ندوة بعنوان: الإنماء الزراعي على ضوء الرسالة العامة: المحبة في الحقيقة

في المركز الكاثوليكي للإعلام – جل الديب

جل الديب، الأربعاء 27 مايو 2010 (Zenit.org).

عقدت ظهر أمس الثلاثاء ندوة صحفية في المركز الكاثوليكي للإعلام بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام بعنوان :"الإنماء الزراعي"، على ضوء الرسالة العامة للحبر الاعظم البابا بنديكتوس السادس عشر "المحبة في الحقيقة" أدارها مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الأب عبده أبو كسم ، وشارك فيها: معالي وزير الزراعة، الدكتور حسين الحاج حسن، رئيس جمعية المزارعين في لبنان، المهندس انطوان الحويك، رئيس اللجنة الزراعية في غرفة التجارة الدولية، فرع لبنان، الأستاذ ميشال عقل، و الرئيس الأقليمي للآباء الكرمليين،  رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، الأب ريمون عبده، ومدير مجلة "المسرّة" ورئيس دير القديس بولس جونيه، الأب جورج بليكي البولسيّ، وحضرها أمين سرّ اللجنة، الأب يوسف مونس، والمسؤول عن الفرع السمعي البصري في المركز، الأب سامي بو شلهوب، وممثل شركة ساليلا بخعازي وشركاه، المهندس جورج بو عون وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين.   

بداية طلب الأب عبده أبو كسم من الحضور الوقوف دقيقة صمت عن نفس المرحوم نقيب المحررين ، ملحم كرم. 

ثم قدّم الأب جورجبليكي البولسيّ، مترجم، الرسالة العامّة «المحبّة في الحقيقة» للحبر الأعظم بندكتوس السادس عشر، الصادرة يوم الاحتفال بعيد الرسولين بطرس وبولس، في 29 حزيران 2009، فقال:

   «المحبّة في الحقيقة» هي الرسالة العامّة الثالثة التي أصدرها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، منذ اعتلائه السدّة البطرسيّة العام 2005. إنّها تندرج في التقليد الاجتماعيّ للكنيسة الكاثوليكيّة الذي انطلق مع البابا لاون الثالث عشر في رسالته العامّة «الشؤون الحديثة» (15 أيار 1891)، وتأتي ثماني عشرة سنةً بعد الرسالة العامّة «السنة المئة» (الأول من أيار 1991) للبابا يوحنا بولس الثاني. ثماني عشرة سنة شهدت تبدّلاً عظيمًا في المجتمع.

   يظهر أنّ الإيديولوجيّات السياسيّة التي وسمت الفترة التي سبقت العام 1989، فقدت الكثير من حدّتها، إلاّ أنّ إيديولوجيا التقنيّة الحديثة احتلّت مكانها، وتركّز الانتباه والاهتمام على ظواهر العولمة من جهة، مع انهيار الكتل المتضادّة، وعلى شبكة المعلوماتيّة والتواصل العالميّة من جهة أخرى. وتميّزت تلك الفترة أيضًا بدخول الأديان معترك الحياة العامّة العالميّة، لدى اندحار الكتل السياسيّة المتضادّة. فكان أن تصدّت لهذه الظاهرة الأخيرة موجةٌ من العلمنة عاتيةٌ تعمل على إقصاء الدين كليًّا من الإطار العام. وأخيرًا شكّل الخروجُ المفاجئُ لعددٍ من البلدان المصنّفةِ متأخرةً أو ناميةً ودخولُها في حلبة الكبار عاملاً زعزع التوازنات الجيوسياسيّة، وشكّك في فعّاليّة الأنظمة الدوليّة، وانتقد قضيّةَ احتكار موارد الطاقة، وخلق أساليب مستحدثة للاستعمار والاستغلال، تهدّد، إذا لم يُعمل على احتوائها، بانفجار لا تحمد عقباه.

   تلك الأسبابُ كلّها والعوامل المستجدّة كانت كافيةً وحدَها كي تبرّر صدور رسالة عامّة. إلاّ أنّ لصدور «المحبّة في الحقيقة» سببًا آخر: أرادها قداسته ذكرى في مناسبة مرور أربعين سنة على صدور «ترقّي الشعوب» (26 آذار 1967) للبابا بولس السادس.

   إنّ موضوع «المحبّة في الحقيقة» ليس «ترقّي الشعوب» بل «الإنماء الإنسانيّ الشامل»، كما جاء في تتمّة العنوان، دون أن يقصي الإنماءُ الترقّي،  فتتوسّعُ بذلك آفاق «ترقّي الشعوب» وتتكامل.

     الرسالة العامّة «المحبّة في الحقيقة» تبيّن بجلاء أنّ حبريّة بولس السادس ليس فقط لم تشكّل تراجعًا في عقيدة الكنيسة الاجتماعيّة، على ما يُقال، بل أنّ البابا قد أسهم بفعّاليّة في توجيه نظرة عقيدة الكنيسة الاجتماعيّة إلى الخطّة التي وضعها المجمع الڤاتيكانيّ الثاني في الدستور الراعويّ «الكنيسة في عالم اليوم: فرح ورجاء» (7/12/1965)، فاتّبع في ذلك التقليد الاجتماعيّ السابق، وأرسى القواعد التي سيسير عليها لاحقًا البابا يوحنا بولس الثاني.

   «المحبّة في الحقيقة» تتبنّى ثلاثة أبعاد واسعة الآفاق تتضمّنها الرسالة العامّة «ترقّي الشعوب» لبولس السادس، علاوةً على استخدامها نقاطًا خاصّة تتعلّق بالمعضلات التي تميّز نموّ البلدان الفقيرة.

   البعد الأوّل يركّز على «أنّ العالم يتألّم من قلّة التفكير». تتوسّع «المحبّة في الحقيقة» في هذا الاتجاه وتركز على موضوع الإنماء. وفي الإنماء تشدّد على ضرورة خلق أنظمة متناسقة متراتبة للمعارف والكفاءات تتجنّد لخدمة الإنماء الإنسانيّ.

   البعد الثاني يشدّد على «أن لا أنسيّة (humanisme) حقيقيّة إذا لم تكن منفتحة على المطلق»، ويشدّد أيضًا على شموليّة الإنماء الحقيقيّ، والتطلّع الدائم إلى الهدف الأسمى، ألا وهو إنماءُ كلّ الإنسان وإنماءُ كلّ البشر.

   أمّا البعد الثالث فيميط اللثام عن أنّ سبب التخلّف ناجم عن انعدام الأخوّة. وهذا ما سبق بولس السادس ونادى به عندما دعا كلَّ إنسان إلى العمل «بكلّ قلبه وكلِّ ذهنه«.

   تتحدّث الرسالة العامّة «المحبّة في الحقيقة» أيضًا عن الأزمة الاقتصاديّة والماليّة الراهنة. في الحال، تلقّفت الصحافة هذا المظهر وانتظرت ما عسى أن تقول الرسالة في هذا الشأن. إنّها لم تحصر اهتمامها كليًّا في الوضع العالميّ الراهن لكنّها لم تعمل على تحاشي الخوض في هذه الإشكاليّة. بل واجهتها، لا على الصعيد التقنيّ، بل بتقويمها وإبداء الرأي فيها، استنادًا إلى مبادىء حكم عقيدة الكنيسة الاجتماعيّة، وضمن رؤية شاملة للاقتصاد وغاياته ومسؤوليّة العاملين فيه.

   لقد أظهرت الأزمة الراهنة بجلاء، على حدّ تعبير «المحبّة في الحقيقة»، أنّه من الضروريّ إعادة النظر والتفكير في المثال الاقتصاديّ المسمّى «غربيًّا»، إعادة نظر نادت بها الرسالة العامّة «السنة المئة»، ولمّا يتحقّقْ منها شيء.

   هذه هي دعوة الرسالة العامّة «المحبّة في الحقيقة»، في مفهومها الذي لا بديل عنه: المحبّة، كعربونٍ للحبّ الإلهيّ المتجلّي في اﷲ، والظاهر في الكنيسة والمتجسّد فيها كسرّ خلاصٍ لجميع الشعوب، فلا تخضع لأيّ سياسة. الكنيسة تلهم السياسة ولا تعمل بالسياسة. الكنيسة ليست حزبًا، ولا تسلك طريقًا غير طريق المحبّة، محبّة اﷲ ومحبّة القريب، لا طريقَ ثالثَ لهما، حتّى وإن كان أكملُ برنامج سياسيّ يدّعي إحقاقَ المجتمع المثاليّ.

   لا عقيدة اجتماعيّة صالحة وناجعة إلاّ بالتركيز على المحبّة: فلا يُعتبر الإنسان حينئذٍ كهدفٍ لمخطّط ما، بل يُعتبر واضعًا لذاك المخطّط. لأنّ من عرف المسيح يصبح العامل الناشط في تبديل الأذهان كي لا تبقى عقيدة الكنيسة الاجتماعيّة حرفًا قتّالاً.

   أقسام الرسالة

   يتصدّر الرسالة مدخل يضعها في إطار تعليم الكنيسة الاجتماعيّ، تليه ستّة فصول: – الأوّل، رسالة «ترقّي الشعوب»، – الثاني، الإنماءُ الإنسانيّ اليوم، – الثالث، الأخوّة، الإنماءُ الاقتصاديُّ والمجتمع المدنيّ، – الرابع، إنماء الشعوب، حقوق وواجبات وبيئة، – الخامس، تعاون الأسرة البشريّة، – السادس، إنماء الشعوب والتقنيّة. وفي الخاتمة يقول قداسته:

   «بدون اﷲ لا يعرف الإنسانُ إلى أين يذهب ولا يتوصّل حتّى إلى معرفة من هو. إزاء المعضلات الجسيمة لإنماء الشعوب، التي بإمكانها أن تزجّ بنا تقريبًا في اليأس والإحباط، يأتي كلام الربّ يسوعَ المسيح إلى نصرتنا فنعي وعيًا كاملاً هذا الأمر، أن: «بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا» (يو 15: 5)؛ إنّه يشجّعنا: «ها أناذا معكم كلّ الأيّام، إلى انقضاء الدهر» (متّى 28: 20). إزاء اتّساع العمل الواجب إنجازه، إنّ حضور اﷲ إلى جانب الذين يتّحدون باسمه ويعملون للعدالة تشدّد عزمنا. لقد ذكّرنا بولسُ السادس في «ترقّي الشعوب» بأنّ الإنسان غيرُ قادرٍ وحدَه على أن يسوس تقدّمه، لأنّه لا يستطيع أن يبني بذاته أَنَسيَّةً (humanisme) حقّة. لن نستطيع أن نفكّر فكرًا جديدًا ولا أن نبذل طاقاتٍ جديدة في خدمة أنسيّة حقيقيّة كاملة، إلاّ إذا عرفنا أنّا، كأشخاصٍ وجماعات، مدعوّون إلى أن نكون من أهل بيت اﷲ، بصفتنا أبناء. إنّ أعظم قوّة توضع في خدمة الإنماء، هي إذًا أنسيّةٌ مسيحيّة، تنعشها المحبّة وتقودها الحقيقة، بتقبّلهما كليهما كعطيّتين دائمتين منه تعالى. الانفتاح على اﷲ يفضي إلى انفتاح على الإخوة وعلى حياة تُفهَم كأنّها رسالة تضامن وفرح. وبالعكس، إنّ الانغلاق الإيديولوجيّ إزاء اﷲ وإلحادَ اللامبالاة، اللذين ينسيان الخالق ويُخشى أن ينسيا القيَم الإنسانيّة، يبدوان اليوم وكأنّهما من أكبر العوائق أمام الإنماء. الأَنَسيّة التي تُقصي اﷲ هي أَنَسيّة غيرُ إنسانيّة. وحدَها أنسيّةٌ مفتوحةٌ على المطلق يمكنها أن تقودنا في تعزيز وتحقيق أنماطٍ من الحياة الاجتماعيّة والمدنيّة – في إطار البنى والمؤسّسات والثقافة والخلقيّات – بحمايتنا من خطر التحوّل إلى سجناء الأحوال الراهنة.

   إنّ ما يسندنا في الالتزام الصعب والمثير لصالح العدالة وإنماء الشعوب، في نجاحاته وإخفاقاته، في السعي الحثيث إلى تنظيم عادل للوقائع الإنسانيّة، هو وعيُنا للحبّ الإلهيّ الذي لا يقهر. إنّ حبّ اﷲ يدعونا إلى الانعتاق ممّا هو محدودٌ وموقّت؛ إنّه يمدّنا بشجاعة العمل والمثابرة على نشدان خير الجميع، حتّى إذا لم يتحقّق ذلك في الحال، حتّى إذا كان ما ننجح في تحقيقه نحن، السلطات السياسيّة والعاملين في القطاع الاقتصاديّ، يظلّ دائمًا أدنى ممّا نصبو إليه.

   يمنحنا اﷲ القدرةَ على النضال والألم، حبًّا بالخير العام، لأنّه هو الكلُّ لنا، وهو رجاؤنا الأعظم.

   الإنماءُ بحاجة إلى مسيحيّين يرفعون أيديهم نحو اﷲ في حركة صلاة، ويعون أنّ الحبَّ المفعم بالحقيقة، المحبّة في الحقيقة، المصدرَ الحقيقيَّ للإنماء، لا ننتجه نحن، بل يُمنح لنا.»

ثم كانت كلمة الترحيب بالمنتدين وبالمترجم الأب بليكي البولسيّ للاب ريمون عبده فقال:

      يسرّني أن أرحب بكم في المركز الكاثوليكي للاعلام، وأن أنقل اليكم تحيات صاحب السيادة المطران بشارة الراعي رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، كما يسرّني أن أرحب بشكلٍ خاص بالضيوف الكرام الذين أوكلت اليهم أن ينقلوا الينا ما ينعش الآمال في القلوب بما يتعلق بمسألة الإنماء الزراعي في لبنان، على ضوء البرامج الخاصة والعامة التي تقوم بها إدارة الدولة اللبنانية.

يقول الكتاب المقدّس، سفر التكوين الذي يحكي لنا قصة الخلق:

        "وأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ الإنسانَ وجَعَلَه في جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَفلَحَها ويَحرُسَها.

        16 وأَمَرَ الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ قائلاً: "مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل،

        17 وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا"

يقول لنا الكتاب في هذه العبارة حقيقتين مهمّتين:

      – الأولى أن الله أوكل الى الانسان العناية بالارض وأن يستثمرها وتساعده على العيش الهنيء.

      – والحقيقة الثانية: أنه إذا استثمر بالشكل الخاطىء هذه الأرض، فهو يخطىء ليس فقط بحق الطبيعة والأرض، بل بحق ذاته.

      هذه هي مأساة الخطيئة الأصلية التي يحمل الانسان عبئها في كيانها، فأدخلت الفوضى على حياته وعلاقاته مع نفسه ومع الطبيعة ومع الله والآخرين.  لذلك بدأ يتعب ويموت …

      فلا يجب أن ينسى الانسان المبادىء الأساسية التي أقامها الله لكي تنظم علاقته بالأرض.

      وإننا من على هذا المنبر الذي أقامته الكنيسة لكي يقول الحقيقة بمحبة، نريد أن نلفت انتباه الجميع، أن الله ينادي قلوبنا اليوم بإلحاح ويطلب منا أن نعيد النظر بهذه العلاقة بيننا وبين الأرض.

      المجمع الماروني

      ويلفت الانتباه في الكنيسة المارونية أنها كرّست فصلاً (23) كاملاً في عداد وثائق المجمع البطريركي الماروني عنوانه "الكنيسة المارونية والأرض". وفي اطار التشيع على بناء استراتيجية تنموية شاملة للحفاظ على الأرض، يحذر المجمع الماروني من اهمال الأرض وبيعها أو تركها، لأنها إرث وعلامة بقاء واستمرارية. وهنا على الدولة أن تعمل على مساعدة الذين يئسوا ويخافون الاستمرار ويريدون الهروب، أو مساعدة أولئك الذي لم يعتادوا رؤية حفنة من الدولارات في جيبهم فيعملوا على تكرار مأساة القضية الفلسطينية في لبنان، فيبيعون أرضهم وبعد عدة سنوات ينتقمون من شاريها أو يبكون على الأطلال.

      ويقول المجمع الماروني أن التنمية ضرورية، وهي مجموعة تغييرات الذهنية والاجتماعية التي تنهض بالشعوب وتدفعها الى زيادة اجمالي الناتج الفعلي… وهي نتيجة فكر سياسي يعبّر عن خيارات اجتماعية واقتصادية يعقبها تنفيذ على المدى الطويل. ولتحقيق هذه التنمية يجب أن تتضافر جهود الدولة والكنيسة والمؤسسات لوضع استراتيجية واضحة. والرقم 27 من الوثيقة 23 من المجمع يشرح العناصر المكونة لهذه الاستراتيجية.

      تعاليم الكنيسة الكاثوليكية الاجتماعية

      ومنذ الثورة الصناعية والكنيسة تعلي الصوت وتطالب بتنظيم الحقوق وتحقيق التنمية المتوازنة بالنسبة للطبقات الاجتماعية التي تؤسس الاقتصاد الحقيقي في الدولة. وبسبب بعض المظاهر التي أنتجتها الثورة الصناعية في القرنين الماضيين، شهد العالم نزوحاً من الريف الى المدن وذلك لأسباب أكثرها عدم وجود حوافز وتنمية متوازنة (وهذه ظاهر أوروبية أولاً ومن ثم أصبحت ظاهر عالمية ومعولمة). خاصة بما يتعلق بالتنمية الزراعية.

      في الرسالة العامة "أم ومعلّمة" للبابا يوحنا الثالث والعشرين، يلخص قداسته هذه الظاهر في عدة صفحات ويطالب الدول بتحقيق برنامج زراعي متوازن يسمح للمزارعين بأن يحصلوا على امكانية استثمار الأرزاق والاستمرار في بيئتهم.

      وهذا يتطلب من الدول تطبيق مبدأ العدل في توزيع الأرزاق، الحفاظ على الأقليات الاتنية والدينية في أماكن وجودها، اجراء اصلاحات زراعية مستمرة تساعد على تصريف المنتوجات وتحسين نوعيتها بشكل مستمر، اغلاق سوق الضاربة التي تخنق المزارع في مكان عمله، تقديم امكانيات مالية من خلال برامج تسليف خاصة وسهلة للمزارعين لتطير الوسائل الزراعية، تحسين البنى التحتية في المناطق الزراعية.

      وتطالب الكنيسة بالحفاظ على البيئة من خلال سياسة تقنية زراعية وتنموية لا تؤذي الطبيعة ولا الإنسان (الأدوية الزراعية التي تقتل الحيوانات، وتؤذي الانسان…)

      المحبة في الحقيقة

      في هذا المكان لا تملك الكنيسة حلولاً عملية أو تقنية تقدّمها (فرح ورجاء 36) ولا تدّعي "البتّة التدخل في سياسة الدول" (بولس السادس، ترقّي الشعوب، 13). إلاّ أن الكنيسة لديها رسالة حقيقية عليها الاضطلاع بها في كل زمان وفي كل الأحوال، لصالح مجتمعٍ بقدر قامة الانسان وكرامته ودعوته.

      والكنيسة تؤمن أن هذه الرسالة التي تصبو الى نتمية كاملة للانسان والعالم لا قوم بدون بعض المبادىء: الأمانة للحقيقة وللانسان، مما  يضمن الحرية وامكانية الانماء الانساني الشامل.

      إن واقع لبنان يختلف عن واقع الكثير من الدول التي من حوله أو في العالم الثالث، فقد حصلنا على الكثير من الخيرات التي أغدق الله من خلالها علينا باللقمة والمقتنيات. ولكن الحال اليوم، وبعد أن بدأت بعض الأزمات تدوّي على مسامعنا، فلا يمكننا أن نتجاهل التوازن في الانماء، معتمدين فقط على الموارد الأخرى (السياحة، التجارة، الصناعة…) فقد بدأت تظهر معالم عدم الاتزان في النمو في بلادنا مما قد يعيق النمو بشكل عام.

      فالزراعة التي تتصل بالبيئة والتوزيع الديموغرافي، وكذلك (بالقدرة على المقاومة أمام العدو – أو الأعداء-) تصبح اليوم أولوية على الدولة أن تتعامل معها بشكل مباشر على أنها عناية مباشرة  بالانسان المزارع ومستقبله ومستقبل الكيان اللبناني، وجمال بيئته.

      أستشهد الآن بالرسالة العامة لقداسة البابا بنديكتس السادس عشر "المحبة في الحقيقة" التي  صدرت سنة 2009، وهي تلخص فحوى التعليم الاجتماعي الحالي للكنيسة الكاثوليكية،

      من الواجب مواجهة معضلة عدم الاستقرار الغذائي، برؤية بعيدة المدى، باقصاء الأسباب الهيكلية التي أدّت اليها، وبتعزيز الانماء الزراعي في البلدان الأكثر فقراً من خلال استثمارات للبنى التحتية الريفية، وذلك بتوفير أساليب ريّ ونقل وتنظيم للأسواق وبانشاء ونشر تقنيات زراعية مناسبة، أي قادرة على استخدام أفضل للموارد البشرية والطبيعية والاجتماعية-رالاقتصادية الأقرب على الصعيد المحلي، بحيث تضمن أيضاً استمراريتها على المدى البعيد.

      ويجدر الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الجديدة التي يتيحها الاستخدام الصحيح لتقنيات الانتاج الزراعي، التقليدية منها والمتجددة، بشرط أن تكون هذه الأخيرة، بعد دراسةٍ متأنية، صالحة ومحافِظة على البيئة وملائمةً للشعوب الأكثر عوزاً. في  الوقت عينه يجب ألاّ تُهمل قضية قضية إصلاح زراعي عادل في البلدان النامية.

كلمة المهندس انطوان الحويك فقال:

"إذا أردت بناء السلام، حافظ على الخليقة"."

"لا بد من إعداد سياسات مناسبة لإدارة الغابات، وإتلاف النفايات، وللتطور الريفي المتكامل، ولمكافحة الفقر والجوع في مناطق واسعة من العالم… كل ذلك يتطلّب أن يوظف الإنسان عقله في حقل البحث العلمي والتقني وفي تطبيق الإكتشافات الناتجة عن ذلك"

يشكل الانماء  الزراعي والريفي الرافعة الاساسية للتوازن الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.

وهو ركن اساسي في تثبيت اللبنانيين في قراهم .

وشكل تراجع الزراعة في السنوات الماضية السبب الرئيسي في زيادة الفقر و الهجرة من الارياف وبيع الاراضي.

اذ يشكل القطاع الزراعي المورد الرئيسي لعشرات القرى في حاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل والنبطية وصور وجزين وصيدا وراشيا والبقاع الغربي وزحلة وبعلبك الهرمل وجبل لبنان جرداً ووسطاً وساحلاً والبترون والكورة وزغرتا والضنية وبشري وعكار.

ان انعدام فرص العمل في غير الزراعة في هذه القرى يجعل من الزراعة عنصر استقرار اقتصادي واجتماعي اذا استطاعت الزراعة تأمين عيش كريم لابناء هذه القرى وفي المقابل ان عدم استطاعتهم تامين معيشتهم من الزراعة يؤدي الى عدم استقرار اقتصادي وبالتالي اجتماعي يتبعها  حركة نزوح نحو احزمة البؤس  في المدن وبشكل خاص الى بيروت مما يزيد من فقر هؤلاء خاصة مع انعدام وجود فرص عمل في القطاعات الاخرى او الى الخارج في حال توفر الامكانيات.  

تشكل المخاطر التي يتعرض لها القطاع الزراعي السبب الرئيسي في تراجع القطاع وان اي مسعى لانماء الزراعة في لبنان يستوجب اولاً:

اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بخفض المخاطر عن الزراعة بتامين الحماية من الاغراق وانشاء الصندوق الوطني للضمان الزراعي من الكوارث وتنظيم الانتاج .

1-  في حماية الانتاج الوطني:

أ- تعديل الشروط والمواصفات الفنية لاستيراد الفاكهة والخضار والحليب ومشتقاته وتأكيد الزامية تطبيقها.

ب- تكليف شركات دولية للمراقبة بالكشف على المستوردات على كافة المعابر للتأكد من مطابقتها للمواصفات المطلوبة.

ج- تأهيل المعابر ليصبح بالامكان الكشف على المستوردات .

د- تنفيذ قانون مكافحة الاغراق (حماية الانتاج الوطني) لوضع الرسوم على المنتجات التي تلقى الدعم في دول انتاجها ولمنع ادخال المنتجات بكميات اغراقية.

ه- الاستمرار باعتماد الروزنامة زراعية مع الدول العربية.

و- تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم 43 تاريخ 9/12/2004 لطلب فترة سماح بشأن تطبيق اتفاقية التيسير العربية

2 – التقديمات الاجتماعية وحماية المزارعين من الكوارث.

– .اصدار قانون الصندوق الوطني للضمان الزراعي من الكوارث بعد تعديل تمثيل المزارعين في مجلس ادارة الصندوق.

-.تأمين الضمان الصحي والاجتماعي للمزارعين (ان انشاء السجل الزراعي بادارة الغرف المستقلة للزراعة  سيجمع عشرات آلاف المزارعين في اطار واحد وبالتالي يصبح بالمكان تنسيبهم الى الضمان الاجتماعي والصحي الاجباري).

-ان تنظيم المزارعين والتأكد من ممارسة العمل الزراعي مع ادق تفاصيله يسمح بتنظيم استعمال الاراضي وتحديد بعض الزراعات لتلافي الكساد بالمواسم.

وحسنات انشاء الغرف المستقلة للزراعة:

أ‌- تأطير المزارعين وانشاء السجل الزراعي الذي يسجل مالكي الاراضي الزراعية ومستثمريها وكل اصحاب النشاطات الزراعية.

ب‌-  اصدار بطاقة المزارع مع كافة التفاصيل عن المزارع وهذا التنظيم والتاطير يسمح بتسجيل السيارات الزراعية خصوصية بعد تعديل قانون السير بهذا الخصوص ، وبالحصول على اسعار خاصة للكهرباء والمازوت للاستعمال الزراعي ، وبالتأكد من حسن توزيع المساعدات التي تقدم للمزارعين من ضمن برامج الدعم.

ج‌-   تنظيم استعمال الاراضي وفرض تطبيق الدورة الزراعية للمحافظة على صلاحية التربة ومنع تصحرها ضمن آلية سهلة التنفيذ بالتعاون مع وزارة الزراعة وربط  الحصول على المساعدات والدعم بتطبيق الدورة الزراعية.

ح‌-  نشر الارشاد الزراعي بالتعاون مع وزارة الزراعة ومصلحة الابحاث العلمية الزراعية.

ثم كانت مداخلة للإستاذ ميشال عقل عن تأثير الدين العام على القطاع الزراعي في لبنان فقال:

      تتجلّى المشكلةُ الاقتصاديةُ الرئيسية في لبنانَ اليومَ عند سُبُلِ زيادةِ وارداتِ الخزينة وخفضِ النفقاتِ العامةِ وعجزِ الموازنةِ وحجمِ الدَينِ العام الإجمالي.

      وتميّزت السياسةُ الاقتصاديةُ على مدى سنوات، بإهمالِ القطاعاتِ الإنتاجية، وعدمِ تحديثِ الاتفاقاتِ التجارية، فتراجعَتْ التوظيفاتُ الاستثماريةُ المنتجَةُ للسلعِ والخدماتِ لمصلحةِ تقديمِ الفوائد.

      ولم يستفِد الإنتاجُ من التسليفاتِ المصرفيةِ للقطاعِ الخاص، فدخلَ أصحابُ الرساميلِ في اقتصادٍ ريعيٍ عـوضَ اقتصادِ الاستثمـارِ والإنتاج، ما كانَ من أهمِ أسبابِ الانكماشِ وتراجُعِ السيولةِ في حركةِ التبادل.

      ولأن الإنفاقَ الحكومي اعتمدَ على الاستيرادِ والعمالةِ الأجنبية، ارتفعَت المديونيةُ بسبب تمويلِ الاِنفاقِ الجاري عبرَ الاستدانة، ففاقَتْ أعباءُ التسديدِ المداخيلَ الناجمةَ عن الانفاق، وتعاظمَت حصةُ الدَينِ العامِ في الناتجِ المحلي، وفي فترة سابقة تخطَتْ نسبةُ ارتفاعِ الدَينِ نسبةَ النموِ الاقتصادي. على ضوءِ ذلك، لم يستطعِ الاقتصادُ تحقيقَ النموِ المستديم، ولم يتطوْر حجـمُ الاقتصادِ الحقيقيِ في موازاةِ الانفاقِ الكثيفِ والاستدانةِ المتزايدة.

      واقعُ الدَينِ العام الرقمي يتجاوز اليوم 55 مليار دولار أميركي قائماً أي من دون اقتطاعِ ودائعِ القطاعِ العامِ منه. فنحنُ أمامَ دينٍ يمثلُ نحو 143 في المئة من الناتجِ المحليِ القائم، ويشكّلُ عبئاً كبيراً على الاقتصادِ الوطنيِ في شكلٍ عام وعلى القطاعِ الزراعيِ بشكلٍ خاص. وهو عِبءٌ ثقيلٌ وضاغطٌ على الموازنةِ العامة بحيثُ يَزيدُ من العْجزِ ويوسِّعُ بندَ خدمةِ الدينِ في النفقاتِ العامة، ما يقودُ الحكومةَ إلى زيادةِ الرسومِ والضرائبِ للتخفيفِ من عبءِ هذا العجز، أو الارتهان الى الخارج بصورة مستمرّة. وقياساً على احتسابِ الدينِ العام إلى الناتجِ المحلي، يشكّلُ هذا الدينُ نحو 28 ضعفاً الناتجَ المحليَ الزراعي ويضغطُ عبؤُه أكثرَ على الزراعةِ والقطاعِ الزراعي والمزارعينِ والذين يعملونَ

في مجالِ الخدماتِ الزراعيةِ من تصنيعٍ زراعيٍ أو تجارةٍ للمستلزماتِ الزراعية وأدواتها. ويساهمُ القطاعُ الزراعيُّ بنسبةٍ تراوحُ بحدود 8 في المئة من الناتجِ القائمِ بحسبِ نجاحِ المواسمِ والقدرةِ على تسويقِ الإنتاجِ وتصديِره، وهو لامس عتبة مليار وتسعماية وخمسون مليون دولار أميركي عام 2007 ولم يلقَ من الحكومةِ الاهتمامَ الكافي. وإزاءَ سؤالِنا: لماذا لا يتمُ تخصيصُ قطاعِ الزراعةِ بموازنةٍ تتلاءمُ وحجمَ أعمالِهِ ومساهمتِهِ في الناتج المحلي؟ يأتي الجوابُ في عبءِ خدمةِ الدين التي لا يمكنُ إطفاؤُها بالفائضِ الأولي من الموازنةِ العامة بل بالرجوعِ إلى السوقِ للاقتراضِ لتغطيةِ المستحقاتِ من أصولٍ وفوائد. 

      ومرَدُّ الإهمالِ المتمادي في تنميةِ القطاعِ الزراعي، قد يُعزى إلى زيادة عبء الدينِ العام فتعجزُ الدولةُ عن كفالةِ القروضِ لهذا القطاع وعن تأمينِ قروضٍ مُيَسّرة له، وما تأمَّنَ في هذا المجالِ لم يَصُبّ في محلّه الأساسي لأنه يخضَعُ للمتطلباتِ السياسيةِ والمنفعةِ الشخصيةِ أكثر مما يصبُّ في خانةِ القطاع في شكل عام. هكذا نخلصُ إلى أن اكتتابَ المصارفِ في سَنَداتِ الخزينة وفي شهاداتِ الإيداعِ بفائدةٍ مرتفعةٍ يحرُمُ القطاعَ الزراعي من القروضِ المَيسَّرة. واهتمامُ الدولة بكيفيةِ سدادِ الدين العام وتأمينِ المواردِ الماليةِ يحول دونَ اهتمامِها الجَذريِ بقطاعِ الزراعةِ وتنظيمِه، لذا اكتفَتْ بتقديمِ الدعمِ المالي، وهو يصبُ غالباً في غير محلّه، دون اهتمامِهـا بإنهاضِ القطاعِ بما يتلاءمُ وحاجاتِ العولمةِ فيصيرُ قطاعاً ذا قدرةٍ تنافسيةٍ عالميةٍ وقطاعاً عارفاً وباحثاً عن زراعةٍ تحتاجُ إلى إنتاجِها الأسواقُ العالمية. لكن اهتمامَ الدولة بالشأن المالي العام لم يُتِحْ نمواً اقتصادياً حقيقياً بعد. وعلى صَعيدِ الاقتصادِ الحقيقي، القطاعُ الوحيدُ الذي كان ينمو واعداً هو القطاعُ السياحيُ بينما عانَت باقي القطاعات الخِدْمِيّة بسببِ ركودِ الطلبِ الخاص. وكذلك أظهرَتْ مؤشراتٌ عدةٌ أن قطاعَي الزراعة والصناعة يعانِيان من مشكلاتٍ عدةٍ حالت دونَ نموهما خلال 2007. ولابدَّ هنا من الإجابةِ عن أسئلةٍ جوهريةٍ عن الوضعِ الزراعي في لبنان.                               

      السؤال الأول: هل من دَورٍ للزراعة في لبنان؟ ثمة من يشكِكُ في أهميةِ القطاعِ الزراعي ويقولُ إنه في نمطِ النموِ الاقتصادي في لبنان، والزراعةُ تخطاها الزمن وأصبحَ القطاعُ الزراعيُ قطاعاً متخلِّفاً لا يمكنُه اللحاقُ بالقطاعاتِ الأخرى،

كالخدماتِ والصناعةِ والسياحةِ والبنوك والتأمين الخ… . وهذا طبعاً منطقٌ مرفوضٌ لاعتباراتٍ عدة أهمها:

      أولاً: لا يمكن تبريرُ التخلفِ والتقصيرِ بحقِ القطاعِ الزراعي بمزيدٍ من الإهمالِ وعدمِ الاكتراث. بل يجب أن يكونَ هذا التقصيرُ حافزاً قوياً بتفعيلِ الدولة هذا القطاعَ الزراعي لإنماءٍ اقتصاديٍ متوازنٍ، لأن الزراعَة موردٌ رئيسٌ للدخل، بل الموردُ الوحيدُ للريف اللبناني في بعضِ المناطقِ الريفيةِ المحرومة في لبنان. ومن ضروراتِ تطبيقِ وثيقةِ الوفاقِ الوطنيِ التطبيقُ الصحيحُ والسليمُ والعادلُ للإنماءِ المتوازن، ولا يجوُز إهمالُ القطاع الزراعي.

      ثانياً: الدخلُ الزراعي في لبنان يتممُ العاملين في القطاعات الأخرى كالتجارة والصناعة والسياحة والخدمات، وبالتالي فأيُ إهمالٍ للزراعةِ يؤدّي الى انخفاضٍ في الدخلِ القومي ككل. ولن يكونَ التصنيعُ الزراعي ممكناً دون تشجيع الزراعةِ في شقيها النباتي والحيواني.

      ثالثاً: رغمَ تقهقرِ هذا القطاع، ما زالَت الزراعةُ مورداً رئيساً للصادراتِ اللبنانيةِ وتأمينِ العملاتِ الصعبةِ وتحسينِ ميزانِ المدفوعات والميزان التجاري.

      رابعاً: إذا اهتمَمْنا بالإنتاجِ الزراعي النباتي والثروة الحيوانية والثروات الطبيعية من مراعٍ وغاباتٍ وصيدٍ وأسماك، عبرَ اهتمامِنا بالثروةِ الجماليةِ للبلاد وضرورةِ المحافظةِ على البيئة، يعودُ تشجيعُ الزراعة بالفائدة على المجتمع ككل، وبالأخصِ على الأجيالِ الطالعةِ من اللبنانيين التي يهمُّها المحافظةُ على البيئة والثروات الطبيعية.

      السؤال الثاني: إذا كان هو الحالُ في لبنان، عبر الفرضيات أعلاه،، يجب أن نهتمَ بالزراعة، وقبل وضْعِنا الخططَ والبرامجَ لتطويرِ هذا القطاع، يجب أن نتعّرفَ الى واقعِ هذا القطاع الذي، بعد عشرين سنةٍ من الحرب في لبنان، يجابه مشاكلَ عدةً أهمها:

      أولاً: انحسارُ الأسواقِ أمامَ الإنتاجِ الزراعيِ اللبناني المصدَّر، وكان لبنانُ  يصدِّرُ عنبَ المائدة والحمضياتِ والموزَ والتفاحَ والفاكهةَ الصيفيةَ والخضارَ والبيضَ إلى دولِ الخليج ومصر والأردن وليبيا وإيران ودول أوروبا الشرقية، فتضاءلتْ صادراتُهُ إلى بعضِها كدولِ الخليج ومصر وليبيا والأردن، وانعدمَت في بعضها الآخر كسوريا وإيران وبلدان أوروبا الشرقية. ولا يزالُ تصديرُنا الى تلك الدول معوَّقاً بمشاكلَ وعراقيلَ أهمُها حمايةٌ عاليةٌ تقوم بها تلك الدولُ للاستيرادِ من لبنان، عدا تطورٍ سريعٍ طرأَ على الإنتاجِ الزراعي في دولٍ مجاورةٍ للبنان، ومنافسةٍ شرسةٍ أمامَ الإنتاجِ الزراعيِ اللبناني في أسواقِهِ التقليدية، عدا أسواقِ أوروبا الغربية التي خسرَهَا لبنان منذ زمن بعيد.

      ثانياً: السياسةُ المتَّبعَةُ في دعمِ القطاعِ الزراعيِ اللبناني تقتصرُ حالياً على دعمِ زراعةِ التبغِ والقمح. وفي الظروفِ الحالية ندعو إلى مواصلةِ دعمِ هذه الزراعاتِ من دون إهمال الزراعاتِ الأخرى كالزيتون والكرمةِ والزراعاتِ العلفيةِ لتطويرِ الإنتاجِ والثروةِ الحيوانية. وإننا نخاف هذا التوسعَ في استيرادِ الأبقارِ من الخارج من دون أن نؤسسَ لقاعدةٍ في إنتاجِ الأعلافِ الخضراءِ باتّباع برنامجٍ متكاملٍ لهذه الأعلاف.  أما برنامج دعم الصادرات الزراعية – اكسبورت بلاس – والذي أطلقته

الحكومة اللبنانية عبر المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان – إيدال- في 14 آب 2001،  يتوقّف عن العمل بعد عام وتحديداً في نيسان 2011 وذلك بناءً على قرار سابق مُتّخذ في مجلس الوزراء مطلع عام 2006 يوجب تقليص الدعم 20% سنوياً تمهيداً لانضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية.

وهنا نتمنى على رئيس الحكومة إعادة النظر في القرار السابق المتعلّق بإلغاء هذا البرنامج والصادر عن الحكومة السابقة والتفكير باتجاهات شتّى وبأساليب مختلفة للمضي قدماً في العمل للارتقاء بهذا البرنامج الى أعلى مصاف ممكنة حيث ومن خلال تجربة ايدال والتي اكتسبتها خلال عملها في هذا البرنامج أصبحت تملك رؤية أوضح لاحتياجات هذا البرنامج وامكانيات تطويره.

      ثالثاً: الوضعُ المؤسسيُّ للزراعة اللبنانية، ووضعُ البنية التحتية لهذه الزراعة، لا يشجعانِ على التطويرِ والنمو. ومن أبرزِ العوائقِ أوضاعُ حيازةٍ زراعيةٍ لبنانيةٍ صغيرةٍ مفتتةٍ مبعثَرة لا تتيحُ المكننةَ وإدخالَ الآلياتِ والتحديثِ الزراعي، وإقامةَ برنامجٍ متكاملٍ لإعادة توحيدِ الأراضي والملكية الزراعية. واليدُ العاملةُ الزراعيةُ اللبنانيةُ تشُيحُ عن القطاعِ الزراعي للعمل في قطاعات أخرى من الاقتصادِ القومي، فيعتمدُ المزارعُ على يدٍ عاملةٍ أجنبيةٍ للاستمرارِ في إنتاجِهِ وعدمِ تبويرِ الأرض الزراعية. ومشاريعُ الري تكادُ تكونُ معدومةً في لبنان، والرقعةُ المرويةَ في لبنان لم تتعدَّ 85 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المرويّة، بينما أصبحتِ المساحةُ في سوريا تناهزُ تقريباً مليوناً ومائتي ألف هكتار. والتسليفُ الزراعي المؤسَسي وضْعُهُ مأساوي: فالحكومةُ ألغَت مصرفَ التسليفِ الزراعيِ والصناعي والعقاري، الْمُنشَأ

منذ سنة 1954 برأسمالٍ مشتركٍ من القطاعِ الخاصِ والقطاع العام، ولم تتمكنْ من تمويلِ المصرفِ الذي أنشَأتْهُ ووافَقَ عليه المجلسُ النيابي سنة 1994 الذي كان كذلك وافقَ على مصرِفِ الإنماء الزراعي سنة 1977. والمؤسفُ اليومَ أنْ ليسَ في لبنان مصرفٌ مؤسَسي للتسليفِ الزراعي، والقطاعُ المصرفيُ التجاريُ في لبنان لا يسلّفُ الزراعة بأكثر من 1،26 في المائة وفقاً لإحصاءات جمعية المصارف اللبنانية والبنك المركزي.

      الى كل ذلك، تتعثّرُ الأبحاثُ العلميةُ الزراعيةُ والتعليمُ الزراعي رغم جهودٍ متواضعةٍ في مصلحةِ الأبحاث العلمية الزراعية وكلياتِ الزراعة في الجامعة الأميركية، والجامعة اللبنانية، والجامعة اليسوعية وجامعة الروح القدس. فالإمكاناتُ المتوفرةُ لهذه المراكزِ العلميةِ البحثيةِ دون تطلُّعاتِها في بلدٍ يحتاجُ التقنياتِ الحديثةَ في الزراعةِ لبلوغِ القرن الواحد والعشرين.

      ووزارةُ الزراعـة التـي أعيدَ تنظيمُهـا بموجبِ المرسوم الاشتراعي رقم 97/83، لا تزال، باعترافِ المسؤولين فيها والمشرفين عليها، بحاجةٍ إلى تفعيلٍ وتوفيرِ حوافزَ للعاملين فيها كي تتمكنَ من زيادةِ إنتاجيتِها ويتمكنَ المزارعُ من الاستفادةِ من برامجِها ومشاريعِها. وكل ذلك إضافةً إلى تبعثُرٍ وشرذمةٍ في القطاع الإداري الزراعي، إذ إن مكتب الحبوب والشمندر السكري تابعٌ إدارياً لوزارة الاقتصاد والتجارة، وإدارةَ حصر التبغ والتنباك تابعةٌ لوزارة المالية، ومشاريعَ الريِ تابعةٌ لوزارة الطاقة والمياه، وكلية الزراعة تابعة للجامعة اللبنانية ووزارةِ الثقافة والتعليم العالي. فكيفَ يمكنُ وزيرُ الزراعة، في هذه الحالة، أن يضعَ برنامجاً للإنماء الزراعي ويتابعَ تنفيذَه؟

      أخيراً، أقلُّ ما يقالُ في أوضاعِ الثروات الطبيعية في لبنان إنها مأساوية. فالمراعي في تدهورٍ مستمرٍ، والغاباتُ تكاد تنقرضُ من جرّاء القطع الجائر والحرائق والمعز، والصيد والأسماكُ بحاجة لتنظيمٍ دون الحظر والمنع الذي لم يُعْطِ أيَ فائدة، مع أن المفروضَ أن تهتَمَّ وزارةُ البيئة بهذا التنظيمِ بالإضافة إلى وزارة الزراعة.

      وختاماً، مشكلتُنا الكبرى اليومَ هي مشكلةُ الدَين. ودورُ الدولةِ بات محورياً في رسم المصيرِ الاقتصادي للقطاع الاقتصادي، في شتى تفرُّعاته وتشعُّباته، كما الحال في مختلفِ الدولِ العربية. وهكذا فمسألةُ التوازنِ بين النموِ والدَينِ من جهة، وبين العديدِ من القطاعاتِ والفئاتِ من جهةٍ أخرى، باتَتْ ملحَّة وفعلية. والمشكلةُ الأساسيةُ باتَتْ مشكلةَ مفاهيمَ لا مشكلةَ أرقامٍ وحجمِ دينٍ عام. لذا يقتضي الخروجُ من الدَين العامِ بخفضِ العجزِ وتحفيزِ النموِ واستبدالِ اقتصادِ الريعِ والاستدانةِ والاستيرادِ إلى اقتصادِ الإنتاج والتصديرِ وإدارةِ الشأنين المالي والاقتصادي بتوجهٍ جديدٍ يتلائمُ ومتغيراتٍ كثيرةً محليةً وإقليمية ودولية.

      فالمطلوب إذاً إيجادُ مؤسساتٍ تضمنُ الحياةَ الكريمةَ للأنسانِ فيبقى في أرضِه، وبضَمانِ الحياةِ الكريمةِ، تَتمُّ ضمانةُ الوطنِ وشعبهِ وطوائفهِ، ومهما كان الشخصُ قادراً على ضمـانِ الوطـن والمواطنيـن والطائفـةِ فإنه زائلٌ، لكنَّ المؤسساتِ هي الباقية.

وأضاف:  نتوجه إلى سيد العهد الرئيس ميشال سليمان أن يدعم وضعهم ويوفر لهم فرص العمل حتى يحصدوا عيشهم الكريم بكرامة، والتي نعيشها بتحرير الجنوب، ولبنان هو أرض العز والكرامة.

كلمة الخوري عبده أبو كسم :

      يُصادف اليوم عيد التحرير، وهو يومٌ مشرّف في تاريخ وطننا العزيز لبنان فلا بدّ من أن نتبادل التهاني في هذه المناسبة، واضعين نصب عيوننا وحدتنا الوطنية التي وحدها تصون مقومات هذا التحرير، وعليه فالمطلوب اليوم هو تحرير الإنسان اللبناني من ذهنية الإفادة الغير المشروعة على حساب أرواح الناس ولا يجوز أن يكون هناك حرب في الداخل وأخرى من الخارج عنيت بها التهديدات المستمرة للبنان. فالحرب من الداخل يشنها المفسدون، عبر ادخال موادٍ فاسدة لا تصلح للإستعمال، فيدفع ثمنها المواطن مرتين، مرة من جيبه ومرة من صحته، لهؤلاء تجّار الهيكل نقول: نسلّم أمركم إلى اثنين، إلى الله وإلى معالي وزير الزراعة، الذي ابدى شجاعةً وحسّاً إنسانياً في وجه تجّار الأرواح، شكره عليه جميع اللبنانيين.

      ويبقى السؤال، اين هم أصحاب الصفقات الفاسدة، هل هم في عهدة القضاء؟ أم انهم يفتشون في الخارج عن صفقات أخرى وضحايا جدد؟

      أيّها السادة، آن الأوان لأن نتفق على:

      1- حماية وطننا.

      2- أن نعمل سوياً على وضع خطة إنمائية زراعية، فالزراعة تساعد الإنسان على التشبث بأرضه، وتبعد عن شبابنا شبح الهجرة، وعليه فإننا نطالب الحكومة اللبنانية بالعمل سريعاً على دعم الزراعة والمزارعين من خلال تخصيص ميزانية من شأنها أن تعزز القطاع الزراعي مما يساهم في ازدهار الإقتصاد اللبناني وفي نهضة وطننا وكرامة شعبنا.

ثم كانت مداخلة لمعالي الوزير الدكتور حسين الحاج حسن فقال:

شكر المركز الكاثوليكي على الدعوة الكريمة وقال:

نعايد بعضنا بعضاَ في هذا اليوم الوطني الذي تحررت فيه أجزاء كبيرة من أرضنا المحتلة في العام 2000.  إن أهم المسائل التي نركزّ عليها هي حرية وسيادة واستقلال لبنان ووحدة الشعب اللبناني بكل أطيافه الدينية، لا الطائفية، لأن الطائفية مرض والتدين يعالج مشكلة الطائفية.

وقال: "أنا مع الشعب اللبناني في مكافحة الفساد مشيراً إلى ثلاث قضايا هي في عهدة القضاء اللبناني:  – باخرة صوفيا، وباخرة السمسم وتزوير شهادة صحية لإدخال بضاعة من إمارة دبي".

وأشار إلى "أنه ليس بالضرورة أن تكون كل قضية مواد فاسدة مسألة فساد، ففي غرفة العمليات هناك مراقبة 24/24. مثلاً في أحدى القضايا الفاسدة اثبتت التحقيقات أن المياه تسربت إلى الباخرة ففسدت البضاعة واصفاً هكذا أمر بالحادث فتمّ اتلافها ومررت البضاعة الجيدة. وميّز بين بضاعة فاسدة أي غير مطابقة للشروط ومسائل الفساد التي تستوجب تحويلها إلى القضاء".  وأضاف:  "أنا اتفق مع كل ما تفضل به السادة المنتدون من أن قطاع الزراعي يعاني معاناة شديدة ومشاكله بنيوية،  فالزراعة بحاجة إلى إعادة هيكلية من خلال رؤية استراتيجية." وأشار إلى "بدء العمل على هذه الرؤية منذ العام 2000، وهي كناية عن  استراتيجية مكثفة لتكون الرؤية واضحة لدينا وقد استعنا فيها  بخبرات وأراء عديدة".

ثم سأل: "هل هناك قرار حكومي بالاهتمام بالقطاع الزراع؟"

فأجاب: "قبل سنوات كان قرار الدولة تجاه الزراعة سلبياً وأنا استطيع القول ان التوجهات السياسية للحكومة الحالية في عهد رئيسي الجمهورية العماد ميشال سليمان  والحكومة سعد الدين الحريري هي ايجابية تجاه القطاع الزراعي"، موضحاً ان هذه الاستراتيجية مبنية على قرار سياسي ايجابي وتتناول معالجة المشاكل العديدة التي تعاني منها في كادرها البشري، عدداً ونوعاً، من دون أن يعني هذا أن الكفاءة غير موجودة، إلا أنها بحاجة إلى من يبلورها". وأوضح "أن الحكومة في هذا السياق اتخذت 5 قرارات بتوظيف 200،  بين مهندس زراعي وطبيب بيطري وفني زراعي ومهندسين مكانكيين وموظفين اداريين"، كما "وقعنا عدة مراسيم لتثبيت التوظيف على أن نتبع ذلك بالتدريب،  بالإضافة إلى زيادة موازنة الوزارة من 41 مليار إلى 48 مليار وهو رقم قابل للصرف من قبلنا".

ثم تحدث عن البنى التحتية التي تحتاج لمعالجة: البرك الطرق خاصة مع تغير المناخ، مشيراً إلى هبات من الحكومة الأسبانية  لمعالجة التصحر. وتحدث عن "تحديث القوانين والمراسيم والقرارات المتعلقة بالوزارة.

ثم تطرق إلى تحضير 20 filière  للعنب ، الزيتون، الحليب، الدواجن، الأبقار، الأغنام، النحل…".

وتطرق إلى موضوع "أمن سلامة الغذاء من حيث تأصيل البذار والشتول والممارسات الزراعية الصحيحة كالتسميد والري والتشحيل والحصاد، إلى جانب العمل على تخفيض كلفة الانتاج وتغير في خيارات المزارع نحو الأفضل".

ورد "عدم التصدير إلى انتفاء التنوع في المنتوجات اللبنانية وهذا يتطلب جهداً كبيراً وقد وظفنا عدداً من المهندسين لإقامة مركز إرشاد  وتوجيه. وسننسق مع البلديات لتحقيق هذا المشروع مبرراً التعامل مع القطاع الخاص والأهلي في القضاء للمساعدة في إنجاز المشروع".

ورداً على الأسئلة المطروحة قال:  "أنه اتخذ قراراً بإنشاء سجل زراعي لتسجيل المزارعين تمهيداً لتسجيلهم في الضمان الاجتماعي غير أن هذا لن يتحقق في المدى المنظور".

ثم تحدث عن سياسة الدعم  فأشار إلى "اتباع أساليب ذكية لكي يستفيد منها مستحقوها ولا تذهب الأموال هدراً".

كما تطرق إلى "مداخيل التاجر الوسيط التي تبلغ في بعض الأحيان مبالغ خيالية من دون تعب أو جهد وعلى حساب تعب المزارع"، متحدثاً عن دور الدولة في تحقيق العدالة لجهة تقسيم الأرباح، معتبراً أن هذا الموضوع بحاجة إلى حل.

بعد ذلك تناول موضوع الأسواق الخارجية متوقفاً "عند تطور الدول التي كنا نصدر إليها في وقت تراجعنا فيه مشيراً إلى أنه ينبغي عدم التعاطي في المواضيع كما كنا في الماضي".

وجدّد التاكيد بان رئيسي الجمهورية والحكومة مهتمان بهذا القطاع ووعد بان يرى المزارعون  نتائج ملموسة لهذه السياسة الزراعية الجديدة مشدداً على التكامل بين القطاعين الخاص والعام.

وختم "بأن كل هذه السياسة سوف تدون في قرارات لمجلس الوزراء كي لا تنسف مع انتهاء لاعمر الحكومة الحالية".

وأختتمت الندوة بأسئلة، منها ما قاله الأب يوسف مونس: "المشروع الذي يقوم فيه معالي الوزير مشروع هام. إنه كعمل سيزيف يملأ سلالاً من الماء أو يدفع صخوراً على تلال من الرمل. يجب أن نصنع ما صنعه الأتراك عندما منعوا العمار والبناء على طول الشاطىء اللبناني، وبعمق 5 كيلومترات، وأصدروا قرار امتلاك اية قطعة أرض بور. لذلك غرست غابات الصنوبر في المتن الأعلى في أراضي غير زراعية وعندنا اليوم غابات صنوبر.

ملاحظة : هذه الندوة تبث ضمن برنامج "قضايا" على شاشة تلفزيون "تيلي لوميار" و"نور سات الفضائية" الخميس في 27 أيار الجاري الساعة السادسة مساءً ، الجمعة 28 أيار الجاري الساعة الخامسة صباحاً والأحد  30 أيار الجاري في الثانية عشرة والنصف ظهراً