العنصرة في طيّات الأيقونة

بقلم الأب سميح رعد

بروكسل، الخميس 20 مايو 2010 (Zenit.org).

ترمز أيقونة العنصرة  إلى الرسل الاثني عشر يحيطون بالروح القدس المعزي الذي يجلس على رأس مجلس الرسل.

      خمسين يومًا بين القيامة والعنصرة. هو العيد الخمسين، هو عيد الروح القدس.

      تقدِّم لنا الإيقونة مشهد العنصرة على مسرح مرتفع، هي عليّة ولكنها مفتوحة في أعلاها كأنها منجذبة نحو السماء، نحو الآب، الينبوع الحقيقي، الذي هو مصدر الألسنة الناريَّة.

      لقد تجاهل التقليد الإيقوني الواقع التاريخي لوجود بعض الرسل، وحل مكانهم الرسول بولس والإنجيليين مرقس ولوقا.

      لماذا نجد الإنجيليين مرقس ولوقا والرسول بولس في هذه الإيقونة، في حين لم يكن بعد قد ارتد إلى المسيحية حين حل الروح القدس على التلاميذ؟ الإيقونة هي بالغة الرمز فهي لا تمثل فقط ما ورد في النص، بل تتخطى الواقع التاريخي لكي تصل إلى المعنى الأبعد للحدث التاريخي الذي هو العنصرة، وحلول الروح القدس ليس فقط على التلاميذ الذين كانوا في علية صهيون، بل على كل الرسل ومنهم الرسول بولس والإنجيليان مرقس ولوقا. ها هي العنصرة تلغي نتائج بابل وتحل مكانها بركة العنصرة التي هي بركة الوحدة في كل زمان وكل مكان. هو الروح القدس "المعزي، الحاضر في كل مكان والمالئ الكل"، الذي هو "كنز الصالحات وواهب الحياة"، كما تقول الليترجيا البيزنطية. هذه هي بركة الروح القدس التي تدعو كل المجتمع الإنساني إلى قبول رسالة الوحدة الجديدة الموجهة إلى الجميع مع احترام التنوع.

"لما نزل العلي وبلبل الألسن قسم الأمم. وحين وزع الألسن النارية دعا الجميع إلى الوحدة".

      الإيقونة تعرض الرسل الإثني عشر الكمال السري الذي حل محل أسباط إسرائيل الإثني عشر. إنهم ينتظرون "أن يلبَسوا قوة من العلاء." يجلس الرسل على مقعد مقوَّس، الجميع على مستوىً واحد وبحجم واحد. إنَّهم متساوون بالكرامة. المسيح في هذه الإيقونة حاضر وغير منظور، وهو الذي يقود الكنيسة ويسوسها بالروح القدس.

      لماذا هذا المكان الفارغ وسط الرسل؟ هذا المكان الفارغ الموجود في وسط إيقونة العنصرة يرمز إلى مكان السيد المسيح، الغائب الحاضر. حتى ولو كان مخفي عن العيون يبقى هو رأس الكنيسة وتعاليمه هي ليست سوى هدية من الروح، ومهمة الكنيسة اليوم هي نشر هذا التعليم. قال السيد المسيح: "وأمَّا المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شي ويذكركم بكل ما قلته لكم." (يوحنا 14، 26). إن نور المسيح وقوة تعاليمه يستمران من خلال الروح القدس. هو الروح الذي يعزي التلاميذ، هو الذي يعزز فيهم استذكار تعاليمه ويحييها في وسط جماعة الكنيسة.

      إن غياب تلاميذ وحضور رسل آخرين في الإيقونة يرمز إلى تأوين حدث العنصرة في كل مكان وكل زمان. ففي حين غاب بعض التلاميذ إلا أن غيرهم حضر… وعلية صهيون تصبح كل مكان في الوجود. هو المعزي الحاضر في كل مكان. هو الروح القدس الذي سيساعد الجماعة أن تنمو وتكبر وتتفاعل مع معطيات الحاضر.

      القوس القاتم في أسفل الأيقونة رمز للأرض المفتوحة يقف رجل يرتدي زي الأمير، ولكنه كأمير سجين يُحرَّر الآن. هذا الأمير يرمز إلى العالم المشبع من الأيام منذ سقوط آدم إلى مجيء المسيح بوعده النهائي للخلاص. يتحقَّق في هذا الرجل قول النبي زكريا في إنجيل لوقا:"ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام." (لوقا 1, 79). يبسط هذا الأمير يديه ليتقبل النعمة، ويحمل عليهما قطعة من القماش وضع عليها 12 كتابًا، رمزًا لبشارة الرسل الإثني عشر.

      إن الروح القدس هو الذي يحرِّرنا من عبودية الجسد (الأنانية والجشع)، حسب قول الرسول بولس في رسالته إلى الرومانيين (9، 11) المؤمن ينتقل من الموت إلى الحياة، من الانغلاق إلى تقدمة الذات. هو الذي يهب كل شيء، هو الذي يفيض النبوة، هو الذي يكمل الكهنوت، هو الذي يمنح الحكمة، وهو الذي يجعلنا إخوة ويسمح لنا أن نصرخ للآب أبا.