حوار المونسينيور يؤنس لحظى سكرتير قداسة البابا فرنسيس مع موقع مصراوى

حوار المونسينيور يؤنس لحظى سكرتير قداسة البابا فرنسيس مع موقع مصراوى

هذا الخبر منقول من : مصراوى

  بتصريح خاص للموقع  

منذ عشرة أيام زار البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، مصر للمرة الأولى بعد أربعة أعوام من توليه منصبه.
وحظيت الزيارة بتشديدات أمنية ملحوظة، وصفها البابا في كلمته بساحة القديس بطرس بدولة الفاتيكان الأسبوع الماضي بـ”الجهود غير العادية”.

وأتت الزيارة التي  تحدد موعدها منذ شهرين، بعد أسابيع من تفجيرين استهدفا كاتدرائية مارجرجس في طنطا والكنيسة المرقسية في الإسكندرية، ما أودى بحياة أكثر من 45 مواطنًا وإصابة أكثر من 100 اخرين، بحسب الاحصاءات الرسمية.

وبينما التقطت العدسات، مئات من الصور لبابا الفاتيكان خلال لقاءاته مع رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والبابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية وشيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك. كان الأب يوآنس لحظي، سكرتير بابا الفاتيكان، يتابع بحرص ما يدور بين فرنسيس والأطراف التي التقاها، يُسجل كل كلمة وحديث، يرافق الحبر الأعظم في كل تحركاته، فهو نافذته على الشأن العربي.

“مصراوي” حاور الأب يوآنس، أول مصري يتقلد هذا المنصب الرفيع عام 2014، عقب عودته إلى روما، لاستكمال مهامه في مقر كرسي القديس بطرس الرسول بالفاتيكان، حيث يُعد المصري الوحيد الذي يعمل هناك.

‏هل حققت الزيارة الأخيرة تطلعات البابا فرنسيس؟

لقد حققت الزيارة، تطلعات قداسة البابا، وتطلعات ‏مصر. فهو أرادها زيارة تعزية وتشجيع وعناق، فقابله شعب مصر بحب كبير ‏وبضيافة كريمة، فكانت الزيارة علامة للسلام وللحوار، في وقت نحتاج فيه لهذه ‏الرسالة.

‏لماذا حرص البابا على استخدام اللغة العربية في بعض الأحيان خلال الزيارة؟

أراد البابا أن يعبر للمصريين عن محبته وتقديره لهم. وعندما يتعلق الأمر باللغات الأجنبية يكون ‏سهلًا، إلا أنه عزم على تعلم بعض العبارات باللغة العربية، فأن يدعو البابا مصر “أم الدنيا” وأن يكرر “تحيا مصر”، ‏هو أمر في غاية الروعة والدلالة.‏

كم استغرق البابا من وقت لإعداد خطاباته التي ألقاها في مصر؟

استغرق الكثير من الوقت والجهد لأهمية المضمون والمكان والزمان واللحظة التاريخية التي يعيشها العالم. وأعتقد أن أحاديث البابا أعطت مثالا للتآخي. وأعتقد لأهمية المتكلم والمستمع أن هذه الأحاديث ستكون مرجعًا عالميًا سواء على مستوى الحوار بين الأديان أو الكنائس. وأتمنى أن يتم الاستفادة منها على المستوي المحلي كنموذج للفكر المرتفع، خاصة في المناهج التعليمية وجميع المجالات، للتأكيد أن ما يجمع البشر أكبر مما يفرقهم.

كيف أثرت فيكَ كلمات البابا؟

كمصري تأثرت جدًا بكلمات البابا عندما تحدث عن دورها في إنقاذ الشعوب من المجاعة في عهد النبي يوسف، وحينما قال إن الدين لله والوطن للجميع.

لقد كانت كلمات تغمر القلب بالعزة والافتخار ‏وفي ذات الوقت بالرهبة والخوف، ومنها على سبيل المثال، قوله: “إن الإله الحقيقي يدعو للمحبة غير المشروطة، وللمغفرة المجانية، وللرحمة، وللاحترام المطلق لكل حياة، وللإخوّة ما بين أبنائه، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين… علينا واجب أن نفضح باعة أوهام الآخرة، الذين يعظون بالكراهية كي يسرقوا من البسطاء حياتهم الحاضرة وحقّهم في العيش بكرامة، ويحوّلونهم إلى وقود حرب حارمين إياهم من إمكانيّة أن يختاروا بحرّية، وأن يؤمنوا بمسؤوليّة”.

ما قصة سيارة “الجولف” التي ظهر بها قداسة البابا في استاد الدفاع الجوي؟

هي سيارة مكشوفة تسمح له أن يحيي المؤمنين والضيوف عن قرب. وقد جاءت من الفاتيكان لاستخدامها سواء قبل القداس في استاد الدفاع الجوي أو قبل لقاء البابا مع الكهنة والمكرسين بإكليريكية الأقباط الكاثوليك بالمعادي. وكان ثمة شرطان لاختيار البابا للسيارة هما: البساطة وألا تكون مُصفّحة

منذ تعيينك في أبريل 2014، هل كانت لدى البابا رغبة ‏مُلحة في زيارة مصر، ولماذا تأخرت زيارته 4 ‏سنوات؟

لقد عبّر البابا في أكثر من مناسبة عن رغبته في زيارة مصر ولا سيما بعد زيارة قداسة البابا ‏تواضروس الثاني، ثم فخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ثم زيارة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد ‏الطيب. لكن الأمور احتاجت لتحضير وتوفيق. فتحديد موعد الزيارات البابوية يخضع لكثير ‏من المقاييس والمعايير والظروف. والمهم أنها تمت بنجاح رغم التحذيرات والهجمات الإرهابية الأخيرة.‏

كيف تتلقى أخبار العمليات الإرهابية ضد أقباط مصر في الفترة الأخيرة؟

أي خبر يتعلق بأي حادثة سواء ضد الأقباط أو رجال القوات المسلحة أو الشرطة أو أي مواطن في وطني أو في أي دولة أخرى يصيب الجميع بالحزن. والأحداث المؤلمة الأخيرة، تحديدا، كانت سببا في حزن وطن بأكمله. وأعتقد أن زيارة البابا لمصر غمرت الجميع ‏بالفرح والأمل.

وكيف يتعامل بابا الفاتيكان مع تلك الحوادث؟

قداسة البابا يهتم كثيرا بكل ما يحدث في العالم ويسأل عن التفاصيل ويتابع الأخبار حتى عندما ‏لا تكون في الصفحات الأولى.

وعندما يحدث شيء في مصر، فهو يتابعه باهتمام. ‏وقد اتصل شخصيا بقداسة البابا تواضروس الثاني بعد الأحداث المؤلمة في ليبيا 2014، والتفجيرات ‏الأخيرة، وأرسل وفدًا لتقديم التعزية. كما أنه في المقابل، شارك فرحة مصر بافتتاح قناة السويس الجديدة وأرسل ‏وفدًا رفيع المستوى ليشهدوا الحدث المبهج، مخالفا تقاليد الفاتيكان التي تفضل عدم ‏المشاركة في المناسبات المدنية.‏

إلى أي مدى تحتل قضية اللاجئين أهمية في أجندة البابا الخارجية؟

لا يخلو حديث لقداسة البابا من طرح قضية اللاجئين، سواء مع السلطات والمسؤولين الأوروبيين، أو حتى في اللقاءات الشخصية مع رؤساء الدول والمنظمات العالمية. إذ يرى البابا ضرورة توفير الاستقبال والمأوى والمأكل لهم، ليعيشوا حياة لائقة بكرامة الإنسان. وقد أطلق عليهم البابا اسم “أيتام الوطن”.

لماذا أطلق عليهم ذلك اللقب؟

لأن أوطانهم تمر بمحن ومآسٍ وحروب، دفعتهم للفرار منها طلبًا لحياة كريمة وآمنة. والبابا طلب من الجميع أن يفتحوا بيوتهم وقلوبهم لاستقبال اللاجئين، كما طلب ذلك من الكنائس والأديرة.

وكل ذلك يؤكد أهمية هذه القضية بالنسبة للدبلوماسية الفاتيكانية، والحس الإنساني الذي يتخطى الأعراق والأديان، وهو ما أكد عليه البابا في عظته بالقداس الذي أُقيم باستاد الدفاع الجوي في مصر.

كيف جاء اختيارك لمنصب سكرتير البابا فرنسيس؟

اتصل بي أمين دولة الفاتيكان  -رئيس الوزراء- الكاردينال بيترو بالولين، وحينما التقيته أخبرني أن ‏قداسة البابا اختارني كسكرتير شخصي له، وطلب مني التفكير في الأمر والرد عليه لينقل ردي ‏له.

أردت بعض الوقت للصلاة والتفكير فمنحني ثلاثة أيام. وفي خلال هذه الفترة، ‏استقبلني قداسة البابا وحدثني بطريقة أبوية مفعمة بالمحبة، فبدد كل مخاوفي وترددي أمام هول ‏المسؤولية وحجمها، وهكذا بدأت الخدمة يوم 16 ابريل 2014.‏

ما الذي أضافه لك المنصب؟

أضاف لي الكثير من الخبرة، فالوجود بالقرب من قداسة البابا فرنسيس، يشعرني أني داخل ‏مدرسة أتعلم فيها أمورًا جديدة ودروسًا في الحياة وحسن التصرف والبساطة، فالأشخاص الذين يلتقون به مرة واحدة يشعرون بالتغيير، ما بالنا بالذين يعيشون معه يوميًا.‏

عملت في الفاتيكان لسنوات قبل اختيارك للمنصب.. فما التحديات التي قابلتها عقب ذهابك؟

عندما جئت لروما سنة 2002 كان التحدي الأول يتعلق بتعلم اللغة الإيطالية واللغة اللاتينية، ومتابعة الماجستير في القانون والانتهاء منه للشروع في الدكتوراه، ومتابعة الأكاديمية الدبلوماسية ‏في ذات الوقت، إضافة لصعوبات التأقلم على ثقافة جديدة وحضارة مختلفة، والغربة ‏والحنين للأهل وللوطن، ولكن بفضل بعض الأصدقاء، تخطيت الأزمات في وقت قصير.

ما الآليات التي يتم على أساسها اختيار سكرتير البابا؟

لا أعرف ما هي الآليات. أعلم فقط أن الأمر متعلق باختيار شخصي من قداسة البابا، نتيجة توفر بعض الأمور الخاصة بطبيعة العمل وسرّيته، والمرتبطة بالشخصية وبالدراسة. فأن ‏تكون سكرتير يعني أن تصبح “أمين سر”، وبالتالي تتعامل مع قضايا معقدة للغاية أو ‏عاجلة جدًا وأخرى بسيطة واعتيادية. ‏

تقلدت منصبا هاما وأنت في سن صغيرة نسبيا، هل تعتبر ذلك تميزا أم عبئا؟

بالنسبة للكاهن لا يتعلق الأمر أبدًا بمناصب بل بخدمات يقوم بها لأنها طُلبت منه، وكلما كبرت الخدمة في الكنيسة كلما زاد الحمل والمسؤولية، والشيء الأهم هو الإيمان بأن ‏الله الذي يطلب أمرًا ما يمنح القوة لإتمامه، ويمنح الهدوء لعيشه ببساطة، ويمنح الفرح والعزاء ‏لتحقيقه، والتشجيع للقيام به بطريقة أفضل، وفي حالة الفشل يمنح الغفران والفرصة لمحاولة ‏القيام به بطريقة أفضل

ولكن عمرك 42 عامًا فقط، هل تجد صعوبة في  التواصل مع بابا الفاتيكان؟

عندما توجد المحبة تتحول حتى الاختلافات لجسور، وفي حالتي يتعلق الأمر فقط ‏بالتعلم والاغتناء يوميا من فيض العطاء والمثل الصالح.
يُضاف إلى هذا أن قداسة البابا يتمتع ‏بشخصية غنية ومرحة وعميقة، تتخطى الأجيال والأعمار، فهو يتكلم مع الأطفال بلغتهم، ‏ومع الكبار بلغتهم، وكذلك مع العلماء والبسطاء، ويتقن جميع هذه اللغات بشكل لا يمكن ‏وصفه.

كيف تعامل المحيطون بك مع توليك منصب سكرتير البابا؟

عاشوا نعمة الاختيار بفرح المحبة. ‏وكذلك ابتهجت الكنيسة بأن أحد أبنائها قد تم تعيينه لأول مرة في التاريخ كسكرتير لقداسة البابا، وفي ‏الحقيقة لولا دعم الجميع لما كان ممكنًا القيام بهذه المهمة. فصلاة ‏والدتي لي وسؤال والدي عني هما أقوى حافز للمضي قدمًا للأمام، ومحبة الأسرة والأصدقاء هي ‏دائمًا مصدر قوة وفخر وسعادة. ‏

هل هناك عدد محدد للمصريين الذين يزورون الفاتيكان سنويا، سواء للحج أو السياحة؟

لا توجد إحصائيات تخص دول بعينها لكن أعداد زوار المتاحف الفاتيكانية، على سبيل المثال، ‏تصل لحوال 45 مليون سنويًا. ومن الجدير بالذكر أن هناك قسم رائع للمصريات بالمتاحف الفاتيكانية، وهو من الأماكن الأكثر زيارة. وكما قال البابا في لقائه مع ‏السلطات المدنية بالقاهرة: “إن مصر هي البلد الذي نشعر جميعًا بأنه بلدنا”. لهذا يجذب القسم ‏المصري أعدادًا غفيرة من الزوار.‏

ل أنت المصري الوحيد الذي يعمل داخل الكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان؟

الوحيد حاليًا في الفاتيكان بعد أن تم اختيار الأنبا عمانوئيل أسقفًا للأقصر، وترك خدمته بمجمع ‏كنائس الشرق الأوسط. ويوجد أيضًا مونسينيور د. توماس حبيب، وهو حاليًا يخدم في سفارة ‏الفاتيكان بسوريا. ونصلي كي يرسل الرب أخرين للخدمة هنا.

وهل هناك مسلمون يقيمون في الفاتيكان؟

الفاتيكان دويلة صغيرة الحجم، لا يسكنها سواء الذين يعملون بها وهم في أغلبهم رجال دين؛ كرادلة وأساقفة وكهنة، أي ما يقرب من ٨٠٠ شخص. أما الدخول الفاتيكان فهو مُتاح للجميع، مسيحيين وغير مسيحيين، سواء للزيارة أو لقضاء بعض المهام المتعلقة بمختلف الوظائف: كالدبلوماسيين على سبيل المثال، وهم من مختلف البلدان والأديان.