حوار مع الأنبا يؤانس زكريا مطران الأقصر

لا تخف أيها القطيع الصغير لأن الغد أفضل كثيراً من الأمس

 

فى أقصى جنوب مصر حيث المعابد الفرعونية القديمة بالأقصر، والمياه المتدفقة من بحيرة ناصر جنوب أسوان، تخدم الكنيسة المصرية الكاثوليكية أبناء البشرة السمراء بكنائسها ومدارسها وجمعياتها ومستوصفاتها فى قناعة راسخة بقيمة الرسالة ومعنى الوطن. عن حضور الكنيسة القبطية الكاثوليكية ورسالتها فى جنوب مصر وعن أبرز التحديات وسقف الأمال وحول قراءته للواقع واستشرافه المستقبل كان لمجلة الصلاح هذا الحوار مع نيافة الانبا يؤانس زكريا مطران كرسي الاقصر للأقباط الكاثوليك.

 

*  تمتد ايبارشية " طيبة " التي تتولى نيافتكم إدارتها منذ عام 1994، إلى أربعة محافظات هي قنا والأقصر وأسوان والبحر الأحمر – حدثنا عن أهم الملامح المميزة للايبارشية ؟

 

بينما تتميز ايبارشيات المنيا وأسيوط وسوهاج بأن حدودها الجغرافية محددة بالحدود الإدارية للمحافظات التي تمثلها، نري أن ايبارشية طيبة تتميز باتساع رقعتها الجغرافية سواء طولا أو عرضا. فمن ناحية الطول: المسافة بين رعية فرشوط، في أقصى الشمال، ورعية أسوان في أقصى الجنوب، هي 350 كم تقريبا، ومن ناحية العرض: المسافة بين أقصى رعية الغردقة في أقصى الشرق، ورعية قنا في أقصى الغرب، هي 250 كم تقريبا. ويشكل هذا الاتساع وبعد المسافات بين الرعايا صعوبة بالغة تعترض التنظيم الدوري للاجتماعات والندوات بين أعضاء مختلف الأنشطة والخدمات في الايبارشية. يوجد بالايبارشية 19 رعية، 18000 قبطي كاثوليكي، يخدمهم 9 كهنة ايبارشيين، 17 راهبا، ينتمون إلى الرهبان الفرنسيسكان واليسوعيين والكمبونيان، 12 جماعة رهبانية نسائية، من ثمانية جمعيات رهبانية. كما يوجد بالايبارشية 15 مدرسة، 12 حضانة، 14 مستوصف، 5 بيوت للخدمات والضيافة والتربية، 3 جمعيات تنموية. من هذا العرض نرى أن الايبارشية غنية بالحضور الرهباني للرهبان والراهبات، ويتجلى هذا الحضور في تنوع الخدمات الرسولية في رعايا الايبارشية، في المجالات الروحية والتربوية والصحية والتنموية والثقافية والاجتماعية، وفي ذات الوقت، نري أن عائلات وأبناء وبنات الايبارشية أسخياء في استجابتهم للدعوات الكهنوتية والرهبانية، ونلاحظ أن في الجمعيات الرهبانية للرجال والنساء يوجد عددا كبيرا من أبناء وبنات الايبارشية.   

   

* نيافتكم المطران الثامن ضمن سلسلة الآباء الأساقفة الذين تولوا رعاية ايبارشية الأقصر منذ تأسيسها فى عام 1895 – ماذا عن المنهج الرعوي للأنبا يؤانس زكريا ؟

 

منهجي الرعوي في الخدمة هو استكمال ذات الطريق الذي شقه الآباء الأساقفة الذين سبقوني وخدموا بكل محبة الايبارشية. في خدمتي الرعوية أعطي الأولوية لرسالة التكوين الروحي والديني لكل الشعب، وخاصة فئتي الشباب والأطفال. ففي مجال تكوين الشعب، أبذل أقصى جهدي لكي تكون معظم العظات، التي ألقيها في كنائس الرعايا بالايبارشية، عظات تهتم بالتكوين الديني، وتشرح كيفية الممارسة العملية للفضائل المسيحية في الحياة اليومية. وفي مجال تكوين الشباب مازال معهد التكوين الديني بالأقصر، الذي تم تأسيسه منذ عهد طيبي الذكر الأنبا يوحنا نوير (1956-1965)، والأنبا اندراوس غطاس (1967-1986)، والأنبا أغناطيوس يعقوب (1986-1994)، حتى اليوم، يمارس رسالته ويهتم بتنظيم محاضرات التثقيف الديني والندوات والمؤتمرات للشباب والشابات. حاليا، يشرف على هذا المعهد نخبة ممتازة من الآباء الرعاة والرهبان والراهبات والعلمانيين والعلمانيات، تقوم هذه النخبة، بروح المحبة والسخاء والتضحية، بأعمال التدريس وإلقاء المحاضرات، بدون أجر أو مقابل، بل هم أنفسهم يساهمون من رواتبهم ومالهم الخاص في ما يستلزم من مصاريف هذا المعهد، وربما تكون هذه الخاصية التي يتمتع بها معهدنا هي فريدة من نوعها في معاهدنا الدينية بمصر. أحببت أن أذكر هذا الأمر، لكي أقدم جزيل الشكر لهذه النخبة السخية من الآباء الرعاة والرهبان والراهبات والعلمانيين والعلمانيات الذين يخدمون بالمعهد بسخاء، وأيضا لكي أشجع كل أبناء الكنيسة، في كل مكان، على الخدمة بروح التضحية والبذل، وعلى تجاوبهم بسخاء لاحتياجات الرسالة، والعمل على نشر الخدمة التطوعية المجانية. وفي مجال تكوين الأطفال، أهتم كثيرا بخدمة مدارس الأحد، وتكوين الخدام والخادمات، كما أطالب وأتابع بنفسي على أن تتم في كل رعايا الايبارشية سنويا دروس المناولة الاحتفالية، حتى ولو كان هناك طفلا واحدا، وأقوم شخصيا بالاحتفال بهذه المناسبة في الرعايا، وعادة تكون عظة الاحتفال بالمناولة الاحتفالية هي مجرد حوار بيني وبين الأطفال حول ما تعلموه واستفادوه من دروس المناولة الاحتفالية. كما كوني كنت راعيا سابقا لمدة عشرين سنة قبل سيامتي الأسقفية، فهذا جعلني أن أهتم كثيرا بتواجدي في وسط العائلات المسيحية بالرعايا من خلال زيارات المجاملات الاجتماعية، ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، فلا أرفض أية دعوة تقدم لي للاحتفال بمراسم سر العماد أو سر الزواج أو قداس الذكرى الأربعين أو الأسرار الأخرى، وذلك في الرعايا القريبة أو البعيدة عن مدينة بالأقصر، وعند عدم استطاعتي الحضور شخصيا، أتصل تليفونيا بالأفراد، لكي أقدم لهم التهاني في الأفراح، وأشاطرهم العزاء في الأتراح.

                                                      

* يشاع على نيافتكم الالتزام بالنهج الرهبانى، فيما يخص النواحى المالية مما لا يرضى عدد من الكهنة بالايبارشية – ما حقيقة ها الموضوع ؟

 

تعلمت من أسرتي، ومن حياة ومثال مثلثي الرحمة الأنبا اسحق غطاس والأنبا يوحنا نوير، أنه فيما يخص التصرف في المال والممتلكات الشخصية على صاحبها أن يكون حكيما في معاملاته وإنفاقه، فلا يكون في غاية التبذير والفخفخة ولا يكون في شدة التقتير والبخل، أما فيما يخص مال وخيرات الكنيسة فعلى المسئول، سواء كان راهبا أو قسا أو مطرانا، أن يكون في منتهي الشفافية ومتيقظا وواعيا في كل تصرفاته، لأن الرب القدير اختاره ليكون مدبرا وكيلا ومسئولا عن أعمال وممتلكات الكنيسة. فخيرات الكنيسة ليست ملكا لأحد، يتصرف فيها كما يشاء، ولكن هي وزنات وهبها لنا الرب لكي نستخدمها في خدمة ونشر كلمة الإنجيل، وفي مساعدة إخوة الرب والمحتاجين. عندما كنت أدرس اللاهوت في كلية انتشار الإيمان بروما، كان لدىّ مرشدا روحيا قديسا، حبب لي حياة التجرد الاختياري ومحبة الزهد والفقر والحياة بدون تكلف، وبعد أن صرت كاهنا في عام 1973، وضعت أمام عيني هذه النصائح الروحية العميقة، وحاولت أن أسلك بموجبها، ووجدت في حياة البساطة والتجرد والزهد سلاما داخليا، وراحة روحية عميقة، وفي الحقيقة، وحتى يومنا هذا، لم أشعر بأني أحتاج أو يعوزني شئ، بل وجدت الرب يدبر ويوفر لي أضعاف الكثير والكثير. عندما صرت أسقفا في عام 1993، وكانت مفاجأة لم أكن أفكر فيها أو أتوقعها، كان مرشد رياضتي الروحية قبل سيامتي الأسقفية مثلث الرحمة الأنبا يوحنا نوير، وكان حديثه معي طوال ثلاثة أيام الرياضة يتركز حول موضوع واحد هو أن الأسقف هو خادم الجميع في ايبارشيته، وعليه أن يعيش بسيطا وزاهدا ويكون مثلا يحتذي به في محبة الفقر والفقراء. أثرت فيّ كثيرا هذه الكلمات، وبعد سيامتي الأسقفية أحاول أن أبتعد عن أن أكون شخصيا مجالا للعظمة والتمييز والتفضيل والكرامة، أعيش بكل بساطة، ولا أسعى لشراء كل ما هو جديد في عالم التكنولوجيا والمخترعات الحديثة، وأستخدم المواصلات العامة في تنقلاتي خارج مدينة الأقصر، وأتغذى وأرتدي بدون بذخ أو تبذير. فيما يخص خيرات وأموال الايبارشية، فأشكر الله الذي ساعدني كثيرا وطرح بركته فيما استلمته وجعله أضعافا مضاعفة، ومن خلاله تم ترميم وتجديد وتوسيع بعض الكنائس، وشراء أماكن جديدة كثيرة وبأثمان باهظة، وتحقيق العديد من المشاريع الكنسية والرعوية، والقيام بأعمال الرحمة ومساعدة إخوة الرب. أتذكر أنه في بدء رسالتي الأسقفية في الأقصر، أن عددا من الآباء الرعاة، وكنت في ذلك الوقت أصغر سنا منهم وأقل خبرة، طالبوني بارتداء الملابس الحمراء والتاج وعصا الرعاية والجلوس على كرسي العرش الأسقفي، كما طالبوني بصرف كل ما في صندوق المطرانية، وعلى حسب قولهم فان الرب سوف يرسل الكثير عوضا عما تم صرفه، لكني صممت أن أسير في طريق الخدمة زاهدا وفقيرا وبسيطا، بدون تبذير وبدون تقتير. في البداية لم يفهم بعض الآباء الرعاة طريقتي في الخدمة، ولكن مع مرور الوقت كان هناك تفهما شديدا منهم، وشاركوني في طريقة الحياة هذه، وأتذكر بكل فرح، أن أحدهم، قبل موته ببضعة سنين، كتب وصيته أمامي وفيها تخلى عن أكثر من نصف أمواله لمشاريع الكنيسة وأعمال الخير والرحمة.

 

* قدمت رؤية تنظيرية قيَمة في النهوض بالعمل الرعوي من خلال كتابكم ( الخدمة الرعوية في ضوء التعليم الإنجيلي والإرشاد الكنسي ) – حدثنا عن هذا العمل ؟

 

كتاب الخدمة الرعوية في ضوء التعليم الإنجيلي والإرشاد الكنسي، الذي قمت بتجميعه وتأليفه في عام 2001، كانت بدايته عندما طلب مني مثلث الرحمة الأنبا اسطفانوس الثاني غطاس كتابة بضعة صفحات حول تجديد الخدمة الرعوية، بمناسبة أعمال المجمع البطريركي السكندري الثاني (1997- 2002)، وتطورت هذه الصفحات حتى صارت كتابا يتضمن نموذج ومثل الراعي الصالح في ضوء التعاليم الإنجيلية، ونمط الخدمة الرعوية الناجحة من خلال نصائح الرسائل والإرشادات الرعوية للبابوات والبطاركة. أثناء دراستي وبحثي لتجميع أصول هذا الكتاب اكتشفت موضوعات كثيرة ومتنوعة من التعاليم الرعوية في الكتاب المقدس والوثائق الكنسية، وحاولت أن أذكر أهمها في هذا الكتاب. للأسف لم ينل هذا الكتاب الاهتمام الكافي، بالرغم من أنه يعتبر مرجعا أساسيا للخدمة الرعوية، وذلك لقلة المطبوعات العربية في هذا المجال.      

 

* شهدت مدينة " قنا " داخل نطاق ايبارشيتكم العديد من حوادث العنف بين المسلمين والمسيحيين – كيف تستقرئ هذه الظاهرة الاجتماعية؟

 

مدينة قنا، مثلها مثل بقية مدن الصعيد، تشهد، من حين لأخر، بعض التوترات، وحوادث العنف بين المسلمين والمسيحيين، وحتى نكون واقعيين، تشهد أيضا حوادث عنف بين المسلمين والمسلمين، وبين المسيحيين والمسيحيين. أعتقد أن من بين أسباب هذه الحوادث المتكررة، هو ما يعاني منه المجتمع المصري عامة والمجتمع الصعيدي خاصة، من تداعيات انتشار ثقافة الجهل والخزعبلات، وازدياد حجم الفقر وارتفاع نسبة البطالة مع الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة، وكثرة تفشي الأمراض الجسدية المستعصية نتيجة التلوث البيئي، وارتفاع نسبة حالات الارتباكات والعقد والأمراض النفسية، وتحصن الأفراد وراء التكتلات القبلية والعائلية، والتمسك بالعادات السلبية كعادة الأخذ بالثأر والانتقام المميت من الأشخاص الذين يرتكبون أعمالا مخلة بالشرف، وحفظ التقاليد الضارة المتوارثة، وزيادة حدة التعصب الديني والطائفي بين الأفراد. أضف لهذه الأسباب جملة من العيوب والخلل تعمل على عدم التوازن بين الأفراد والطبقات في المجتمع المصري. تواجدت هذه العيوب ونمت عقب ثورة 32 يوليو 1952، ففي حملة هذه الثورة للقضاء على الإقطاع، والعمل على تفتيت ما تبقي من الطبقة الرأسمالية، قضت على فئة الحكماء من كبار رجال المجتمع، الذين كانوا يقودون العائلات ويؤثرون على الأفراد، وينجحون بكفاءة وبسرعة على القضاء على كل النزاعات وحل كل ما يطرأ من قلاقل ومشاكل. أيضا، ترجع أسباب كثرة حوادث العنف بين المسلمين والمسيحيين، في الفترة الأخيرة، إلى الانفلات الأمني، وقلة المحبة الأخوية ونمو مشاعر الكراهية، وتجمد روح التسامح وانفجار الحقد والتعصب المقيت بين الأفراد. كما لا أستبعد أن يكون وراء هذه الأحداث أسبابا سياسية، من خلال أفراد يعملون على تفتيت وهدم المجتمع المصري لتحقيق مصالح وأجندات خاصة لفئات وهيئات ودول معينة. في هذا الشأن، وحتى لا تحدث نزاعات جديدة بين المسلمين والمسيحيين، أود أن أقول لإخوتي المسيحيين أن يسلكوا بما يليق بوصايا وتعاليم الرب يسوع المسيح، وأن يهتموا برعاية وحسن تربية أبنائهم وبناتهم. كما أرجو من شبابنا أن يتحلوا بالأخلاق والفضائل المسيحية, وأن يحسنوا التصرف في كل أمور حياتهم ويتعاملوا بحكمة وضمير صالح مع الأخريين. أيضا، أرجو من الآباء والأمهات أن يهتموا ببناتهم ويعاملوهم بكل محبة واحترام‘ خاصة في فترة المراهقة، حتى لا يبحثوا عن حل مشاكلهم واحتياجاتهم العاطفية في خارج نطاق أسرتهم.  

 

* شب حريق بكنيسة الأقباط الكاثوليك بقرية " حجازة " العام قبل الماضي مما أعاق الصلاة بالمكان لفترة من الزمن، إلى أين وصلت هذه القضية ؟

 

مبني كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس للأقباط الكاثوليك بقرية حجازة له قصة طويلة في تاريخ مشاكل وتعثر بناء دور العبادة المسيحية في مصر. تأسست كنيسة حجازة في عام 1862، على يد الرهبان الفرنسيسكان، الأخوة الأصاغر، وكانت هذه الكنيسة مبنية بالطوب اللبن , ومسقوفة بسعف وأفلاق النخل، ونتيجة قدم الزمن وتأثير العوامل المناخية وكثرة السيول انهار سقفها، و تصدعت وتشققت كل جدرانها، وصارت تمثل خطراً على المصلين، لذلك تم هدمها بتاريخ 11/4/1987.  قام مثلث الرحمة الأنبا أغناطيوس يعقوب باستخراج جميع الموافقات من الجهات المختصة بشأن هدم وإعادة بناء الكنيسة المذكورة، مدعمة بجميع الأوراق والتراخيص والتصاريح وسندات الملكية اللازمة، ونذكر منها ما يلي: بتاريخ 14/2/1993 خطاب موافقة السيد اللواء مدير أمن قنا بناء على قرار السيد وزير الداخلية، وبتاريخ 24/2/1993 خطاب الشئون الدينية والحج بمديرية أمن قنا الذي يؤكد موافقة السيد اللواء مدير امن قنا على هدم وإعادة بناء الكنيسة المذكورة، مذيلا بموافقة السيد مدير الإدارة الهندسية، وبتاريخ 11/4/1993 موافقة السيد العميد مفتش مباحث امن الدولة بقنا. بعد القيام بالهدم، تم وضع الأساس وبناء الحوائط حتى شدة السقف بالخشب ووضع حديد التسليح، وفي اليوم المحدد لصب خرسانة السقف تم إيقاف العمل، وذلك بتاريخ 12/9/1993، ومازال الوضع قائما هكذا حتى يومنا هذا. بالرغم من المحاولات العديدة، واللقاءات المتكررة مع مسئولي الحكومة وسلطات الأمن، وتدخل الوسطاء، إلا أن كل هذه المجهودات لم تثمر عن شئ في شأن استكمال بناء هذه الكنيسة. كما تم تقديم الدعوى رقم 1935 لسنة 8 ق لمحكمة القضاء الإداري بقنا، الدائرة الأولي، منازعات أفراد، بشأن استكمال العمل في بناء هذه الكنيسة، وفي جلسة يوم الأحد الموافق 4 من سبتمبر 2005، حكمت المحكمة بإلغاء قرار الإيقاف واستكمال بناء الكنيسة، لكن السلطات المختصة رفضت تنفيذ هذا الحكم. في هذه الفترة، كانت الصلاة تتم في مبني خشبي مقام فوق سطح الدور الثالث لمدرسة الأقباط الكاثوليك بحجازة. للأسف في تمام الساعة الواحدة صباح يوم الاثنين الموافق 6 من سبتمبر 2010، تعرض هذا المبني لحريق مروع وقضت النار على كل محتويات هذا المبني. بعد الحريق، تم تكرار المحاولات والاتصالات بالمسئولين لإيجاد حلا لبناء هذه الكنيسة ولكن بدون جدوى. حاليا يتم الاحتفال بالصلاة في فناء المدرسة أمام مبني الكنيسة غير المكتمل، والذي ينقصه السقف، ويتعرض شعب الكنيسة لحر أشعة الشمس في الصيف، ولذعة البرد والعواصف والمطر في الشتاء. لقد ذهبت أكثر من مرة وشاركت أبناء كنيسة حجازة صلاة القداس في هذا الفناء، وكانت هذه الصلاة، بالنسبة لي، تجربة روحية عميقة، فقد تأثرت بقوة إيمان وصمود المؤمنين في حجازة، وعدم يأسهم، وإصرارهم على الاستمرار في ممارسة احتفالاتهم الدينية، وبدون مبالغة أستطيع القول بأن أعمق وأجمل القداديس التي صليتها في حياتي هي صلواتي في هذا المكان، مع هذا الشعب الطيب والمتمسك بإيمانه. مع كل ذوي الإرادة الصالحة نصلي للرب القدير، أنه بعد استقرار الأمور في بلادنا الحبيبة نستطيع استكمال بناء مبني هذه الكنيسة، وذلك بفضل مساندة وترسيخ روح المحبة والسلام والتآخي والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في هذه القرية.

 

* كيف تقرأ نيافتكم المشهد على الساحة السياسية في مصر بعد مرور عام على انطلاق ثورة 25 يناير ؟

 

قراءة المشهد السياسي في مصر، بعد مرور عام على ثورة 25 يناير، هي قراءة صعبة وعسيرة الفهم، وذلك للتيارات المتعددة والمتناقضة التي أقحمت نفسها في هذه الثورة، وقامت بجني ثمارها لمصلحتها ومنفعتها الخاصة. لقد قام شباب مصر الأبطال بالثورة، وضحوا بأرواحهم النبيلة في سبيلها، وطالبوا بالحرية والعدالة والكرامة، وتغيير سلطة الحكم الجائر والظالم، الذي استباح حقوق الأفراد المدنية، واحتكر وتسلط ونهب كل خيرات البلد، وبتوفيق من الله نجحوا في مسعاهم هذا، واستطاعوا إسقاط وتغيير النظام، وكسر حاجز الخوف لدى المصريين. لكن للأسف فان القوي الدينية والحزبية، بالرغم من مشاركتها المحدودة في الثورة، استطاعت أن تحصد الثمار اليانعة لهذه الثورة، وتفوز بطريقة سهلة على كل ما تريده من جاه وكراسي سلطة ومصالح خاصة.

 

كيف تقيم سيادتكم أجواء العملية الانتخابية لمجلسي الشعب والشورى وما أفرزته من تشكيل برلمان ما بعد الثورة ؟

 

للأسف مازال أمامنا مشوار طويل حتى تستطيع جماهير شعبنا المصري أن تصل لعصر الديمقراطية الحقيقية ومرحلة النضوج الانتخابي، ويكون الفرد المصري قادرا على تمييز واختيار من يصلح من المرشحين بناءا على أخلاقه ونزاهة تصرفاته وبرنامجه الانتخابي ومواهبه وقدراته الشخصية في تصريف الأمور والسعي وراء تحقيق الخير العام، وليس بناءا على انتماؤه الديني والعرقي والقبلي. بخصوص ما ساد أجواء العملية الانتخابية، بدءا من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ومرورا بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، فاللأسف، تغيب عن هذه الانتخابات الوعي القومي والشعور بالمواطنة، وسيطرت عليها مشاعر الانتماء الديني والروح القبلية والعشائرية.لذلك كانت نتيجة هذه الانتخابات هو اكتساح أحزاب التيار الديني، وفوز مرشحيها بأغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشورى. وأتمنى أن تكون هذه الأغلبية على استعداد لكي تتحمل مسئوليتها الوطنية، وأن تعمل على تثبيت الأمن والاستقرار، وتقدم أقصى ما في وسعها من أجل تقدم ورفعة شأن الوطن وخدمة مواطنيه.

 

* يشهد المجتمع المصري حالة من الاستقطاب للمواطنين مابين تيار الإسلام السياسي من ناحية، والتيار الليبرالي واليساري من ناحية أخرى، هل ترى في ذلك خطورة على مبدأ السلام الاجتماعي ؟

 

بالطبع هناك خطورة شديدة على السلام الاجتماعي في المجتمع المصري، تنبع من الصراع بين قوى اليمين و قوى اليسار، ومن النزاع بين التيارات الدينية والتيارات الليبرالية.

يعرف الجميع، أن المجتمع المصري بطبيعته، وبشقيه المسلم والمسيحي، هو شديد التدين، ويرتبط بقوة بمشاعره الدينية وإيمانه بعقيدته المقدسة، التي لا يجب أن تناقش أو تمس. كما يميل هذا المجتمع إلى المحافظة على العادات والتقاليد المتوارثة، ولا يقبل بسهولة ما يعرض عليه من تغيير اجتماعي أو ثقافي. لهذا، كم سيكون رائعا، ويعمل على تثبيت الحب والسلام بين المواطنين، إذا سادت في هذا المجتمع روح الاحترام والتقدير المتبادل للعقائد الإيمانية بين المسلمين والمسيحيين، واستطاعوا التعاون فيما بينهم وعملوا معا من أجل تقدم وطنهم. كم سيكون مفيدا للجميع، إذا نضج أبناء هذا المجتمع، واستطاعوا أن يميزوا ويفرقوا بين ما هو ديني وما هو سياسي وما هو ثقافي وما هو اجتماعي. كم سيكون ايجابيا ويعمل على تقدم الوطن، إذا تحققت وتوفرت الحرية الكاملة للأفراد، ويكونوا قادرين على اختيار النظام السياسي السليم، الذي يحافظ على جميع حقوق المواطنين، ويتكفل بتحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد.

 

* البلطجية فئة تستهدف زعزعة الأمن، وقد أراقت بأيدي آثمة دماء الشباب في ماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد مؤخراً – في رأيكم كيف يمكن القضاء على ظاهرة البلطجة حتى يعود الأمن للشارع المصري؟

 

رافقت ظاهرة البلطجة ثورة 25 يناير، وكان الهدف منها هو العمل على فشل ثورة الشباب. يقوم أصحاب السلطة السابقة، الذين تضرروا وسقطوا من مناصبهم بعد نجاح الثورة، بتمويل من يقومون بأعمال البلطجة. فتح أبواب السجون وهروب أشد وأشرس المجرمين منها، وانسحاب قوى الأمن من الشارع المصري، أدي إلى ما يسمى بالانفلات الأمني في كل ربوع مصر، وإلى كل ما حدث من جرائم وسرقة وقتل ونهب وحرق. ظاهرة البلطجة وأعمال القتل والسحل، التي ظهرت أمام مبني ماسبيرو و شارع محمد محمود وإستاد بورسعيد، للأسف تم تحفيزها وتشجيعها والتستر عليها من قبل بعض القوى والسلطات التي تعمل جاهدة من أجل تنفيذ مخططات سياسية معينة، وتحقيق مصالحها الخاصة. وحتى الآن، للأسف، لم يتم الكشف عن أسماء هذه القوى والسلطات، وتمت تسميتها تحت مسميات مختلفة مثل الأيادي الأجنبية، والطرف الثالث، واللهو الخفي. لكي يعود الأمن للشارع المصري، وللقضاء على ظاهرة البلطجة، يجب العمل على إعادة تنظيم وزارة الداخلية، وتطهيرها من فلول النظام السابق. كما يجب العمل، من خلال المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ودور العبادة، على تربية المواطنين على الأخلاق الصالحة وعلى احترام حياة وملكية الأخريين، والتعاون المتبادل والسعي لتحقيق السلام بين الجميع. أيضا، على الحكومة أن تقوم بتوفير السلع الأساسية والضرورية لحياة المواطنين، فتعمل على تحسين رغيف الخبز، وتقضي على أزمة توزيع أنابيب البوتاجاز والمواد البترولية، وتعمل على توفير فرص العمل والإنتاج، كما تقوم بتطوير الخدمات العامة، خاصة في مجالات التعليم والصحة والتموين والإسكان.

 

* ماذا تقول لثوار التحرير في كل مكان بمصر، وفي رأيكم إلى أي مدى حققت الثورة أهدافها في الوصول إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ؟

 

لا أعتقد أن الثورة قد حققت كل أهدافها، لقد قامت بتغيير نظام الحكم الفاسد، وكسرت حاجز الخوف لدي المصريين، ولكن لم تصل بعد لتحقيق وترسيخ مبادئ العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولذلك أطلب من ثوار التحرير في كل مكان بمصر، وأقول لهم: "استمروا في ثورتكم حتى تتحقق كل مطالبكم في توفير وتطبيق الحرية والعدالة والكرامة لكل مواطن مصري، وذلك من خلال ثورتكم السلمية، وأرجو أن تتجنبوا وتبتعدوا عن أعمال العنف والتخريب والتدمير".

 

* تتولى نيافتكم رئاسة اللجنة الأسقفية للسياحة الدينية بالكنيسة المصرية الكاثوليكية، لماذا يبدو نشاطاً اللجنة غير ملحوظ على المستوى الكنسي ؟

 

بالنسبة لكوني مطرانا لمحافظة سياحية هي الأقصر، فقد تم ترشيحي لكي أكون مسئولا عن اللجنة الأسقفية للسياحة الدينية بالكنيسة المصرية الكاثوليكية، ولكن نظرا لبعد المسافة بين الأقصر والقاهرة، فقد إعتذرت عن هذه المسئولية، وأرجو أن يوجه السؤال عن نشاط هذه اللجنة للمسئول الخاص بها.

 

* لماذا ترفض لجنة السياحة الدينية سفر الشباب القبطى الكاثوليكى للمشاركة فى الأيام العالمية للشباب خارج مصر ؟

 

أعتقد أن لجنة السياحة الدينية لا ترفض سفر الشباب القبطى الكاثوليكى للمشاركة في الأيام العالمية للشباب خارج مصر، ولكن الرفض يأتي من السفارات الأجنبية التي تتخوف من عدم عودة الشباب لمصر بعد نهاية أيام المؤتمر.

 

* تنتشر على أرض مصر عدد ( 160 ) مدرسة كاثوليكية إلى جانب العديد من المستوصفات والجمعيات التنموية بهدف النهوض بالمجتمع – في رأيكم إلى مدى حققت هذه المؤسسات أهدافها في الوصول إلى غير القادرين ؟

 

أتحدث عن المدارس والحضانات الكاثوليكية التي تقع في الحدود الجغرافية لايبارشية طيبة، أعرف أنها تقبل حوالي 10% مجانا من تلاميذ العائلات الفقيرة،كما أنها تقوم بتخفيض نسبة كبيرة من المصاريف لتلاميذ عائلات الدخل المحدود. أكثر من مرة تدخلت، بطريقة سرية، للوساطة بين بعض الأسر الفقيرة، أو تلك ذات الدخل المحدود، وإدارة هذه المدارس، ودائما كنت أجد الاستجابة الفورية لتدخلي هذا، وتلبية سخية لكل ما أطلبه من إعفاءات وتخفيضات لصالح غير القادرين. وانتهز هذه الفرصة لكي اشكر وأحيي إدارات المدارس الكاثوليكية بايبارشية طيبة على تعاونها الدائم واستعدادها المستمر لخدمة الفقراء، بالرغم من الأعباء المالية التي يعانون منها. أما بالنسبة للمستوصفات، فلدينا بالايبارشية 14 مستوصفا في خدمة جميع المرضى بدون تفرقة أو تمييز في الجنس واللون والدين والطائفة، وهي تخدم الفقير والغني، ولا تهدف للربح المادي، وتقدم أيضا الأدوية والعلاج مجانا لغير القادرين. كما يوجد في حقل الايبارشية ثلاث جمعيات تنموية، هي مكتب جمعية الصعيد للتربية والتنمية بالأقصر ومكتب كاريتاس بالأقصر وجمعية مفتاح الحياة بأرمنت الحيط، وتجدني على صلة دائمة بالمسئولين عن هذه الجمعيات، وأعرف أنهم يقومون برسالتهم بصورة جيدة، ويخدمون بمحبة كل طبقات المجتمع الفقيرة والمحتاجة.

 

* ظهرت في الآوانة الأخيرة قضية التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، ماذا عن تمويل الجمعيات الكاثوليكية العاملة في النشاط التنموي ؟

 

أعتقد أن قضية التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني ترتبط بموضوعات سياسية بالدرجة الأولي. أما فيما يخص تمويل الجمعيات الكاثوليكية العاملة بمصر في النشاط التنموي، فهذه الجمعيات مرخصة حكوميا، ومعترف بنشاطها وخدمتها المتميزة في المجتمع المصري منذ عشرات السنين، وهي لا تهدف للربح، وليس لها أغراض سياسية، ويخضع تمويلها تحت إشراف الهيئات الممولة، والتي تطالبها بتقارير وفواتير رسمية عما يتم صرفه. كما تقوم وزارة التضامن الاجتماعي بمراجعة تقارير وحسابات هذه الجمعيات، وأيضا يشرف على هذه الجمعيات مجالس إدارة منتخبة من أعضائها، يراقبون عن كثب كل الأعمال والتصرفات، وأود أن أضيف بأن العاملين والموظفين في هذه الجمعيات يتم اختيارهم بعناية ويتمتعون بحسن التصرف والسلوك.

 

* كرجل دين يحلم بالخير العام للمجتمع في رأيك ما هي القيمة الروحية الأولى التي علينا جميعاً أن نسعى إلى غرسها وتنميتها في قلوب المصريين ؟

 

أري أن القيمة الروحية الأولي الأجدر بغرسها وتنميتها في قلوب كل المصريين هي ما قاله وعلمه لنا الرب يسوع: " أحب الرب إلهك بكل قلبك، وبكل نفسك، وبكل عقلك، هذه هي الوصية الأولي والعظمي، والوصية الثانية مثلها: أحب قريبك مثلما تحب نفسك، على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء" ( متى 22: 37- 40 ). عندما نعيش كما يليق بفضيلة المحبة، فسوف نستطيع أن نسامح بعضنا بعضا ونتعاون سويا، ونكون قادرين على تحقيق الخير والسلام في مجتمعنا.

 

* في ختام الحوار نود أن نستمع إلى تطلعات الأنبا يؤانس زكريا نحو المستقبل الأفضل ؟

 

لا تخف أيها القطيع الصغير مما يخبئه المستقبل من مفاجآت، لأن الله معنا، وقد وعدنا بأنه إذا واجهنا بعض الضيق في هذا العالم، فلنجدد ثقتنا به، لأنه قد غلب العالم. لا نجعل لليأس مكانا في حياتنا، لأنه لا حياة مع اليأس، لكن نجدد في داخلنا كل الأمل وكل الرجاء، ونحاول من جديد أن نعيد بناء ما تهدم ونحقق المستقبل الأفضل، وبمشيئة الله، سوف يكون الغد أفضل كثيرا من الأمس.  

أجرى الحوار : ناجح سمعـان

28/08/2012