تعليم الأربعاء عن فرح الفصح

"عمل القدرة الإلهية الأسمى الذي لا يقهر"

حاضرة الفاتيكان، الخميس 15 أبريل 2010 (Zenit.org) 
ننشر في ما يلي التعليم الذي تلاه بندكتس السادس عشر في السابع من أبريل الجاري خلال المقابلة العامة في ساحة القديس بطرس.

***

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

تزخر اليوم مقابلة الأربعاء العامة التقليدية بالفرح الفصحي النيّر. ففي هذه الأيام، تحتفل الكنيسة بسر القيامة، وتختبر الفرح العظيم الناجم عن البشرى السارة المبلورة في انتصار المسيح على الشر والموت. هذا الفرح لا يمتد فقط خلال ثمانية الفصح، وإنما أيضاً خلال 50 يوماً حتى العنصرة. بعد حداد وحزن نهار الجمعة العظيمة، وبعد صمت سبت النور المفعم بالتوقعات، ها هو الإعلان المذهل: "حقاً إن الرب قام، وقد ظهر لسمعان!" (لو 24، 34). في كل تاريخ العالم، هذه هي البشرى السارة بامتياز، هذا هو الإنجيل المعلَن والمنقول من جيل إلى جيل على مر العصور.

إن فصح الرب هو عمل القدرة الإلهية الأسمى الذي لا يقهر. إنه حدث استثنائي، أجمل وأنضج ثمار "السر الإلهي". هو استثنائي جداً بحيث لا يمكن سرده بأبعاده التي تفوق قدرتنا البشرية على المعرفة والبحث. إلا أنه أيضاً حدث "تاريخي" فعلي ومشهود وموثق، حدث يؤسس كل إيماننا. هو الجوهر الأساسي لإيماننا وعلة إيماننا.

لا يصف العهد الجديد قيامة يسوع خلال حدوثها. ويشير فقط إلى شهادات الأشخاص الذين التقى بهم يسوع شخصياً بعد قيامته. تسرد الأناجيل الثلاثة الشاملة هذا الإعلان: "لقد قام! – الذي بشر به بعض الملائكة. لذلك، ينبثق هذا الإعلان عن الله، لكن الله يعهد به فوراً إلى "رسله" لينقلوه للجميع. وهكذا، فإن هؤلاء الملائكة هم الذين يدعون المرأتين اللتين بكّرتا إلى القبر للذهاب بسرعة وإخبار التلاميذ أنه "قد قام من بين الأموات، وها هو يسبقكم إلى الجليل – هناك ترونه" (مت 28، 7). هكذا، ومن خلال المرأتين في الإنجيل، يبلغ هذا التفويض الإلهي مسامع الجميع لكي يقوم هؤلاء بدورهم بنقل هذه البشرى عينها – البشرى الرائعة والفرحة التي تحمل الفرح –، إلى الآخرين بكل أمانة وشجاعة.

أجل، أيها الأحباء، إيماننا مبني على إعلان هذه "البشرى السارة" بصورة دائمة وأمينة. ونريد اليوم أن نعبر لله عن امتناننا العميق له على حشود المؤمنين بالمسيح الذين سبقونا على مر القرون، ذلك لأنهم لم يهملوا أبداً التفويض الأساسي، تفويض إعلان الإنجيل الذي أوكل إليهم. لذلك، تتطلب بشرى الفصح السارة عمل الشهود المندفعين والشجعان. ويدعى كل تلاميذ المسيح، كلنا جميعاً، إلى أن نكون شهوداً. هذا هو التفويض المحدد والملزم والمثير الذي منحه الرب القائم من بين الأموات. يجب أن تسطع "بشرى" الحياة الجديدة في المسيح في حياة المسيحيين، وينبغي أن تكون حية وفعالة في من يحملها، وقادرة على تبديل القلب والوجود كله. وهي حية بالدرجة الأولى لأن المسيح نفسه هو روحها الحية والمحيية. هذا ما يذكرنا به القديس مرقس في ختام إنجيله حيث يكتب أن الرسل "انطلقوا يبشرون في كل مكان، والرب يعمل معهم ويؤيد الكلمة بالآيات الملازمة لها" (مر 16، 20).

إن حدث الرسل هو أيضاً حدثنا وحدث كل مؤمن وكل تلميذ يجعل نفسه "رسولاً". نحن أيضاً واثقون بأن الرب يعمل مع شهوده في الحاضر كما في الماضي. هذا الواقع يمكننا إدراكه كلما رأينا نمو بذور سلام فعلي ومستدام، حيث يتقوى التزام المسيحيين وأصحاب النوايا الحسنة باحترام العدالة، والحوار الصبور، وتقدير الآخرين، ونكران الذات، والتضحية الفردية والجماعية. مع الأسف، نرى أيضاً في العالم الكثير من المعاناة والعنف الشديد وسوء الفهم. هنا، يشكل الاحتفال الفصحي، والتأمل الفرح بقيامة المسيح الذي يتغلب على الشر والموت بقوة محبة الله، فرصة سانحة لإعادة اكتشاف إيماننا بالرب القائم الذي يرافق شهود كلمته مجترحاً المعجزات معهم، وللمجاهرة به بقناعة أكبر. سنكون حقاً شهوداً ليسوع القائم من بين الأموات عندما نُظهر في أنفسنا معجزة محبته: عندما يتم التعرف في أقوالنا وحتى في أفعالنا المطابقة للإنجيل على صوت يسوع ويده.

لذلك، يرسلنا الرب إلى كل صوب كشهود له. إلا أننا لا نكون كذلك إلا إن انطلقنا من التجربة الفصحية التي عبرت عنها مريم المجدلية عندما أعلنت للتلاميذ الآخرين: "إني رأيت الرب" (يو 20، 18)، واستندنا دائماً إليها. في هذا اللقاء الشخصي مع القائم من بين الأموات، يكمن الأساس المتين والجوهر الرئيسي لإيماننا، منبع رجائنا العذب الذي لا ينضب، حيوية محبتنا. هكذا، تتطابق حياتنا المسيحية بشكل تام مع الإعلان: "المسيح الرب حقاً قام". لذلك، دعوا فتنة قيامة المسيح تأسر قلوبنا. ولتقوينا مريم العذراء بحمايتها، وتعيننا في اختبار الفرح الفصحي بشكل تام لنتمكن من نقله بدورنا إلى جميع إخوتنا.

مجدداً، أتمنى فصحاً مجيداً للجميع!

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)