المرض الرابع عشر: المراهقة المستمرة وعدم النضج

المرض الرابع عشر: المراهقة المستمرة وعدم النضج

سلسلة بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

أولا وصف المرض

مرض المراهقة المستمرة أو عدم النضوج هو وصف لوضع بعض الأشخاص الذين وبالرغم من وصولهم لسن الرشد يستمرون في التصرف بطريقة لا تتناسب مع أعمارهم أو مع وضعهم المجتمعي أو الكنسي أو الوظيفي أو الأسري.

إن “مرض المراهقة المستمرة” ليس مصطلحًا طبيًا رسميًا، ولكنه يصف حالة نفسية وسلوكية تتمثل في استمرار بعض سمات المراهقة مثل عدم القدرة على تحمل المسؤولية، والاندفاعية، والمزاجية وتجنب الالتزامات، والبحث المستمر عن الإثارة، وصعوبة تكوين علاقات ناضجة، ومهاجمة الآخرين بداعي وبدون داعي، ورفض السلطة، والعيش المستمر في صراع مع الذات ومع الآخرين وحتى مع الله ذاته.

يمكن وصف مرض المراهقة المستمرة بموقف “الخالف تُعرف” للأشخاص الذين يشعلون حرائق في كل شيء حولهم وكأنهم لا يعرفون طريقة لإثبات أنفسهم سوى بمخالفة الآخرين والتهجم عليهم والتحرش بهم. إنهم يدفعون من حولهم لليأس والابتعاد والشفقة عليهم وتجنبهم.

إن “مرض المراهقة المستمرة” يصف حالة من التمرد أو المعارضة المتطرفة للقيم والأعراف الاجتماعية المقبولة، وغالبًا ما يكون ذلك بدافع الرغبة في الظهور وجذب الانتباه.

كيف تعرف أنك مصاب بهذا المرض؟

• أنت مراهق عندما ترد على من يكلمك حتى قبل ان يُنهي كلامه او يوضح فكرته.

• أنت مراهق عندما تنطلق دائما من رفض ما يُقدم لك او يُقال لك حتى قبل فهمه أو ادراكه او إعطاء نفسك فرصة لمراجعته.

• أنت مراهق عندما تتكلم باستفاضة فيما لا تعرفه وتستعرض عضلاتك وكأنك في حلبة صراع بدون داعي.

• أنت مراهق عندما تتهجم على من ينصحك وتعامله بخشونة برغم معرفتك بصحة وفائدة ما يقوله لك.

• أنت مراهق عندما تحي في صراع وحرب دائمة وتفتعل المشاكل وتشعل الحرائق في كل ما حولك بلا مبرر.

• انت مراهق عندما تتطاول على من علمك ورباك وأحسن إليك ببجاحة وبدون سبب.

• أنت مراهق عندما تنتقل في غمضة عين وبدون مقدمات من السعادة إلى الحزن ومن التهليل للعويل ومن المدح للزم ومن الفرحة للكآبة.

• أنت مراهق إذا كنت سريع الانفعال والتأثر وتقتنع بأمور ثم تغير رأيك لمجرد مخالفة من حولك.

• أنت مراهق إذا كنت تتصرف بتسرع ومبالغة وافتعال وتصنع ولهوجة وعدم اتزان او رصانة.

• أنت مراهق إذا كنت تبالغ في تقدير أحكام الناس لدرجة العيش في سجن آرائهم وأحكامهم.

• أنت مراهق إذا كنت تخاف من الثبات والاستقرار والهدوء وتحب التأرجح والتخبط والضجيج.

• أنت مراهق إذا كنت سريع الانفعال والمزاجية والانتقال من حالة إلى أخرى.

• أنت مراهق إذا كنت تظن وباستمرار بأنك ضحية لعدم فهم الآخرين وتلعب دائما دور الضحية.

• أنت مراهق إذا كنت ترى القشة التي في عين أخيك ولا تلاحظ الخشبة التي في عينك.

• أنت مراهق عندما، وبالرغم عدم مقدرتك المالية، تهتم بشكل مبالغ فيه بمظهرك، وترتدي أغلى الملابس وتحمل أغلى الأجهزة وتنفق بشكل متهور وغير مسؤول.

• أنت مراهق إذا كنت فريسة لنظرية المؤامرة وكأن العالم لا همة له سوى التآمر عليك.

• أنت مراهق عندما ترفض القيام بمسؤولياتك وتحمل نتيجة اعمالك وأقوالك وأفعالك.

• أنت مراهق عندما تهين وتسئ من ساعدك وتنسى في وقت راحتك من كان السبب فيما انت عليه.

• أنت مراهق عندما تعيش بلا قيم وبلا مبادئ وبلا ضمير وبلا محاسبة للذات.

• أنت مراهق عندما تخون شريكك ولا تهتم بمشاعره وبثقته.

• أنت مراهق عندما تُفجر في الخصومة وتتفاخر بالعناد وتتظاهر بالطيبة.

• أنت مراهق عندما تفكر فقط في نفسك ولا تأبه بمن حولك، فتضخم مشاكلك وتُتفِه وتُقزِم آلام ومشاكل من حولك.

• أنت مراهق عندما تبيع الثمين بالرخيص والنفيس بالبخس.

• أنت مراهق عندما تسمح لغرائزك بالتحكم فيك.

• أنت مراهق عندما ترفض التقويم وتعتبر أي ملاحظة إهانة لا تغتفر فيما تسمح لنفسك بتقويم الآخرين وإهانتهم والتقليل منهم وإبداء رأيك حتى وإن لم يُطلب ولا تعطيهم حتى حق الرد أو التعليق.

• أنت مراهق عندما تفترض أن الجميع يجب عليهم تفهمك وتبرير تصرفاتك بينما انت لا تعذر ولا تغفر ولا تبرر لأحد.

• أنت مراهق عندما تعرف أنك تتصرف كمراهق وتستمر وتتباهى ولا تشعر بحمرة الخجل ولا تفعل شيئا للخروج من هذا النفق المظلم ومن هذا الوضع السيء لك ولمن حولك

ثانيا أسباب هذا المرض:

يمكن تلخيص أسباب حالة “التأخر في النمو النفسي والاجتماعي”، في:

• تجارب الطفولة أي إمكانية تعرض الفرد لتجارب سلبية في طفولته، مثل الإهمال أو سوء المعاملة، مما يدفع لتأخر قدرته على تطوير مهارات التكيف اللازمة.

• تدليل مفرط يؤدي التدليل المبالغ فيه والمفرض اثناء الطفولة إلى منع الشخص من تعلم مهارات تحمل المسؤولية والاستقلالية والتعامل مع الآخرين بأريحية وبهدوء وسلام.

• صدمات نفسية تتسبب الصدمات النفسية التي قد يتعرض لها الشخص، لا سيما في مرحلة المراهقة أو ما بعدها، إلى تثبيت أو إيقاف نموه النفسي في تلك المرحلة، فيُسجن الشخص في هذه المرحلة بطريقة يجد صعوبة في الخروج منها كما يجد الآخرين صعوبة في إخراجه منها.

• اضطرابات الشخصية في بعض الحالات، يكون هذا السلوك مرتبطًا باضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية النرجسية، وهي اضطرابات نفسية تحتاج لعلاج كي يتمكن الشخص من تخطيها.

• تأثير وسائل الإعلام تساهم وسائل الإعلام في الترويج لصورة نمطية للمراهقين كأشخاص غير مسؤولين وباحثين عن المتعة، مما قد يؤثر على سلوك بعض الأفراد. كما تساهم في تبني بعض النماذج المريضة لمشاهير يتمتعون بالمال والسلطة والشهرة لأنهم يتصرفون كما يحلوا لهم.

ثالثا خطورة مرض المراهقة المستمرة

تكمن خطورة هذه الحالة في أنها تؤثر على العلاقات الشخصية وتجعل من الصعب على الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة تكوين علاقات ناضجة ومستقرة، كما تمنع المحطين به من الاقتراب منه أو التعامل معه. تؤثر كذلك على الحياة المهنية لأن المريض يجد صعوبة في الحفاظ على وظيفة أو تحقيق النجاح المهني بسبب عدم قدرته على تحمل المسؤولية والالتزام، مما يؤدي كذلك إلى مشاكل مالية فيتورط الشخص في مشاكل مالية بسبب الإنفاق المتهور وعدم القدرة على إدارة الأمور المالية بشكل مسؤول.

قد يؤدي هذا المرض كذلك لمشاكل قانونية فيتورط الشخص في ورطات قانونية بسبب السلوكيات المتهورة وغير المسؤولة.

وأخطر في هذا المرض أنه يؤثر على الصحة النفسية ويدفع من يعاني منه إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق بسبب عدم قدرته على التكيف مع متطلبات الحياة. إنه يجعل الانسان يحي في حرب نفسية دائمة مع نفسه ومع الآخرين ومع الله، كما سبق واشارنا.

رابعا أمثلة على السلوكيات المرتبطة بهذه الحالة:

إن ما يميز المرضى بـ”مرض المراهقة المستمرة” هو أن سلوكياتهم لا تكون مؤقتة بل ثابتة ومتكررة. إنهم يعانون من حالة مزاجية متقلبة تمتزج فيها الرغبة في التميز، مع الشعور بالضياع، وعدم القدرة على التكيف مع الأعراف الاجتماعية، مثل:

• الشاب أو الشابة اللذان يتبنيان آراء سياسية متطرفة لمجرد معارضة التيار السائد، أو الشاب والفتاة التي ترتدي ملابس فاضحة أو غريبة، أو عمل تسريحات شعر غير تقليدية بشكل مبالغ فيه لجذب الانتباه.

• المخالف، أي شخص يتعمد مخالفة القواعد والقوانين لمجرد إثبات أنه “مختلف” أو “متميز”، وهو غالبا ما يرفض أي نصيحة أو توجيه من الآخرين، حتى لو كانت مفيدة.

• المُبَالِغ، على سبيل المثال، المبالغة في وضع الوشم بطريقة مغال فيه كي يلفت انتباه الآخرين ويؤكد لنفسه وللآخرين أنه “مغاير” وأنه “حر”، فيثبت حريته برسومات يصعب حذفها بعد ذلك وبالتالي تُفقد الشخص حريته.

• الحالم أي الشخص الذي يظن أن بإمكانه تغيير العالم وهو في نفس الوقت يتجنب تحمل المسؤولية عن الأفعال، ويجد صعوبة في الالتزام بالوعود والالتزامات، ويتميز بالاندفاعية واتخاذ القرارات دون تفكير، والبحث المستمر عن الإثارة والمتعة.

• الغاضب دائما أي الشخص الذي لديه صعوبة في تكوين علاقات ناضجة ومستقرة، لأنه يلقي دائما باللوم على الآخرين في المشاكل والأخطاء التي يقوم بها. إنه في حالة غضب وسخط دائم بسبب وبدون سبب ويجد صعوبة التكيف مع متطلبات الحياة.

• الرافض للسلطة أي الشخص الذي يتصرف بطرق استفزازية أو صادمة، ويعارض أي سلطة أو رأي مقبول بشكل تلقائي.

• المسؤول المرهِق وهو المسؤول الذي يستخدم مكانه ومكانته لإرهاق الجميع بمتطلبات لا قيمة لها ويتعامل معهم بتعالي وعجرفة ويتصرف كالطاؤوس وكأن العالم يدور في فلكه وبأمره. إنه يشعر بفراغ داخلي ويسعى لإخفاء هذا الفراغ باتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة لا هدف منها سوى اثبات ذاته. إنه يسعى لتحطيم كل ما تمسه يده والتقليل من شأن الجميع، فلا أحد يفهم سواه، ولا أحد يعي الأمور سواه. إن المسؤول الذي يعاني من هذا المرض يعيش معتقدا أن الطريق الوحيد لأثبات الذات هو تحطيم وإهانة الجميع، ولأنه مراهق فهو غالبا ما يتصرف كالأسد أمام الضعفاء وكالفأر أمام الأقوياء. وينتقل بسرعة بين العصبية الشديدة إلى خفة الدم المبتذلة، ومن الاستشهاد بأقوال الحكماء إلى التصرف كالبلهاء، ومن الرغبة في البناء إلى الهدم والتحطيم. إنه في حالة صراع وفشل دائم، ويرفض طلب المساعدة بل ويستبعد كل الكفاءات كي لا ينفضح.

خامسا أمثلة من الكتاب المقدس

• قصة قورح ومن معه، الذين تمردوا على موسى وهارون لمجرد معارضتهما. وقد تمت الإشارة إلى قورح في العهد الجديد “وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ” (يه 1، 11).

• قصة أبشالوم، الذي تمرد على والده الملك داود ليحصل على الحكم، عندما عاد إلى أورشليم بدأ يجذب قلوب الشعب إليه وسلبها من أبيه، ولما أكمل وضع خطة مؤامرته على أبيه، ادَّعَى أنه يريد الذهاب إلى حبرون وفاءً لنذر كان قد نذره وهو في جشور فإذن له الملك بذلك فذهب إلى حبرون. ومن هناك أرسل جواسيسه إلى جميع أسباط إسرائيل فاشتدت الفتنة واجتمع إليه جمع كبير من الشعب ومن ضمنهم أخيتوفل وكان أحد مشيري داود الأذكياء (2صم 15، 1-12).

سادسا طرق التحرر والعلاج

يحتاج التحرر من هذا المرض إلى تنمية الوعي الذاتي لفهم الدوافع والسلوكيات، وتعلم مهارات التواصل الفعال للتعبير عن الاحتياجات بطريقة صحية، وتنمية الثقة بالنفس، واكتساب مهارات التعبير عن الآراء الشخصية بوضوح وثقة.

يتطلب الأمر أيضا تثقيف الذات عن طريق القراءة والتعمق في النماذج الإيجابية والتي انتصرت على هذا المرض بقوة الإرادة وبالتحلي بفضيلة التواضع.

لا يمكن الخروج من هذا المرض إلا بالاعتراف به والعمل بجد ومصابرة للتحرر والانطلاق نحو النضوج والتصرف برشد وحكمة.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا: مرض الكذب والإنكار

خامسًا: مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعًا: مرض العناد

ثامنًا: مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

تاسعًا: مرض التطرف

عاشرًا: مرض الحصان المَيْت

الحادي عشر: مرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

الثاني عشر: مرض عمى البصيرة

الثالث عشر: مرض القطيع أو التحجج بالأغلبية سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).