ما هي الاختلافات ما بين الأرثوذكسية والكاثوليكية؟ 4- صكوك الغفران

إعداد الأب د. يوأنس لحظي جيد

 

أرسل لنا أحد أصدقاء الموقع هذا السؤال، وطلب منا الرد على ما جاء به، ونظرا لأن موقع القديس تكلا القبطي الأرثوذكسي قد قام بعرض نقاط الاختلاف بطريقة مسيحية، وبدون تعصب أو تجريح أو تجني، فقد فكرتُ، وبطريقة شخصية، أقوم بالرد المبسط على هذه النقاط علَّنا نستطيع أن نفهم أن الاختلاف، إذا ما اقترن بالمحبة، يؤدي إلى إغناء كل الأطراف… ولإظهار أن أغلب هذه الاختلافات هي سطحية ولها أسبابها التاريخية التي بفهمها يزول كثير من الغموض وتبدوا الحواجز والقلاع نقاط تلاقي وثراء… وحتى وإن تعلق الأمر ببعض الأسباب الكتابية أو العقائدية فمن الأمانة عرض الرأي والرأي الأخر وللقارئ اختيار الرأي الذي يرى أنه أكثر تطابقا من التقليد المقدس والإيمان القويم…

 

نقاط الاختلاف كما يعرضها موقع القديس تكلا

يقول الموقع:

أولاً، ليس الهدف من ذكر نقاط الخلاف هو التركيز على ما يهدم وليس ما يبني، ولكن ينبغي ملاحظة أن هذا هو إيماننا، وهو ما يجب أن نوضحه وننادي به للعالم أجمع. فالهدف هو أن نتدارس ونتباحث معاً في الأمور اللاهوتية والعقائدية، ولا نعتمد على توارث عقائد قد يشوبها بعض الأخطاء.. ومن الجانب الآخر، فمن الواضح تاريخياً أن الأرثوذكس Orthodox والكاثوليك Catholic هما أوائل الطوائف المسيحية، وهم -على الرغم من بعض نقاط الاختلاف- الأقرب بين الطوائف المسيحية أجمع.

ثم يقول نفس الموقع

 

الاختلاف الرابع

الكاثوليك يؤمنون:-

4. بالغفرانات، أي من حق الباباوات والأساقفة أن يعطوا غفرانا لمدة معينة نتيجة لعمل معين خاص أو منح هذه الغفرانات القانون بناء على قرارات سابقة لبعض الباباوات ولكن عقلاء الكاثوليك ينكرونها حاليا على اعتبار أنها فساد في التاريخ انتهى زمنه.

أسباب عقائدية:

ماذا تعلم الكنيسة الكاثوليكية الآن؟

إيمان الكنيسة الكاثوليكية الخاص بالغفرانات: بحسب كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (1471-1497):

الغفرانات

1471 ـ قضية الغفرانات في الكنيسة. عقيدة وممارسة. مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسر التوبة.

 

ما هو الغفران ؟

"الغفران هو أن يترك لنا الله العقاب الزمني الذي تستتبعه الخطايا المغفورة غلطتها وترك العقاب هذا يخطئ به المؤمن بشروط معينة، بفعل الكنيسة التي جعلها الله قيمة على ثمار الفداء فتوزعها بسلطانها، وتطبق على المؤمن استحقاقات المسيح والقديسين".

"يكون الغفران جزئيا أو كاملاً، حسبما يعفى الخاطئ جزئياً أو كلياً من العقاب الزمني الذي تجره الخطيئة" "كل مؤمن باستطاعته أن يحصل على غفرانات [ …. ] لنفسه أو يطبقها على الراقدين".عقوبات الخطيئة

1472 ـ لكي نفهم هذه العقيدة وهذه الممارسة في الكنيسة، لابد من النظر إلى الخطيئة في مفعولها المزدوج فالخطيئة الثقيلة تحرمنا الشركة مع الله، وتجعلنا، من ثم، غير أهل للحياة الأبدية، وهذا ما يسمى "بالعقاب الأبدي" للخطيئة. ومن جهة أخرى، كل خطيئة، حتى الخطيئة العرضية، تجعلنا نتعلق تعلقاً مريضا بالخلائق، يحتاج إلى تنقية، سواء في هذا العالم أم بعد الموت، في الحالة المعروفة "بالمطهر" هذه التنقية تعفينا مما يسمى "بالعقاب الزمني" للخطيئة، هاتان العقوبتان، يجب ألا نعتبرهما شبه انتقام ينزله الله بنا من الخارج، بل نتيجة نابعة من طبيعة الخطيئة نفسها. التوبة الصادرة عن محبة متقدة قد تؤدى بالخاطئ إلى تنقية كاملة تعفى صاحبها من كل عقاب .

1473 ـ معفرة الخطيئة واستعادة الشركة مع الله يستتبعان محو العقوبات الأبدية الناجمة عن الخطيئة وإنما تبقي هناك عقوبات زمنية وعلي المسيحي أن يسعي إلى أن يتحمل في الصبر عذابات الحياة ومحنها المتنوعة ومتى حانت الساعة أن يواجه الموت راضيا ويحسب هذه العقوبات الزمنية نعمة من الله وعلية أن يدأب بأعمال الرحمة والمحبة وكذلك بالصلاة ومختلف أعمال التوبة في أن يخلع عنه كليا الإنسان القديم ويلبس الإنسان الجديد.

في شركة القديسين

1474- المسيحي الساعي إلى تنقية ذاته من الخطيئة وتقديس ذاته بمعونة النعمة الإلهية، ليس وحيداً في مسعاه هذا: "حياة كلّ من أبناء الله مرتبطة ارتباطا عجيبا، في المسيح وبالمسيح، بحياة جميع أخوته المسيحيين، في وحدة تفوق الطبيعة، وحده جسد المسيح السرّيّ، كما في شخص سرّيّ" (بولس السادس، في الغفرانات، 5)

1475- في شراكة القديسين، :يقوم بين المؤمنين – الذين بلغوا الوطن السماويّ والذين قُبلوا في المطهر للتكفير عن ذنوبهم، والذين لا يزالون حُجاجاً في الأرض – رباط محبة دائم، وتبادل فائض لجميع الخيور" (م ن 86). هذا التبادل العجيب، قداسة الفرد تعود على الآخرين بفائدة تتخطى، إلى حد بعيد، الأذى الذي تُلحِقه بالآخرين خطيئة الفرد. وهكذا يجد الخاطئ التائب، في الركون إلى شركة القديسين، وسيلة أسرع وأفعل، ليتنقّى من عقوبات الخطيئة.

1476 – هذه الخيور الروحية النابعة من شركة القديسين، نسميها أيضا كنز الكنيسة. :وليس هذا الكنز مجموعَ خيور، على شاكلة الثروات الماديّة المكدَّسة على مدّ الأجيال، بل هو الثمن اللانهائي الفيّاض الذي أحرزته، عند الله، كفارات المسيح ربنا واستحقاقاته المرِّبة لتُعتَق البشرية من الخطيئة وتنال الشركة من الآب. ففي المسيح فادينا تفيض كفّاراتُ فدائه واستحقاقاتُ هذا الفداء" (م ن).

1477- "وينضاف إلى هذا الكنز أيضاً صلواتُ الطوباويّة العذراء مريم وأعمالها الصالحة، ولها، في نظر الله، ثمن دائم التجدّد لا حدّ له ولا قياس، وكذلك صلوات جميع القديسين وأعمالهم، وقد تقدسوا بنعمة المسيح، وساروا في خطاه،وأرضوا الرب بسيرتهم، وساهموا، وهم يعملون لخلاصهم، في خلاص إخوتهم أيضاً، في وحدة الجسد السرّ" (م ن).

نيل الغفران من الله بواسطة الكنيسة

1478- نحظى "بالغفران" بواسطة الكنيسة التي نالت من المسيح سلطان الحل والربط. فبقوة هذا السلطان، تتوسط الكنيسة للمسيحي، وتفتح له كنز استحقاقات المسيح والقديسين، وتنال له، من لدن أبي المراحم، ترك العقوبات الزمنية الناجمة عن خطاياه. وهكذا، لا تبغي الكنيسة أن تغيث هذا المسيحي وحسب، بل تستحثّه على القيام بأعمال تقوى وتوبة ومحبة [من أجل ذاته والآخرين] (م ن).

نيل الغفران من أجل الموتى

1479- نظراً إلى أن المؤمنين الراقدين الذي لا يزالون في طور التطهير هم أعضاء أيضا في شركة القديسين عينها، بوسعنا أن نسعفهم بطرق متنوعة، كأن ننال لهم من الغفرانات ما يعفيهم من العقوبات الزمنية التي جرّتها عليهم ذنوبهم.

وبالتالي فالكنيسة الكاثوليكية لم تلغي إلى يومنا هذا الغفرانات لأنه ، كما سبق وشرحنا، هي جزء من عطية المسيح لها "يا بطرس أنت صخر وعلى الصخر هذا سابني كنيستي فلن يقوى عليها سلطان الموت. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فما ربطته في الأرض ربط في السموات وما حللته في الأرض حُلَّ في السموات" (متى 16: 18 – 19 ) وبالتالي جزء من "سر التوبة" أحد الأسرار السبعة في الكنيسة….

 

إذا الكنيسة الكاثوليكية تعلم أبنائها الآتي:

1-  الغفران هو عطية إلهية عن طريق الكنيسة، من حيث أنها وسيلة النعمة والخلاص؛

2-  الغفران لا يتم عن طريق التبرع أو الحج أو بأي أعمال خارجية بل عن طريق التوبة وممارسة سر الاعتراف، التي يعبر عنها بطريقة خارجية؛

3-  عندما تمنح الكنيسة الغفران عن اليوبيل أو لأي مناسبة معينة تشترط التوبة وممارسة سر الاعتراف؛

4-  تفهم الغفرانات داخل إيمان الكنيسة بشيئين الأول: سر التوبة، والثاني شركة القديسين؛ فالموتى يرحلون عنا بالجسد ولكنهم يظلون متحدين بنا في شركة جسد المسيح السري، ولهذا فالكنيسة تتكلم دائما عن أورشليم الأرضية (الكنيسة في العالم)، وأورشليم السمائية (الكنيسة المنتقلة)؛

5-  سلطة الكنيسة المقدسة هي سلطة معطاه لها من قبل شخص المسيح ذاته، الذي قال للقديس بطرس هامة الرسل، ولكل الرسل الآخرين: "يا بطرس أنت صخر وعلى الصخر هذا سابني كنيستي فلن يقوى عليها سلطان الموت. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فما ربطته في الأرض ربط في السموات وما حللته في الأرض حُلَّ في السموات" (متى 16: 18 – 19)… وبالتالي من سلطات الكنيسة الغفران في الأرض (أي في هذه الحياة)، وفي السماء (أي التشفع للموتى)….

أسباب تاريخية:

من ناحية أخرى لا يمكن تجاهل الأسباب التاريخية والتجاوزات من بعض أبناء الكنيسة والتي منها:

أثناء تشيد كاتدرائية القديس بطرس، أعظم كاتدرائية شيدتها يد إنسان حتى الآن ، طالب البابوات من كل الشعب الكاثوليكي في كل العالم التبرع من أجل المشاركة في بناء هذه الكاتدرائية، ولتشجيع المؤمنين قال البابوات أن هذه التبرعات ستفيد الأنفس في الحصول على الغفران لأنفسهم ولأقربائهم الذين انتقلوا عن هذه الحياة.

 

اين المشكلة؟:

تكمن المشكلة أن بعض الوعاظ، وغالبا بدافع من غيرتهم ومحبتهم للكنيسة، قد بالغوا في شرح هذه الأمور للحصول على أكبر قدر من التبرعات… فكانوا يقولون للمؤمنين أنه بمجرد التبرع سيحصلون على الغفران وبالتالي وصلت التجاوزات إلى درجة أنه كلما زاد التبرع كلما الغفران، وهذا بالطبع خاطي.

1- وبالتالي المشكلة تكمن في الممارسة وليست في الإيمان لأن هذا الإيمان هو مقبول حتى يومنا والدليل أن كثير من المؤمنين يأتون ويطلبون من الكاهن أن يصلي من أجلهم ويعطون له بعض العطايا، أو عندما يندر شخص ندرا، أو يقدم تقدمة من أجل الحصول على نعمة معينة، له أو لأحبائه العائشين أو الذين انتقلوا للحياة الأخرى… أو عندما يأتي احد المتبرعين ويطلب من الأب الكاهن: "أريد أن أتبرع بمبلغ ولا اعرف لمن؟ أو كيف؟" وهنا يوجهه الكاهن ويرشده… وخلاصة القول أن الإيمان بالتبرع للحصول على بعض النعم الإلهية لا تزال موجودة في كل الكنائس حتى يومنا هذا؛

2- من ناحية أخرى لا يمكن إنكار أن هناك بعض التجاوزات في كل الكنائس من حيث أن بعض الأشخاص يظنون أنهم بالتبرع قد "اشتروا" النعمة التي يحتاجون لها… وهذا بالطبع خطئ لأن النعم الإلهية لا تشترى ولا تباع…

وختاما، لا يمكن إنكار أن الممارسات الخاطئة لسلطان الغفرانات قد تسبب بكثير من التجاوزات والجروح في جسد الكنيسة وكان أحد أهم أسباب الخلاف التي تسببت في انقسام الكنيسة وظهورت الجماعات البروتستانتية (أي المعترضة) على هذه الممارسات. إلا أنه لا يمكن أيضا إنكار حقيقة أن سلطان الحل والربط هو السلطان الذي أعطاه السيد المسيح للرسل الأطهار وللكنيسة.

إعداد الأب د. يوأنس لحظي جيد