الم الحب
نشيد الأناشيد
للأب هاني باخوم
الحبيب لا ينزعج من اعتراضاتها، يستمر في ندائها: فيرسَلَ يَدَه مِنَ ثَّقْب الباب، وهنا تَحَرَّكَت لَه أحْشائها وقامت. يفتح الباب عليها يوقظها من غفلتها. الحبيب يستغويها، وها هي تترك نفسها تستغوى، مثل ارميا (20: 7). فقامت مسرعة تفتح له كي يدخل ويتنعما سويا، ولكن لم تجده، مضى.…
هل تأخرت كل هذا كي تمضي؟ أتعاقبها؟ أتلعب بأحاسيسها؟ ها انك تناديها وهي تترك مخدعها وتأتي إليك وأنت يا من كنت حبيب، تذهب. الأمر أكثر سواء، يذهب ويجعلها تبحث عنه وسط الليل وفى العراء، بين الغرباء وعابري الليالي. فيقابلها حراس الدورية، فيعروها ويهينوها. يعتبروها بنت ليل تمر بالطرق فيجرحوا فيها.
تلك الحبيبة تدفع ثمن شيء لم تفعله. سابقا كانت تخدم كروم آخرين، أشخاص آخرين، كانت سوداء بسبب خطيئتها ولكن هذه المرة هي تحب. تبحث عن من تحبه نفسها، لم تخطأ. سابقا دفعت كثيرا من كرامتها واحترامها لذاتها، كانت تعتبر نفسها سوداء. ولكنها الآن تتألم ولأول مرة ليس من اجل ما تفعله، بل لأنها تحب، تتألم من اجل الحبيب. سابقا دفعت بسبب ما قامت به، والآن تدفع مجانا ما لم تقم به، مجانا للحبيب.
ما أعمق هذه الخبرة، خبرة الألم لأجل الحب، مقياس الحب الحقيقي. من لا يقبل أن يتألم من اجل من يحب، لا يحب. كم نرى من صعوبات وألام وجروح في عائلاتنا ووسط أقربائنا ومن يحيط بنا، في كنائسنا ووسط رعايانا، ومن لا يقبل الألم: ضعف الأخر، اهانة كرامة، طريقة تفكير مختلفة، فشل، من لا يقبل ان يدفع مجانا ما لم يقوم به، نراه يكسر شريعة الحب: بطلاق، بخيانة، بإشباع الذات، بهروب عن الواقع، بأي شيء،… كي لا يتألم. فهل كان حب؟ لا اعلم.
هناك ثمن يدفع بسبب الخطيئة، وهناك ثمن يدفع بسبب الحب. هناك تعرية بسبب الخطيئة وهناك تعرية وإنكار للذات بسبب الحب. ادم تعرى بسبب الخطيئة وخلع ثوب البر، وها هنا ادم الجديد يعروه الحراس والجنود يقتسموا على ثيابه. يتعرى ويتخلى حتى عن ذاته ويأخذ طبيعة عبد من اجل من أحب: أنا وأنت. ها هو الحبيب والحبيبة سويا، هنا نراهما على خشبة، فراش الحب، الصليب كما يقول أباء الكنيسة في أناشيد قديمة: الصليب المجيد، فراش الحب حيث تزوجني الرب. الصليب والذي هو ظلام هو مقياس حب.
القديسة تريزا الافيلية شعرت بهذا الظلام اكثر من 18 عام، و يوحنا الصليبي يقول في قصيدته: بفضل هذا الظلام تقابل مع الحبيب.
الحب حب لأنه قائم على الحرية. يتطلب نعم في كل لحظة: في الفرح والمتعة وفي الصعوبات والأزمات. كان من السهل أن يدخل الحبيب منذ البداية ويتنعم مع الحبيبة. لكنها دائما ستفكر: هل أنا فعلا أحبه، ام لأني في أحضانه وفي بيته، أحبه؟ مثله مثل الآخرين، من سبقوه؟ هل أنا فعلا أحبه ام لأنه يملائني ويكفيني فانا أحبه؟ هل انا أحبه لانه الحبيب، ام احبه لانه يحبني؟ خبرة الالم ستؤكد لها اذا كانت تحبه ام تحب نفسها فيه؟
هذه الخبرة أساسية لنا: ان نختار الله لأننا نريده هو الخير الأعظم وان تتطلب هذا سنوات من الألم، من الجفاف الروحي، وعدم الفهم، نختاره هو أهم من عطاياه وخيراته.
ولكن الحبيبة ماذا اكتشفت هل فعلا تحب؟
للمرة القادمة
أيام مباركة….