعرف إليه شيئاً فشيئاً، ونختبر محبته لنا. وبالتالي من الأهمية الإصغاء الى كلمة يسوع، الإصغاء إليها في الشراكة مع الكنيسة، وفي الصلاة، في حوارنا الشخصي مع يسوع حيث نعرب له عن احتياجاتنا وعن أسئلتنا وهمومنا.

في الحوار الحقيقي يمكننا دائماً أن نجد طريق المعرفة هذه التي تتحول الى محبة. وهنا لا أتحدث فقط عن التفكير او الصلاة، بل أيضاً عن العمل لان العمل هو جزء من المسيرة نحو يسوع، ان نقوم بما هو صحيح، أن نعمل في سبيل القريب. الطرق مختلفة. كل شخص يعرف إمكانياته وفرصه في الرعية، وفي الجماعة التي يعيش فيها، ويعمل في سبيل المسيح وفي سبيل الآخرين، في سبيل حياة الكنيسة ليكون الإيمان بالفعل قوة تنمي محيطنا وزمننا.

شاب: دعا يسوع الشاب الغني ليترك كل شيء ويتبعه، ولكن هذا الأخير مضى حزيناً. أنا أيضاً اجد صعوبة في اتباع يسوع لأنني اخاف ان اترك أشيائي والكنيسة في بعض الأحيان تطلب اعمال تخل صعبة. قداسة البابا، كيف يمكنني أن أجد القوة  لأقوم بخيارات شجاعة، ومن يمكنه مساعدتي؟

 

http://www.h2onews.org/arabian/132-the-pope/224443351-pope-sacrifices-are-possible-if-they-have-meaning.html

جواب الأب الأقدس: ربما يجدر الإنطلاق من هذه الكلمة الصعبة علينا: التخلي. التخلي ممكن ويمكنه ان يكون جميلاً إذا كان له سبب وإذا كان هذا السبب مبرراً لصعوبة التخلي. استعمل القديس بولس في هذا الصدد صورة الألعاب الأولمبية والرياضيين في الالعاب الأولمبية. يقول لهم أنه للتوصل الى الميدالية – كما نسميها اليوم – لا بد من اتباع نظام قاس جداً، ولا بد من التخلي عن أمور كثيرة، ولا بد من تكثيف التمارين. يقومون بتضحيات وتخليات كبيرة لأن هناك دافع للقيام بذلك، الأمر يستحق التخلي في سبيل الفوز. ومع ذلك ، انه شيء رائع أن يضبط المرء نفسه ويكون قادراً على القيام بهذه الأشياء على أكمل وجه.  وينطبق الشيء نفسه مع هذه الصورة من القديس بولس بشأن الألعاب على جميع أمور الحياة الأخرى. لا يمكن التوصل الى  حياة مهنية جيدة من دون تضحيات، ومن دون استعداد كاف، الأمر الذي يتطلب دائماً التخلي عن شيء ما. وهذا ينطبق أيضاً على الفن، في كل عناصر الحياة، نفهم جميعاً أنه لكي نبلغ هدفاً ما، مهنياً، رياضياً، فنياً، ثقافياً كان، علينا أن نتخلى، أن نتعلم لنمضي قدماً ونكون ذواتنا.

أن تكون إنساناً، يتطلب التخلي، والتخلي الحقيقي الذي يساعدنا على إيجاد طريق الحياة – فن الحياة – يظهر لنا في كلمة الله ويساعدنا على عدم الوقوع في هوة المخدرات والكحول والرق الجنسي، والعبودية للمال والكسل. كل هذه الأشياء تبدو للوهلة الأولى أعمال حرية، ولكنها في الواقع عبودية يصعب الهرب منها. في التخلي عن تجارب اللحظة الآنية، وفي السير قدماً نحو الخير، نجد الحرية التي تعطي قيمة للحياة.

نقله الى العربية طوني عساف و روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية