رسالة الفصح للمطران إبراهيم مخايل إبراهيم

روما ،الجمعة 2 أبريل 2010 (zenit.org) .

ننشر في ما يلي رسالة الفصح للمطران إبراهيم مخايل إبراهيم

مطران الروم الملكيِّين الكاثوليك في كندا

المسيح قام! حقًّا قام.

في سنة الكهنة المباركة هذه، تعالَوا نتأمَّل في بعض معاني قيامة سيِّدنا ومخلِّصنا يسوع المسيح من بين الأموات، ودور الكاهن في نشرها بين البشر.

القيامة تجعلنا نعيش الاتِّحاد بالله إبتداءً من الحياة الحاضرة إلى أن يبلغ كماله بعد قيامة الأموات في الحياة الآتية. هذا الاتِّحاد بالله في الدهر الحاضر، توفِّره لنا الكنيسة بشخص الكاهن عندما تمنحنا سرَّ العماد المقدَّس الذي فيه نشترك في موت المسيح وقيامته. فالمعموديَّة إذًا هي الخطوة الأولى التي تدخلنا في اتِّحاد بالله يتخطَّى حدود الزمان والمكان، ويصلنا بالأبديَّة، لأنَّنا بها نصبح أعضاء في جسد المسيح

السريِّ، أي الكنيسة التي يجري في عروقها دم المسيح المطهَّر إيَّانا من الخطيئة. هذه هي الحقيقة التي حاول يسوع أن يشرحها لنا عندما قال لمرتا: "أنا القيامة والحياة." (يوحنَّا 11/21، 23-26).

إنَّ قيامة المسيح تشمل في ذاتها كلَّ المؤمنين، لأنَّ الله عانق البشريَّة كلَّها بصليب وقيامة ابنه يسوع الذي قال عن نفسه: "أنا الكَرمة وأنتم الأغصان." (يوحنَّا 15: 1-8). فإن كانت لنا حياة فهي منه، لأنَّ الأغصان تستمدُّ حياتها من الكَرمة. أي أنَّ أبواب ملكوت الله فُتحت لنا بيسوع المسيح الذي "أتى إلى العالم لكي تكون لنا الحياة، وتكون لنا بوفرة." (يوحنَّا 10/10). هذه الحياة الوافرة التي أُعطيت لنا في سرِّ تجسُّد المسيح وموته وقيامته، تُعبِّر عنها أسرار الكنيسة المقدَّسة أكمل تعبير، ولا سيَّما سرُّ المعموديَّة وسرُّ الإفخارستيا اللذان يزرعان فينا بذور الحياة الأبديَّة. هنا يبرز الدور المميَّز والعظيم للكاهن الذي بوساطته نصير شركاء في موت المسيح وقيامته. فالمسيح قام من بين الأموات مرَّة واحدة، لكن قيامته تتكرَّر بشكل سرِّيٍّ كلَّما قام الكاهن بإعطاء الأسرار المقدسة، ولا سيَّما سرِّ العماد وسرِّ الإفخارستيا المقدَّسين.

الكاهن يقودنا إلى أن نصير شركاء بقيامة المسيح، وبالتالي إلى اتَّحاد معه ومع  كلِّ أعضاء جسده السرِّيِّ. هذا الاتِّحاد مع المسيح، يوقظ فينا إذًا ضرورة عيشه. ليس مع المسيح فقط، بل مع أخينا الإنسان وشريكنا في الخلاص أيضًا. فالفصح إذًا هو زمن الاتِّحاد بين البشر أيضًا: اتِّحاد القلوب التوَّاقة إلى الله والحياة فيه وبه ومعه ولأجله. فيه، لأن لا حياة خارجا عنه، وبه، لأن إرادته هي التي أوجدتنا وأحيتنا، ومعه،

لأننا بدونه نضل ونموت، ولأجله، لأنه في ذاته هو غايتنا وموضوع عبادتنا وفي وجوه الآخرين نكرّمه ونمجده. فبالله نحن نُغرس وبه نحيا ومعه ننمو ولإجله نثمر. لكن الله كامل والكمال لا ينقصه شيء البتة. فالله لا يحتاج ثمارنا، إلا أنه يفرح بها من أجلنا ومن أجل كل إنسان آخر نشاركه إياها. فإلغاء مبدأ المشاركة يجعل من البشر والدول والمجموعات جزرا تيبس في أنانيتها بدلا من أن تتكامل وتزدهر محققة غاية وجودها. ومثلنا الأعلى في هذه المشاركة هو سيدنا يسوع المسيح الذي، وهو منزه عن كل خطيئة، قبِل أن يحمل خطايا البشر كلها بموته على الصليب كي يُشرك الجميع بنور قيامته المجيدة.

إنَّ فرح القيامة لا يكتمل إلاَّ إذا عشناه مع الآخر الذي شاركه المسيح قيامته المجيدة أيضًا. فكيف أستطيع أنا إذًا أن أعيش القيامة وفرح القيامة إذا كنت منقسمًا على أخي الذي من أجله مات المسيح وقام؟ أم كيف أقدر أن أرنِّم: "المسيح قام" إذا ما رفضت أن أرنِّم: "وليصافح بعضنا بعضًا بفرح. ولنقل يا إخوة: لنصفح لمبغضينا عن كلِّ شئٍ في القيامة"؟ أم كيف أستطيع أنا أن أعبِّر عن فرحي بقيامة السيِّد إذا كنت أفرح بسقوط أخي وموته وضياعه؟ أم كيف يكون فصحي أنا فصحَ المائدة الحافلة إذا كانت مائدة أخي فارغة؟ وكيف سأستطيع أنا أن أشاهد أنوار القيامة البازغة من قبر المسيح الخالي إذا ما كنت سبب وقوع أخي في بحر من الظلم والظلام؟ أم كيف أرفع أنا رايات الانتصار بالقيامة إذا ما كانت ترفرف داخل قلبي رايات الانكسار الناتج عن الحقد والخبث والحرام؟ وهل ستشرق مني أنوار السيِّد القائم حقًّا إذا كنت أرقص مع الشيطان في ميادين الحياة من أجل ربح رخيصٍ بدلاً من أن أعلن شراكتي مع المسيح التي تورثني كنوز السماء؟ كلُّ هذه الأسئلة وغيرها

تجعلني أراجع قلبي وفكري وضميري لكي يكون ترنيمي للمسيح القائم نابعًا من كلِّ وجودي وكياني وإيماني.

صلواتي وأدعيتي في هذا الزمن الفصحي المجيد، ترتفع نحو الله القدير من أجل أبرشيَّتي والكنيسة جمعاء. من أجل أبنائي وبناتي والبشريَّة بأسرها. من أجل أوطاني والأرض كلِّها كي يحلَّ نور قيامة المسيح محلَّ ظلمات هذا الزمن العصيب، وكلَّ ما يجلب علينا من حروب

وويلات وكوارث طبيعيَّة وانحدار أخلاقي وأزمات اقتصاديَّة وبيئيَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة.

كم سرّنا هذه السنة رؤية جميع المسيحيين، شرقيين وغربيين، يعيشون معا زمن الصوم المقدس وأحد الشعانين المبارك والولوج سوية سر آلام السيد المسيح، حاملين صليب إنقساماتهم، راجين صليب انتصاره على الموت أن يؤهلهم للإشتراك بقيامته المجيدة.

ليكن فرح القيامة علامةَ الدهر الحاضر والآتي لكل أبناء المسكونة، ولا سيَّما لأبنائنا وبناتنا في شرقنا الحبيب وفي أوطانهم الجديدة في دنيا الإنتشار.

المسيح قام! حقًّا قام.