الكرسي الرسولي حول حظر انتشار الأسلحة النووية

"من الممكن إحداث تغيير فعلي لصالح الأمن البشري"

نيويورك، الاثنين 10 مايو 2010 (Zenit.org)

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها رئيس الأساقفة تشيلستينو ميليوري، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة، نهار الخميس الفائت خلال المؤتمر الاستعراضي لسنة 2010 لأطراف معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

***

سيدي الرئيس،

دعوني أهنئكم على انتخابكم لرئاسة المؤتمر الاستعراضي لسنة 2010 لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأؤكد لكم على دعم وفدي لمساعيكم إلى التوصل إلى نتائج ناجحة في المؤتمر.

بداية، أرغب في قراءة الرسالة التي بعث بها البابا بندكتس السادس عشر إلى هذا المؤتمر: "إن عملية التوصل إلى نزع الأسلحة النووية على نحو منسق وآمن مرتبطة بالوفاء التام والسريع بالالتزامات الدولية ذات الصلة. ففي الواقع، يبنى السلام على الثقة واحترام الوعود المقطوعة، لا على توازن القوى. من هنا، أشجع المبادرات الهادفة إلى النزع التدريجي للسلاح، وخلق مناطق مجردة من الأسلحة النووية، بهدف استئصالها كلياً من الكوكب. إنني أحث جميع المشاركين في لقاء نيويورك على تخطي أعباء التاريخ ونسج شبكة سلام سياسية واقتصادية بصبر بغية تعزيز تنمية بشرية شاملة وتطلعات الشعوب الفعلية".

منذ عدة عقود، تشكل الأسلحة النووية نقطة محورية على جدول أعمال نزع السلاح. وما تزال هذه الأسلحة موجودة بكميات هائلة، ومنها في وضع جهوزية عملية. فهي لم تعد تستخدم فقط للردع بل أصبحت مترسخة في العقائد العسكرية الخاصة بالقوى العظمى. وبالتالي، ازداد خطر انتشارها وبات خطر الإرهاب النووي فعلياً.

في هذا السياق، تبقى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أداة متعددة الأطراف ملائمة وأساسية تلزم الدول الأطراف في مجملها، وبخاصة في دعوتها إلى المفاوضات "بحسن نية حول تدابير فعالة متعلقة بوضع حد لسباق الأسلحة النووية في وقت مبكر وبنزع الأسلحة النووية، وحول معاهدة متعلقة بنزع السلاح بشكل عام وتام تحت مراقبة دولية صارمة وفعالة" (البند السادس).

يقوم أحد التحديات على ضرورة قيام الدول المصنعة للأسلحة النووية باستكمال هذه المفاوضات المنصوص عليها في البند السادس من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بوضوح وفعالية، بعد 40 عاماً على سريان مفعول المعاهدة، وبالامتثال لقرار محكمة العدل الدولية القاضي بإبرام المفاوضات الهادفة إلى إزالة الأسلحة النووية، وباتخاذ الخطوات المعتمدة سنة 2000 من أجل إزالتها التامة. يشكل نزع الأسلحة النووية إحدى ركائز المعاهدة التي تؤثر على الأخرتين لسبب بسيط: طالما الأسلحة النووية موجودة، ستسمح بالانتشار وتشجعه، ولن يغيب خطر تحول المواد النووية المصنعة للاستخدام السلمي للطاقة إلى أسلحة. أما فعالية مخاوفنا ومساعينا الرامية إلى وضع حد لانتشار الأسلحة النووية، فيجب أن تحظى بدعم سلطة أخلاقية قوية تنجم أولاً عن احترام الوعود والالتزامات والإيفاء بها.

إن العقائد العسكرية المستمرة في الاعتماد على الأسلحة النووية كوسيلة أمن ودفاع أو حتى كمقياس للقوة، تبطئ في الواقع نزع الأسلحة النووية وعمليات حظر انتشارها. من هنا، يؤيد الكرسي الرسولي بشدة نزع الأسلحة النووية بشكل شفاف وأكيد وشامل وحاسم، والمعالجة الجدية لقضايا الأسلحة الاستراتيجية النووية والأسلحة التكتيكية وأساليب تسليمها. كما يرحب الكرسي الرسولي بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة. كذلك، يعتبر سريان مفعول معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أولوية كبرى. فالحظر الشامل للتفجيرات النووية سيمنع تطوير الأسلحة النووية ويسهم بالتالي في نزع الأسلحة النووية وحظر انتشارها، ويحول دون زيادة الأضرار اللاحقة بالبيئة. في هذا الاتجاه، لا بد من وضع حد لإنتاج ونقل المواد الانشطارية المستخدمة في تصنيع الأسلحة. وبالتالي، فإن المباشرة الفورية بمعاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية هي مسؤولية يجب ألا تؤجل. كما ويشجع الكرسي الرسولي الدول التي تصنع الأسلحة النووية، والبلدان التي تملك أسلحة مماثلة على المصادقة على البروتوكولات المتعلقة بمعاهدات المناطق الخالية من الأسلحة النووية، ويؤيد الجهود الهادفة إلى إنشاء منطقة مماثلة في الشرق الأوسط. فالمناطق الخالية من الأسلحة النووية هي أفضل مثال للثقة والتأكيد على أن السلام والأمن ممكنان من دون امتلاك الأسلحة النووية.

يجب أن تبحث الأسرة الدولية عن مقاربات جديدة لنزع الأسلحة النووية. فما من قوة على الأرض ستتمكن من حماية المدنيين من انفجار قنابل نووية قد تؤدي إلى الوفاة الفورية لملايين الناس. لذلك، فإن نزع الأسلحة النووية وحظر انتشارها أساسيان من الناحية الإنسانية. يجب أن تكون كل خطوة واردة في جدول أعمال حظر انتشار الأسلحة ونزعها، متجهة نحو ضمان أمن البشرية وبقائها على قيد الحياة، ويجب أن تقوم على مبادئ قيمة كرامة الإنسان السامية ومحورية الإنسان مما يشكل أساس الشريعة الإنسانية الدولية. ويمكن أخذ عبر مهمة من اتفاقية الذخائر العنقودية ومعاهدة حظر الألغام اللتين تظهران إمكانية إحداث تغيير فعلي من أجل الأمن البشري من خلال التخلي عن عادات قديمة.

سيدي الرئيس، آن الأوان ليباشر العالم بمنهجية بمعالجة المستلزمات القانونية والسياسية والتقنية من أجل عالم مجرد من الأسلحة النووية. لذلك، وفي أسرع وقت ممكن، لا بد من البدء بالعمل التحضيري لاتفاقية أو اتفاق إطاري لنزع الأسلحة النووية تدريجياً.

شكراً سيدي الرئيس.

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010