سر الإعتراف

تــقــديــــم

كثيـر من الـمسيحيين فـى هذه الأيـام يـشعرون بشيئ من عدم الإرتياح أمام فكرة الإعتراف، ويتساءلون هـل هناك حقـاً مغفرة للخطيئة؟، ومن لـه هذا السلطان لكي يغفر الخطايـا؟،ومـاذا يعنـى "سر الإعتراف" كما تعلّم بـه الكنيسة الكاثوليكيـة؟ ومـا هـى الوسائط الـمتاحـة للإنسان الذى يُخطئ لكي يجد السلام وراحـة القلب؟، وهـل وهـل، وكلهـا تساؤلات تضعنـا أمام سر التوبـة ومصالحـة الإنسان مع الله اولاً ومع نفسه ثانيـة، ثم مع الآخريـن. وفـى هذا الكتاب "التوبـة والـمصالحـة" محاولـة للرد على بعض تلك التساؤلات لكي نفهم سر عمق عدل ورحمة ومحبة الله. فالشكر للرب من أجـل نعمة وبركة وموهبـة روحـه القدوس التى منحنـا إيـاهـا مـن أجل بنيان بعضنـا البعض فـى الـمسيح يسوع. أطلب من الرب أن يكون هذا الكتاب سبب بركة روحيـة للجميع.

    الشماس نبيل حليم يعقوب

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس أنجلوس –كاليفورنيـا

فـى مايو ‏2003‏‏

 

   الفهرس

·        سر التوبـة والـمصالحة

·        ما هى الخطيئة وتبعاتها؟

·        مـا هى الشريعة الإلهيـة

·        ما هى الخطايا التى يلزم الإعتراف بهـا؟

·        الـموانع التى قد تعيق الإنسان عن التوبة

·        لماذا يجب الإعتراف على الكاهن؟

·        ألا يـمكن للكاهن إفشاء الإعتراف؟

·        ألا يكفى الإعتراف للـه مباشرة؟

·        هـل يلزم التوبة عن الخطيئة أولاً قبل الإعتراف بهـا؟

·        ألا يكفي أن أقول للكاهن اني أخطأت

·        كيف افحص ضميري؟

·        "قلباً نقيـاً أخلق فيّ يا الله"

·        ما هى أعمال التوبة فى الحياة المسيحية؟

·        ما هى صفات التوبـة؟

·        هل هناك حقا خطيئة لا يمكن ان تغفر؟

·        متى اعترف؟

·        هل هناك طريقة معينة للإعتـراف؟

·        الإنسان الجديـد

 سر التـوبـة والـمصالحـة

سر التوبـة أوالـمصالحـة هـو سـر من أسرار الكنيسة السبعـة.

ويُعرف أيضا بسر الـمغفـرة..أو بسر التحول.

وذلك لأنـه فـى هذا السر يدعونـا الرب يسوع إلـى التوبـة كأول خطوة للعودة إلـى الآب السماوي.

 "تم الزمان وإقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة"(مرقس15:1).

نادى أنبيـاء العهد القديم ثم يوحنا الـمعمدان فى العهد الجديد ومن بعده السيد الـمسيح بضرورة التوبـة. فقد قال حزقيال النبي:"فتوبوا وإرجعوا عن كل معاصيكم التى عصيتم بهـا واصنعوا لكم قلباً جديداً وروحاً جديداً فلـماذا تـموتون يا آل اسرائيل"(حزقيال31:18)، وفـى انجيل متى جاء يوحنا الـمعمدان فـى بريّة اليهوديـة وهو يقول:"توبوا فقد اقترب ملكوت السموات"(متى1:3-2).

أمـا حياة وتعاليـم وموت وقيامـة السيد الـمسيح الذى أتـى ليحمل رسالة الحب والتوبـة والصفح إلينـا،فهو يُعلن ذلك بوضوح "لـم آت لأدعو الأبرار لكن الخطـأة إلـى التوبـة"(متى13:9)، وأيضاً يقول:"إن لـم تتوبـوا تهلكوا جميعكم"(لوقا3:13).وفى الصلاة الربيـّة التى علّمهـا للرسل يجعلنا نطلب الصفح "أغفر لنـا ذنوبنـا"(متى12:6)، وفى أمثلة الدرهم الـمفقود (لوقا8:15-10)،والخروف الضال(لوقا1:15-7)،والإبن الشاطر(لوقا11:15-32)، والعبد الـمديـن(متى21:18-35) يـبيـن تطبيق الـمثل على الحقيقة.وأيضاً بسلوكه مع الخطأة: كالمخلّع(متى1:9-8) والـمرأة الزانيـة (يوحنا2:8-11)، وزكا العشّار(لوقا19:1-10) ،ومريم الـمجدليـة،واللص اليـمين الـمصلوب معه (لوقا39:23-43)، ومع من صلبوه (لوقا34:23)، وأيضاً مع بطرس الرسول(متى69:26-75)، وأخيراً بواسطة موتـه الخلاصي استحق النعـمة لكل النفوس التى تطلب الصفح إذا كانت تائبـة حقيقـة لأنـه كما قال: "هكذا ليس مشيئة أبـي الذى فـى السموات أن يهلك أحد من هؤلاء الصغـار"(متى14:18).

التوبـة إذن مطلب إلهـي "فالله الآن يأمـر جميع الناس فى كل مكان أن يتوبوا متغاضيـاً عن أزمنـة الجهـل" (أعمال20:17).

ان الله هو الذى يقودنـا أحيانـاً الى التوبـة

(1) بلطفه:"أم تستهين بغنى لطفه وإمهالـه وطول آنـاتـه غير عالم أن لطف اللـه إنـما يقتادك الى التوبـة"(رومية4:2)، وأيضاً قول بطرس الرسول:"ان الرب لا يبطئ بوعده كما يزعم قوم وإنـما يتآنـى لأجلكم إذ لا يريد أن يهلك أحد بل أن يقبل الجميع على التوبـة"(2بطرس9:3).

(2) بتأديبـه: "انـى كل من أحبـه أوبّخـه وأؤدبـه فكن غيوراً وتب"(رؤيا19:3).

ومهما كانت الوسيلة يجب أن لا ننسى قول السيد الـمسيح من أن السماء تفرح بعودة الخاطئ:"أقول لكم انه يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين لا يحتاجون الى التوبـة"(لوقا7:15).

لهـذا وضع السيد الـمسيح سر الـتوبـة أو الـمصالحـة مع الله وأعطى الكنيسة السلطان لـمساعدة الخاطئ للرجوع للآب السماوي.

+ فمـاذا تعنى كلـمة "سـر" إذن؟

لـكلـمة "سر" فـى الكتاب الـمقدس معناهـا الإعتيادى الـمعروفـة بـه.كـما فـى قـولـه "وعمل بنو إسرائيل سراً" (2ملوك 9:17) ، وقـولـه "لا تبح بسر غيـرك" (أمثال 9:25).

غـيـر أن لـهـا معنيين آخرين،فيـراد بهـا إمـا:

1. كل شيئ مقدس وغيـر منظـور

        "سر الرب لخائفيه" (مز 14:25)

        "لتعرفـوا أسرار ملكوت السموات" (متى 10:8)

         "وأعلـم جميع الأسرار" (1كورنثوس2:3)

         "لست أريد أن تجهـلوا هـذا السر"(رومية 25:11)

        "السر الذى كان مكتومـا" (رومية 25:16)

        "هـذا السر عظيم" (أفسس 32:5)

        "ولهم سر الإيـمان" (1تـسالونيكى 9:3)

        و "عظيم هـو سر التقوى" (1تـسالونيكى 16:3)،

2. بمعنى رمز أو إشارة أو علامـة ففى قول دانيال بعد وصف التمثال الذى رآه نبوخذنصر "إن هـذا سر" يعنى به علامـة لأمـور خفية (دانيال 2). وكما جاء فـى سفر الرؤيا عن "سر السبعة كواكب التى رأيت على يمينى والسبع منابر فالسبعة كواكب هى ملائكة السبع كنائس" (رؤيا20:1). وكذلك جاء عند وصف الزانية الجالسة على الـمياه قوله "وعلى جبهتها إسم مكتوب سر" وقال الـملاك "أنا أقول لك سر الـمرأة" أي أفسر لك رمزهـا (رؤيا 1:17-7).

وكـما نجد عن سر الزواج "هـذا السر عظيم ولكننى أنا أقول من نحو الـمسيح والكنيسة" (أف 31:5).

فـأسرار الكنيسة السبعة ومنهـا سر الإعتراف،كـما جاءت فـى الكتاب المقدس تعنى مواهب ولها علامات تشيـر إلى أمور مقدسة خفية.

وعليه فالسر الكنسي إذن معناه نعـمـة غـير منظـورة نحصل عليها بممارسة طقس ظاهـر ذى علاقـة بهـا على يد كاهـن شرعـي.

ولهذا رتّب اللـه لـموسى علامات كثيـرة لأجل بنيان شعب إسرائيل فـى التقوى كالـختان والكهنوت والكفّارة والحمل الفصحى وخبز التقدمـة وكلها علامات حسية تشير إلى البِـر الذى كان عتيداً أن ننالـه بذبيحة السيد الـمسيح.

فأسرار الـمعموديـة والتوبـة ومسحة الـمرضى تعتبـر أدويـة للشفاء من الخطية الأصلية والخطايا الفعـلـيـة.

وأسرار الزيجـة والـميـرون هـمـا دواءان للإنـتصار،فـأحدهمـا للنصرة على الشهوات والثانـى لإضعاف قوة الشهوة والغضب.

أمـا أسرار الكهـنوت وسر القـربان يـنـمـيان الحياة الروحيـة الـمكتسبة من الأسرار الأخـرى.

فسر التوبـة هـو نعـمة تولـي الخاطي الراجع الـى اللـه غفران خطايـاه وذلك بإعترافـه بهـا للكاهن الشرعي،وحصولـه منـه على الحِلْ منهـا وذلك بالسلطان الـممنوح لـلكاهن من السيد الـمسيح وبذلك تُـمحى خطيئة التائب ويتبرر منهـا، ويحصل على رجاء الحيـاة الأبديـة،ويُعتق من عقاب الخطيّـة ويتصالح مع الله وينال السلام،وتتجدد لـه رتبـة البنـويـة للـه التى فقدهـا بالخطيّـة، لذلك دعى الآبـاء هذا السر بالـمعموديـة الثانيـة.

أمـا ثـِمار سر الإعتراف فتشمل الآتـي:

1.الـمصالحة مع الله وبواسطتها يستعيد التائب النِعمة الـمفقودة بالخطيّة

2. الـمصالحة مع الكنيسة

3.مغفرة عقاب الخطيئة أي الهلاك الأبدي

4. مغفرة العواقب الزمنيـة للخطيئة ولو جزئيـا

5. سلام وطمأنينـة الضميـر والتعزيـات الروحيـة

6. نـمو القوى الروحيـة من أجل الجهاد الروحـى

مـا هـى العناصر التى تكوّن سر الإعتراف؟

سر الإعتراف أو التوبـة يشمل على أربع عناصر رئيسية-ثلاث منها يقوم بها التائب-وهى:

أ‌-                   الندامـة

ب‌-              الإعتراف بالخطايا للكاهن

ت‌-              العزم على إتـمام نوع من التعويض كعلامة على التوبـة

ث‌-              الحِلْ الذى يـمنحه الكاهن بإسم الـمسيح والكنيسة.

وفيما يلي عناصر سر التوبـة بأكثر تفصيلاً:

1. الثقـة والإيـمان التام برحـمة الله اللامتناهيـة-فقبل أن يتقدم الخاطي إلـى الله عليـه أن يرجو رحمة الرب.

2. القيام بفحص الضـميـر وذلك بإستعراض الوصايا الإلهيـة ومدى الإلتزام بهـا.

3. الندامـة والتوبـة

4. الإعتراف بالخطايا للكاهن (الذى يمثل السيد المسيح)

5. العزم على إتـمام نوع من التعويض كعلامة على التوبـة

6. الـحِـلّ الذى يمنحـه الكاهـن بإسم المسيح والكنيسة.

7. تنفيذ مـا يوصي بـه الكاهـن

8. الصلاة والشكر للـه

9. الحذر والثبات ومواصلة الصلاة مع التدريبات الروحيـة

  ________________

 

 مـا هـى الخطيئـة وتبعاتهـا؟

قبل التعرف على خطوات سر التوبـة ومفاعيلـه علينـا أن نعرف معنى الخطيئـة وتبعاتهـا والتى تتطلب منـا التوبـة والندامـة عليهـا.

+ مـا هـى الخطيـّة؟

الخطيـّة هـى لفظ أو فعل أو رغبـة ضد الشريعـة الإلهيـة. وهى عدم أمـانـة وخيانـة للـه الـمُحّب ولقدسيتـه ولعهد محبتـه للبشر.

+ هـل الخطيئـة شر عظيـم؟..ولـمـاذا؟

الخطيئـة هـر شر عظيم للأسباب التاليـة:

تهين جلال اللـه خالق الإنسان ومخلّصـه:"إستمعي أيها السموات وأنصتي أيتها الأرض فإن الرب تكّلم. إنيّ ربيت بنين ورفعتهم لكنهم تـمردّوا عليّ…إنهم تركوا الرب واستهانوا بقدوس اسرائيل وارتدّوا على الأعقاب"(اشعيا2:1و4).

تطعـن فـى محبـة الله للإنسان: "وبهذا تتبين محبة الله لنا أن الله أرسل ابنه الوحيد الى العالم لنحيا بـه، وإنما الـمحبة فى هذا أننا لم نكن نحن أحببنا الله بل هو الذى أحبنـا وأرسل إبنـه كفّارة لخطايانا"،"فلنحب الله نحن إذ قد أحبنـا هو أولاً"(1يوحنا9:4-10و19).

تحـط من كرامـة الإنسان ذاتـه بإعتباره صورة الله ومثاله ومدعو لأن يصير إبنـاً للـه(تكوين26:1).

تضـر بالصحـة الروحيـة للكنيسة كلهـا لأنه"إذا تألم عضو تألـمت معه جميع الأعضاء" (1كورنثوس26:12).

– إنهـا إنفصال الإنسان عن الله أي هـى مـوت. فالقديس بولس يُعلن أن "أجرة الخطيئة موت"(رومية23:6)،لأن الله قال لآدم:" لا تأكلا منـه ولا تـمّسـاه كيلا تـموتـا"(تك3:3)، ومن أجل هذا قال القديس يعقوب "..والخطيئة إذا تـمّتْ تنتج الـموت"(يعقوب5:1). وقد عبـّر القديس لوقـا عن هذا الـموت فـى مثل الإبن الضال:"لأن إبنـي هذا كان ميتـا فعاش"(لوقا24:15)، ويقول القديس بولس مؤكداً أن الخطيئة موت روحـي :"كنتم أمواتـاً بالذنوب والخطايـا"(افسس1:2). فالإنسان الـمنفصل عن الله هو ميت لأن الإنفصال يفض الشركة مع الله نهائيـاً "آيـّة شركة للنور مع الظلـمة، وأي إتفاق للـمسيح مع بليعام"(2كورنثوس14:6-15).

– أنهـا إهـانـة للـه فداود الـملك لـمّا إعتدى على أوريـا الحثي وأخذ إمرأتـه كان يظن انـه إعتدى على إنسان فقط، ولكنه أيضاً كان قد إعتدى على الله فلهذا يذّكره ناثان النبي بإسم الله بأنـه ازدرى الله نفسه وبالتالـى سيعاقب فقال لـه: "فلـماذا ازدريت كلام الرب وإرتكبت القبيح فـى عينيـه..والآن فلا يفارق السيف بيتك"(2ملوك 9:12-11).

هـل هناك أنواع من الخطـايـا؟

هناك "خطايا تؤدى إلـى الـموت" (أي مميتة أو ثقيلـة)

و " خطايـا لا تؤدى إلـى الـموت" (أي عَرضَيـة او عن سهو أو هفوة)

كما جاء فـى الكتاب الـمقدس: "هناك خطايا تؤدى الى الـموت،فلا أطلب لأجلها. كل معصية خطيئة، ولكن هناك من الخطايا ما لا يؤدى إلـى الـموت"(1يوحنا16:5-17).

قال السيد الـمسيح عن الـمرأة الخاطئة التى جاءت لبيت سمعان الفريسي ودهنت وهى تبكي قدمي يسوع بالطِيب:"إن خطاياهـا الكثيرة مغفورة لهـا"(لوقا47:7).

أن هناك العديد من الخطايـا كـما جاء فـى الكتاب الـمقدس ويـمكن تحديد أكثـر من 667 نوعـاً منهـا.

ويـمكن تقسيم الخطايا كالآتـى:

1.    على حسب الهدف منها

أ‌.        إذا كانت تخص الله أو القريب أو النفس

ب‌.   خطايا روحية وخطايا جسديـة، أو كخطايا الفِكر والقول

 أو الفِعل أو الإهمال.

2.    على حسب ثِقلها

هناك خطية ثقيلة أي مميتة وخطيّة عَرضية أو بسيطة. ولنـا فـى رسالة القديس يوحنـا الأولـى ما يشيـر إلـى مثل هذا التقسيم لدرجـة ثِقل الخطيئـة:"ان رأى احد أخاه يرتكب خطيئة ليست للموت فليسأل فإن الحياة تعطى له كما تعطى للذين يخطأون لا للموت.من الخطيئة ما هى للموت ولست من أجل هذه آمر ان يُطلب.كل إثم خطيئة ومن الخطيئة ماليست للموت"(1يوحنا16:5-17).

وفـى إجابـة السيد الـمسيح لبيلاطس البنطي جاء تعبيـر عن "خطيئة أعظم" :"من أجل هذا فالذى أسلـمني إليك لـه خطيئـة أعظم"

(يوحنا11:19). وأيضاً فـى قولـه للكتبة والفريسيون جاء تعبيـر "أثقل ما فى الناموس":"الويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيون الـمرآءون فإنكم تُعشرون النعنع والشِبت والكـمّون وتتركون أثقل ما فـى الناموس وهو العدل والرحمة والإيـمان"(متى23:23).

الخطيـة الـمميتـة هى التى تقتل النفس وتُبعدهـا عن النِعـمة الـمقدسة أو الحياة الفائقـة الطبيعـة.

 

وهناك ثلاث شروط لتصبح الخطية مميتة:

        هى الخطية التى لها هدف مميت

        التى تتم بكامل الوعى والفهم

        التى تـمس الوصايا العشر (خروج2:20-22).

"أنظر. إنـّي قد جعلتُ اليوم بين يديك الحياة والخير والـموت والشر" و "قد جعلتُ بين أيديكم الحياة والـموت والبركة واللعنـة فأختر الحياة لكى تحيا أنت وذُرّيتك"(تثنية الإشتراع15:30و19). "النفس التى تخطأ هى تـموت"(حزقيال20:18).

وثِقل الخطية المميتة أيضا له درجات فالقتل أثقل من السرقة، والعنف ضد الوالدين أثقل من العنف ضد القريب، لهذا قال السيد الـمسيح: "أما أنا فأقول لكم إن كل من غضب على أخيه يستوجب الدينونة. ومن قال لأخيه راقـا يستوجب حكم الـمحفل. ومن قال يا أحمق يستوجب نار جهنم"(متى22:5).

"الحق أقول لكم إن جميع الخطايا والتجاديف التى يُجدّف بها بنو البشر تُغفر لهم وأمـّا من جدّف على الروح القدس فلا مغفـرة له إلـى الأبد ولكنّـه مُجرم بخطيئـة أبديـة"(مرقس29:3-30).

ولا يمكن إعتبار عدم معرفتنا بالوصايا عذر لنا بالخطأ ونقول اننا لم نكن

نعرف فهذه الوصايا مطبوعة فى ضمير الإنسان.

3.على حسب أصلهـا

– هناك خطيـة موروثـه وهـى خطية أبوينـا آدم وحواء "من أجل ذلك كـما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلـى العالـم وبالخطيئة الـموت وهكذا إجتاز الـموت إلـى جميع الناس بالذى جميعهم خطِئـوا فيـه"(رومية12:5) و "لأنـه كـما أنـه بـمعصية إنسان واحد جُعل الكثيـرون خطأة"(رومية19:5).

ولهذا صرخ داود النبي قائلاً:"إنـي فى الإثم وُلدتُ وفى الخطيئة حَبِلت بـي أمـي"(مزمور7:50). وبتلك الخطيئة الـموروثـه تأثرت الطبيعة البشريـة وأصبح لنـا ميل للشر لهذا قال بولس الرسول:"فإن كنت أنا أعمل ما لا أريده فلست أنا أعمل ذلك بل الخطيئة الساكنة فـيّ"

(رومية20:7).

– وهناك الخطايـا الشخصيـة، وهـى تلك التى يقترفهـا الإنسان بإرادتـه ولهذا يقول يعقوب الرسول:"فإنـّا جميعنـا نزِلّ كثيـراً"، والرسول بولس يقول:"إذ الجميع قد خطئوا فيعوزهم مجد الله"(رومية23:3).

وجذور الخطيئة هـى فى قلب الإنسان وفى إرادتـه الحـرة "لأنها من القلب

تخرج الافكار الرديئة القتل الزنى الفجور السرقة شهادة الزور التجديف.هذه

هى التى تنجس الانسان "(متى 19:15-20).

والقديس جريجورى الكبير يقول ان أساس الخطايا هى الكبرياء وإذا ما تأصلت ولدت العديد من الخطايـا.

وهناك خطايا تصرخ وحدها نحو السماء مثل خطية هابيل "ماذا صنعت ان صوت دماء اخيك صارخ الي من الارض"(تك10:4) ، وخطايا سدوم وعمورة "فقال الرب ان صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيئتهم قد عظمت جدا"(تك20:18)،وصراخ الإسرائليين فى أرض مصر من ظلم المصريين "فقال الرب اني قد نظرت الى مذلّة شعبي الذين بمصر وسمعت صراخهم من قبل مسخّريهم وعلمت بكربهم. والآن هوذا صراخ بني اسرائيل

قد بلغ اليّ وقد رأيت الضغط الذى ضغطهم المصريون" (خر7:3-11) وصراخ الغربـاء والأرامل والأيتام.

والخطية هى فِعل شخصي وأيضا نحن مسؤلون عن خطايا الغيـر :مشاركتنا الـمباشرة وتطوعا فى ذات الفعل بإلقاء الأمر والنصيحة والـمديح والـموافقة بعدم الـمعارضة أو منع الغير إذا كان لدينا القدرة ، بحماية أبواب الشر.

أمثلـة لبعض الخطايـا كما جاءت فـى الكتاب الـمقدس:

1.       عدم الطاعـة:"هل أكلت من الشجرة التى نهيتك عن أن تأكل

منهـا"(تكوين6:3و11).

2.       الخديعة:كما فعل يعقوب ورفقة مع اسحق (تك11:27-15).

3.       الحقد:كحقد عيسو على يعقوب بسبب البركة (تك41:27).

4.       الـمؤامرة:لقتل يوسف من اخوته (تك18:37-22).

5.       صنع العجل الذهبي (خروج32).

6.       كسر وصيّة السبت (عدد32:15-36).

7.       الـتمرد ومعارضة رجل الله:كقورح ومعاندته لموسى(عدد16).

8.       أخذ الرشوة:مثل أولاد صموئيل النبي (1ملوك3:8).

9.       ممارسة أعمال السِحر:كما إلتجأ شاول (1ملوك7:28-11)

10.  الزنـا:كما فعل داود الـملك مع بتشبّع(2ملوك4:11و27).

11.  الإغتصاب:كما فعل أمنون ابن داود مع تامار (2ملوك14:13).

12.  الحياة فى الجسد (غلاطية3:3).

13.  عدم طاعة الوالدين (رومية30:1).

14.  عدم الشكر (رومية21:1).

15.  عدم الصلاة (هوشع7:7).

16.  عدم الرحـمة بالقريب (متى23:18-35).

17.  إنكار يسوع (متى69:26-75).

 مـا هـى الشريعـة الإلهيـة؟

الشريعة الإلهيـة،والتى إذا ما خالفهـا الإنسان يصبح خاطئـاً،هـى أساساً وصايـا اللـه العشرة كما سلّمهـا الله لموسى(خروج 2:20-18) ،وهـى التى لخّصهـا السيد الـمسيح فـى وصيتين أساسيتين هـما

" أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل ذهنك هذه هى الوصيّة العظمى والأولـى. والثانية التى تُشبهها أحبب قريبك كنفسك بهاتين الوصيّتين يتعلق الناموس كلّه والأنبياء" (مت37:22-40). والشريعة الإلهيـة هـى أيضاً مـا تقرره الكنيسة بالسلطان الـممنوح لهـا من السيد الـمسيح، مثل وصايـا الكنيسة.

وصـايـا الله العشر:

1.    أنا هو الرب إلهـك، لا يكن لك إلـه غيـري

2.    لا تحلف باسم الله بالباطـل

3.    احفظ يوم الرب

4.    أكرم أباك وأمـك

5.    لا تقتـل

6.    لا تزنِ

7.    لا تسرق

8.    لا تشهد بالزور

9.    لا تشتـه امرأة قريبك

10.                      لا تشتهِ مقتنـى غيرك

وصايـا الكنيسة السبع

1.    اسمع القدّاس أيام الآحاد والأعياد الـمأمورة

2.    صم الصوم الكبيـر وسائر الأصوام الـمفروضـة

3.    انقطع عن الزَفـر يوم الجمعـة

4.    اعترف بخطاياك للكاهن قلّـما يكون مرة فى السنة

5.    تناول القربان الـمقدّس قلّما يكون مرة فى عيد الفصح

6.    أوف البركـة أي العُشر

7.    امتنع عن اكليل العُرس فـى الأزمنـة الـمحرّمـة.

 
 مـا هـى الخطـايـا التى يلزم الإعتراف بهـا؟

يلزم على التائب الإعتراف للأب الكاهن فـى سر الإعتراف بالخطايا الثقيلة أو المميتة وهى التى تخص الله أو النفس أو ضد القريب، والتى لـم يُعترف بها من قبل وذلك بعد فحص الضمير. كذلك يمكن الإعتراف بالهفوات والخطايا العرضَية من أجل نقاوة النفس والتقدم الروحـي والتيقظ الدائم من فعل اي خطيئة أو إثم تغضب الله.

خطايـا ضد الله:

إهمال واجباتنا الروحيـة. فتور.قلة إحترام فى الكنيسة.شرود عقل فى الصلاة وعدم وضع نيّة. مقاومـة النِعـمة. حلف. تذمـر. قلة ثقة بالله. قلّة صبـر وعدم تسليم للإرادة الإلهيـة.

خطـايـا ضد القريب:

دينونة باطلة.حسد.رغبة الإنتقام. تجديف.سب.نميمة.إستهزاء.اغتياب. مشاجرة. ضرر فى مالـه. قدوة سيئـة. إحتقار. معصيـة. قلـة رحمة وقلة أمانـة.

خطـايـا ضد الذات:

كبرياء.حياء بشري. كذب. افكار وأشواق وأفعال مضادة

للطهارة.شراهـة.إحتداد وغضب. عيشة عديمة النفع ومتنعـمة. كسل.

 

الـموانـع التى قد تعيق الإنسان عن التوبـة

1.      الفتــور والجفــاف

هو الشعور بعدم الـميل للصلاة والتحجج بأعذار كأن نقول إننا لا نعرف كيف نصلي؟ أو لمـاذا نصلى؟ أو ليس لي حاجة من الرب؟،أوأنا بأحضر القداس وهذا يكفي.ولكن تــذّكر قول الكتاب:"إنك فاتر لا حـار و لا بارد فقد أوشكت أن أتقـيـأك من فمـي" (رؤيا 16:3).

ويمكن التغلب على هذه الحالة بقرأة بعض سير القديسين والإستعانة بصلاة الأجبية والترانيــم او سماع شرائط تراتيل والترنيم معها وفى نفس الوقت الإيمــان بأنك تحادث حبيب او صديق فلــما الخوف او التردد؟. إذهب الى الكاهن وإعترف بهذه الحالـة وإسمع الى إرشاد الروح القدس على لســانه.فتــش أيضـا فى نفــسك عن خطايا لــم تعترف بـها من قبـل.

2.حب الذات

"من أراد أن يتبعني فليكفر بنفـسة ويحمل صليبه ويتبعنى " (متى 24:16)

مان هذا هو قول السيد الـمسيح لرسله، و فى مثل الفريسي والعشـّار دروس لنـا فى هـذا الموضوع: "وقال هذا المثل لقوم كانوا يثقون بأنفسهم بأنهم صدّيقون ويحـتقرون غيرهم( لو10:18).

" مـن يـمـيـزك وأي شـيئ لك لم تأخــذه وإن كنـت قد

أخذت فلمـاذا تفتخر كأنك لم تأخذ"(1كورنثوس7:4).

3.مــيل متــملــك

غريزة الإمتلاك،حب الشـهرة،أو التســلط على الآخرين وهى كلهـا غرائز طبيعية فى الإنسان،او عادات مكتسبة مثل الشتيمة – النميمة – الحلف – شرب الخمر – الطمع – عين الإشتهاء.وفى تجربة ابليس ليسوع فى البّريـة (متى 1:4-11) سوف نجد مثال كيف يستخدم الشرير الغرائز الإنسانية للسيطرة على الإنسـان . فغريزة التملك نجدها فى تجربة ان تصير الحجارة خبزاً وقد حاربها السيد المسيح بقبول الحياة فى فقر “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” فحب المـال هو أصل كل الشـر. وغريزة الشهره نجدها فى تجربة السقوط من أعلى الهيكل فيراه الناس ويؤمنوا وكم من مرة حاولوا أن يملّكــوه ولكن السيد المسيح كانت مملكـتـه هى قلوب البشر،وغريزة التسلط على الآخرين ونجدها فى تجربة طلب السجود للشيطان للحصول على سلطان هذا العالم ولقد حارب الرب يسوع هذا بالتواضع

"لأنـي أعطيتكم قدوة حتى إنكم كما صنعت انا بـكم تصنعـون انتم أيـضا” (يو15:13). فلنبحث فى نفوسنــا ونـفـتــش مـا هو الـميل الذى يـبعدني عن حـب يــسوع."لكن أثـامكم فرّقـت بينكم وبين إلهـكـم وخطايـاكـم حجبت وجهـ ـه عنكم فلا يسمــع" (أشعيا 2:59).

4.كبريــاء ســرّيــة

تظاهر – مسرّة عند المديح – مسرّة أن يُعرف بين الناس بالتقوى من الاهتمام الفعلى بخلاص الآخرين – غـم خــفي بسبب نجـاح الآخرين أو حصولهم على ثمرة من ثمار الروح القدس – حزن شديد بعد السقوط فى الزلات – صفر اليدين من الآعمال الصالحــة – قشـرة رقيـقة تخفى شهوات حقيقية،عدم الإنتمـاء الى الكنيسة،بدع وهرطقات،الدفاع عن الكنيسة بروح فردية لا جمــاعـيـة.

" إنك لا تفطن لـما للـه لكن لـمـا للناس" (متى 23:16).

"إحـذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بلباس الحملان وهم فى الباطن ذئاب خاطفـة , من ثمارهم تعرفونهم "(متى15:7).

 ______________________

 

لـماذا يجب الإعتراف على الكاهـن؟

1. لأن الكاهـن لـه سلطان الحِلْ من الخطايـا

جاء فـى الكتاب المقدس إن الله هـو وحده غافر الخطايـا

"من يقدر أن يغفـر الخطايا إلاّ الله وحده" (مرقس7:2) .

ويسوع الـمسيح هو إبـن الله "إن إبن الإنسان له سلطان على الأرض ليغفر الخطايا"(مرقس10:2)، وقد مارس بالفعل سلطانه الإلهي هذا عندما قال للـمخلّع الذى أتوا بـه للسيد الـمسيح وعندما رأى إيمانهـم قال للـمخلّع: "يـا بني مغفورة لك خطاياك" (مرقس5:2)، وأيضاً عندما جاءوا إليـه بالـمرأة التى أُمسكت فـى الزنـا قال:"ولا أنا أحكم عليكِ اذهبي ولا تعودي تخطئين"(يوحنا11:8)، وللـمرأة التى سكبت الطيب على قدميـه وقال لها:"مغفورة لكِ خطاياكِ"(لوقا48:7).

والسيد المسيح أعطى سلطانه الإلهـى هذا للبشر ليمارسوه بإسمه حتى أن الشعب عندما شاهد معجزة شفاء الـمخلّع بعد مغفرة خطايـاه جاء عنهم انهم"خافوا ومجدّوا الله الذى أعطى الناس سلطان كهذا"(متى8:9)، وأيضاً جـاء إنـه أعطى للكنيسة فـى شخص القديس بطرس مفاتيح ملكوت السموات "سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما ربطته على الأرض يكون مربوطاً فى السموات وكل ما حللته على الأرض يكون محلولاً فى السموات" (متى19:16)، وفـى مرّة أخرى أعطى هذا السلطان للرسل:"ألحق أقول لكم إن كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً فـى السموات"

(متى18:18). وفى هذا النص نجد أن سلطان "الحل" و"الربط" يعني سلطان يختص بالروحانيات وليس شيئاً ماديـا وهو يتعلق بالخطايـا التى قد يقترفهـا الإنسان فتقيده من الإنطلاق والنمو فـى الحياة الروحية, وايضا هو سلطان غير محدود "كل ما ربطتموه..وكل ما حللتموه"، وكذلك هذا السلطان هو سلطان للحكم، وايضا سواء أكان هذا "الحل" أو "الربط" تم ممارسته بواسطة الرسل على الأرض لكنـه سيصل تأثيـره للسماء.

وهذا السلطان تـم تأكيده بعد موت وقيامـة السيد الـمسيح وعهد بهذا السلطان لرسله عندما ظهر لهم وقال لهم:"خذوا الروح القدس.من غفرتم خطايـاهم تُغفر لهم ومن أمسكتم خطايـاهم تُمسك لهم"

(يوحنا22:20-23). وفـى هذا النص أكد السيد الـمسيح بصورة قويـة السلطان الـمُعطى للرسل من قبل "للحل" و"الربط" بقولـه "من غفرتم" ، "من أمسكتموها" والتى ترجع كلهـا للخطايـا. وأيضاً يعلن أن مهـمة الرسل هى مشابهة لـمهمة السيد الـمسيح "كما أرسلني الآب كذلك أنـا أرسلكم"(يوحنا21:20)، فهو قد جاء للعالم ليقهر الخطية وفى عديد من الـمواقف جاء ذكر ما قام بـه من مغفرة الخطايا مثل الـمخلّع (متى2:9-5)، وللمرأة الخاطئة (لوقا47:7) فهو "الذى أحبنـا وغسلنا بدمـه من خطايانا"(رؤيا5:1)، وعليه فمهـمة الرسل لابد أن تحـمل هـى أيضاً مغفرة الخطايـا. وهذا السلطان فـى مغفرة الخطـايـا هو مطلق فلم يشمل على أيـّة خطيـئة بذاتهـا أو على أي خاطـئ حسب نوعيـتـه لهذا قال السيد الـمسيح للرسل "من غفرتـم خطاياهـم". وأيضاً هذا السلطان الـممنوح للـمغفرة أو الإمساك للرسل يتبعـه موافقـة الله عليـه "تُغفر لهـم" أو "تُمسك لهـم".

وأيضاً نجد أن السيد الـمسيح عندما أعطى الرسل هذا السلطان لـمغفرة الخطايـا "نفخ فيهـم"(يوحنا22:20)، والعجيب أن الـمرّة الأولـى التى جاء فيهـا أن الله نفخ فـى الإنسان كان عند خلق آدم "ونفخ فـى أنفـه نسمة حياة"(تكوين6:2)،وفيهـا أعطى الإنسان الحيـاة، أمـّا الـمرّة الثانيـة فكانت عندما أعطى الرسل "الروح القدس" وسلطان الحل والربط،وبهذا أعطى القوة لبقاء الحياة لإنسان العهد الجديد.

ولهذا يتضح من كلام السيد الـمسيح الذى لا يقبل النقاش أو الجدل أنه قد أعطى الرسل السلطان على الحكم بـمغفرة الخطـايـا. ولاشك أن سلطان الـمفاتيح هذا هو السلطان الـمطلق الذى بلا قيد وشرط كما يُستدل على ذلك من اشعيا "سأعطيك مفاتيح بيت داود"(اشعيا22:22)، وكما جاء فى سفر الرؤيـا"وفى يدي مفاتيح الـموت والقيامـة"(رؤيا18:1).

 والرسل قد فهـموا جيداً هذا السلطان ولهذا قال الرسول بولس ان الله قد أعطى للرسل "خدمـة الـمصالحـة" (2كورنثوس18:5). ولقد عـمل الرسل بهذا السلطان،فبولس الرسول قد حكم على الخاطئ الذى حاز إمرأة أبيـه قائلاً:"أما أنا الغائب بالجسد الحاضر بالروح فقد حكمت كأنى حاضر على الذى فعل مثل ذلك بإسم ربنا يسوع الـمسيح وأنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع بأن يُسّلم مثل هذا الى الشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح فى يوم ربنا يسوع الـمسيح"(1كورنثوس3:5-5)، وايضاً قال:"وإن كان أحد لا يطيع ما نوصي بـه فى الرسالة فلاحظوه ولا تخالطوه لكي يخجل ولا تنـزلوه منزلـة العدو"(2تسالونيكي14:3-15)، ويوصي تلميذه تيطس قائلاً:"ورجل البدعـة بعد الإنذار مرة وأخرى أعرض عنـه عالـما ان من هو كذلك قد فسد تماما وهو فى الخطيئة لأن ضميره يقضي عليـه"(تيطس10:3-11).

ولكي تقوم الكنيسة بمهمتها أي خلاص النفوس وتكميل القديسين ، وضع الله فيها رسلا وأنبياء ومبشرين ورعاة ومعلّمين "وهو الذى جعل بعضاً رُسلاً وبعضاً أنبياء وبعضاً مبشريـن وبعضاً رعاةومعلّـمين لأجل تكميل القديسين ولعـمل الخِدمـة وبنيان جسد الـمسيح"(افسس 11:4). وجاعلا اياهم وكلاء أسراره "فيحسبنا الإنسان كخّدام الـمسيح ووكلاء أسرار الله"(1كورنثوس1:4)،(تيطس7:1)،وسفراء عنه "فنحن سفراء الـمسيح كأن الله يعظ على ألسنتنـا"(2كورنثوس20:5)،وأعطاهم الحل والربط فى السماء والأرض (متى 18:18).

ولدوام سلسلة الولاية او الخلافة الرسولية فى كل الأجيال أعطاهـم ان يقيموا آخرين لإستمرار الكنيسة فى أداء مهمتها حتى المجيئ الثانى:

"وإنتخبـا لهم قسوساً فى كل كنيسة (أعمال23:14)،"من أجل هذا تركتك

فى كريت لكي تُكـمّل ترتيب الأمور الناقصة وتُقيـم فى كل مدينـة شيوخاً كـما أوصيتك" (تيطس 5:1).وحدّد طريقة هذه الإقامة بوضع اليد

"وأقاموهـم أمام الرسل فصلّوا ووضعوا عليهم الأيدي(أع 6:6)، "لاتُبادر إلـى وضع يدك على أحد ولا تشترك فى خطايا غيرك"(1تيموثاوس22:5).

ولهذا يواصل الأساقفة خلفاء الرسل والكهنة معاونوهم القيام بهذه الخدمـة بالسلطان الذى نالوه بسر الدرجة الكهنوتيـة. ولقد أعلنت الكنيسة منذ نشأتهـا إيـمانهـا بهذا السلطان الـممنوح لهـا ومارستـه بكل تدقيق.

2. لأن الكاهـن هو رسول الله

فالكاهـن هو كرسول الله للإنسان "لأن شفتي الكاهن تحفظان العِلم ومن

فِيـهِ يطلبون الشريعـة إذ هو ملاك رب الجنود"(ملاخى20:2).

3. لإمكانيـة التقدم من سر التناول بإستحقاق

ان الإعتراف للكاهـن ضروري لكى يسمح الكاهن للتائب بالتقدم لسر التناول بإستحقاق لأن "أي إنسان أكل خبز الرب أو شرب كأسه وهو على خلاف الإستحقاق فهو مجرم إلى جسد الرب ودمه"(1كورنثوس27:11).

4.من أجل الإرشاد الروحـي

يكون من أجل الإرشاد الروحي ليشرح الكاهن للإنسان التائب ما يجب أن يفعلـه للنمو فى الحياة الروحيـة والإنتصار على الخطيّـة.

5. لكي يجلب الإحساس بالخجل

الإعتراف بالزلاّت والضعف أمام شخص آخـر كما يذكر الكتاب

الـمقدس" إعترفوا بعضكم على بعض بالزلاّت"(يعقوب16:5) غالبـاً ما

يُصيب الإنسان بالخجل،ويزداد هذا الخجل خاصـة عندما يذكر خطاياه أمام شخص روحانـي، وأمام الكهنوت بالذات، وهذا الخجل الإيجابـي فـى كثير من الأحيان يساعد الإنسان على عدم إرتكاب الخطيـّة فى الـمستقبل.

6. من أجل المصالحة مع الله

لقد علّمنا السيد الـمسيح فى موعظتـه على الجبل ضرورة أن نزيل أي

غضب أو حزن قد يصيب الغيـر بسبب الإساءة أو خطأ إقترفنـاه قبل أن نتقدم بأي ذبيحة للـه" فإن قدمت قربانك على الـمذبح، وهناك تذكرّت أن لأخيك شيئاً عليك،فاترك هناك قربانك قدام الـمذبح، واذهب أولاً وصالح أخاك"(متى23:5و24). فإذا ما إنطبق ذلك فـى العلاقات البشريـة، فبالأحرى أن نتذكر مدى الإساءة التى سببناهـا الى الله بخطايـانـا فنأتـى الى كاهن الله طالبيـن منـه الـمغفرة والصفح،لهذا طالبنـا بولس الرسول قائلاً:"فأسألكم من قِبَل الـمسيح تصالحوا مع الله"

(2كورنثوس20:5).

8.لأنـه جاء ضمن ممارسات الكنيسة فـى العصور الأولـى للـمسيحية إن الآبـاء منذ الجيل الأول للـمسيحية استعملوا سلطان الحل والربط وأمروا بالإعتراف كما يستدل على ذلك من كتابات الآبـاء:

– كتاب الديداخى (70م)وهو كتاب يحوي ملخص لقوانين الرسل حيث جاء به:"وإذا اجتمعتم فى يوم الأحد لكسر الخبز وتلاوة الشكر فليكن بعد الإعتراف بخطاياكم كى تكون ذبيحتكم نقيـة".

– القديس كليمنس St. Clementو الذى مات عام 99م جاء فى رسالته

الشهيرة لأهل كورنثوس:"على الـمتمردين أن يتقدموا لكهنة الكنيسة للحصول على الـمغفرة إذا ما تابوا".

– رسالة القديس أغناطيوس الأنطاكي الـى أهل فيلادلفيـا(110م) حيث جاء بها:"اعترف بخطاياك فى الكنيسة ولا تقترب من الصلاة بضمير غير نقي".

– القديس ايريناوس فى دفاعه عن الهرطقات(180م).

– العلاّمـة ترتليانوس فى رسالته عن التوبـة(203 م).

– القديس هيبوليتس فى كتابه عن التقاليد الرسولية (215م).

القديس كبريانوس St. Cyprian of Carthage(251م) فى رسالته عن السقوط، حيث جاء بها:"أطلب منكم أيها الأحباء أن تعترفوا بخطاياكم ما دمتم فى الحياة الحاضرة حيث صفح الخطايا الممنوح من الكهنة مقبول ومرضي عند الله".

        Firmilian of Caesarea (268م) اسقف قيصرية فى رسالته الى أهل جزيرة قبرص.

– القديس باسيليوس الكبير St. Basil the Great (374م) فى كتابه عن ملخص القواعد الـمعمول بهـا حيث جاء به:"إن صفة الإعتراف بالخطايا هى صفة الآلام الجسدية فكما ان امراض الجسد لا تعلن لكل واحد ولا لمن اتفق،بل للأطباء الخبيرين الحاذقين بالداء وعلاجه،هكذا الإعتراف بالخطايا يجب ان يكون للكهنة القادرين على الداء والشفاء".

– القديس أثناسيوس الذى توفى عام 375م حيث جاء فى إحدى كتاباتـه:"كما ان الـمعتمد من الكاهن يستنير بنعمة الروح القدس هكذا من يعترف بخطاياه بواسطة الكاهن يحظى بالغفران بنعمة المسيح".

– القديس يوحنا ذهبي الفم St. John Chrysostom(387م) فى رسالته عن الكهنوت:"لا تخجل من الذهاب للكاهن لأنك أخطأت،ولكن من أجل هذا السبب إذهب إليه، فلا يمكن أن يقول من هو مريض أنه لن يقترب من الطبيب أو أخذ العلاج".

– القديس أمبروسيوس St. Ambrose of Milan(388م) فى كتابـه عن القصاص،حيث جاء"هوذا الآن الزمان الذى فيه يلزم ان تعترفوا بخطاياكم للـه وللكاهن وتمحوها بالأصوام والصلوات والدموع".

– القديس جيروم (388و389م) فى كتاباتـه عن انجيل متى وسفر نشيد الأناشيد.

– القديس أغسطينوس St. Augustine (395م) فى قول يعقوب الرسول"اعترفوا بعضكم لبعض بالزلاّت"(يعقوب16:5):ليس المقصود ان يعترف الكهنة للعلمانيين كما يعترف هؤلاء لهم،فإن هذه الجملة توجب دائما حصول المشاركة بين كل من الطرفين اي لا يلزم منها اعتراف الكهنة للشعب واعتراف الشعب للكهنة بل هى على حد قولك علّموا بعضكم بعضا وعالجوا احدكم اخاه وليسعف الواحد منكم صاحبه يعنى ان العالـِم يعلّم الجاهل والطبيب يعالج المريض والقوي يأخذ بناصر الضعيف".

– القديس البابا ليون الأول (459م):" ان الله فى عِظم رحمته أعطانا وسيلتان هامتان للعلاج لخطايا البشرحتى يمكنهم الحصول على نعمة الحياة الأبديـة،هـما نعمة المعموديـة،ونعـمة التوبة والغفران.

9.    لأنـه جـاء ضـمن قوانيـن الكنيسة وتعاليمها

– ضمن قوانين الكنيسة القبطية كما ظهرت فى الجيل الثالث

– ضمن الطقوس الكنسية كما جاء فى قداسي القديس باسيليوس الكبير

 والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات.

– وُضع سر الإعتراف ضـمن أسرار الكنيسة السبعة بدءاً من القرن

 الثانى عشر.

– المجمع اللاتيراني الرابع Fourth Lateran Council(1215) وما تضمنه من قرارات خاصة بسر التوبـة.

– المجمع الترينتي Council of Trent(1545-1562) وما تضمنه من قرارات خاصة بسر الإعتراف وتشمل: ان التوبـة هو سر حقيقي أنشأه الـمسيح ويتوخى غفران كل الخطايـا،وهناك تميز واضح ما بين سر العماد وسر التوبة،وهو من صميم تعاليـم الإنجيل الـمقدس.

المجمع الفاتيكاني الثاني (1961-1964) حيث استخدم كلمة "سر الـمصالحة" على غيرها من التسميات للدلالة على أنه يصالح الخاطئ بالله وبالكنيسة والبشر بعد فسخ عهد الحب بالخطيئـة.

        Catechism of the Catholic Churchملخص التعاليم المسيحية -1992حيث جاء فى البنود أرقام 980و1441و1444 ما يختص بسر الإعتراف.

هذا بالإضافـة ان ممارسة سر الإعتراف كان معروفـاً كما سبق وأن أوضحنـا فى الكنيسة على مر العصور،على الرغم من تلك الإنقسامات التى حدثت بين الكنائس فى الشرق والغرب بدءاً من سنة451م، ثم فى سنة 876و1053م وأخيراً فى عام 1472. فلم تضع الكنائس الشرقيـة ما كانت وضعته الكنائس الغربيـة من قبل عن سر الإعتراف، أو إتهـمتهـا بأنهـا أدخلت تعاليـم غريبـة،لكن بالعكس إعترفت كل كنيسة بضرورة التوبـة والإعتراف فى الكنيسة للحصول على مغفرة الخطايـا طبقاً لتعاليـم السيد الـمسيح رأس الكنيسة،والكنيسة التى لا يمارس بهـا سر الإعتراف لا تنطبق عليهـا صفة أو علامـة كنيسة السيد الـمسيح.

 

 

ألا يمكن للكاهـن إفشاء الإعتراف ؟

طبقـا لقوانيـن الكنيسة يلتزم الكاهن بحفظ سر الإعتراف تحت طائلة الذنب الجسيم والعقاب الشديد ايّا كانت الضغوط و التهديدات التى قد يتعرض لها الكاهن،وهذا ما يُعرف "بالختم الـمقدس" أو "ختم الإعتراف" The Seal of Confession". فتحت البند رقم 983.1 من قانون الكنيسة الكاثوليكية نُص على الآتـى:"إنهـا جريـمة على أب الإعتراف إذا مـا خان ثقـة التائب بأي كلـمة أو أي طريقة مهـما كانت وتحت أي سبب مهـما كان..". من أجل ذلك فالكاهن لا يـمكنه إفشاء سر الإعتراف خوفا على حياتـه، أو حمايـة لسمعتـه، أو لـمجابهـة إتهام خاطئ، أو لإنقاذ حياة إنسان آخـر، أو لـمساعدة العدالـة (كالإبلاغ عن جريـمة)، أو منع كارثة عامـة. والكاهـن أيضاً غيـر مُلزم تحت أي قانون وحتى إذا مـا أقسم اليـمين فـى الـمحكمة بأن يُفشي إعتراف إنسان آخـر،وهو أيضاً لايمكنـه أن يبوح بـمحتوى سر الإعتراف سواء مباشرة أو غير مباشرة بالإشارة أو التلـميح، أو طرح مقترحات، أو بالفعل. والقانون أيضاً يحرّم على أب الإعتراف إستعمال الـمعلومات التى قيلت فـى سر الإعتراف من أجل إغضاب الـمُعترف أو إحراجـه أو إفشاء هويتـه.

وفـى هذا الشأن نجد قصة حياة القديس St. John Nepomucene (1340-1393) الذى كان وكيل عام بطريركية براغ بتشيكوسلوفاكيا،لهـى أكبر مثل على مدى إحترام قدسية سر الإعتراف، فلقد كانت زوجـة الـملك Wenceslaus تتخذه أب الإعتراف لهـا، ولـم يعجب ذلك الـملك الذى كان غير مؤمن، وشكّ فـى سلوك زوجتـه وطلب من القديس إفشاء سر الإعتراف ولم يقبل رغم التهديدات،وفى النهايـة ألقـى الـملك بـه فـى النهر ومات فى 20 مارس عام 1393.

وأحيانـاً يطلب أب الإعتراف من الـمُعترف السماح بفك ختم سر الإعتراف وذلك عندما يأتـى الـمُعترف لنفس أب الإعتراف ويرغب فـى مناقشة موضوع أو تجربـة أو خطيئة سبق الإعتراف بهـا لنفس الكاهن كأن يقول مثلاً:"أتتذكر الـمشكلة التى سبق أن تكلمت بهـا معك فـى إعترافى السابق؟، فعلى الكاهن أن يطلب منه أولاً الإذن بفض ختم سر الإعتراف أو كأن يقول لـه"ذكّرنـي مرة أخرى..". وأحيانـاً يحتاج أب الإعتراف لأخذ رأي كاهن آخر أكثر خبرة فى موضوع مـا، وهنـا فعليـه أولاً أخذ موافقة الـمُعترف، ومع ذلك فإفشاء هويـّة الـمُعترف غير مسموح بهـا على الإطلاق.

ولكن ما الذى يحدث إذا ما خالف أب الإعتراف ختم سر الإعتراف؟. لقد

حدد قانون الكنيسة الكاثوليكية فى البند رقم 1388.1طريقة العقاب التى تعتمد على خطورة الذنب والتى تصل فى بعض الأحيان إلـى الحرمان الكنسي،والبابا هو وحده الذى يـملك هذا الحق. والكنيسة كانت فى منتهى الحزم بالنسبة لقدسية سر الإعتراف، فوضع المجمع اللاتيراني الرابع عام 1215 أولـى القواعد والأسس فى هذا الشأن.

وهناك أيضاً إلتزام ليس فقط من أب الإعتراف بل على أي مؤمن قد انصت إلى الإعتراف ولو بطريق الصدفـة أو الخطـأ، فهو ملزم بعدم إفشاءه وإلاّ سوف يقع أيضاً تحت بند العقوبات (1388.2)، وتعتبـر خطيئـة ثقيلة عليه يلزم الإعتراف بهـا.

من هنـا تنظر الكنيسة بوضوح أن سر الإعتراف هو سر مقدس، وعلى كل شخص،سواء كان كاهنـاً أو علمانـي،أن يحفظ سريـّة الإعتراف بكل جديّـة.

 _____________________

 ألا يكفـى الإعتراف للـه مباشرة؟

كلا، فالخاطئ عضو فى الكنيسة والتى هى جسد المسيح وخطيتـه تضر بالجسد كله، فلذلك فالمصالحة مع المسيح ومع الكنيسة تقتضى الإعتراف بالخطيئة للكاهن الذى يمثل المسيح والكنيسة والذى لديـه التفويض بمنح الغفران، كما انـه يقوم بدور الطبيب الروحي إذ يحدد العلاج الضروري لشفاء النفس من جروح الخطيئـة. فقصة سقوط آدم وحواء كما جاءت فى سفر التكوين توضح مدى الضرر الذى أصابهما نتيجة الخطيئة الأولـى أو الأصلية. فقبل السقوط كان آدم وحواء على مقربـة من الله،يتحادثان معـه ويشعران بالراحـة والآمان بالقرب منـه، ويتعاونان معـا، وكانا يعيشان فـى جنـة عدن، ويتمتعان بالسلام الداخلي والإمتلاء من النعـمة. ولكن بعد السقوط "إختبأ" من الله، مع "إدانـة كل للآخـر"،وشعرا "بالخجل"،ولـم يشعرا بسعادة الفردوس بل "بالخوف"(تكوين 3). فخطيئة الإنسان لهـا نفس التأثيـر السلبي على العلاقة مع الله ومع النفس ومع الآخريـن. وسر الـمصالحة أو التوبـة يعـمل على إزالـة كل تلك التأثيرات السلبيـة معيداً المصالحة مع الله ومع النفس ومع الآخـرين.

بالإضافـة إلـى ذلك، لا يستطيع الإنسان الخاطئ أن يـمنح نفسه الغفران،ولا أن يحمل تبعات خطاياه،بل ان ميله الطبيعي هو نكران مسئوليته،فيعود الى نفسه مبرراً. فليس هناك أمام الخاطئ إلاّ نعـمة الله الغافرة التى أولى سلطانهـا للكاهن لغفران الخطايـا وبهذا يمنح الله للإنسان التائب فرصة جديدة للسلام والفرح والحريـة.

 

هـل يلزم التوبـة عن الخطيئـة أولا قبل الإقرار بها للكاهن؟

جاءت دعوة الرب لكنيسة أفسس للتوبـة:

"فأذكر من أين سقطت وتُب واعمل الأعمال الأولى" (رؤيا5:2) ولكنيسة برغامس "فتُب وإلاّ فأنا آتيك سريعاً" (رؤيا16:2)

ودعوة يسوع للتوبة لـم تهدف إلـى أعمال خارجية مثل لبس المسوح والرماد والأصوام والإماتات الجسدية، بل تهدف الى رجوع القلب والتوبة الباطنية والتى هى تعديل جذري فى حياة الإنسان، أي الرجوع الى الله من كل القلب وإنقطاع تام عن الخطيئة والعزم والنيّة على عدم الرجوع إليهـا مع طلب نعمة الرب.

إن لـم يكن الإنسان معترفاً فى داخل قلبـه وفكره بأنـه قد أخطأ، فسوف لا يعترف بالطبع أمام الله بخطأ لا يرى أنـه قد وقع فيـه، وأيضاً سوف لا يعترف أمام الكاهن بأنـه قد أخطأ ما دام أنـه غير مقتنع فى داخله بأنـه قد أخطأ. إذن فالإعتراف بالخطأ أو الخطيّة، يبدأ داخل الإنسان أولاً، بإحساس داخلي أنـه قد أخطأ، وبإقتناع تام بواقع الخطأ وتفاصيلـه، وبضرورة الإعتراف للحصول على الـمغفرة وللوصول إلـى الـمصالحة مع الله والناس.

ألا يكفى أن أقول فقط للكاهن أنـي أخطأت دون الإفصاح عن نوع الخطيئة؟

عندما يذكر التائب نوع الخطيئة التى إقترفهـا فهو يُعلن بهذا عن كامل مسؤليته عن إقتراف الخطيـه، كما فعل داود عندما أعلن أمام الرب عن خطيئتـة عندما عدّ الشعب "ألم يكن أنّي أنا الذى أمرت بإحصاء الشعب

وأنا الذى خطئت وأسأتُ"(1أخبار 17:21)، وكما إعترف فرعون أمام موسى قائلاً:"قد خطئت الى الرب إلهكما وإليكما والآن فإصفحا عن ذنبي هذه الـمرّة أيضاً وأشفعا للرب إلهكما لكي يرفع عني هذه التهلكة"(خروج16:10)،وبهذا يتحمل التائب عواقب خطيئته ويعترف بها أمام الله قبل ان يتوقع الحصول على الـمغفرة. كـما يعلن الـمرّنم "أعترف للرب بـمعاصي وأنتَ غفرتَ إثم خطيئتى" (مزمور5:31).

والقديس يوحنا الرسول يعلن "إن إعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل فيغفر لنا خطايانا ويُطهرنـا من كل إثم" (1يوحنا9:1). فالرب ينتظر عودتنـا إليه وسماع إعترافنـا مع الندم والعزم على العوده إلى مملكتـه، كما ذكر سليمان الملك فـى صلاتـه بعد بناء هيكل اورشليم (2أخبار25:6-30)، وكذلك يعلن لنا الوحى الإلهى على لسان حزقيال النبي: " حيّ أنا يقول السيد الرب ليست مرضاتى بـموت الخاطئ لكن بتوبـة الخاطـئ عن طريقه فيحيا"(حزقيال11:33).والإقرار بالخطيئـة سوف يقود حتـما للتغييـر.

 

 كيف أفحص ضـميري؟

فحص الضمير هو تدريب روحى يساعد الشخص على الإستعداد لسر الإعتراف. اطلب أولا من الله العون لتعرف خطاياك وتندم عليها ندامة حقيقيةوبمعونـة الروح القدس سوف تنظر بأمانـة إلـى نفسك لتقييم كيف اخطأت سواء بالفكر أو الفعل أو القول أو الإهمال. إنـه فحص شامل عن علاقتنا بالله وبالنفس وبالقريب، ومـاذا يجب أن نعمل للنمو فـى الحياة الروحية. وهذا الفحص يحتاج لبعض الوقت والمجهود والإصغاء لروح الرب الذى يبكت على الخطيئـة.

وفحص الذات قد جاء عنـه فـى العهد القديم عندما قال الله لإبراهيـم:

"أسلك أمامـي وكن كاملاً"(تكوين1:17) ولهذا قال ارميـا النبي : "لنفحص طرقنـا ونختبـرهـا ونرجع إلـى الرب"(مراثي ارميا40:3).

ان الله يطلب فحص متواتـر لضـمير الإنسان وخاصة فى العهد الجديد بعد تجسد وموت وقيامـة الـمسيح، فالتوبـة هـى حالـة قيامـة متكررة للإنسان الخاطـئ والتى تستمد قوتهـا من الروح القدس وقيامـة السيد الـمسيح.

لقد طالبنـا بولس الرسول فـى كل مرّة نتقدم فيهـا للتناول من جسد

ودم الرب قائلاً:"فليختبـر الإنسان نفسه ..وهكذا فليأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس .. لو كنـا ندين أنفسنـا لـما كنـّا نُدان"

(1كورنثوس28:11-31).

ولهذا فإن فحص الضـميـر يجب ممارستـه يوميـاً من أجل النـمو فـى الحياة الروحيـة، ولقد قيل أن القديس أثناسيوس الرسولـي كان يفحص نفسه فى كل ليلـة وكذلك الكثيـر من آبـاء الكنيسة أمثال القديس باسيليوس والقديس أغسطينوس والقديس برناردس وأيضاً كل مؤسسوا الرهبانيات الـمختلفـة أمثال القديس فرنسيس الأسيزي و القديس أغناطيوس دى ليولا.

وفحص الضـمير اليومـي يختلف فـى طرقـه كثيـراً عن فحص الضـمير إستعداداً للذهاب لسر الإعتراف والذى فيـه يحكم الإنسان على نفسه أولاً ومن أنـه غيـر مستحق لأخذ جسد ودم الرب ولهذا فيلزمـه الحصول على العفو من خطايـاه عن طريـق كاهـن سر الإعتراف.

وحسب تعليـم آبـاء الكنيسة فإن فحص الضـمير الذاتـي يبدأ عن طريق أن يفحص الإنسان إذا ما كان قد إقترف أحد وصايـا الله العشر أو أحد وصايـا الكنيسة أو أحد الوصايـا السبعة الثقيلـة أو الرئيسية كالقتل او الزنـى، ثم يفحص إذا ما كان قد خالف أو أهـمل فـى تنفيذ واجباتـه أو قد اشترك فـى دفع الآخريـن على الخطـأ أو شجعهـم على ذلك. وللتـمييز ما إن كانت الخطيئة ثقيلة وهى التى تقتل نعـمة القداسة فـى حياتنـا، أم عَرضـية، يلزم دائـماً أن نتذكر كلمات السيد الـمسيح:"لأن كل من يعمل السيّئات يُبغض النور ولا يقبل إلـى النور لئلا تفضح أعمالـه. أمّا الذى يعـمل الحق فإنـه يقبل إلـى النور لكي تظهر أعـماله لأنهـا مصنوعـة فـي الله"(يوحنا20:3-21).

ولقد نُشرت العديد من الـمؤلفات عن طرق فحص الضـمير وهاكم بعض من تلك الطرق:

1.مقارنـة حياة الإنسان بالفضائل الروحيـة كالرجاء والـمحبة أو ثـمر الروح القدس،كالسلام والفرح والصلاح(غلاطية21:5-22)،أو أن يتأمـل بالتطويبات التى جاءت فى عظة السيد الـمسيح على الجبل(متى5و6و7)،أو بالوصـايـا الإلهيـة(تثنية 6:5-22).

2.التأمـل فـى وصيّة الرب يسوع التى أوصانـا إياهـا:"أحبب الرب إلهك من كل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك. هذه هى الوصيّة العظمى والأولـى.والثانيـة التى تشبهها أحبب قريبك كنفسك"(متى37:22-39). بالإضافـة ما طلبـه من السيد الـمسيح قائلاً:"كونوا كامليـن كما أن أباكم السماويّ هو كامـل"(متى48:5).

3.    سؤال الإنسان لنفسه:"ما الذى فعلتـه؟،"لـماذا فعلتـه؟،و"كيف أكون أحسن؟".

4.    التأمـل فـى علاقتـي بالله ومع الآخريـن ومع العالـم ومع نفسي.

5.    إستخدام بعض الطرق التى وضعهـا بعض الآبـاء الروحييـن مثل

 القديس أغناطيوس دى ليولا، والذى جاء فـى كتابه"رياضات

 روحيـة" خمس نقاط تساعد الإنسان الخاطـئ على فحص ضـميره وهـى:

– شكر اللـه أولاً على جميع عطايـاه.

        طلب نعـمة من الله لكى نعرف أخطاؤنـا وكيف نصححها.

        إسترجاع ما تم قولـه أو فعلـه أو ما تم حتى الشوق الى فعله أو ما

 تـم الإهـمال فـى تأديتـه من حق واجب.

– الصلاة إلـى الله وطلب العفو والـمغفـرة.

        البدء فـى إتخاذ ما يلزم لتصحيح الخطـأ وذلك بالإمتناع عن عـمل شيئ قد يكون محببـاً على النفس.

         الصلاة الـمتواتـرة وترديّد فعل الندامـة أو أي صلوات أخرى.

         قراءة بعض الآيات من الكتاب الـمقدس .

 

 "قلباً طاهـراً أخلق فـيّ يا الله" (مزمور12:50)

الحياة مع الله تستلزم الحياة بلا دنس وفـى قداسة وفى نقاوة وبر وصلاح. ولكي يحصل الإنسان على حياة النقاوة يلزمه ان يكون له قلب نقي طاهر.

ان القلب فى الـمفهوم الإنجيلي هو القاعدة التى تصدر عنها كل مفاعيل الحياة الروحية والجسديـة،فصاحب الأمثال يعلن:"فوق كل تحفظ إحفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة"(أمثال23:4).

ولكن لـماذا إختار الله قلب الإنسان ليكون مكانا مخصصاً لـه دون سواه؟

فهو القائل:"يابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي"(أمثال26:23)، وكانت أول وصية للإنسان "تحب الرب إلهك من كل قلبك"(تثنية5:6)، وأيضا كانت إجابة السيد الـمسيح لأحد علماء الناموس عن أعظم الوصايا فى الناموس" أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك.هذه هى الوصية العظمى والأولى"(متى37:22)،وأيضاً يقول الوحي الإلهي:"ويل للقلب الـمتواني إنه لايؤمن ولذلك لا حمايـة له"(يشوع بن سيراخ5:2).

قلب الإنسان هو الـمُعبّـر عن حالة الإنسان النهائية إن كان صالحاً أو شريراً "فالإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يُخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر"(لوقا45:6). فيستحيل ان يتكلم الإنسان دون أن يكشف عن قلبه شاء أو أبَى لأنـه مكتوب:"انـه من فضلة القلب يتكلم الفم"(لوقا45:6)، ولأنه من القلب"تخرج الأفكار الرديئة القتل الزنى

الفجورالسرقة شهادة الزّور التجديف"(متى19:15).

ان عمل الشر فى الإنسان هو تلويث القلب بالشرور والشهوات فيصبح كنـز القلب شريراً فينضح بالشرور،بل أحيانا يضيف الشر إلى ذلك إمكانية إعطاء قلب غاش للإنسان فيتكلم بالصالحات حتى يخفى ما بـه من الشرور فيتكلم هذا الإنسان بالصالحات ليوهم الناس انه صالح مع انه شرير،وهذا ما ذكره السيد الـمسيح عن الكتبة والفريسيون"كذلك أنتم يرى الناس ظاهركم مثل الصدّيقين وأنتم من داخل ممتلئون ريآءً وإثماً"(متى28:23) ،وايضاً قال لهم:"أنتم تزّكون أنفسكم أمام الناس لكن الله عالم بقلوبكم لأن الرفيع عند الناس هو رِجسُ أمام الله"(لوقا15:16).

وأيضا يذكر الله هذا على لسان اشعيا النبي قائلاً:"ان الشعب يتقّرب إليّ بفيـه ويكرّمني بشفتيه أما قلبه بعيد عني"(اشعيا 13:29).

وفى الـموعظه على الجبل قال السيد الـمسيح فـى إحدى تلك التطويـبات:"طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يُعاينون الله"(متى8:5)،وفى مثل الزارع نجد كلمة الله والقلب (متى18:13-23). لذلك وجب على الإنسان ان يكون قلبه نقي حتى يـمكنه الحيـاة مع اللـه.

يقول القديس مكاريوس الكبير:"القلب هو القاعدة التى تنبثق منها الشخصية بكل مكوناتها وميزاتها ومركز القدرات والطاقات والذكاء والبصيرة والإرادة والحكمة والرؤيـا".

فالقلب الشرير يلوث الإرادة وينجس الـميول والغرائز الطبيعية ويصير كل شيئ غير طاهر فى عين ذلك الإنسان وفى يديـه دون أن يدري.

"ان كل شيئ طاهر للأطهار فأما الأنجاس والكفرة فمالهم شيئ طاهر بل بصائرهم وضمائرهم نجسة"(تيطس15:1).

لذلك كان عمل الله بالنسبة للقلب هو إنتزاع القلب الشرير جملة وخلق قلب جديد يغرسه الله فى الإنسان. قلب جديد فيصبح الإنسان إنساناً آخر،لذلك صرخ داود فى القديم قائلاً:"قلباً نقيّاً أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدّد فى أحشائي"(مزمور12:50).وحزقيال النبي يتنبأ على لسان الله واعداً الـمؤمنيـن قائلاً:"أعطيكم قلباً جديداً واجعل فى حشاءكم روحاً جديداً وأنزع من لحمكم قلب الحجر وأعطيكم قلباً من لحم وأجعل روحي فى أحشاءكم وأجعلكم تسلكون فـى رسومي وتحفظون أحكامي وتعملون بـها"(حزقيال26:36-27).

كيف يمكن خلق هذا القلب الجديـد؟

الله هو الذى بدأ كما جاء برسالة القديس بولس"أما اللـه فيدل على محبته

لنا بانه إذ كنا خطأة بعد ففى الآوان مات المسيح عنا فبالأحرى كثيراً إذا قد بررنا بدمه نخلص من الغضب لأنّا إذ كنا قد صولحنا مع اللـه بموت ابنه ونحن أعداء فبالأحرى كثيراً نخلص بحياته ونحن مصالحون"(رومية8:-10).

وأيضا فى رسالته الى أهل كولوسي:"قد صالحكم فى جسد بشريته بالـموت ليجعلكم قديسين بغير عيب ولا مشتكى أمامه"(كولوسي22:1). وكما جاء برسالة القديس يوحنا"وبهذا تبين محبة اللـه لنا ان اللـه أرسل ابنه الوحيد الى العالم لنحيا به وإنـما الـمحبة فى هذا اننا لم نكن نحن أحببنا الله بل هو أحبنا فأرسل إبـنه كفّارة عن خطايانـا"(1يوحنا9:4-10).

ورسول الأمم يدعونـا أن ننبذ "الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور" وأن نتجدد وأن نلبس "الإنسان الجديد الذى خُلق على مثال الله فـى البـِر وقداسة الحـق"(أفسس22:4-24).

الله هو الذى أحب الإنسان حتى ان ايوب يصرخ قائلاً:

"ما الإنسان حتى تستعظمه وتـميل اليه قلبك"(ايوب17:7).

الله لا يهتم بحب العواطف مهما كان عنيفاً لأنه حب ينطفئ فى طريق الحياة حينما تنجرح العواطف أو تـهان.

لذلك أصبحت تنقية القلب بالنسبة للمحبين لله أمراً بالغ الأهمية والخطورة لأن الله لا يطلب ولا يرضى بالحب النصفى او الجزئي،فلابد ان يكون كل القلب للـه لهذا قال يعقوب الرسول:"أما تعلمون أن مـحبة العالم عداوة للـه فمن آثر ان يكون حبيباً للعالم فقد صار عدواً للـه"(يعقوب4:4).

ومعنى كل القلب هو تصفيته تماما من كل شوائب او ميول جسدية وتطهيره من كل الأوثان والـمعبودات السريّة ولهذا قال القديس يوحنا:"لاتحبوا العالم و ما فى العالم إن كان أحد يحب العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما فى العالم هو شهوة الجسد وشهوة العين وفخر الحياة"(1يوحنا15:2-16).

فقدس الأقداس أي القلب ينبغى ان يُقدس ويزين للـه فقط،أي انه بقدر ما نخلع الإنسان العتيق بكل شروره نستطيع أن نظهر فى قوة الإنسان الجديد الإلهي كقول الرسول:"إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله ولبستم الجديد الذى يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه"(كولوسي9:3-10).

ان نقاوة القلب تعنى تنفيذ مشيئة اللـه القدوس وهناك رابطة قوية ما بين نقاوة القلب وطهارة الجسد والإيمان،ولهذا يقول القديس اغسطينوس:"الـمؤمن يجب ان يؤمن بحقائق الإيـمان لأنه بإيـمانه سيطيع اللـه وبطاعته للـه سيحيا فى الخير وإذا عاش فى الخير سيعمل على تطهير القلب دائماً وبنقاوة القلب يمكنه ان يفهم بماذا يؤمن". هنا ينبغى أن يبرهن الإنسان عن إيمانه بوجود اللـه وذلك بصلاته وسلوكه مع الناس بمقتضى اوامر الله ووصاياه ولهذا فلقد قيل"من ثمارهم تعرفونهم"(متى16:7).

ان الإيمان باللـه شيئ ومحبة الله شيئ آخر،ولكن اذا إجتمعا ظهر منهما قوة جديدة هى الثقة باللـه "وهذه هى الثقة التى لنا به إن كنا نسأله شيئاً بحسب مشيئته فإنه يستجيـبنا"(1يوحنا14:5).

فهل من منظرى ولغتى وتصرفاتى وهدوئى ومحبتى وطاعتى وخدمتى ورعايتى لأسرتى ينظر الناس الـمسيح فيّ"فيمجدوا الله"(متى16:5)،فالرسول بولس يقول:"اننا صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس"(1كورنثوس9:4).

ولكن يبقى السؤال كيف يحصل الإنسان على نقاوة القلب والشهادة الحيّة للمسيح يسوع؟

ان الكنيسة بأسرارها الـمقدسة والتى تعتبـر "وسائط للنعـمة" تساعد الإنسان الـمؤمن على تطهير القلب والحياة بدون دنس مع اللـه.

فهـل نـأتـى الى الكنيسة ونحاول بكل الطرق ان نستفيد بكل وسائط النِعـمة التى تقدمهـا لنـا فنعترف ونسمع الكلمة ونعمل بها ونتوب بصدق ونتقدم لأخذ خبز الشركة بإستحقاق،ونحترم الكهنوت وندعو الكنيسة فى أمراضنا وأتعابنـا وأفراحنا وأحزاننـا،ونعطى الكنيسة بكل

سخاء دون تردد او مداراة تحت اي ستار،ونقدم أولادنـا للتعليم الكنسي ليزدادوا معرفة بالقدوس؟

الإنسان الجديد ذو القلب الجديـد هو تتويج لـمجد وعمل الرب يسوع لأنـه مكتوب " إن كان أحد فـى الـمسيح فهو خليقة جدبدة. قد مضى القديم وها إنّ كل شيئ قد تجدد"(2كورنثوس17:5).

الخليقة الجديـدة هـو وجــود دائــم إلــى الأبــد مـع الرب، ولا يـكـون هـذا الوجـود فقط فـى مـحـنـة،أو تـجـربـة، أومـنـاسـبـة أو أي ظـروف مـن ظـروف الـحـيـاة،بــل هـو وجــود دائـــم،لأن الرب دائــم الـوجـود.

أيــوجــد تــأكـيـد أكـثـر مـن ان "عـمانوئيل الذى تفسيره الله معنـا"(متى23:1) هـو خـالق هذا القلب والإنسان الجديد؟

الله هذا الذى أحبـنـا إلـى الـمنتهـى ووضـع قـلـبـه فـى قـلـوبـنـا وجعل مقامـه فيـه(يوحنا23:14).

فلنسـيـر فـى هـذا الإيـمان دائـمـا متذكـرين بأن يسوع قـد فـدانـا، والفـداء شـمـل كـل شيئ، فكان التـطهـيـر الذى يـُبـعـد عـنـا كـل نـجـاسـات الـعـالـم،وكـل مـغـريــاتـه،وكـل كـبـريـائـه وكل ما فـى العالـم من قلق وخوف وإضطراب.

وهـذا الفداء قـادر دائـمـا أن يـصـُد عـنـا كـل تـجارب الـعـدو فنـنتصر دائـماً على عـدو خـلاصـنـا لأن قـوة الرب فـيـنا تـعـضـدنـاوتـسـنـدنـا.

 

 مـا هـى أعمـال التوبـة فى الحياة المسيحية؟

الصوم- الصلاة-الصدقـة (مت 1:6-18) و "فالآن يقول الرب توبوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنحيب ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وتوبوا إلـى الرب"(يوئيل 12:2-13). "هذا الجنس لا يخرج إلاّ بالصوم والصلاة ".

السعي الى الـمصالحة مع القريب

 "أغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن لـمن آساء الينا" ،"إغفروا يُغفر لكم"

 (لوقا27:6).

الإهتمام بخلاص الآخريـن

 "فليعلم إن الذى ردّ خاطئا عن ضلال طريقه قد خلّص نفساً من الموت وستر جمـّاً من الخطايـا"(يع 20:5)

ممارسة أعمال المحبـة

 "وقبل كل شيئ أحبّوا بعضكم بعضاً محبّة شديدة فإن المحبة تستر جمّاً من الخطايا" (1بطرس8:4)

الإهتمام بالفقراء

"لأنـي جُعتُ فأطعمتمونـي وعطشت فسقيتمونـي وكنتُ غريبـاً

فآويتـمونـي وعُريـانـاً فكسوتـمونـي ومريضاً فعُدتمـونـي

ومـحبوساً فأتيتـم إلـيّ"(متى35:25-26).

"من كانت لـه الـمعيشة العالـمية ورأى أخـاه فـى فاقـة فحبس عنـه أحشاءه فكيف تحلّ محبـة اللـه فيـه"(1يوحنا17:3).

الدفاع عن الحق والعدالـة

"وعبد الرب يجب عليـه ..مؤدبـاً بوداعـة الـمخالفيـن عسى أن يؤتيهم اللـه التوبـة لـمعرفـة الحق فيفيقوا من فخ ابليس الذى اصطادهم لقضاء مشيئـه"(2تيموثاوس24:2-26).

 قبول الآلام وإحتمال الإضهاد من أجل الحق

"لا يتألـم أحدكم كقاتل أو سارق أو فاعل شر أو مترصّـد لـما هو لغيـره. فأمـّا إن تألـم كـمسيحي فلا يخجل بل ليُـمجد الله لأجل هذا الإسم"(1بطرس15:4-16).

 قراءة الكتب المقدسة

"فإن الكتاب كلّـه قد أوحـى بـه من الله وهو مفيـد للتعليـم وللحجاج وللتقويـم وللتهذيب بالبـرّ"(2تيموثاوس16:3).

 صلوات يوميـة

"إسألوا تعطوا أطلبوا تجده"(متى 7:7).

زيارات الـمزارات الدينية والتشفع بالقديسين كعلامة للتوبـة.

 

 مـا هـى صفات التـوبـة؟

1.    أن تكون تـوبـة حقيقيـة وليست مزيـفة كتوبـة داود النبي الذى ارتكب خطيئتي الزنـا والقتل وعندما ذكّره ناثان النبي بخطيئته ندم داود وقال:"إرحـمني يا الله كعظيم رحـمتك"(مزمور2:50)، وتوبـة بطرس الرسول الذى أنكر سيّده ثلاث مرات ولكن نظر الرب اليه نظرة حنان "فخرج خارجاً وبكى بكاءً مراً"(مت72:26)، وكتوبـة زكّا العشّار الذى تجاوب مع النعـمة وأعلن "هآنذا أعطى نصف أموالـي للـمساكين"(لوقا8:19).

2.    أن تكون تـوبـة عاجلـة غيـر مؤجلـة لهذا دعانـا الوحـي الإلهـي قائلاً:"اليوم إذا سمعـتم صوتـه فلا تقسوا قلوبكم"(عب7:3-8)، وأيضاً "لا تؤخـر التوبـة إلـى الرب ولا تتباطـأ من يوم إلـى يوم"(يشوع بن سيراخ8:5)، فالرب "لا يُبطئ بوعده كـما يزعم قوم وإنـما يتأنـى لأجلكم إذ لا يريد أحد أن يهلك بل أن يقبل الجميع إلـى التوبـة"(2بطرس9:3)، فإن ساعـة الـموت قير معروفـة ولذا قال يسوع:"اسهروا إذن لأنكم لا تعلـمون فـى أي ساعـة يأتـى إبن البشر"(متى41:24).

 ____________________

 هـل هناك حقـاً خطيئة لا يمكن أن تُغفـر؟

قال السيد المسيح "كُلّ من قال كلمة على إبن البشر يُغفر له وأمـّا من جدّف على الروح القدس فلا يُغفر لـه" (لو10:12)، ومفهوم هذه الخطيّة التى لا غفران لها هو المقاومـة العنيدة المستمرة لتأثيـر الروح القدس والتى تتضمن الرفض المستمر عن عمد لعمل الروح داخل الإنسان وبالتالـى فهو رفض لقبول الله ذاتـه. وهذه الخطيئة مشابهة بخطية الـمرتدين الرافضين كفّارة السيد الـمسيح لهذا يقول القديس بولس:"لأن الذين قد أُنيـروا مرّة وذاقوا الـموهبـة السـماويـة وجُعلوا مُشتركين فـى الروح القدس وذاقوا كلـمة الله الطيّبـة وقوات الدهـر الآتـى ثم سقطوا فلا يـمكنهم أن يتجدّدوا ثانيـة للتوبـة صالبيـن لأنفسهم إبن الله ثانيـة ومُشهريـن إيـاه"(عب4:6-8). ويجب أن نؤمـن ان الله مستعد فـى كل وقت لقبول الخاطئ مهـما كانت خطيتـه.

 

متـى أعتـرف؟

تطلب الكنيسة الكاثوليكية من الـمؤمنين أن ينالوا سر المصالحة مرة فى السنة

على الأقل، فى فترة عيد القيامة،إلاّ أن ذلك حد أدنـى لـمن يبغى النمو فى

الحياة الروحيـة.

         مرة كل أسبوع، أو كل خمسة عشرة يوما أو كل شهر

          فى فترات إشتداد التجارب والخطايا

          على الفور عند الوقوع فى خطيئة مميتة أو جسيمة

          بعد فترة من الكسل والخمول

          فى محاربة عيب او خطيئة معينة

          فى مواسم الأعياد كالميلاد والقيامة وأعياد السيدة العذراء أو القديسين

          بمناسبة رياضة روحية او خلوة أو نهضة روحية.

 

هـل هناك طريقـة معينـة للإعتـراف؟

هـل هناك ترتيب معيـن أو طريقة معينـة للإعتراف؟،أو كيف أعترف؟، أو مـا الذى سيحدث إذا تقدمت للإعتراف؟،أو مـا الذى يجب قولـه عند الإعتراف؟، ومـا هـى صيغـة الحِل الذى يقولـه أب الإعتراف؟، وهـل يجب أن أقول فعل الندامـة؟،ومـاذا لو اننـي قد نسيت صيغـة فعل الندامـة والتى كنت قد حفظتهـا منذ حداثتي؟،أومـا الذى يجب أن أفعلـه ما بعد الإعتراف؟، وأنـا أخاف أن أعترف لأننـى لا أعرف كيف؟، وأنـا فى بلد غريب لا أجيد لغتهـا جيداً فلا أستطيع الإقرار بخطاياي بلغتـي؟،وغيرهـا من التساؤلات أوالـمخاوف التى قد تعترضنـا.

كيفيـة الإعتراف:

لقد وضعت الكنيسة الخطوات العامـة التاليـة كطريقة للإعتراف:

1.    التقدم بكل ثقـة برحـمة الله اللامتناهيـة وأن يعترف التائب بمحبة الله للعالم والبشر ولـه.

2.    فحص الضـميـر جيداً وتحديد الخطايا وعددهـا ولـماذا أخطأ.

         إبدأ أولاً بأن تستحضر الله فـى هذه اللحظة وذلك بالصلاة والإستعانـة بالكتاب الـمقدس أو تلاوة الـمزامير أو ترنيمة أو صلوات الأجبيـة وذلك للشعور بوجود الله الذى يحب ويخلّص ويرحم.

         إبدأ بمراجعة نفسك ومحاولة لحصر أخطاءك التى تشعر بأنها لا تتفق مع قداسة الله. علاقتي بالله وعلاقتي بالآخريـن،ثم علاقتي بنفسي. وهناك ايضاً خطايـا الإهمال أي الأفعال الإيجابية التى لم أفعلهـا. هذا الفحص ليس معناه محاكمة أمام الله،بل هو طلب أن ينيـر الله حياتك.

         حين تحصر خطاياك فكّر فى كم هى بغيضة جداً وخاطئة للغايـة،وفكّر فى أنهـا كانت الفاصل بينك وبين الله.

         حين تصل إلـى تلك النتيجة، فكّر فـى إحتياجك للإلتصاق باللـه والثبات فيـه لأن بعدك عنـه ليس إلاّ موتـاً ابديـاً.

         إتخذ قراراً بالندم على هذه الخطايـا وعدم العودة إليهـا.

         النظرة إلـى الـمستقبل ما سيواجهك وماذا تنوي أن تفعلـه طالبـاً من الله القوة"لكن أمراً واحداً أجتهد فيه وهو أن أنسى ما ورائي وأمتد إلـى ما أمامي"(فيليبي13:3).

         الصلاة والشكر للـه على كل شيئ.

         تقدمـة الذات فى تسليم مطلق "فلتكن مشيئتك"(متى43:26).

3.    ندامـة كاملـة على مـا قد سببتـه الخطايا والضعف تجاه الله والقريب والنفس عازمـاً على التوبـة منهـا وطلب الصفح. تنفيذا لقول الرب:"توبوا وأرجعوا عن كل معاصيكم…إطرحوا عنكم

كل معاصيكم التى عصيتم بها واعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً

جديدة"(حزقيال30:18-31)، وأيضاً:"توبوا إلـيّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والإنتحاب"(يوئيل12:2).تحدث الى الله وأطلب منـه الـمغفرة والسماح.

 4. يتقدم التائب إلـى أب الإعتراف وهو يصلي طالبـاً رحمة الله وشكر الرب على نعـمتة،ثم يقترب من [كرسي الإعتراف او حجرة الإعتراف حيث عادة مـا يتم الإعتراف إمـا وجهـاً لوجه مع أب الإعتراف داخل حجرة مغلقـة، أو من خلف شبكة أو حاجز داخل ما يُعرف بكرسي الإعتراف وذلك للإحتفاظ بهـويـّة التائب. والتائب لـه حريـة الإختيار ما بين السجود أمام أب الإعتراف (سواء خلف حاجز أو وجهـا لوجـه)].

وهنـا يجثو التائب مع رشم علامـة الصليب قائلاً:

"باسم الآب والإبن والروح القدس،الإلـه الواحد. آمين"

 (أب الإعتراف سيقوم بدوره بذلك أيضاً).

5.    يقول التائب: أغفر لـي يا أبت، لأنـي أخطأت

(يمكن أن يُضاف الصلاة التاليـة:

"أنـا أعترف للـه الضابط الكل،وللطوباويـة مريم الدائـمة بتوليتهـا،وللطوباوي يوحنا الـمعمدان،وللقديسين الرسولين بطرس وبولس،ولكَ يا أبانـا لأني خطئِت بالفكر والقول والفعل"

6.    يسرد التائب كل خطيئة على حدة مع عدد الـمرات وظروفهـا وهل سبق الإعتراف بهـا من قبل أم هـى خطيّة جديدة. على أن يكون هذا الإقرار بالخطايـا بكل إنسحاق القلب.

مثال: "أبتِ..كان آخر إعتراف لـي منذ(اسبوعان،شهر،..)،لقد أخطأت فـى ……..(مثال اننى لم أحضر القداس لـمدة…بسبب كسلي أو عزر غير قهري)، ولقد أخطأت فـى …وقد سبق الإعتراف بهـا من قبل وسقطت بهـا مرة أخرى بسبب….،ولقد قبلت الحِل من قبل ووفيت القانون (أو لـم أوفيـه بسبب…).

وهناك طرق وتعابيـر عديدة للإقرار بالخطايـا سواء بالقول أو بتقديمـه كتابـة على أن يتم تمزيقه عقب الإقرار،أو بالإشارة فى حالة عجز التائب على التحدث بنفس لغة الـمعرّف(كأن يشير الى رقم الوصيّة التى كُسرت من وصايا الله او الكنيسة).

7.    يُصغـى التائب إلـى إرشادات الـمعرّف أو أب الإعتراف،حافظاً القانون الذى فرضـه عليـه وقابلاً إيـاه بكل تواضع (كأن يطلب منـه صلاة مزمور معين أو صلاة السلام أو الأبانـا أو أي القيام بفعل توبـة معين).

8.    يطلب الُمعرّف تلاوة فعل الندامـة،ويتلوه التائب بكل إنسحاق.

 فعـل الندامـة؟

 "ياربى وإلهى، أنا نادم من كل قلبى على جميع خطاياي،لأنـي بالخطيئـة خسرتُ نفسي والخيرات الأبديـة واستحققت العذابات الجهنمية، وبالأخص أنا نادم لأني أغظتك واهنتك انت ربي وإلهى المستحق كل كرامة ومحبة، ولهذا السبب انا أبغض الخطية فوق كل شيئ فها أنا الآن اريد بمعونتك الإلهيـة ألا أغيظك فيما بعد وأن أهرب من كل سبب خطيئة وأن أفـي بقدر إستطاعتى عن الخطايا التى فعلتها آمين.

أو بالصيغة الـمختصرة التاليـة:

"ربـي وإلهـي، أنـا نادم على جميع خطاياي،لا طمعـاً بالنعيـم ولا خوفـاً من الجحيم، بل حبّاً لك. آميـن".

فى حالة عدم تذّكر صيغة فعل الندامـة،يمكن للتائب أن يتلو صلاة يعبّر فيهـا عن عمق ندامتـه وعزمـه على عدم الرجوع للخطيّة.

9.    يضع أب الإعتراف يده على رأس التائب ويعطيـه الحِل من الخطايا بإسم الآب والإبن والروح القدس، وذلك بتلاوة صيغـة الحِل "أحلّك من جميع خطاياك …"، وأثنـاءهـا يتلوا التائب بصلوات الشكر والحمد. ووضع اليد هذا رمزاً لرحمة الله وغفرانـه وشفاءه للنفس التائبـة وأيضاً للسلطان الـممنوح للكاهن من السيد المسيح.

10.                      هنـا قد يقول أب الإعتراف: "أعط الشكر للـه من أجل عِظم نعـمته،إذهب بسلام"،أو فقط "إذهب بسلام"،وهنا يجيب التائب "شكراً للـه لأن رحـمـتة إلـى أبد الآبديـن. آميـن"، ثـم يقوم التائب عائداً إلـى مكانـه.

11.                      بعد الإعتراف يفـي التائب بالقانون الـمفروض عليـه، ويشكرالله على نعـمة التوبـة والـمغفرة، ويجدد مقاصده الصالحـة بعدم العودة للخطيئـة وإهانـة الله ويعـمل بنعـمة الروح القدس على ممارسـة أعمال التوبـة،والقديس يوحنـا الـمعمدان يؤكد على ذلك قائلاً:"أثـمروا ثـمراً يليق بالتوبـة"(متى8:3). وللتكفيـر أو التعويض عن الخطايا هو ثمرة سر المصالحة،فالإنسان التائب قد نال حياة جديدة"فإن كان أحد فى الـمسيح فإنه خليقة جديدة قد زال كل شيئ قديم وها هو ذا كل شيئ جديد"(2كورنثوس17:5)،فلهذا فليعمل الإنسان الجديد على ترك كل ما هو قديم وجسدي وبقوة الروح القدس يعمل على تقديس نفسه والآخريـن.

وإذا ما نسيت الخطوات السابقـة عند الإعتراف،أو لا تتذكـر الصلوات، فأب الإعتراف بـمحبـة قلبيـة سوف يساعدك على ذلك، ودائـما تذكر أن الله لا ينظر إلاّ لقلب الإنسان وليس للحركات الخارجيـة أو ترديد كلمات من الشفاه فقط.

وختامـا لابد من الثقة فى مواعيد الله الذى أعطانـا هذه النعـمة أن نقترب إليـه ونتوب وهو الذى يغفر لنـا خطايانـا فهو القائل:

"كل ما يُعطينـه الآب فهو يقبل إلـيّ ومن يقبل إلـيّ لا أخرجـه خارجـاً"(يوحنا37:6).

وكلـما تشعر بالضعف فتأكد أن يسوع الـمسيح الـمخلّص هو"قصبـة مرضوضـة لايكسر وكتانـا مدخنـا لا يُطفئ"(متى20:12). الله يُحبك ومن أجل هذا مات على الصليب ولهذا قال يوحنا الرسول:"ونحن قد عرفنا وآمنـا بالـمحبة التى عند الله لنـا.الله محبّة فمن ثبت فى المحبة فقد ثبت فى الله والله فيه"(1يوحنا16:4-17).

وداود النبي يؤكد على ذلك قائلاً:"الرب رؤوف رحيم طويل الاناة وكثير الرحمة.ليس على الدوام يسخط ولا الى الابد يحقد. لا على حسب خطايانا عاملنا ولا على حسب اثامنا كافأنا بل بمقدار ارتفاع السماء عن الارض عظمت رحمته على الذين يتقونه. بمقدار بعد المشرق عن المغرب ابعد عنا معاصينا.كرأفة اب ببنيه رئف الرب بالذين يتقونه"(مزمور8:102-13).

وأيضاً قال:"صرخ الصديقون فسمع الرب ومن جميع مضايقهم أنقذهم"(مزمور18:33).

ان الرب هو القائل:"قد محوت كالسحاب معاصيك وكالغمام خطاياك. ارجع الي فإني قد فديتك"(اشعيا22:44). وهذا مـا أكده ميخا النبي قائلاً:"من هو إله مثلك غافر للإثم وصافح عن المعصية لبقية ميراثه لا يمسك الى الابد غضبه لأنه يحب الرحمة.سيرجع ويرأف بنا ويدوس آثامنا ويطرح فى اعماق البحر جميع خطايانا"(ميخا18:7-19).

لهذا فلنبارك الله دائـما ونردد مع الـمرّنم:

"باركي يا نفس الرب ولا تنسي جميع مكافآته.هو الذى يغفر جميع اثامك ويشفى جميع امراضك"(مزمور2:102-3).

وليكن إيـمانـنا بكل ما هو مكتوب فـى الكتاب الـمقدس ثابت وقوي "لان الكتاب يقول ان كل من يؤمن لا يخزى"(رومية11:10).

ويجب أن يكون مفهومـاً أن الهدف من سر الـمصالحة هو مقابلة الـمؤمن كخاطئ مع اللـه للحصول على الغفران، واما الشرط فهو الإهتداء والندم، وأمـا الإقرار فهو من باب الوسيلة فقط.

 

الإنسان الجديد

-" لايحـييون بعد فـى الجسد" (1بطرس 2:4-3)

– " يحبون بعضهـم بعض حبـاً أخويـاً"(رومية10:12)

– " لا يرتبكون بـهـموم الحياة" (2تيموثاوس 4:2)

– " جسد واحـد وروح واحـد" (أفسس 4:4)

– " يثمرون ثـمر الروح " (غلاطية 22:5)

– "لا يحسدون بعضهم بعضا" (غلاطية 26:5)

– " ليسوا عبيداً بل أبناء" (غلاطية 6:4-7)

– " فيهم من الأفكار والأخلاق ما هو فـى المسيح يسوع"(فيليبى 5:2)

– " يسلكون بحسب الروح لا بحسب الجسد" (غلاطية 16:5)

– "يـُـقـتـادون بروح اللـه" (رومية 14:8)

– " يـبتـغون مـا هـو فوق حيث الـمسيح" (كولوسي1:3)

– " يسمـعون أقوال اللـه" ( يوحنا 47:8)

– " مـولودين من الروح" (يوحنا 6:3)

– "أحقاؤهم مشدودة وسرجهم موقدة ينتظرون سيدهم متى يرجع"

 (لوقا 35:12)

– " لا يطلبون ما يأكلون أو مـا يشربون ولا يقلقوا بل يطلبون ملكوت اللـه" (لوقا 29:12).

 

نـــداء خـاطــئ

إن كنتم أحبـائـي فساعدونـي كـي أُشفـى منـه

لو كنتُ أعرف أنـه خطيـر جداً مـا كنتُ أحبـبتـه

لو كنتُ أعرف أن بحـره عـميق مـا كنتُ أبـحرت وراءه

إن كنتـم أقويـاء أخرجـونـي من هذا اليـّم

   وخلصونـي من هذا السِحر

علـّمونـي كيف أقصّ جذوره مـن أعـماقـي

علّـمونـي كيف تـموت خطيئتـي وتنتحـر رذائلـي

إن كنتُ أعـزّ عليكم خذوا بيدي فأنـا تعيس من رأسي حتى قدمـيّ

أرجوكـم بالأحزان إن كنتـم تعرفون مـا الأحزان

أرجوكـم بإسم جميع الكتب الـمقدّسة والشمع والبخور والصلبان

أن تـرحـمونـي وتدركوا بأننـي إنسان قد إمتصـه الشيطان

 _________________

 

الـمراجــع

1.    Catchism of the Catholic Church, Liguori Publication 1994

2.    Catholic Encyclopedia: Sin, Evil,The Sacrament of Penance, Examination of Conscience, Consciousness, Mortal Sins.

3.    "Preparation for Death”-St. Alphonsus De Liguroi-1926

4.    “Find it Fast in the Bible”-Ron Rhodes Harvest House Publishers (2000)

5.    “Reconcilation and Penance”, Pope John Paul II, December 2, 1984-Paulin Books & Media (1984).

6.    “Statement on the Formation of Conscience”, Issued by the Canadian Bishops, Daughters of St. Paul-1974

7.    “The Mercy of God”, Encyclical Letter of Pope John Paul II, November 13, 1980- Paulin Books & Media.

8.    “The Need for the Practice of Interior and Exterior Penance-Paenitentiam Agere”, Encyclical Letter of Pope John XXIII, July 1, 1962.

9.    “Why Go to Confession?”, Rev. Joseph M. Champlin, St Anthony Messenger Press (1995).

10.                      "سر الـمصالحـة"-الأب فاضل سيداروس اليسوعي(1982).

11. "موجز التعليم الـمسيحي" –الأنبا مكاريوس توفيق (1999).

12."الـمسيح والخطـاه"-الأب أثناسيوس بشارة،مجلة الصلاح نوفمبر وديسمبر (1988).

"مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي"-الـمتنيح الأنبا الكسندروس اسكندر –طبعة خامسة (2002).

 

     نبيل حليم يعقوب

لوس أنجلوس- فى مايو 2003