(Privilegium Paulinum)
بحسب مجموعة قوانين الكنائس الشرقية (CCEO)
إعداد مونسينيور د. يوأنس لحظي جيد
ما هو الامتياز البولسي؟
الامتياز البولسي هو إجراء قانوني في الكنيسة الكاثوليكية (بشقيها الشرقي والغربي) يسمح بحلّ زواج صحيح عُقد بين شخصين غير معمّدين، وذلك عندما يعتمد أحد الطرفين في الكنيسة الكاثوليكية، ويرفض الطرف الآخر (الذي يبقى غير معمّد) أن يساكنه بسلام.
يُسمى “بولسيًا” نسبةً إلى القديس بولس الرسول، الذي أشار إلى هذا المبدأ في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس.
الهدف الأساسي للامتياز هو صالح الإيمان (in favorem fidei)أي حماية إيمان الشخص الذي قَبِلَ المعمودية حديثًا من التأثيرات السلبية أو الاضطهاد من قِبَل زوجه غير المؤمن.
الأساس الكتابي
يستند الامتياز البولسي إلى تعاليم القديس بولس في (1 كور 7: 12-15):
“وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا. وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ… وَلكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هذِهِ الأَحْوَالِ. وَلكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ.”
الفكرة الأساسية هنا هي أنه إذا كان الطرف غير المؤمن هو الذي يختار “المفارقة” (أي يجعل الحياة المشتركة مستحيلة)، فإن الطرف المؤمن “غير مستعبد” بهذا الزواج.
الإطار القانوني في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية (CCEO)
تنظم المواد من القانون 854 إلى القانون 858 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية هذا الامتياز. ويمكن تلخيص الشروط والإجراءات بالخطوات التالية:
- الشرط الأساسي: زواج بين غير معمّدين (قانون 854 §1)
يجب أن يكون الزواج الأصلي قد تم بين شخصين لم يكن أي منهما قد نال سر المعمودية في أي كنيسة مسيحية وقت عقد الزواج. هذا الزواج يُعتبر زواجًا “طبيعيًا” وصحيحًا، ولكنه ليس “أسرّيًا” (Sacramental)
- معمودية أحد الطرفين
يقوم أحد الزوجين بقبول المعمودية في الكنيسة الكاثوليكية.
- “مفارقة” الطرف غير المعمّد
“المفارقة” (discessus) لا تعني بالضرورة المغادرة الجسدية للمنزل فقط، بل تشمل أي سلوك يجعل الحياة الزوجية المسيحية مستحيلة. من أمثلة ذلك:
• الرفض التام للمساكنة.
• ممارسة العنف الجسدي أو النفسي بسبب إيمان الطرف الآخر.
• إجبار الطرف المعمّد على ترك إيمانه أو ارتكاب خطيئة.
• تربية الأولاد بطريقة تتعارض كليًا مع الإيمان المسيحي.
- الاستيضاح (Interpellatio) قانون 855
قبل أن يتمكن الطرف المعمّد من عقد زواج جديد، يجب على السلطة الكنسية (الرئيس الكنسي المحلي، أي المطران) أن تقوم بإجراء رسمي يُسمى “الاستيضاح” وهو عبارة عن توجيه سؤالين رسميين للطرف غير المعمّد:
1. هل يريد هو نفسه أن يعتمد؟
2. هل يريد على الأقل أن يساكن الطرف المعمّد بسلام، دون إهانة للخالق؟ (“إهانة الخالق” تعني عدم إجباره على ترك الإيمان أو فعل ما يخالفه).
ملاحظات هامة حول الاستيضاح:
• يجب أن يتم الاستيضاح كقاعدة عامة.
• يمكن للرئيس الكنسي أن يعفي من هذا الإجراء إذا ثبت أنه مستحيل (مثل عدم معرفة مكان الطرف الآخر) أو غير مجدٍ (مثل وجود طلاق مدني سببه الطرف غير المعمّد).
- نتيجة الاستيضاح وعقد الزواج الجديد (قانون 856)
• إذا كانت إجابة الطرف غير المعمّد سلبية (أي يرفض المساكنة بسلام)، أو لم يُجب إطلاقًا، أو لا يمكن الوصول إليه، فإن الطرف المعمّد يحصل على الحق في عقد زواج جديد.
• إذا كانت إجابته إيجابية (أي يوافق على المساكنة بسلام)، فيجب على الطرف المعمّد أن يحافظ على رباط الزواج الأصلي.
- حلّ الزواج الأول (قانون 854 §1)
وهذه هي النقطة القانونية الأهم:
الزواج الأول لا ينحلّ بقرار من المطران أو بحكم من المحكمة الكنسية، بل ينحلّ تلقائيًا في اللحظة التي يعقد فيها الطرف المعمّد زواجًا جديدًا بشكل صحيح.
بمعنى آخر، الإذن الذي يمنحه المطران ليس “طلاقًا كنسيًا”، بل هو إقرار بأن الشروط قد تحققت، ويمنح الطرف المعمّد الحق في الزواج مجددًا. وعندما يتم هذا الزواج الجديد، ينحلّ الزواج الأول بقوة الامتياز نفسه.
ملخص الشروط الأساسية لتطبيق الامتياز البولسي:
- زواج صحيح عُقد بين شخصين غير معمّدين.
- معمودية أحد الزوجين في الكنيسة الكاثوليكية.
- رفض الطرف غير المعمّد المساكنة بسلام (المفارقة).
- إجراء “الاستيضاح” أو الإعفاء منه.
- عقد زواج جديد وصحيح من قِبَل الطرف المعمّد.
يعتبر الامتياز البولسي أداة رعوية وقانونية هامة لحماية حرية الإيمان للمعتمدين الجدد، وهو يختلف تمامًا عن “بطلان الزواج”، الذي يعني أن الزواج لم يكن موجودًا من الأساس. هنا، الزواج الأول كان صحيحًا ولكنه يُحلّ لصالح الإيمان.