سؤال غريب يسأله يسوع لتلميذه المختار: بطرس أتحبني؟ (يو 21)، مرة، اثنين وثلاث… استوقفني السؤال. وجدت فيه عتاب صديق لصديقه. وجدت فيه كما يقول القديس اغسطينوس: تطهير لبطرس من نكرانه، تجديد للدعوة، أشياء كثيرة…. ولكن..
يبقى السؤال غريب، غير متوقع. الحب يستشعر، له مظاهر ملموسة، وليست الإجابة هي الدليل. الكلام ليس بدليل، الأفعال هي التي تحسب. السؤال ليس له معنى! ان كنت تشعر باني لا احبك، فلماذا تسألني؟ انت تعلم. وان كنت تشعر باني احبك فلماذا تسألني؟ انت تعلم.
هذا صحيح في حالة ان المسيح ينتظر إجابة، فالسؤال ليس له معنى. ولكن السؤال هو دعوة للتفكير، فرصة جديدة لبطرس، لك ولي، كي نفهم ما هو الحب الذي ينتظره المسيح، او ما هو الحب؟
بطرس ترك كل شيء وتبع المسيح: ترك زوجته، بيته، شباكه، مصدر رزقه، أقاربه، نعم ترك الجميع واتحد به. تبعه يوم بيوم، لحظة بلحظة، كان يستيقظ من نومه يراه، وينام بعد ان يتركه، يأكل و يخرج معه، يضحك ويتألم معه. بطرس عمل كل متطلبات الحب على اتمم وجه، ولكن يبقى في الحب ما هو ابعد. الحب لا يعني فقط التواجد سويا لأوقات طويلة، مكالمات أبدية، رسائل غير متناهية، اهتمامات وهدايا، رعاية وتفكير مستمر في الآخر. كل هذا مهم ويبقى الأكثر.
في يوم يجد بطرس نفسه أمام جارية تسأله عن هذا الحبيب فينكر معرفته به، يسأله آخر وآخرين فينكر. لماذا، لماذا لم يجيب عليهم ويدافع عن حبه لهذا الشخص؟ لماذا فضل التراجع وعدم المواجه؟ لماذا توقف حبه هناك، لم يعد الحب قادر ان يمرره من هذا الموقف، اذا كان الحب هو مصدر للتصرفات والأفعال، فلماذا لم يكن قادرا هناك ان يجعل بطرس يتخطى هذا الموقف؟ هل لان بطرس سيء؟ اكيد وبالطبع لا.
بطرس خاف، نعم خاف من كلام الجارية عليه، خاف من اليهود، خاف ان يمسكوه ويقتلوه، فضل اعتبارات اخرى كثيرة. ولكن عزيزي بطرس الكل يعلم انك معه، أنت أخذت السيف وضربت أذن الحارس الذي أراد القبض عليه بالأمس. ماذا تفعل. الكل يعلم انك معه. ولكن في لحظة نسى بطرس كل هذا، نسى التاريخ، وأراد فقط ان يحافظ على نفسه، نعم بطرس أحب ذاته ومظهره أمام الناس أكثر من المسيح. بطرس يحب المسيح ولكن يبقى في داخله شيء أهم. لذلك يسأله المسيح: اتحبنى اكثر من كل هذا؟ اتحبني؟ وفي المرة الثالثة تالم بطرس كثيرا.
ولكن من يستطيع ان يحب هكذا؟ ومن له الحق ان يتطلب من شخص اخر مثل هذا الحب؟ فقط الحبيب، يسوع المسيح، وايضا من نال طبيعته، من شاركه في الامه وموته وقيامته، انا وانت، هذا ليس حلم. الحب هكذا أصبح ممكنا. نعم ممكنا لان هناك من احبني هكذا، هناك من فضلني حتى عن ذاته، كيانه وطبيعته. أصبح ممكن ان الإنسان يحب هكذا. لان هذا الحب تجسد وأصبح إنسان. له اسم، له شكل: الحبيب.
بطرس فهم وأحب هكذا مع الوقت، وهذا ما أتمناه لي ولك….
أيام مباركة…
الاب هانى باخوم