(Dead Horse Theory)
بعض الأمراض الشائعة والمخفية
بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد
تستخدم نظرية الحصان المين كاستعارة ساخرة توضّح كيف أن بعض الناس أو المؤسسات أو حتى الشعوب تتعامل مع مشكلة واضحة وكأنها غير مفهومة، وبدلًا من الاعتراف بالحقيقة، يتعامون عنها ويتفننون في تبريرها.
والفكرة ببساطة:
إذا اكتشفت أنك تمتطي حصانا مَيْتا، فإن أفضل وأبسط حل هو أن تنزل عنه وتتركه. غير أن الواقع يقول غير ذلك، فهناك من يصرّ على اتخاذ إجراءات غريبة بدلًا من مواجهة الحقيقة، مثل:
١. شراء سرج جديد للحصان.
٢. إطعامه بالعلف وكأنه ما زال حيًا.
٣. تغيير الفارس الذي يركبه.
٤. عزل الموظف المسؤول عن رعايته واستبداله بآخر.
٥. عقد اجتماعات لمناقشة إجراءات زيادة سرعة الحصان!
٦. تشكيل لجان وفرق عمل لدراسة وضع الحصان المَيْت وتحليل الموضوع من كل الجوانب.
٧. بعد شهور من الدراسة، تتوصل اللجان إلى نفس النتيجة الواضحة من البداية: “الحصان ميت”.
٨. لكن بدل الاعتراف بالحقيقة، يكابرون ويبررون، ويقارنونه بأحصنة ميتة أخرى!
٩. يقررون أن المشكلة تكمن في نقص التدريب، ويوصون بدورة تدريبية للحصان.
١٠. طبعًا، هذه الدورة تحتاج إلى ميزانية جديدة!
١١. وفي النهاية، يصل بهم الإنكار إلى إعادة تعريف كلمة “مَيْت” ليقنعوا أنفسهم بأن الحصان لا يزال حيًا!
الدرس المستفاد:
كم من أناسٍ يفضّلون العيش في حالة إنكار، ويضيّعون وقتهم وجهدهم ومواردهم في محاولات فاشلة، بدلًا من الاعتراف بالمشكلة من البداية ومعالجتها!
أمثلة من حياتنا اليومية:
نعرض بعض الأمثلة العملية واليومية على نظرية الحصان المَيْت، والتصرف بتجاهل للمشكلة وتقديم حلول لا تعالج الأسباب بل الأعراض:
في العمل:
• المشكلة:
انخفاض إنتاجية الموظفين بشكل مستمر. وتعرض المؤسسة أو الشركة للفشل والخسارة والانهيار.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من البحث عن الأسباب الجذرية (مثل ضعف الحوافز، بيئة عمل سيئة، أو نقص التدريب، ضعف إمكانيات الموظفين، فساد بعض المسؤولين)، يتم التركيز على زيادة ساعات العمل أو فرض إجراءات رقابية صارمة، مما يزيد من إحباط الموظفين ويؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الإنتاجية.
في الكنيسة:
• المشكلة:
تعاني الكنيسة من مشاكل تنظيمية وانخفاض أعداد المؤمنين وابتعاد الكثير من أبنائها، وانتشار الأقاويل والأكاذيب والفساد والشكوك، وضعف البشارة.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من الاعتراف بالوضع يقوم المسؤولون بتجاهل الوضع وإنكاره والاستمرار وكأن لا وجود للمشكلة والاستمرار في عمل تصريحات وإصدار بيانات وتنظيم لقاءات وزيادة ميزانية الإعلانات والهجوم على من يقول الحقيقة وإبعاد القادرين على المساعدة ومكافئة المشاركين في سوء الوضع وتأكيد أن الأمر أفضل ما يكون وأنه لا يجب الاستماع إلى الإشاعات، بل وخلق حسابات وهمية لترويج الأكاذيب ونشر الإشاعات ومهاجمة الشرفاء… أي القيام بكل شيء إلا تغيير في الاستراتيجية الأساسية واتخاذ الإجراءات المناسبة ودراسة كافة الحلول الممكنة والتحاور بصدق مع الجميع أو طلب المساعدة واتباع النماذج الشجاعة والناجحة.
في العلاقات الأسرية:
• المشكلة:
الصراع الدائم في الأسرة وتكرار الخلافات بين زوجين.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من الحُوَار الصريح ومحاولة فهم أسباب الخلافات، يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلى تجاهل المشكلة أو تقديم هدايا أو وعود مؤقتة، مما يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وتفاقم المشكلة.
في العلاقات الشخصية:
• المشكلة:
صديقان يتشاجران باستمرار، ويشكل كل منهما في صدق وإخلاص الأخر.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من مناقشة المشكلة وحلها، يتجنبون بعضهم البعض لفترة ثم يعودون إلى التعامل السطحي دون معالجة الأسباب الجذرية للخلاف.
في الحياة اليومية:
شخص يعاني من مرض ما:
• المشكلة:
شخص يعاني من الأرق أو من أي مرض ما.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من تغيير نمط حياته أو استشارة طبيب، يعتمد على تناول الحبوب والأدوية بشكل مستمر، مما يؤدي إلى آثار جانبية وتفاقم المشكلة على المدى الطويل.
في السياسة:
• المشكلة:
انتشار الفساد وارتفاع معدلات البطالة.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من الاستثمار في التعليم والتدريب المهني وخلق فرص عمل حقيقية، يتم التركيز على تقديم مساعدات مالية مؤقتة أو تنفيذ مشاريع وهمية، مما لا يحل المشكلة الأساسية.
في الاعتقاد:
• المشكلة:
تؤمن فئة من البشر ببعض المعتقدات الخاطئة والفاسدة والمفسدة والخرافية والمضرة.
• التصرف بتجاهل المشكلة:
بدلًا من التيقظ من وهم امتلاك الحقيقة ورؤية فظاعة وبشاعة تلك المعتقدات ونتائجها المدمرة على المؤمنين بها وعلى من حولهم، يستمروا في تبريرها واتهام من يناقشهم بالكفر والحقد والزندقة، وإخراس كافة المعترضين وإسكات جميع المفكرين، وقتل المنتقدين، وإرهاب المختلفين، وملاحقة المشككين، وسن القوانين المقيدة للحرية وللفكر وللتعبير، واستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتأكيد نظرية المؤامرة، وتكذيب الحقائق ونشر الأكاذيب، وتبرير القتل والإرهاب والتطرف، وتشريع وتحليل كل هذا وكأنه أوامر إلهية غير قابلة للنقاش أو الجدال أو التغيير.
الخلاصة
نظرية الحصان الميت تذكرنا بأهمية مواجهة المشكلات بشكل مباشر والبحث عن حلول جذرية، بدلًا من التمسك بحلول سطحية أو تجاهل المشكلة تمامًا.
تعلمنا نظرية الحصان أن المسؤول أو الشخص الذي يجد نفسه أو مؤسسته في مشكلة كبيرة ويلاحظ انتشار الفساد في كل مكان ويسمع صراخ الناس ويلمس بأم أعينه العديد من حالات الانحطاط الأخلاقي والديني عليه التحلي بالصدق مع الذات ومع الآخرين.
عليه الكف عن التصرف بإنكار ومعاقبة الفاسد وتطبيق القانون وتثبيت العدل وإصلاح الأوضاع الخاطئة. عليه عدم اللجوء إلى المسكنات مثل التبرير، أو الصمت أو تقديم الحلول. عليه القيام وبشجاعة بالشيء الوحيد الصحيح والضروري، وهو الاعتراف بسوء الأوضاع والعمل على معاقبة المقصرين ومواجهة المتسببين فيه وعلاج الأسباب وإحلال العدل، والتحلي بتواضع الاعتراف بالمرض واختيار العلاج الصحيح.