بقلم الأب هاني باخوم
روما، الأربعاء 3 نوفمبر 2010 (zenit.org).
يبدو غريبا، في عالم ممتلئ بالكثير من المتع، والتي من السهل الحصول عليها على كافة المستويات، والتي، في نفس الوقت، تبدو قادرة على أن تلهي الإنسان وتخرجه عما يشغله، أن نتحدث عن الحزن. نعم شيء غريب. لكن الأغرب هو ما نراه من حولنا: فالعديد من الأشخاص من حولنا، ونحن أنفسنا في أوقات كثيرة نكون محاطين بالحزن. إنسان اليوم وإن امتلئ بما يرغب فيه، يجد نفسه فريسة للحزن، أو عدم الاكتفاء على الأقل. فما هو الحزن؟
ليس بودي ولا باستطاعتي عرض ماهيّة الحزن وتفسيره النفسي والعلمي، ولكن ما أثّر فيّ أن القديس بولس يتحدث عن نوعين من الحزن: “حزن حسب الله يورث توبة تؤدي الى الخلاص، وحزن حسب العالم يؤدي الى الموت” (2 قو 7: 10).هذان هما نوعا الحزن بحسب الكتاب المقدس، لكن يبقى السؤال ما هو الحزن؟
يقول عديد من أباء الكنيسة أن الحزن هو الشعور، هو الحالة الإنسانية الناتجة من رغبة محبطة. الحزن إذا ثمرة رغبة لم تكتمل، رغبة في شيء ما او في واقع غير متاح او غير ممكن تحقيقه. لكن في العديد من المرات يرغب الإنسان في فعل شيء ما ويفعله، فهو يتمم الفعل لكنه بالرغم من ذلك يبقى حزيناً. الإنسان يتمم الفعل الذي كان يبحث فيه عن شيء ما، ويحصل منه على المتعة الوقتية، لكن رغبته العميقة التي كان يبحث عنها، وبسببها قرر ان يقوم بهذا الفعل لم تتحقق، فيقع من جديد في الحزن.
هناك عديد من الامثلة التي تجسد هذه الحالة: شخص في صعوبة زوجية، يقرر ان يرتاح، ان يغير واقعه، ان يترك زوجته او ان يُرفّه عن ذاته بطريقة مشروعة ام لا، كي يهدأ وتستكين نفسه. فيُطلّق، ينفصل، يخون، يحقق ما يريد. لكن من جديد تجده حزينا، لقد حقق ما اراد لكن لم تتحقق رغبته في الراحة التي كان يسعى اليها بالتخلص من الصعوبات…..
الحزن ينتج ايضا من فقدان عزيز. لدينا الرغبة في ان يبقى معنا، ويبقى للابد، او على الأقل يبقى ما بقينا نحن. فبفقدانه تُحبط تلك الرغبة فيتولد الحزن.
الحزن ينتج من نهاية قصة معينة، كم أردنا ان تدوم وتدوم للأبد، او على الاقل تكون نهايتها مع نهايتنا. تنتهي القصة ونحن نبقى، فتُحبط الرغبة، فيتملك فينا حزن يبدو بلا غروب.
وغيرها من الامثلة….. الحزن ينبع من رغبة مُحبطة. كم هو عميق تفسير الآباء!
كل هذا يجعلنا نفهم: لماذا ينتج الحزن العميق بعد الخطيئة. لان الخطيئة ليست فعل شيء ممنوع فقط، هي، كما يشير التعبير العبري للكلمة، فقدان الهدف. الفشل في الوصول الى الهدف. هذه هي الخطيئة. بالخطيئة يبحث الإنسان عن شيء ما، عن حياة، عن كيان يملأ فراغه ووحدته الوجودية، يبحث عنه بعمل فعل ما. وهذا الفعل لا ولن يستطيع ان يحقق له ما يرغبه. قد يُمتّعه، يلهيه، يجعله يتناسى صعوباته، لكن أعماق هذا الإنسان لم تحصل على رغبتها الحقيقية والتي دفعته كي يفعل ما فعل. فيقع في الحزن.
حزن حسب الله يقول بولس الرسول. حزن ينبع في الإنسان الذي يرغب بالعمق ان يعرف الله ويحبه ويتحد به، لكن في واقعه اليومي يجد نفسه بعيدا عن هذه الرغبة. رغبته هذه لا تتحقق، فيحزن. ما أسعد هذا الحزين! لان حزنه يجعله يفكر فيما يفعله ويدفعه كي يغير اتجاهاته اي ليتوب، فيخلُص. ويخلُص اي يحقق رغبته العميقة، ان يكون في الله.
وهناك أيضا حزن حسب العالم: رغبات محبطة، تنتج وان كانت أفعالنا ناجحة ومتمّمة، لكنها لا تجعلنا نحصل على ما نرغبه. فتزيد فينا الفجوة، وتتسع الهوة فيتولد في الإنسان الشعور باليأس، وهو الأخ الأكبر للحزن. فليس لشيء اي معنى. واذا كان لا معنى لأي شيء، فلماذا كل شيء؟ وأمام هذا الواقع إما ان نأكل ونشرب ونتمتع لاننا غدا نموت، واما ان نستبق هذا الغد فنحيا كأموات.
إذا كان الحزن ينبع من رغبة محبطة، فليس أمامي سوى أن اطلب من الرب لي ولكم ان يوجه رغباتنا فيه هو فقط. وأن تكون طلبة داود النبي طلبتنا: “شيء واحد فقط سألت الرب: أن أسكن في بيته كل أيام حياتي كي أتأمل طيبته” (مز 27: 4). بيت الرب، اي مشروعه، مشروع خلاصه، يصبح مسكناً لنا. ان تكون رغبة الله ومشيئته هي رغبتنا ومشيئتنا. وما هي رغبته، ما هي مشيئته إلا ان يخلص كل البشر! تلك هي الرغبة التي لا يمكن ان تُحبط أبدا، لان المسيح مات وقام من اجلها.
اذا كان الحزن هو الشعور الناتج عن رغبة محبطة، فما هو الفرح؟….