المطران سمير مظلوم يقدّم رسالة البابا ليوم السلام العالمي 2010

 

فيوليت حنين مستريح

قدم سيادة المطران سمير مظلوم، رئيس اللجنة الأسقفية: "عدالة وسلام"، رسالة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر ليوم السلام بحضور سيادة المطران بشارة الراعي، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، الأب عبده أبو كسم مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الأب يوسف مونس أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، والأب سامي بو شلهوب المسؤول عن الفرع السمعي والبصري في المركز. 

بداية رحب المطران الراعي بالحضور وتمني للجميع أعياداً مجيدة. 

ثم تحدث الاب عبده أبو كسم فقال:

الطبيعة ليست وليدة الصدفة، إنها عطيّة من الله، أوكل إدارتها إلى الإنسان ليحافظ عليها ويستغلها بشكلٍ منّظم.

إن الأخطار التي تهدّد الطبيعة والبيئة دفعت قادة الأمم إلى التلاقي في قمة كوبنهاغن من أجل دراسة الأسس التي من شأنها أن تحمي البيئة. فلا بدّ من تعزيز التربية على احترام البيئة، بحيث تبدأ من العائلة إلى المدرسة، فالمجتمع، والكل مسؤولٌ عن حماية الخليقة والاعتناء بها.

أصدر قداسة البابا بندكتوس السادس عشر رسالة يوم السلام العالمي الـ43 تحت عنوان: «إذا أردتَ بناء السلام حافظ على الخليقة»، وهذه الدعوة هي تجديد لدعوة أسلافه البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني، مما يعني إن الكنيسة تولي الخليقة اهتماماً خاصاً على كونها وكالة من الخالق إلى الإنسان.

يسعدنا اليوم أن نستمع إلى سيادة المطران سمير مظلوم، رئيس اللجنة الأسقفية «عدالة وسلام»، الذي يعلن عن رسالة قداسته، ونفكّر سوّياً كيف يجب علينا حماية البيئة في لبنان، فبحرنا ملوّث، ومكبات النفايات منتشرة على كل الأراضي اللبنانية وليس هناك من معالجات جدّية، أمّا عن قطع الأشجار فحدّث ولا حرج، ناهيكَ عن عدم وجود سياسة مائية منتظرة تجنّب هدر المياه التي تصب في البحر دون أن يستفاد منها في مشاريع السدود. كل هذا من شأنه أن يدّمر بيئتنا ويشوّه صورة بلدنا.

على أمل أن تلقى هذه الرسالة آذاناً صاغية لدى ضمير المسؤولين، نتمنى للجميع سنة مباركة ملؤها الخير والبركة.

كلمة سيادة المطران سمير مظلوم:

 يسعدني أن ارحب بكم جميعاً وأن اشكركم على تلبية الدعوة إلى هذا المؤتمر الصحفي. إني، باسم اللجنة الأسقفية عدالة وسلام، وباسمي الشخصي، أشكر صاحب السيادة المطران بشارة الراعي، رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، والمركز الكاثوليكي للإعلام بمديره، وجميع المسؤولين والعاملين فيه، على التكرم بتنظيم هذا المؤتمر وإتاحة الفرصة لنا كي نلتقي بوسائل الإعلام الكريمة ونقدم لهم ومن خلالهم إلى الرأي العام اللبناني، الرسالة التي وجهها قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر في مناسبة اليوم العالمي للسلام 2010.

إنها الرسالة الثامنة والأربعون التي يوجهها الأحبار الأعظمون في مناسبة اليوم العالمي للسلام. وقد شاء قداسة البابا بندكتوس السادس عشر أن يختار موضوعاً لرسالة هذه السنة: "إذا أردت بناء السلام، حافظ على الخليقة"، نظراً لما يهدّد البيئة والطبيعة من أخطار. وقد رأينا معظم دول العالم تلبي دعوة الأمم المتحدة إلى لقاء خاص في عاصمة الدانمارك، للبحث فيما يجب عمله للحد على التعديات على البيئة، وما يشكل ذلك من أخطار محدقة بالكون وبوجود الحياة واستمراريتها على الأرض، بما في ذلك الحياة البشرية. وبالرغم من أن تلك الدول لم تتوصل إلى قرارات حاسمة يتقيد بها الجميع، فلا شك في ان وعي المخاطر وضرورة العمل المشترك السريع لدرئها، أخذ ينتشر لدى أكثرية المسؤولين في تلك البلدان.

ينطلق البابا في رسالته من لفت النظر إلى أهمية العلاقة بين الأنسان و البيئة الطبيعية، التي هي هبة إلى جميع البشر، والتي أصبح إنقاذها جوهرياً لتعايش البشرية السلمي". وليّذكر بما قاله في رسالته العامة" "المحبة في الحقيقة"، أن اعتبار الخليقة كعطية من الله البشرية يساعدنا على تفهم دعوة الإنسان وقدرٍه". كما يذكر بما قاله يوحنا بولس الثاني منذ عشرين سنة" بأن الوعي البيئي يجب ألاّ يُلجَم بل أن يُشجع»، وبما كتبه البابا بولس السادس سنة 1971 «إن الإنسان باستغلاله الطبيعة استغلالاً دونما روية، يُخشى أن يحطمها، وأن يكون بدوره ضحية هذا التدهور».

ثم يتساءل قداسته: «كيف يصح أن نبقى لامبالين أمام مشاكل تنبع من ظواهر مثل تغيير المناخ، والتصحر، وتدهور إنتاجية مساحات زراعية شاسعة، وتلوث الأنهر والمياه الجوفية، وفقر التنوع في الكائنات الحية،… وإتلاف الغابات في المناطق الإستوائية وغيرها….» ويشير قداسته الى أن «البشرية في حاجة الى تجدد ثقافي عميق؛ إنها في حاجة الى اكتشاف القيم التي تشكل الأساس المتين الذي يبني عليه مستقبل أفضل للجميع». وبعد أن يُذكر بما قاله سفر التكوين في صفحاته الأولى، يستخلص أن «كل ما هو موجود هو لله، الذي وكله الى الناس، ولكن ليس ليتصرفوا به كيفياً. وعندما يقوم الإنسان مقام الله، بدل أن يقوم بدوره كمساعد له، فهو ينتهي بأن يثير عصيان الطبيعة» التي يغتصبها بدلاً من أن يحكمها». على الإنسان واجب إذن، وهو أن يمارس حكماً مسؤولاً عن الخلقية بالمحافظة عليها ورعايتها.

ويَلفت قداسته الى ضرورة قيام تضامن حقيقي وصادق بين الأجيال. «فبصفتنا ورثة الأجيال الغابرة ومستفيدين من عمل معاصرينا، علينا واجبات تجاه الجميع، ولا يمكننا أن نبدي عدم اكتراث بالذين يأتون بعدنا ليوسّعوا حلقة العائلة البشرية. والتضامن العميم الذي هو واقع، وهو مكسب لنا، هو ايضاً واجب علينا. وهي مسؤولية يجب أن تقوم بها الأجيال الحاضرة تجاه الأجيال القديمة؛ وهي مسؤولية تقع على عاتق الدول فردياً، وعلى عاتق الأسرة الدولية ككل». فمن واجب المجتمع الدولي اللازم إيجاد الطرق المؤسساتية لتنظيم استغلال الموارد التي لا تتجدد، وذلك بالاتفاق مع البلدان الفقيرة، لكي يخططوا معاً للمستقبل».

ومن أهم الصعوبات التي تواجهها المجموعة الدولية، قضية الموارد المتعلقة بالطاقة، وتأمين ما يكفي منها لسد حاجات هذا الجيل والأجيال المقبلة، وتوزيعها توزيعاً عادلاً. كما أن هناك مشكلة المياه والنظام الجيولوجي المتعلّق بالمياه، والذي ترتدي دورته أهمية كبرى بالنسبة الى الحياة على الأرض. ولا بد من إعداد سياسات مناسبة لإدارة الغابات، وإتلاف النفايات، وللتطور الريفي المتكامل، ولمكافحة الفقر والجوع في مناطق واسعة من العالم… كل ذلك يتطلّب أن يوظف الإنسان عقله في حقل البحث العلمي والتقني وفي تطبيق الإكتشافات الناتجة عن ذلك، من ضمن نظام تضامني عالمي يسعى الى الحفاظ على البيئة، والعمل على تعزيز التطور البشري الشامل الذي لا يمكنه إلا أن يترافق وتطور البشرية المتضامن. ويشير البابا هنا الى وفرة الإمكانات العلمية في ايامنا، وطرق التجدّد التي بفضلها يمكن تقديم حلول مرضية ومنسجمة لعلاقة الإنسان بالبيئة. كما يشدّد على أن ما يجب أن يدفعنا الى مواجهة المسألة البيئية ليس الخوف من نتائج التدهور البيئي فحسب، بل السعي الى تضامن حقيقي وأصيل على الصعيد العالمي، تدعو اليه قيم المحبة والعدالة والخير العام. (9 ، 10).

إن موضوع التدهور البيئي يحكم تصرف كل منا، وأساليب الحياة، وطرق الاستهلاك والانتاج السائدة في مجتمعاتنا. فلا بد من تغيير فعلي للعقلية يدفعنا الى تبني نمط حياة جديد، بحيث تكون العناصر التي تحدد اختيار الاستهلاك، والإدخار، والتوظيف، البحث عما هو حق، وجميل، وجيد، والمشاركة مع باقي الناس من أجل نمو مشترك. إننا جميعاً مسؤولون عن حماية الخليقة والإعتناء بها. وهذه المسؤولية لا تعرف حدوداً. ووفقاً لمبدأ الإمدادية (subsidiarité)، من الأهمية بمكان أن يلتزم كل واحد على مستواه، ويعمل على تخطي المنافع الخاصة. ولا بد هنا من التذكير بدور وسائل الإعلام في هذا المجال، إذ يمكنها أن تقدّم نماذج إيجابية يمكن استلهامها أو الإقتداء بها.

 وعلى الكنيسة مسؤولية تجاه الخليقة، ومن واجبها أن تمارسها أيضاً في النطاق العام، لتدافع عن الأرض، والمياه، والهواء، وهي عطايا الله الخالق للجميع، ولتحمي الإنسان من خطر تدميره الذاتي. وتدهور الطبيعة، في الواقع، مرتبط كل الارتباط بالثقافة التي تصوغ المجتمع البشري. ولهذا عندما تكون «البيئة البشرية» موضوع احترام في المجتمع، فإن البيئة بالمعنى الحصري تستفيد هي ايضاً من ذلك. إن الواجبات تجاه البيئة تنبع من واجبات الإنسان تجاه الشخص البشري المعتبر بحد ذاته، وفي علاقته مع الآخرين. لذا يشجع البابا التربية على مسؤولية بيئية، تحافظ على «بيئة بشرية» صحيحة، وتؤكد عدم انتهاك الحياة البشرية في جميع مراحلها، وكرامة الشخص البشري، ورسالة العائلة التي يتعلّم فيها الولد محبة القريب، واحترام الطبيعة.

ويختم قداسته هذه الرسالة بالتذكير بأن هناك علاقة لا تنفصم بين الله، والكائنات البشرية، والخليقة بأجمعها، وأنه من واجب كل انسان أن يحافظ على البيئة الطبيعية ليبني عالماً مسالماً. ويدعو الجميع الى أن يعوا أن المحافظة على الخليقة وتحقيق السلام حقائق مرتبطة كل الإرتباط في ما بينها. لذا «إن شئت أن تبني السلام، حافظ على الخليقة».

أيها الأحباء

هذه باختصار أهم الأفكار التي تتضمنها هذه الرسالة. وإني إذ اشكر لكم مجدداً مشاركتكم في هذا اللقاء، واهتمامكم باليوم العالمي للسلام، أدعوكم الى التمعّن في قراءتها لإيصال فحواها الى قرائكم بافضل أسلوب. كما أرجو أن تنشروا أيضاً دعوتنا الى القداس الذي سنحتفل به يوم الأحد المقبل، الثالث من كانون الثاني 2010، الساعة الثانية عشرة ظهراً، في كنيسة القلب الأقدس – بدارو، ونأمل مشاركتكم معنا كي نصلّي معاً من أجل السلام في عائلاتنا، في وطننا، في منطقتنا، وفي العالم.

وختم الأب يوسف موّنس فقال:

السلام الذي كان في البدء بين الطبيعة والإنسان أفسدته «الخطيئة»، الخطيئة ضد الله وضد الإنسان وأفسدت عطية الحب التي سماها الكتاب المقدس «الفردوس» هذا الفردوس نعود اليه بالعودة «أي بالتوبة» إلى رحمة الله وحبه والمصالحة مع نفسنا ومع الطبيعة ثم مع الله. هذا الوطن الفردوس المزروع على أطراف الصحراء وعلى الخط الجغرافي الوحيد، خط العرض 25 هو الذي يعطي الوطن الاعتدال في الطبيعة والأخلاق. والصيغة اللبنانية صيغة العيش المشترك ليكون هذا الوطن رسالة. فقبل أن يكون الطوفان الجديد على الكون علينا الإصغاء الى نداء الأرض ليكون لنا الخلاص ونسمع نداء قداسة الحبر الأعظم وقد أخذت امواج التسونامي تهدر على الشواطىء ولن يبقى لنا الوقت للهرب والنجاة بسبب الخطيئة ضد الخليقة التي أعطانا أياها الله فردوساً لفرحنا ولحياتنا في تجدد ثقافي لمستقبل افضل لا يجعلنا نغتصب الطبيعة لتثور علينا، ونوقف اعتدائنا على البحر والشجرة والصخر والأنهار والطير والحيوان والسمك، الأرض والمياه والفضاء والهواء فنغرق تحت جبال النفايات والتلوث والأمراض القاتلة، في عملية انتحارية كونية تدميرية لا رحمة فيها الا باحترام البيئة والطبيعة وقوانينها، فهلاّ أيقظتنا خطيئتنا؟ فهلاّ اصغينا!؟

عن ابونا