كلمة الحبر الأعظم إلى جمعية مجلس العلمانيين

"السياسة مجال مهم جداً لممارسة المحبة"

حاضرة الفاتيكان، الثلاثاء 25 مايو 2010 (Zenit.org) 

ننشر في ما يلي الكلمة التي وجهها بندكتس السادس عشر إلى أعضاء المجلس الحبري للعلمانيين الذين شاركوا هذا الأسبوع في الجمعية العامة الرابعة والعشرين للمجلس. وانعقد اللقاء تحت شعار "شهود المسيح في المجتمع السياسي".

***

نيافة الكرادلة،

أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

أرحب بكم جميعاً بفرح أيها الأعضاء والمستشارون المشاركون في الجمعية العامة الرابعة والعشرين للمجلس الحبري للعلمانيين. وأوجه تحية قلبية إلى الرئيس، الكاردينال ستانيسلو ريلكو شاكراً إياه على الكلمات الطيبة التي وجهها لي، وإلى أمين السر الأسقف جوزيف كليمنس وجميع الحاضرين.

إن بنية مديريتكم التي تعمل فيها إلى جانب الرعاة أكثرية من المؤمنين العلمانيين من العالم أجمع ومن مختلف الأوضاع والتجارب، تقدم صورة هامة عن الجماعة الأساسية أي الكنيسة التي يترسخ فيها الكهنوت المشترك الخاص بالمؤمنين المعمدين وكهنوت الخدمة، في كهنوت المسيح، وفقاً لشكليات مختلفة وإنما منظمة.

بإشرافنا على ختام سنة الكهنة، نشعر أننا شهود أكثر امتناناً لروعة وسخاء هبة وتفاني العديد من الرجال الذين افتتنوا بالمسيح وتمثلوا به في كهنوت الخدمة. يوماً بعد يوم، يرافقون درب Christifideles Laici (العلمانيين المؤمنين بالمسيح)، بإعلان كلمة الله ونشر مغفرته والمصالحة معه، والدعوة إلى الصلاة وتقديم جسد الرب ودمه كغذاء. من سر الشركة هذا، يغرف المؤمنون الطاقة الكبيرة ليكونوا شهوداً للمسيح في حياتهم الملموسة، وفي كل نشاطاتهم وبيئاتهم.

إن شعار جمعيتكم "شهود المسيح في المجتمع السياسي" هو ذات أهمية استثنائية. بالتأكيد أن التنشئة التقنية للسياسيين لا تشكل جزءاً من رسالة الكنيسة، ففي الواقع أن هناك عدة مؤسسات لهذه الغاية. مع ذلك، تقضي رسالتها بـ "إعطاء حكم أخلاقي على أمور متعلقة بالنظام السياسي، عندما يطلب ذلك من قبل حقوق الإنسان الأساسية وخلاص الأنفس… فقط من خلال استخدام الوسائل المتوافقة مع الإنجيل ومصلحة الجميع، وفقاً لتنوع الأزمنة والأوضاع" (فرح ورجاء، 76).

تركز الكنيسة بخاصة على تنشئة تلاميذ المسيح لكي يصبحوا في كل مكان شهوداً لحضوره. ينبغي على العلمانيين أن يظهروا حسياً في الحياة الفردية والعائلية، في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، أن الإيمان يسمح للإنسان أن يقرأ الواقع بطريقة جديدة وعميقة ويبدله؛ أن الرجاء المسيحي يوسع آفاق الإنسان المحدودة ويدله على سمو وجوده الفعلي أي الله؛ أن المحبة في الحقيقة هي القوة الأكثر فعالية لتغيير العالم؛ أن الإنجيل هو ضمانة الحرية ورسالة التحرير؛ أن المبادئ الأساسية للعقيدة الاجتماعية للكنيسة منها كرامة الإنسان والتابعية والتضامن، مناسبة ومهمة لتعزيز سبل جديدة للتنمية في خدمة كل إنسان وجميع البشر.

وينبغي أيضاً على المؤمنين أن يشاركوا بنشاط في الحياة السياسية بطريقة تتماشى مع تعاليم الكنيسة، من خلال مشاطرة حجج جيدة ومثل عظيمة في المنطق الديمقراطي وفي البحث عن إجماع كبير مع جميع المعنيين بالدفاع عن الحياة والحرية، وحماية الحقيقة ومصلحة العائلة، والتضامن مع المحتاجين والسعي الضرروي وراء المصلحة العامة. إن المسيحيين لا يسعون وراء السيطرة السياسية أو الثقافية، وإنما يشعرون في أي مجال يلتزمون به بدعم من الثقة بأن المسيح هو حجر الزاوية في كل بناء بشري (مجمع عقيدة الإيمان، المذكرة العقائدية حول بعض المسائل المتعلقة بمشاركة وسلوك الكاثوليك في الحياة السياسية، 24 نوفمبر 2002).

من خلال استعادة تعبير أسلافي، أؤكد أيضاً أن السياسة مجال مهم لممارسة المحبة. فالأخيرة تطلب من المسيحيين الالتزام المتين بجماعة المواطنين، وبناء حياة جيدة في الأمم، والحضور الفعال في مقرات الأسرة الدولية وبرامجها. هناك حاجة إلى سياسيين مسيحيين، وأكثر من ذلك إلى مؤمنين علمانيين يشهدون للمسيح والإنجيل في المجتمع المدني والسياسي. هذه الضرورة يجب أن تكون واردة في المسارات التربوية للجماعات الكنسية وتتطلب أساليب جديدة من المرافقة والدعم من قبل الرعاة. وعضوية المسيحيين في جمعيات المؤمنين، في حركات كنسية وجماعات جديدة، يمكنها أن تكون قدوة جيدة لهؤلاء التلاميذ والشهود، بدعم من الثروة الجماعية والتربوية والتبشيرية الخاصة بهذه الوقائع.

إنه تحد متطلب. فالزمن الذي نعيش فيه يضعنا أمام مشاكل عظيمة ومعقدة، والمشكلة الاجتماعية تحولت في الوقت عينه إلى مسألة أنثروبولوجية. والمثل الإيديولوجية التي كانت تدعي في الماضي القريب أنها الإجابة "العلمية" عن هذه المسألة انهارت كلياً. إن انتشار نسبوية ثقافية مربكة وفردانية نفعية ومتعية يضعف الديمقراطية ويعزز هيمنة القوى. لا بد من استعادة حكمة سياسية حقيقية؛ والإلحاح في ما يتعلق بالكفاءة؛ واستخدام أبحاث العلوم البشرية بدقة؛ ومواجهة الواقع بكل جوانبه بتخطي الاختزال الإيديولوجي أو الطموح المثالي؛ والانفتاح على الحوار والتعاون الفعليين؛ مع الانتباه دوماً إلى أن السياسة فن معقد من الموازنة بين المثل والمصالح، وأن إسهام المسيحيين حاسم فقط إن تحول ذكاء الإيمان إلى ذكاء الواقع، مفتاح الحكم والتغيير. هنا تبرز الحاجة إلى ثورة محبة حقيقية.

أمام الأجيال الجديدة متطلبات وتحديات كبيرة في حياتها الشخصية والاجتماعية. إن مديريتكم تتابعها بانتباه استثنائي بخاصة من خلال أيام الشبيبة العالمية التي أنتجت خلال 25 سنة ثماراً رسولية جمة بين الشباب. ومن بينها، نذكر الالتزام الاجتماعي والسياسي، الالتزام القائم على خيار خدمة الإنسان والمصلحة العامة على ضوء الإنجيل لا على إيديولوجيات أو مصالح أنانية.

أيها الأحباء، إني إذ أبتهل إلى الله أن يغدق ثماراً وافرة على أعمال هذه الجمعية ونشاطكم اليومي، أوكلكم وعائلاتكم وجماعاتكم إلى شفاعة مريم العذراء المباركة، نجمة التبشير الجديد وأمنحكم بركاتي الرسولية الصادقة. 

نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2010