السر في التقليد الكنسي

 

هو كل ما يمت إلى جوهر الله، فإننا نتكلم أيضًا عن ما قام به كلمة الله المتجسد / يسوع المسيح من أعمال خلاصية. فحياته كلّها فيما بيننا، وما حقق بها لنا من فداء، هي سر لأننا مازلنا إلى اليوم نغوص في بحرها، ونأخذ من غناها، وسنظل نجنى منها مدى الأجيال. فالأسرار السبعة الكنسية تشير بشكل من الأشكال إلى عمق سر الله.

 

1- السر عند الوثنيين:

استعملت كلمة سر في لغة الديانة الوثنية (وباللغة اليونانية Mysterion وجمعها Mysteria) للدلالة في آن واحدًا على معتقدات الديانة الباطنية وطقوسها، لأن المعتقدات كانت سرية، والطقوس المؤدية إلى معرفتها تحاط بهالة من السرية تستر وراء حركات رمزية.  وانتقل هذا النوع من الدمج إلى الديانة المسيحية، وبقي سائدًا فترة من الزمن إلى أن درج الغرب على الفصل بين المفهومين، فاحتفظ " سر" Mysterium   وباللغة اللاتينية، ومنها Mystere باللغة الفرنسية. وللدلالة على الحقائق الدينية التي تفوق إدراكنا، وخصّ الطقوس بكلمة Sacramentum  باللغة اللاتينية التي كانت تعنى في الأساس نوعًا من اليمين يؤديه الجنود أو الضالعون في دعوى قضائية، فصارت تشير إلى الطقوس المقدسة، وراج استعمالها غربًا للدلالة على الأسرار الكنسية السبعة لأنها لها علامات حسية تلزم المؤمنين، كما أنها تقدس من يتقبلها على حد ما تشير إلى ذلك أيضًا الكلمة اللاتينية فالأسرار الكنسية السبعة هي علامات حسية، بفضل مصدرها الإلهي،  قدرة تعنى بها القداسة، وتمنح في الوقت نفسه هذه القداسة.

 

2- تعريف السر في المصادر العربية:

1- الأسرار هي القوى التي تخرج من جسد المسيح، الحي أبدا والمحيي، وهي أيضا أفعال الروح القدس العامل في جسد المسيح أي الكنيسة، وهي أخيرا روائع الله في العهد الجديد الأبدي. والأسرار هي من الكنيسة بهذا المعنى المزدوج أنها وبها ولها. فالأسرار هي بالكنيسة، لأن هي سر عمل المسيح الذي يعمل فيها بالروح القدس المبعوث إليها. وهي للكنيسة، لأن الأسرار هي التي تصنع الكنيسة. ولا بدع، فهي تعلن للناس وتُبلغهم، ولا سيما في الإفخارستيا، سر الشركة مع الله الواحد في ثلاثة أقانيم، الأسرار هي علامات تحقق النعمة، وضعها المسيح ووكلها إلى الكنيسة وبها تسبغ علينا الحياة الإلهية. الطقوس المرئية التي يتم بها الاحتفال بالأسرار، تبين وتحقق النعم التي يتميز بها كل سر، وهى تؤتى ثمراً في الذين ينالوها بالاستعدادات المفروضة. تحتفل الكنيسة بالأسرار بوصفها أسرة كهنوتية تستمد هيكلتها من الكهنوت العمادي وكهنوت الخدمة المرسومين الروح القدس يعد (المؤمنين) لنقبل الأسرار بكلمة الله وبالإيمان الذي يستقبل الكلمة في قلوب مستعدة. إذ ذاك تصبح الأسرار أداة قوة وتعبير عن الإيمان. ثمرة الحياة المستمدة من الأسرار فردية وكنسية. هذه الثمرة تحول من جهة كل مؤمن أن يحيا لله في المسيح يسوع. وهى، من جهة أخرى، للكنيسة سبب نمو في المحبة وفى رسالتها الشاهدة[1].

2- السر هو أحد المراسم الأساسية في العبادة المسيحية، وترجع إلى السيد المسيح، وهو علامة مقدسة تحدث النعمة في قلب المؤمن[2].

3- السِّرُّ هو ما يُكتم، وجميعها أسرار، وسرائر[3].

4- السر هو خفيّ: كتم، حفظ، طوى، خزن، دفن، رمس الخبز أو السر[4].

5- السر هو كتمه أو أظهره. إليه بكذا: حدّثه به سرًّا[5].

6- سريّ Secret. Confidentiei [6].

7- السر يعني خفي، طقس سري، أو سر مخفي وأُعلن من قبل الله. وهذه الكلمة وردت 21 مرة في رسائل القديس بولس. ولكن في الأناجيل تُستخدم بمضمون واحد، كما ورد في (مر4:11) « قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت السموات»، وتستخدم بالجمع (ومثيلها ورد في إنجيلي متى ولوقا). وتستخدم أيضًا في سفر الرؤيا. ولكن هذه الكلمة تحمل مفهوما سائدًا في رسالتي كولوسي وأفسس، وتعني السر الذي كان مخفيا، وأُعلن في يسوع المسيح[7].

8- السر في العهد الجديد هو أن الكلمة تظهر في الأناجيل الإزائية بمعنى تعليم مخفي أتى يسوع ليكشفه، وهو بشرى الله للناس. وفي رسائل القديس بولس، يدل السر على معرفة خفية لا تكشف إلا بالوحي، والعنصر الأساسي في هذا السر هو تدبير الله الخلاصي، أي أن اختيارنا منذ الأزل يؤدي، بفضل فداء المسيح، إلى تبنّينا من قبل الروح القدس( أف 1/3-14). هذا هو "سر الله" (كو2/2) و"سر المسيح" ( أف 3/4)[8].

9- السر من اللاتينية ومعناه الحرفي: حقيقة مقدّسة. فالسر كان يعني أولاً الحلف وأيضًا الولوج في الديانة. لكي نفهم ما هو السر يجب أن نعي ما ندعوه: العمل في ذاتيته انطلاقا من أوضاع الخلاص في المسيح في آخر الزمن. فالسر الكنسي يتطلب عمل رسمي واحتفالي في جماعة، وهذا الاحتفال يمكن أن يكتفي بالكلام(الصورة) كما هي الحال في غفران الخطايا أو في عقد الزواج. أو أن تكون الكلمة الضرورية دائما مصطحبة بحركة طقسية كوضع اليد(المادة)[9].

10- سرّ جمع أسرار:ما تكتمه وتُخفيه من قول وفعل وما يقال إنه سر ويعلمه جميع الناس "سر القربان": هو، في العقيدة الكاثوليكية والأرثوذكسية، سِرّ الوجود الفعلي لجسد المسيح ودمه وروحه وألوهيته في شكلي الخبز والخمر، غذاء روحيا للمؤمنين واتحادا بينهم في المسيح[10].

11- سر Mystery  لا تظهر كلمة سر في العهد القديم إلا في أسفاره الأخيرة(ابن سيراخ ودانيال ويهوديت والحكمة) وترد بمعان مختلفة (سر الله ورتبة خفية إلخ). أما في العهد الجديد، فإن الكلمة تظهر في الأناجيل الإزائية بمعنى تعليم مخفي أتى يسوع ليكشفه، وهو بشرى الله للناس. وفي رسائل القديس بولس، يدل السر على معرفة خفية لا تكشف إلا الوحي، والعنصر الأساسي في هذا السر هو تدبير الله الخلاصي، أي أن اختيار الله للمؤمنين منذ الأزل يؤدي، بفضل فداء المسيح، إلى التبني من قبل الله في عمل الروح القدس(أف 1/3-14).هذا هو"سر الله"(2/2) و"سر المسيح"(أف3/4)[11].

12- سر لم ترد اللفظة اليونانية Mysterion   في الكتاب المقدس إلا في بعض كتب مستحدثة (طوبيا، يهوديت، حكمة، سيراخ، دانيال، 2 مكابين). تقابلها بالآرامية كلمة"راز" التي تعني "شيئا سريا"، وتوازيها في اللغة العبرية لفظة"سود". (وتظهر هاتان الكلمتان جنبا إلى جنب في نصوص قمران). أما العهد الجديد، فتصبح لفظة"سر" كلمة اصطلاحية تتداول في البحث عن الإلهيات. ولكن بما أنها كانت مستعملة كثيرا في الأوساط اليونانية(في الفلسفات والعبادات"التي تعتمد على أسرار" والعرفان والسحر)، فمن المهم أن نحدد معناها بالضبط، حتى نتجنب التأويلات غير الصحيحة[12].

13- التعريف اللاهوتي لكلمة سر: السر هو علامة حسية تشير إلى النعمة الخفية وتوليها أي تمنحها. والسر له ثنائية مزدوجة: خارجية منظورة وباطنية غير منظورة أي لكل سر إشارة خارجية تدل على النعمة الباطنية التي تنالها الحواس. فالمادة في الأسرار(كالماء والخبز والخمر والزيت والكلام ووضع اليد) إنما أداة شكلية تفسر عبور الروح القدس إلى باطن الإنسان وتشير إلى النعمة التي نالها من جراء هذا الوضع بالضبط كأسلاك الكهرباء لابد منها لنقل التيار الكهربائي إلى المصباح والآلة. فكل سر له إشارة خارجية ونهمة داخلية. ويدعى "سرًا" لأن الذي نؤمن به ليس ما نراه بل النعمة أو شخص يسوع في حجاب المادة. إن كلمة سر اللاتينية Sacramentum  هي ترجمة لكلمةMYSTERION  اليونانية وتدل بمعناها الأصلي على شيء مقدس ومقدس ففي الأدب الروماني تطلق على اليمين أو القسم الذي كان يقسمه الجندي إخلاصًا منه لرؤسائه. وقد أدخلها العلامة ترتليانوس في القرن الثالث في اللاهوت بمعنى العلامة أو الإشارة أو الآية[13]. 

14- المعنى اللاهوتي لكلمة سرّ فهي تعني نوال نعم وبركات وهبات غير منظورة، يفيض بها الروح القدس علينا، بواسطة أشياء منظورة. والنعم والبركات هي عطايا الروح القدس للمؤمنين يهبها لهم ويمنحهم إياها من خلال ممارسة أسرار الكنيسة السبعة. وكل سرّ من هذه الأسرار له مادة أو علامة ظاهرة وملموسة- أو عن طريقها – أو من خلالها يستطيع الروح القدس أن يمنح عطاياه ومواهبه المجانية.فمثلاً: سرّ المعمودية: له مادة منظورة هي المياه، والروح القدس يحل في مياه المعمودية من خلال(بفعل) الصلوات التي يجريها كاهن مشرطن فتعطيها قوة التجديد والولادة الجديدة، أي أن يولد الإنسان من جديد بفعل الروح القدس[14].

15- إن السر الكنسي هو مصدر العلاقة بين الله والإنسان، وفي ذات الوقت مجال تحقيقها الوحيد. فبالسر الكنسي ننال حياة الله فينا، وبالسر الكنسي يسكب الله فينا كل هباته وعطاياه ومواهبه وأسراره، فهو باب دخولنا إليه، أو بالحري دخوله إلينا، أي وسيلة سكناه فينا، هذا ما تفعله الكنيسة لنا وتحققه الأسرار فينا. هكذا تلتحم الحياة الليتورجيا في الكنيسة مع مضمون أسرارها فتمتزج التقوى باللاهوت، فالليتورجيا تكمِّل السر الكنسي، والسر يحقق الليتورجيا، فتصبح العبادة مصدر العقيدة[15].

 

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com

 

 



[1] راجع، «التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية»، الفقرات 1116، 1118، 1131، 1132، 1133، 1134،  المكتبة البولسية، لبنان، 1999، ص348، 352.

[2] راجع، مجموعة من المؤلفين، «الموسوعة العربية الميسرة»، بيروت، 1987، ص975.

 

[3] راجع، مجدي الدين محمد يعقوب الفيروز آبادي بن يعقوب بن محمد ابن إبراهيم بن عمر السيرازي، «القاموس المحيط» ، 1987، الطبعة الثالثة، بيروت، ص 520.

 

[4]  راجع، روفائيل نخلة اليسوعي (الأب)، « المنجد في المترادفات والمتنجاسات»، الطبعة الثانية، 1968، ص60.

 

[5] راجع، لويس معلوف اليسوعي (الأب)، «المنجد معجم مدرس للغة العربية»، بيروت، 1923، ص 214.

 

[6]  راجع، رافي بروفنصال، «معجم اللغة العربية المستعملة في القرن العشرين»، الرباط، المغرب، 1942، ص43.

[7] راجع، يوحنّا ذهبي الفم (القديس)، «عظات في المعمودية (الظهور الإلهي)»، ترجمة، القاهرة، 2007، حاشية، ص16.

[8] راجع، صبحي حموي اليسوعي (الأب)، « معجم الإيمان المسيحي»، دار المشرق، بيروت، 1994، ص259- 260.

 

[9] راجع، هربرت ڤورغريملر، «معجم اللاهوت الكاثوليكي»، نقله إلى العربية المطران عبده خليفة، دار المشرق، بيروت، 1986، ص159-160.

 

[10] راجع، «المنجد في اللغة العربية المعاصرة»، دار المشرق، بيروت، طبعة ثانية، 2001، ص661.

 

[11] راجع، مجموعة من المؤلفين،« قاموس أديان ومعتقدات شعوب العالم»، دار الكلمة، القاهرة، 2004، ص313.

 

[12] راجع، مجموعة من المؤلفين،«معجم اللاهوت الكتابي»، دار المشرق، بيروت، الطبعة الرابعة، 1999، ص416.

[13] راجع، يوسف بشري(الأب)، «ندوة الإيمان: نظرة عامة عن الأسرار»، مجلة صديق الكاهن، السنة 28، يونيو 1988/2، القاهرة، ص18.

 

[14] راجع، مينا جاد جرجس(القمص)، «المعاني الخفية في شرح سر المعمودية»، القاهرة، 2000، ص11.

 

[15]  أثناسيوس المقاري(القس)، «معجم المصطلحات الكنسيّة، الجزء الثاني ح-ط» = الكنائس الشرقية وأوطانها= الجزء الثاني، الدرة الطقسية للكنيسة القبطية بين الكنائس الشرقية، مقدمات في طقوس الكنيسة= 7/2، القاهرة، 2005، الطبعة الثانية، ص198.