منير غبريال لحامل الرسالة:
" الأيقونة القبطية تجسيد صادق للهوية المصرية "
بدأ مسيرته الإبداعية مستخدماً خامات البيئة من قش القمح واوراق الكركاديه وحبات الكحل، وعلى مدى خمسيناً عاماً من العمل الجاد أثرى الكنائس القبطية بالعديد من اللوحات التى تجسد مختلف الفنون، تميز بعشقه للأيقونة القبطية حتى أصبح أحد رواد الفن القبطى، عن موهبته وأعماله ورؤيته للفن ورسالته فى الحياة، كان لنا هذا الحوار مع الفنان منير غبريال أشهر رسامى الأيقونة القبطية بمصر.
· حدثنا عن نشأتك ومراحل بزوغ الموهبة عندك؟
– ولدت بمركز القوصية محافظة أسيوط عام 1949 والتحقت بمدرسة الكنيسة الكاثوليكية فى المرحلة الابتدائية ومنذ الصف الأول الابتدائى وبدأت موهبتى فى الظهور إذ وجدت عند رغبة فى رسم الصور وصنع التماثيل وبدأت أمارس الرسم بأدوات البيئة البسيطة من قش القمح وقشر الليمون والزيت والكحل الأسود والجير الأبيض وارواق الكركاديه الجافة. ولاشك كان ذلك يلفت انتباه معلمى التربية الفنية وكان تشجيعهم يعطينى دافعاً قوى لمواصلة الرسم والتجويد فيه.
· هل تتذكر أول لوحة فنية رسمتها؟
– نعم أتذكرها وباعتزاز، فهى كانت صورة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر،حاولت خلالها أن أعبر عن مشاعر طفل يسمع عن هذا الرجل الذى ينعته الجميع بأفضل الصفات مثل البطل والزعيم، محرر مصر وقائد الثورة.
· عملت مهندساً زراعياً فترة طويلة، كيف ترى العلاقة بين الوظيفة الحكومية والموهبة؟
– الوظيفة الحكومية لها قالبها الجامد الذى يعيق روح الفنان وحركته، لكن ما يهمنى كان الوقت الذى استغرقه فى العمل الحكومى،وضرورة أن أعوضه بالسهر ومواصلة الليالى بمثابرة حتى أستطيع أن ارسم وأنجز أعمال مختلفة. ولكن عندما حان الوقت للاختيار بين الاثنين أى بين الوظيفة والموهبة، اخترت بالطبع العمل بالفن وحصلت على اجازة تفرغ لمدة عشرين عام.
· ارسم لنا لوحة للطبيعة النفسية للفنان منير غبريال؟
– طبيعتى اجتماعي، أحب البسمة دائماً، كما أحب عمل الخير قدر طاقتى. تعرضت لظروف صعبة كثيرة، لكن الحمد لله استثمرتها فى العمل والانتاج فجاءت فى النهاية لصالحى.
· لماذا ركزت ابداعك فى رسم الايقونة القبطية؟
– الأيقونة القبطية تعبير صادق عن البيئة المصرية، كذلك عدد رساميها قليلين جداً، لذا اهتميت بها كثيراً. لكنى لاحظت ان الايقونة القبطية ترسم بأكاسيد والوان مائية مما يجعلها عرضة للتلف بحكم عوامل الطبيعة. لذلك استبدلت تلك الادوات بالألوان الزيتية عالية الكثافة وركزت على الناحية التشريحية للأيقونة كما أضفت لونيات تزيد من جمال الأيقونة مثل أوراق الذهب ولعل هذا ما يميز رسوماتى وجعلها تطوف كل أرجاء الدنيا فى مصر والدول العربية وأوربا وأمريكا.
· ماذا عن فكرة رسمك صور لقديسين مجهولين فى الكنيسة القبطية؟
– أحب قراءة سير الآباء القديسين، ومن خلال قراءتى لعدد من القديسين الذين لم يستدل لهم على صور. جاءتنى فكرة أن استوحى من سيرة القديس ملامح وجهه وملابسه وبالفعل نفذت الفكرة وتركت لريشتى الخيال الروحى فرسمت أيقونة يوحنا الهرقلى والشهيد فيلوتاوس ابو حلقة والقديس موريس قائد الكتيبة الطيبة والقديسة يوآنا وزوجها. واشكر الله أن هذه الاعمال أصبحت هى الايقونات الرسمية للقديسين وتم تداولها ونشرها.
· ما هى اسهاماتك فى الفن البيزنطى؟
– فى الفن البيزنطى هناك اهتمام بأن يظهر الجسد والأطراف اكثر استطالة، كذلك يهتم الفن البيزنطى بالزخارف والتفاصيل الدقيقة مثل ثنايات الملابس. وقد مارست هذا الفن ورسمت صوراً عديدة به توجد الآن بكنائس قبطية فى صعيد مصر هى صدفا ودرنكا بأسيوط وجهينة وطهطا بسوهاج.
· وماذا عن فن الموزاييك؟
– فكرت أن ارسم الايقونة بشكل عادى ثم أرسم مكعبات الموزاييك بالفرشاة بدلاً من الموازييك بالبلاستيك ونجحت فى هذا الابتكار وهناك لوحات لى بهذا الفن فى كنيسة ساحل سليم بأسيوط ودير مواس بالمنيا.
· أين أنت من تنظيم المعارض الفنية؟
– فى شبابى كنت أتردد على قصر ثقافة القوصية وأقمت معارض فنية بمشاركة فنانين أخرين تحت اشراف الثقافة الجماهيرية بمحافظات اسيوط والمنيا والاسكندرية. لكن فيما بعد فضلت العمل منفرداً تحقيقاً لمشروعى الخاص دون قيود.
· هل يحتاج المجتمع المصرى إلى إعادة قراءة للحضارة القبطية بفنونها المختلفة؟
– الحضارة القبطية حضارة غنية بآدابها وفنونها، لكنى دعنى أقول لك انها لا تقدم للمجتمع بالطريقة التى تفيها حقها. واسمح لى أن أطرح تسأؤل هو، ماذا يعرف طلاب المدارس عن الحضارة القبطية تاريخاً وفناً وموسيقى؟ بل حتى الكنائس استبدلت حديثاً الأيقونة القبطية بالصورة الفوتوغرافية المصممة بالكمبيوتر. وفى رأيى ان هذا تستطيح للفن وتغييب للأحاسيس المعبرة عن الجوهر الروحانى للايقونة. لذا نحن جميعاً فى حاجة إلى اعادة قراءة الحضارة القبطية والحفاظ على مفرداتها الفنية والادبية والموسيقية.
· ما دورك فى جمعية الحفاظ على التراث القبطى؟
– أنا عضو بجمعية الحفاظ على التراث القبطى، وللعلم فان هدف الجمعية الاهتمام بالتراث القبطى والتاكيد على أنه تراث كل المصريين ونحرص على التواصل مع الجهات المعنية بالتراث القبطى والمحافظة عليه من الاندثار. كما تقوم الجمعية بالعديد من الانشطة منها معارض للفن القبطى واصدار نشرات التوعية الثقافية وتنظيم الرحلات لزيارة المعالم القبطية الهامة. وما لا يعرفه الكثيرون ان عدد أعضاء الجمعية حوالى 200 عضو 75 ٪ من الاعضاء مسلمين.
· ما هى أكثر أعمالك الفنية اعتزازاً؟
– معيارى للعمل الجيد هو ما يرضى عنه الناس، وينال اعجابهم وتقديرهم.
· ما أبرزت الصعوبات التى واجهتك فى رسالتك؟
– واجهتنى الكثير من التحديات داخل الكنيسة وخارجها. كذلك مررت بظروف عائلية صعبة، لكنى الحمد لله اجتزتها جميعاً واعترف ان هذا نعمة من ربنا.
· ما دورك فى رعاية الموهوبين من الشباب؟
– الفن موهبة، واذا كانت الموهبة تعبر عن نفسها بطرق مختلفة، لكن من المهم تنمية المواهبة وتدريبها. انا اعتز بأننى أحد تلاميذ الفنان يعقوب فانوس وأرى ان أعمال يعقوب فانوس تصلح موسوعة للتعليم. ومن جهتى أساعد عدد من الرسامين الشباب واتواصل معهم بل ومستعد أن أكرس وقتى كله للمواهبة الشابه.
· فى ختام الحوار ماذا عن تطلعاتك المستقبلية؟
– أتمنى للأيقونة القبطية أن تنتشر داخل الكنائس وفى كل قطاعات المجتمع الثقافية والتعليمية، لأننى على قناعة بأن رسالة الفن هى تنمية الاحساس الراقى والقضاء على التعصب . لذا علينا ان نحمل الايقونة القبطية إلى العالم لأنها تجسيد صادق للهوية المصرية.
–
أجرى الحوار
ناجح سمعـان
