هذه التي غرستها يمينك يا الله، أحفظها وثبّتها في إيمان ابنِك يسوع المسيح، هذه الأبرشية مازال الروح القدس يقودها في الإيمان والرجاء والمحبّة. منذ عام 2003 بدأت أبحث عن جذور هذه الأبرشية العريقة في المسيحية والكثلكة منذ القرن الأول حتى القرن الحالي، وبعد نشرت جزء منه في مجلة الصلاح السنة 74، أكتوبر/ نوفمبر، 2003، ص243-244، وجزء آخر في جريدة حامل الرسالة العدد 2531، 1/7/2007، السنة 49، ص 4، وتمت مراجعة هذا البحث التاريخي من قبل الطيب الذكر المتنيح مثلث الرحمات غبطة أبينا الأنبا إسطفانوس الثاني بطريرك كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وسائر الكرازة المرقسية وكاردينال الكنيسة الجامعة، ثم تمت مراجعته مرة أخرى من قبل الوكيل العام لمطرانية الأقباط الكاثوليك بسوهاج القمص بشري لبيب، وأيضًا من بعض إخوتنا الكهنة، وأخيرًا تمت مراجعته من حضرة صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس توفيق مطران كرسي الإسماعيلية ومدن القنال وشرق الدلتا للأقباط الكاثوليك، وهو يقع في 10 فصول على 117 صحيفة.
انتشرت المسيحية انتشارًا واسعًا في القرون الأولى لها في بقاع أبرشية سوهاج، حتى في عهد الإمبراطور دقليديانوس (284-305) حدثت مذبحة جماعية من المسيحيين في مدينة أخميم تضم 8140 شهيدًا واستمرت هذه المذبحة ثلاثة أيام.
ويشتهر هذا الكرسي الأسقفي بالأديرة كدير الأنبا شنودة رئيس المتوحدين المشهور بالدير الأبيض، وهو غربي ناحية سوهاج بالإضافة إلى ذلك دير أبي أبشاي المشهور بالدير الأحمر، وهو بحري الدير المذكور.
وفي سنة 1157 يذكر أبو المكارم أنّ سوهاج بها 75 كنيسة[1]، ويسرد لنا أحمد ابن على ابن عبد القادر المقريزي (1365-1442)، في مؤلفه (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار)، أنّ سوهاج بها أربع ديارات فقط[2]، ولكن الرحالة جوفني ميكله فنسلبيو، عن تقرير الحالة الحاضرة لمصر في سنة 1671، هنا يذكر كنيسة أبو قرياقوس بساحل طهطا، ودير الأنبا شنودة وأبي بشاي بسوهاج، ودير الملاك ميخائيل في غرب مدينة جرجا وغيرها[3]. وعلى حسب دفتر سجل الكنائس الذي بدأ من العام 1603 حتى العام 1893 وهو محفوظ بالكاتدرائية المرقسية بالأزبكية بالقاهرة، أنّ سوهاج بها 21 ديرًا[4]. بالإضافة إلى ذلك يسرد لنا التقليد أنّ القدّيس باخوميوس أبو الشركة الرهبانية، شيد ديرًا بأخميم ولكننا لا نعرف عنه شيئًا[5].
وكان للآباء الرهبان الفرنسيسكان مقر لهم في مدينة الإسكندرية من سنة 1325 وتأسس لهم مركزين بالقاهرة والإسكندرية وذلك سنة 1636، وفي سنة 1666 تأسس لهم دير بأخميم وفي هذه الحقبة تعرف أولئك الرهبان على مجموعات الأقباط الكاثوليك، فأنشأ مجمع انتشار الإيمان بروما 1687 نيابة رسولية تهتم بشؤنهم لاسيما اللذين يعيشون في أبرشية سوهاج، كطهطا وأخميم وجرجا وطما والعائلات المنتشرة في أنحاء شتى مثل برديس والهماس والشيخ زين الدين وبنجا[6]. وفي سنة 1747 نجد إحصائية للأقباط الكاثوليك لهذه الأبرشية 1556 مؤمن قبطي كاثوليكي.
قد اهتم بشؤون هذه الأبرشية في سنة 1895 المنسنيور أنطون كابس (1842-1896)، وفي سنة 1897 كان عدد الأقباط الكاثوليك الأبرشية 926 مؤمنًا، وفي حبرية البابا ليون 13، عُين الأنبا إغناطيوس برزي، أسقفًا لكرسي طيبة ومقره مدينة طهطا وتمت سيامته الأسقفية بالقاهرة في يوم 29/3/1896، وتم تجليسه على كرسيه بكاتدرائية طهطا في يوم 27/4/1896. وكان عدد الرعايا بها نحو 17 رعية قبطية كاثوليكية. وقد بلغ عدد الأقباط الكاثوليك بهذه الأبرشية سنة 1907 (2762 مؤمنًا)، وفي سنة 1917 وصل عددهم (6151 مؤمنًا)[7]. وعندما تنيح الأنبا إغناطيوس برزي في يوم 30/1/1925، ثم سُيِّم الأنبا مرقس متياس أسقفًا على كرسي طيبة في يوم 9/11/1926، وفي سنة 1930 انضم إلى الكثلكة في الأبرشية 915 مؤمنًا، والذين نالوا سريّ المعمودية والتثبيت في الأبرشية نحو 750 معمدًا، والذين انتقلوا من عالمنا إلى عالم الحياة الأبدية نحو 263 منتقلاً[8]. وفي سنة 1931 عدد المنضمين للكثلكة في الأبرشية 906 مؤمنًا والذين نالوا سريّ المعمودية والتثبيت من الأطفال 697 معمدًا، والذين نالوا سر الزواج المقدس نحو 125، والذين رقدوا في الأخدار السمائية نحو 244 منتقلاً [9]. وفي سنة 1932 عدد المنضمين للكثلكة في الأبرشية نحو 577 مؤمنًا، والذين نالوا سريّ المعمودية والتثبيت من الأطفال 688 معمدًا، والذين نالوا سر الزواج المقدس نحو 134، والذين رقدوا في الأخدار السمائية نحو 313 منتقلاً. وعندما اختير الأنبا مرقس بطريركًا على السدة المرقسية للأقباط الكاثوليك في يوم 7/3/1948، اختير الأنبا اسحق متى اسحق عبد النور غطاس أسقفًا لكرسي طيبة وتمت سيامته الأسقفية في 2/10/1949، وتسلم كرسي أبرشية طيبة بمقره بطهطا في يوم 16/10/1949. ولكنّه نقل بقرار من السينودس البطريركي لكرسي المنيا الذي استلمه في يوم 14/6/1967. ثم اختار السينودس البطريركي الأنبا أندراوس غطاس أندراوس عيد أسقفًا على لكرسي طيبة، وتم تجليسه بكاتدرائية طهطا في يوم 16/6/1967. وفي سنة 1978 احتاج نيافته معاونًا له في أبرشيتي الأقصر وسوهاج فاجتمع السينودس البطريركي ووقع الاختيار على الأب ملاك حنا صليب وذلك بتاريخ 4/12/1978، وتمت سيامته الأسقفية بطهطا في يوم 23/3/1979، واتخذ اسم الأنبا يؤانس.
وفي يومي السبت والأحد 12 و13 سبتمبر سنة 1981 اجتمع السينودس[10] البطريركي بالدار البطريركيَّة بكوبري القبة القاهرة، برئاسة غبطة البطريرك الأنبا إسطفانوس الأول وكاردينال الكنيسة الجامعة وأصحاب النيافة المطارنة: الأنبا يوحنّا نوير مطران كرسي أسيوط، الأنبا يوحنّا كابس أسقف كليوبطريس والمساعد البطريركي، الأنبا أندراوس غطاس مطران كرسي طيبة، وأمين سر السينودس، والأنبا أنطونيوس نجيب مطران كرسي المنيا، والأنبا أثناسيوس أبادير المعاون البطريركي، والأنبا يؤانس ملاك المعاون الأسقفي لأبرشية طيبة، وقرروا إنشاء أبرشية سوهاج واليك أيها القارئ العزيز نص القرار البطريركيّ بإنشاء الأبرشية:
« نحن إسطفانوس الأول بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك وكردينال الكنيسة الجامعة. إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة وأبنائنا الكهنة والرهبان وأفراد شعبنا المبارك. السلام والبركة في الرب يسوع، وبعد فبموجب السلطان المفوض لنا من الكرسي الرسولي، قررنا مع أعضاء سينودسنا البطريركي ما يلي،
أولاً: تقسيم أبرشية طيبة إلى أبرشيتين:
أ- أبرشية الأقصر وتشمل محافظتي أسوان وقنا الحاليتين، وتمتد من حدود مصر الجنوبية مع السودان جنوبًا إلى مدينة أبو تشت شمالاً، ويكون مقر كرسي الأبرشية مدينة الأقصر ويظل مطرانها الأنبا أندراوس غطاس،
ب- أبرشية سوهاج وتشمل محافظة سوهاج والتي تمتد من مدينة أبو شوشة جنوبًا إلى طما شمالاً.
ثانيًا: إنشاء أبرشية سوهاج الجديدة قانونًا بالحدود المذكورة.
ثالثًا: تعيين نيافة الأنبا يوحنّا نوير مطران ليكو بوليس أسيوط مديرًا بطريركًا لأبرشية سوهاج الجديدة إلى أن يتم انتخاب أسقف لها،
رابعًا: يصبح هذا القرار نافذ المفعول من تاريخ صدوره.
صدر من الدار البطريركيَّة بكوبري القبة،
في 13 سبتمبر 1981،
16 توت 1698. إسطفانوس الأول البطريرك »[11].
في الحقيقة أن أول أسقف لأبرشية سوهاج هو الأنبا يؤانس ملاك، لأن نيافته غادر الأبرشية في شهر أكتوبر لسنة 1981، ليعمل في مكتبة الفاتيكان بروما حتى تنيح هناك في يوم 14/1/1985.
وفي يوم 28 مايو 1982 انتخب السينودس البطريركي الأنبا مرقس حكيم زخاري بطرس الفرنسيسكاني أسقفًا على أبرشية سوهاج وتمت سيامته الأسقفية في طهطا يوم 6/6/1982، وفي يوم 21 مايو 2003 قدم الأنبا مرقس، استقالته من الخدمة الأسقفية، فاجتمع السينودس المقدس في يوم 6 أغسطس 2003 فاُختير الأب يوسف أبو الخير أسقفًا خلفًا للأنبا مرقس المستقيل، وفي يوم 13 /11 /2003 رُسم أسقفًا على كرسي سوهاج بكاتدرائية يسوع الملك بمدينة طهطا.
وأنجبت هذه الأبرشية على مر عصورها الغابرة رجال من الاكليروس اللامع قادوا أبرشيات والبطريركية بكل محبّة وإخلاص وتفانى وتركوا بصمات لا تمحى في التاريخ الكنسي والمدني وهم:
1- الأنبا أثناسيوس (روفائيل) ميخائيل الزيات طوخي (1703-1787) من مواليد جرجا.
2- الأنبا متى الرّقيطي (1747-1821) من مواليد طهطا.
3- الأنبا مكسيموس كيرلس جرجس عبد القدوس جويد (1778-1831) من مواليد جرجا.
4- الأنبا تاوضروس يعقوب أبو كريم (1832-1855) من مواليد جرجا.
5- الأنبا إبراهيم كشور (1805-1877) من مواليد الشيخ زين الدين.
6- الأنبا أثناسيوس بولس خزام (1855-1865) من مواليد أخميم.
7- الأنبا أغابيوس صليب بشاي فام كيرلس (1828-1887) من مواليد الهماص.
8- الأنبا مكسيموس أندراوس عبد السيد صدفاوى (1863-1925) من مواليد أخميم.
9- الأنبا أغناطيوس قلادة برزي (1867-1925) من مواليد الهماص.
10-الأنبا باسيليوس بسطوروس (1879-1934) من مواليد طهطا.
11-البطريرك الأنبا مرقس متياس مرقس خزام (188-1958) من مواليد أخميم.
12-الأنبا جرجس جبره البركة (1888-1946) من مواليد طهطا.
13-الأنبا يوحنا حنين عبد الملاك حنا ميخائيل سوريال كابس (1919-1985) من مواليد الشيخ زين الدين.
14-البطريرك الكاردينال الأنبا إسطفانوس الثاني غطاس أندراوس عيد غبريال (1920-2009) من مواليد الشيخ زين الدين.
15-الأنبا يوحنا ثابت قلته تايه (1937-…) من مواليد القطنة.
16-الأنبا يوسف أبو الخير هابيل (1943-…) من مواليد كوم غريب.
17-الأنبا مكاريوس توفيق قلدس عبد الشهيد شهدي (1945-…) من مواليد القطنة.
هذا هو مختصر لتاريخ أبرشيتنا المحبوبة في شخص يسوع المسيح، وحاولت في هذا العمل البسيط جدًا والمتواضع للغاية، أن أبرز الرجال الأتقياء الذين قادوا الكنيسة القبطية الكاثوليكية أو أبرشيات مختلفة في سبيل حبهم للخدمة وللكنيسة، وبذلوا حياتهم إلى آخر لحظة من أجل الكنيسة، وكان لهم دور كبير في إذدهار كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك.
الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما
[1] راجع صموئيل (الأنبا)، « تاريخ أبو المكارم عن الكنائس والأديرة في القرن “12” بالوجه القبلي»، الجزء الثاني، 2000، ص104-117.
[2] راجع عبد المجيد دياب (الدكتور)، « تاريخ الأقباط المعروف بالقول الإبريزي للعلامة المقريزيّ لتقي الدين المقريزي (ت 845 هـ = 1441مـ) »، القاهرة، 1995، ص170-171.
[3] راجع جوفنى ميكيله فنسلبيو، « تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671»، ترجمة: وديع عوض = المجلس الأعلى للثقافة = 1005، القاهرة، 2006، ص159.
[4] راجع عبد المسيح صليب المسعودي البرموسى( القمص)، « تحفة السائلين في ذكر أديرة رهبان المصريين »، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999، ص134و165.
[5] راجع عبد المسيح دانيال، « أبرشية سوهاج للأقباط الكاثوليك بين الماضي و الحاضر»، جريدة حامل الرسالة، العدد 2531، 1/7/2007، السنة 49، ص 4.
[6] راجع يوحنّا كابس (الأنبا )، «الأقباط الكاثوليك في مصر قبل عصر المعلم غالى»، مجلة «صديق الكاهن»، 16 (1976)، ص 50.
[7] راجع موريس بيارماتان اليسوعي (الأب)، «الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مئويتها الأولى: الهوية والرسالة»، مجلة المشرق، بيروت، ج2، 1998، ص343-356.
[8] لمن يهمه الأمر في إحصائيات الكنيسة القبطية الكاثوليكية راجع مجلة الصلاح، عدد فبراير، 1931، ص 74.
[9] راجع مجلة الصلاح، القاهرة، عدد فبراير، 1932، ص78-79.
[10] الكلمة أصلها يوناني ومعناها اجتماع أو مجمع فالسينودس هو المجمع الكنسي سواء المكاني أو المسكوني. وانحصر استخدام الكلمة في كافة الكنائس الشرقية ليُشير إلى مجمع أساقفة كل كنيسة ببطريركيَّة عند اجتماعها لتبحث في أمور الكنيسة الببطريركيَّة.
[11] راجع، قرار بطريركي، مجلة الصلاح، العدد 9و10، السنة 52، القاهرة، 1981، ص331.