ردا على مهاجمة الفاتيكان من قبل جريدة المصري اليوم

 

الأخوة الأعزاء

 

لقد تفاجئنا جميعا بالتحقيق الصحفي المنشور في جريدة المصري اليوم والخاص بدولة الفاتيكان تحت عنوان: "الفاتيكان.. دولة داخل قفاز حريري" في عدد 2150 بتاريخ 3 مايو 2010، في ملف خاص، والذي تسبب في إزاء مشاعر الكثيرين من أبناء هذا الوطن الطيب، خاصة المسيحيين الكاثوليك، لاسيما وأنه ابتعد كل البعد عن الحرفية الصحفية والحقيقة الموضوعية فجاء مليء بالافتراءات والمهاترات والأكاذيب غير الموثقة.

وقد أرسلنا في نفس اليوم ردنا لرئيس التحرير السيد مجدي الجلاد وقمنا في اليوم التالي بالاتصال به شخصيا، للتحدث معه ولمناقشة ضرورة نشر الرد كدليل على احترام الرأي والرأي الآخر، إلا أننا لم نتلقى منه أو من الجريد أي رد، ولم يقم أحد بالاتصال بنا، إما لجعل الأمر يمر مرور الكرام وإما للخوف من نشر رد يؤكد أن الجريدة، وبرغم احترامنا لها، قد سقطت في فخ بنشره تحقيق لم يكلف صاحبة نفسه عناء البحث والتحري قبل الاتهام والتجني، وهو أبسط قواعد الصحافة الشريفة.

واحتراما منا للأساليب المهنية والمتبعة في كل الدول والجرائد المتحضرة قمنا بالانتظار يوما ويومين قبل نشر الرد على صفحات موقعنا وعلى الفيس بوك وإرساله لكل المواقع الصديقة والأقلام المستنيرة وبكل الوسائل المتوفرة علَّ الجميع يعرف أن عصر الرؤية الأحادية قد انتهى وأن أهم قواعد المهنية الصحفية هي إعطاء نفس المساحة للرأي والرأي الأخر، لاسيما وأننا نحيا في عالم المعلوماتية والحرية حيث لا مكان للتجاهل أو الصمت أو التخفي.

وإليكم قرائنا الأعزاء أولا نص رسالتنا للسيد مجدي الجلاد وثانيا نص ردنا على الاتهامات والمهاترات التي وردد في جريدة المصري اليوم بخصوص دولة الفاتيكان.

 

أولاً: نص رسالتنا للأستاذ السيد مجدي الجلاد

السيد الأستاذ مجدي الجلاد

رئيس تحرير جريدة المصري اليوم

قرأت التحقيق الخاص بدولة الفاتيكان تحت عنوان: "الفاتيكان.. دولة داخل قفاز حريري" المنشور في عدد 2150 بتاريخ 3 مايو 2010 ، وهو تحقيق تسبب في اهتزاز صورة صحيفتكم المبجلة لدي كثير من القراء لاسيما الكاثوليك وقد اتصل بي الكثير من الأصدقاء للاستفسار عن حقيقة ما نشر ومدي مصداقيته لمعرفتهم بوجودي في مصر لقضاء الأجازة السنوية قبل التوجه للعمل في سفارة الفاتيكان، كثاني مصري قبطي في السلك الدبلوماسي الفاتيكاني وكابن لهذا الوطن ولهذه الكنيسة التي تتعرض لهجوم غير مبرر ولا موثق. مؤكدا أن رأي هو مجرد رد شخصي أتحمل مسئوليته .

ولولا ثقتي في جريدتكم وفي أسلوبكم المهني المحترم لما كتبت هذا الرد الذي أتمنى أن يحظى بالنشر في صحيفتكم وأن يأخذ نفس المساحة كدليل منكم على احترامك للرأي والرأي الآخر ولتدعيم الثقة التي ولدت بينكم وبين قرائكم الأعزاء

* الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد

كاهن قبطي كاثوليكي

ورئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي

مراجع:

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=253423&IssueID=1759

 

أولاً: نص ردنا على ما نشر في الجريدة

ردا على مهاجمة الفاتيكان

كاتب الرد كاهن قبطي كاثوليكي*

يقول المثل الانجليزي: "إن أردت أن تمتلك أعلى بيت فعليك إما هدم كل البيوت المحيطة بك وإما بناء بيت أعلى منهم"، وقد اعتدنا تطبيق الحل الأول، لاسيما وأنه الأسهل والأكثر تعبيرا عن عجز صاحبه، وبالتالي تعودنا على مهاجمة وتحطيم كل البيوت ومهاجمة كل الدول والمؤسسات والرموز والقلاع التي حولنا علّنا نشعر بأننا "الأفضل"، وتحقيقكم عن الفاتيكان بعنوان: "الفاتيكان.. دولة داخل قفاز حريري" في عدد 2150 بتاريخ 3 مايو 2010 هو أكبر دليل على هذه العقلية التي تملكت على زمام بعض عقول عدد كبير من مفكرينا فباتوا ضحية لها بدلا من أن يقاوموها، وهو مقال لا يقدم معلومات صحيحة بل يعتمد على الأخبار الصحفية والقصص السينمائية… ولولا احترامي الشديد لجريدة "المصري اليوم" التي وجدت على صفحاتها بعض الأقلام التي تفكر والعقول التي تحلل، لما كلفت نفسي عناء الرد، فكثير من الاتهامات لا تستحق الرد.

وإليكم  الرد:

1- عدد الكاثوليك في العالم هو 1 مليار وأكثر من 200 مليون أي ما يعدل حوالي 19 % من عدد سكان الكرة الأرضية وهو بالطبع أكبر تجمع بشري منظم وذو سلطة واحدة على وجهة الكرة الأرضية. ولأن الكنيسة هي أيضا مؤسسة بشرية فمن الطبيعي أن يكون من بين أعضائها من هو مريض وضعيف وشاذ، وعدد الكهنة الكاثوليك الذين يقدمون خدماتهم ويكرسون حياتهم في أقصى بقاع الأرض صعوبة يناهز قرابة نصف مليون كاهن وراهب، ومن الطبيعي أن يتسرب بين هذا العدد الضخم من يعانون من بعض الأمراض والمشاكل الشخصية التي تتواجد بين أتباع كل مذهب وديانة ومجتمع بغض النظر عن الدين والثقافة او العرق. مع التأكيد بان عدد هؤلاء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة مقارنة بالعدد الإجمالي لأكثر من نصف مليون كاهن وراهب كاثوليكي في العالم.

2- لم تُرتكب في حاضرة دولة الفاتيكان أي جريمة أو اعتداء سوأ جنسي أو غيره على مر التاريخ، وكل ما نشر وتتحدث عنه الصحف هي اعتداءات تمت في بعض الدول التي يوجد فيها حضور كاثوليكي. من المنطقي أنه لا توجد دولة، حتى لو كانت الفاتيكان، تستطيع منع أتباعها من ارتكاب بعض الأخطاء والجرائم لاسيما وأننا نتكلم عن الدولة الأصغر مساحة والأكبر عددا في العالم، وهذه الاعتداءات التي أشرتم إليها تم أغلبها في الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي وقد عوقب أصحابها مرتين، مدنيا وكنسيا، ومات أغلبهم أثناء فترة عقوبته، وسيتم معاقبة من يثبت اتهامه في المستقبل.

3- إن عظمة أي مؤسسة أو دولة لا تقاس بأخطاء بعض أتباعها بل في مقدرتها وشجاعتها على الاعتراف بهذه الأخطاء ومعالجتها والتعويض عنها، وهذا ما قام به الفاتيكان، فهو وبالرغم من ثقله ووزنه الدولي، لم يتستر ولم يدع أنه "الأفضل" أو أن أتباعه كلهم قديسين وملائكة، بل قام قداسة البابا بيندكتوس السادس عشر وبشخصه بالاعتذار وباتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذه الأعمال، وهو ما يدعو للفخر وليس للخجل، وياليت جميع المسئوليين الدينين والمدنيين يعملون بالمثل، أي بإتباع أسلوب الاعتراف والتقويم بدل من التهجم والتستر وأحيانا التبرير. فالعظمة تكمن في المواجهة وليس في دفن الرؤوس كالنعام.

4- عدد الكهنة الكاثوليك في العالم، كما قلنا، يتخطي النصف مليون وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا كل هذا التضخيم والنفخ الإعلامي؟ ألا يدعو هذا الأمر للتفكير والتعقل قبل الانخراط في التيار ومهاجمة الآخرين بالسيف الذي يمكن لهم أن يهاجمونا به إن أرادوا؟ فهل يوجد تجمع بشري ملائكي يخلو من الأخطاء؟ وهل لو حللنا على سبيل المثال تجمع الأطباء أو المحامين أو رجال الشرطة أو حتى رجال الدين غير المسيحيين لن نجد بينهم من هو مريض وأحيانا مجرم؟؟؟ وهل هذه الجرائم والاعتداءات لا تحدث في كل مكان وهل من الثواب أو الحكمة أن نضرب الآخرين بالحجارة وبيوتنا مصنوعة من الزجاج؟ أم أن الكاثوليك فقط هم المرضى؟؟ ألا يدل الهجوم غير المسبوق على الفاتيكان إلى أن وراء الأمر أمور أخرى لا تخفى عن أصحاب البصيرة ولكنها بالطبع تخفى عن أصحاب الرؤية الضيقة المريضة بكراهية الآخر؟؟؟ أوليس الهدف الحقيقي هو إضعاف وإسكات صوت الفاتيكان المقلق للذين يريدون خلق ثقافة بلا دين ومجتمعات بلا قيم؟؟؟ ولمصلحة من الانخراط الأعمى في مهاجمة أكبر مؤسسة كبيرة وعريقة كالكنيسة الكاثوليكية؟…

5- اتهام الفاتيكان بالتعامل من المافيا والمنظمات الإجرامية هو اتهام لا يستحق حتى الرد عليه، لاسيما وأنه غير مدعم ولو حتى بحقيقة أو معلومة أو حدث تاريخي واحد. فمن هم الذين دفعوا حياتهم ثمنا لسبر أغوار الفاتيكان؟؟ فاسمح لي أن أقول لك أنكل من عاش داخل هذه الأسوار لم يقابل سوى أشخاص يخدمون بكل أمانة وتكريس ويقدمون حياتهم لخدمة الفقراء والمحتاجين والضعفاء في كل العالم وبدون تفرقة بينهم على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو اللون، وهم الذين يوجهون الرهبانيات والمؤسسات والمدارس والمستشفيات الكاثوليكية التي تخدم وتقدم العلم والنور والعون لكل المحتاجين… أما ما ذكرته عن العصور الوسطى لا يتعدى سوى الرجوع إلى أخطاء الماضي، أخطاء حدثت في باقي المؤسسات والمجتمعات في ذلك الزمان، فكفانا تشدق بالماضي وأخطائه لتجاهل الحاضر وأمجاده.

6- الفاتيكان والقضايا العربية: هنا أدعوك أيها الكاتب والقارئ المحترم لمراجعة موقف الفاتيكان من القضايا العربية للتحقق من أنه كان ولازال دائما من أكثر الدول صرامة ووضوحا ووقوفا بجانب الحق العربي المسروق والمنزوع بدون وجه حق، وقد كان الفاتيكان من آخر الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل بعد اعتراف بعض الدول العربية بها، وبعد أن أقامت "منظمة التحرير الفلسطينية" بإقامة علاقات منتظمة معه. ولازالت مواقف الفاتيكان بخصوص القدس ودولة فلسطين من أهم أسباب الهجوم الشرس الذي تتعرض له دولة الفاتيكان من الصهيونية العالمية والتضخيم غير المسبوق لخطايا "بعض إتباعه" في كل مرة ينادي بدولة فلسطينية مستقلة، وبحق العودة اللاجئين… وللأسف الشديد بدلا من الوقوف بجوار أصدقائنا ها نحن ننساق أحيانا في هذا السباق المحموم مما يؤدي إلى إضعاف أكبر مؤيدينا وكأننا نخنق أنفسنا بأيدينا ونطعن أصدقائنا بعقليتنا المنغلقة والضيقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سنستفيد إذا أضعفنا صوت الفاتيكان؟ ماذا سيعود علينا وعلى قضايانا العربية التي عجزنا عن الدفاع عنها؟ ماذا سنستفيد من مهاجمته بشراسة وتضخيم أخطاء وخطايا بعض أتباعه؟ وإلى متى سنظل نهدم بيوت الآخرين لنظن أننا "الأفضل" ومتى سنقوم من سباتنا العميق ونبدأ في البناء والتعلية والتعليم والتنوير؟ ألم تحن الساعة للكف عن هذه الأساليب الإعلامية والانسياق وراء السبق الصحفي الرخيص؟

السؤال الحقيقي الآن ليس ماذا يفعل الشيطان في الفاتيكان؟ كما أشار كاتب المقال، بل ماذا تفعل الكراهية والجهل فينا وفي عقول بعض كتابنا؟ فلا يوجد في الفاتيكان تعاويذ أو أدعية ضد الأرواح الشريرة، بل هناك يقين وإيمان بالإنسان والدفاع عن حقوقه والتصدي لكل ما يواجهه من قهر وفقر ومرض وتشريد،  أمام الذين ما زلوا يعيشون في ظلام العصور الوسطى يؤثرون سلبيا على الذين لا علم لهم بحقائق الأمور.

إن أهم قواعد النضج المهني والحضاري هي البحث الموضوعي والصادق والشريف عن الحقيقة عندما يتعرض طرف ما للاتهام ولتضخيم أخطاء بعض أتباعه قبل إدانته أبواق المتهافتين، علا الآخرين يقفون بجانبنا إذا ما تعرضنا للحجارة خاصة إذا كانت بيوتنا من زجاج.

مع خالص شكري وتقدير لجريدتكم المحترمة

*الأب الدكتور يوأنس لحظي جيد

كاهن قبطي كاثوليكي

ورئيس تحرير موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي