احد توما

للاب هاني باخوم

 

"ربي والهي" هكذا يرد توما على المسيح بعد ان قال له: "هَاتَ اصبعك الى هنا فانظر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل كن مومناً" (يو 20: 27). يسوع المسيح لا يتشكك من عدم ايمان توما. لا يتشكك لان توما لم يؤمن بقيامته وبظهوره للتلاميذ. لا يتشكك، فهو الوحيد الذي يعرف ان الايمان طريق، مسيرة فيها يحصل الانسان على الايمان. بالفعل من قبل ثلاث سنوات بدأ المسيح تلك المسيرة مع تلاميذه اثناء حياته، لكنها لم تنته بعد. لذا فهو لا يطلب الان منهم الايمان الناضج. بل يظهر لهم ويساعدهم لينمي تلك النبتة، نبتة الايمان، الذي زرعها في حياته والان يرويها بقيامته وبظهوره. هو الوحيد الذي يعرف ان الايمان ينمو وينضج، انه ليس فعل سحري. هو الوحيد الذي يعرف ان الايمان عطية وليس محصلة افعال شخصية او اجتهادات. الايمان عطية والانسان بحريته يستطيع ان يستقبلها، ان يرد عليها بان يفتح لها اعماقه كي تنمو فيه.

 يقول المسيح لتوما:" كن مومناً". هذا الامر هو امر خلق للايمان في توما. كما قال الله في البدء:"فليكن نور" فكان نور. الان يقول المسيح لتوما " كن مومناً" فيرد توما: "ربي والهي". اي يعلن ايمانه. كلمة المسيح خلقت في توما الايمان، اتمت فيه جزء من تلك المسيرة.

توما بعد ان راى المسيح مصلوبا، بعد ان راى جراحه وعلامات موته يصعب عليه ان يصدق، ان يؤمن بانه قام. كيف يقوم من مات ومات هكذا. ان يقوم معناه ان الله اقامه، لكن كيف يقيم الله شخصا مات بهذه البشاعة، كيف يقيم شخصا مات ميتة المجدفين، ميتة الخاطئين. فتوما لم يشك ببساطة في قيامة المسيح، بل بشىء اعمق: شك في ان المسيح كان من عند الله، انه هو الرب بالفعل. شكَّ بان يسوع هو بالفعل المسيح ابن الله. ولماذا هذا الشك؟ لان توما راى الام المسيح، راى موت المسيح. الصليب شككه في ان المسيح هو من عند الله. توما تعثر من الام المسيح! كان ينتظر شيئا اخر!

توما هو كل انسان يؤمن بالرب، لكنه عندما يرى ما لا يتوقعه، عندما يرى ان الواقع يكذب ما كان ينتظر، عندما يرى الالم والصعاب في الحياة يتشكك ويقول اكيد ما يحدث لي  ليس من عند الرب. كيف يسمح الرب بكل هذا؟ كيف لا يتدخل؟ لماذا كل هذا الالم، الموت، الصعاب؟ لماذا؟ كيف؟

توما هو انا وانت عندما نتشكك من الامنا ونفقد الرجاء، عندما يخيب ظننا. عندما يتصرف الرب في حياتنا بطريقة مختلفة عما كنا نتوقعه. فنفقد الايمان، ونعتقد انه ما يحدث لنا ليس من الله. نفقد الايمان بان الله قادر ان يحول موتنا لحياة وان يقيمنا حتى من اعماق قبورنا التي دُفنا فيها لسبب او لاخر.

الرب القائم لا يتشكك منا اليوم بل يقول لنا: "كن مومناً". وبهذا يخلق فينا الايمان من جديد. احد توما هو خبر مفرح لكل من فقد الايمان، لكل من هو متشكك من واقعه اليوم، لكل من تعثر من احداث حياته. فليقبل تلك الكلمة من المسيح "كن مومناً".

احد مبارك.