الخلائق تسبح بحمده “الغذاء”

المونسنيور د. بيوس قاشا

نعم، المخلوقات، مهما كانت صغيرة وتافهة، تعكس بطريقة أو بأخرى حكمة ومحبة ورسالة… وكلما كان الإنسان صالحاً وخالياً من الأنانية والكراهية، وجد سهولة في فهم المعنى العميق لحوادث الحياة اليومية. وأمتدّ تبصّره إلى عمق أعمق وأبعد، لأنه لا يتوقف عند سطحية الأمور، بل يفحص كل شيء ليصل إلى الغاية المنشودة والتي من أجلها كانت رسالة الله في المسيح الحي، والتي فيها علّمنا ودرّبنا ورسم لنا طريقاً واحدة تقود إليه، وجعل الدنيا وما فيها من أجلنا عبرة ولغة وحقيقة.. وما الحقيقة إلا الله. فها هي المخلوقات تقودنا إلى الأمور العظيمة رغم الحواجز والفشل، وإلى الاستسلام لإرادة الله لأنه الخير الأسمى والعبرة السامية والغاية القصوى. فعبرَ مقالات من “والخلائق تسبح بحمده” أُدرج هنا مخلوقات تعكس لنا ولكم محبة ورسالة وحقيقة.

لقد أُدرِجَتْ الشراهة في قائمة الخطايـــا الرئيسية السبع. ومن التهوّر أنْ يحــــاول أحدهم شطبها من تلك القائمة. ولكن عالمنا اليوم تلفّه مجاعة مخيفة ونقص في الغذاء، فهناك الهند وأفريقيا الوسطى والصين حيث ملايين البشر لم يشبعوا أبداً في ملء بطونهم ولو مرةً واحدة في حياتهم، ومشهد اليوم بفايروسه وكورونه يزيد فقرنا، وتبدو الشراهة لديهم مستحيلة الحدوث. إن القاعدة القديمة الغير القابلة للدحض هي “عدم الأكل أكثر من اللزوم، ولا بشهية أكثر من اللزوم، ولا بسرعة أكثر من اللزوم” قد بطل اليوم مفعولها.إن الوثنيين كانوا قد سبقونا في مثل هذه الوصايا الغذائية، فلابدّ إذن أن هنالك شيئاً أكثر أهمية ونبلاً في فضيلة القناعة.

إن الإنسان الذي عرّفوه سابقاً بأنه “كائن مفكر”، وجدوا أخيراً أنه ” عذراً”  “حيوان أكول”. إن المشكلة التي نواجهها اليوم هي ليست “متى نتوقف عن الأكل عندما يجب ألاّ نأكل أكثر مما يجب”، بل هي “متى الوصول إلى الحدّ الذي نكون قد أكلنا بالكفاية”.إن ما يهددنا اليوم ليس الإفراط في الطعام بل التفريط فيه. وعندما يتضاعف القحط في العالم، تبدو وصايا الكنيسة بصدد الصيام أقلّ تشدّداً وتدقيقاً ومحاسبة. إذا كان الإنسان العادي لا يستطيع الحصول على كيلوين من اللحم خلال سنتين كاملتين، فكيف مطالبته بالامتناع عن أكل كيلو واحد من اللحم خلال خمسين يوماً من الصوم الكبير؟. إن ما يؤسف له أن اللاهوتيين الذين وضعوا الشراهة في قائمة الخطايا الرئيسية السبع هم أنفسهم الذين حذفوا خطيئة الجحود أو نكران الجميل من قائمة الخطايا الرئيسية السبع. لأن الغذاء في النظرة المسيحية الحقّة هو قبل كل شيء عملية شكر وحمد وعرفان الجميل تجاه الله الخالق المبدع ” فهو الحياة “( يو10:10) لأنه ما من أحد يستطيع أن يتغذى اعتماداً على ذاته وحدها، ابتداءً من حليب الأمّ حتى هذا الفطور الذي تناولناه في هذا الصباح.

إن كل طعام، إن كل غذاء، هو عطية من الله، ويستوجب الشكر والحمد لله صانع الغذاء. فلم تعد المشكلة هي مشكلة شراهة أو اعتدال في تناول الطعام، بل المشكلة أصبحت كيف نحوّل عملية الأكل إلى حمدٍ وتمجيدٍ لله. بالنسبة للوثني، الأكل هو عملية سحق الطعام وتحويله إلى سعرات حرارية تزوّد الجسم بالطاقة التي يحتاجها للقيام بعمله. سحق الطعام أي تفتيته وتحطيمه وإجباره على إنجاز شغل، كما تُجبَر البهيمة على إنجاز عمل، وكما يُبقَر الثور أو الفرس، وكما يُكسَر القوس من فرط الشدّ عليه وَلَوْيه. ولكن إزاء عطية الله المجانية، فإن المسيحي لا يسحق الطعام ولا يجبره على الامتثال لأوامره، بل بواسطته يمجّد الخالق ويشكره على ما جاد عليه به من إحسان، ولهذا السبب نجد في العوائل المسيحية تُتلى الصلاة قبل وبعد تناول الطعام.- ومن المؤسف فاليوم بعض منّا  لا يبالي بذلك- ، فالأطعمة التي نتناولها تحتوي على كل خزين الأرض والشمس، وعلى تعب جميع الذين هيّئوها، كما إنها تحتوي قبل كل شيء على محبة الله للبشر. لماذا إذن أَمْتَنِعُ عن الإفراط في الطعام؟، هل لأن العقل ينهيني عن ذلك؟، ولكن العقل باردٌ بقوانينه الخالية من المحبة.. هل بسبب اللياقة والذوق السليم أمتنع عن الأكل الكثير؟، ولكن متذوّقي الخمور المعتّقة ومشهيات الأطعمة اللذيذة والمقبلات أكثرهم من أصحاب الذوق الرفيع.. كلا!، إن ما يمنعني عن الشراهة ليس هو نظام المجتمع ولا هو الذوق السليم، إنما أنتَ يا إلهي الذي أعطيتَني كل شيء مجاناً لأجل أن أخدمكَ وأحبكَ وأشكركَ، وأُفكر في الجائع الذي معي .

في عرفان الجميل نتلاقى نحن الاثنان، أنا وأنتَ يا سيدي. ليــــس الموضوع هو كيف أتصرف بأدب وأنا جالس وحدي إنما هو كيف أتصرف بأدب وأنا جالس معكَ وأنتَ حاضر بقربي، وكيف أكون نظيفاً ونبيلاً وأنتَ حاضر معي. هل يسعني أن أسيء استخدام الغذاء وأنتَ جالس بقربي؟، هل يمكنني أن أتلف الغذاء وأبذره وأسحقه كما يسحق الهمجيّ فريسته وأنتَ واقف تنظر إليّ!؟. نعم، أستطيع أن أتلف شيئاً يخصّني وأنا جالس وحدي، ولكن هل يمكنني أن أتلف أو أُفسد غذاءً أنتَ صنعتَه وشاركتَني فيه عندما باركتَ السمكتين والخمسة أرغفة (متى21:14) ثم وزَّعتَها على الجماهير الجائعة!؟.فالشراهة! ماذا بقي منها؟ وهل أستطيع أن أكون شَرِهاً وأنا أعلم أنك عرفتَ الجوع والعطش يا سيدي، وإنك في نهاية صومكَ قلتَ لإبليس “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله”؟ (متى4:4). لذا أنا اؤمن ياسيدي،  يا إلهي،  أنكَ” أنت الكلمة”( يو1:1) وأنت خبز الحياة ” ( يو4:6).نعم، كلمتك خبز لمسيرة حياتي “.  نعم وامين .

الخلائق تسبح بحمده “الغذاء”

المونسنيور د. بيوس قاشا

نعم، المخلوقات، مهما كانت صغيرة وتافهة، تعكس بطريقة أو بأخرى حكمة ومحبة ورسالة… وكلما كان الإنسان صالحاً وخالياً من الأنانية والكراهية، وجد سهولة في فهم المعنى العميق لحوادث الحياة اليومية. وأمتدّ تبصّره إلى عمق أعمق وأبعد، لأنه لا يتوقف عند سطحية الأمور، بل يفحص كل شيء ليصل إلى الغاية المنشودة والتي من أجلها كانت رسالة الله في المسيح الحي، والتي فيها علّمنا ودرّبنا ورسم لنا طريقاً واحدة تقود إليه، وجعل الدنيا وما فيها من أجلنا عبرة ولغة وحقيقة.. وما الحقيقة إلا الله. فها هي المخلوقات تقودنا إلى الأمور العظيمة رغم الحواجز والفشل، وإلى الاستسلام لإرادة الله لأنه الخير الأسمى والعبرة السامية والغاية القصوى. فعبرَ مقالات من “والخلائق تسبح بحمده” أُدرج هنا مخلوقات تعكس لنا ولكم محبة ورسالة وحقيقة.

لقد أُدرِجَتْ الشراهة في قائمة الخطايـــا الرئيسية السبع. ومن التهوّر أنْ يحــــاول أحدهم شطبها من تلك القائمة. ولكن عالمنا اليوم تلفّه مجاعة مخيفة ونقص في الغذاء، فهناك الهند وأفريقيا الوسطى والصين حيث ملايين البشر لم يشبعوا أبداً في ملء بطونهم ولو مرةً واحدة في حياتهم، ومشهد اليوم بفايروسه وكورونه يزيد فقرنا، وتبدو الشراهة لديهم مستحيلة الحدوث. إن القاعدة القديمة الغير القابلة للدحض هي “عدم الأكل أكثر من اللزوم، ولا بشهية أكثر من اللزوم، ولا بسرعة أكثر من اللزوم” قد بطل اليوم مفعولها.إن الوثنيين كانوا قد سبقونا في مثل هذه الوصايا الغذائية، فلابدّ إذن أن هنالك شيئاً أكثر أهمية ونبلاً في فضيلة القناعة.

إن الإنسان الذي عرّفوه سابقاً بأنه “كائن مفكر”، وجدوا أخيراً أنه ” عذراً”  “حيوان أكول”. إن المشكلة التي نواجهها اليوم هي ليست “متى نتوقف عن الأكل عندما يجب ألاّ نأكل أكثر مما يجب”، بل هي “متى الوصول إلى الحدّ الذي نكون قد أكلنا بالكفاية”.إن ما يهددنا اليوم ليس الإفراط في الطعام بل التفريط فيه. وعندما يتضاعف القحط في العالم، تبدو وصايا الكنيسة بصدد الصيام أقلّ تشدّداً وتدقيقاً ومحاسبة. إذا كان الإنسان العادي لا يستطيع الحصول على كيلوين من اللحم خلال سنتين كاملتين، فكيف مطالبته بالامتناع عن أكل كيلو واحد من اللحم خلال خمسين يوماً من الصوم الكبير؟. إن ما يؤسف له أن اللاهوتيين الذين وضعوا الشراهة في قائمة الخطايا الرئيسية السبع هم أنفسهم الذين حذفوا خطيئة الجحود أو نكران الجميل من قائمة الخطايا الرئيسية السبع. لأن الغذاء في النظرة المسيحية الحقّة هو قبل كل شيء عملية شكر وحمد وعرفان الجميل تجاه الله الخالق المبدع ” فهو الحياة “( يو10:10) لأنه ما من أحد يستطيع أن يتغذى اعتماداً على ذاته وحدها، ابتداءً من حليب الأمّ حتى هذا الفطور الذي تناولناه في هذا الصباح.

إن كل طعام، إن كل غذاء، هو عطية من الله، ويستوجب الشكر والحمد لله صانع الغذاء. فلم تعد المشكلة هي مشكلة شراهة أو اعتدال في تناول الطعام، بل المشكلة أصبحت كيف نحوّل عملية الأكل إلى حمدٍ وتمجيدٍ لله. بالنسبة للوثني، الأكل هو عملية سحق الطعام وتحويله إلى سعرات حرارية تزوّد الجسم بالطاقة التي يحتاجها للقيام بعمله. سحق الطعام أي تفتيته وتحطيمه وإجباره على إنجاز شغل، كما تُجبَر البهيمة على إنجاز عمل، وكما يُبقَر الثور أو الفرس، وكما يُكسَر القوس من فرط الشدّ عليه وَلَوْيه. ولكن إزاء عطية الله المجانية، فإن المسيحي لا يسحق الطعام ولا يجبره على الامتثال لأوامره، بل بواسطته يمجّد الخالق ويشكره على ما جاد عليه به من إحسان، ولهذا السبب نجد في العوائل المسيحية تُتلى الصلاة قبل وبعد تناول الطعام.- ومن المؤسف فاليوم بعض منّا  لا يبالي بذلك- ، فالأطعمة التي نتناولها تحتوي على كل خزين الأرض والشمس، وعلى تعب جميع الذين هيّئوها، كما إنها تحتوي قبل كل شيء على محبة الله للبشر. لماذا إذن أَمْتَنِعُ عن الإفراط في الطعام؟، هل لأن العقل ينهيني عن ذلك؟، ولكن العقل باردٌ بقوانينه الخالية من المحبة.. هل بسبب اللياقة والذوق السليم أمتنع عن الأكل الكثير؟، ولكن متذوّقي الخمور المعتّقة ومشهيات الأطعمة اللذيذة والمقبلات أكثرهم من أصحاب الذوق الرفيع.. كلا!، إن ما يمنعني عن الشراهة ليس هو نظام المجتمع ولا هو الذوق السليم، إنما أنتَ يا إلهي الذي أعطيتَني كل شيء مجاناً لأجل أن أخدمكَ وأحبكَ وأشكركَ، وأُفكر في الجائع الذي معي . في عرفان الجميل نتلاقى نحن الاثنان، أنا وأنتَ يا سيدي. ليــــس الموضوع هو كيف أتصرف بأدب وأنا جالس وحدي إنما هو كيف أتصرف بأدب وأنا جالس معكَ وأنتَ حاضر بقربي، وكيف أكون نظيفاً ونبيلاً وأنتَ حاضر معي. هل يسعني أن أسيء استخدام الغذاء وأنتَ جالس بقربي؟، هل يمكنني أن أتلف الغذاء وأبذره وأسحقه كما يسحق الهمجيّ فريسته وأنتَ واقف تنظر إليّ!؟. نعم، أستطيع أن أتلف شيئاً يخصّني وأنا جالس وحدي، ولكن هل يمكنني أن أتلف أو أُفسد غذاءً أنتَ صنعتَه وشاركتَني فيه عندما باركتَ السمكتين والخمسة أرغفة (متى21:14) ثم وزَّعتَها على الجماهير الجائعة!؟.فالشراهة! ماذا بقي منها؟ وهل أستطيع أن أكون شَرِهاً وأنا أعلم أنك عرفتَ الجوع والعطش يا سيدي، وإنك في نهاية صومكَ قلتَ لإبليس “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله”؟ (متى4:4). لذا أنا اؤمن ياسيدي،  يا إلهي،  أنكَ” أنت الكلمة”( يو1:1) وأنت خبز الحياة ” ( يو4:6).نعم، كلمتك خبز لمسيرة حياتي “.  نعم وامين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.