نقلها لكم عن إذاعة الفاتيكان – مراسل الموقع من القاهرة – ناجى كامل
بدأ قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الخم يس 21/6/18حجّه المسكوني إلى جنيف بمناسبة الذكرى السبعين على تأسيس المجلس المسكوني للكنائس. وبهذا يكون الحبر الأعظم الثالث الذي يزور المدينة السويسريّة بعد البابا بولس السادس ويوحنا بولس الثاني. وبعد الزيارة الرسوليّة إلى لوند في السويد عام ٢٠١٦ يشكل هذا الحج اليوم مناسبة عالميّة مهمّة للحوار واللقاء المسكوني.
وصل الأب الأقدس إلى مطار جنيف الدولي عند الساعة العاشرة وعشر دقائق حيث كان باستقباله رئيس المجلس الاتحادي السويسري آلان بيرسيت واثنين من الحرس السويسري، بعد تقديم الوفود التقى البابا فرنسيس بالرئيس بيرسيت في صالون المطار حيث تمّ تبادل الهدايا المعتاد، قبل أن يتوجّها معًا إلى المركز المسكوني في جينيف مقرّ المجلس المسكوني للكنائس، حيث أقيمت صلاة مسكونيّة من أجل المصالحة والوحدة. وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها لقد أصغينا إلى كلمات بولس الرسول إلى أهل غلاطية الذين كانوا يعيشون صراعات داخليّة، وفي هذا الإطار كرّر الرسول لمرّتين: “اسلُكوا سَبيلَ الرُّوح” (غل ٥، ١٦. ٢٥). السير. الإنسان هو كائن يسير. ويدعى للسير طيلة حياته في خروج مستمرٍّ: منذ خروجه من الحشا الوالدي ومرورًا في مختلف مراحل الحياة. لكن السير هو انضباط وتعب ويحتاج لصبر يوميٍّ وتمرين مستمر. وعلينا أن نتخلّى عن العديد من الدروب لكي نختار تلك التي تقود إلى الهدف وننعش الذاكرة لكيلا نضيِّعها. السير يتطلّب تواضع العودة إلى الوراء للاعتناء برفاق السفر لأننا معًا فقط يمكننا أن نسير جيّدًا. وبالتالي فالسير يتطلّب عودة مستمرّة إلى الذات.
تابع البابا فرنسيس يقول إن الله يدعونا إلى ذلك منذ البدء. طُلب من إبراهيم أن يترك أرضه وينطلق مزوَّدًا فقط بالثقة بالله. كذلك أيضًا موسى وبطرس وبولس وجميع أصدقاء الرب قد عاشوا في مسيرة دائمة؛ ويسوع بشكل خاص قد أعطانا المثال إذ خرج من أجلنا من حالته الإلهيّة ونزل بيننا ليسير. هو الرب والمعلّم صار حاجًا وضيفًا في وسطنا.
أضاف الحبر الأعظم يقول سبيل الروح. إن كان كلُّ إنسان كائن في مسيرة وبانغلاقه على ذاته ينكر دعوته فكيف بالأحرى المسيحي، لأنّ الحياة المسيحيّة، وكما يشدّد القديس بولس، تحمل معها خيارًا متناقضًا: السير بحسب الروح من جهة متّبعين الدرب التي تفتتحها المعموديّة ومن جهة أخرى “قضاء شهوة الجسد” (راجع غل ٥، ١٦). فماذا تعني هذه العبارة؟ تعني محاولة تحقيق الذات من خلال اتباع درب التملُّك ومنطق الأنانيّة الذي من خلاله يحاول الإنسان أن يحصل على كل ما يرغب به. وإذ تدفعه غرائزه يصبح عبدًا لاستهلاك بلا توقّف: فيتمُّ إسكات صوت الله ويصبح الأشخاص غير القادرين على متابعة المسيرة، كالصغار والمسنين، مجرّد فضلات مزعجة، ولا يبقى معنى للخليقة إلا بأن تلبّي الإنتاج بحسب الحاجات.
تابع الأب الأقدس يقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء اليوم أكثر من أيِّ وقت مضى تسائلنا كلمات الرسول هذه لكي نسلك سبيل الروح ونرفض روح العالم، فنختار منطق الخدمة ونسير قدمًا في درب المغفرة، وندخل في التاريخ بخطوات الله. إن درب الروح، في الواقع، مطبوعة بالحجارة البارزة التي يعددها القديس بولس: “المَحبَةُ والفَرَحُ والسَّلام والصَّبرُ واللُّطْفُ وكَرَمُ الأَخْلاق والإِيمانُ والوَداعةُ والعَفاف”. وبالتالي نحن مدعوون لنسير معًا هكذا الدرب التي تمرُّ بالارتداد المستمرّ فنجدد ذهنيّتنا لكي تتلاءم مع الروح القدس، لأنَّ الانقسامات التي حصلت بين المسيحيين عبر التاريخ غالبًا ما نجد في أصلها تغلغل ذهنيّة العالم في حياة الجماعات. لكنَّ الحركة المسكونيّة، والتي ساهم فيها بشكل كبير المجلس المسكوني للكنائس، قد نشأت بفضل الروح القدس وقد حرّكنا العمل المسكوني بحسب رغبة يسوع ويمكنه أن يتقدّم، بالسير تحت إرشاد الروح القدس، رافضًا كل انغلاق ومرجعيّة ذاتيّة.
أضاف الحبر الأعظم يقول بالنظر إلى مسيرتنا يمكننا أن نجد انعكاسًا لحياتنا في بعض أوضاع جماعة غلاطية في تلك المرحلة: كم هو صعب إخماد العداوة وتعزيز الشركة؛ وكم هو شاق أن نخرج من التناقضات والرفض المتبادل الذين قد غذّيناهم لعصور! إن الجواب لخطواتنا المترنِّحة هو نفسه على الدوام: السير بحسب الروح القدس مُطهِّرين قلوبنا من الشر ومختارين بتشبُّث درب الإنجيل ورافضين الطرق المختصرة التي يقدّمها لنا العالم. لا يجب على المسافات أن تكون عذرًا بالنسبة لنا إذ يمكننا منذ الآن أن نسير بحسب الروح القدس: فنصلّي ونبشِّر ونخدم معًا وهذا أمر ممكن ومقبول لدى الله! السير معًا والصلاة معًا والعمل معًا: هذه هي دربنا الرئيسيّة. ولهذه الدرب هدف واضح: الوحدة، والدرب المناقضة لها، درب الانقسام تحمل الحروب والدمار.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، رغبت في القدوم إلى هنا كحاج يبحث عن الوحدة والسلام. أشكر الله لأنني وجدت فيكم إخوة وأخوات يسيرون. إنَّ السير معًا بالنسبة لنا نحن المسيحيين ليس استراتيجيّة لنعطي قيمة لحضورنا بل هو فعل طاعة للرب وفعل محبّة للعالم. لنطلب إذًا من الآب أن نسير معًا بقوّة أكبر في دروب الروح القدس.