إن شعبـي قـد نسيـني أيـامـاً بلا عـدد

 

(ارميا 32:2)[1]

                                        

خاص بالموقع – 27/03/2012

هذه الصرخـة التى قيلت فى القديم على لسان ارميا النبي لشعب العهد، يقولهـا الرب لنـا نحن أبناء العهد الجديد، أخوة يسوع. يقولـها فى حب وعتاب يقطر ألـماً: "أنى بسطت يدي النهار كله نحو  شعب عاص. دعوتُ ولم تجيبوا. وتكلّمتُ ولـم تسمعوا" (اش2:65).

يقولهـا رب الجنود لـي ولك..

أنـا الإنسان الذى سفك الرب دمـه من أجلي، وكنتُ ماثلاً أمام عينيـه حين كانت تسيل من جبينـه تلك النقط الحمراء.

أنـا الإنسان الذى صرخ يسوع وهو على الصليب عن عطشه لـي قائلاً:"أنا عطشان".

أنـا الإنسان الذى "أحبنـي منذ البدء حبـاً أبديـاً ولذلك إجتذبني برحـمة"، "فأخذ عاهاتنـا وحمل أوجاعنـا وجُرح لأجل معاصينـا وسُحق لأجل أرجاسنـا".

أنـا الإنسان صديقـه وأليفـه وأنيسـه ومعى كانت تحلو العِشرة كـما صرخ داود النبي (مز14:54-15).

أنـا الإنسان الذى أحبـه الله  (يو15:15)، وإختـاره (يو16:15).

أنـا الإنسان الذى أُعطي الخلاص وغُفرتْ خطايـاه (عب25:7-27) وأشركـه الرب فـى طبيعتـه الإلهيـة (2بط4:1).

والآن يقول الرب:"أحكموا بيي وبين كرمـي ماذا يُصنع لكرمي وأنا لـم أصنعه لـه لـماذا إذ إنتظرتُ أن يصنع عنبـا صنع عنبا رديئاً"(اش4:4).

أن شعبي قد نسيني أيـامـا بلا عـدد

فكيف ننسى الرب؟..فلنتـأمـل فـى كلمات الكتاب الـمقدس لنعرف متى وكيف ننسى الرب:

1. فـى مثل العشر البرص لـم يسبّح الله إلاّ واحـد 

نقرأ فـى انجيل لوقـا أن السيد الـمسيح قد شفى عشرة برص جاءوا إليـه صارخين

"فلما رأى واحد منهم انـه قد برئ رجع وجعل يمجد الله بأعلى صوته وسجد على قدميـه يشكره وكان سامريـا فقال يسوع أليس العشرة قد برئوا فأين التسعة؟. أما كان فيهم من يرجع ويُمجّد الله سوى هذا الغريب؟"(لوقا15:17).

ونحن أما كان فينـا من يرجع ويمجد الله الذى صنع فى كل لحظة من حياتنـا عطايا عجيبة؟. عندما تنتابنـا الـمحن والشدائد نهرع الى الله وعندما تأتى النجدة ننسى من أين جاءت ولهذا صدق قول الرب فينا:"لـما رَعَوا شبعوا وإرتفعت قلوبهم لذلك نسونـي"(هوشع6:23).

2. فـى مثال الغنى الجاهـل الذى إتكل على ما فى خزائنـه

فـى هذا الـمثال نجد أن الغنى قال:"يا نفسي لك أرزاق وافرة تكفيك مؤونة سنين كثيرة فإستريحي وكُلي وإشربـي وتنعـّمي"(لوقا18:12)، فجاء الصوت قائلاً لـه:"يـا جاهـل لـمن أعددتَ كل هذا؟". لقد نسى هذا الغنـي أنـه بشر وأن هناك إلـه، فلـمن أعدّ كل هـذا؟.

"فـمتى أكلت وشبعت تُبارك الرب إلهـك لأجل الأرض الجيّدة التى أعطاك إحتـرز أن تنسى الرب إلهـك ولا تحفظ وصايـاه وأحكامـه وفـرائضـه"(تثنية10:8).

3. عندمـا نقول قـول "الجـاهـل فـى قلبـه أنـه ليس إلـه" (مزمور2:52). ونعيش لا نؤمـن بوجود خالق للحيـاة أو نحاول أن نفلسف وجودنـا ونتبع نظريات الإلحـاد والوجوديـة والطبيعـة وغيـرهـا. وننسى قول الـمرّنم"اسأل البهائم فتعلّمك وطيور السماء فتخبرك أو كلّم الأرض فتعلّمك ويحدثك سمك البحر من لا يعلم من كل هؤلاء أن يد الرب صنعت هذا". ولهذا يقول يشوع ابن سيراخ لنـا:"لا تطلب ما يُعييك نَيلـه ولا تبحث عـمّا يتجاوز قُدرتك لكن ما أمرك اللـه بـه فيـه تأمـّل ولا ترغب فـى إستقصاء أعـمالـه الكثيرة فإنـه لا حاجـة لك أن ترى الـمُغيبات بعينيك"(يشوع بن سيراخ22:3-24).

4. عندمـا نسمع الكلـمة ولا نعـمل بهـا

يقول الرب يسوع لنـا:"أنتم أحبائـي أطلعتكم على كل مـا سمعت من أبـي"

(يوحنا15:15)، ولكن يقول الرسول يعقوب:"إن كان أحد سامعاً للكلـمة وليس عاملاً فذاك يشبـه رجلاً ناظراً وجـه خلقتـه فى مرآة فـإنـه نظر ذاتـه ومضى وللوقت نسى مـا هـو"(يعقوب23:1). والآن هـل يصدق فينـا قول اشعيا النبي:"لقد صارت لكم رؤيـة الكل مثل كلام السِفـر الـمختوم الذى يدفعونـه لعارف الكتابـة ويُقال لـه اقرأ فيقول لا أستطيع لأنـه مختوم أو يُدفع الكتاب لـمن لا يعرف الكتابـة ويُقال لـه إقرأ فيقول لا أعرف الكتابـة"(اشعيا11:29-12).

ونحن الذين سمعنـا وقرأنـا وتعلـمـنا ..ماذا تبقـى؟

5. عندمـا نعبد آلهـة أخرى

يقول الرب على لسان ارميا النبي:"انذهلي أيتها السماوات وإقشعرّي وإنتفضي جداً يقول الرب فإن شعبي صنع شرّين تركونـي أنـا ينبوع الـمياه الحيـّة وإحتفروا لهم آبـاراً أباراً مشققـة لا تـمسك الـماء"

(ارميا12:2-13). تركنـا الرب وصنعنـا لأنفسنا آلهـة أخرى كالـمال والعالـم وصداقتـه والـمجد الزائـل، وبخّرنـا للبعْل وسِرنـا وراء تلك الآلهـة التى دفعتنـا بعيداً عن رب الأرباب. ومن العجيب أننـا أحيانـا كثيرة نعود ونقف أمام الله فـى الكنيسة ونصرخ ونطلب،ولكن يقـول الرب على لسان ارميا النبي:"أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبـا وتبخّرون للبعـل وتسيرون وراء آلهـة أخرى لـم تعرفوهـا ثم تأتون وتقفون أمامي فـى هذا البيت الذى دُعي بإسمي عليـه"(ارميا9:7-10).

غريب أمر تلك السامريـة التى عندما علمت من هو الرب أسرعت تقول لـه "أعطني من هذا الـماء لكيلا أعطش"(يوحنا15:4). الرب يسوع ينبوع الـمياه الحيـّة القائل لنـا:"إن عطش أحد فليقبـل إلـيّ ويشرب"

(يوحنا37:7) ولهذا فـمن يرغب أن يعود إلـى البئر ويُدلـي بالدلو مراراً وتكراراً لعلـه يجد قطرة مـاء..قطرة من هذا الـماء الـمُحيي، فلنقبـل إليـه ولا ننسى أنـه "ينبوع الـمياه الحيّ".

 

6. عندمـا لا نتبع وصايـا الله

يقول البعض أن الشرائع والطقوس والوصايـا هـى إضاعـة للوقت وكـم أضعنـا العـمر فـى طاعتهـا. وصيّـة واحدة لـم يملك الإنسان أن ينفذهـا فـما بالنـا بهذا الفيض من الوصايـا والقوانين والتشريعات، ولهذا نجد البعض قد أشعل فـى تلك الوصايا وما تبقى منهـا ينفذ بلا روح.وهنـا يصدق عليهـم ما جاء على لسان ملاخي النبي:"أقوالكم إشتدت عليّ قال الرب وقلتم ماذا قلنا عليك، قلتم عبادة اللـه باطلة وما الـمنفعـة من أننا حفظنـا شعائره وأننا سلكنـا بالخزي قدام رب الجنود"(ملاخى13:3-14). 

وفـى هذا نجد رد الرب الإلـه على لسان اشعيـا النبي قائلاً:"فقال السيّد لأن هذا الشعب قد اقتـرب إلـيّ بـفـمه وأكرمـني بشفتيـهِ وأمـّا قلبـه فأبعده عنـيّ وصارت مـخافتهـم منّي وصيـّة الناس مُـعلّـمةً.(اشعيا13:29). ولهذا يقول القديس بولس:"فـماذا نقـول؟. هل الناموس خطيّة. حاشا. بل لـم أعرف الخطيّة إلاّ بالناموس. فإنّني لـم أعرف الشهوة لو لـم يقُل الناموس لا تشتـه"ِ(رومية7:7).ويقول أيضاً:"إذّاً الناموس مقدس والوصيـّة مقدسة وعادلـة وصالـحة"

( رو12:7)، وأيضاً يقول: "فأنـا إذن بالروح عبد لناموس الله وبالجسد عبد لناموس الخطيّة"(رو25:7).

فلـماذا ننظر للوصـايـا كأنهـا سيف حــاد؟

هـل ننسى قول الرسول بولس لنـا:"أمـّا أنتم فلستم فـى الجسد بل فـى الروح إن كان روح الله ساكنـاً فيكم"(رومية9:8) و "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبنـاء الله. إذ لـم تأخذوا روح العبوديـة أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبنّي الذى به نصرخ يا أبـّا الآب. الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنـا أنّنـا أولاد الله. فإن كنـّا أولاداّ فإننـا ورثـة الله ووارثون مع الـمسيح. إن كنـّا نتألـم معـه لكي نتمجّد أيضاً معـه"(رومية 14:8-17).

لهذا لا يمكن أن نقل وداعـاً للوصايـا، أو حتى لا ننفذهـا، أو ننفذهـا بفتور وعن غيـر إيـمان، بل يجب أن يكون إقتناعنـا كامـل بضروريتهـا ولا ننسى مطلقـاً بأننـا أبنـاء الله.

إن إبتعادنـا عن الوصايـا يدعنـا فـى ظلام كـما يقول لنا الوحي الإلهي على لسان اشعيا النبي:"من أجل ذلك إبتعد الحق عنّـا ولـم يدركنـا العدل. ننتظر نُـوراً فإذ ظلام.ضيـاء فنسير فى ظلام دامس. نتلّمس الحائط كعُـمي وكالذى بلا أعين نتحسس"(اش9:59-10).

فيجب أن نحب الله محبـة تفوق كل وصف "فنحن نحبـه لأنـه أحبنـا أولاً"(1يوحنا19:4) ولهذا يدعونـا يوحنـا الرسول قائلاً:"فبهذا نعلم أنـّا نحب أبنـاء الله بأن نكون محبيـن للـه وعاملين بوصايـاه لأن هذه هـى محبة الله أن نحفظ وصاياه. ووصاياه ليست بثقيلة"(1يوحنا2:5-4).

ويذكـر لنـا سفر الأمثال:"يا إبنـي لا تنسى شريعتي بل ليحفظ قلبك وصاياي"(أمثال1:3).

لا يـمكن أن نحصى كم من الـمرّات ننسى فيهـا الرب..

– ننسـاه إذ فعلنـا الخطيئة لأن "الخطيئة إنـما هـى مخالفـة الشريعـة"(يعقوب4:3).

– ننساه إذا لـم نعـمل مشيئـته كهذا العبد الكسول الذى أكل وشرب وسكر وهو يقول "إن سيّدي يُبطئ فـى قدومـه"(لوقا45:12-46).

– ننساه إذا لـم نحبـه فـى القريب كـما يقول لنا يوحنا الرسول:"من يحب أخاه يثبت فـى النور وليس فيـه عثرة وأمـّا من يبغض أخـاه فهو فى الظلـمة وفـى الظلـمة يسلم ولا يعلم أين يـمضى لأن الظلـمة قد أعـمت عينيـه"(1يوحنا10:2).

– ننساه فـى أحزاننـا على الرغـم من قول يعقوب الرسول لنا:"احسبوه كل فرح يا إخوتـي حينما تقعون فـى تجارب متنوعـة عالـمين ان إمتحان إيـمانكم يُنشئ صبـراً"(يعقوب2:1-3).

– ننساه فـى أفراحنـا ولا ندعوه إلـى عُرسنـا كـما دُعـى هـو إلـى عُرس قانـا الجليـل(يوحنا2:2)، ولا نباركـه مرنـمّين "باركي يانفسي الرب ولا تنسي كل حسناتـه"(مزمزر2:102).

– ننساه عندمـا لا تُثـمر أعـمالنـا فنشابـه الشياطين الذين يؤمنون بالله ولا يعـملون أعمالـه "أنت تؤمن أن الله واحد. حسنُ تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون. ولكن هل تحب أن تعلم أيهـا الإنسان الباطل الرأي أنَّ الإيـمان بدون أعـمال ميّت"(يعقوب19:2-20).

– ننساه كما فعل آدم فـى القديـم فنسى الوصيّة وسقط فـى خطيئة الكبـرياء.

– ننساه كـما فعل داود الـملك عندما عاش فـى الرفاهيـة ولـم يمنع عينيه من النظر الى إمرأة أوريـا الحثيّ وهكذا سقط هذا البناء الكبيـر وسقط النبي العظيم لأنـه نسى الرب.

– ننساه كـما فعل شمشون الجبـّار عندما كسر نذره وأسلم قيادتـه لإمرأة فضاعت قوتـه وجـّر الطاحون كالحيـوان.

– ننساه كـما نسيه سليمان الحكيم الذى أخذ الحِكمة من الله مباشرة،عندما سمح ببناء معابد لآلهـة نساءه وجاملهم وبخّر للآلهـة الأخرى خلاف الله فسقط هذا الحكيـم.

– ننساه كـما فعل الشعب العبـرانـي فـى القديم "نسوا الله مخلصهـم الذى صنع العظائـم فـى مصر"(مزمور21:105) على الرغم ان الله قد "خلّصهـم من يد الـُمبغض وإفتداهم من يد العدو"(مزمور10:105).

– ننساه كـما فعل بطرس عندما هرب من وجـه الجنود ولـم يقوى أن يتحمل الألـم ويعلن أنـه من أتباع هذا الـمعلّم فسقط وأنكر سيـّده.

والآن يـا إخوتـي وأخواتـي

هكذا يقول الرب لنـا اليوم على لسان ارميا النبي:"قفـوا على على الطرق وأنظروا وإسألوا عن السُبل القديـمة أين هو الطريق الصالح وسيروا فيـه فتجدوا راحـة لنفوسكم"(ارميا16:6).

ويقول على لسان الرسول :"أمـّا أنت يا أخـى فأثبت على ما تعلّمت وأيقنت عارفـاً ممـن تعلّمت"(2تيموثاوس14:3).

ويقول على لسان الحكيـم:"إلـى متى ترقـد أيهـا الكسلان ومتى تنهض من نومك"(أمثال9:6).

ويقول على لسان الـمرّنم: "اليـوم إذا سمعتـم صوتـه فلا تقسوا قلوبـكم"(مزمور8:94).

ان الرب يسوع لـم يعطينـا وصيـة جديـدة سوى "أن نحب بعضنـا البعض " (يوحنـا 12:15) وكـما قال الرب فـى القديـم لشعبـه: "إنّ هذه الوصيّة التى أوصيك بها اليوم ليست فوق طاقتك ولا بعيدة منك. لا هى فـى السماء فتقول من يصعد لنا إلـى السماء فيتناولهـا ويُسمعنـا إياهـا فنعـمل بهـا. ولا هـى فـى عبـْر البحر فتقول من يقطع لنـا هذا البحر فيتناولهـا ويُسمعنـا إيّاهـا فنعمل بهـا. بل الكلمة قريبة منك جداً فـى فـمك وفى قلبك لتعـمل بهـا"(تثنية الإشتراع11:30-14).

لهذا فالرب يريدنـا أن نحيـا نحن وذريـتنـا فنتذّكره دومـاً ولا ننساه ومن أجل هذا أوصانـا قائلاً:" "بأن تُحب الرب إلهك وتُطيع أمره وتتشبث بـه لأن بـه حياتك وطول أيامك" (تث 20:30)، وكانت هـى أيضاً وصيـّة الرب يسوع لنـا " أحبب الرب إلهـك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتـك وكل ذهنك وقريبك كنفسك"(لوقا27:10). آمين.

 

(تم إعدادهـا وإلقاءهـا بإجتماع الشباب فى كنيسة الأقباط الكاثوليك بعزبة شاهين بالـمنيا-1980).

الشماس نبيل حليم يعقوب

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس أنجلوس

________________________



[1] نشرت فى كتاب "عجائب الرب" فى فبراير 2012