كلمة غيرت الكون
” فليكن”مريم 2
تأمل في قراءات الخميس 21 أغسطس الموافق 28 بشنس 1730
الأب/ بولس جرس
نص التأمل
تأملنا بالأمس في “فليكن” الأولى التي اخرجت الكون من العدم الى الوجود
تعالوا اليوم بعد ان أجهدنا البحث والتفتيش والتقليب في صفحات العهد القديم
ننتقل إلى صفحات العهد الجديد وبالتحديد الفصل الاول من انجيل لوقا
البشارة بميلاد يسوع
26وفي الشَّهرِ السّادِسِ أُرسِلَ جِبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلَى مدينةٍ مِنَ الجليلِ اسمُها ناصِرَةُ،
27إلَى عَذراءَ مَخطوبَةٍ لرَجُلٍ مِنْ بَيتِ داوُدَ اسمُهُ يوسُفُ. واسمُ العَذراءِ مَريَمُ.
28فدَخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ: “سلامٌ لكِ أيَّتُها المُنعَمُ علَيها! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النِّساءِ”.
29فلَمّا رأتهُ اضطَرَبَتْ مِنْ كلامِهِ، وفَكَّرَتْ: “ما عَسَى أنْ تكونَ هذِهِ التَّحيَّةُ!”.
30فقالَ لها المَلاكُ: “لا تخافي يا مَريَمُ، لأنَّكِ قد وجَدتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ.
31وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمِّينَهُ يَسوعَ.
32هذا يكونُ عظيمًا، وابنَ العَليِّ يُدعَى، ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلَهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ،
33ويَملِكُ علَى بَيتِ يعقوبَ إلَى الأبدِ، ولا يكونُ لمُلكِهِ نِهايَةٌ”.
34فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: “كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلاً؟”.
35فأجابَ المَلاكُ وقالَ لها: الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَليِّ تُظَلِّلُكِ، لذلكَ القُدّوسُ المَوْلودُ مِنكِ يُدعَى ابنَ اللهِ.
36وهوذا أليصاباتُ نَسيبَتُكِ هي أيضًا حُبلَى بابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا،
37لأنَّهُ ليس شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَى اللهِ”.
38فقالَتْ مَريَمُ: “هوذا أنا أَمَةُ الرَّبِّ. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ“. فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ.
نص التأمل
ها قد مر زمان طويل منذ خلق الكون وصنع الإنسان…
دهور من الظلام عبرت وقرون من البربرية مضت وعصفت
من بشر يأكلون لحم البشر إلى بشر يقتلون إخوتهم من اجل صنم
من قانون الغابة الرهيب حيث الحياة للأقوى إلى الرق والعبودية واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان
إلى فساد شامل يعم الأرض فيجعل الله ” يندم لأنه صنع الإنسان”
ويقرر إبادة الجنس البشري بطوفان يدمر البشرية بل والارض وكل ما عليها
لكنه يعود ويترأف لأجل عبده نوح البار ويأمره وهو الفار بنفسه بعيدا فوق الجبال أن يبني فلكا
فيطيع نوح كما وكأنه يقول “فليكن” ويبدأ في إقامة الفلك دون ان يفهم الغرض
وبطاعته يخلص الجنس البشري ومعه الخلائق جميعا من الفناء
لكن الشر المتأصل والمستشري سرعان ما يعود يداهم البشرية فور النزول من الفلك
عبر سكر نوح وتعريه وسخرية أحد الأبناء منه… وتعود البشرية لتسقط في ظلام البعد عن الله
فيلتقط الرب في محبته وتحننه ابرام الذي يدعوه إلى ترك أهله وعشيرته وارضه ليتبعه إلى حيث لا يعلم
فتكون طاعة ابراهيم وحتى في تقديم ابنه ذبيحة دون أن يفهم سببا في أن ” ي قسم الرب بذاته”
انه سيكون نبع بركة وخلاص للبشرية كلها” بك تتبارك جميع قبائل الأرض”
ومن نسل ابراهيم جاءت مريم البكر لتقول لله ” فليكن”، تلك الكلمة العجائبية المحتوي اللامتناهية الأثر.
قالتها بدورها الفتاة البريئة الطاهرة القديسة، بنت الناصرة العذراء،
وحيث انفتحت مريم، وفيها وعبرها ومن خلالها البشرية جمعاء مرة اخرى على عمل الله
قالتها وعاشتها بإيمان كامل ومحبة خالصة وانفتاح كلي نحو الله، دون ان تفهم ودون ان تدرك لكنها اطاعت
وكان في طاعتها هذه المرة خلاص البشرية جمعاء ” حيث تجسد الرب في أحشاءها الطاهرة
واحتضن رحم مريم – رحم البشرية- جمعاء كلمة الله فأينعت وأثمرت ووهبت للكون المخلص
ومن بعدها لم يعد الله بعيدا عن البشر لقد صار الله معنا عبر طاعة مريم
نعم نحن بمريم نستطيع أن نقول اننا ولدنا الرب وقد صار عمانوئيل ومشى بيننا على الأرض
نعم لم نعد ننظر إليه بخوف ورعدة بل بحب وخشوع وجلال
لقد راته عيوننا ولم نمت، لقد لمسته ايدينا ولم نحترق، وسمعته آذاننا ولم تصب بالهلع والرعب
ولمسته قلوبنا فوجدت فيه الابن الكلمة الوديع المتواضع القلب الرؤوف
وعرفت فيه الإله المتحنن والراعي الصالح الذي يبذل نفسه عنّا نحن …خرافه
فبدأت يد القدير تعمل فيها لتخلق من جديد بشرية جديدة… هذه المرة تعرف طريق الرب
تعرف معنى الحب والبذل بسخاء، تعرف العطاء الصامت والصبر وقوة التحمل
تعرف التجرد من كل شيء إلا المحبة والطاعة والتشبث بالإيمان
هكذا كانت ” ليكن لي قولك” التي قالتها مريم قوة التغيير نحو خليقة جديدة
تحقيقا لقول الرب ” هانذا أجعل كل شيء جديدا”
وإلى اللقاء غدا في ليكن الثالثة… والى ذلك الحين فالرب معكم