كلمة البابا لسفيرة الإمارات العربية المتحدة

"الإيمان بالكلي القدرة لا يسعه إلا أن يؤدي إلى محبة القريب"

الفاتيكان، 24 مايو 2010 (Zenit.org) 

ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها بندكتس السادس عشر لدى استقباله السيدة حصة أحمد العتيبة، السفيرة الأولى للإمارات العربية المتحدة لدى الكرسي الرسولي.

***

سعادة السفيرة،

يسرني أن أستقبلكم لدى الفاتيكان وأقبل أوراق اعتمادكم كسفيرة مميزة ومطلقة الصلاحيات للإمارات العربية المتحدة. في هذه المناسبة البارزة، أسألكم أن تبلغوا تحياتي لسمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وتؤكدوا له عن امتناني للتمنيات الطيبة التي عبرتم عنها بالنيابة عنه، وعن صلواتي له ولجميع سكان الإمارات.

نظراً إلى أن العلاقات بين الكرسي الرسولي والإمارات العربية المتحدة لم تنشأ سوى في الفترة الأخيرة، يشكل حضوركم هنا في هذا اليوم كأول سفيرة لبلدكم لدى الكرسي الرسولي حدثاً ميموناً. خلال احتفال مشترك مع سفراء آخرين في 15 أبريل 2008، لفت رئيس الإمارات العربية المتحدة أن الممثل البابوي "يقوم برسالة استثنائية ترمي بخاصة إلى الحفاظ على الإيمان بالله وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان". إن الإيمان بالكلي القدرة لا يسعه إلا أن يؤدي إلى محبة القريب لأن المحبة (caritas)، وكما كتبت مؤخراً، هي "قوة استثنائية ترشد الناس إلى اختيار التزام شجاع وسخي في مجال العدالة والسلام" (المحبة في الحقيقة، Caritas in Veritate، 1).

إن محبة الله واحترام كرامة القريب هما اللذان يحفزان دبلوماسية الكرسي الرسولي ويبلوران رسالة الكنيسة الكاثوليكية في خدمة الأسرة الدولية. وعمل الكنيسة في مجال العلاقات الدبلوماسية يعزز السلام وحقوق الإنسان والتنمية الشاملة ويناضل من أجل التقدم الفعلي للجميع بغض النظر عن عرقهم أو لونهم أو عقيدتهم. ففي الواقع، تتجه كل السياسة والثقافة والتكنولوجيا والتنمية نحو الرجال والنساء الذين يعتبرون فرائد في طبيعتهم التي منحهم إياها الله. أما تقليص أهداف هذه المساعي البشرية إلى مجرد ربح أو منفعة، فهو يعني خطر فقدان محورية الإنسان، الثروة الأولى التي يجب الحفاظ عليها وتقييمها لأن الإنسان هو مصدر ومحور وهدف كل الحياة الاقتصادية والاجتماعية (المحبة في الحقيقة، 25). هكذا، يحرص الكرسي الرسولي إلى جانب الكنيسة الكاثوليكية على تسليط الضوء على كرامة الإنسان في سبيل الحفاظ على رؤية واضحة وفعلية للبشرية على الصعيد الدولي، وفي سبيل تجميع طاقة جديدة في خدمة ما هو الأفضل لتنمية الشعوب والأمم.

سعادة السفيرة، على الرغم من الصعاب، شهدت الإمارات العربية المتحدة نمواً اقتصادياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة. في هذا السياق، رحبت بلادكم بمئات آلاف الأجانب القادمين سعياً وراء عمل ومستقبل مالي آمن لهم ولعائلاتهم. هم يساهمون في إغناء الدولة ليس فقط من خلال عملهم، وإنما أيضاً من خلال حضورهم الذي يشكل فرصة لقاء مثمر وإيجابي بين أكبر الديانات والثقافات والشعوب في العالم. إن ترحيب الإمارات العربية المتحدة بهؤلاء العمال الأجانب يتطلب جهوداً دائمة لتعزيز الظروف الملائمة لتعايش سلمي وتقدم اجتماعي، وهذا الأمر جدير بالثناء. أرغب هنا في الإشارة برضى إلى أن عدة كنائس كاثوليكية شيدت على أراض تبرعت بها السلطات العامة. وأكثر ما يرجوه الكرسي الرسولي هو استمرار هذا التعاون وازدهاره وفقاً للاحتياجات الرعوية المتزايدة لدى السكان الكاثوليك المقيمين هناك. هذا وتسهم حرية العبادة بشكل لافت في المصلحة العامة، وتولد التآلف الاجتماعي في المجتمعات التي تمارس فيها. إني أؤكد لكم على رغبة المسيحيين الكاثوليك الحاضرين في بلادكم في الإسهام بمصلحة مجتمعكم، وفي العيش في مخافة الله، واحترام كرامة كل الشعوب والديانات.

سعادة السفيرة، إني إذ أقدم لكم أفضل التمنيات بنجاح مهمتكم، أؤكد لكم أن مختلف دوائر الكوريا الرومانية مستعدة لتقديم المساعدة والدعم لكم خلال إنجاز مهامكم. كما أن الكرسي الرسولي يرغب بصدق في تعزيز العلاقات التي نشأت لحسن الحظ بينه وبين الإمارات العربية المتحدة. من كل قلبي، أبتهل حلول البركات الإلهية الوافرة عليكم وعلى عائلتكم وكل سكان الإمارات. 

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010