كلمة البابا حول وسائل الإعلام والإنترنت

"نريد أن نمخر عباب البحر الرقمي من دون خوف"

حاضرة الفاتيكان، الاثنين 26 أبريل 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر نهار السبت في المقابلة التي جرت في قاعة بولس السادس مع مشاركين في مؤتمر وطني حول "الشهود الرقميون: أوجه ولغات في حقبة الالتقاء الإعلامي"، البادرة التي تمت برعاية مجلس أساقفة إيطاليا.

***

أصحاب النيافة،

أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية،

أيها الأحباء،

يسرني أن أحظى بفرصة لقائكم واختتام مؤتمركم الذي يحمل شعاراً موحياً هو "الشهود الرقميون: أوجه ولغات في حقبة الالتقاء الإعلامي". أشكر رئيس مجلس أساقفة إيطاليا، الكاردينال أنجيلو بانياسكو، على الكلمات الترحيبية الطيبة التي رغب من خلالها في التعبير مجدداً عن محبة الكنيسة في إيطاليا لخدمتي الرسولية وقربها منها. بكلماته، يعكس الكاردينال الالتزام الأمين ببطرس من قبل جميع الكاثوليك في هذه الأمة الحبيبة، وتقدير العديد من الرجال والنساء الذين تحركهم الرغبة في البحث عن الحقيقة.

يشهد الزمن الذي نعيش فيه توسعاً هائلاً لحدود الاتصالات، ويحقق تقارباً مستجداً بين مختلف وسائل الإعلام ويجعل التفاعل ممكناً. وبالتالي فإن الإنترنت تكشف عن دعوة مفتوحة ذات نزعة مساواتية وتعددية، لكنها في الوقت عينه ترسم هوة جديدة: نتحدث هنا عن "الهوة الرقمية" التي تفصل بين المشمولين والمستبعدين، وتضاف إلى التناقضات الأخرى التي تفصل الأمم عن بعضها البعض وتقسمها داخلياً. كذلك، تزداد مخاطر التماثل والتحكم والنسبوية الفكرية والأخلاقية، المتجلية في تراجع روح النقد، في الحقيقة المتقلصة إلى مجموعة آراء، وفي مختلف أشكال انحطاط وإذلال خصوصية الإنسان. إذاً، يشهد المرء "تلويثاً روحياً يخفف بسماتنا، ويزيد كآبة وجوهنا ويخفض احتمال إلقاء التحية على بعضنا البعض أو النظر إلى بعضنا البعض…" (الكلمة في ساحة إسبانيا، 8 ديسمبر 2009). لكن هذا المؤتمر يرمي إلى إدراك أوجه، وتخطي الديناميكيات الجماعية التي تجعلنا نفقد إدراك أعماق الشخص ونبقى سطحيين بشأنها: عند حصول ذلك، يظل الأشخاص أجساداً بلا أرواح، سلعاً للتبادل والاستهلاك.

ما السبيل اليوم للعودة إلى الأوجه؟ لقد سعيت أن أشير إلى الدرب في رسالتي العامة الثالثة. إنها تمر بـ "المحبة في الحقيقة" التي تشع على وجه المسيح. تشكل المحبة في الحقيقة "تحدياً كبيراً للكنيسة في عالم يتعولم تدريجياً وبشكل واسع" (المحبة في الحقيقة، رقم 9). ويمكن لوسائل الإعلام أن تتحول إلى عوامل أنسنة "ليس فقط عندما تزيد إمكانيات نقل المعلومات بفضل تطور تكنولوجي، وإنما بخاصة عندما تتجه نحو رؤية الإنسان والمصلحة العامة التي تعكس قيماً شاملة" (رقم 73). هذا يتطلب "تركيزها على تعزيز كرامة الأفراد والشعوب، واستلهامها من المحبة ووضع ذاتها في خدمة الحقيقة والخير والأخوة الطبيعية والفائقة للطبيعة" (المرجع عينه). فقط في ظل هذه الظروف، يصبح التحول التاريخي الذي نشهده غنياً ومليئاً بالفرص الجديدة. نحن نريد أن نمخر عباب البحر الرقمي من دون خوف معتمدين على الملاحة غير المقيدة وعلى الاندفاع الذي يدير دفة سفينة الكنيسة منذ 2000 سنة. إضافة إلى الموارد التقنية الضرورية، نريد أن نتميز بتواجدنا في هذا العالم بقلب مؤمن يسهم في إضفاء روح على تدفق الاتصالات الدائم على الشبكة.

هذه هي مهمتنا، المهمة التي لا تستطيع الكنيسة أن تتخلى عنها. إن مهمة كل مؤمن يعمل في مجال الاتصالات تقضي بـ "فتح المجال أمام أشكال جديدة من التلاقي، والحفاظ على نوعية التفاعل البشري، وإيلاء الاهتمام بالأفراد وباحتياجاتهم الروحية الحقيقية. هكذا تتم مساعدة الرجال والنساء في عصرنا الرقمي على إدراك حضور الرب" (الرسالة بمناسبة اليوم العالمي الرابع والأربعين للاتصالات، 10 مايو 2010). أيها الأحباء، أنتم مدعوون إلى حث الجماعة على شبكة الإنترنت أيضاً، والحرص على "إعداد السبل المرشدة نحو كلمة الله"، والتعبير عن شعور خاص تجاه "اليائسين الذين يتوقون بشدة إلى الحقيقة والمطلق غير الزائلين" (المرجع عينه). هكذا تصبح الإنترنت نوعاً من "ساحة الأمم" حيث "يوجد مكان أيضاً للأشخاص الذين لم يتعرفوا بعد إلى الله" (المرجع عينه).

إنكم كرعاة الثقافة والتواصل تشكلون دليلاً حياً على مدى "استخدام الجماعات الكنسية لوسائل الإعلام الحديثة لتعزيز التواصل والالتزام بالمجتمع ولتشجيع الحوار على مستوى أوسع" (المرجع عينه). وفي هذا المجال، تكثر الأصوات في إيطاليا، ويكفي أن نذكر Avvenire وTV2000 وشبكة راديو inBlu ووكالة سير للأنباء، والصحف الكاثوليكية، وشبكة النشرات الأبرشية الأسبوعية والمواقع الإلكترونية الكاثوليكية المتعددة. أحث جميع الخبراء في وسائل الإعلام على عدم الكلل من تغذية الشغف بالإنسان الذي يقرّب أكثر إلى اللغات التي يتكلمها وإلى وجهه الحقيقي. وستساعدكم في ذلك تنشئة لاهوتية قوية، ومحبة كبيرة لله يغذيها حوار مستمر مع الرب. كما ينبغي على الكنائس الخاصة والمعاهد الدينية ألا تتردد في تثمين حلقات التنشئة التي تقدمها الجامعات الحبرية وجامعة القلب الأقدس والجامعات الكاثوليكية والكنسية الأخرى، من خلال تأمين أفراد وموارد. ينبغي على عالم وسائل الإعلام أن يشكل جزءاً من التخطيط الرعوي.

إني إذ أشكركم على الخدمة التي تقدمونها للكنيسة ولمصلحة الإنسان، أحثكم على السير على دروب القارة الرقمية مكتسبين الشجاعة من الروح القدس. إن ثقتنا ليست موضوعة في أي وسيلة تكنولوجية. قوتنا تكمن في كوننا كنيسة، جماعة مؤمنة قادرة على الشهادة للجِدة الدائمة للقائم من بين الأموات، من خلال حياة تزهر بالكمال عندما تنفتح وتبني العلاقات وتبذل ذاتها دون مقابل.

إنني أعهد بكم إلى حماية مريم الكلية القداسة وإلى قديسي التواصل العظماء، وأبارككم من صميم القلب.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010

 

الانترنت ثورة قديمة قدم الإنسان

كلمة السر للبقاء على قيد الحياة هي: تمييز



بقلم روبير شعيب

الاثنين، 26 أبريل 2010 (ZENIT.org). – عقد في روما مؤتمر نظمه مجلس أسقاقة إيطاليا بعنوان: "شهود رقميون. وجوه ولغات في عصر تقاطع شبكات الاتصال". استمر المؤتمر من 22 إلى 24 من الجاري وشارك فيه حوالي 1300 شخص، وحاضر فيه 25 خبير.

تحدث الأب أنطونيو سبادارو اليسوعي في مداخلته عن الانترنت كثورة حديثة وقديمة في آن. موضحًا أنها قديمة لأنها تمد جذورها في الماضي، فهي تردد أشكالاً غابرة من نقل المعلومات والعيش المشترك، وتُظهر حنينًا للماضي، وتترجم رغبات وقيم قديمة قدم الإنسان.

وقد دعا سبادارو في مداخلته إلى التنبه ليس فقط إلى أبعاد المستقبل التي يقدمها الانترنت، بل أيضًا إلى رغبات الإنسان وتطلعاته التي تسعى هذه الظاهرة إلى الإجابة عليها: أي التواصل، العلاقة، الاتصال والمعرفة.

شبكة الانترنت ليست مجرد "وسيلة" للاتصال بل هو "بيئة" ثقافية تقررأسلوب تفكير وتسهم في تحديد أسلوب جديد في إقامة العلاقات.

أن يكون الإنسان حاضرًا على "شبكة" الانترنت هو نوع من أنواع عيش العالم وتنظيمه. وتحدي الكنيسة – بحسب سبادارو – لا يجب أن يكون كيفية استخدام الشبكة، بل كيفية العيش في زمن شبكة الانترنت.

فمصير الانترنت هو أن يضحي أكثر فأكثر متداخلاً وشفافًا في الحياة، أن يضحي ملموسًا. وهذا هو التحدي الحقيقي، أن نتعلم أن نكون متصلين (wired)، بشكل سلس، طبيعي، أخلاقي، وحتى روحي، وأن نعيش شبكة الانترنت كإحدى بيئات حياتنا.

من الواضح إذًا أن شبكة الانترنت تضع الكنيسة أمام عدد من الأسئلة الهامة ذات الطابع التربوي والرعوي. فالانترنت يطرح أسئلة حول تأثير منطق الشبكة على منطق اللاهوت، وحول نقاط التماس بين جدلية الإيمان والشبكة.

"الإبحار" على الانترنت هو إحدى الوسائل الاعتيادية للمعرفة. فغالبًا ما نراجع محركات البحث مثل غوغل أو بينغ وغيرها للحصول على معلومات نطلبها. يبدو وأن الانترنت هو موضع الأجوبة. ولكن الأجوبة التي ننالها هناك قلما تكون متناغمة. الجواب هو عادة آلاف بل ملايين الروابط التي تحمل إلى عوالم مختلفة، متفارقة وحتى متناقضة.

إذا ما أقمنا بحثًا عن كلمة "الله" أو "روحانية" أو "دين" لوجدنا عشرات ملايين الصفحات، شهادة لتزايد الحاجة لأجوبة دينية تلاقي السبل التقليدية الدينية صعوبة في إشباعها. فالإنسان الذي يبحث عن الله اليوم يقوم ببحث على الانترنت متوهمًا ربما أن المقدس والديني هو على بعد كبسة "ماوس". ولذا يمكن مقارنة شبكة الانترنت بسوبرماركت ديني ضخم. هناك وهم أن ما هو مقدس هو في استخدام المستهلك عندما يحتاج إليه.

يقدم الانترنت كمًا هائلاً من الأجوبة والاقتراحات بحيث يتعرض من يرتاده بحثًا عن أجوبة لإتخام معلوماتي (information overload). ويقترح الأب اليسوعي في هذا الإطار الرجوع إلى خاصية مسيحية هي "التمييز". كما أن الفرق بين الرادار الذي يترصد أية ذبذبة في إطاره، وبين البوصلة التي تعرف أن تشير إلى الشمال مقدمة للإنسان إمكانية إيجاد طريقه، كذلك يستطيع التمييز أن يساعد الإنسان على إيجاد سبيله في محيط المعلومات التي تقدمها شبكة الانترنت.