أيا خميس العهد
حقاً ما امجدك من يوم
تأمل خميس العهد المبارك من البصخة المقدسة الموافق 17 إبريل 2014
الأب/ بولس جرس
نص الإنجيل
“وفي أوَّلِ أيّامِ الفَطيرِ تقَدَّمَ التلاميذُ إلَى يَسوعَ قائلينَ لهُ:”أين تُريدُ أنْ نُعِدَّ لكَ لتأكُلَ الفِصحَ؟”. فقالَ: “اذهَبوا إلَى المدينةِ، إلَى فُلانٍ وقولوا لهُ: المُعَلِّمُ يقولُ: إنَّ وقتي قريبٌ. عِندَكَ أصنَعُ الفِصحَ مع تلاميذي”. ففَعَلَ التلاميذُ كما أمَرَهُمْ يَسوعُ وأعَدّوا الفِصحَ.ولَمّا كانَ المساءُ اتَّكأَ مع الِاثنَيْ عشَرَ. وفيما هُم يأكُلونَ قالَ:”الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ واحِدًا مِنكُمْ يُسَلِّمُني”. 22فحَزِنوا جِدًّا، وابتَدأَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمْ يقولُ لهُ:”هل أنا هو يارَبُّ؟”. فأجابَ وقالَ: “الذي يَغمِسُ يَدَهُ مَعي في الصَّحفَةِ هو يُسَلِّمُني! إنَّ ابنَ الإنسانِ ماضٍ كما هو مَكتوبٌ عنهُ، ولكن ويلٌ لذلكَ الرَّجُلِ الذي بهِ يُسَلَّمُ ابنُ الإنسانِ. كانَ خَيرًا لذلكَ الرَّجُلِ لو لم يولَدْ!”. فأجابَ يَهوذا مُسَلِّمُهُ وقالَ:”هل أنا هو ياسيِّدي؟”. قالَ لهُ:”أنتَ قُلتَ”. وفيما هُم يأكُلونَ أخَذَ يَسوعُ الخُبزَ، وبارَكَ وكسَّرَ وأعطَى التلاميذَ وقالَ:”خُذوا كُلوا. هذا هو جَسَدي”. وأخَذَ الكأسَ وشَكَرَ وأعطاهُمْ قائلاً:”اشرَبوا مِنها كُلُّكُمْ، لأنَّ هذا هو دَمي الذي للعَهدِ الجديدِ الذي يُسفَكُ مِنْ أجلِ كثيرينَ لمَغفِرَةِ الخطايا. وأقولُ لكُمْ: إنِّي مِنَ الآنَ لا أشرَبُ مِنْ نِتاجِ الكَرمَةِ هذا إلَى ذلكَ اليومِ حينَما أشرَبُهُ معكُمْ جديدًا في ملكوتِ أبي”. ُمَّ سبَّحوا وخرجوا إلَى جَبَلِ الزَّيتونِ”. (متى 26 : 17 – 29).
نص التأمل
يرتبط خميس العهد في اذهان المسيحين بعدة علامات بارزات لا يمكن ان نغقفل عن التامل فيها فهو يوم مجيد مليء بالمواعظ والعبر حافل بالأحداث والمواقف، فياض بالمعاني والأسرار…
أولا: غسل الأرجل
ثانيا: تأسيس سر الإفخارستيا
ثالثا: تأسيس سر الكهنوت والصلاة الكهنوتية
رابعا: خيانة يهوذا وإنكار بطرس
خامساً: ليلة النزاع في بستان الزيتون
سادسا: ليلة القبض على يسوع
سابعا: فرار التلاميذ من حوله
نستطيع بالطبع التوقف عند اي من هذه النقاط السبع للتامل فهو يوم مجيد مليء بالمواعظ والعبر حافل بالحداث والمواقف، ممتليء بالمعاني والأسرار…
ساحاول ان ارافقكم نحوها في لمسات سريعات تاركا المجال لكل منكم ان يشق طريقه فيما يلمس الرب به قلبه اليوم
أولا: غسل الأرجل: هو قمة التجرد وهو مهبط التواضع وهو منبع الإلهام لكل الأجيال على مدى الدهور… فعل لا يقدم عليه ولا يستطيع ان يمارسه سوى يسوع ومن إتبع دربه… كيف يسجد إبن الله المتجسد وينحني ليغسل أدران اقدامنا؟؟؟؟ هو فعل صليب مبكر لا يستوعبنه سوى من يحياه بروح “السيد والمعلم” فإذا كنت انا قد غسلت أقدامكم فما عليكم انتم سوى ان تسلكوا دربي إذا أردتم إتباعي… هذا شرطي الأساسي.
ثانيا: تأسيس سر الإفخارستيا: وهل هناك حياة للبشر بدون خبز وهل هناك خبز حقيقي وماكل حقيقي سوى يسوع وهل لأحد حياة أو قيامة بدونه؟؟ لقد وصف الفعل فرفضه الناس واستنكروه وتعجبوا مسبقا: كيف يستطيع هذا ان يعطينا جسده لناكله؟ ها هو بشرح ها هو يوضح ها هو يذبح ها هو يقدم الذبيحة وها التلاميذ ياكلونه ويشربونه وها هم احياء إلى اليوم؟ كيف هذا هو واقع الكنيسة التي بدون الإفخارستيا سر ذبيحة الشكر تبيد وتهلك في البرية… وهذا هو سر حياة المسيحي من يوم الخميس فصاعداً : “من يأكلني يحيا بي” “ومن أكلني وإن مات فسيحيا”. الإفخارستيا سر حياة المسيح جسده المصلوب عنا ودمه المسفوك فينا وهي سر حياة الكنيسة الذي به استطاعت ان تقاوم آلام الدهور وبه سوف تظل إلى منتهي العصور…
ثالثا: تأسيس سر الكهنوت والصلاة الكهنوتية: حيث الكاهن هناك الكنيسة ، كيف ترفع الذبيحة بلا كاهن وكيف يتم الغفران بدونه؟ يبدو السؤال كيف تحيا الكنيسة دون كاهن كماالسؤال كيف لا تشرق الشمس وتبقى على الأرض حياة. هل هناك كنيسة في غيابه! ومن يرى الكاهن ولا ينحني امامه؟؟؟ لقد وضعه المسيح مكانه ومنحه كل سلطانه، بيده يمنح الغفران وعلى كفيه يتجسد ربه على شفتيه السلام ومن قلبه الحب والبذل كسيده..مهما تعددت أخطاؤه وتعاظمت خطاياه فلا تحتقره. هو مهما صغر سنه وحقر شانه واضمحل بهاؤه وخفت بريقه وراح رونقه سفير لسيده الملك العظيم وما يلقى من إحتقار أو تقدير يعود على الملك الأعظم “من قبلكم فقد قبلني ومن إحتقركم فقد إحتقرني” فهل نتوقف من اليوم وإلى الأبد عن إنتقاده واحتقاره…لا اطلب هذا من العلمانيين فحسب بل من الكهنة والأساقفة انفسهم.وما صلاة المسيح الطويلة في إنجيل يوحنا سوى تدعيم لموقع الكاهن في قلب الآب والأبن والكنيسة.
رابعا: خيانة يهوذا وإنكار بطرس: لم تغب الخيانة والغدر عن تاريخ البشرية مذ قتل قائيين هابيل ولعل للخيانة في تاريخ اليوم مكان ومكانة فمكانها الجحيم بلا شك” إبن الهلاك يُدعى” فيهوذا للأسف الشديد هو الشخص الوحيد بتأكيد الإنجيل نفسه الساكن في الجحيم إلى الأبد … ولا يرجع ذلك إلى إنتقام الله بقدر ما يرجع لرفضه ما وهب من وزنات واستعلائه على الرحمة والغفران : “خطيئني اعظم من ان تُغفر” … فالغش والخيانة يقودان دوما إلى تلك النهاية المفجعة …وحتى لو فاقت خطايا بطرس في نظر البعض خطيئة يهوذا فإن توبة بطرس وبكاءه المر ودموعه السخينة وصلاة الرب لأجله ونظرته العاتبة نحوه وغفرانه الغير مشروط لإنكاره وتقديره الغير محدود لتوبته يجعلان من هذا الشخص رأسا للكنيسة وراعيا للرعاة ومثبتاً للإخوة!!!
خامساً: ليلة النزاع في بستان الزيتون: يسوع الضعيف الحزين الكئيب النفس الخائف المرتعش المتصبب العرق دماً، المحتاج إلى دعم التلاميذ وقربهم وصلاتهم… هو صورة يسوع الإنسان بالحقيقة، صورة ابن البشر الكامل في ناسوته البالغ الروعة في تسليمه وطاعته الواثق في معونة ابيه السماوي العارف بما يلاقي، صورة الحمل يساق إلى الذبح، تجسيد لمقدم الذبيحة وهو في الوقت ذاته الكاهن والحمل،
فلنسهر الليلة معه فهو محتاج إلى دعمنا ليتتم ذبيحته ومن العار ان نتخلى الليلة عمن غسل أرجلنا وأطعمنا جسده وسقانا شراب دمه وسامح جهلنا وغفر إنكارنا واحبنا واختارنا…
سادسا: ليلة القبض على يسوع: إنها حقا للحظة رهيبة قبض وانقباض لحظة انقضاض الذئب على رقبة الحمل والأسد على عنق الغزال والثعبان على العصفور البريء. من القابض اليوم؟ الذين اتى ليخلصهم مأرادوا ان يتخلصوا منه! من الواقف الآن؟ رسل الكهنة والفريسين أعلم من يعلم بمن هو المسيح وافضل من يفصل في جوهره ورسالته!! لكن اصاب عمى المصلحة الشخصية عيونهم المريضة فظلوا يتربصون وراحوا يتآمرون وأخيرا نراهم الليلة يقررون: ” ماذا تنتظرون ؟ لن تستفيدون شيئا، ها الشعب كله قدتبعه وتركونا” فحسموا الأمر: “يحسن ان يموت واحد عن ان تهلك الأمة بأسرها“…فارسلوا الحرس والجند بالسيوف والعصي للقبض على المسيا الذي كانوا بلهفة ينتظرون….تلك الشخصيات التي كان ينبغي ان تفرح وتتهلل وتقبل قدميه مقدمة فروض الطاعة والولاءهي من يتربص ويتآمر ويرشوا ويقبض ويبيع ويقتل و وما زال التآمر والقبض مستمراً ومن نفس العناصر التي يُفترض ان تكون للمسيح حراسا وللهاية نبراسا….
سابعا: فرار التلاميذ من حوله: ساتركها لصلاتي اليوم فهي تستحق ان نتوقف امامها مصليين متاملين في معرفة الرب بحدود بشريتنا الضعيفة الهشة الواهية ” الحق اقول لكم جميعكم في تلك الليلة تفرون وتتركوني وحدي” وبين إدراكنا كبشر لقوتنا وغرورنا بقدراتنا وتمسكنا بأوهامنا “لو تركك الجميع لن اتركك…