رسالة إلي أخوتي في الوطن والمصير

د‏.‏ الأنبا يوحنا قلته

 

السلام عليكم ورحمة الله‏:‏ أما بعد هذه رسالة محبة ومودة الي جماعة الإخوان المسلمين لا تهدف إلا إلي رضا الله وخير الوطن‏،‏ واستقرار وتقدم الإنسان المصري وكل من يحيا فوق أرضنا الطيبة‏.‏

الأمر الذي دفعني إلي الكتابة، هول المشهد المصري، والقلق الذي يلفنا جميعا علي الحاضر والمستقبل، ونزيف الدماء المصرية ودموع الثكالي، وأرواح الشهداء التي ترفرف من عليائها، متحسرة علي ما آل إليه حال الوطن، فمصر لم تعرف مثل هذا في أي عصر من عصورها: فوضي، وسقوط القانون، وغلاء فاحش، وشقاء متصل من أجل لقمة العيش، واختلاط الحابل بالنابل، فلا ندري من المسئول، من الجاني ومن المجني عليه، وكيف التحفت المآسي بالدين، إن مصر في حاجة إلي لحظة نظام، ووقفة وطنية صادقة، وإلي مراجعة حقيقية جادة بعد وصول جماعة الإخوان إلي السلطة، وبرغم خبراتها القصيرة في الحكم( ثمانية أشهر)، فإن الأحداث لا تحتمل الانتظار، إذ أن مصر يحدق بها خطر داهم لم تتعرض له منذ الفتح العربي(640 م ـ20 هـ) إن حاضرها يتهدده الخراب ومستقبلها في مهب الريح، لذلك، كمواطن مصري من ترابها وأرثها وثقافتها وحضارتها، ألتمس سعة الصدر، ورجاحة العقل، ونقاء النية، لما أسوقه من حديث فإن أصبت فلي أجران، وإن أخطأت فلي أجر الاجتهاد، وأطلب الصفح علما أني لا اعبر إلا عن رأيي الشخصي.

أولا: هل يعجب جماعة الإخوان وهي الآن تملك السلطة والقوة والقرار، مشهد مصر اليوم علي الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل الدينية؟ أصارحكم القول دون نفاق، فالله لا يحب المنافقين، وأنني واحد ممن صدموا من الجماعة خلال هذه الفترة، إن الصراع في مصر منذ الفتح العربي لم يكن مطلقا بين مصريين ومصريين، بل كان دوما وبلا استثناء بين الولاة والحكام الظالمين والغرباء الطامعين من جهة وبين المصريين من جهة أخري، لم يرفع مصري سيفا علي أخيه المصري، لم تشتعل حرب أهلية ولا فتنة طائفية، قد أضفي النيل علي أهل مصر وداعته، كما أمدتهم أرضها بكرمها وسخائها، كما عمقت صحراؤها حب التأمل عندهم فكانوا منارة للمسيحية وأضحوا منارة للمسلمين.

ثانيا: كيف تؤدي مصر دورها بين شعوب العالم وهي لم تمتلك بعد رغيف الخبز، وأسس العلوم المتقدمة ولم تلحق بركب حضارة كاسحة ولم تمتلك العدل الذي نادي به الإسلام، أو المساواة، أو الاستقرار الآمن فما مصيرها؟، لا أخفيكم القول إن الخوف من أن تتحول مصر إلي سوق تباع فيها المصري، لأن المصري فقير بالرغم من ثراء أرضه وبحره وفضائه، والأمم لا تتقدم بالشعارات، والحضارة العربية لم تزدهر إلا في عصر امتلكت فيه العلوم والقوة وسادت الدنيا، ولأن الإنسان المصري منذ قرون طويلة وحتي ثورة25 يناير لم يتذوق طعم الحرية الحقيقية، وهو إنسان متدين رائع، لا يهز إيمانه فقر أو محن، لقد أثبت التاريخ بما لا يدع الشك أن الأمة العربية لا تنهض إلا إذا نهضت مصر، وأن الشعوب الإسلامية في أشد الحاجة إلي عقل وثقافة مصر، ومصر لن تنهض إلا إذا أضحت دولة مستقلة قوية، مصر لا تقبل انقساما مهما حاول الأعداء، فأرضها وسماؤها وشعبها لا يقبل الشرذمة أو العنصرية، ولا تصلح أن تكون تابعة لأي دولة لأنها تاج الأمة العربية، وعاصمتها أم عواصمهم.

أناشدكم الله والوطن أن تحافظوا علي هوية مصر، أمة متدينة، متحضرة، حرة، مبدعة، وهذا لن يتحقق إلا إذا أمنا بالتنوع والتعددية وعلم الاختلاف، أناشدكم الله أن تأخذوا المبادرة بلا تردد ودون أن تستهينوا بالمعارضة لأنهم مصريون مخلصون وليسوا أعداء، وإن اختلفت الرؤي فالثورة لم تنته بعد.

1. أن تعلنوا وقف العنف حتي مع أهل العنف والقلة المندسة، أقيموا العدل والرحمة، أعطوا القدوة للثورات العربية، وأعلنوها بلا مواربة أن جماعة الإخوان ستحمل مشعل نهضة حضارية تنطلق من مصر إلي العالم العربي، لا تلتفتوا إلي الوراء، لا تتركوا الماضي يسحق المستقبل، فلم يكن الماضي نقاء كله، وسلاما وعدلا كله، فالبشر هم البشر في كل زمان ومكان.

2. اعلنوا بداية النهضة بمد يد العون للمشروعات الصغيرة، لتفتح أبواب الرزق للفقراء، افتحوا أبواب السياحة، والاستثمار، لا تقفوا كارهين لرجال الأعمال الوطنيين الناجحين، وإن حكمتم فاحكموا بالعدل، احترموا القانون والقضاء واستعينوا بأهل الكفاءة من الرجال والنساء وما أوفرهم في مصر العظيمة، فليس الإخوان وحدهم أبناء مصر وسيبلغ عدد المصريين سنة2020 مائة مليون نسمة.

3. أناشدكم الله، اتركوا الحرية للإعلام والإبداع لا خوف من الكلمة، ففي البدء كانت الكلمة وكانت عند الله وعلمها الله للبشر، وفي مجد الحضارة العربية عاش المسلمون كما عاش معهم أهل الأديان والكفر، إن الحرية لا يتحمل مسئوليتها إلا الشجعان وأهل البأس والواثقون في الله وفي أنفسهم لا خوف من الحرية، فلا يستعذب العبودية ويهوي السيطرة والهيمنة إلا الضعفاء، أناشدكم ألا تقربوا الإعلام والإعلاميين، الإعلام عنوان حضارة الشعوب، فحريتهم محسوبة لكم لا عليكم.

4. أناشدكم الله، أزيحوا هذا الكابوس الجاثم علي صدر الوطن والذي يسمي بالحكومة التي فشلت بامتياز في التقدم بالمجتمع خطوة واحدة نحو الاستقرار والتنمية، بل قدمت نموذجا طائفيا مرفوضا من أي دولة تحترم شعبها، فليس بالأخونة تنهض مصر، والناس لا ترفض الحكومة لأنها حكومة إخوانية، فالإخوان مواطنون مصريون، لكنهم يرفضون التخبط في القرار، والضعف في الممارسة، والطائفية في إدارة شئون الوطن، أقيموا حكومة مصرية خالصة لا تتسم بالمذهبية أو الطائفية فقد فشلت الحكومات كافة التي همشت العلماء والكفاءات بسبب الدين أو المذهب ومصر مزدحمة بالعقول العظيمة.

5. لا تخشوا علي الدين إلا من التطرف والعنصرية والتعصب، لا يزعجكم النقد والمعارضة فهذا دليل علي الحياة والحركة، أناشدكم أن تمسكوا بزمام التاريخ قبل أن يفلت التاريخ من أيديكم، أثبتوا للعالم أن الحكم الإسلامي ينسق مع الحضارة الحديثة، يطورها ويتطور فيها، ويحترم حقوق الإنسان لأنها انبثقت من قيم الأديان. اللهم أني بلغت اللهم فاشهد. لكم التحية والسلام.

مواطن مصري

 

الأهرام – 6 أبريل 2013 – قضايا وآراء – ص 10