حادي عشرمرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

حادي عشرمرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

وصف وتحليل

مرض الاستغلال والتلاعب بالآخرين هو نمط سلوكي يتسم باستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية، مع تجاهل تام لمشاعرهم وحقوقهم. يشمل هذا المرض مجموعة من السلوكيات، على سبيل المثال: التلاعب العاطفي أي استخدام العواطف للسيطرة على الآخرين، مثل الشعور بالذنب أو الخوف أو الترهيب أو التحفيز أو التهديد؛ الاستغلال المادي أي استغلال الآخرين والسيطرة عليهم للحصول على المال أو الموارد؛ الاستغلال الاجتماعي أي استخدام العلاقات الاجتماعية لتحقيق أهداف شخصية؛ الكذب والخداع أي تزوير الحقائق أو إخفاء المعلومات للتلاعب بالآخرين؛ انعدام التعاطف أيعدم القدرة على فهم أو مشاركة مشاعر الآخرين؛ الاستغلال الديني أي استخدام الدين والمشاعر الدينية لاستغلال الأشخاص والتحكم بهم وتحقيق المآرب الشخصية والحصول على المنافع.

أمثلة من الحياة

  • الصديق المزيف:

وهوشخص الذي يستغل طيبة صديقه للحصول على المال أو الخدمات المجانية دون مراعاة لأصول الصداقة أو لمشاعر صديقه.

  • المسؤول الفاسد:

وهو المسؤول الذي يتلاعب بالأشخاص المسؤول عنهم يستخدم صلاحيات وظيفته أو خدمته للحصول على مزيد من المزايا والمميزات. إنه لا يفكر سوى في مصالحه وفيما سيستفاد وأخر ما يفكر فيه هو صالح الآخرين، أو رفاهيتهم أو حتى فائدتهم.

  • الشريك الخائن:

وهو الشريك الذي يتلاعب بشريكه للسيطرة عليه وعلى قراراته وتسخيره لتلبيه شهواته واحتياجاته ورغباته بدون التفكير في مشاعر أو احتياجات أو رغبات الشريك المستغل.

  • الكذاب:

وهو الشخص الذي ينشر الشائعات والأكاذيب لتشويه سمعة شخص آخر، سواء أكان هذا للاستفادة الشخصية أو لمجرد الضرر بالآخر.

  • سي السيد:

وهو الزوج الذي يتعامل مع زوجته وكأنها عبده عليها أن تلبي أوامره وطلباته بدون اعتراض أو نقاش أو حتى مراعاة لاحتياجاتها وظروفها. إنه غالبا ما يتصرف كالأسد في البيت وكالفأر خارج البيت. إنه فظ وغليظ وجاف عندما يُطلب منه شيء ومتلون عندما يحتاج لشيء ما.

أمثلة من الكتاب المقدس

  • يهوذا الإسخريوطي:

وهو التلميذ الذي خان السيد المسيح من أجل المال. ويمثل يهوذا النموذج الأشهر للشخص الذي لا يراعي أبسط قواعد الأمانة والأخلاق والامتنان والعرفان. الشخص الذي يصمم على التصرف بطريقة خاطئة برغم كل التحذيرات والتنبيهات والتعاليم. الشخص الذي يتلاعب بالأمانة ويستغل “الصندوق” لأغراض شخصية: “فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟ قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ” (يو 12: 4 – 6).

  • سمعان الفريسي:

قام سمعان الفريسي بدعوة المسيح إلى بيته، وعندما دخلت المرأة الزانية “بِقَارُورَةِ طِيبٍ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا: «لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ: «قُلْ، يَا مُعَلِّمُ». «كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: «أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا»” (لو 7: 36-50).

  • الكتبة والفريسيون:

وهم أناس يستخدمون المظاهر الدينية للتحكم في الآخرين والجلوس بين كبار القوم والحصول على امتيازات خاصة. إنهم يحرمون البعوضة ويبلعون الجمل. إنهم يضعون فوق أكتاف الآخرين أحمالا ثقيلة ويتساهلون مع أنفسهم. إنهم يرتدون الملابس المزخرفة ويحبون الجلوس في المقاعد الأولى والحصول على تبجيل وتحيات الناس في الشوارع والميادين. إنهم يستخدمون الدين لاستغلال المؤمنين.

أمثال من الحياة:

  • في مجال العمل:

المسؤول الذي يستغل منصبه للتسلط على زملائه.

  • في مجال المجتمع:

الشخص الذي يستغل عواطف الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية.

  • في المجال الكنسي:

الخادم الذي يستخدم الخدمة للحصول على مكانة اجتماعية وكنسية أو للشعور بالأهمية أو لملئ شعوره بالفراغ أو للحصول على مكاسب مادية أو عاطفية أو جنسية أو وظيفية أو مجتمعية.

  • في مجال العلاقات الإنسانية:

الشخص الذي يسعى للتحكم في الأضعف منه ليشعر بأنه الأقوى والأفضل والأحق والمميز والمسيطر والمتحكم

طرق العلاج النفسية والروحية

  • العلاج النفسي:

يحتاج المريض بمرض استغلال الآخرين للعلاج السلوكي المعرفي (CBT): كي يتمكن من تغيير الأفكار والسلوكيات السلبية، وإلى العلاج النفسي الديناميكي لمساعدته على فهم الأسباب الجذرية لسلوكه الاستغلالي. كما يساعد العلاج الجماعي على تعلم مهارات التواصل الصحي والعلاقات الإيجابية مع الآخرين.

يحتاج المريض إلى اكتساب مهارة الوعي الذاتي حتى يكون واعيًا بسلوكه ويلاحظ متى يتصرف بطريقة استغلالية ويسعى إلى تغيير هذا السلوك.

يحتاج إلى تعلم التعاطف مع الآخرين وفهم مشاعرهم.

  • العلاج الروحي:

يحتاج المريض بهذا المرض إلى التأمل والصلاة كي يطور وينمي التعاطف والرحمة. يحتاج إلى قراءة الكتب المقدسة كي يتعلم القاعدة الذهبية “فكلُّ ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم. لأن هذا هو الناموس والأنبياء” (متى 12:7)، كي يتعلم ويفهم القيم الأخلاقية والإنسانية.

يحتاج لممارسة فحص الضمير كي يقوي الوازع الديني ومخافة الله وعدم إيذاء الآخرين. يحتاج إلى تعلم فضيلة التواضع ومهارات التواصل الفعال، والتعبير عن الاحتياجات بطريقة صحية.

أما الشخص المستغل فعليهم تعلم وضع الحدود الصحية لحماية الذات من الاستغلال. والعمل على زيادة الثقة بالنفس، حتى لا يسمح للآخرين باستغلالهم. عليه كسر دائرة الاستغلال وإيقاف دوامة لعب دور الضحية. عليه استخدام كافة الوسائل الودية والقانونية لفضح المستغل والابلاغ عنه حتى لا يستغل آخرين.   الشخص ضعيف أمام المستغلين. عليه تنمية الوعي الذاتي وفهم أسباب خنوعه وسماحه للآخرين باستغلاله.  

ختاما

إن مرض الاستغلال والتلاعب بالآخرين هو مرض خطير يمكن أن يدمر العلاقات ويؤذي الآخرين. إنه تعبير عن خلل نفسي وروحي وإنساني ولكن المصاب به، من خلال العلاج النفسي والروحي، وتغيير نمط الحياة، يمكن أن يتغلب على هذا المرض وأن يعيش حياة أكثر صحة وسعادة.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا: مرض الكذب والإنكار

خامسًا: مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعًا: مرض العناد

ثامنًا مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

تاسعا مرض التطرف

عاشرا مرض الحصان المَيْت

سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).