المرض السادس عشر: مرض لعب دور الضحية

المرض السادس عشر: مرض لعب دور الضحية

بعض الأمراض الشائعة والمخفية

بقلم المونسنيور د. يوأنس لحظي جيد

أولًا: وصف مرض لعب دور الضحية

لعب دور الضحية ليس مرضًا رسميًا ولكنه نمط سلوكي وشخصي غير سوي ومدمر للشخص ولمن حوله. وهو نمط يتميز بالاعتقاد المستمر بأن الشخص ضحية للظروف الخارجية والأشخاص الآخرين، وبالتالي يلقي باللوم دائمًا على الآخرين وعلى العوامل الخارجية للتهرب من تحمل المسؤولية عن أفعاله أو مشاعره.

الشخص الذي يلعب دور الضحية يتبنى موقفًا سلبيًا تجاه الحياة، ويرى نفسه دائمًا عاجزًا ومستضعفًا في مواجهة التحديات. إنه يسعى بشكل لا واعٍ أو واعٍ للحصول على الاهتمام والتعاطف والدعم من الآخرين من خلال تضخيم معاناته وإظهار عجزه. إنه في حالة شكوى دائمًا وتذمر ولوم للآخرين وللظروف. إنه مرض منتشر جدا بين الناس وخطورته في أنه يمنع الشخص المريض من النمو ويجعل حياة من حوله جحيما لا يحتمل.

  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تلقي اللوم باستمرار على الآخرين والظروف الخارجية ولا تعترف بأي دور شخصي لك في المشاكل أو النتائج السلبية.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كان لديك شعور دائم بالعجز وعدم القدرة على تغيير الأمور وترى نفسك أسيرًا للظروف دون أي قوة للتحكم أو التأثير.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنتَ تُضخم في المشاعر السلبية والمعاناة وتصف بمبالغة الألم والإحباط والصعوبات التي تواجهها.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تبحث باستمرار عن التعاطف والاهتمام وتستخدم الشكوى والتذمر كوسيلة لجذب انتباه الآخرين وكسب عطفهم.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تقاوم الحلول أو النصائح وترفض غالبًا كل اقتراحات المساعدة أو الحلول المقدمة، لأنك تستفيد بشكل ما من بقائك في دور الضحية.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تتجنب المسؤولية وتهرب من تحمل مسؤولية القرارات أو الأفعال التي ساهمت في المشكلة.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تشعر بالاستحقاق وبأنك تستحق معاملة خاصة وتعويضًا عن “المعاناة” التي تمر بها.
  • أنت مريض بهذا المرض إذا كنت تمارس التلاعب العاطفي وتستخدم الشعور بالذنب لدى الآخرين واستثارة شفقتهم لتحقيق مكاسب معينة.

ثانيًا: خطورة مرض لعب دور الضحية:

تكمن خطورة هذا النمط السلوكي في تأثيره المدمر على الشخص نفسه وعلى المحيطين به.

  • على الشخص الذي يلعب دور الضحية:
  • إعاقة النمو الشخصي: يمنع عدم تحمل المسؤولية الشخص من التعلم من أخطائه وتطوير مهارات التأقلم وحل المشكلات.
  • تدني احترام الذات: يقوض الاعتقاد بالعجز المستمر الثقة بالنفس ويؤدي إلى شعور بالدونية ويقلص احترام الشخص لنفسه ولإمكاناته.
  • تفاقم المشاعر السلبية: يُزيد التركيز المستمر على المعاناة من الشعور بالحزن والإحباط واليأس ويجعل الشخص يغرق في السلبية والإحباط وتبني نَظْرَة سوداوية للذات والعالم.
  • العزلة الاجتماعية: يبتعد الآخرون غالبًا عن الشخص الذي يتذمر باستمرار ويقاوم المساعدة، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة، ويدخل المريض في دوامة لا تنتهي، فهو من ناحية يشتكي ابتعاد الناس عنه ومن ناحية أخرى يشتكي منهم إذا اقتربوا.
  • تجنب مواجهة المشاكل الحقيقية: يقود الانشغال بدور الضحية إلى صرف الانتباه عن معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل. فالمريض يغرق في الأعراض ولا يبحث عن الأسباب.
  • تطور اضطرابات نفسية أخرى: يؤدي هذا النمط المرضي والسلوكي إلى مزيد من القلق والاكتئاب واضطرابات الشخصية أخرى.
  1. على المحيطين بالشخص الذي يلعب دور الضحية:
  2. الإرهاق العاطفي: مما لا شك فيه أن لا آحد يحب الاستماع المستمر للشكاوى والتذمر والتعرض لرفض المساعدة مما يجعل المحطين بهذا المريض يصابون بالإرهاق العاطفي والملل وتحاشي المريض الهروب منه.
  3. الشعور بالإحباط والعجز: يشعر الأهل والأصدقاء غالبًا بالإحباط والشعور بالعجز لرؤية الشخص يعاني وعدم قدرتهم على مساعدته.
  4. تدهور العلاقات: تتدهور العلاقات الاجتماعية والأسرية بسبب السلبية المستمرة والمتطلبات العاطفية للشخص الذي يلعب دور الضحية.
  5. الشعور بالذنب والتلاعب: يشعر الآخرون بالذنب وغالبًا ما يشعرون بأنهم ضحايا تلاعب ومحاولات الشخص لاستثارة شفقتهم أو تحميلهم مسؤولية مشاكله.
  6. استنزاف الموارد: يستنزف الشخص الذي يلعب دور الضحية وقت وطاقة وموارد الآخرين دون إحراز أي تقدم حقيقي.

ثالثًا: أمثلة على لعب دور الضحية من الحياة اليومية

  • زميل العمل: يتذمر باستمرار من حجم العمل الكبير والظروف الصعبة، لكنه يرفض أي اقتراحات لتنظيم وقته أو طلب المساعدة، ويدعي دائمًا أنه “المغلوب على أمره”.
  • الصديق: يشكو دائمًا من سوء معاملة الآخرين له وعدم تقديرهم، لكنه لا يعترف بأي دور في المشاكل التي تنشأ في علاقاته.
  • الزوج أو الزوجة: يلوم الطرف الآخر دائمًا على مشاعره السلبية وعدم سعادته، ويتوقع أن يتحمل الشريك مسؤولية إسعاده دون أن يبذل أي جهد بنفسه.
  • الطالب: يشكو من صعوبة الامتحانات وظلم الأساتذة، لكنه لا يعترف بتقصيره في الدراسة أو عدم سعيه لفهم المواد.

  • ·        الأسرة: حيث يتذمر المريض باستمرار من عدم اهتمام الآخرين به وعدم مساعدتهم له، لكنه يرفض أي محاولات للمساعدة أو المشاركة في مسؤوليات الأسرة.
  • ·        المنحوس: يجد نفسه دائمًا في مواقف صعبة أو يتعرض للخداع، لكنه لا يتعلم من تجاربه ويستمر في تكرار نفس الأخطاء ويلقي باللوم على “حظه السيئ” أو “نوايا الآخرين السيئة”.
  • ·        المكرس: عندما يبرر اخفاقاته بمؤامرات خارجية، وبفساد الرؤساء، وبحسد الزملاء، وبسوء الظروف وبصعوبة الزمن والناس والتاريخ…. يلوم الجميع ولا يلوم ابدًا نفسه.
  •  
  • رابعًا: طرق علاج مرض لعب دور الضحية النفسية والروحية
  • يتطلب علاج نمط لعب دور الضحية صبرًا والتزامًا من الشخص نفسه ودعمًا من المحيطين به، لمساعدة الشخص على تحديد الأفكار السلبية المشوهة حول الذات والعالم، وتغيير أنماط التفكير التي تدعم دور الضحية. والتركز على قَبُول المشاعر الصعبة والالتزام باتخاذ خطوات نحو تحقيق أهداف وقيم الشخص، بدلًا من الانشغال بالشكوى. تنمية قوة وموارد الشخص وتطوير حلول عملية للمشاكل بدلًا من التركيز على المشكلة نفسها.
  • للخروج من هذا المرض يحتاج الشخص إلى تحمل المسؤولية أمام الله والاعتراف بالدور الشخصي في المشاكل والسعي للتوبة والتغيير. يحتاج كذلك للتأمل والصلاة لتطوير الوعي الذاتي وفهم أعمق للدوافع الداخلية والبحث عن القوة الروحية للتغيير. يحتاج المريض أيضا إلى تعلم الخدمة والعطاء فالتركيز على مساعدة الآخرين يمكن أن يغير المنظور ويقلل من التركيز على الذات والمعاناة الشخصية. يحتاج لممارسة الشكر والامتنان فتقدير النعم الموجودة في الحياة يمكن أن يقلل من الشعور بالاستياء والتركيز على السلبيات.
  • وفي بعض الحالات المزمنة يحتاج المريض لطلب الإرشاد الروحي لأن التحدث مع مرشد روحي يمكن أن يوفر الدعم والتوجيه في عملية النمو الروحي وتحمل المسؤولية.

الخلاصة:

لعب دور الضحية هو نمط سلوكي يعيق النمو الشخصي ويستنزف العلاقات. يتطلب علاجه وعيًا ذاتيًا ورغبة في التغيير، بالإضافة إلى دعم نفسي وروحي. من خلال تحمل المسؤولية، وتغيير أنماط التفكير السلبية، والسعي نحو حلول عملية، يمكن للشخص التحرر من سجن الوهم والبدء في بناء حياة أكثر قوة وتحكمًا.

يجب على المحيطين بهذا الشخص وضع حدود صحية، وتجنب الانخراط المفرط في شكاوى الشخص وتقديم دعم مشروط بالبحث عن حلول. وتشجيعه على تحمل المسؤولية ورؤية دوره في المشاكل وتشجيعه على اتخاذ خطوات إيجابية للتغيير.

يجب كذلك تجنب لعب دور المنقذ وعدم السقوط في تجربة “المنقذ” ومحاولة حل جميع مشاكل الشخص أو تحمل مسؤولية مشاعره. فيكفي تقديم الدعم الإيجابي ومكافأة أي محاولات للتغيير أو تحمل المسؤولية، دون الانخراط بشكل مرضي في إنقاذه مع المحافظة على مسافة عاطفية صحية وحماية الذات من الاستنزاف العاطفي الناتج عن السلبية المستمرة.

قمنا في الأسابيع السابقة بالتكلم عن:

أولًا: مرض الإنكار

ثانيًا: مرض الإسقاط

ثالثًا: مرض التظاهر

رابعًا: مرض الكذب والإنكار

خامسًا: مرض تبلد أو موت الضمير

سادسًا: مرض التطفل والحشرية

سابعًا: مرض العناد

ثامنًا: مرض الخنوع والعبودية الاختيارية

تاسعًا: مرض التطرف

عاشرًا: مرض الحصان المَيْت

حادي عشر: مرض استغلال الآخرين والتلاعب بهم

ثاني عشر: مرض عمى البصيرة

ثالث عشر: مرض القطيع أو التحجج بالأغلبية

رابع عشر: المراهقة المستمرة وعدم النضج

خامس عشر: مرض الخيانة، يهوذا الساكن فينا

سنتناول في الأسابيع القادمة بعض الأمراض الأخرى (للحديث بقية).