استعمال اللغة العربية وسيطرتها وصراعها مع اللغة القبطية

استعمال اللغة العربية وسيطرتها وصراعها مع اللغة القبطية

داخل الكنيسة القبطية

وتأثير كتّابها على الأدب العربي المسيحيّ(1)

 

     خاص بالموقع: الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح غبريال

في شهر سبتمبر لسنة 2004 ذهبت لإحدى المعاهد القبطية لأتعلّم اللغة القبطية باللهجة الصعيدية وفي بدء الكورس وُزّع منهج اللغة وقد بدأنا التدريس وفي أولى المحاضرات قال الأستاذ للطلبة: «اللغة القبطية لها لهجة واحدة وهي اللهجة الصعيدية»، فرفعت يدي وقلت له:«اللغة القبطية لها خمس لهجات واللهجة الصعيدية هي لهجة من الخمس لهجات»، فقال لي: «لا لهجة واحدة»، فقلت له: «هي خمسة يا أستاذ»، فتعجبت… واندهشت… فصمت… وأخذت أتصفح في مقدمة المنهج وقد وجدتُ في المقدمة أن اللغة القبطية لها خمسة لهجات ورفعت يدي مرة أخري«يا أستاذ في المقدمة في الصفحة الأولى توجد خمس لهجات للغة القبطية كما قلت لحضرتك»، وإذ الأستاذ يفتح مقدمة المنهج ويقرأ فيجد أن اللغة القبطية لها خمس لهجات… فقلت في نفسي كيف مدرس يدرس اللغة القبطية وهو لا يعرف لهجاتها؟….وعندما انتهت المحاضرة الأولى خرجت من قاعة المحاضرات وأنا متعجب من هذا الموقف وإلى يومنا هذا لم تطأ قدميّ هذا المكان…هذا الموقف يرادفني كثيرًا… فطرحت على نفسي لماذا نهتم بلغة قد اضمحلت؟…الذي أدهشني أن سمعت أحد الأشخاص يقول أن المسيح تكلّم بهذه اللغة؟…فقلت في نفسي فلماذا لا يكتب كاروز الديار المصرية إنجيله بهذه اللغة؟…لماذا لا نكتب مقالاتنا بهذه اللغة؟…لماذا لا نعظ بهذه اللغة؟ ما ذنب شعب لا يفهم هذه اللغة ومع ذلك نجبره أن يسمع بعض الصلوات باللغة القبطية؟… لماذا لا نهتم باللغة العربية في الصلوات الطقسية؟… لماذا لا ندرس اللغة العربية حسب قواعدها؟… فهيّا بنا نقوم من غفلتنا ونترجم نصوص صلواتنا باللغة العربية حتى نفهم الصلوات.

 

1: إطلالة تاريخية على اللغة العربية:

يقول الدكتور طه حسين في كتاب “مستقبل الثقافة في مصر”:  «ليست اللغة العربية لغة المسلمين وحدهم، ولكنّها لغة الذين يتكلمونها، مهما تختلف أديانهم. وما دام الأقباط مصريين، ومادامت اللغة العربية مُقومًا من مقومات الوحدة المصرية والوطن المصري، فلا بد من أن يتثقف بها الأقباط، كما يتثقف بها المسلمون. ولابد من أن يتثقف بها رجال الدين من الأقباط، كما يتثقف بها رجال الدين من المسلمين».

ý   إطلالة سريعة لجغرافية العرب[1]

إن العرب هو أحد الشعوب التي اصطلح على تسميتها بالشعوب السامية نسبة إلى سام بن نوح(تك5: 32) وقد أُطلق هذا لقب الساميين على الشعوب الآرامية والفينيقية والعبرية والعربية واليمنية والبابيلية-الأشورية وكل ما تفرع من هذه الشعوب وقد قسّم المؤرخون طبقات العرب إلى طبقتين، هما:

1-العرب البائدة.

2-العرب الباقية.

والعرب الباقية قُسمت إلى:

        1-عربة عاربة.

        2-عربة مستعربة.

أولاً: العرب البائدة:

لم يبق من أخبارهم إلا القليل، وأشهر قبائلهم هم:

1-عاد: وهم يقطنون بين اليمن وعمان من البحرين.

2-ثمود: وكانت مساكنهم بالحجر ودادي القري بين الحجاز والشام.

3-العمالقة: وهم يضرب بهم المثل في الطول والجسد، وقد تفرقت منهم أمم في البلاد كان منهم أهل عمان، والبحرين، والحجاز، وملوك العراق، والجزيرة، وجبابرة الشام، وفراعنة مصر(الهكسوس).

4-طسم وجديس: قيل كانت مساكن طسم بالأحقاف باليمن، وقيل كانت ديارهم باليمامة. وكانت مساكن جديس بجوارهم.

5-عبد ضخم: كانوا يسكنون الطائف، ويقال: إنهم أول من كتب بالخط العربيّ.

6-جرهم الأولى: التاريخ لم يذكر عنهم أيّ شيء.

7-مدين: كان ديارهم ديار عاد وأرض معان من أطراف الشام مما يلي الحجاز.

8-معين: كانت تسكن بلاد اليمن.

ثانيًّا: العرب الباقية:

1-العرب العاربة: هم الخلص من العرب، وهم عرب اليمن، وتسمي عربيتهم بالقحطانية أو العربية الجنوبية، والمشهور منهم شعبان.

أ-لشعب الأول: جُرهم: هم جرهم بن قحطان، كانت منازلهم أولاً اليمن، ثم انتقلوا إلى الحجاز.

ب-لشعب الثاني: يعرب: هم بنو يعرب بن قحطان، ولهم قبيلتين:

أ-حمير ومنه قبائل قضاعة وأشهرها:

1-بليّ: مساكنهم تقع بين المدينة ووادي القري من منقطع دار جهينة إلى حدود دار جزام بالنبك على شاطئ البحر، ولهم بقايا ببلاد الصعيد الأعلى من الديار المصرية وبالحجاز وغيرهما.

 2-جهينة: هي قبيلة عظيمة وكانت منازلهم أطراف الحجاز من جهة الشمال حيث بحر جدّة، ولهم بقايا ببلاد الصعيد الأعلى من الديار المصرية وبالحجاز وغيرهما.

3-كلب: كانت منازلهم في الجاهلية دومة الجتدل وتبوك وأطراف الشام.

4-بهراء: كانت منازلهم شماليّ منازل بليّ من الينبع إلى عقبة أبلي، ثمّ جاور البحر الأحمر وانتشر بين بلاد الحبشة وصعيد مصر، وغلبوا على بلاد النوبة.

5-عذرة:  لهم بقايا بالدقهلية وغيرها من الديار المصرية وبقايا الشام أيضًا.

6-بنونهد: كانت منازلهم باليمن.

7-جرم: هم جرم طيء.

8-مهرة: يقطنون باليمن، وتنسب إليهم الإبل المهرية.

ب-كهلان:

المشهور من قبائلهم:

1-الأزد وهم ثلاثة أقسام:

v   القسم الأول: أزد شنوءة.

v   القسم الثاني: أزد السراة.

v   القسم الثالث: أزد عمان.

2- غسان.

3-الأوس والخزرج وقيل بقاياهم في منفلوط بأسيوط.

4-خزاعة.

5- طيء ومن بطونهم الآتي: «جديلة، جرم».

6- مدحج ومن بطونهم الآتي:«سعد العشيرة».

7- الحارث ومن بطونهم الآتي: «جنب، وعنس، والنخع».

8- همدان.

9-أنمار ولها بطنان: «بجيلة، خثعم».

10-جزام.

11-لخم.

12-الأشعريون.

13-عاملة.

2-العرب المستعربة:

منازلهم في نجد والحجاز وقد لقبهم التاريخ بالقبائل العدنانية: (إياد، ربيعة، قيس عيلان).

1- من بطون قيس:

أ‌-     هوازن (بنو سعد ومنهم نبيّ الإسلام، بنو عامر بن صعصعة، بنو جشم، ثقيف).

ب-غطفان.

جـ-سليم.

د-عدوان.

هـ-باهلة.

2-خندف ومنهم:

   أ-تميم.

  ب-بنو ضبّة.

  جـ-هذيل.

  د-أسد.

  هـ-كنانة.

  و-قريش.

ý   إطلالة سريعة على اللغة واللهجة:

في أوائل سنة 1887 عقد المستشرقين مؤتمرًا في فينا عن «مميزات لغات العرب» وقد انبثق من المؤتمر الآتي:

  1. دراسة اللهجات العربية تعيين الباحث اللغوي على تصور وفهم والتطور اللغوي وتأصيل الدرس اللغوي ولذا يجب أن تدرس اللهجات العربية القديمة من مصادرها المختلفة، من القراءات القرآنية، ومن الروايات المتناثرة في بطون كتب اللغة والأدب والتاريخ وغيرها، ومن الآثار والنقوش  في شبه الجزيرة العربية للوقوف على تصور التطور اللغوي فيها.
  2. هل العربية الفصحي ولغة الشعر عبارة عن حصيلة لهجات عدة أو أنها لهجة قبيلة معينة سادت واتخذها الشعراء قالبًا ينظمون فيه أشعارهم.
  3. تفيد دراسة اللهجات العربية القديمة في معرفة مصادر القراءات القرآنية المختلفة التي رويت لنا غير منسوبة إلى لهجة معينة.
  4. التوسع في دراسة جميع اللهجات العربية القديمة يزيد لغتنا ثروة يمنحها قوة.
  5. البحث في اللهجات العربية في الوطن يرشدنا إلى معرفة مصادر هذه اللهجات وأن كثيرا منها يرجع إلى لهجات القبائل العربية القديمة. فالنطق الدارج في جمهورية مصر العربية مثالاً: في كلمة سكري هو سكرانه يرجع إلى لهجة بني أسد والنطق لكلمتيّ مدين ومعيب هو مديون ومعيوب يرجع إلى لهجة تميم التي تتم اسم المفعول من الفعل الثلاثي الأجوف اليائي.  والنطق لكلمة شعير وكلمة رغيف هو شِعير ورِغيف(بكثر الفاء) يرجع أي لهجة تميم حيث يكسرون أول فَعِيل إذا كان ثانية حرفًا من أحرف الحلق. والنطق للام الجر بالكسر في نحو المال لك وله يرجع إلى لهجة قُضاعة. والنطق الدارج للضميرين هو وهي: هوَّ وهيَّ(تشديد الواو والياء) يرجع إلى لجة همدان.
  6. دراسة اللهجات الحديثة في الوطن العربي تمكننا من الوقوف على الانحرافات المختلفة في النطق والتحوير في الأداء، وبذلك يسهل توحيد اللهجات في لغة مشتركة واحدة والقضاء على اللهجات الإقليمية.
  7. يمكننا عن طريق دراسة اللهجات العربية الحديثة أن نتعرف على ما جدّ فيها من مادة، وعلى المصدر الذي دخلت منه إليها، خصوصًا بعد أن أصبح لعلم اللغة الحديثة مناهجه في جمع المادة اللغوية وتحاليلها على المستويات الصوتية والنحوية والقاموسية، وبعد أن أظهرت المقترعات المختلفة التي تمدنًا بوسائل حديثة ودقيقة للتسجيل والتحليل.
  8. اللهجات العربية الحديثة هي المستودع الذي ترسب فيه ظواهر لغوية كثيرة انقرض من الاستعمال الأدبي وقد يكون بعض هذه الظاهر باقيا من بعض اللهجات الجاهلية أو الإسلامية، وقد يكون بعضها عربيًّا فصيحًا ندر استعماله، بواسطة المادة اللغوية المختلفة في اللهجات الحديثة ودراستها يمكن أن نهتدي إلى أصل بعض مواد اللغة العربية أو نتعرف على الطريق الذي سلكته ظاهرة لغوية ما حتى تطورت واتخذت مظهرًا آخر في العربية الفصحي. ولذا يمكن القول بأن الأبحاث اللغوية التاريخية تعتمد بصفة أساسية على اللهجات الحديثة.

ý   إطلالة علي صعوبة البحث في اللهجات العربية القديمة:

  1. إهمال علماء اللغة القدامى دراسة اللهجات وأفرادها بمؤلف مستقل يجمع شتاتها، ويشرح غامضها، ويظهر الخصائص الصوتية والتعبيرية لها، خوفًا من إثارة العصبية القبلية لا سيما بعد أن ضم الإسلام الحنيف العرب تحت لوائه واتسعت رقعة الدولة الإسلامية جعل هذه اللهجات تصل إلينا متناثرة في بطون الكتب مبتورة حينا وممسوخة حينًا آخر. لذا فأن دراسة اللهجات العربية القديمة تتطلب تصفح جميع المؤلفات العربية في كل فن من فنون العلم لأن الاهتمام بالمسائل اللغوية لم يقتصر على اللغوين النحويين بل تجاوزهما إلى الجغرافيين والمؤرخين والفلاسفة والأطباء والرياضيين، ومن ثم فإن كثيرًا من الملاحظات المهمة عن اللهجات العربية يعثر عليها في غير كتب اللغوين أيضًا.
  2. إغفال علماء اللغة ذكر القبائل التي تنتمي إليها اللهجات أحيانًا والاكتفاء بإطلاق اسم اللغة عليها دون نسبة. وذلك راجع إلى سوء التحري للهجات العربية مقيدة بالبيئة أو الإقليم. وكذا اختلافهم في تعيين القبيلة التي تنتمي إليها لهجة اللهجات. وهذا بلا شك يتطلب جهدا من الباحث لعزو اللهجات المجهولة لأصحابها، والتوفيق بين أوجه الخلاف السائدة بين اللغويين في نسبة لهجة من اللهجات إلى قبائل عدة.
  3. إطلاق علماء اللغة القدماء كلمة لغة لتدل في أحيان أخري لتدل على عيوب النطق(اللثغة) وعدم التمييز بين الإطلاقين عندهم.
  4. التصحيف والتحريف اللذان ابتليت بهما الكتب العربية طمسا كثيرا من المعالم الصحيحة لبعض اللهجات العربية التي دونت في كتب اللغة والأدب والتاريخ وغيرها.
  5. وصف اللغويين اللهجات العربية غير القرشية بأوصاف مختلفة مثل: فصيحة، أو قبيحة، أو رديئة، أو ضعيفة، أو شاذة، وذلك لعدهم لهجة قريش أفضح اللهجات.
  6. اهتمام المسلمين لغة قريش لأنها لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وقد ذهب في هذه اللغة عناصر متعددة من لهجات العرب المختلفة بعضها يوجد في كتب القراءات كالحجة لأبي على الفارسي والمحتسب لابن جني وغيرهما، وأقمحوا على الفصحي خصائص وسمات اللهجات المختلفة حين استنبطوا قواعدهم النحوية والصرفية.

ý   إطلالة على طفولة اللغة العربية:

اللغة ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها البشر، ومنذ التقى الإنسان بغيره وهو يحتاج إلي وسيلة للتفاهم، ومن أرقي الوسائل التي وصل إليها الإنسان في تفاهمه مع أخيه اللغة الصوتية.

وقد لوحظ أن كلمة(اللغة) لم تعرف عند العرب قبل انتهاء القرن الثاني الهجري(623م)، وكان العالم باللغة عندهم يُطلق عليه اسم الرواية، ثم عرف باسم اللغوي في القرن الرابع الهجري(625م)، ومن الذين أطلق عليهم هذا اللقب الجديد أبو بكر بن الحسن بن دريد الأزدري المتوفي سنة 933م، أبو الطيب عبد الواحد بن علي الحلبي اللغوي المتوفي سنة 962م. ، وأبو منصور محمد بن أحمد الأزهري المتوفي سنة 980م، ولم تظهر كلمة(اللغة) في آداب العرب إلا في القرن الثامن الهجري، فقد كان أول ورودها-على ما يعلم- في شعر لصفيّ الدين عبد العزيز بن عليّ بن الحسين الحليّ المتوفي سنة1347م) حيث يقول:

بقدر لغات المرء يكثر نفعه         وتلك له عند الملمات أعوان

فهافت على حفظ اللغات وفهمها      فكل لسان في الحقيقة إنسان.

إذا نشأت اللغة العربية في أقدم موطن للأمم السامية الحجاز ونجد ما إليها، ولكن التاريخ لا يتكلم عن طفولة اللغة العربية وما مرت به من أطوار في عصورها الأولى. وفي ضوء ما وصل إلينا من آثارها يمكن القول بأنها تقسم إلى قسمين:

1-العربية البائدة.

2-العربية الباقية.

أولاً: العربية البائدة:

 وتسمى عربية النقوش، وتطلق على لهجات كانت تتكلم بها عشائر عربية تقيم في شمال الحجاز على مقربة من حدود الآرامية، وبعدها عن المراكز العربية الأصلية في نجد والحجاز، فقدت كثيرًا من مقوماتها وصبغت بالصبخة الآرامية، وقد بادت هذه اللهجات قبل الإسلام، ولم يصل إلينا منها إلا بعض نقوش عثر عليها أخيرًا في مساحة واسعة تمتد من دمشق إلى منطقة العلا، وكثير من هذه النقوش عثر عليها في واحتي الحجر وتيماء.

وتنقسم النقوش التي وصلت إلينا إلى قسمين: قسم شديد التأثر بالأرامية وقسم أقل تأثرا بها وأدنى إلى العربية الباقية.

وقد دون القسم الأول بخط مشتق من الخط المسند، ودون القسم الثاني بالخط النبطي أو بخط مشتق منه.

ونقوش القسم الأول ضحلة المادة لا تشتمل إلا على بعض أسماء الأعلام وبعض عبارات قصيرة، وتنقسم نقوس هذا القسم إلي ثلاث مجموعات:

1-المجموعة اللحيانية:

وتنسب إلى قبائل لحيان، وأقدم هذه النقوش تعود للقرن الثاني أو الأول قبل الميلاد، وأحدثها لا يتجاوز القرن السادس بعد الميلاد، وكثير من هذه النقوش يعرض لتعداد ملوك لحيان وألقابهم وما إلى ذلك.

2-النقوش الثمودية:

تنسب إلى قبائل ثمود التي مر ذكرها، وقد عثر على هذه النقوش في الأماكن التي يعقد العرب أنها كانت مساكن ثمود، ويرجع تاريخ معظمها إلى القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد.

3- النقوش الصفوية:

وتنسب إلى المنطقة التي كشفت على مقربة منها، وهي منطقة الصفا، فقد عثر عليها في حرة واقعة بين تلول الصفا وجبل الدروز. ويرجع تاريخها إلى القرون الثلاثة الأولى بعد الميلاد.

ويرجع قسط كبير من الفضل في حل النقوش الصفوية إلى المستشرق الألماني – ليتمان – فقد جمع من هذه المنطقة نحو ألف وأربعمائة نقش، ثم عكف  على دراستها زمنًا طويلاً فكشف حروفها الأبجدية، وحل معظم رموزها.

وينتظم القسم الثاني من نقوش العربية البائدة ثلاثة نقوش:

1-نقش النمارة:

وقد عثر على هذا النقش من منطقة النمارة، وهي قصر صغير للروم على مقربة من دمشق جنوب منطقة الصفا السابق ذكرها، ويرجع تاريخه إلى سنة 940م.

2-نقش زبد:

وقد عثر على هذا النقش في الأطلال المسماة بزبد، وهي في الجنوب الشرقي من مدينة حلب، ويرجع تاريخه ما بين 512 وسنة 513م.

3- نقش حوران:

وقد عثر على هذا النقش بحوران اللجا الواقعة جنوب دمشق في الجزء الشمالي من جبل الدروز، وهو منقوش على حجر فوق باب الكنيسة التي تُشير عبارته إلى مؤسسها وتاريخ إنشائها، ويرجع تاريخه إلى سنة 468م.

واللغة التي دونت بها النقوش تتفق مع العربية الباقية في كثير من مقوماتها وخصائصها في الأصوات والقواعد والمفردات فهي تشتمل على معظم الأصوات التي تمتاز بها العربية الباقية عن أخواتها الساميات، أو يكثر ردودها فيها دون غيرها كأصوات الذال والثاء والغين والمعجمة والضاد، وتشتمل على ظاهرة الإعراب التي تعد من أهم خصائص العربية الباقية، كما تسير على الطريقة العربية في صوغ أفعل التفضيل، وحذف علامة الإعراب أو شيء منها في حالة إضافة الاسم إلى ما عداه، وأظهر وجوه الاتفاق بينهما نجده في أصول المفردات وأسماء الأعلام.

وتختلف العربية البائدة عن العربية الباقية في شدة تأثرها باللغة الآرامية وفي كثي من مظاهر الصوت والمفردات والدلالة والقواعد، ومن مظاهر اختلافهما في القواعد أن أداة التعريف في البائدة حرف الهاء أو(هان) كما هو الشأن في العبرية، وفي العربية الباقية(أل).

ثانيا: العربية الباقية:

هي التي تنصرف إليها كلمة العربية عند إطلاقها، والتي لا تزال تستخدم عندنا وعند الشعوب العربية الأخرى لغة أدب وكتابه وتأليف، وقد نشأت هذه اللغة ببلاد نجد والحجاز ثم انتشرت في كثير من المناطق كانت تشغلها من قبل لغات سامية وحامية، وانشعبت منها اللهجات التي يتكلم بها الآن في البلاد العربية.

ولا نعلم شيئًا عن طفولة هذه اللغة، إذ لم يعثر العلماء في مواطنها الأولى بنجد والحجاز على آثار منقوشة أو مكتوبة تلقى ضوءًا على حالتها الأولى.

وأقدم ما وصل إلينا من آثارها هو ما يعرف بالأدب الجاهلي  وهو آثار أدبية تنسب لطائفة من شعراء العصر الجاهلي وحكمائه وخطبائه، ولكنها لم تجمع وتدّون إلا في القرون الأولى للعصر الإسلامي، ويرجع تاريخ أقدمها إلى القرن الخامس بعد الميلاد على أبعد تقدير، وهى تمثل هذه اللغة في عنفوان اكتمالها وعظمتها بعد أن اجتازت مراحل كثيرة في التطور والارتقاء، وبعد أن تغلبت لهجة من لهجاتها وهى لهجة قريش على أخواتها بعد صراع طويل معها وصار يؤمها العرب في شعرهم وخطابتهم ونثرهم الأدبي، وإليك بيان ذلك.

صراع لهجات العرب وتغلب لهجة قريش

مر بك- فيما سبق- حديثنا عن القبائل العربية ومنازلها وعلمت أن العرب منذ أقدم العصور قد انقسموا إلى قبائل كثيرة، كما مر بك حديثًا عن البيئة الجغرافية لشبه جزيرة العرب، واستبان لك اختلاف الطبيعة فيها.

زمن المقرر في قوانين اللغات- كما سبق- إنه متى انتشرت اللغة في مساحة واسعة من الأرض وتكلم بها طوائف مختلفة من الناس استحال عليها الاحتفاظ بوحدتها الأولى أمدًا طويلاً، فلا تلبث أن تنشعب إلى عدة لهجات.

ولم تفلت اللغة العربية- ما كان يمكن أن تلفت- من هذا القانون العام، فقد انقسمت منذ أقدم عصورها إلى لهجات كثيرة يختلف بعضها عن بعض في كثير من مظاهر الصوت والدلالة والقواعد والمفردات واختصت كل قبيلة وكل جماعة متحدة في ظروفها الطبيعية والاجتماعية بلهجة من هذه اللهجات.

وقد أتيح لهذه اللهجات المتعددة فرص كثيرة للاحتكاك بفضل التجارة وتبادل المنافع ومجاورة القبائل العربية بعضها لبعض وتنقلها في طلب الكلأ وتجمعها في الحج والأسواق والحروب الأهلية وغير ذلك، فاشتبكت من جراء ذلك اللهجات العربية بعضها مع بعض في صراع لغوى كتب النصر فيها للهجة قريش، وقد ساعد على تغلب هذه اللهجة عوامل كثيرة من أهمها ما يلي:

1- العامل الديني

وقد كانت قريش مجاورة لبيت الله الحرام يقيمون حوله، ويقومون بسدنته، وكان لهذا البيت قداسته عند معظم القبائل العربية فيه الجاهلية، يحجون إليه ليؤدوا مناسكهم ويزوروا أصنامهم ويقدموا لها القرابين ويشهدوا منافع لهم، فكان لقريش بذلك السلطان الديني على بقية القبائل العربية.

2-العامل الاقتصادي

كان لقريش سلطان اقتصادي خطير، فقد كان مقدار كبير من التجارة في أيدي القريشين الذين كانوا ينتقلون بتجارتهم في مختلف بقاع شبه الجزيرة العربية من الشام شمالاً إلى أقصى اليمن جنوبًا، فكانت لهم رحلات تجارية منظمة في مختلف فصول السنة من أشهرها رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام. وبفضل هذا النشاط التجاري أصبح زمام الثروة في هذه البلاد في يد قريش.

3- العامل السياسي

تحقق لقريش بفضل نفوذها الديني والاقتصادي وبفضل موقع بلادها وما كانت تمتاز به من حضارة ونعيم نفوذ سياسي قوى في سائر بلاد العرب في العصر الجاهلي.

وأخيرا إن اللغة العربية شأنها شأن جميع اللغات لا تثبت على حال واحدة، فهي تتطور ما دامت لغة حية، وما دامت تتداول بين أبنائها فهي تخضع لم يخضع له الكائن الحي من نشأة ونمو وتطور، وهي ظاهرة اجتماعية تحيا في أحضان المجتمع، وتستمد كيانها منه، ومن عاداته وتقاليده، وتتطور بتطور هذا المجتمع، فترقي برقية، وتنحط بانحطاطه.

فحين كنت شمّاسًا وأخذنا تصريحًا من أمن الدولة تحت رقم 38 لسنة 2007 بموافقة مكتب الأمن تحت رقم 5737, لاضطلاع علي المخطوطات والوثائق القومية علاوة على الوثائق والمخطوطات بدار المحفوظات العمومية بالقلعة, القاهرة-بالإضافة علي البرديات التي تعود معظمها للقرون العريقة جدًا من القرن الخامس حتى القرن التاسع الميلادي وهي بنهرين إما يوناني/قبطي أو يوناني /عربي أو قبطي /عربي. وأيضًا على الدوريات القديمة جدا جدا جدا .فإنني أسرد بعض تطور الألفاظ والمصطلحات وأمثلة على ذلك:

1-إذا نظرنا في لغة الصحافة في بداية نجد هذه الألفاظ التي استخدمت في ذلك الوقت:

الكتبخانة- الإستبالية-الخوجة-الوابور-الأنتيكخانة-البطريركخانة-البطريق- أجزخانة فهذه الألفاظ يقابلها بالترتيب: دار الكتب-المستشفي-المدرس(المعلم)-القطار-المتحف-البطرخانة-البطريرك-دكان صيدلية(الصيدلية).

2: حال الكنيسة القبطية قبل دخول العرب لمصر:

         في سنة 627 حاول الفرس تسوية الخلافات المذهبية بين المونوفيزيين والملكانيين، وفي هذا الحدث التاريخي تعين كيرلس البطريرك الملكاني علي الإسكندرية سنة 628، وأما كيرلس عقد بمجرد وصوله سنة 631 إلي الإسكندرية مجمعًا بخصوص مشيئة المسيح وأرسل هذه الوثيقة إلي أديرة وادي النطرون ليوافقه عليها الرهبان فاعترف الرهبان في ذلك الوقت بقرارات مجمع خلقدونية وكذلك قرار البابا لاون، وقد اعتنق الكثلكة كثير من الأقباط اليعاقبة ومن بين هؤلاء فكتور أسقف الفيوم، وسيروس من بلدة نقيو(هي بلدة شبشير الحديثة بمحافظة المنوفية)[2]. وبعد تعيين بنيامين بطريركًا للأقباط اليعاقبة وقد أحسن الفرس إليهم علي حين أساءوا إلي الملكانيين لاتفاقهم في المجمع الخلقدوني وفرض الفرس غالبًا علي الكنائس جزية تؤديها لهم واستصفوا أحيانًا ما كان للكنائس الملكانية من أوقاف وأرزاق في حين تركوا الأبنية والعمائر الأهلية لأصحابها دون المساس بها دعي هرقل من أجل إزالة الخلافات الدينية أثناسيوس بطريرك أنطاكيا وسرجيوس بطريرك القسطنطينية وكيرلس أسقف فاسيس- في بلاد القوقاز- لبحث تحقيق هذا الهدف والاتفاق علي ما يرضي هذه الطوائف الدينية المختلفة فاجتمعوا في هيرابولس أسيا الصغري في سنة 631م. وقرروا مشروعًا دينيًا سمي مشروع الاتحاد واتفقوا فيه علي عدم ذكر قرارات مجمع خلقدونية ويسمي البعض هذا المشروع أيضًا باسم صورة توفيق ويقضي البعض هذا المشروع بأن يتمتع الناس عن الكلام في طبيعة السيد المسيح وصفته ويدعو الجميع للاعتراف بأن للمسيح إرادة واحدة[3]. وعين كيرلس بطريركًا للكنيسة الملكية وبعد تعيين كيرلس هرب البطريرك بنيامين إلي الصعيد[4]، أما من الناحية الثقافية فكان يسود مصر في ذلك العصر اللغة اليونانية واللغة القبطية وكانت اللغة اليونانية حتي الفتح العربي هي اللغة الرسمية للحكومة والكنيسة والتجارة والعلاقات الخارجية وأما اللغة القبطية فقد تفرعت إلي لهجات متعددة وتكلم بها غالبية المصريين الذين كانوا يعملون في الزراعة ويجهلون اللغة اليونانية[5]. وفي شهر يوليو لسنة 642 اختير الشماس بطرس بطريركًا للملكيين[6]. ويقول الدكتور سلام شافعي محمود: عند فتح العرب مصر كان بجانب الأقباط واليهود طائفة الملكيين[7]. وقد جاء في أحد التوقيعات ببطريركية النصارى الملكيين تحذير مشدد إلى بطريرك الملكانيين بأن يمنع جماعته من “الميل إلى غريب من جنسهم” و”ليكن الحذر من يومهم، وليومهم من أمسهم”. أما البطريرك فإياه”أن يأوي إليه من الغرباء القادمين عليه، أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب، ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السلوك…”[8].

3-دخول العرب للديار المصرية:

كان في مصر زمن الفتح العربي طائفة الروم الملكانيين وطائفة اليهود. وكذلك عدد من الأقباط يدينون بالمذهب الملكاني أو الخلقدوني[9].

وقبل الفتح العربي صارت منازعات بين الخلقدونيين والأقباط اليعاقبة، وبقدوم عمرو ابن العاص إلي مصر أرسل إلي البطريرك بنيامين أمانا وذلك في سنة20هجرية أمنه علي حياته وحياة المسيحيين جميعا وطلب منه العودة من الصعيد إلي كرسيه واغتصاب كنائس الملكيين فعاد بنيامين سنة644[10]. وهكذا نجح عمرو والمسلمون في فتح حصن بابليون. ويجدر بنا  الإشارة  إلى نص كتاب الأمان الذي منحه عمرو بن العاص للمصريين، فهو يرسم الأبعاد التي حددها العرب المسلمون لمعاملة أهالي مصر وقد جاء في هذا الأمان :

  وها نص الأمان:

«  “بسم الله الرحمن الرحيم”

هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم، وأموالهم، وكنائسهم، وصلبانهم، وبرهم، وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك، ولا ينتقض، ولا تساكنهم النوبة. وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية، إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جني لصوتهم فإن أبى أحد منهم أن يجيب، رفع عنهم الجزية بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة. وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى، رفع  عنهم بقدر ذلك. ومن دخل في صلحهم من الروم والنوبة، فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى منهم، واختار الذهاب، فهو أمّن حتى يبلغ مأمنه أو يخرج من سلطاننا. عليهم ما عليهم أثلاثا، في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم، على ما في هذا الكتاب، عهد الله وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمم المؤمنين. وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا، وكذا وكذا فرسا على ألا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة “ودخل في ذلك أهالي مصر كلهم وقبلوا الصلح»

ونستخلص من هذا النص أن الصلح الذي عقده عمرو بن العاص مع المقوقس عقب الاستيلاء على الحصن:

1- كان خاصا بأهالي مصر جميعا في الوجهين البحري والقبلى. ويؤكد ذلك ما ذكر في هذا العهد من مبلغ الجزية وهو مبلغ كبير، ولكنه يفيدنا في أن هذا الصلح كان خاصا بجميع البلاد المصرية.

2-  يمنح العرب، القبط الأمان على أرواحهم وعقائدهم وأموالهم وكنائسهم.

3- يفرض العرب الجزية على المصريين، ويزاد قدرها وينتقص تبعا لأحوال الفيضان في كل عام. وكانت تدفع على ثلاثة أقساط في السنة. ويترتب على هذا الصلح أن أصبح المصريون أهل ذمة.

4- يطبق العرب شروط هذا الصلح على الرومان والنوبيين إذا شاءوا ذلك، وإذا رفضوها، فلهم حرية مغادرة البلاد إلى حيث يريدون. ويقصد بالنوبيين هنا النوبيون المقيمون في الأراضي المصرية وليست بلاد النوبة.

وبعد عقد الصلح –(641) أمر عمرو بن العاص الجند الرومان بمغادرة الحصن، على أن يحملوا معهم بعض أموالهم، وأعطي لهم مهلة ثلاثة أيام يغادرون بعدها الأراضي المصرية. ورفض عمرو بن العاص تسليم السبايا حتى يستشير الخليفة عمر بن الخطاب. وقد أمر الخليفة برد السبايا».[11]. ولكن بن الحكم يؤرخ الفتح الإسلامي للديار المصرية كالآتي[12]:

(1) 12 من ديسمبر سنة 636، تاريخ وصول جيش عمرو بن العاص إلى العريش.

(2)20 من يناير سنة 640، تاريخ فتح الفرما.

(3) مايو سنة 640، تاريخ غزو إقليم الفيوم.

(4) 6 من يونيه سنة 640، تاريخ وصول المدد العربي لعمرو بن العاص.

(5) يوليو سنة640، تاريخ موقعة عين شمس.

(6) سبتمبر سنة640، تاريخ بدء حصار حصن بابليون.

(7) أكتوبر سنة 640، تاريخ توقيع المعاهدة بين قيرس المقوقس وبين عمرو بن العاص، وهى التي رفضها هرقل.

(8) 6 من أبريل سنة641، تاريخ تسليم حصن بابليون، وهو اليوم الذي يؤرخ به الفتح العربي لمصر، وقد ذكر الطبري في تاريخه، أن فتح الحصن كان في شهر ربيع الثاني من سنة 20للهجرة (20مارس-17إبريل سنة651م)

(9) 13 من مايو سنة641، تاريخ فتح نقيوس. 

 (10) يونيه سنة 641، تاريخ بدء الهجوم على الإسكندرية.

(11) 8 من نوفمبر سنة 641، تاريخ تسليم مدينة الإسكندرية.

(12) 17 من سبتمبر سنة642، تاريخ إجلاء الروم عن الإسكندرية.

(13) أواخر سنة645، تاريخ ثورة الإسكندرية بقيادة منويل.

(14) صيف سنة 646، تاريخ الفتح العربي الثاني للإسكندرية.

ويكتب كامل صالح نخلة في مقالة « القبط » عندما استولى الجيش العربي على مصر بقيادة عمرو بن العاص, كانت غالبية جنود الجيش الرومي من الأقباط الملكيين( أي الأقباط الكاثوليك) من سكان مصر ومع ذلك ففي الجيل الثالث عشر الميلادي كان بعض كبار الموظفين من العناصر المحلية من الأقباط الملكيين (أي الأقباط الكاثوليك)[13]

يسطر كل من رفيق حبيب, ومحمد عفيفي, «تاريخ الكنيسة المصرية», الآتي: « عد الانقسام بين كنيسة الإسكندرية وكنيسة روما وأنطاكيا، انقسم الأقباط إلى فريقين، فريق يتبع البطريرك الإسكندرية الأرثوذكسي، وهم الأغلبية، وأقلية ظلت تتبع فكر كنيسة روما، أي تتبع قرارات مجمع خلقدونيا، وسميت هذه الأقلية بالملكيين، لأنهم كانوا يتبعون البطريرك يعين من قبل الملك في روما.

وفي بعض الفترات التاريخية، كان يوجد بطريرك واحد، سواء للأرثوذكس أو الملكيين، وفي أحيان أخرى وجد بطريرك لكل كنيسة. قد كان بطريرك الكاثوليك، في أوقات كثيرة أجنبيا، أي لم يكن جنسيته مصريا. وفي أوقات كان للكاثوليك بطريرك بيزنطي، وآخر بطاركتها هو مرقس الثاني في بدء القرن الثالث عشر. وقد أراد مرقس الثاني إلغاء الطقس السكندري، وإحلال الطقس البيزنطي، وهو ما رفض من الملكيين(الكاثوليك) وقد استخدم في طقس الملكيين اللغة اليونانية، ثم القبطية، ثم العربية. ومع حلول القرن الثالث عشر لم يعد للملكيين بطريركا[14]».

واحتل العرب سوريا سنة 638م، ودخلوا العراق في السنة ذاتها. ولم تمض علي ذلك أربع سنوات حتي كانت بلاد فارس تحت سيطرتهم. وفي سنة 661 استقرت الدولة الأموية في دمشق، غير أن النصاري ظلوا يتمتعون بحريتهم الدينية والفكرية ويتابعون نشاطهم العلمي والفلسفي.

اهتمت الدولة العباسية، بعد أن استتب لها الأمر، بالدراسات العلمية اهتمامًا بالغًا وساعدت علي نقل العلوم الأجنبية إلي العربية، ساهم المسيحيون  العرب بهذا الجهد بالقدر الأكبر.

لم يمض ثمانون عامًا علي سقوط الدولة الأموية حتي كانت الترجمات إلي العربية قد شملت القسم الأكبر من مؤلفات أرسطو، وشرّاح المدرسة الإسكندرانية ومعظم كتب جالينوس وبعض محاورات أفلاطون. ولم تقتصر هذه الترجمات علي الكتب اليونانية بل تعدتها إلي ما سواها من مناهل المعرفة آنذاك: العبرية والسريانية واليونانية والفارسية والهندية واللاتينية. 

4-اضمحلال اللغة القبطية وسيطرة اللغة العربية عليها والصراع معها في الكنيسة القبطية:

بدأت الترجمات إلي العربية في أواخر القرن السابع المسيحي لكنها لم تنشط إلا في أواخر القرن الثامن، ولم تبلغ ذروتها إلا في القرن التاسع. ومن البديهي أن تكون الترجمات الأولي قد تناولت الموضوعات التي تتعلق مباشرة بالحياة العملية. فابن النديم يخبرنا أن خالد بن يزيد، حاكم مصر في عهد الدولة الأموية، كان مولعًا بالعلوم فأمر بعض العلماء الإسكندرانيين بنقل بعض الكتب الطبية والكيميائية  من اليونانية والقبطية إلي العربية، وأن هذه الترجمات كانت الأولي من نوعها في العالم العربي، كما أن الخليفة الأموي عمر بن العزيز أمر بنقل كتاب في الطب.

أما الحركة الحقيقية للنقل فلم تبدأ قبل عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي أسس بغداد وجعل منها وارثة لأثينا والإسكندرية. وقد تابع الخلفاء العباسيون عمل المنصور حتي جاء المأمون وأنشأ مدرسة للترجمة سنة 217هـ/ 832م. عرفت باسم”بيت الحكمة”، وكانت هذه الدار- التي هي أشبه بالأكاديمية العلمية- يعمل فيها علماء كثر من شراح ونقلة تحت رئاسة الطبيب النصراني يوحنا بن ماسويه، وقد أوفد المرسلين إلي الهند وفارس والقسطنطينية وغيرها لبحث عن الكتب القيمة وجمعها. وكانت دار الحكمة مقسمة إلي دوائر مختصة بحقل من حقول الترجمة، ولكل دائرة رئيس. وكان حنين بن اسحق العبادي، وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشرة من عمره، أنشط المترجمين في هذه المدرسة. وقد أصبح رئيس المدرسة بعد أن جددها الخليفة المتوكل حوالي سنة 242هـ/ 857م، أي في سنة يوحنا بن ماسويه، وكانت الترجمة في بدء عهدها إلي السريانية غالبًا، لكن حركة الترجمة إلي العربية ازدادت بعد رئاسة حنين، واكّب أشهر المترجمين علي إعادة النظر في الترجمات القديمة وتصحيحها.

       إذا كان الفتح العربي لمصر عاملاً مساعدًا على إحياء اللغة القبطية على حساب اللغة اليونانية التي كانت منتشرة في مصر في ذلك الوقت، فأصبحت الدروس تقرأ  في الكنيسة باللغة القبطية بعد أن كانت تقرأ باليونانية وتشرح بالقبطية، وبعد أقل من نصف قرن من الفتح تقريبًا بدأ العرب يتجهون إلى تعريب البلاد وإلى جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية وذلك لعدم معرفتهم باللغة القبطية، وقد بدأ تعريب الدواوين في مصر سنة88هـ /706م في ولاية عبد الله بن عبد الملك، لذا اضطر المصريون العاملون في دواوين الحكومة إلى تعلم اللغة العربية حفاظًا على الوظائف التي كانت بأيديهم. وفى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي بدأت اللغة القبطية في الاضمحلال والتلاشي أمام اللغة العربية نتيجة لما حدث من إتمام حركة التعريب في مصر.

وعلى الرغم من أن اللغة العربية أخذت في الانتشار وأن المصريين اقبلوا على تعلمها، إلا أن عامة أهل مصر- على حد التعبير المقدسي- كانت «لغتهم عربية ركيكة…..وذمتهم يتحدثون القبطية».  

وكان القبط يتكلمون القبطية بلهجات متعددة, فاللهجة البحرية كانت تستعمل في الإسكندرية وما جاورها والدلتا ووادي النطرون, ثم أصبحت هي اللهجة الرسمية للكنيسة القبطية منذ أن نقل البابا خريستودولوس(عبد المسيح) البطريركية إلى القاهرة في أوائل القرن الحادي عشر الميلادي – الخامس الهجري.

ويذكر المقريزى أن نصارى قرى الصعيد الأعلى كانوا يتكلمون “القبطي الصعيدي”-اللهجة الصعيدية- وأن نساءهم في الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا القبطية الصعيدية, وان لهم أيضًا معرفة باللغة الرومية”اليونانية”.

وكان من عادة نصارى مدينة إسنا أنهم كانوا يحضرون أفراح المسلمين ويطوفون في أسواق المدينة وشوارعها أمام العرائس وهم يهللون ويغنون بعبارات قبطية صعيدية.

وفى الصعيد كانت هناك أيضًا لهجات قبطية فرعية مثل اللهجة الأخميمية التي كانت تستعمل في أخميم واللهجة الأسيوطية التي كانت تستعمل في أسيوط, واللهجة الفيومية التي كانت تستعمل في الفيوم. وأما في شرق الدلتا فقد كان القبط يتحدثون باللهجة البشمورية.

وأما حالة كنيسة الملكيين فاستمرت في صعوبة وهبوط بل ازدادت صعوبتها في القرن التاسع إذ حظر عليهم أن يفتحوا مدارس تعلم اللغة اليونانية فالتزموا أن يتعلموا اللغة العربية[15]

وفي سنة 706 أمر عبد الله بن عبد الملك بن مروان بالدواوين فنسخت بالعربية وكانت قبل ذلك تكتب بالقبطية وصرف أناس عن الديوان وجعل الغزاوي من أهل حمص واضطر الأقباط لكي يتسني لهم شغل الوظائف أن يتعلموا اللغة العربية. إن أول ورقة بردي مكتوبة باللغة اليونانية والعربية معًا ظهرت سنة 643 وآخر واحدة سنة 719 وآخر أوراق بردية خاصة بمسائل إدارية كتبت كلها باليونانية مؤرخة سنة 709 وأول كتابة عربية وجدت في مصر مصورة على جدار منزل في أنتونيوAntinoe))  هي من سنة 735 وقد أرسل البطريرك ميخائيل( 728 -752) طلبًا للوالي عبد الملك بن مروان مكتوبًا بالقبطية والعربية ولكنه لم يعرف كلمة واحدة من العربية واضطر أن يستعين بمترجم للتحدث مع الخليفة مروان الثاني ولكن تدريجيًّا تعلّم الإكليروس اللغة العربية وهناك نص شهير عند ساويروس، مطران الأشمونيين حيث يصرّح فيه أن اللغة العربية في جميع أنحاء مصر وأن جزءً كبيرًا من السكان لا يعرفون اليونانية ولا القبطية ومع تقدم التأسلم،  أخذت اللغة العربية تنتشر بطريقة طبيعية بحيث أننا نستطيع أن نميز بعد ثلاث قرون من الفتح ثلاث فئات من الشعب.

  1. فئة العرب الوافدين الذين لم يشعروا قط الحاجة إلى تعلّم القبطية.
  2. فئة الأقباط الذين اعتنقوا الإسلام وأسرعوا لتعلم اللغة العربية فأصبحوا مزدوجي اللغة.
  3. فئة الأقباط الذين تمسكوا بعقيدتهم المسيحية ولغتهم القبطية ولكن بعد اضطهادات سنة 813 والخليفة الحاكم(996-1020). أخذت الفئة الثالثة تتضاءل واضطرت هي أيضًا أن تتعلم العربية بحيث أن اللغة القبطية في القرن الرابع عشر لم تكن مستعملة إلا في الأديرة[16]

ولكن اللغة العربية لم تدخل يومئذ في الليتورجيا  بل في الكلام فقط فهكذا نري البطريرك خريستوفورس الأول (805- 836) يعظ باللغة اليونانية في القرن التاسع أما أفتيشيوس أي سعيد ابن بطريك فنراه في القرن العاشر (933- 940) يضع تاريخه بلغة الضاد رأسًا وعلي ذكر هذا التاريخ نقول أنه يدلل علي انحطاط عظيم في العلم وأخطائه الكثيرة توضح أن المؤلف لم يكن بين يده معلومات كثيرة قديمة.

أما انتشار اللغة العربية في مصر، فقد كان ذلك في الواقع مصاحبًا أيضًا للفتح العربي ومقترنًا إلي حد كبير، بانتشار الإسلام، لأنه كان يجب علي كل من يعتنق الإسلام أن يتعلم اللغة العربية حتي يمكنه قراءة القرآن، وأداء الصلاة. ويجدر بنا أن نشير إلي ما كان سائدًا في مصر قبل الفتح العربي من اللغات. كانت اللغة اليونانية قبل الفتح العربي هي اللغة الرسمية في الحكومة والمعاملات التجارية والكنيسة، والعلاقات السياسية، أما لغة المصريين الدراجة التي يتحدث بها عامة الأقباط فهي اللغة القبطية، ويبدو أن استخدامها كان بين أبناء المجتمع القبطي وفي شرح العلوم والدروس الدينية التي كانت تلقي باليونانية ثم تشرح للأقباط بلغتهم القبطية. وهكذا كانت اللغة اليونانية هي لغة الثقافة والحكومة بينما احتفظت اللغة المصرية، بمنزلتها بين الشعب فلم تتغلب اليونانية عليها حتي أن أحد القسس قال:«إذا أراد يوناني أن يعلم المصريين شيئًا من القانون فخير له أن يتعلم لغة المصريين حتي يستطيع أن يتفاهم معهم أما إذا خاطبهم باليونانية فلا فائدة من حديث” وذلك يؤكد عدم انتشار اللغة اليونانية بين جميع المصريين. وأن اللغة اليونانية كانت تسير جنبًا إلي جنب مع اللغة القبطية حتي الفتح العربي للبلاد المصرية» وكانت اللغة القبطية، تكتب بالحروف اليونانية، ثم أضاف لها الأقباط سبعة حروف من الخط الديموطيقي- Demotic – وهي حروف تعبر عن أصوات ليس لها مقابل في اللغة اليونانية، وهي شاي(ش) وفاي (ف) وخاي (خ) وهوري(هـ) وجنجا(ج) وتشيما (تش) وتي(ت).

وكانت اللغة القبطية مقسمة إلي عدة لهجات أو لغات رئيسية. يقول أحد أساقفة مصر الإسلامية (في القرن الخامس الهجري، الحادي عشر الميلاد) ويدعي انتناس – وكان أسقفًا لمدينة قوص- «تعلم اللغة القبطية مقسومة علي ثلاثة أقلام، منها القبطي المصري، الذي هو الصعيدي، ومنها القبطي البحيري، المعروف بالبحيرة، ومنها القبطي البشموري المستعمل ببلاد البشمور، والمستعمل الآن –أي في عصر هذا الأسقف- القبطي البحيري والقبطي الصعيدي، والأصل فيهما لغة واحدة».

وكانت هذه الأقسام الرئيسية للغة القبطية تنقسم بدورها إلي لهجات فرعية. نذكر منها  الفيومية، وكان استعمالها مقسومًا علي إقليم الفيوم، والأخميمية وكانت لهجة سكان أخميم. والأخميمية الفرعية والأسيوطية، ويتكلم بها الأهالي في المنطقة ما بين البهنسا وأسيوط.

كانت اللهجة البحيرية هي المستعملة في الطقوس الدينية في الكنيسة القبطية، بينما كانت اللهجة الصعيدية هي لهجة الأدب، وكانت أكثر اللهجات انتشارًا في مصر. أما اللهجات الأخرى فكان كل منها خاص بالإقليم الذي يحمل اسمه وبالرغم من أن اللهجة الصعيدية كانت هي اللهجة القبطية العامة حتي القرن الميلادي فإن اللهجة البحيرية قد حلت محلها لما اكتسبته من الأهمية الدينية والكنسية وأيضًا لأن كثيرًا من الأدب الصعيدي، قد ترجم إلي اللهجة البحيرية.

ساعد الفتح العربي لمصر، علي انتعاش اللغة القبطية وكان ذلك- في الغالب- علي حساب اللغة اليونانية لغة البلاد الرسمية منذ عهد البطالمة فبعد أن كانت الدروس الدينية في كثير من الأحيان تقرأ باليونانية ، ثم تشرح للأقباط باللغة القبطية الدارجة أصبحت بعد الفتح العربي، لا تقرأ إلا باللغة القبطية وتشرح بها أيضًا. وإلي جانب ذلك نجد البلاد والأقاليم التي كانت تغلب عليها الأسماء باللغة اليونانية أصبحت تعرف بأسمائها القبطية التي ترجع إلي الأسماء المصرية القديمة. ونذكر من الأمثلة علي ذلك أخميم بدلاً من بانوبوليس وإهناسيا بدلاً من هيراكليوبوليس والأشمونين بدلاً من هرموبوليس وكان ذلك في الواقع، بعثًا لقديم لم يندثر تمامًا، فإن اللغة القبطية أو الأسماء المصرية القديمة كانت قد غلبت علي أمرها لفترة من الزمن، ثم أخذت تستعيد مكانتها عقب الفتح العربي لمصر. بعد أن تخلصت البلاد من الحكم الروماني، وما كان يرمي إليه الحكام الرومان من القضاء علي اللغة القبطية، وأن يحل محلها اللغة اليونانية في جميع الأمور والأحوال، فتظل لهم بذلك السيطرة والحكم في البلاد سياسيًا ولغويًا.

ونحن نري أنه كان أمرًا طبيعيًا، أن تنتشر لغة العرب الفاتحين بين المصريين وأن يتطور الأمر، فتصبح اللغة العربية. اللغة الرسمية للبلاد بدلاً من اللغة اليونانية وكان ذلك في الواقع نتيجة حتمية لسيادة العرب علي البلاد المصرية بدلاً من الرومان.

وكان انتشار اللغة العربية في مصر مصاحبًا لانتشار الإسلام، حتي صارت اللغة العربية لغة التخاطب ولغة الكتابة والعلم. ونلاحظ أن انتشار اللغة العربية بين المصريين كان يسير ببطء، بعكس ما كان عليه الحال في انتشار الإسلام. كما أننا نلاحظ أن المصادر التاريخية المختلفة لم تشر إلي متي بدأ الأقباط يستخدمون اللغة العربية لغة للتخاطب فيما بينهم ومهما كان الأمر فأننا يمكن أن نقول أن الأقباط أو المصريين بصفة عامة قد عرفوا اللغة العربية منذ السنوات الأولي للفتح العربي لمصر. ذلك لأن من اعتنق منهم الدين الإسلامي كان لزامًا عليه أن يتعلم اللغة العربية حتي يتمكن من تفهم دينه الجديد ومعرفة شرائعه إلي جانب قراءة القرآن. كذلك يبدو أنه قد حدث أن تعلم اللغة العربية –في القرن الأول للعرب في مصر – بعض الأقباط المحتفظين بدينهم المسيحي، حتي يقتربوا إلي الحكام وأولي الأمر في البلاد نذكر من هؤلاء الشماس بنيامين الذي تقرب إلي الإصبع بن عبد العزيز فقد عهد إليه أبوه عبد العزيز بن مروان بكثير من أمور مصر. وكان هذا الشماس يطلع الإصبع علي كثير من أسرار الأقباط كما قام بترجمة الإنجيل من اللغة القبطية إلي اللغة العربية بناء علي طلب الإصبع. كما ترجم له كتبًا دينية أخري وكان الإصبع يرمي من وراء ذلك، أن يعلم هو والمسلمون ما في هذه الكتب مما يمس الدين الإسلامي ولا شك أن هذا الشماس كان يتقن اللغة العربية ويتفهمها جيدًا حتي أنه أمكنه القيام بهذه الترجمة ونري أيضًا أن ما قام به الإصبع من ترجمة هذه الكتب إلي اللغة العربية كان مقدمة لتعريب الدواوين واتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للبلاد. وحدث أيضًا في إمارة عبد العزيز بن مروان علي مصر أن أمر الخليفة عبد الملك بن مروان بترجمة النصوص التي اعتاد أن يكتبها صناع أوراق البردي في مصر علي ما يقيمون بصناعته من هذه الأوراق فلما تبين معناها قال:«ما أغلظ هذا في أمر الدين والإسلام» وكتب إلي أخيه عبد العزيز بن مروان في مصر بأبطال هذه الكتابات وأن يستبدل بها إحدى الشهادتين، فقام عبد العزيز بن مروان بذلك ومهد ذلك كله فيما بعد لتكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية بدلاً من اللغة اليونانية وأن تكون أيضًا لغة التخاطب بين الأقباط وفي المعاملات الاجتماعية. استمرت اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية في الدواوين حتي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك(86- 96هـ) ويؤيد ذلك أوراق البردي ذات الصبغة الرسمية والتي يرجع تاريخها إلي عهد الوليد والتي دونت باللغتين اليونانية والعربية معًا ذلك لأن اللغة اليونانية كانت اللغة الرسمية التي تدون بها الأعمال في تلك الدواوين أما اللغة العربية فكانت لغة الحكام العرب. ونذكر من الأمثلة علي ذلك بردية يرجع تاريخها إلي سنة 86هـ وتتضمن مرسومًا صادرًا من والي مصر عبد الله بن عبد الملك. وهذه البردية تدل في الواقع علي أن اللغتين اليونانية والعربية كانتا مستعملتين في دواوين الحكومة حتي ذلك العصر. فلما كانت سنة 87هـ نقل عبد الله بن عبد الملك. دواوين مصر إلي اللغة العربية. وبذلك صارت اللغة العربية هي اللغة الرسمية التي تدون بها الأعمال بدلاً من اللغة اليونانية. وقد أدت عملية تعريب الدواوين في مصر إلي نقل كثير من المصطلحات اليونانية والقبطية إلي اللغة العربية. ومن ثم صار للعرب السيادة اللغوية إلي جانب السيادة السياسية والحربية. وبدأت تنتشر اللغة العربية في جميع المدن والقرى المصرية وأصبحت لغة الإدارة والحكم وبالتدريج صارت بعد ذلك لغة الثقافة ولغة التخاطب فضلا عن أنها لغة السياسة والدين. ونلاحظ أن تعريب الدواوين في سنة 87هـ لم يقض نهائيًا علي استخدام اللغة اليونانية في كتابة الوثائق الرسمية فكان من الضروري أن يكون هناك مرحلة انتقال يتم بعدها توقف استخدام اللغة اليونانية في الأعمال الرسمية. فقد استمرت اللغة اليونانية تدون بها الوثائق إلي جانب اللغة العربية طوال عهد الأمير عبد الله ابن عبد الملك وفي عهد خلفه قرة بن شريك ويؤيد ذلك كثير من الأوراق البردية( التي ترجع إلي الفترة ما بين سنتي 86، 96هـ.

كما تشير إحدى أوراق البردي العربية إلي استعمال اللغة اليونانية في بعض الوثائق في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي ولا شك أن ذلك يدلنا علي أن بعض المصريين كان لا يزال يلم باللغة اليونانية حتي ذلك الوقت ويتحدث بها. وتتضمن هذه البردية تظلم بعض القرى المصرية من عمال الضرائب وهي مؤرخة في سنة 137- 140هـ (754- 757م) وتتكون هذه الوثيقة من واحد ومائة سطر كتبت الثمانون سطرًا الأولي منها باللغة القبطية والاثنا عشر سطرًا التالية باللغة اليونانية أما باقي الأسطر فقد كتبت باللغة العربية. والأسطر القبطية تحتوي علي نص الأخطار الأصلي وذلك يدلنا- بدون شك- علي أن رؤساء القري كلهم تقريبًا من الأقباط في ذلك العصر، إلي جانب أن اللغة القبطية كانت هي اللغة المستعملة في القري المصرية في حياة الأقباط وفي تعاملهم في المجتمع المصري. ولم تكن اللغة العربية حتي ذلك العصر قد صارت لغة التخاطب والمعاملات كلية في جميع المدن والقرى المصرية. أما النص اليوناني في هذه البردية فكان عبارة عن وصف دقيق لبعض محتويات النص العربي أكثر اختصارًا.

ويري بعض الكتاب المحدثين أن استخدام اللغتين اليونانية والعربية في مصر في التخاطب والمعاملات بين الرومان والأقباط وغيرهم كان سائدًا بين سكان مصر ويدلنا علي ذلك ما جاء في بعض أوراق البردي حيث يوجد ثبت عبارة عن أحد عشر سطرًا ويضم أسماء لبعض الأقباط ويرجع خطه اليوناني المنمق إلي القرن الثاني الهجري( الثامن الميلادي).

ونستخلص من دراسة أوراق البردي العربية, أن اللغة القبطية كانت تستخدم في كتابة بعض الوثائق في مصر الإسلامية – كما رأينا في البردية المتضمنة ظلامه بعض القري- وإن كان من العسير أن نقول, أن اللغة القبطية قد أصبحت لغة رسمية في المعاملات الحكومية وإنما كانت في المرتبة الثالثة بعد اللغتين العربية واليونانية ونستدل علي ذلك ببعض أوراق البردي التي كان يكتب فيها النص القبطي في نهاية الوثيقة أو في ظهرها. ويضاف إلى ذلك أن النص القبطي كان – في الغالب- يكتب بحبر يختلف لونه عن لون الحبر الذي يكتب به نص الوثيقة العربي أو اليوناني.

وبالرغم من أن اللغة العربية ,قد أصبحت اللغة الرسمية في البلاد المصرية, أو بمعني آخر لغة السياسة والحكم في القرن الثاني الهجري- الثامن الميلادي- فإنه من الواضح أنها لم تصبح لغة التخاطب بين سكان مصر جميعًا، وأنه كان لا يزال يجهلها كثير من الأقباط ونري ذلك واضحًا حينما قبض مروان بن محمد –آخر الخلفاء الأمويين- علي البطريرك أنبا خايال, وبعض الأساقفة وكان هؤلاء الأقباط لا يفهمون العربية ولا يمكنهم الحديث بها. وكان مروان بن محمد يصحب معه بعض التراجمة الذين تولوا ترجمة الحديث الذي دار بين مروان والبطريرك القبطي لعدم فهم كل منهما للغة الآخر.

وتشير بعض المصادر القبطية الحديثة إلي أن اللغة العربية بدأت تنافس اللغة القبطية في التعليم والدراسة, وفي مختلف الميادين منذ القرن الثالث الهجري –التاسع الميلادي- ولا غرو فإن حلول اللغة العربية محل اللغة القبطية في الكتابة, سبقه انتشار اللغة العربية كلفة للتخاطب بين أفراد الشعب. فقد أصبحت اللغة العربية, لغة الدواوين ثم صارت لغة التعليم والدراسة. وقد أصبح الأقباط أنفسهم في القرن الثالث عشر الميلادي(السابع الهجري), يؤلف علماؤهم في العلوم اللاهوتية باللغة العربية: مما يدل علي أنها صارت لغة العلم وكان يفهمها أغلب سكان مصر.

ونري أن تحول كثير من الذميين إلي اعتناق الدين الإسلامي, كان من أهم العوامل التي ساعدت علي انتشار اللغة العربية فصارت لغة التخاطب, ثم لغة العلم والدراسة. إذ كان لزامًا علي هؤلاء المتحولين إلي الإسلام ,أن يدرسوا اللغة العربية ويتفهموا فيها حتي يتمكنوا من قراءة القرآن وفهم شرائع الإسلام. ومن ثم صارت اللغة العربية بالتدريج- علي مر العصور التاريخية- ضرورية في عمليات البيع والشراء في المدن. كما أقبل الأقباط في القري علي تعليم اللغة العربية واستعمالها في حياتهم اليومية.

وبالرغم من انتشار اللغة العربية في بداية القرن الثالث الهجري وفهم كثير من الأقباط لها،فإن ذلك لم يقض نهائيًا علي اللغة القبطية, إذ يبدو أن بعض الأقباط استمروا محافظين علي لغتهم القبطية دون محاولة لمعرفة غيرها. ويؤكد ذلك أن الخليفة المأمون لما زار مصر في بداية القرن الثالث الهجري, كان يصحب معه المترجمين عند زيارته لبعض المدن والقري التي مر بها في طريقه.

فيقول المقريزي:«إن الخليفة المأمون مر في طريقه بقرية طاء النمل, فلم يدخلها وكانت ملكًا لعجوز قبطية تسمي مارية فخرجت هذه المرأة, تنادي علي الخليفة فظنها المأمون مستغيثة، متظلمة فوقف لها وكان لا يمشي أبدًا إلا والتراجمة بين يديه من كل جنس فذكروا له أن القبطية قالت: يا أمير المؤمنين نزلت في كل ضيعة, وتجاوزت ضيعتي والأقباط تعيرني بذلك وأنا أسأل أمير المؤمنين أن يشرفني بحلوله في ضيعتي, ليكن لي الشرف والعقبى, ولا تشمت به الأعداء».

وحدث في عصر هذا الخليفة أيضًا أن البطريرك كثيرًا ما كان يخاطب أساقفته باللغة القبطية, مع علمهم جميعًا باللغة العربية. فقد حدث أن قاضي مصر آنذاك, محمد بن عبد الله استدعي البطريرك أنبا يوساب وبعض الأساقفة الذين سعوا به لدي هذا القاضي. وتعمد القاضي المذكور إهانة البطريرك أنبا يوساب أمام هؤلاء الأساقفة. فوجه البطريرك بعض الكلام إلي هؤلاء الأساقفة الخارجين عليه باللغة القبطية. وكان في هذا المجلس جماعة من الفقهاء المسلمين الذين يعلمون القبطية فترجموا للقاضي ما قاله البطريرك بالقبطية إلي اللغة العربية.

ويؤكد ذلك بعض أوراق البردي التي ترجع إلي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) فهناك بردية مؤرخة في ذي القعدة سنة 239هـ تتضمن عقد بيع, وتشير إلي أن أحد الأقباط قد أدلي بشهادته علي هذا العقد وكتب شهادته واسمه باللغة القبطية. ومع ذلك فإن ما قام به الخليفة العباسي المعتصم من إسقاط العرب من الديوان قد أدي إلي اختلاط العرب بالمصريين في القري والمدن المصرية مما كان له أثره الواضح في انتشار اللغة العربية بمصر وقضائها علي اللغة القبطية.

أخذت اللغة العربية تجد طريقها بين أهل الذمة حتي صارت الأغلبية منهم تجيدها قراءة وفهمًا وتتحدث بها في العصر الطولوني.

ويدلنا علي ذلك ما جاء في بعض الأوراق البردية فهناك بردية مؤرخة في سنة 274هـ وفيها أن أحد الأقباط أدلي بشهادته وجاء في هذه البردية” إقرار دانيال بجميع ما في هذا الكتاب بعد أن قرئ عليه حرفًا حرفًا, فأقر بفهمها ومعرفته بما فيه”.

وبلغ الأمر أن صارت جميع وثائق أهل الذمة سواء كانت تتضمن عقد بيع أو شراء أو عقود الزواج تكتب باللغة العربية ومن الأمثلة علي ذلك, بردية تتضمن عقد زواج تم في الأشمونين بين يحنس بن شنودة وبين زوجته القبطية.

ونحن نرجح أن اللغة القبطية كانت وما زالت متداولة بين بعض الأقباط حتي عهد الأمراء الإخشيديين واستمر ذلك حتي أواخر القرن الرابع الهجري( العاشر الميلادي) فيقول المقدسي عن سكان مصر:” لغتهم عربية…وذمتهم يتحدثون القبطية” أي أن اللغة التي كانت سائدة في البلاد وفي المعاملات المختلفة وشئون السياسة والحكم, بل العلم والدراسة كانت هي اللغة العربية بينما أهل الذمة حتي ذلك العصر لا يزال كثير منهم يتكلم القبطية وقد يكون ذلك إلي جانب فهمهم وإلمامهم باللغة العربية.

ونستدل علي ذلك بأن سعيد بن بطريق، البطريرك الملكاني، قد ألف كتابًا في التاريخ باللغة العربية وذلك في النصف الأول من القرن الرابع الهجري. ثم جاء بعده الأسقف ساويرس  بن المقفع- أسقف مدينة الأشمونيين- فكتب كتابه المشهور” سير الآباء البطاركة” في أواخر القرن الرابع الهجري( العاشر الميلادي) في عهد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله باللغة العربية. وكان ساويرس يقوم بجمع الوثائق اليونانية والقبطية و ترجمتها إلي اللغة العربية، مما يؤكد لنا أن اللغة العربية قد أصبحت آنذاك لغة التخاطب بين المصريين عامة. ويقول ساويرس في مقدمة كتابه المذكور:”….فأستعنت بمن أعلم استحقاقهم من الأخوة المسيحيين، وسألتهم مساعدتي علي نقل ما وجدناه منها بالقلم القبطي واليوناني إلي القلم العربي، الذي هو الآن معروف عند أهل الزمان بإقليم ديار مصر لعدم اللسان القبطي واليوناني من أكثرهم”.

ويتهم بعض كتاب الأقباط المحدثين بعض حكام مصر الإسلامية بمحاولتهم اقتلاع اللغة القبطية ومنع المصريين من التحدث بها. ومن ثم القضاء عليها تمامًا. ويوجه هذا الاتهام بصفة خاصة إلي الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، فنراه يقول: إن الحاكم بأمر الله لم يقتصر علي مصادرة الأقباط في كنائسهم ومنازلهم وأملاكهم ودياراتهم ومقتنياتهم ولا باستبدال لغتهم القبطية في دواوين الحكومة ومصالحها وأعمالها الكتابية والحسابية باللغة العربية أيام الأمير عبد الله(سنة 704م) بل زاد الطين بله، فأمر بمحو هذه اللغة محوًا تامًا وإزالة كل أثر لها وذلك بإبطال التحدث بها في البيوت والطرق ومعاقبة كل من يستعملها بقطع لسانه واقتضي بالحاكم في محاربة اللغة القبطية كثيرون من خلفائه.

ونحن نري أنه لم يوجد في المصادر التاريخية المختلفة ما يشير إلي ذلك صراحة في عصر الحاكم بأمر الله أو عصر غيره من حكام مصر المسلمين. ولعل هذا الكاتب القبطي اعتمد في اتهامه هذا ,علي موقف الحاكم بأمر الله الشديد من الأقباط وإلزامهم ببعض الأحكام القاسية في عصره. وأيضًا لعله بني رأيه هذا علي ما نسبه بعض المؤرخين الأقباط إلي هذا الخليفة من أنه قد عرض علي بعض الأقباط الإسلام ,وأنه ألحق بهم كثيرًا من صنوف العذاب والإرهاب في سبيل ذلك فرأي أنه لابد أنه قام بمثل ذلك في سبيل ترك الأقباط لغتهم، وسيادة اللغة العربية بينهم في الحديث والدراسة وغيرها.

ويشير بعض الكتاب المحدثين أيضًا إلي أنه في القرنين الثالث والرابع الهجريين( التاسع والعاشر الميلاديين) ظهر نشاط غريب بين الأقباط، ذلك أنهم أرادوا أن يعتزوا بقوميتهم، ويحافظوا علي لغتهم فجمعوا الكتب القبطية في دير سانت مقار, إلا أن حركتهم هذه بائت بالفشل في القرن التالي أي القرن الخامس الهجري (الحادي العشر الميلادي) لأن اللغة القبطية كانت تتقهقر أمام اللغة العربية وكثر إقبال الناس علي ترجمة الكتب الدينية من اللغة القبطية إلي اللغة العربية. كما أنه بعد القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كان رجال الكنيسة يقرأون صلواتهم باللغة القبطية بينما كانت الكتب الدينية باللغة العربية.

وعليه يبدو أن مقدرة الأقباط علي فهم اللغة العربية وتعلمها وهي لغة حكامهم المسلمين وإهمالهم اللغة القبطية قد أدي تدريجيًا وبمرور الوقت إلي فقدان اللغة القبطية لأهميتها كما أن المستخدمين الأقباط لم يعودوا يستخدمون اللغة القبطية في حديثهم ولا في كتاباتهم، وإنما كانوا يستخدمون اللغة العربية مما أدي إلي نقص أهمية اللغة القبطية ثم اختفائها تمامًا في مصر.

ونطور الأمر بعد ذلك إلي أن صار الأقباط يستخدمون اللغة العربية إلي جانب اللغة القبطية في الكنيسة. فقد قرأ تقليد القس أنبا مقارة بطريركًا في كنيسة المعلقة- في عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله- باللغات اليونانية والقبطية والعربية.

وفي القرن الخامس الهجري( الثاني عشر الميلادي) أمر البطريرك أنبا غبريال القس بقراءة الصلوات والمزامير الدينية باللغة العربية السائدة آنذاك. كما عني أيضًا بترجمة جميع الكتب والطقوس الدينية إلي اللغة العربية حتي يفهمها عامة الشعب جميعًا.

ومع ذلك استمرت اللغة القبطية معروفة لدي بعض الأقباط حتى عصر المؤرخ أبي صالح الأرمني( في القرن السادس الهجري) فكان من عادة سكان إسنا, أن يعهدوا إلي الأقباط بالغناء في أفراحهم باللغة القبطية الصعيدية. ويؤكد ذلك أيضًا أن أبا الفخر ابن أزهر، الذي ترك دينه اليهودي واعتنق المسيحية(في القرن السادس الهجري) قد تعلم اللغة القبطية بطلاقة . فكان يجادل اليهود باللغة العبرية ويفسره للأقباط باللغة القبطية وذلك يدلنا علي بقاء اللغة القبطية بين الأقباط يتحدثون بها ويتدارسون بها أيضًا حتى ذلك العصر وما بعده.

 وتم في القرنين السادس والسابع الهجريين (الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين) ترجمة كتب الطقوس الدينية إلي اللغة العربية لتكون بجانب النسخ القبطية لها وحتى عصر المؤرخ المقريزي (القرن التاسع الهجري، الخامس عشر الميلادي) كان الأقباط ما زالوا يتكلمون القبطية في الأديرة حول أسيوط.

والواضح أن المصادر التاريخية المصرية، قلما تشر إلي انتشار اللغة العربية بين اليهود -وذلك بعكس ما لمسناه بالنسبة للأقباط- ولعل ذلك كان راجعًا كما ذكرنا مرارًا إلي قلة عدد اليهود في مصر بالنسبة لعدد الأقباط. يقول المقدسي عن سكان مصر وأهل الذمة بها خاصة:” وعامة ذمتهم نصارى يقال لهم الأقباط ويهود قليل….”.

وبالرغم من ذلك نجد إشارات في بعض المصادر الحديثة المعتمدة علي الوثائق العبرية( وخاصة الCairo Geniza  ) نؤكد أن اللغة العربية قد انتشرت بين اليهود أيضًا شأنهم في ذلك شأن الأقباط كما أنها أصبحت لغة الدراسة والعلم بينهم. ويؤكد ذلك أن سعيد بن يوسف الفيومي ويقال له أيضًا Saadia Hagoan- الذي عاش في الفترة ما بين سنتي 892-942م(أي في القرنين الثالث والرابع الهجريين) كان أول من نبغ في الدراسات العلمية والأدبية من بين اليهود ووضع هذا العالم اليهودي،كثيرًا من المؤلفات باللغة العربية بل أنه ترجم التوراة إلي اللغة العربية ومع التعليقات والشرح حتي يسهل فهم عامة اليهود لها.

ولاشك أن ذلك يدل علي أن عامة اليهود كانوا في ذلك العصر يتحدثون بالعربية بحيث أصبح يصعب عليهم فهم العبرية فقام هذا العالم اليهودي بترجمة التوراة وشرحه بالعربية لغة عصره. ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل نراه يعمل معجمًا لقواعد اللغة العبرية وجعل فيه ما يقابل العبري باللغة العربية حتي يكون في متناول الجميع.

وقد عاصر هذا العالم اليهودي عالم يهودي آخر يسمي اسحق بن سليمان الإسرائيلي وقد نبغ في الطب والفلسفة, وألف كتبه في هذه الميادين باللغة العربية أيضًا ,ثم رحل من مصر إلي المغرب ليعمل في خدمة الخلفاء الفاطميين هناك.

وهكذا انتشر الإسلام بسرعة عظيمة في مصر وصار دين الأغلبية العظمي بين سكانها كما انتشرت اللغة العربية وصار لها السيادة اللغوية ثم أصبحت لغة جميع سكان البلاد المصرية، في المعاملات السياسية والتجارية وفي الحياة الاجتماعية. كما استخدمها الأقباط في كنائسهم بدلاً من اللغة القبطية ومن ثم اندثرت اللغة القبطية حتي صار يعجز عن فهمها عامة الأقباط ولاشك في أن ذلك كما تذهب بعض المصادر الحديثة كان ميزة من مميزات العرب علي غيرهم من الفاتحين فإن الشعوب المختلفة التي توالت علي مصر قبل الفتح العربي لها لم تستطع القضاء علي لغة المصريين كما حدث بالنسبة للعرب.

ونستنتج من السابق أن عند دخول العرب لمصر سنة641 سمح المسلمون للمسيحيين أن يستخدموا اللغة القبطية ولأول مرة في الوثائق القانونية وعلي أثر ذلك توجد عدة برديات تعود لهذه الحقبة بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة بنهرين إما باللغة اليوناني والقبطي, أو اليوناني والعربي أو القبطي والعربي. ولم تكن اللغة القبطية مستعملة كلغة رسمية منذ دخول العرب لمصر, بل أن الصلوات في الأديرة والكنائس تصلي باللغة اليونانية وتشرح بالقبطية.وكانت اللغة اليونانية لغة الوثائق والإدارة منذ العصر البطلمي حتى دخول العرب لمصر. ولكن أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية في عهد عبد الملك بن مروان (684-705) إلا أن اللغة القبطية ظلت تستعمل مع اللغة العربية حتى عصر حكم الدولة العباسية الأول

(762-768) و حكم الدولة العباسية الثاني (905-935) حين أصبحت اللغة العربية بمفردها لغة الوثائق الرسمية القانونية. رغم أن توجد وثائق باللغة اليونانية حتى سنة 780م وتوجد في هذه الحقبة وثائق باللغتين اليونانية والعربية. وسنة 799كان يحاكم من يستعمل هذه اللغة, ولما جاء الحاكم بأمر الله حتم عدم استعمالها قاطبة حتى في المنازل والطرق حاكما بالموت علي من يتكلم بها.

وعلي أثر ذلك يسطر سعيد بن بطريق أن الأقباط يكتبون باللغة العربية مثال أبي شاكر بطرس بن الراهب, وجرجس بن المكين, وأبى الفضائل يجهلون تماما اللغة القبطية.

 وأقدم مخطوط مسطر باللغة العربية في الكنيسة القبطية هو مخطوط رقم 109بمكتبة دير الأنبا أنطونيوس الكبير بالبحر الأحمر وهو يحوي الأربع الأناجيل متي ومرقص ولوقا ويوحنا وكتب ما بين يوم 24يونيو-28أغسطس لسنة 1146. وثاني مخطوط سطر باللغة العربية في الكنيسة عينها مخطوط رقم2مسلسل /91بمكتبة المتحف القبطي وهو يحوي البشائر الأربع وحرر في يوم الخميس الموافق 17أبريل لسنة 1203.

وثالث مخطوط سطر باللغة العربية في الكنيسة ذاتها مخطوط رقم 689مسلسل123طقس الأجبية بمكتبة الدار البطريركية القبطية بحي الأزبكية وتاريخ النسخ في يوم السبت الموافق 14نوفمبر لسنة 1215.

وأقدم مخطوط باللغة العربية للقداسات القبطية الباسيلي والغريغوري الكيرلسي مخطوط فاتيكاني قبطي رقم 17منسوخ سنة 1288.  

  ويقول الأنبا ساويروس بن المقفع (915-987م) أسقف الأشمونيين, في مؤلفه تاريخ البطاركة “استعنت بمن أعلم استحقاقهم من الأخوة المسيحيين وسألتهم مساعدتي علي نقل ما وجدناه من الأخبار بالقلم القبطي واليوناني إلي القلم العربي الذي هو اليوم معروف عند أهل الزمان بأقاليم ديار مصر لعد اللسان القبطي واليوناني من أكثرهم” علاوة علي عن أن يصلّى داخل الكنائس والأديرة باللغة العربية لكي يفهم الشعب الصلوات التي تتلى.وأصدره بطريرك الأقباط اليعاقبة الأنبا عبد المسيح (1047-1077) سلسلة قوانين باللغة العربية. 

ويكتب ميخائيل السوري عن بطريرك الأقباط اليعاقبة الأنبا غبريال الثاني بن تريك ( 1131-1146) ” أنه كان بارعا باللغة العربية وخطها. ولما رأي أن الشعب المصري يتكلم اللغة العربية ويكتب بها, نظر لطول عهد  ألسيادته العربية, اهتم بترجمة التوراة والإنجيل إلي العربية وكذلك بقية كتب الطقوس الدينية الأخرى ليستطيع المؤمنون, أي الشعب بأكمله, أن يفهم هذه الكتب”علاوة علي أنّه أصدر “مجموع قوانين” باللغة العربية, وأصدر البطريرك كيرلس بن لقلق (1235- 1243) مجموعة قوانين باللغة العربية, ومن الكتّاب الأقباط  في القرن الثالث عشر الذين كتبوا باللغة العربية  كيوحنا السمنودي, وأبناء العسال أبو إسحاق الرئيس المؤتمن, الأسعد أبو الفرج هبة الله, والشيخ أبو الفضائل الأمجد وأصدر الكاهن شمس الرئاسة أبو البركات ابن كبر، الذي توفي في سنة 1324عدة مؤلفات باللغة العربية والأرشدياكون يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع ألف مؤلفه كتاب الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة باللغة العربية. علاوة علي أن حين ينصب بطريرك الأقباط اليعاقبة  كان يقرأ تقليد البطريرك باللغتين القبطية والعربية, وكان في القرن الثاني عشر الميلادي يقرأ التقليد باللغة اليونانية علاوة علي اللغتين القبطية والعربية.

يقول الأستاذ جواد علي، صاحب الموسوعة المشهورة “المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام” ما نصه:

«ويلاحظ أن الذين كتبوا بالقلم العربي الشمالي، الذي أُخذ منه قلم مكة، هم من العرب النصاري في الغالب. فأهل الانبار، والحيرة، وعين شمس، ودومة الجندل، وبلاد الشام، كانوا من النصاري. فلا أستبعد احتمال استعمال رجال الدين للقلم السرياني المتأخر، الذي كوّن القلم البنطي في كتابة العربية، لحاجتهم إلي الكتابة في تعليم أولاد النصاري الكتابة، وتثقيفهم ثقافة دينية. فكانوا يعلمونها في المدارس الملحقة بالكنائس، وربما نشروها في البحرين، أي في سواحل الخليج، حيث كانت هنالك جاليات نصرانية، وفي الأماكن الأخرى من جزيرة العرب التي كانت النصرانية قد وجدت سبيلاً لها بينها. ولا استبعد احتمال عثور المنقبين في المستقبل علي كتابات مطمورة كتبت بهذا القلم». (المجلد الثامن ص178-179).

وقال أيضًا: «وقد كانت لنصرانية أثر مهم في نشر الكتابة العربية، المأخوذة عن الآرامية، بين الجاهليين، الكتابة التي توّلد منها قلمنا الذي نكتب به في الوقت الحاضر. وقد وجد المسلمون، في فتحهم العراق، مدارس عديدة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة. كما أن تُجار مكة ويثرب، الذين كانوا يقصدون الشام والعراق، وجدول الضرورة تحتم عليهم تعلُّم هذا الخط، فتعلموه. ولما نزل الوحي، كُتب كتابة به، فصار قلم المسلمين»(المجلد السادس ص. 689).

5-تطور الأدب العربي القبطي:

من غير السهل أن نحدد فترته، لأننا لا نملك بعد مؤلفًا تاريخيًا لهذا التراث الغنى جدًا. ولكننا باطلاعنا على الحوادث التاريخية للشرق وعلى خطوات التراث العربي المسيحي، نستطيع أن نصل إلى وضع الخطة التالية:

  1. البدايات من 750 إلى 850: إنها فترة المحاولات الأولى الموسومة بعلامة شعبية وكتابية.
  2. العصر الذهبي من 850 إلى 1325: حيث القسم الأول من 850 إلى 1050 الفترة المتمركزة في بغداد، إنها الفترة الفلسفية والأرسطوطالية، أما القسم الثاني فإنه متمركز فوق القاهرة حيث نمى هذا الأدب لدى الأقباط، الذي كان قمته مع ابن كبر المتوفى سنة 1324.
  3. عصر الانحطاط من 1325حتى منتصف القرن التاسع عشر: كان نور النشاط الثقافي قد بدأ بالانطفاء، وبالأخص بعد سقوط القسطنطينية، وبدأ موت الإنتاج الأدبي واللاهوتي، ولكن شعلة الثقافة اشتعلت بفضل المستشرقين، الموارنة بالأخص، الذين رتبوا ونقلوا مخطوطات العصر الذهبي في الشرق وفى الغرب.
  4. عصر النهضة: بسبب دعم المستشرقين وتوطد العلاقات بين الشرق والغرب، بسبب نشاط الجمعيات الرهبانية.

           وبنعمة الله نكمل الحلقة الثانية من بحثنا هذا المتواضع والبسيط جدا في الأيام القادمة ونعطي إطلالة على المخطوطات والوثائق والكتّاب الذين كتبوا باللغة العربية وتعريب كل التراث اليوناني والقبطي ودور الكنيسة القبطية الكاثوليكية في تعريب الكتب الطقسية من اللغة القبطية إلى اللغة العربية واهتمام تدريس اللغة العربية في إكليريكيتها ونختم الحلقة الثانية باقتراحات خاصة باللغة العربية واستخدامها الصحيح في الصلوات الطقسية كنصوص شهر كيهك والإبصلمودية واللقانات والجنازات والمدائح والترانيم…

6-المراجع والمصادر:

1-إبراهيم خميس إبراهيم(الدكتور)، «دراسات في تاريخ مصر البيزنطية»، القاهرة، 1996.

2-ابن أبي السرور البكري، «المقتضب فيما وافق لغة أهل مصر من لغة العرب»، التراث=1، القاهرة، 2006.

3-أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ابن أعين القرشي المصري، «فتوح مصر والمغرب»، الجزء الأول، الذخائر=49، تحقيق عبد المنعم عامر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999.

4-أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ابن أعين القرشي المصري ، «فتوح مصر والمغرب»، الجزء الثاني، الذخائر=50، تحقيق شالرز توري، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999.

5-أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، «الزاهر في معاني كلمات الناس»، الجزء الأول، الطبعة الثانية، بغداد، 1987.

6-أحمد مطلوب(الدكتور)، «الأرقام العربية»، بغداد، الطبعة الثانية، 1982.

7-أخبار الأيوبيين للمكين جرجس بن العميد، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، د.ت.

8-آدم متر، «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري»، ترجمة، القاهرة، 2008.

9-أسد رستم(الدكتور)، «كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمي»، مجموعة الدكتور أسد رستم=20، الجزء الأول، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، 1988.

10-أسد رستم(الدكتور)، «كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمي»، مجموعة الدكتور أسد رستم=21، الجزء الثاني، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، 1988.

11- اسكندر صيفي، «المنارة التاريخية في مصر الوثنية والمسيحية»، القاهرة، د.ت.

12- أيمن سيد فؤاد سيد، «الدولة الفاطمية في مصر»، الدار المصرية اللبنانية،القاهرة، 1992.

13-بروكوبيوس، «التاريخ السري القرن السادس الميلادي »، ترجمة صبري أبو الخير سليم، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001.  

14-بولا ساويرس البراموسى (الأب)، «النصوص المسيحية في العصور الأولى، التاريخ الرهبانى في أواخر القرن الرابع الميلادي هستوريا موناخورم (الرهبان السبعة) هستوريا موناخورم (روفينوس) التاريخ اللاوسى لبلادبوس، القاهرة، 2013.

15-جان موريس فييه(الدكتور)، «أحوال النصاري في خلافة بني العباس»، نقله إلى العربية حسني زينه نصوص ودروس= المجموعة التاريخية، دار المشرق بيروت،1990.

16-جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، «النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة»، قدم له وعلق عليه محمد حسين شمس الدين، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992،

17-حسن إبراهيم حسن، «تاريخ عمر بن العاص»، صفحات من تاريخ مصر=34، القاهرة، 1996.

18-خالد بن هلال بن ناصر العبري، «أخطاء لغوية شائعة»، عمان، 2006.

19-رافي بروفنصال، «معجم اللغة العربية المستعملة في القرن العشرين»، الرباط، المغرب، 1942.

20-الراهب البراموسي، «حسن السلوك في تاريخ البطاركة والملوك»، القاهرة، 1613 للشهداء الأطهار(1897 ميلادية).

21-روفائيل نخلة اليسوعي (الأب)، « المنجد في المترادفات والمتنجاسات»، الطبعة الثانية، 1968.

22-زاهر رياض، «المسيحيون والقومية المصرية في العصر الحديث»، القاهرة، 1979،

23-سعيد عبد الفتاح عاشور(الدكتور)، «المجتمع المصري في عصر سلاطين المماليك»، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992.

24-سلام شافعي محمود سلام, «أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي والعصر الأيوبي», القاهرة, 1982.

25-سلام شافعي محمود(الدكتور)، «أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول»، تاريخ المصريين=75، القاهرة، 1995.

26-سمير خليل سمير اليسوعي(الأب)، «دور المسيحيين الثقافي في العالم العربي(1)»، موسوعة المعرفة المسيحية، الفكر العربي المسيحي=4، دار المشرق، بيروت، 2004.

27-سمير خليل سمير اليسوعي(الأب)، «دور المسيحيين الثقافي في العالم العربي(2)»، موسوعة المعرفة المسيحية، الفكر العربي المسيحي=5، دار المشرق، بيروت، 2004.

28-السيد عبد العزيز سالم(الدكتور)، «تاريخ الإسكندرية وحضارتها في العصر الإسلامي»، الإسكندرية، 1982.

29-سيدة إسماعيل كاشف(الدكتورة)، «مصر الإسلامية وأهل الذمة»، تاريخ المصريين=57، القاهرة، 1993.

30-سيدة إسماعيل كاشف(الدكتورة), «عبد العزيز بن مروان», تاريخ المصريين= 239, القاهرة, 2005.

31-صلاح أبو جوده اليسوعي(الأب)، «المسيحية في جنوب الجزيرة العربية قبل الإسلام»، موسوعة المعرفة المسيحية، تاريخ الكنيسة=9، دار المشرق، بيروت، 1997.

32-عبد العظيم رمضان, «الدور الوطني للكنيسة المصرية عبر العصور», تاريخ المصريين= 224, القاهرة, 2002.

33-عبد القادر المغربي، «عثرات اللسان في اللغة»، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، المطبعة الهامشية، دمشق، 1949.

34-عبد الله محمد النقراط(الدكتور)، «الشامل في اللغة العربية»، بنغازي، ليبيا، 2003.

35-عمر الإسكدري، أ.ج. سفدج، «تاريخ مصر إلى الفتح العثماني»، صفحات من تاريخ مصر=2، القاهرة، الطبعة الثانية، 1996.

36-فاطمة مصطفي عامر(دكتورة)، «تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلي نهاية العصر الفاطمي»، الجزء الأول، القاهرة، 1999.

37-فاطمة مصطفي عامر(دكتورة)، «تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلي نهاية العصر الفاطمي»، الجزء الثاني، القاهرة،2000.

38-فهمي هويدي، «مواطنون لا ذميون»، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1999.

39-القلقشندي، «صبح الأعشي في كتابة الإنشا للقلقشندي»، المحتار من التراث العربي=24، السفر الرابع، اختار النصوص وعلّق عليها وقدّم لها عبد القادر زكّار، دمشق، 1983.

40-كميل حشيمة اليسوعي(الأب)، «علماء مسيحيّون في ديار الإسلام(622م-1300م)»، موسوعة المعرفة المسيحية، الفكر العربي المسيحي=8، دار المشرق، بيروت، 2008.

41-كميل حشيمه اليسوعي(الأب)، «المؤلفون العرب المسيحيون من قبل الإسلام إلى آخر القرن العشرين»، الجزء الأول، معجم الأعلام والآثار والمراجع (آبا- أيوب)، دار المشرق، بيروت،2010.

42- كميل حشيمه اليسوعي(الأب)، «المؤلفون العرب المسيحيون من قبل الإسلام إلى آخر القرن العشرين»، الجزء الثاني، معجم الأعلام والآثار والمراجع (بابادوبولس- جريدينى)، دار المشرق، بيروت، 2011.

43- كميل حشيمه اليسوعي(الأب)، «المؤلفون العرب المسيحيون من قبل الإسلام إلى آخر القرن العشرين»، الجزء الثالث، معجم الأعلام والآثار والمراجع (جريدينى- خليفة)، دار المشرق، بيروت، 2011.

44- كميل حشيمه اليسوعي(الأب)، «المؤلفون العرب المسيحيون من قبل الإسلام إلى آخر القرن العشرين»، الجزء الرابع، معجم الأعلام والآثار والمراجع، (خليل- الريس)، دار المشرق، بيروت، 2012.

45- كميل حشيمه اليسوعي(الأب)، «المؤلفون العرب المسيحيون من قبل الإسلام إلى آخر القرن العشرين»، الجزء الخامس، معجم الأعلام والآثار والمراجع، (الزاخر- شكرى)، دار المشرق، بيروت، 2013.

46-لويس معلوف اليسوعي (الأب)، «المنجد معجم مدرس للغة العربية»، بيروت، 1923.

47-مجدي الدين محمد يعقوب الفيروز آبادي بن يعقوب بن محمد ابن إبراهيم بن عمر السيرازي، «القاموس المحيط»، الطبعة الثالثة، بيروت،1987.

48-مجمع اللغة العربية، «المعجم الوسيط»، الجزء الأول، القاهرة، 1960.

49-مجمع اللغة العربية، «المعجم الوسيط»، الجزء الثاني، القاهرة، 1961.

50-مجموعة من المؤلفين، «المنجد في اللغة العربية المعاصرة»، دار المشرق، بيروت، طبعة ثانية، 2001.

51-مجموعة من المؤلفين، «الموسوعة العربية الميسرة»، بيروت، 1987.

52-محمد فتحي الشاعر، «السياسة الشرقية للإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي عصر جوستنيان»، القاهرة، 1989.

53-موفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي، « عيون الأنباء في طبقات الأطباء»، شرح وتحقيق 54-الدكتور نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت، د.ت.

55-هويدا عبد العظيم رمضان، «المجتمع في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى العصر الفاطمي»، الجزء الأول، القاهرة، 1994.

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح غبريال

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما

stfanos2@yahoo.com

 

 

 

 



[1] هذا الجزء مستلهم من: محمد رياض كريم، «المقتضب في لهجات العرب»، القاهرة، 1996، ص1-160.

[2] راجع، عزيز سوريال عطية،«تاريخ المسيحية الشرقية»، ترجمة : إسحاق عبيد، المجلس الأعلى للثقافة = 892، القاهرة، 2005، ص 98.

[3] راجع، فاطمة مصطفي عامر(دكتورة)، «تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلي نهاية العصر الفاطمي»، الجزء الأول، القاهرة، 1999، ص41و42.

[4] راجع، «المرجع السابق»، ص43.

[5] راجع، «المرجع السابق»،ص 50.

[6] راجع، «المرجع السابق»،ص108.

[7] راجع، سلام شافعي محمود(الدكتور)، «أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول»، تاريخ المصريين=75، القاهرة، 1995، ص159.

[8] راجع، سيدة إسماعيل كاشف(الدكتورة)، «مصر الإسلامية وأهل الذمة»، تاريخ المصريين=57، القاهرة، 1993، ص116و117.

[9] راجع، سيدة إسماعيل كاشف(الدكتورة)، «مصر الإسلامية وأهل الذمة»، تاريخ المصريين=57، القاهرة، 1993، ص52.

 

[10] راجع،  حكيم أمين (دكتور)،« المرجع السابق»، ص256-266.

[11] راجع، فاطمة مصطفي عامر(دكتورة)، «المرجع السابق»،ص85- 87.

[12] راجع،  أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ابن أعين القرشي المصري، «فتوح مصر والمغرب»، الجزء الأول، الذخائر=49، تحقيق عبد المنعم عامر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999، ص ت و لا.

[13] راجع, كامل صالح نخلة, « القبط », مجلة صهيون, عدد 1, يناير, القاهرة،  1955, ص10-11.

[14] راجع, رفيق حبيب, ومحمد عفيفي, «تاريخ الكنيسة المصرية», القاهرة, 1958, ص84 و85.

[15] راجع، يوسف الشماس المخلّصي(الأب)، «خلاصة تاريخ الكنيسة الملكية»، الجزء الثاني، دير المخلص، لبنان، 1949، ص60.

[16] راجع، جورج شحاته قنواتي(الأب)، «المرجع السابق»، ص52و53.