المرض الثامن عشر: مرض تضخيم صورة الذات

المرض الثامن عشر: مرض تضخيم صورة الذات

بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

أولًا: وصف مرض تضخيم صورة الذات

هذا الاضطراب، الذي غالبًا ما يتنكر في ثوب الثقة بالنفس، يصف حالة نفسية معقدة يُظهر فيها الفرد شعورًا مبالغًا فيه بأهميته وقيمته وتفوقه على الآخرين. يتعلق الأمر هنا بتشوه في إدراك الذات يؤدي إلى التقليل من شأن الآخرين والمطالبة بمعاملة خاصة ومميزة.

المريض لديه شخصية نرجسية ويعتقد أنه محور العالم ويريد أن يفرض على الجميع معاملته بناءً على تصوره لنفسه فيما هو يعامل الناس بكبر وتكبر وعجرفة وشعور بالتفوق لا أساس له.

الشخص الذي يعاني من هذه الحالة مقتنع بأنه يمتلك صفات أو مواهب أو رؤى متفوقة تجعله بطبيعته أفضل من الآخرين.

يتجلى هذا المرض في تصرفات مثل:

• الحاجة المرضية للمدح، فالمريض يطلب ويحتاج إلى أن يكون ممدوحًا ومعترفًا به كالأفضل، ويبحث عن التصفيق والمدح والاهتمام ويرفض بل ويكره من يخاطبه بالحقيقة.

• الغطرسة والغرور، فالمريض يتصرف وكأنه متفوق ولا يحتاج إلى أحد بل ويزدري آراء الآخرين، وتجده يتفلسف في أمور لا يعرفها ويتمخطر وكأنه “أبو العلم واحكم الحكماء”.

• الجفاف العاطفي، يعاني المريض من عدم القدرة على فهم أو مشاركة مشاعر الآخرين، فهو متبلد عاطفيًا ولا يشعر بالآخرين.

• استغلال الآخرين، يستخدم الناس لأغراضه الخاصة، دون مراعاة لاحتياجاتهم أو مشاعرهم، ويؤسس علاقاته على أساس مدى الاستفادة والنفع.

• الشعور بالاستحقاق، يعتقد بأنه يستحق امتيازات ومعاملة خاصة، بغض النظر عن مساهمته، وهو دائما في حالة غضب وتذمر واستياء وكأن العالم ضده.

• الحسد، يميل المريض من ناحية إلى حسد الآخرين على نجاحاتهم أو ممتلكاتهم، ومن ناحية أخرى يؤمن أن الآخرين يحسدونهم.

• صعوبة تقبل النقد، برفض المريض أي نقد أو تقييم ويعتبر نفسه فوق المسألة، ويتصرف بسلبية وغضب وازدراء عند مواجهة أي شكل من أشكال النقد، حتى لو كان بناءً.

• المقارنة المستمرة، يعيش المريض في دوامة مقارنة نفسه بالآخرين لتأكيد تفوقه.

ثانيًا: خطورة المرض

انطلاقا من أنه لا توجد أمراض نافعة نؤكد أن مرض تضخيم صورة الذات له عواقب ضارة ومدمرة على الفرد المصاب وبيئته المحيطة.

على الشخص المصاب:

يتسبب هذا المرض للمصاب في نوع من العزلة الاجتماعية، لأن الغطرسة ونقص التعاطف يبعدان الناس عنه، مما يؤدي إلى علاقات سطحية وغالبًا ما تكون قصيرة الأمد. وتتسم علاقاته العاطفية بالهشاشة، لأنه على الرغم من الثقة الظاهرة، غالبًا ما يعاني من فقدان للشعور بالآمن ومن نوبات من الغضب أو الاكتئاب أو القلق. كما يعاني من صعوبات على المستوى المهني لأنه تقليله من شأن الزملاء وعدم قبول الملاحظات يعيق نموه المهني والتعاون.

إن المريض غالبًا ما يفشل في كافة العلاقات العاطفية والصداقات والأسرية ويعاني من الصراعات والقطيعة بسبب المطالب وعدم المعاملة بالمثل. يقوده الاعتقاد بأنه مثالي من عدم التعلم والتطور.

على المحيطين بالشخص المصاب:

يعيش المريض في أجواء سامة ومسمومة ومسممة سواء في العمل أو الأسرة، لأن تصرفاته تخلق جو من التوتر والمنافسة غير الصحية وتثبيط الهمم. فكيف يمكن التعامل أو التفاعل مع شخص يعتقد أنه متفوق مرهق ومحبط، مما يقوض الثقة والاحترام المتبادل؟

وأخطر ما في هذ المرض هو سعي المصاب إلى التلاعب والتقليل من شأن مَن حوله وشعور مستمر بعدم الكفاءة، والادعاء الدائم بالصواب يجعل العمل الجماعي وتحقيق الأهداف المشتركة أمرًا صعبًا.

ثالثًا: أمثلة من الحياة اليومية

– الزميل المتفاخر: تجد المصاب يقلل من شأن مساهمات الآخرين وينسب لنفسه كل الفضل في النجاح وكل الاستحقاق، أو من يعتقد أنه الوحيد القادر على إنجاز مهمة بشكل صحيح.

– الشخص المسيطر على المحادثة: يتحدث المصاب عن نفسه فقط، وعن نجاحاته ومشكلاته، دون إظهار اهتمام بحياة الآخرين. وفي المحادثات لا يسمح لأحد بالتكلم ويقاطع الحوار ويسعي للسيطرة على الحاضرين ليثبت أنه الأفضل.

– الشريك المتذمر دائما: أي الشريك لذي يقلل من إنجازات الآخر ويجعله يشعر بعدم الكفاءة لتأكيد تفوقه، ويلقي باللوم دائما على الطرف الآخر والظروف والأحوال ولا يلوم ابدا نفسه.

– الوالد المسيّطر على ابنائه: أي والد الذي يفرض طموحاته على أبنائه، متوقعًا منهم نتائج استثنائية لتمجيد نفسه. إنه يطلب منهم أن يكونوا صورة منه لاعتقاده بأنه “الأفضل” وأن آرائه وخبرته وقراراته هي الأفضل.

– السائق العدواني: أي السائق الذي يقود السيارة بتهور، ولا يحترم القوانين، مقتنعًا بأنه أكثر مهارة أو أن له حق الأولوية. إنه يعتقد أن القوانين المرورية وضعت لغيره وأنه استثناء للقاعدة لامتلاكه لماهرات لا يستطيع أن يمتلكها غيره.

رابعًا: أمثلة الكتاب المقدس:

– الشيطان: يؤكد الكتاب المقدس أن سبب سقوط الشيطان من السماء سقط هو الكبرياء والغرور، إذ أراد أن يتساوى مع الله أو أن يكون متفوقًا عليه (إشعياء 14:12-15).

– الملك نبوخذنصر: يصف لنا سفر دانيال أن الملك نبوخذنصر قادته عظمته وقوته إلى الغرور المفرط، فنسب لنفسه بناء بابل وكانت عوقب غروره السقوط في فترة من الجنون والإذلال، حتى اعترف بسيادة الله (دانيال 4).

– هامان: يصف لنا سفر أستير أن هامان وقع في فخ الكبرياء فقاده غروره وطموحه إلى الشعور بالتفوق والرغبة في إبادة مردخاي وجميع اليهود لأنهم لم يركعوا أمامه (أستير 3-7).

– الفريسيون والكتبة: وبخهم يسوع على نفاقهم وغرورهم الروحي. كانوا يعتقدون أنهم أبرار ومتفوقون على الآخرين، ويزدرون “الخطأة” ويتباهون بتقواهم علانية (متى 23).

خامسا: طرق العلاج النفسي والروحي

يتطلب علاج هذا المرض مسارًا طويلًا وشاقًا، وطريقا طويلا يبدأ بالاعتراف بالمرض والرغبة في الشفاء منه.

يساعد من الناحية لنفسية العلاج السلوكي المعرفي لتحديد الأفكار المشوهة حول النفس والآخرين، والعمل على تطوير أنماط تفكير أكثر واقعية وصحة. يتم العمل على تقليل الحاجة إلى الإعجاب وزيادة التعاطف. يحتاج العلاج إلى استكشف الجذور العميقة للاضطراب، والتي غالبًا ما تكون مرتبطة بديناميكيات عائلية وصدمات ماضية، لفهم وحل الصراعات اللاواعية. ويحتاج كذلك إلى تنمية التعاطف من خلال التمارين والمناقشات الموجهة، لتحسين قدرة المريض على التعرف على مشاعر الآخرين وفهمها. وتعلم كيفية إدارة ردود فعل الغضب أو الإحباط عندما يتم تحدي عظمة الشخص.

من الناحية الروحية يتطلب العلاج الكثير من التواضع والاعتراف بضعف المرء وحدوده أمام الله والآخرين. يحتاج لتعلم وممارسة خدمة الآخرين، دون توقع أي تقدير، للخروج والتحرر من التركيز من الذات إلى الآخرين. يساعد التأمل والصلاة على تنمية السلام الداخلي والاتصال بالله وتقوية الروح. وكذلك قراءة الكتاب المقدس لإرواء النفس بالراحة والأمل والإرشاد في أوقات الشدة.

كلما سعى المريض لتقليل حجم الذات كلما نجح في تعظيم حجم نعمة الله. وذلك عبر ممارسة سر الاعتراف والمغفرة وطلب الغفران، من الله والأشخاص المتضررين، لأن لا شفاء بدون القيام بخطوات ملموسة نحو الشفاء الروحي.

الخلاصة:

يتعلق الأمر بمرض خطير ومدمر إن لم تتم معالجته، ويحتاج المريض إلى تعلم الاستماع الفعال، دون مقاطعة أو صياغة إجابات. وممارسة الامتنان للتعرف على النعم الموجودة في الحياة وتقليل التركيز على الذات. وقبول الأخطاء كفرص للنمو بدلاً من اعتبارها إخفاقات شخصية.

كلما زادت النفس رفعة كلما قلت حاجتها لتصفيق ومدح الآخرين وكلما قلت ثقتها بنفسها كلما زادت حاجتها لتضخيم صورتها وزاد عطشها لكلمات المدح حتى لو كانت مزيفة وكاذبة.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا: مرض الكذب والإنكار

خامسًا: مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعًا: مرض العناد

ثامنًا: مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

تاسعًا: مرض التطرف

عاشرًا: مرض الحصان المَيْت

حادي عشر: مرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

ثاني عشر: مرض عمى البصيرة

ثالث عشر: مرض القطيع أو التحجج بالأغلبية

رابع عشر: المراهقة المستمرة وعدم النضج

خامس عشر: مرض الخيانة

سادس عشر: مرض لعب دور الضحية

سابع عشر: مرض الفساد الروحي والأخلاقي والعاطفي والمالي سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).