القديس يوسف وعالمه

القديس يوسف وعالمه

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك

لوس انجلوس-كاليفورنيا

جمعية جنود مريم -سلطانة الملائكة

القديس يوسف وعالمه

اعداد

الشماس نبيل حليم يعقوب

مقدمة:

في القرن الثاني الميلادي كتب المؤرخ اليوناني Plutarch[1] رسالته بعنوان “Parallel Lives” والتي هي عبارة عن تجميع لملامح السيرة الذاتية لشخصيات منتظمة في ثنائيات وفيها كل زوج او ثنائي من تلك الشخصيات شخصية ليوناني ومقابله شخصية لروماني. ولقد كان ذلك التنسيق مناسب ويسمح للمؤلف ان يعزز كل سيرة بمقارنة ضمنية مع الشخص الآخر وتكملة ما قد لم يدون. فجاء بشخص الاسكندر الأكبر[2] مع يوليوس قيصر[3] وشخصية Demosthenes[4] مع Cicro[5]، وهكذا وبتلك الطريقة كتب ذاك المؤرخ حوالي 48 سيرة ذاتية. بتلك الطريقة في الكتابة لتلك السير الذاتية كان لذلك المؤرخ ميزة واضحة فهو كان يكتب كمؤرخ وثتي لحماهير وثنية. وهنا يتبادر للذهن سؤال لماذا كانت تلك الطريقة مميزة وغير اعتيادية؟ ببساطة لأنه لم يكن احد كان يتوقع ان هذا المؤرخ  Plutach ان يكتب عن القديس يوسف.

هناك موضوعات قليلة صعبة جدا وخاصة لهؤلاء المؤلفين الذين يحترمون الطريقة التاريخية في الكتابة. يبدو ان القديس يوسف ابتعد عن المألوف ويوصف بكونه غير متعاون مع التاريخ على الرغم من كونه أمينا لمكانته فليس هناك العديد من المصادر التاريخية عنه. في كل المراجع التي يمكن الاعتماد عليها فنواجه بما يشبه ملفات وكالة الأمن القومي الغامضة لشخص غير هام.

ان المؤلفين المسيحيين كانوا يميلون عبر الأجيال مع ندرة المعلومات عن طريق تزويد فائض من العظات التقوية وفي نهاية تلك الكتب يبدو ان القديس يوسف اكثر بعدا عما جاء عنه في الكتابات الأولى. بنفس طريقة الكتابة لذلك المؤرخ اليوناني في القديم جاء احد الكتاب في عصرنا[6] هذا ليقدم مقارنة لسير ذاتية للقديس يوسف مع شخصية عاصرته الا وهو هيرودس الملك وبهذا يمكننا فهم بعض من جوانب حياة اي من تلك الشخصيتان.

ان ما يهمنا هو ان نعرف أكثر عن الناصرة وعن مقاطعة الجليل التي كان يحكمها

هيرودس الملك وعن معرفة لحرفة النجارة ودورها في الحياة اليومية وأيضا ضرورة معرفة بعض الشيئ عن الحياة اليهودية في ذلك الوقت من القرن الأول الميلادي.   انه لا يمكننا ان نفهم شيئا عن القدديس يوسف او عن القديسة مريم والابن الإلهي ما لم نقترب لنعرف أكثر عن الخلفية الثقافية والاجتماعية والدينية والسياسية التي كانوا يعيشون فيها.

لقد قيل ان القديس يوسف يشبه ذلك الثقب الأسود في مركز مجرة الكتاب المقدس فأنت تعرفه من تأثيراته أكثر من أن ترى الشخص نفسه، فحارس المخلص كان صامتا وشبه غير مرئي والسجل الوحيد الذي لدينا عن حياته هو بعض الإشارات التي ذكرت عنه في العهد الجديد وحتى في تلك الإشارات لم تخرج كلمة واحدة من فمه. ان هناك العديد من الألقاب التي اطلقت على القديس يوسف وهناك فرع في علم اللاهوت خصص للتأمل في حياته يسمى بـ Josepheology وفي كل عام ينشر علماء هذا الفرع العديد من النشرات والتي جميعها عن هذا الرجل الذي لم ينطق بكلمة تم تسجيلها في مرجع او مؤلف ما.

بالاطلاع على هذا الكتاب الجديد عن “القديس يوسف وعالمه” سنحاول الإقتراب أكثر وأكثر ومن اجل بنيان بعضنا البعض وتعميق الوحدة فى المسيح يسوع، نشترك في التأملات لتقديم الإكرام اللائق لحارس العائلة المقدسة وشفيع الكنيسة جمعاء “القديس يوسف البتول”.

أشكر الرب من أجـل نعمة وبركة وموهبـة روحـه القدوس التى منحنـا إياهـا مـن أجل الوصول معا الي وطننا السماوي.       

لوس انجلوس سبتمبر 2022                           الشماس نبيل حليم يعقوب

عالم القديس يوسف

ان الناس في الناصرة يعملون ويأكلون ويصلون وينامون ويحلمون ككل فرد ولكنهم يحتفظون في ذاكرتهم ان الله يعمل في خطته الخلاصية من خلال انشطتهم اليومية العادية فهم كانوا يعيشون في توقع دائم في كل يوم. لقد كانت الاحداث في التاريخ الحديث – علامات الأزمنة-هي التي جعلت اجدادهم يتحركوا الى الأراضي المقدسة من بعيد ومن ارض بابل. من اجل سلامة عائلاتهم من الرجال والنساء في ذاك الجيل قد انتقلوا بكل حاجياتهم وساروا لمسافة اكثر من 700 ميل في ارض ترابية وفي طرق وعرة وخطيرة واستوطنوا في تلك المنطقة الجبلية ليحييوا في ارض الجليل. ومن اجل نغس الرجاء أطلقوا على قريتهم اسم Nazareth او قرية التصوير او Village of Tarig والناصرة اسم عبري ربما كان معناه “القضيب” أو “الحارسة” أو “المحروسة” أو “المحبوسة”. وهي مدينة في الجليل أي في الجزء الشمالي من فلسطين. وهي تقوم على جبل مرتفع، ويرى منها جبل الشيخ والكرمل وطابور، وتبعد أربعة عشر ميلًا إلى الغرب من بحيرة طبريا، وتسعة عشر ميلًا شرقي عكا، وستة وثمانين ميلًا إلى الشمال من القدس، وتحيط بها كروم التين والعنب والزيتون.

ان الرواد الأوائل الذين جاءوا من بابل أرادوا كل شيئ في موقعهم الجديد يطابق أرض الموعد التي وعد الله بها شعبه وتنبأ عنها اشعيا النبي من قبل منذ 600 سنة”وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ”(اشعيا1:11)، وفي الحقيقة كانوا يؤمنون انه سيأتي الملك الممسوح من عائلاتهم.

وفي القرن الذي مضى ما بين استقرارهم في تلك القرية وحكم هيرودس، فالعلامات تبدو أنها تأتى أكثر وأكثر وفي كثير من الأحيان بصورة أوضح بكثير. ان شعب الناصرة والقديس يوسف من ضمنهم رأوا كل دلالة ان الزمن قريب وربما هو على الأبواب. انه ليس مثار تساؤل ان الله يفعل في تلك اللحظة في التاريخ وانه دائما فعالاً وبأكثر خصوصية كان الله فعالاً في عائلاتهم خاصة وفي قريتهم وفي تلك الأرض فالله صادق دائما في وعوده وهو سوف يحقق وعوده فلم يكن هذا مثار أي شك. لقد احتفظوا بعناية بسجلات أجدادهم التي ترجع الى 2000 سنة حتى إبراهيم وهكذا يمكنهم ان يروا النمط او الإتجاه التي كانت تسير عليه الأحداث. قد يكون من الصعب أحيانا ان نميز وسط مجرى السنون او الحياة كيف ان الله يعمل لتحقيق وعوده ولكن باستعراض عمله عبر القرون فهو صنع وحقق وعودا تبدو من المستحيلات ولكن الله دائما يخققها.

إبراهيم وسارة كانا في عمر التسعينيات وبلا أولاد ووعد الله إبراهيم أن يصبح أمة كبيرة” فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً.“(تكوين2:12)، ومرت سنوات وأكدّ ملاك الرب ذاك الوعد على الرغم من ان سارة كانت عمرها في ذاك الوقت في التسعينيات وإبراهيم مائة “ فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟».(تكوين17:17) و”فَقَالَ: «إِنِّي أَرْجعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابْنٌ». وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الأَيَّامِ، وَقَدِ انْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ. فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: «أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ، وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ؟”(تكوين10:18-12). وفي الحقيقة حملت سارة بابن هو اسحق والذي أصبح نسله أمة كبيرة.

وعود الله تتحقق

ان احفاد إبراهيم قد ازدهروا لأجيال يرعون ويزرعون في الأرض التي أعطاهم الله إياها. كان اسحق أبا ليعقوب والذي أعاد الله تسميته ب “إسرائيل” والذي اصبح أبناؤه من اطلق أسماؤهم على أسباط إسرائيل الاثنا عشر. وأسماء أسباط بني إسرائيل حسب الترتيب الأبجدي هي: سبط أشير، سبط أفرايم، سبط بنيامين، سبط جاد، سبط دان،سبط رأوبين،سبط زبولون،  سبط شمعون،سبط لاوي (تعيَّن للخدمة)، سبط منسى،سبط نفتالي،سبط يساكر،وسبط يهوذا.

من خلال سلسلة من الأحداث الكارثية وجد الأسباط أنفسهم قد استوطنوا ارض مصر ومن ثم استعبدوا هناك وكانوا شعب محاصر بسبب الظروف ولكنهم كانوا على وعي بوعد الرب الذي أقامه مع أجدادهم إبراهيم واسحق ويعقوب.

لقد وعد الله موسى لكي يوصل شعب إسرائيل من العبودية ويعيدهم الى ارض اجدادهم، ومرة أخرى كانت المهمة تبدو مستحيلة ولكن ساعد الله موسى بأحداث غير اعتيادية من سلسلة من الضربات التي اصابت المصريين ثم عبور اعجازي للبحر بينما شعب إسرائيل يهربون من مطاردة جيش فرعون. بعد ذلك بالرغم من كل حرمان لوجود جيش عسكري متمرن فلقد هزموا عدة شعوب

وسكنوا الأرض التي وعد بها الله اجدادهم. لقد أخذوا الأرض وزرعوها وازدهروا ونموا مرة أخرى.

لقد فعلوا كل شيئ ارادوه حتى يكونوا مثل باقي الأمم المجاورة وأرادوا ان يكون لهم ملكا وأعطاهم الله ملوكا وحقق شعب إسرائيل عظمة عالمية تحت مملكتهم.                                          

مُلك شاول وداود

في زمن الملك الأول لشعب إسرائيل الملك شاول ظهر فتى صغير اسمه داود والذي أصبح بطلاً هذا الذى كان راعيا للغنم، ولقد كتب وأنشد الأغاني التي جذبت انتباه بيت الملك فكانت موسيقى داود الوحيدة التي تجلب الهدوء لقلب شاول الملك. وعندما انخرط داود في العسكررية فاق جميع القادة وقتل العديد من الفلسطينيين وحتى جوليات الجبار. وعندما مات شاول الملك في احدى المعارك اختار الشعب داود ليصبح ملكا عليهم خلفا لشاول.

اتحدت الأمة اليهودية تحت حكم داود ومثل باقي الملوك في ذلك الزمان واجهته العديد من التحديات أثناء حكمه مشتملا على عصيان ابنه ابشالوم وتغلبه على كل مقاوميه في كل حالة.

في ذلك الزمان عبد الإسرائيليون الله من خلال تابوت العهد والذي كان ينتقل في كل مرة وهم ينتقلون ما بين الأسباط. في ذلك التابوت الذي حمل علامة العهد ما بين الله وشعبه والذى حوى بعض المقدسات مثل وصايا الله وعصا هارون وقسط المنّ من وقت خروج بني إسرائيل من مصر وحتى أرض الميعاد، ولكن أحضر داود تابوت العهد الي أورشليم ليكون دائما بها معطيا لشعب إسرائيل نقطة مركزية لتقديم العبادة لله. لقد قاد الملك داود الموكب بنفسه للعاصمة والكهنة وهم يحملون تابوت العهد وكان داود يرقص أمام التابوت وأنشد الأغاني وعمل موسيقى للخدمة والعبادة ولقد وُضع له عنوان “المزامير” والذي يحوي العديد من المزامير والأناشيد والتي تُعزى الى داود. والمزامير هي جموعة من الأشعار الدينية الملحنة وغرضها تمجيد الله وشكره كانت ترنم على صوت المزمار وغيره من الآلات الموسيقية، وفي العبرانية يسمى “كتاب الحَمْد” وقد عُرِفَ باسم مزامير داود أو “داود” فقط بالنسبة لعدد المزامير التي نُسِبَت لداود. وبلغت 74 من 151 مزمورًا.

لقد حكم داود ككاهن-الملك على اية حال فهو كان من سبط يهوذا وليس من سبط لاوي الذي خصص لخدمة الكهنوت. خطايا داود كانت أيضا على مقياس كبير فلقد اقترف خطية الزنا مع زوجة احد قواده المخلصين وخطط لقتله ولكي يضخم ويعظم نفسه أمر بتعداد الشعب:” وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ.فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ: «اذْهَبُوا عِدُّوا إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إِلَى دَانَ، وَأْتُوا إِلَيَّ فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ»“(اخبار الأيام الأولى1:21-2)، لكي يكون لديه عدد لشعبه فيفتخر بملكه. ولكن هذه الخطايا دفعته دائما لأن يندم ويتوب وأنشأ نموذج للندم في مزموره ال 51:” اِرْحَمْنِي يَا اَللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ امْحُ مَعَاصِيَّ. اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ، وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ.“(مزمور1:51-4).

ما بعد داود

كما جاء في الكتاب المقدس يبدو ان مملكة داود كانت امة كبيرة فلقد انحدرت من إبراهيم ووصلت الي وضعها كوعد الله. وجاء ابن داود ووارثه سليمان الملك والذي حافظ على هذا الإحساس بالنصر والعظمة. حكمة سليمان أصبحت مثار اعجاب الجميع ويضرب بها المثل ولقد كتب كتاب الأمثال وكتاب الحكمة وكتاب الجامعة وفاز بشهرة دولية واسعة. ملوك جاءوا من بعيد لكي تسمع حكمته ولإتمام رغبة والده بنى سليمان هيكل كبير وواسع في أورشليم لعبادة اله إسرائيل. سليمان كمثل والده كان دوره كملك-كاهن وليس كلاوي ولكن بعد نموذج ملكيصادق الذي حكم اورشليم اثناء زمن إبراهيم: “وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا للهِ الْعَلِيِّ.“(تكوين18:14)، أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ».“(مزمور4:110)

من داود والده ورث سليمان نموذج للملوكية من الله وحصل على هبات غير مسبوقة ولكنه ظل حرا ان يستخدم او يهمل تلك الهبات ولكنه اختار الاختيار الأكثر حماقة. لقد بدأ في أخذ نموذج الممالك الأرضية وحتى انه قد تجاوزهم في استهلاكها فلقد جمع عدد من الحريم منقطع النظير وصل الى 700 زوجة و300 من المحظيات. كان الكثير من هؤلاء النسوة من الأجنبيات واللواتي اختارهن سليمان في تحد لشريعة اسرائيل. لقد أحضروا معهن آلهة غريبة الى اسرائيل وبنوا زوايا ومغارات لإكرام آلهتهن وعبادتهم وارغموا الملك ليرافقهم في عبادتهن الوثنية ولقد وافقهم سليمان وقدّم لهؤلاء الآلهة الغريبة القرابين والذبائح مخالفا بذلك الوصيّة الأولى من وصايا الله العشر والتى عليها تبنى باقي الوصايا. بهذا اختار سليمان ان يقترف عبادة الأصنام مسببا فضيحة عظيمة وحقيرة. لقد قال الله لسليمان ان فشله سوف يقسم المملكة ليس في حياته ولكن أثناء حكم من يخلفونه في الحكم:” فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ إِلاَّ إِنِّي لاَ أَفْعَلُ ذلِكَ فِي أَيَّامِكَ، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ أَبِيكَ، بَلْ مِنْ يَدِ ابْنِكَ أُمَزِّقُهَا. عَلَى أَنِّي لاَ أُمَزِّقُ مِنْكَ الْمَمْلَكَةَ كُلَّهَا، بَلْ أُعْطِي سِبْطًا وَاحِدًا لابْنِكَ، لأَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي، وَلأَجْلِ أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا»“(1ملوك11:11-13). وبالفعل تمرد اسباط شمال اسرائيل وانفصلوا وكونوا مملكتهم وملوكهم وورثة داود حكموا مملكة اكثر صغرا ومقرها اورشليم وهي اليهودية. وتبع ذلك لعدة قرون عداوة ما بين المملكتان وحرب أهلية واصبحت ” الأمة العظيمة” امة تحارب نفسها وابناء ابراهيم باتوا في عداء.

انقسام وسبي

هكذا انقسمت الأمة ولم تصبح عظيمة كما كانت واصبحت الأرض والشعب مطمعا من البلدان المجاورة. وفي القرن الثامن غزا الأشوريين الأراضي الشمالية وفي القرن الذي يليه هاجموا مملكة يهوذا المملكة الجنوبية ولكنهم ارتدوا عن اورشليم ولم يقووا على غزوها. ولكن قوة كبيرة نجحت خيث فشلوا الأشوريين انها قوى البابليين الذين استولوا على أورشليم في عام 597 قبل الميلاد والغزاة الجدد افقدوا تماما ونهائيا قوة مملكة يهوذا وتم سبي الألوف من الشعب الي بابل. في الطريق الى المدينة البعيدة كان آخر سلالة داود الملك الا وهو الملك صدقيا الذي اجبر ان يرى اولاده يقتلون امام عينيه واحد واحد ثم ام البابليون بفقد بصره حتى يكون مقتل ابناؤه هو آخر شيئ قد رآه:”وَقَتَلُوا بَنِي صِدْقِيَّا أَمَامَ عَيْنَيْهِ، وَقَلَعُوا عَيْنَيْ صِدْقِيَّا وَقَيَّدُوهُ بِسِلْسِلَتَيْنِ مِنْ نُحَاسٍ، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ“(2ملوك7:25). وأمضى الملك صدقيا بقية أيامه سجين في مدينة غريبة.

من كل المظاهر باتت سلالة داود الملك قد توقفت فجأة في لحظة موت الملك صدقيا، ماذا اذن

عن وعود الله والتنبؤات والأنبياء؟ هل كانت كلها نوع من الدعاية ليس إلا؟ فلننتظر كيف ان الله سيحقق وعوده!

وعود ونبؤات

لقد وعد الله داود قائلا:” وَأَجْعَلُ إِلَى الأَبَدِ نَسْلَهُ، وَكُرْسِيَّهُ مِثْلَ أَيَّامِ السَّمَاوَاتِ.” و” لاَ أَنْقُضُ عَهْدِي، وَلاَ أُغَيِّرُ مَا خَرَجَ مِنْ شَفَتَيَّ. مَرَّةً حَلَفْتُ بِقُدْسِي، أَنِّي لاَ أَكْذِبُ لِدَاوُدَ: نَسْلُهُ إِلَى الدَّهْرِ يَكُونُ، وَكُرْسِيُّهُ كَالشَّمْسِ أَمَامِي. مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ. وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ».”(مزمور29:89 و34-37). وهذه تبدو كتأكيد مما تنبأ عنه يعقوب قبل موته:”  لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ.“(تكوين10:49).

حكم داود كان مجيداً وطويلاً-40 سنة وحكم سليمان 40 سنة أخرى، وتلك ال 80 عاما للملوكية في مملكة متحدة. سلالة داود باشرت بطريقة او أخرى لمدة 4 قرون أخرى في الحكم وبهذا حكم بيت داود لمدة 500 عام والتي تعتبر مدة طويلة كما تذهب السلالات ولكن بالكاد تفي بشروط بوعد الله. طالما تشع الشمس وتدوم السماء فماذا عن “طاعة الشعب” التي تنبأ عنها يعقوب؟ لقد كان العكس هو الصحيح الآن. نسل يهوذا قد تشتت بين الأمم خاضعا لكل حاكم في العالم المعروف حينذاك ولكن لا تحكم على أحد حتى على شعوبهم ذاتها. بينما في بابل عاشوا بقية من عائلة داود وليس لدينا قائمة كاملة لسلسلة النسب وبهذا ليس لدينا قائمة واضحة بخط النسب وتسلسل الأنساب.

كان داود أبا لـ 18 طفلا و8 زوجات ومن المفترض ان خط نسله استمر في أطفاله الآخرين بخلاف سليمان وبعدها تكاثروا عبر الأجيال. لا نعرف اذا ما كان بيت داود في السبي قد تآلف من هؤلاء الأحفاد الجانبيين ولكن ما نعرفه ان أحفاد داود عاشوا كعشيرة بينما هم في أرض السبي في بابل. ذات يوم كانوا ملوكا ولكنهم الآن مختفون تحت الحرف الشائعة في ذاك الوقت واحتفظوا بمكانة متضعة ولكنهم نقلوا هويتهم الملوكية من جيل الى جيل واحتفظوا بسجلات شديدة التفصيل بسلسلة الأنساب.

لقد عاشوا ليس مع الحنين فقط ولكن بالرجاء، هذا الرجاء الذي كان هو السبب الذي جعلهم

يحتفظون بقائمة الأنساب حتى يمكن لخط النسب الشرعي لداود ان يحفظ في اللحظة التي سيتدخل فيها الله لتحقيق وعده. انهم كانوا على ثقة متطلعين لتلك اللحظة والتي مهما طالت فسيتم

وعد الله. لم يكن سؤال افتراضي ولكن كان السؤال هو: “متى”؟

في الصلاة رددوا صلاة أجدادهم التي قيلت وسجلت في المزامير:” إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟”(مزمور1:13).

في بابل صلوا ودرسوا اتجاه خطة الله الخلاصية في الماضي وحددوا العلامات التي تمت لوعد الله لأبراهيم وما الذي لم يتحقق بعد واسترجعوا في ذاكرتهم ما حدث في سفر الخروج وبدأوا في تحليل الأحداث التي تمر عليهم في ذاك الوقت مختبرين كل علامة تظهر أو أي أخبار تتناقل من الشعب الساكن في أورشليم. فوق كل هذا تذكروا فالذاكرة كانت المفتاح لهويتهم وكانت أكثرشيئ ذو قيمة عالية يمكنهم نقلها لأبنائهم-تذكار أهمال الله وتدخله وذكرى رحمة الله وذكرى وعود الله:”  اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فِيهِ،”(مزمور5:105)، “ قُدَّامَ آبَائِهِمْ صَنَعَ أُعْجُوبَةً فِي أَرْضِ مِصْرَ، بِلاَدِ صُوعَنَ. شَقَّ الْبَحْرَ فَعَبَّرَهُمْ، وَنَصَبَ الْمِيَاهَ كَنَدٍّ. وَهَدَاهُمْ بِالسَّحَابِ نَهَارًا، وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ. شَقَّ صُخُورًا فِي الْبَرِّيَّةِ، وَسَقَاهُمْ كَأَنَّهُ مِنْ لُجَجٍ عَظِيمَةٍ. أَخْرَجَ مَجَارِيَ مِنْ صَخْرَةٍ، وَأَجْرَى مِيَاهًا كَالأَنْهَارِ”(مزمور12:78-16).

التذكرة كانت هي الواجب الأساسي في فترة السبي. حتى في بابل ارسل الله لهم أنبياء لكي يشجع شعبه ومؤكدا اختياره للشعب المختار، ومن ضمن من اختارهم الله كان دانيال والذي جاء اليه من ينبئه بقدوم المسيّا:”

سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ.“(دانيال24:9)، أي 490 سنة من ذاك الوقت سيأتي المسيّا وان هذا المسيّا سيحكم من أورشليم. وأكّد أيضا ارميا النبي شعب الله بالخلاص:” «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ.لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ.فَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبَيْتُكُمْ مِنْهُ. «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ أَقَامَ لَنَا الرَّبُّ نَبِيِّينَ فِي بَابِلَ”(ارميا10:29-15). ها ان الفرص للعودة قد أتت بطريقة سريعة فالله القادر على كل

شيئ سيحقق وعده.

العودة من السبي

لقد أمر ملك بابل بالسماح بعودة شعب الله وفي عام 530 ما قبل الميلاد اعدّ الملك سيسرا منشورا أعلن فيه ان شعب يهوذا حراً في العودة الى بلادهم. وبعد قرن آخر أصدر ملك آخر داريوس مرسوما بالسماح ببناء هيكل أورشليم والذي تم هدمه من قبل.

قليل من اليهود عادوا الى موطنهم بينما العديد ظلّوا في بابل والتي كانت في تلك الأيام هي موطنهم الذي اعتادوا ان يحييوا فيها ولا يعرفون آي بلد آخر. أنهم لم يروا أورشليم وان عملية العودة مع صعوبتها وإيجاد عمل هناك جعل العديد منهم لا يقبلون فكرة العودة.

ربما لأحفاد الملك داود ولو للحظة لا يبدو الأمر سليما فلقد كان الشعب يطلقون على الملك  بأنه المسيّا “هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ”(اشعيا1:45)، ولكنه لم يكن هو المسيّا المنتظر والذي يطابق أقوال الأنبياء أو توقعات الشعب. منذ أيام موسى في القديم فلقد كان واضحا ان المسيّا سيأـي من عائلة إبراهيم:” «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ”(تثنية15:18). هكذا ظل اليهود وهم في السبي غرباء في أرض غريبة ومهما ظهر ملك او كاهن او نبي هنا او هناك استمروا بكل عناية محتفظين بسجلاتهم وأبقوا ذاكرتهم نشطة وحيّة وبتلك الذاكرة احتفظوا برجائهم.

مرت أجيال وأزمنة وقرون وتغيرت موازين القوى في المنطقة وظهر الاسكنر الأكبر محارب مقدوني هزم العالم ولكن للأسف مات الاسكندر صغيرا قبل ان يمكنه أن يحكم البلاد التي هزمها. جاء قواده بعده فقسّموا البلاد والحدود بينهم، وخضعت أورشليم لتكون من نصيب بطليموس الذي كان مقره في مصر، ثم Seleucids السلوقيين الذين حكموا من سوريا. السلوقيين كانوا مسؤوليين على مناطق عديدة فقاموا بجعل اليهود ان يسمح لهم بعض الشيئ ان يحكموا أنفسهم وأن يتبعوا شريعة موسى. لكن أدخل السلوقيين الثقافةاليونانية الى اورشليم والتي زادت تدريجيا وخاصة في المناطق القريبة من السواحل وبدأ التغيير في سلوك اليهود خاصة في الطبقات العليا والذين بدأوا في اتباع العادات اليونانية والملابس واللغة وتوقفوا بعض الشيئ عن اتباع تقاليدهم اليهودية وحتى

شريعتهم. ولكن هل مازال هناك امل في تحقيق الله لوعده؟

المكابيين

في بابل جاءت التقارير من أورشليم مربكة بعض الشيئ وفي اثناء حكم احد السلوقيين وهو انطيوخس الرابع تم استبدال رئيس الكهنة اليهودي بشخص آخر أكثر مواءمة مع الطرق اليونانية وغيرها. بينما كان الملك انطيوخس مشغولا في الحرب في مصر حاول رئيس الكهمة المعزول ان يجمع من حوله الآف الرجال اليهود محاولا استعادة اورشليم ولكن كان رد فعل الملك انطيوخس شديدا وترك مصر بقواته وعاد الى اورشليم محطما تلك المقاومة وهذا ما تم تسجيله في كتاب المكابيين الثاني:” وَأَمَرَ الْجُنُودَ أَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ مَنْ صَادَفُوهُ دُونَ رَحْمَةٍ، وَيَذْبَحُوا الْمُخْتَبِئِينَ فِي الْبُيُوتِ. فَطَفَقُوا يُهْلِكُونَ الشُّبَّانَ وَالشُّيُوخَ، وَيُبِيدُونَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ، وَيَذْبَحُونَ الْعَذَارَى وَالأَطْفَالَ، فَهَلَكَ ثَمَانُونَ أَلْفَ نَفْسٍ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَبِيعَ مِنْهُمْ عَدَدٌ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَتْلَى. وَلَمْ يَكْتَفِ بِذلِكَ، بَلِ اجْتَرَأَ وَدَخَلَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هُوَ أَقَدَسُ مَوْضِعٍ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَكَانَ دَلِيلُهُ مَنَلاَوُسَ الْخَائِنَ لِلشَّرِيعَةِ وَالْوَطَنِ”(2مكابيين13:5-15). لم يكتفى انطيوخس بما فعله بل دخل الهيكل واستولى على كنوزه وعلى المذبح وقدم ذبيحة خنزير والذي يعتبر حيوان نجس في الشريعة اليهودية وأمر بأن يقدم من تلك الذبيحة لليهود اذلالا لهم وأمر رجاله برش ماء تلك الذبيحة على جدران الهيكل مزيدا من تدنيسه واهانة واذلال لليهود ولقد نجح في ذلك.

اعتقد انطيخوس ان اليهودية كانت عبارة عن عبادة متعصبين غير قادرة ان تتوافق مع حاجات الشعب وغير مرنة فقام بوضع سياسة لتحويل كل شيئ الي الهيلينية وكان هدفه هو تغيير كل شيئ يشير الى اليهودية ويستبدله بالثقافة اليونانية ومن يقاوم ذلك يقتل على الفور. هربت العائلات التقية وغيرهم من المدينة والتجأوا الى الجبال واقاموا في مغارات ولكن قوى السلوقيين طاردوهم في كل مكان وامروا الجمنيع بتقديم الذبائح للأوثان وعبادة آلهة اليونانيين والا سيقتلوا.

في  الأماكن الجبلية الوعرة في منطقة يهوذا بدأ اللاجئين ان يحصلوا على بعض الثقة على الرغم من انهم كانوا فرادى ومبعثرين في كل مكان بلا سلاح ولكنهم كانوا يحملون في قلوبهم ذكرى الخروج من مصر وتاريخ التحرر وبدأوا في تكوين بعض الجماعات المسلحة وكان قائدهم معروف باسم “يهوذا المكابي” الذي قاد حرب العصابات على جيش انطيوخوس. استمرت تلك المقاومة لمدة 7 سنوات في معارك متفرقة غير تقليدية مما كان له الأثر العميق على جيش انطيوخس والذي تأثر بالعديد من الكوارث ورجع الجيش الى سوريا، وبعد وفاة انطوخيوس جاء من خلفه أكثر تفهما مع المكابيين.

دخل المكابيين بإنتصار الى أورشليم وقاموا بتطهير الهيكل ودشنوه وهو الحدث الذي يتذكره اليهود حتى الآن في عيد Hanukkah وعينوا رئيس كهنة من عائلة Hasmonean والذي يحكم أيضا كملك. بعيدا في بابل انتشرت الأخبار وزادت المنافشات فيما بين أهل السبي وماذا يعني كل ما حدث في أورشليم بالنسبة لهم؟ هل يعودوا الى اورشليم انتظارا للمسيّا أم لا؟

رجاء وانتظار

لقد أعاد اليهود تطهير الهيكل وهزموا اليونانيين وأصبح لهم كاهن-ملك يحكمهم واستمرت الأخبار تأتي أبان حكم Hasmonean فاليهود قد أعادوا كل الأراضي لمملكة داود وسليمان وأعطوا السكان الإختيار من ان يتحولوا او ان يتركوا الأرض والرجال الذين سيبقوا عليهم ان يتم ختانهم. ولكن هل يمكن ان يكون زمن هذا الانتظار الطويل للمسيّا؟ العديد من الشروط في مكانها الآن وفترة الزمن التي تنبأ عنها دانيال -70 أسبوع بدأت في التنازل.

أعلن Hasmonean لليهود المشتتين يجب عليهم ان يعودوا الى أرض إسرائيل مهما كان الوقت الذي كان فيه تلك العائلات بعيدا، فعليهم ان يعودوا الي موطنهم وبلادهم. هذا الأمرهو أيضا اتماما للنبؤة وهو تجميع للأسباط المشتتة والتي تنبأ عنها ارميا النبي.

مجموعة كبيرة من سلالة الملك داود  قرروا ان ينتقلوا وحملوا معهم كتاب سلسلة الأنساب وساروا مئات الأميال وحسب تاريخ الأيام كان ذلك حوالي عام 100 قبل الميلاد.

العائدون من بيت داود استقروا في منطقتان من أرض الجليل -أرض لم تُسكن منذ مدة طويلة

تصل الى أكثر من 600 سنة، وكونوا قريتان في ذلك المكان واطلقوا عليهم أسماء مرتبطة بقوة بالمسيّا المنتظر.

احدى تلك القرى اسموها Kochba أي “قرية النجم” للنبي بلعام:”  أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ

وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ،

وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى.“(عدد 17:24)، اما الموقع الآخر أسموه Nazareh .

عائلة داود كانوا على دراية واهتمام تام لمهمتهم والغرض الذي يحييون من اجله في التاريخ. سكان الناصرة وكوشبا كانوا يحييون على احتمال ان واحدا منهم سيحمل المسيّا الى العالم. لقد فدر علماء الآثار ان الناصرة كان يقطنها حوالي 120-150 شخص في منتصف القرن الأول قبل المسيح.  70 ىسنة بعد وصول العشيرة كانوا قد بدأوا في تكوين حياتهم الروتينية واندمجوا في التجارة والعمل وحملوا حرفتهم والذي تعلموه الأبناء من آبائهم وما علمته الأمهات لبناتهن. في نفس ذلك القرن وفي آواخره كانت احدى تلك الأسر في الناصرة -اسرة الحرفيين- انجبوا بنا اسموه “يوسف” واسمه مثل مكان ميلاده يعكس الرجاء لشعبه “فيوسف” في العبرية يعني ” الله يزيد”

القديس يوسف والملك

سافر الـ Hasmonean الي اورشليم بموجة من الغضب ضد انطيوخس المجنون وما قام به من تدنيس الهيكل وأضاف مذبحة لعشرات الألوف وامتد الأمر ليس فقط في المدينة ولكن في البلاد كلها وتم القبض على العديد بلا رحمة حتى يبدو ان كل عائلة قد فقدت احد من أعضائها. وبدأت ميليشيات ال Hasmonean  او المكابيين في الحرب من اجل مثاليات مثل الرحمة وحب الوطن وكان من السهل ان تحشد المحاربين وتحارب من اجل سبب هو حق واضح. وهؤلاء المكابيين لم يكونوا للأسف جاهزين لما بعد النصر فلا شيئ في خبراتهم قد أعدهم لكي يحكموا. كانوا جماعة متمردة يتصرفون بتلقائية في كل ما يقومون به والآن وهم منتصرون استمروا في ان يفعلوا بما هم متعودون على القيام به جيدا، ولكنهم حولوا تلك المهارة لتكون ضد بعضهم البعض. لقد أدخلوا أنفسهم في صراع داخلي عائلي وصراع على السلطة ويستبدلوا واحد بآخر. هكذا المقاتلين من اجل الله اصبحوا على التو في حالة ملل من كثرة الأمور وفي العبادة وممارسة الكقوس المقدسة كانوا في تعصب شديد أحيانا او يمارسونها بدون اكتراث. فمارسوا الكهنوت كشيئ أساسي وجوهري وفي نفس الوقت كانوا في استطاعتهم بشكل صادم ان يقوموا بمعصية عارضة.

اعتبر Alexander Jannaeus والذي يمكن في الغالب ان يكون هو الملك الحاكم ويشغل أيضا رئيس كهنة عندما وصل احفاد داود من بابل. هذا الاسكندر حكم اكثر من ربع قرن وفي ذلك الوقت استطاع ان يقوي القوات العسكرية وامتد بالحدود تحت حكم أورشليم، ولكنه واجه مقاومة داخلية من شعبه والتي تطورت الي عصيان وتمرد.

على الرغم من انه كان رئيس كهنة لكنه لم يكن قادر على التلاعب بالمشاعر الدينية واستغلال الانقسامات في اليهودية في ذاك الوقت لصالحه ويدفعهم لمقاومة بعضهم البعض. اليهودية في ذلك الوقت كان يوجد بها ثلاث فصائل مهيمنة وتقف كل منها ضد الآخرين:

+ الصدوقيون: The Sadduceesيظهرهم يوسفيوس المؤرخ بأنهم والفريسيين طائفتان

متخاصمتان فياليهودية. والصدوقيون فرقة صغيرة نسبيًا ولكنها مؤلفة من مثقفين جلهم أغنياء وذوو مكانة مرموقة. وقد عم الرأي أن اسمها مشتق من صادوق. وذلك لأن هذه الطائفة مؤلفة من رؤساء الكهنة والأرستقراطية الكهنوتية وهكذا قد مثل الصدوقيين الطبقة الأرستقراطية بين اليهود، واحتفظوا بعلاقات قوية مع الحكام، من أجل ضمان استمرارهم في المراكز القيادية وحصولهم على الثروة، لا سيما من وراء رئاسة الكهنوت والقيادات داخل الهيكل، حتى لقد أمسى منصب رئيس الكهنة لعبة سياسية.. وقد كان صادوق رئيس كهنة في أيام داود وسليمان وفي عائلته حفظت رئاسة الكهنوت حتى عصر المكابيين فسمى خلفاؤه وأنصاره صدوقيين. وبخلاف الفريسيين الذين كانوا يؤكدون تقليد الشيوخ، حصر الصدوقيين تعاليمهم في نص الكتاب قائلين أن حرف الناموس المكتوب وحده ملزم حتى إن قاد الناموس إلى شدة في المقاضاة. وبخلاف الفريسيين فهم أنكروا القيامة والثواب في الجسد ذاهبين إلى النفس تموت مع الجسد ووجود الملائكة والأرواح والجبرية فقالوا بحرية الإرادة وإنا قادرون على أعمالنا وأننا سبب الخير وإننا نتقبل الشر من اجل حماقة أفعالنا وأن لا دخل الله في صنعنا الخير أو إعراضنا عن الشر. أما المحتوى الديني لهذه الطائفة، فقد اشتمل على التمسك بالأسفار الخمسة للشريعة، وفي المقابل رفض التقليد (الشريعة الشفهية) التي تبناها الفريسيين،وإما أصل الصدوقيين ونشوؤهم فيذهب إلى أن أسرة صادوق الكهنوتية التي كانت تقود الشؤون في القرنين الرابع والثالث في العصرين الفارسي واليوناني أخذت، وربما غير واعية، تضع الاعتبارات السياسية فوق الدينية.

وفي زمن أنطيوخوس أبيفانيس (175-163 ق. م. كان عدد كبير من الكهنة محبًا للثقافة اليونانية وكان رؤساء الكهنة ياسون ومينيلاوس والقيموس الداعين إلى الهيلينية فوق الشعب إلى جانب المكابيين للذود عن نقاوة الدين اليهودي. وبانتصار هذا الفريق وتأمين المكابيين ورئاسة الكهنوت انسحبت خلفاء صادوق وأنصارهم وزجوا أنفسهم في السياسة فكانوا يصرّون على إهمالهم لعادت الشيوخ وتقاليدهم والتقرب إلى الثقافة والنفوذ اليونانيين. أما يوحنا هرقانوس وارستوبولس واسكندريناوس (135-78 ق.م.) فقد أبدوا ميلًا للصدوقيين فكانت القيادة السياسية إلى حد كبير في أيديهم في زمن الرومان والهيرودوسين وكان رؤساء الكهنة انذاك منهم.

+ الفريسيين:The Pharisees  كلمة من الأرامية ومعناها “المنعزل” وهو إحدى فئات اليهود الرئيسية الثلاث التي كانت تناهض الفئتين الأخريين فئتي الصدوقيين والأسينيين، وكانت أضيقها رأيًا وتعليمًا. ويرجّح أن يكون الفريسيون خلفاء الحسيديين المتظاهرين بالتقوى “القديسين”، والذين اشتركوا في الثورة المكابية ضد انطيوخوس أبيفانس (175-163 ق.م.). وقد ظهر الفريسيون باسمهم الخاص في عهد يوحنا هركانوس (135-105 ق.م.)، وكان من تلامذتهم فتركهم والتحق بالصدوقيين. وسعى ابنه إسكندر ينايوس من بعده إلى إبادتهم غير أن زوجته الكساندرة التي خلفته على العرش سنة 78 ق.م. رعتهم فقوي نفوذهم على حياة اليهود الدينية وأصبحوا قادتهم في الأمور الدينية.

أما من حيث العقيدة فكانوا يقولون بالقدر ويجمعون بينه وبين إرادة الإنسان الحرّة. وكانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح ومكافأة الإنسان ومعاقبته في الآخرة بحسب صلاح حياته الأرضية أو فسادها غير أنهم حصروا الصلاح في طاعة الناموس فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية. وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف. وزعموا أنه معادل لشريعته المكتوبة سلطة أو أهمّ منها. فجاء تصريح المسيح بأن الإنسان ليس ملزمًا بهذا التقليد. كان الفريسيون في أول عهدهم من أنبل الناس خلقًا وأنقاهم دينًا، وقد لاقوا أشدّ الاضطهاد، غير أنه على مرّ الزمن دخل حزبهم من كانت أخلاقهم دون ذلك، ففسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء والعجب. فتعرضوا عن استحقاق للانتقاد اللاذع والتوبيخ القاسي.

+ الغيورين The Essenes يطلق اسم ” الغيورين على حزب من اليهود الوطنيين الذين كانوا مجموعة من الانفصاليون الأتقياء تأسسوا من المحتمل عندما السلوقيون ازالوا رئيس الكهنة القانوني واستبدلوه بآخر واعتبروا انفسهم محافظين على التقليد والكهنوت والايمان، وكانت لهم جماعة تأملية في صحراء اليهودية. ومع هذا كان استعمال العنف مقبولًا عند غالبيتهم طالما أنه لهدف شريف، وهو التخلص من الحكم الأجنبي، وكانوا يتخذون من فينحاس بن ألعازار بن هارون الكاهن، مثلهم الأعلى، فقد رضي الرب عن عمله، وقال عنه فينحاس بن ألعازار بن هارون الكاهن، قد رد سخطي عن بني إسرائيل بكونه قد غار غيرتي في وسطهم حتى لم أفن بني إسرائيل بغيرتي. لذلك قل: هأنذا أعطيه ميثاقي، ميثاق السلام، فيكون له ولنسله مكن بعده، ميثاق كهنوت أبدي لأجل أنه غار لله وكفَّر عن بني إسرائيل” (عد 25:7-13). وقد أصبحت هذه الغيرة المتقدمة مثالًا للكثيرين من القادة العظام والأنبياء والكهنة والحكماء . وقد أطلقت الكلمة أيضا على أعضاء حزب من المتطرفين بدأ ظهوره في 6 م. عندما قام يهوذا الجليلي وحرض على مقاومة إجراء الرومان للاكتتاب بعد أن أصبحت اليهودية ولاية رومانية خاضعة للإمبراطور مباشرة. وانضم إليه كثيرون.

الصراع

كما ذكر من قبل كان جماعة الصدوقيون مقربين من إسكندر ينايوس ولقد أيّدوه دائما بثبات وصدقوا على قانونيته كرئيس للكهنة بينما الفريسيين كان هذا الأمر مثار تساؤل واعتراض. كان الفريسيون على ثقة من شهرتهم عند عامة الشعب وأظهروا الاعتراض ضد إسكندر وهو بالتالي أعاد لهم هذا بمهاجمتهم دائما.

كل الرجال في إسرائيل كانوا مطالبون برحلة للحج الى أوؤشليم في ثلاث أعياد (الفصح-الخمسين-عيد المظال) وفي سنة 93 قبل الميلاد ظهر إسكندر ينايوس ليمارس واجبات رئاسة الكهنوت ولكي يظهر تنصله للفريسيين وبكل انتباه تحدى القواعد كما هي موضوعة في الطقوس فقام بدلا من صب الماء على المذبح القاه على قدميه ولقد هزّ الفعل الجموع المزدحمة التي امتلئت بها المدينة وكانوا يتوقعون مثل ذلك التجاهل وعدم الاخترام من القوات اليونانية ولكن ليس من رئيس الكهنة الملك. فرفعوا أصواتهم بسخرية ضد إسكندر والذي حينئذ اصدلر أوامره لقواته باتخاذ ما يلزم. وهنا حدثت المجزرة وقتل 6 آلاف شخص مع نهاية احتفالات العيد، وهذا الحدث خلق حرب أهلية والتي قمعت بعد فترة وجيزة. وعندما نجح إسكندر ينايوس من انه قد نجح احضر المقبوض عليهم موثقين الي اورشليم وسجن اكثر من 800 منهم ومعظمهم كان من الفريسيين وحكم عليهم بالصلب وبينما هم يموتون وهم على صلبانهم احضر إسكندر زوجاتهم واطفالهم ليشاهدوا المصلوبين وهم على صلبانهم ويرى زوجاتهم واطفالهم ذلك المشهد وهم يقتلون. في اثناء ذلك جلس إسكندر بالقرب من ذلك المشهد يشرب مع قواده.

ان تلك الفترة التي امتلأت بالحرب والقلق سببت لأسلاف الملك داود حتى وهم في قراهم المنعزلة اليقين ان وجودهم يمكن ان يقاوم تلك الاستفزازات فمن يمكن ان يناقش شرعيتهم؟

كانوا يؤمنون بالمملكة والكهنوت ومن انهم آواني لمجيئ المسيّا وليس في هذا شيئا سريا فهو قد اعلن عنه في كل اسم واسرة في قراهم.

ان أراض إسرائيل التي حفظت تقع بكل دقة ما بين قوتان عظيمتان هما مصر وسوريا وكلا منهما محكومين بقادة من قواد الاسكندر الأكبر. لكن خريطة العالم كانت تتحول وبدأت قوى جديدة تبزغ، فالرومان مدوا حكمهم نحو غرب الأراضي المقدسة وبلاد فارس من الشرق. الااراضي التي كانت تحكم في اورشليم كانت في وضع اسهل فسهولها كانت على البحر وبهذا باتت المتنفس الوحيد للنشاط التجاري والعسكري ولقد استخدم السلوقيون هذا الوضع لصالحهم.

بقدر ما تعود تلك الأيام لأيام يهوذا المكابي كان السلوقيون قد عقدوا معاهدة صلح مع روما وهذا ما جاء في كتاب سفر المكابيين الأول:” رَأَى يُونَاثَانُ أَنَّ لَهُ فُرْصَةً مُلاَئِمَةً، فَاخْتَارَ رِجَالًا وَسَيَّرَهُمْ إِلَى رُومِيَةَ لِيُقِرُّوا الْمُوَالاَةَ بَيْنَهُمْ وَيُجَدِّدُوهَا، وَأَرْسَلَ مَعَهُمْ إِلَى إِسْبَرْطَةَ وَأَمَاكِنَ أُخْرَى كُتُبًا فِي هذَا الْمَعْنَى. فَانْطَلَقُوا إِلَى رُومِيَةَ وَدَخَلُوا الشُّورَى وَقَالُوا: «إِنَّا مُرْسَلُونَ مِنْ قِبَلِ يُونَاثَانَ الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ وَأُمَّةِ الْيَهُودِ لَنُجَدِّدَ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْمُوَالاَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ”(1مكابيين1:12-3). مثل تلك المصادقة جلبت فائدة عظيمة اقتصاديا وعسكريا، فبمساعدة الرومان المملكة اليهودية نمت وزادت وأصبحت مستقلة من أي تدخل خارجي واستمر هذا الأمر لعشرات السنين حتى ملّ الرومان من تلك اللعبة.

ان فساد السلوقيون Hasmoneans الهب فقط التوقعات الشعبية عن المسيّا وعلى الرغم من انهم كانوا خطاة مروعين الا انهم كانوا يحشدون القوة من اجل شعب الله. كانت سلالتهم يمكن مقابلتها ربما مع حكم شاول الملك الذي كان مجنونا بالغيرة والاستبداد وفي عصيان صريح لأوامر الله ولكن كان من الواضح انه قد أعد الطريق الي عصر ذهبي تحت حكم الملك داود.

ال 70 أسبوعا كادت على وشك السريان والسلوقيون كانوا في الحقيقة مكروهين من الشعب ولكن لا يمكنهم ان يحبطوا خطة الله.

ان طرق الرب عجيبة ففي عام 67 قبل الميلاد نرى السلوقيون لديهم كالمعتاد نزاعا على الخلافة

فكان هناك اخان هما هيركانوس واريسطوبولس  يتحاربان من اجل العرش وتنافسهما هذا هدد

استقرار المنطقة بكاملها وخافت روما ان يتعدى الفرس على تلك المنطقة وبهذا يخسرون مرورا مجانيا في أراضي اليهودية.

في عام 63 قبل الميلاد أرسى القائد الروماني بومبي ذلك التنافس بقوة حربية كبيرة وحاصر أورشليم وعندما اقترب النصر حتميا فرض الجزية على ارض اليهودية وقام بتخفيض رتبة النظام الملكي وأعاد النظام في جميع انحاء البلاد من خلال تدابير صارمة وبعد ذلك لم يستطع السلوقيون ان يدّعوا انهم مستقلين او انهم يحكمون البلاد ولكنهم استمروا يتشاجرون ويتآمرون ضد بعضهم البعض. في عام 37 قبل الميلاد تعب الرومان من تلك الترتيبات والمشاحنات وفي يوليو من هذا العام القوى المحلية من الادوميين مسنودة من الرومان وضعوا حصارا حول اورشليم وبعدها استولوا على المدينة وتم القبض على الملك Antigonus وامر الرومان باعدامه.

اذا ما كان الفريسيون قد ثاروا ضد نسب السلوقيون فمذا الآن يكون شعورهم مع الأدوميون الذين يحكمون وهم الأمميين بحسب الميلاد والمفروضين عليهم من قِيل الرومان؟. الملك الصغير والذى كان عمره في منتصف الثلاثينات فهو واحد من هؤلاء الأدوميين وربما قد اختتن وملاحظا لشريعة موسى ولكن الشعب بدأ يبحث ويدقق في اصل ذلك الملك الأدومي هيرودس.

هيرودس

هيرودس كان قائدا عسكريا شجاعا وحكيما وكان قويا وله كاريزما لا يمكن نكرانها وكان لا نظير له كدبلوماسي وصديق للعديد من الحكام والقادة في عصره. لقد تجرأ على القيام بأعمال تجارية مع يوليوس قيصر ومارك أنطونيو وكليوباترا واغسطس قيصر وعادة ما كان يحصل على ما يريده. امام شعبه اليهودي كان يقدم نفسه على انه يهودي ولرعاته الرومان على انهم ” صديق لروما”.

في الوقت المناسب اتخذ له زوجة من السلوقيون وهي الخطوة التي جعلته اكثر قبولا منهم على

الرغم من انهم كانوا قلقين منه ولكنه لم يعبأ فكانت له مهمة يريد تنفيذها. هيرودس كان دائما متحركا فلقد وضع علاوة على القانون والنظم التجارية واوقف السرقة بالاكراه على الطرق  وبهذا فقد أزال واحدة من القيود الكثيرة على التجارة والترحال. علاقاته السهلة مع روما ضمنت له ان مملكته تستقبل فوائد عادية من العاصمة الرومانية وتدفق الاستيراد والتصدير بكل سهولة. لقد حكم بمهارة وبدقة وبثقة وبكفاءة- صفات لم يستطع السلوقيون ان يقوموا بها ولو مرة واحدة.

لكن كان هناك جانب آخر لهيرودس، فهو عندما كان صغيرا كان عرضة لنوبات طويلة من الاكتئاب الانتحاري، وعندما كبر وحصل على القوة تحول اكتئابه الي غضب قاتل يتم توجيهه بشكل عشوائي تقريبا الى الأصدقاء والأعداء. وكان معالجوه في منتهى العناية ان يخفوا تلك الفترات من الضعف عن الشعب، فعندما يختفي الملك عن الأنظار كانوا يقولون انه في رحلة للصيد.

عمل هيرودس ليكتسب احترام وتأثير شعبه وظلوا مع هذا يحتقروه وكان هو مدرك بشدة لتوقعاتهم وتكهناتهم بخصوص المسيّا كان هو الحديث الأكثر تداولا بينهم وفي انحاء البلاد. ربما فكّر هيرودس انه يمكنه ان ينال حصة في المطالبة بمصداقية لذلك اللقب.

لقد سكّ عملات تمثل اسمه مع نجم وهي كانت واحدة من العلامات العامة والمعروفة عن المسيّا

اما العلامة الثانية فكانت من جذع يسى. طبقا لحساب واحد فلقد وضع السؤال لمعلموا الشريعة

في اورشليم هل يمكنه ان يكون هو ذلك الذي تنتظره الأجيال منذ زمن؟

علماء الكتاب لاحظوا حديثا إتمام للكثير من النبؤات. يعقوب تنبأ بثبات حكم يهوذا والآن الملوكية قد عادت الى ارض اليهودية. وتنبأ دانيال بملك سيحكم بعد 70 أسبوع لسنوات والآن هنا في هيرودس كان ملكا قد وصل بالتمام في تلك اللحظة. بعض الإشارات كانت هناك ولم يمكن بعد لعلماء الشريعة والكتبة ان يستطيعوا ان يعطوا لأنفسهم الحق في اعلان ان هيرودس هو المسيّا.

كانت العقبة الكبرى والتي لا يمكن لأحد ان يتخطاها انه كان اجنبي المولد. كانت التوراه صريحة في ذلك الأمر”فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ.“(تثنية15:17).

عندما وصلت لهيرودس ذلك الرفض كان رد فعله سريع وبسيط فلقد ذبح أعضاء المجلس وحفظ

نفس رجل واحد اسمه Baba ben Buta بسبب انه له قيمة كمستشار ملكي وأيضا لكونه  كان اعمى لذا ففي المستقبل سيتعلم ان يخفف نصيحته لتكون في صالح  رغبات هيرودس.

مهما كان الأمر فلقد نجح هيرودس في اقناع البعض في مملكته. ان الرغبة في المسيّا كانت قوية حتى انه المرشحين للقتل يبدو انهم احسن من عدم وجود احد منهم، بجانب الم قد رتّب الملك داود لقتل أوريا الحثي والذي كان منافسه في العاطفة نحو بتشبع؟ اذا كان طلب داود الملك وما قام به شرعيا رغما عن جريمة قتل واحدة فهل يستطيع المسيّا الحقيقي ان يتم منح عدد قليل من بلده؟

نشأت فصيل عرفت ب الهيرودسيون Herodians الذين قبلوا ادعاء هيرودس للمسيانية وكانوا شيئ آخر عن كونه حزب سياسي ولكن اقل من ان يصبحوا فئة دينية. فهم جماعة، ليسوا طائفة دينية ولا حزبا سياسيًا، كما كان يظن الناس قبلًا، بل مجرد اتباع هيرودس الكبير Herod وخلفائه في فلسطين. غير أن صداقتهم لملكهم لم تجعلهم موظفين رسميين في بلاطه وكان لهم نفوذ واسع، وحاولوا إقناع الشعب بمولاة هيرودس وحلفائه ومولاة الرومان وحلفائهم ونظر إليهم الشعب المعادي للرومان ولهيرودس نظرة كره واحتقار. ولكن هذه النظرة لم تمنع الفريسيين أعدائهم من التحالف معهم ضد المسيح، فتآمروا معًا، الفريسيون والهيرودوسيون، ضد يسوع فيما بعد. لقد بقوا حتى بعد موت الملك هيرودس عندما وسعوا اللقب المسيّاني لمن خلفه.  الهيرودسيون ظهروا من حين لآخر في العهد الجديد( مرقس6:3و 12و 13 ، متى 16:22). طبقا للقديس جيروم والقديس ابيفانوس فالهيرودسيون ظلوا يعانوا ما بين اليهود على الأقل حتى أواخر القرن الرابع الميلادي منتظرين تبرئتهم.

بيت داود

ليس لدينا أي سجل لنعرف كيف ان بيت داود استقبل اخبار تلك الأحداث. نظرا لايمانهم

الراسخ عن مصيرهم الملكي لعائلتهم فانه من الصعب ان نتخيل القاء دعمهم خاف الملك

هيرودس. لا يوجد بعد دليل انهم دبروا تمرد او انقلاب على السلطة. لقد تحول هلوسة هيرودس الي جنون العظمة عبر الزمن وكان لديه العديد من الجواسيس في كل مكان في المملكة. ويتم مكافأة هؤلاء الجواسيس لاكتسافاتهم حتى يميلوا لكي يجدوا اي مؤامرات حتى ولو يكن هناك أي شيئ منها. تصرف هيرودس بناء على العدديد من الهمسات جالبا الموت للعديد من العائلات ولكن لم يوجد بعد أي سجلات لمذبحة ضد احفاد داود الملك، فمن الظاهر انهم لا توجد ضدهم أي تهديدات ذات مصداقية على الرغم انهم يمتلكون الادعاء الأكثر اقتناعا للعرش.

ربما ظهروا بانهم قِلة صغيرة وضعيفة او قدلم يجلبوا الانتباه مطلقا اليهم، لقد كرسوا انفسهم ان لا يقوموا باي تمرد لا طائل من ورائه ولكن العناية بكل هدوء لعائلاتهم وترك الأمر في يد الله.

اسلافهم الحديثين عاشوا تحت حكم البابليين والفرس اللذان لم يظهرا أي اهتمام باليهودية فكيف يكونوا أسوأ حالا تحت حكم هيرودس؟

انهم لم يستطيعوا ان يتجنبوا مطلقا الحديث عن المسيّا، التوقعات كانت عالميا ومحليا، فقدومه الوشيك كانت النقطة التي تبدو ان الفريسيين والصدوقيون والغيورين قد اتفقوا حولها -على الرغم من ان هناك بعض ظلال من الاختلاف.

في القرى التي كان يسكنها عشيرة داود الأمهات الحبالى كن يذكرهن بهدوء وبصورة دائمة ان الطفل الذي يليدونه قد يكون هو المسيّا المنتظر. الأطفال الصغار كبروا في الفضائل والمهارات التىعلى غرار اجدادهم الملوك. كان عليهم ان يكونوا شجعان في القتال مثل داود ويجب ان يكونوا حكماء ومدركين مثل سليمان ويجب ان يكونوا غيورين للعبادة الحقة مثل حزقيال. انه لن يكون مستغربا ان اجفاد صاحب المزامير قد تلقوا أيضا تدريبا في الموسيقى أيضا.

يوسف الذي من الناصرة ولد في تلك الأزمنة وولد لتلك الأوقات وبالتأكيد السؤال قد يتبادر من احد المقربين ليوسف هل يمكن ان يكون هو المنتظر؟

علماء الكتاب والقديسن لم يتفقوا على ميلاد يوسف متى كان، فالبعض يقول انه قد ولد قبل هيرودس ان يتولى العرش والبعض الآخر قال انه قد ولد عشرات السنين بعد ذلك. على أي حال نحن نعرف ان يوسف مات تقريبا ما بين 8 -30 بعد الميلاد وانه عاش جزء هام من حياته تحت حكم هيرودس، وربما انها كانت معظم حياته او جزء رئيسي من حياته او سنوات تكوينه. على أي الأحوال نحن نعلم ان مسارات هيرودس ويوسف كانت مقدر لها ان تتقارب.  

الإزدهار وثمنه

على الرغم من انه قد عانى من ازدراء رعاياه كان هيرودس في حياته معروف ب “هيرودس

الكبير او الغظيم”. عظمته في الأول كانت واضحة في قوة الاقتصاد. لم يكن يفتخر عندما قال:” بمعونة الله انا جعلت الامة اليهودية تتقدم لدرجة من السعادة لم تكن لها ابدا من قبل. حتى ولم تكن في حكم داود وسليمان فالشعب قد ازدهر بدرجة رائعة جدا. من خلال جهوده المدروسة حول المشهد ولم تعد بعد اليهودية تشابه قوة من الدرجة الثانية ولم تعد اورشليم تبدو كمدينة ذو مياه راكدة. ان الشعب يمكنهم ان يكونوا فخورين بحق بأرضهم وبالانجازات الأخيرة.

 لقد رأى هيرودس الطريقة التي حقق فيها الحكام الأجانب مكانتهم ونالوا تقديرهم بانهم تركوا انطباعا بقوتهم وذلك ببناء ثماثيل وأثار تخلدهم فأقاموا أبراج عالية ومسلاّت وأقواس، وجففوا مستنقعات وعلى ارضها بنوا المدرجات والمسارح وساحات السباق للترفيه لشعوبهم. وهكذا بنى هيرودس المدن حيث كانت من قبل قرى وبنى الساحات العامة بما فيها من شق لقنوات مائية وقلاع وخزانات وموانئ على الشواطئ وبني أيضا مجمعات كبيرة للاحتفالات وللاسواق. لم يكتفي هيرودس بالبناء داخل مملكته بل بنى خارجها وكان اشهرها شارع باسمه في انطاكيا مرصوف بالرخام وعلى جوانبه مصابيح واكشاك للسوق. اشتهر هيرودس بانه باني اكبر القصور واوسع الساحات واكبر الاروقة الملكية. كان اعظم تحفة له هي هيكل اورشليم والذي لم يبخل باي أموال في إعادة تشييده وتجميله فكان هذا هي فرصته العظيمة لإعلان تقواه نحو اله إسرائيل ويبرهن ان تحوله كان صادقا وانه في الحقيقة واحدا مع شعبه. لقد عيّن الالاف من البنائين الذين من عائلات تتصل بالكهنوت وكان رؤساء العمل الذي قام بتعيينهم يتأكدون ان الأيادي التي تعمل في بناء الهيكل من المكرسين لبناء او هدم او لمس تلك المباني المقدسة. في اقل من عامين من عمليات الانشاء الجزء الأكبر من ذلك المشروع قد أكمل وعلى اية حال استمرت تفاصيل لذلك العمل العظيم لمدة 80 سنة أخرى. كانت النتيجة عظيمة ورائعة ومنقطع النظير في العالم كله واندهش شعب اليهودية بهذا الإنجاز وسرّوا به. مع هذا مازالوا كانوا يحتقرون هيرودس على الرغم انه قلل الضرائب الى الثلث وكانوا يظهرون له الازدراء وعدم الحب.

انه من الصعب معرفة سواء ان كان اشمئزاز الشعب له قد زود شعور هيرودس بعدم الأمان ام شكّه من أي شيئ جعل الشعب يشمئز منه ولكن يبدو ان ذلك الشعور المتبادل بين هيرودس وشعبه استمر طالما هو حي. ان سياسة هيرودس الديبلومسية التي كان يظهرها في بعض الأحيان بدأت تنتهي في لحظة عندما تحول الأمر الى فيضان من العنف لا يمكن الرجوع عنه فلقد رتّب هيرودس في قتل ثلاثة من أولاده وواحد من اشقاء زوجته وحماته واكثر من احبهم من زوجاته العشرة.

مع ذلك بينما يستهزئ بالوصية الإلهية التي تنهي عن القتل فلقد جاهد هيرودس ان يحافظ على الاحتفالات اليهودية، وتجنب بحرص اكل لحوم الخنزير والأطعمة الغير مشروعة طبقا للشريعة ومع هذا فلقد قيل ان شخصية مثل تلك يصعب التكهن بتصرفاتها.   

ان معظم ما نعرفه عن هيرودس ما سرده المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي “يوسيفوس” والذي كانت له فرصة للإطلاع على كنز من السجلات الوثائقية وأيضا يمكن مطابقة ما جاء مع بعض ما كتبه بعض المؤرخين الرومان عن ملاحظاتهم وتعليقاتهم عن شخصية هيرودس وعلاقته مع مارك انطونيو واوغسطس قيصر.

نحن نعلم أيضا بعض الشيئ من التفاصيل عن هيرودس من الاصحاح الأول من انجيل متى، فهذا المصدر المسيحي المبكر يتوافق مع ما عرفناه وما جاء في كتابات المؤرخين. في متى وأيضا فيما كتبه يوسيفوس يظهر هيرودس كشخص مذعور ومهووس وغير آمن وغيور ويتميز بالعنف.

ومن قاموس الكتاب المقدس نجد الآتي: في العهد الجديد ذكر أربعة بهذا الاسم وكان ذلك أثناء الحكم الروماني على فلسطين. هيرودس الكبير (في قصة الميلاد) وهيرودس أرخيلاوس و هيرودس أنتيباس( في محاكمات

المسيح – يوحنا المعمدان) و هيرودس فيلبس الثاني و هيرودس اغريباس الأول( قتل يعقوب –

سجن بطرس – أكله الدود) و هيرودس اغريباس الثاني.

هيرودس الكبير: وهو الابن الثاني لأنتيباتر، الأدومي الأصل. وكانت أمه أدومية أيضًا لذلك لم يكن يهوديًا من ناحية الجنس مع أن الادوميين كانوا قد رضخوا للمذهب اليهودي بالقوة منذ سنة 125 ق.م. وكان قيصر قد عَيَّنَ انتيباتر Antipater the Idumaean حاكمًا على اليهودية سنة 47 ق.م. وقسَّم انتيباتر فلسطين بين أبنائه الخمسة وكان نصيب هيرودس في الجليل. وبعد أربع سنوات قُتِلَ انتيبار. فجاء ماركوس انطونيوس إلى فلسطين وعيَّن الابنين الأكبرين للعاهل المقتول على فلسطين. ثم قَتَلَ أكبرهما نفسه بعد ما أسره الفوتيون الذين هاجموا فلسطين. وهكذا خلا العرش لهيرودس. وفي سنة 37 ق. م. دخل القدس فاتحًا بمعونة الرومان. وقد تزوَّج هيرودس عشر نساء وكان له أبناء كثيرون. واشتد التنافس فيما بينهم على وراثة العرش وكان القصر مسرح عشرات المؤامرات والفتن. واشتركت زوجات الملك وأقاربهن في تلك المؤامرات والفتن. هذا إلى جانب المؤامرات التي حاكها هيرودس ضد أعدائه من يهود البلاط، وضد خصومه من حكام الرومان. فقد كان الملك المذكور قاسي القلب عديم الشفقة يسعى وراء مصلحته ولا يتراجع مهما كانت الخسائر. ولم يكن يهتم للحقيقة ولا ينتبه إلى صراخ المظلومين واشتهر بكثرة الحيل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى). وقتل عدة زوجات وأبناء وأقارب خوفًا من مؤامراتهم. غير أنه بنى أماكن كثيرة في فلسطين، مدنًا وشوارع وأبنية، لتخليد اسمه وانفق على ذلك أموالًا طائلة وأشهرها مدينة قيصرية التي بناها على شاطئ البحر المتوسط وسماها كذلك تكريمًا لاوغسطس قيصر ثم رمّم مدينة السامرة بعد أن تهدمت وسماها سباسطيا، أي مدينة اوغسطس وحصن القدس وزينها بالملاعب والقصور. وبدأ في ترميم الهيكل في القدس، وفي تزينيه.

ولد يسوع في أواخر أيامه، بعد أن كانت نقمة الشعب عليه، وخوفه من منافسة أعدائه، قد بلغت أشدها. ولذلك أسرع الأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم، حتى لا ينجو ابن داود، ولا يملك على اليهود ويتربع على عرشه (مت ص 2). ولكن الوقت لم يمهله كثيرًا. إذ مرض مرضًا خطيرًا، وسافر إلى شرقي الأردن للاستشفاء بحمامتها، ثم عاد إلى أريحا أسوأ مما كان عليه قبلًا. وهناك مات، وهو في السبعين من عمره، بعد ملك أربعًا وثلاثين سنة، وكأنه لم يشأ أن يودع الحياة على عكس ما كان في حياته. فأمر بقتل وجهاء القدس ساعة موته، حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد أحد السكان فراغًا ليبتهج بموت ملكه المكروه.

هيرودس أرْخيلاَوُس ابن الملك هيرودس الكبير: هو الكبير بين ولدين ولدتهما ملثاس زوجة هيرودس الكبير السامرية. وقد تعلَّم في رومية هو وأخوه أنتيباس وأخواهما الآخران من أبيهما وهما هيرودس وفيلبس. وبعد موت هيرودس الكبير سنة 4ق.م. أخذ أرخيلاوس الجزء الكبر من مملكته بما في ذلك اليهودية والسامرة. وقد أخمد أرخيلاوس ثورة لليهود اشتعلت في أورشليم في وقت عيد الفصح عقب ارتقائه العرش. وقد قتل حينئذ ثلاثة آلاف رجل. وبالرغم من المعارضة التي لاقاها من قادة اليهود ومن أخيه الصغير أنتيباس فإنه تمكن من أن ينال موافقة رومية على توليه العرش كحاكم لا كملك. وقد خلعه أغسطس قيصر من ملكه بسبب سوء حكمه، في سنة 6 ميلادية، ونفاه إلى فينّ في بلاد الغال. وبعد ذلك تولى الحكم في اليهودية والسامرة ولاة رومانيون من أمثال بيلاطس البنطي وغيره.

هيرودس أنتيباس | هيرودس الأول ابن هيرودس الكبير: هو الابن الثاني لهيرودس الكبير من زوجته الرابعة السامرية ملثاكي Malthace لذلك فإن نصفه أدومي ونصفه سامري. يدعوه يوسيفوس المؤرخ باسمي هيرودوس وأنتيباس. أما العهد الجديد فيدعوه فقط باسم هيرودوس. تثقف في روما، ثم عاد وعين حاكمًا على الجليل بينما نال أخوه وراثة العرش فتنافس وإياه طويلًا. وفي هذه الأثناء حارب بعض أعدائه، وبنى عدة أماكن، أشهرها مدينة طبريا. ولما جلس على العرش اتسعت مطالبه، حتى حملته امرأته على الذهاب إلى روما ليطلب أن يمنح لقب ملك. وهناك غضب عليه الإمبراطور كاليجولا Caligula ونفاه إلى ليون، ثم إلى إسبانيا وأنباء هيرودس أنتيباس ليست قليلة في الكتاب المقدس. فهو الذي تزوج بامرأة أخيه، هيروديا، ونال توبيخ يوحنا المعمدان حتى قطع رأسه وقدمه هدية لسالومة ابنة هيروديا وكان هيرودس واحدًا من القضاة الذين مثل يسوع أمامهم، وأخذ يجادل يسوع ويسأله. وذكر في الكتاب أن هيرودس هذا ظن أن يوحنا قد قام من الأموات وكان زمن ملكه من 4 ق.م. إلى 39 م.

فيلبُّس رئيس الربع | هيرودس فيلبس الثاني: فيلبس رئيس الربع على إيطورية وأحد ابنيّ هيرودس الكبير من زوجته كليوبترا الأورشليمية. وفي السنة الخامسة عشرة من ملك طيباريوس قيصر كان فيلبس رئيس ربع على مقاطعتي إيطورية وتراخونيتس، وكان ذلك عندما بدأ يوحنا المعمدان عمله. . وسع مدينة بانياس عند نبع الأردن ودعاها قيصرية. ثم دُعِيَت فيما بعد قيصرية فيلبس تمييزًا لها من قيصرية الواقعة في البحر. وحسّن مدينة بيت صيدا ورفع شأنها وجعلها في مستوى مدينة بالفعل، ودعاها جولياس تكريمًا لجوليا ابنة أوغسطس وزوجة طيباريوس. وكان فيلبس ذا أخلاق رفيعة، وساس شعبه بالعدل واللين (4 ق.م. – 13 م).

هيرودس أغريباس الأول | أغريباس الكبير: هو ابن ارسطوبولوس، وحفيد هيرودس الكبير وامرأته مريمنة. وقد عاش طويلًا في روما. ثم رجع وعين حاكمًا على بعض فلسطين سنة 39 م.، وأضيفت إلى منطقة نفوذه أراضي واسعة لرضى الإمبراطور كاليجولا Caligula. ومن أخباره في الكتاب أنه ذبح يعقوب أخا يوحنا بالسيف وسجن بطرس. ويروي الكتاب نهايته، فقد أكله الدود بعد أن ادعى الألوهية. وكان موته في سنة 44 م. وكان عمره عند ذاك 54 سنة.

هيرودس أغريباس الثاني | أغريباس الصغير: هو ابن هيرودس أغريباس الأول. وكان صغيرًا عند موت أبيه فرفض الإمبراطور تعينه في مركز أبيه. ووضع اليهودية تحت الوصاية. وبقي أغريباس يقيم في روما ويقوم بمعاملات اليهود هناك ويتوسط بينهم وبين الإمبراطور ويحل مشاكلهم، إلى أن نال أخيرًا لقب ملك، وضمت إليه بعض مناطق لبنان الداخلية واستمر ملكه في الاتساع إلى أن حكم نيرون فأضاف إليه مناطق كثيرة في فلسطين والأردن وأمامه خطب بولس وعرض قضيته. واستمر يملك حتى سقوط القدس فانتقل إلى روما، وهناك عاش مع أخته برنيكي التي كان يعاشرها كزوجة إلى أن مات سنة 100م.

القديس يوسف

لقد كبر القديس يوسف في غموض حتى نسبه غير واضح، فالعهد الجديد اعطانا سلسلتان من النسب ليسوع ويبدو من اول وهلة انهما متعارضتان عن تحديد من هو والد يوسف. القديس متى ينص على ان والد القديس يوسف يسمى “يعقوب”:” وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ.“(متى16:1)، بينما القديس لوقا يضع في قائمته اسم “هالي”: وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي”(لوقا23:3). لا هذا او ذاك من سلسلة الأنساب تعطي قائمة كاملة للأجيال بدون أي ثغرات وهكذا فانه من المحتمل ان احدهما او (كليهما) قد تخطوا ببساطة الأجيال التي تسبق يوسف مباشرة.

لكن لدينا مصدر آخر من احد المؤرخين اسمه Sextus Julius Africanus[7] الذى عاش في الأراضي المقدسة في القرن الثاني الميلادي ويقال انه كان على اتصال باسرة يسوع والقرى التي كان يقطنها اسلاف الملك داود. افريكانو كانت كتابته مسجلة مع اوسابيوس Eusebius  والذى كتب ان أم يوسف كانت ارملة لم تنجب من زوجها “هالي” الذي مات وطبقا للشريعة اليهودية فأخو “هالي” والذي اسمه “يعقوب” كان عليه ان يتزوحها ويقيم نسل لأخيه “هالي”: “ «إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، فَلاَ تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُل أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. وَالْبِكْرُ الَّذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ الْمَيْتِ، لِئَلاَّ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ. «وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَى الْبَابِ إِلَى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْمًا فِي إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلَّمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَالَ: لاَ أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا. تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَيْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ، وَتَخْلَعُ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ، وَتُصَرحُ وَتَقُولُ: هكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ».“(تثنية5:25-10)، وهذا ما جاء ذكره مرة أخرى في حوار الفريسيين مع يسوع:”  «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاَدًا، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلًا لأَخِيهِ.“(مرقس19:12). في مثل تلك الترتيبات المعروفة ب الزواج المرتفع كلا الرجلان الأخان يكونا معروفان بأنهما والدا الطفل.

الشيئ الآخر الذى جلب أيضا بعض المجادلات كان تاريخ ميلاد القديس يوسف وهذه المشكلة ارتفعت ليس من الانجيل ولكن بدلا من ذلك من الكتابات اللاحقة التعبدية والأعمال المسيحية الخيالية التى صدرت فيما بعد والتي كثير منها لم تعترف به السلطة الكنسية. ان العهد الجديد بيّن ان يوسف البالغ كان رجل القوة والحيوية، فلقد قام برحلة تقترب من الف من الاميال من اليهودية الي مصر مفترضا على الأقدام او بواسطة دابة هاربا من جحافل جنود هيرودس. ثلاث عقود بعد ذلك -مات يوسف ومازال كان معروفا من انه “النجار” تلك المهنة التي كانت تحتاج الي قوة جسمانية ولياقة:” أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟”(متى55:13) و “ أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ،”(مرقس3:6). اذا العهد الجديد اظهر بوضوح شهود في اتفاق من ان يوسف كان نجارا وتزوج وهو رجل شاب ليتحمل مسؤولية مريم وابنها.

في وقت لاحق جاءت المؤلفات الأبوكريفا التي لم تعترف بها السلطة الكنسية والتي كانت أساسا مهتمة بالدفاع عن حبل القديسة مريم البتولي. كانوا يريدون ان لا يتركوا أي مساحة من الشك ولذلك فقاموا بتصوير شخصية يوسف كرجل شيخ عجوز عاجز وفي حالة لا تمكنه من الانجاب. المستند البدائي لكي يؤكدوا ذلك كان الكتاب الشهير المعروف بانجيل مريم المكتوب في بداية القرن الثاني الميلادي وفيما بعد اطلق عليه لقب “Protoevangelium of James[8]. وتبع ذلك الكتاب كتب أخرى تم تاليفها فسميتبـ”الكتابات المزيفة” او الابوكريفا والتي سميت هكذا لأنها تنسب إلى كتَّاب لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقة من الرسل وتلاميذ المسيح. مثال لتلك الكتابات كتاب قبطي عن تاريخ يوسف النجار(كتب في القرن الخامس الميلادي ويحاول شرح طفولة المسيح خاصة في سن الثانية عشرة كما جاءت في إنجيل الطفولة ليعقوب) والذي يظهر يوسف كرجل عمره 91 عاما عند ارتباطه بمريم – ومعه احفاد كانوا اكبر من خطيبته مريم.

ان هذه الكتب الأبوكريفية فقد رفضتها الكنيسة لسببين:

(1) أنه لا يمكن أن يكون قد أوحي لكُتَّاب ممن عاشوا بعد عهد الرسل بحوالي 100 سنة، فقد كتب أقدمها حوالي سنة 150م، وكتبت جميعها فيما بين 150 و450م.

(2) لا يمكن أن يعتبر أي كتاب قانونيًا إلا إذا كان قد تم تسليمه من الرسل أنفسهم، وكانت قد قبلته كل الكنائس من الرسل وليس من غيرهم. وهذه الكتب الأبوكريفية كتبت، في معظمها، بعد انتقال الرسل من العالم بحوالي مئة سنة، ومن هنا أطلق عليها “أبوكريفا”، أي المزيفة لأنها نبعت أساسًا من قلب المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين، وكان هؤلاء متمسكين بها ومعترفين أنها خرجت من دوائرهم، لذا لم تحظ قط بالقبول لدى كل الكنائس، في الشرق أو الغرب

هناك عدة عوامل أدت إلى كتابة وظهور هذه الكتب الأبوكريفية من أهمها محاولة العامة والبسطاء من المؤمنين إشباع رغيتهم ولهفتهم لمعرفة تفاصيل الأحداث التي ذكرت في أسفار العهد الجديد بصورة موجزة؛ مثل تفاصيل أحداث ميلاد المسيح ورحلة الهرب إلى مصر وطفولته والتأكيد على لاهوته من خلال معجزات تبين مقدرته على كل شيء. بل ومحاولة البعض الدفاع عن عقائد مسيحية هاجمها اليهود مثل بتولية العذراء القديسة مريم وحبلها بالمسيح بالروح القدس، ودوام بتوليتها بعد ميلادها للمسيح، واتهام اليهود للمسيح بأنه ابن زنا. بل ومحاولة معرفة تاريخ العذراء نفسها وكيفية ولادتها وتربيتها كالممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك لها وحبلها بالمسيح. ومثل محاولة شرح موقف بيلاطس من المسيح، وإيجاد معجزات للمسيح وقت محاكمته لتبرر كونه ابن الله، ومحاولة شرح موقف كل من نيقوديموس ويوسف الرامي بعد الصلب والقيامة، خاصة وأنهما كانا من تلاميذ المسيح الخفيين، وموقف اليهود مما فعلاه أثناء دفن المسيح، فنيقوديموس وضع على جسد المسيح عودا ومرًا ثمنهما غالي جدًا، ويوسف الرامي دفنه في قبره الجديد الذي لم يكن قد وضع فيه أحد بعد. ومحاولة إيجاد تبرير لموقف كل من اللصين اللذين صلبا مع المسيح. وكذلك أيضا موقف اليهود من قيامة المسيح بصورة أكثر تفصيلا مما جاء في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة.

وكذلك ظهور الكتابات الدفاعية المسيحية التي دافعت عن العقائد المسيحية ضد اليهود والوثنيين والهراطقة من أبيونيين وغنوسيين وغيرهم. وبالتالي ظهور كتب تدافع عن نفس الأفكار ونسبتها لأشخاص لهم مكانتهم في الأحداث التي حدثت في الكنيسة الأولى، مثل إنجيل نيقوديموس أو أعمال بيلاطس. ويبلغ عدد هذه الأناجيل، نحو خمسين، ولكن لا يوجد في الكثير منها سوى أجزاء صغيرة أو شذرات متفرقة، ويوجد البعض منها مكتملًا أو ما يشبه ذلك. ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف الواحد. وقائمة تلك الكتب تتضمن الاتي[9]: الكتب المسماة بأناجيل الطفولة ) إنجيل الطفولة ليعقوب، إنجيل يعقوب الأولي– إنجيل الطفولة لتوما– إنجيل الطفولة المنحول باسم متى– حياة يوحنا المعمدان– تاريخ يوسف النجار
 إنجيل الطفولة العربيالكتب المسماة بالأناجيل المسيحية ذات الصبغة اليهودية ( انجيل العبرانيين- انجيل الابيونيين- انجيل الناصريين)، الكتب المسماة بالأناجيل الغنوسية والمانية(انجيل كيرنثوس-  إنجيل باسيليدس- إنجيل مركيون-  إنجيل أبيليس = إنجيل ماني)

، والكتب المسماة بأناجيل الأقوال والأخلاقيات (إنجيل توما– إنجيل المصريين اليونانيوالكتب المسماة بأناجيل الآلام ( إنجيل بطرس – إنجيل نيقوديموس | أعمال بيلاطسإنجيل برثولماوسأسئلة برثلماوس. والخلاصة أن هذه الكتب قد كتبت، في الأصل، لتأييد هرطقة من الهرطقات والادعاء بأن تعليمها رسولي، أو لتفصيل الأناجيل القانونية بإضافة إضافات أسطورية لإعطاء أهمية لبعض المفاهيم التي سادت بعض الدوائر الهرطوقية ولنشر وتأكيد أفكار هذه البدع.

تلك الرويات تم استبعادها باعتبارها خيالات حتى ولو كتبت بحسن نية وخضعت للكثير من

الفحص من آباء الكنيسة في ذلك الوقت وتبين ان لليس لها أي أساس من الصحة، وفي الحقيقة

القديس جيروم والقديس توماس الاكويني استنكروها وشجبوها بعبارات اقوى وآدلة دامغة.

نحن نعرف قليل جدا عن القديس يوسف من مصادر تاريخية يمكن الوثوق بها ولكن ما قد نعرفه يبدو انه سيسبعد فكرة انه كان رجلا عجوزا.

وهكذا سنمضي قدما من الافتراض انه قد ولد ونما اثناء حكم هيرودس. الانجيل قد استخدم الكلمة اليونانية “tekton  لوصف يوسف وهذا التعبير اكثر شيوعا ينطبق على العمال اليدويين الذين يعملون بالخشب والحجر او المعدن. التقليد التاريخي القديم يخبرنا ان يوسف وابنه يسوع كانا نجارين.

كما تعلم يسوع مهنة النجارة من يوسف لذا فمن المحتمل ان يوسف قد تعلمخا من ابوه، وهذه

عادة الطريقة للتدريب المهني والحرفي. المنزل او الاسرة من الحرفيين يكون عادة مؤسسة تجارية. يحفظ لنا كتاب التلمود والذي هو عبارة عن مجموعة شرائع الناموس اليهودي تقليد قديم يقر فيه

” ان الرجل الذي يحترف مهنة او صنعة عليه تعليم ابنه تلك الحرفة واي شخص لا يعلم ابنه المهنة فهو بهذا يعلمه السرقة”

ان يوسف قد كبر وهو يشاهد أعضاء من اسرته وهم يعملون بايديهم وفي تلك القرية الصغيرة من المحتمل ان رجال الحرفة الواحدة لهم منطقة عمل عامة معا مغلقة بواسطة جدران او مغطاة بمظلة. انه يبدو على الأرجح ان هؤلاء الحرفيين قد بنوا منطقة للعمل تحميهم من تقلبات الطقس.

من الطبيعي لم يكن هناك أدوات كهربائية وبناء عليه فكان على النجار ان يستخدم ذراع قوية وعيون حريصة ومهارة مع مختلف التطبيقات مثال المحاور والازاميل و المناشير وأدوات للحفر وشواكيش وانابيب وغيرها.

مهنة النجارة والقديس يوسف

النجارة من أقدم الحرف البشرية، لأنها صناعة تحويل الخشب إلى مواد لازمة وصالحة للإفادة منها، ولان الخشب معروف منذ أقدم العهود. ويظن أنها أقدم حِرفة على الإطلاق. وأول ذكر لها في التكوين في قصة بناء فلك نوح. كذلك استخدم اليهود نجارين ماهرين عند صنع أدوات خيمة الشهادة واستخدم كل من داود وسليمان نجارين من صور في بناء القصر والهيكل، وذلك لان صور كانت مركز صناعة بناء السفن، التي هي صناعة خشبية. وقد عرف أهالي لبنان الفينيقي بالمهارة في النجارة لتوافر أخشاب الأرز والسرو عندهم، ولحاجتهم للسفن التي كانت محور نشاطهم التجاري. وكان يوسف، خطيب القديسة مريم، نجار كما اوضحنا. ومن أدوات النجارة القديمة الفأس والمنشار والمسامير والمطارق.

من اجل الناس في قرية القديس يوسف فهو ومن المحتمل اقرباؤه كانوا يقوموا بتصنيع الأثاث

وبعض الأدوات الأساسية للفلاحة وغيرها من التي تستخدم في المنازل. الحوانيت الصغيرة للنجارة

يمكنها ان تقوم بعمل السواقي للري واسوار ومخازن للعلف. عادة مثل تلك القطع الصغيرة تأخذ

فقط جزء صغير من وقت النجّار. في المتاجر الكبيرة ربما يتم تكليف الشباب من الاسرة في

القيام بالاعمال التي تحتاج لمجهود كبير. مع نمو اعمال هيرودس وانشاءاته لمدن عديدة اصبح

الطلب كثير للعمالة اليدوية وخاصة اعمال النجارة والبناء وكانت مجموعات العمل تذهب بعيدا عن قراهم للعمل والعودة.

الطلب الشديد على الحرفيين كان متزايد اثناء طفولة يوسف وشبابه والنجارين من اليهودية كانت لديهم الفرص للسفر بعيدا للعمل في البناء ولكن أيضا كانت هناك اعمال كافية بالقرب من أماكن سكناهم. هيرودس الملك كان يقدر مهارات الرجال الذين كانوا يقومون بالعمل في الانشاءات والمباني فهم كانوا أساسيين لأعمال دعايته-ارثه ومكانته الدولية. وكان هيرودس معروفا بسخائه نحو الحرفيين وهناك ادلة ان الحرفي يمكنه ان يصبح غنيا في ذلك الزمن. واحد من معاصرين يوسف كان رجلا اسمه “سمعان باني الهيكل” والذي تم اكتشاف قبره الفخم مؤخرا.

في كل واحد من مشروعات اعمال بناء هيرودس كان النجارين مشغولون بأعمالهم قبل ان يلحق بهم الحرفيين الآخرين مثل البنائين وعمال الحفر. كان النجارين هم الذين يبنون العربات والسقالات والرافعات والسلالم والتي تسمح لباقي العمالة في العمل كل في تخصصه ثم يستمر النجارين في العمل في تثبيت القواطع والممرات وغيرها.

الحرفيين في عهد هيرودس الملك كان في استطاعتهم عادة التحدث بلغتان واحيانا بطلاقة فلغتهم الاصلية وهي الأرامية وكذلك اللغة اليونانية والتي أصبحت هي اللغة السائدة في التجارة والمعاملات الحكومية في منطقة البحر المتوسط. في فترات سفر هؤلاء الحرفيين من مكان لآخر

كانوا يتعرضون لثقافات مختلفة وحضارات تختلف كثيرا عما عاشوه او نشأوا عليها.

دعونا الان ان نتخيل ان يوسف ووالده كانا ذا مهارة في مهنتهم ويبدو ان يوسف كان معروفا

حتى بعد موته ب “النجّار” ولذا فيفهم من هذا انهم كان لديهم فرص كثيرة للعمل وقيامهم بالتعامل

مع العديد من العملاء سواء في قريتهم الناصرة او في المناطق التي قاموا بالعمل فيها.

ان السمعة الجيدة تكون ضرورية في العمل الحرفي فالمهارة والتفوق والأمانة تجلب الانتباه وذلك

الانتباه يجلب عملاء وضمان دخل للعائلة. على اية حال فالتفوق يجلب أيضا حسد ممن هم اقل مهارة. ان نظام حكم هيرودس كان يعتمد على البنائين والحرفيين ولكن أيضا على الجواسيس والمرشدين. مع ان هيرودس يقدر هؤلاء الحرفيين لكن الامر لا يخلو من الوشايات ضدهم فكان عمل هؤلاء يتأثر كثيرا في جو تلك الوشايات والمؤامرات وكان البعض يخفي مهارته هربا من ذلك الجو الخطر.

انه كان من الخطورة ان تعرف انك من سلالة الملك داود ولذا فكلا من يوسف وابوه كان معرضون للخطر. وشاية قد تصل لأسماع هيرودس حتى وهما ذا مهارة يدوية قد تودي بهم للهلاك. كان داود مع كل هذا راعيا للغنم عندما صموئيل النبي فرزه ودهنه ولكن في عصر هيرودس كان العمل يمثل تحديا بالغ الخطورة لسلالة داود.  

المجامع اليهودية والقديس يوسف

ان عالم القديس يوسف كان ليس مشابها عالمنا في معظم الاحوال ولكن الاكثر التفاتا ربما في وحدة الحياة. الدين لم يكن مجزأ والنشاط الديني لم ينزل الي مكان خاص او يوم معين من الاسبوع ولكن بدلا من هذا كان على نطاق واسع يلمس كل جانب من جوانب الحياة في المنزل وفي العمل.

من المؤكد انه كان هناك مجمع في الناصرة والخدمة كانت تقدم هناك في يوم السبت والليتورجيا تتضمن الصلوات وقراءات من الناموس والأنبياء وبعدها تفسير للكتب المقدسة من معلّم.

طقوس مهمة تاخذ مكانها في المجمع ففي اليوم الثامن لميلاد الطفل الذكر يتم ختانه هناك وعندما يقدر الصبي على القراءة يُسمح له ان يقرا لأول مرة من كتاب التوراة وبينما هو يقرأ ملعقة من العسل توضع على فمه حتى ان ذكرى تلك القراءة للناموس دائما تبقى حلوة. في عمر الاثنا عشر او الثالثة عشر الولد يفترض قيامه بكل واجباته الدينية التى جاءت في شريعة موسى من صوم وصلاة وحج ونشاط داخل المجمع.

يخدم المجمع ايضا كمكان للتجمع وفندق للمسافرين اليهود. الذي يحكم هذا المجمع ويديره كانوا

الشيوخ والكهنة وعادة قائد واحد يقوم بأعباء ادارة المجمع في اعماله اليومية. في عالمنا الحديث اليوم يختلف المجمع كثيرا اعتمادا على الانتماء الطائفي- ارثوذكس او محافظين او غيرهم. في العالم القديم كانت المجامع ايضا تختلف من قرية الى قرية اعتمادا على الحركة الدينية الن\منتشرة في تلك القرية سواء من الفريسيين او الصدوقيين اة الغيورين.

كانت العبادة قبل السبي تؤدي في هيكل أورشليم فقط وبعد السبي أصبحت العبادة في أورشليم مستحيلة وغير ممكنة في ذلك الوقت فنشأت فكرة المجامع في بابل ولقد أقيمت لا لتكون مكانًا للذبائح وإنما للتعليم الكتابي والصلاة فالذبائح كانت تقدم فقط في اورشليم فلا يوجد مكان آخر على الأرض يمكن ان تقدم عليه ذبيحة مقبولة الى اله اسرائيل. وكان المجمع في قرية عدد أصحاب بيوتها 120 فصاعدًا مؤلفًا من ثلاثة وعشرين شخصًا، وفي القرى الصغيرة من سبعة قضاة ولاويين أو ثلاثة أعضاء فقط. كان الرجال الذكور ملزمين بالحج ثلاث مرات في السنة الي اورشليم في الأعياد الكبرى عندما كان هناك الهيكل. لكن الصلوات الشخصية كانت تقدم في البيت أيضا بجانب المجمع وكانت قواعد التوراة هي التي تتحكم في نظام الاسرة والعمل واوقات التسلية وحتى في العلاقات الجنسية ما بين المتزوجين.

ان حكم هيرودس الكبير -الغريب بدرجة كافية-تزامن مع فترة الاحتفالات الدينية في البلاد. كان هناك معلمين يهود عظماء هما Hilled and Shammai احياء ونشطاء في اورشليم، ومع علمهما وتقواهما كانا مثالا لليهود في كل الأجيال وحتى ما بعدهما. مع إعادة بناء هيكل اورشليم جاء تجديد عظيم في الحياة الليتورجية – و تكثيف لخبرة الحج والذهاب لهيكل اورشليم كما تتطلب الشريعة.

الفريسيون اظهروا ثباتا في أيام حكم Hasmoneans وكانوا بلا خوف في معارضة للإساءات الدينية من الملوك واستمروا بشكل متقطع ان يكونوا مزعجين لهيرودس الملك. الغمشروع كل ريورين بطريقة غريبة وجدوا افضلية عند هيرودس فالمعاللم الذى كان يعلمه وهو صغير كان من ضمن حركة الرهبان من تلك الطائفة وكان هيرودس يقربه اليه كمستشار له اثناء حكمه. ظل الغيورين متطرفين ورفضوا مشروعية كل رؤساء الكهنة منذ بداية hasmoneans ورفضوا ان يعترفوا باي تغييرات طقسية قاموا بها هؤلاء الكهنة ومع هذا احتفظوا بنتائجهم واعيادهم ومواعيدها وطقوسها حسب طريقتهم. وجعلوا الحج الى اورشليم ولكنهم لم يشتركوا في الذبائح التى كانت تقدم في هيكل اورشليم. عدد من طائفة الغيورين كانوا يعيشون في تجمعات في الصحراء بجوار البحر الميت، وكانت تلك التجمعات تتبع نظام نسكي متشدد وكان يشمل كلا من البتوليين والمتزوجين.

عدد كبير من الباحثين يعتقدون ان اسرة يسوع كانت على اتصال بهؤلاء الغيورين. القديس يوحنا

المعمدان قد قضى بعض الوقت في الصحراء وشارك تطلع فئة الغيورين في البتولية وانتظار المسيّا. يوسف ومريم اقتربا ايضا في ارتباطهما بطريقة تبدو متفقة مع فكرة البتولية عند الغيورين. ان اجابة مريم للملاك في البشارة تبدو مقبولة فقط اذا ما كانت قد قررت ان تحفظ بتوليتها طيلة حياتها ولذا فهي قالت:” كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا”. بمراجعة ادلة بعض علماء الأثار مثل Bargil Pixner الذى انتهى بان اسرة يوسف لها ارتباط قوي ووثيق مع حركة الغيورين وايضا وصل لنفس النتيجة John Bergsma في كتابة عن يسوع ومخطوطات البحر الميت.

انه من المؤكد ان يوسف قد كبر مع الوعي الشديد بقرب قدوم المسيّا مع احتمالية ان المسيّا سوف يأتي من عائلة يوسف خاصة، وايضا قد نما مع خيارات مهنية عليه ان يفاضل بينهم ويختار لنفسه.

في سن المراهقة المبكرة كان من المتوقع ليوسف ان يعيش ايمان الكبار ومن المحتمل ايضا انه كان له حصة في دخل العمل الذى كان يدعم الاسرة. حتى مع العمل للشباب الذى كان لستة ايام بمشقة كل اسبوع مع راحة يوم واحد وهو يوم السبت والذى كان مراقب بصرامة شديدة، فهذا اليوم كان محفوظ بكامله للصلاة واوقات فراغ تأملية ولا شيئ يسمح لأي عمل او شبه عمل.

كان الزواج مرتب بواسطة الوالدين مع نصيحة من اقارب بالغين مع الحصول على موافقة المختارين للزواج لكي يرتبطوا. لقد أكد Samuel Sandmel في كتابه بدايات اليهودية والمسيحية ان هناك فرق مابين فكرة الزواج في القديم والحديث فبين اليهود في القرن الاول الميلادي ينظر للزواج على انه ارتباط رسمي مرتب ما بين العريس والعروس وعائلاتهم. الحاخامات اليهود في القديم كانوا ينصحون للرجال بالزواج عن عمر 18 سنة والبنات ان يتزوجن بعد فترة قصيرة من بلوغهن.

عادة يتم اختيار الشريك من الاقارب او من القرية وهذا يؤكد التشابه الاساسي للنظم والتقاليد والعادات والقيم والمفهوم الديني في قرية صغيرة مثل الناصرة كل الناس الشباب يعرفون بعضهم البعض جيدا و عندما يبلغون اكبر سنا يتزوجون وعدد السكان في ذلك الوقت كان قليل لا يقارن بأيامنا الآن. احيانا يقوم الأهل بترتيبات الزواج عندما يكون اطفالهم صغارا وبعد عدة سنوات يبدأوا في اجراءات الزواج والذى يبدأ بحفل الخطوبة.  العائلات المتداخلة في ذلك الارتباط سوف يكتبون شروط رسمية وتحديد الهدايا والممتلكات التى تتضمن في عقد الارتباط. بعد الخطوبة هذا الارتباط يمكن حله بالطلاق. الزواج يكون نهائي وعادة يكتمل فقط بعد احتفال يسمى kiddushin او المقدسات.

انه من المحتمل ان يوسف ومريم قد عرفا منذ شبابهما انهما مخصصان لبعضهما البعض، وايضا من المحتمل انهما كانا متأثران ببتولية جماعة الغيورين وانهما قد قررا البقاء في تلك البتولية حتى اذا ما ارتبطا بالزواج.     

الزواج وسط الجنون

بعد ان تخطى هيرودس سن الستين عاما زادت امراضه الجسدية والنفسية بصورة أشد، فلقد كتب معاصروه اعراض امراضه بصورة دقيقة وتفصيلية مرعبة جعلت المؤرخين الاطباء في عصرنا الحتاي ان يمكنهم من ان يستعملوا تلك المستندات لتشخيصه عبر آلاف السنين.  البعض توقعوا انه كان يعاني من تصلب للشرايين والتى تعني تصلب وضيق في جدران اوعيته الدموية وكان هذا الامر منتشر في تلك الأيام كما هو حادث الآن ولكن لم يكن له علاج. في نهاية الستينات من عمر هيرودس يبدو انه قد عانى من مرض في الكلى مزمن والذى جعله يهرش في كل جسده بصفة مستمرة وهذا فيما بعد ربما زاد الامر تعقيدا بان اصيب بامراض جنسية تركته يتألم في اواخر سنوات حياته.

عقليا لم يكن ابدا في حالة جيدة فمنذ شبابه كان مجرّب برغبته في الانتحار وكان في بعض

الاحيان يسقط في حالات صمت وذهول حادة ولقد عانى من جنون العظمة والتى تغذت اكثر من المتآمرين والجواسيس، وجنون العظمة هذا قاده الى الشراهة لأعمال العنف والقتل. من كل تلك الحالات يبدو ان قتله الى زوجته الثانية التى كان يحبها واسمها Mariamne اسقطته الى هاوية الاكتئاب والشعور بالذنب والذى لم يتمكن ابدا من التخلص منه. ان سنوات حكم هيرودس الملك الاخيرة كانت مليئة بالغضب والألم على كل فرد كان يعيش بالقرب منه حتى على نفسه.

بينما يوسف ومريم يستعدان للزواج كانا متأكدان فرحين بالعيش في آمان في الناصرة والتى كانت تبعد اكثر من 150 ميل من عاصمة هيرودس وحتى بعيدا عن حصنه الخاص حيث سيذهب اليه عند حالة تقاعده او عندما تزداد حدة موجات جنونه.

بصعوبة اتما يوسف ومريم مراسيم الخطبة ومع ذلك بدأت أشياء غريبة ان تحدث، فلقد استقبلت مريم الفتاة الصغيرة زيارة من ملاك. طبقا لتقليد قديم تمت تلك الزيارة بينما مريم تسحب بعض الماء من البئر الموجود بالقرية. لقد اوضح الملاك لمريم من انها قريبا ستحبل بقوة من الله العليّ وان طفلها سيدعى ابن الله وانه في الحقيقة هو المسيّا:” هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».“(لوقا32:1-33).

ان كلمات الملاك قيست بكل دقة لتقابل التوقعات التى هي معروفة لأي فرد مولود من بيت داود والشهود القدامى كانوا بالإجماع في شهاداتهم ان مريم مثل يوسف كانا من نسل الملك. اصل القديسة مريم كان على اية حال من اصل كهنوتي وملوكي، لقد دل انجيل القديس لوقا بقدر ما في الآيات التى تلت بشارة الملاك ان مريم كانت تستعد لزيارة نسيبتها الحبلى اليصابات واليصابات كانت متزوجة من كاهن اسمه زكريا والذى كان يخدم المذبح في هيكل أورشليم. رحلة مريم اذن ستأخذها الى عين كارم وهي قرية في التلال خارج العاصمة اورشليم. ان تلك الرحلة من المؤكد قد استغرقت عدة ايام بالأقدام واحيانا على الدواب. كان المسافرون يجدون اماكن للراحة في الطريق في اماكن المجامع المقدسة والتى يمكنهم المبيت فيها. ان مريم من المؤكد انها قطعت تلك المسافة من قبل وان الرحلة كانت مألوفة لديها ويبدو بما ان مريم كانت مخطوبة ليوسف انه من المحتمل قد صاحبها في تلك الرحلة لحمايتها ثم عاد الى الناصرة بعد ان اوصلها لبيت زكريا

واليصابات.

ان يوسف كان قريب لمريم ولقد كان صديقها الموثوق به لسنوات وايضا كان خطيب لها وبالفعل ملزم بها قانونيا طوال حياتها وقيل انه كان من الصعب على مريم اخفاء اخبارها عنه. فهل من المحتمل ان تبوح له بسر البشارة وما قيل لها من قِبل الملاك؟

الحلم العجيب

 لكي نتفهم ما حدث بالفعل عندما علم يوسف بحبل مريم بعد عودتها من زيارة اليصابات وبيت  زكريا الكاهن فعلينا التأمل في رد فعل يوسف والذى جاء انه “هّم ان يخليها سراً” والذى كان محل مجادلة في السنوات الأولى من بدء المسيحية.  في العهد الجديد جاءت تلك الآيات:

 أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا”(متى18:1-19). ان السرد او النص الذي جاء يعطي انطباع خاطئ للحقائق وافعال الإرادة، فأي قارئ سيفترض ان يوسف يجب ان يكون قد تحمل سيل من المشاعر المتباينة عندما يواجه قراره، وان هناك اشارة لوجود مأساة او صراع داخلي ربما دار في نفس يوسف لا يمكن تخيله ولكن ما الذى في الحقيقة كانت مشاعر يوسف؟ ماذا كانت المأساة؟ ما هو الاختيار الذى يمكن ليوسف ان يأخذ به لكي يحل المشكلة ويقوم بطلاق مريم وفسخ اي ارتباط؟

ان المفسرين عبر العصور قد افترضوا ثلاث طرق للإقتراب لفهم ذلك النص المبهم:

  1. نظرية الاشتباه  2- نظرية الحيرة  3-نظرية التقديس

فدعونا نفحص كل نظرية منهم بالتدقيق وباختصار.

1.نظرية الاشتباه The Suspicion Theory– في ذلك النص كما جاء عندما نقرأ انجيل القديس متى فالقديس يوسف اشتبه بأن مريم كانت غير مخلصة وغير امينة ولذا فيوسف قد دمر نفسيا ولكن ظل حبه لمريم عظيما وانه لا يستطيع ان يتحمل فكرة مواجهة مريم للعار والفضيحة امام الناس او عقوبة الموت حيث ان خطية الزنا هي جريمة يعاقب عليها بالإعدام بالرجم. قرر يوسف ان يطلق مريم كما تسمح الشريعة حتى اوقفه ملاك الرب من الاتجاه في ذلك الفعل.

2. نظرية الحيرة The Perplexity Theory– طبقا لتلك النظرية لم يستطع يوسف ان يفهم ما الذى حدث وهو لا يصدّق ان مريم تستطيع ان تكون غير امينة، وان حبلها لا يمكن انكاره بعد وهو يخضع الى عقوبات قانونية ولما كان يوسف رجلا “بارا” كما وصفه الكتاب المقدس وجد الحلّ والذي فيه يحترم الشريعة ولكن يحفظ مريم ايضا. الملاك في القراءة التى وردت في انجيل متى قدم المعلومات ليوسف التى كان يفتقر اليها وساعدته ليضع خطة للمضي قدماً.

3. نظرية التقديس The Reverence Theory – هذه النظرية الثالثة تظهر يوسف كرجل طغت عليه الرهبة عندما علم بحبل مريم الاعجازي بلا دنس. من البداية عرف تدخل الله الفردي” وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”، شعر يوسف وقتها انه غير مستحق ان يكون متدخلا ولذا فلقد قرر انه سوف سيتعاون بقدر الإمكان بحفظ سر مريم ولمدة كافية ليحمي مريم وعندئذ يتركها بهدوء. في نص انحيل متى كان اول فعل ليوسف مشابه للقديس بطرس الرسول عندما قال ليسوع:” «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي”( لوقا8:5)، او لقول قائد المئة:” لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي.“(لوقا6:7). على الرغم من هذا اقنع ملاك الرب يوسف ان يضع جانبا خوفه.

ان كل نظرية من تلك النظريات الثلاث يقف وراءها قديسون وعلماء الكنيسة، فمثلا القديس يوستين الشهيد St Justin Martyr والقديس اغسطينوس St Augustine of Hippo كان من انصار ومؤيدي النظرية الأولى، والقديس جيروم St Jerome فكان مع النظرية الثانية، بينما القديس توما الاكويني St Thomas Aquinas و القديس برنارد ٍSt Bernard of Clairvaux والقديس St Josemaria Escriva فكانا مع النظرية الثالثة.

القديس توماس الاكويني كطريقته المعتادة لخّص التقليد التفسيري مستعينا بما كتبه العلامة أوريجون Origen  والقديس جيروم فقال:” ان يوسف لم يتوقع الزنا فيوسف يعلم بتواضع مريم

ولقد قرأ في الكتاب المقدس ان “العذراء ستحبل” وان “المخلص يسياتي من جذع يسّى” واكثر من هذا فهو يعلم ان مريم من سلالة داود وهكذا اصبح اكثر تصديقا انه يمكن اتمام الوعد عن طريقها اكثر من انها يمكن ان ترتكب اي زنا، وهكذا مؤمن من انه غير مستحق ان يحيا مع مثل تلك القداسة ورغب ان يخليها بهدوء كما قال فيما بعد القديس بطرس الرسول:” «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ“. هكذا لم يرغب ان يجلب العار لها-وهذا ان تكون له وان يأخذها زوجة مؤمنا انه غير مستحق او طبقا لرأي آخر لا يعرف النهاية ولئلا يوجد انه مدان اذا جاز التعبير اذا ما احتفظ بالسر وظل معها”

ان الكنيسة الكاثوليكية لم تأخذ موقفا رسميا في تفسير النص المختصر الذى جاء في انجيل متى ولكن الغالبية من المسيحيين يميلوا للنظرية الثالثة الخاصة بعدم الاستحقاق.  

 صلاة: ايها الاب الجليل والشفيع القدير انني عندما اتلفظ باسمك الحلو اشعر في قلبي بفرح وعذوبة  لا يوصفان فاسمك يا قديس يوسف هو صلاة بفمي اذا لفظته باحترام وثقة بنويين وبه انال كل ما ارغبه من مراحم العلي . فانعم علي بان اترنم باسمك الكريم طول حياتي. آمين.

المسبحة والطلبة.

الميلاد

يبلغنا القديس لوقا البشير في انجيله ان وقت مريم لتلد جاء مع توقيت الاكتتاب الذى قيل انه للمسكونة “ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ ” (لوقا1:2). في العهد القديم كما اليوم كان الاكتتاب معروف واداة مفيدة لأجل فرض الضرائب وتخصيص الخدمات العامة. كانت هناك مع ذلك لا توجد وسائل ميكانيكية للسجلات وتجميعها ونقلها او استرجاعها وبهذا فالطريقة يمكن ان تمتد لعدة سنوات.

الاكتتاب عادة يتم على مرحلتان، ففى الاولى يوجد التسجيل للأرض والممتلكات وملكيتها، وفي الثانية تقدير ودفع القيمة المطلوبة. لقد داء في انجيل القديس لوقا ان هذا الاكتتاب جاء بناء على امر من اغسطس قيصر وان “ وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. كان كيرينيوس الذى كان قائدا عسكريا في المنطقة في بداية عام 9 ما قبل الميلاد وفي عام 6 ما بعد الميلاد نفس كيرينيوس كان حاكما على سورية وهو الذى يشرف على الاكتتاب.

انه يبدو ان مريم ويوسف قد قاما برحلتهما اثناء المرحلة الاولى للإكتتاب والقديس لوقا في انجيله يذكر ان مواطنون المملكة اليهودية عليهم ان يسجلوا اسماءهم بناء على اصل عشيرتهم

فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ.فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ”

وهكذا ذهب يوسف ومريم لكونهما من سلالة الملك داود الى مدينة داود “بيت لحم”. كتب احد مفسروا الكتاب المقدس ان التسجيل في عملية الإكتتاب كان ملزم للممتلكات واصحابها وبناء على ذلك فيوسف من المؤكد ان كان له ممتلكات في بيت لحم.

مهما كان السبب في ذهاب يوسف ومريم لبيت لحم فلقد كانت الرحلة شاقة وخاصة في مراحل الحمل المتأخرة، ومع ذلك فلقد جلبت الظروف الضرورية في تحقيق توقعات شعب اسرائيل:

«أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ».“(ميخا2:5)، “أَلَمْ يَقُلِ الْكِتَابُ إِنَّهُ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، وَمِنْ بَيْتِ لَحْمٍ، الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ دَاوُدُ فِيهَا، يَأْتِي الْمَسِيحُ؟» “(يوحنا42:7)

وهكذا فالطفل يسوع قد ولد على ما يبدو انه بالصدفة في مكان الوعد” وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَد”(لوقا6:2-7).ِ

مع هذا الذى تم وعد اسرائيل به بدأ هذا الشعور بالخوف يظهر من هيرودس الملك، فوصول الطفل يسوع تصادف مع انحطاط الحالة الصحية والعقلية لهيرودس.

انها واحدة من المراوغات التى كتبت في التاريخ والذى فيه يتم وضع علامة لسنة ميلاد يسوع ب “ما قبل الميلاد BC”، ونظامنا في التسلسل الزمني تم وضعه في القرن السادس بعد الميلاد بمعرفة راهب اسمه ديونيسيوس Dionysius Exiguus ولكنه اساء التقدير بعدة سنوات فمعظم علماء الكتاب المقدس اليوم يضعون مولد يسوع ما بين عام 7 الى 4 ما قبل الميلاد وموت هيرودس كان في عام 4 ما قبل الميلاد.

كان هيرودس في سنواته الأخيرة اكثر جنونا حتى انه قتل اكثر من 300 من قادة جيشه وفي نفس الوقت اصدر اوامر بقتل احد ابناؤه وايضا امر بحرق اثنان من الرابيين اي علماء الشريعة وهم احياء وبعدئذ امر بأن كل تلاميذهم واتباعهم ان يقتلوا.

هذا هو هيرودس الذى استقبل المجوس من المشرق” وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي

أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ». حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». (متى1:2-8)

كما جاء في انجيل القديس متى  سنجد على الرغم من حدة جنون هيرودس لكنه احتفظ بعض الشيئ بهدوءه الديبلوماسي وايقن ان هؤلاء المجوس يمكن ان يكونوا خير مرشد ليجدوا الصبي ويخبروه فطلب منهم ان يجدوه ويخبروه.

لكن المجوس قرروا ان لا يعودوا الى هيرودس “ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.“(متى 12:2). عندئذ تقدم هيرودس الى خطوته المعتادة “حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ.“(متى16:2).

في تلك المذبحة التى نفذها هيرودس لم تعد من افظع اعماله حتى ان المؤرخ اليهودي يوسيفوس اعتبر انه لا تستحق ان تذكر. علماء الكتاب المقدس قدروا ان 20 طفلا هم الذين يمكن ان ينطبق عليهم ما وصفه المجوس في تلك المنطقة ولكن من قتل كان اكثر من هذا. في سنوات هيرودس الأخيرة تجمع الى اكثر 7 جرائم قتل كان من الصعب ملاحظتها ولكن كانت مذبحة بيت لحم اكثرهم صدى:” حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ:  «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ»“(متى17:2-18).

على مدار العديد من تلك المحن قرر يوسف بحكمة وبارشاد ملاك الرب ان يترك اليهودية:” إِذَا

مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا

وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ.“(متى13:2-14).

يوسف وملائكته

ان الصعوبة في رسم شخصية يوسف من الناصرة هى ان الكتاب المقدس لم يظهره مطلقا يتكلم ولم يقل ابدا نعم او لأ ولم يعمل اي اشارة بيده او رأسه، وليس فقط انه لم يظهر انه يتكلم فالاناجيل لم تظهره حتى انه يتكلم مع اي شخص بشري حتى مع زوجته مريم وابنه يسوع. لا يوجد انسان بشري تكلم معه لكن اربع مرات تكلم ملاك معه.

التقليد المسيحي الكنسي اهتم كثيرا ببشارة مريم حتى ان الكنيسة خصصت يوما للإحتفال بعيد البشارة والذى يقع يوم 25 مارس من كل عام وايضا خصصت صلوة عن تلك البشارة اسمها صلاة التبشير الملائكي.  ولكن بشارات يوسف هي ايضا ذات قيمة تستحق التدقيق بالتأكيد

لكونهم يكشفون شيئاعن شخصيته وايضا لكونهم يكشفون شيئا عن الملائكة.

الأناجيل تظهر تقريبا كل حلقة من حياة يوسف كما لو انها مرتبطة بلقاء مع ملاك. اول حدث ظهر بعد ان اكتشف ان مريم حبلى وهو يعلم انه لم يكن هو اب لذلك الطفل، وبعد ما يكون ذلك الوقت هو وقت عصيب اسنمر لساعات او أيام فنحن لا ندري – هو قرر ان يخليها اي يطلقها سرا عندما في النهاية ارهق واستسلم للنوم بعد مداولات مع نفسه والصلاة.

وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ”(متى20:1-21). اعطى الملاك ليوسف المعلومات التى لا يمكنه وحده ان يكتشفها واعطاه تعليمات صريحة عما ما يلزم ان يفعله فعليه ان يبقى على ارتباطه بمريم ولا يفسخ هذه الزيجة وان عليه ان يسميً الطفل ليس كأي اسم عادي او تقليدي في زمانه وان الطفل لا يسمى لوالده او جده ولكن بدلا من ذلك يعكس مهمته التى ولد من اجلها فيجب ان يسمى يسوع او يشوع والذى يعني “الله يخلص”. اذا انه من حق يوسف ان يسمى اسم الطفل ولكن كان الملاك هو الذى أوصل الاسم ليوسف. لم تكن هذه مساهمة صغيرة فكل مسيحي عبر التاريخ مدين للملاك بديون لا تحصى ففى كل مرة يدعون المسيحيين اسم يسوع فانهم قد دعوا بالاسم الذى كشفه الملاك.

ظهر الملاك لثاني مرة ليوسف بعد ميلاد الطفل:” وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ”(متى13:2). هذا الظهور الثانى هام لعدة أسباب فهو يظهر مرة أخرى ان الملاك خدم يوسف كمرشد ولكن ايضا كحارس.  لقد استقبل يوسف مساعدة سماوية لكي يعرف ما هى الخطوة التالية ولكن ايضا حصل على تحذير شديد عن ما الذى يجب ان يتجنبه ويهرب منه. لقد قال الملاك ليوسف ان رجلا يملك اكبر قوة في عالمه في ذاك الزمن ملك مجنون وقاسي هو هيرودس الملك الذى يبغي وينشد الطفل يسوع لكي يقتله. ان هيرودس لديه جيش تحت امره ولديه السلطة فوق اي قرية صغيرة او صحراء او اي بقعة قد يحاول يوسف ان يختبئ فيها. ان المذابح كانت السِمة الغالبة ابان حكم هيرودس، لهذا فهذا الامر شديد الخطورة وجاد، وكيف كان من الممكن لشخص مثل يوسف ان يكتشف مثل ذلك الخطر؟ ان يوسف لم يكن الا نجار من عامة الناس ولم يكن من هؤلاء الذين يشاركون هيرودس حفلاته في قصره ولم يكن له اصدقاء من القضاة او ذو مكانة.

لكن السماء تأكدت ان يوسف لم يكن لديه اي فرصة لكي يدرك الخطورة لذا ففى الزيارة الثانية من الملاك قيل ليوسف ما الذى يجب عمله والى أين يذهب وبالفعل فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ”(متى14:2).

الزيارة الملائكية الثالثة ليوسف أتت بعد سنة او سنتان كما جاء في انجيل القديس متى:” فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ».” (متى19:2-20). هنا مرة أخرى ظهر الملاك ليوسف كحارس ومرشد لكي يحضر العائلة المقدسة الى موطنهم في الأرض المقدسة سالمين لأن الأرض المقدسة كانت في انتظار لمخلصها وللمسيا الذى سيحررها ويخلصها. ان المهمة في ظهور الملاك الثالث تستمر في الزيارة الرابعة والتى حدثت عندما يقود يوسف العائلة في رحلة عودتهم:” وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ.“(متى22:2).مرة اخرى اخيرة واجهت العائلة المقدسة خطرا ولكن شكرا لذلك الانذار الذى اتى من ملاك يوسف- انذار جاء في حلم.

ان تلك المشاهد القليلة هي هامة لأنها تعطينا كل شيئ تقريبا نعرفه عن الرجل الذى اختاره الله ليحرس ابنه الوحيد وتقول لنا كل شيئ عن البطل الذى جاء عنه في الانجيل انه “بار” والتى تعتبر اعلى مديح يمكن للأنسان ان يحصل عليه خاصة في القرن الأول الميلادي.

يوسف وتكريم الملائكة

تدلنا الظهورات الأربعة لملاك الرب لكي نعرف شيئا عن ذلك الرجل الصامت والذى كان مكرسا لله ولملائكته متبعا ومنصتا ومطيعا لما تأتيه ملائكة الله له من وحي ورسائل وتعليمات. لم تذكر لنا الأناجيل ايضا ان يوسف كان مندهشا او خائفا من ظهور ملاك كما نراه مع انبياء سبقوه مثل بلعام:” ثُمَّ كَشَفَ الرَّبُّ عَنْ عَيْنَيْ بَلْعَامَ، فَأَبْصَرَ مَلاَكَ الرَّبِّ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ فِي يَدِهِ، فَخَرَّ سَاجِدًا عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ: «لِمَاذَا ضَرَبْتَ أَتَانَكَ الآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ؟ هأَنَذَا قَدْ خَرَجْتُ لِلْمُقَاوَمَةِ لأَنَّ الطَّرِيقَ وَرْطَةٌ أَمَامِي، فَأَبْصَرَتْنِي الأَتَانُ وَمَالَتْ مِنْ قُدَّامِي الآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ. وَلَوْ لَمْ تَمِلْ مِنْ قُدَّامِي لَكُنْتُ الآنَ قَدْ قَتَلْتُكَ وَاسْتَبْقَيْتُهَا». فَقَالَ بَلْعَامُ لِمَلاَكِ الرَّبِّ: «أَخْطَأْتُ. إِنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّكَ وَاقِفٌ تِلْقَائِي فِي الطَّرِيقِ. وَالآنَ إِنْ قَبُحَ فِي عَيْنَيْكَ فَإِنِّي أَرْجعُ».“(عدد31:23-34)، ودانيال:” رَفَعْتُ وَنَظَرْتُ فَإِذَا بِرَجُل لاَبِسٍ كَتَّانًا، وَحَقْوَاهُ مُتَنَطِّقَانِ بِذَهَبِ أُوفَازَ، وَجِسْمُهُ كَالزَّبَرْجَدِ، وَوَجْهُهُ كَمَنْظَرِ الْبَرْقِ، وَعَيْنَاهُ كَمِصْبَاحَيْ نَارٍ، وَذِرَاعَاهُ وَرِجْلاَهُ كَعَيْنِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ، وَصَوْتُ كَلاَمِهِ كَصَوْتِ جُمْهُورٍ. فَرَأَيْتُ أَنَا دَانِيآلُ الرُّؤْيَا وَحْدِي، وَالرِّجَالُ الَّذِينَ كَانُوا مَعِي لَمْ يَرَوْا الرُّؤْيَا، لكِنْ وَقَعَ عَلَيْهِمِ ارْتِعَادٌ عَظِيمٌ، فَهَرَبُوا لِيَخْتَبِئُوا. فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَرَأَيْتُ هذِهِ الرُّؤْيَا الْعَظِيمَةَ. وَلَمْ تَبْقَ فِيَّ قُوَّةٌ، وَنَضَارَتِي تَحَوَّلَتْ فِيَّ إِلَى فَسَادٍ، وَلَمْ أَضْبِطْ قُوَّةً. وَسَمِعْتُ صَوْتَ كَلاَمِهِ. وَلَمَّا سَمِعْتُ صَوْتَ كَلاَمِهِ كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي، وَوَجْهِي إِلَى الأَرْضِ”(دانيال5:10-9) ان كلا الرجلان سقطا الى الأرض في خوف وحتى دانيال وقع مغشيا عليه. ولكن مثل الأنبياء كان يوسف منفتحا لنصيحة الملائكة وحتى عندما قرر شيئا ما ولكنه ترك كل خططه فجأة وببساطة بسبب ما دفعه اليه ملاكه. ان هذا الاستعداد الهادئ لهو محير وغير عادي ضمن تاريخ ابطال اسرائيل ويعكس بعض الشيئ عن حياة يوسف السابقة في الصلاة.

ان اكرام الملائكة كان شائعا في وقت يوسف ونرى ذلك في العهد الجديد-في الاناجيل وسفر اعمال الرسل وفي الرسائل وفي سفر الرؤيا. يتكلم القديس لوقا عن الاهمية العامة للملائكة بلفت انظارنا لكي نعرف ان طائفة الصدوقيين كانوا هم الوحيدين في ذلك الوقت الذين لم يكونوا يؤمنون بالملائكة” لأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ قِيَامَةٌ وَلاَ مَلاَكٌ وَلاَ رُوحٌ، وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَيُقِرُّونَ بِكُلِّ ذلِكَ.“(اعمال8:23).

ان الملائكة كانوا من الأهمية ليهود القرن الأول الميلادي فالفيلسوف Philo of Alexandria مثلالاقد تكلم طويلا عن لماذا ارسل الله لبعض الناس زوار في الأحلام واكبر مثال هو يعقوب وحلمه عن السلم الذى كانت تنزل وتصعد عليه الملائكة:” ‏وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا.“(تكوين12:28).

إكرام الملائكة كان مهما ايضا للكثيرين وهناك العديد من المؤلفين التى ظهرت أعمالهم وبقيت

محفوظة ويظهر فيها كيف كان اكرام الملائكة منتشر وطلت مستمرة حتى يومنا هذا ومن المؤكد

ان يوسف سمع عنها من الكتب المقدسة او ما يتم ذكره في مجمع الناصرة.

في سفر التكوين يبدأ بخلق “السماء” والتى يمكن ان تفهم ان تكون عالم روحاني و “النور” وهو الاسم الذى يستعمله الكتاب المقدس في مكان آخر ليشير الى الملائكة. الحية التى جربت آجم وحواء هو ملاك ساقط وعنجما طرد الله الزوجان الأولين وضع ملاك آخر الكاروبيم كحارس للفردوس:” فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.“(تكوين24:3).

استمر تواجد الملائكة في زمن الآباء فملاك اوقف يد ابراهيم عندما ذهب لجبل الموريا ليقدم ابنه اسحق ذبيحة:” فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا»فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي»“(تكوين11:22-12)، ويعقوب تصارع مع ملاك”فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي».فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ.“(تكوين 23:32-27)، ومن قبل ذلك تقابل مع “جيش الله” وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هذَا جَيْشُ اللهِ!».(تكوين1:32-2)، وذات يوم وضع رأسه على حجر ونام وحلم بسلم تصعد وتنزل عليه الملائكة”وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا.“(تكوين12:28).

واذا اردنا ان نتعرف أكثر على الملائكة ودورهم فسنجد ان الملائكة يصعدون صلواتنا إلى الله “وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ الْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَأُعْطِيَ بَخُورًا كَثِيرًا لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي أَمَامَ الْعَرْشِ.فَصَعِدَ دُخَانُ الْبَخُورِ مَعَ صَلَوَاتِ الْقِدِّيسِينَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ أَمَامَ اللهِ” (رؤيا3:8-4)، وأيضا ظهر الملاك لكرنيليوس وقال له «يَا كَرْنِيلِيُوسُ فَلَمَّا شَخَصَ إِلَيْهِ وَدَخَلَهُ الْخَوْفُ، قَالَ: «مَاذَا يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ لَهُ: «صَلَوَاتُكَ وَصَدَقَاتُكَ صَعِدَتْ تَذْكَارًا أَمَامَ اللهِ(اعمال 4:10). ولكل مؤمن ملاك حارس ينجيه من ضيقاته ” ملاك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم” (مزمور7:34). والملائكة يتشفعون من أجل سلامة العالم، كما صلى الملاك أمام الله لأجل مدينة أورشليم وقال “يَا رَبَّ الْجُنُودِ، إِلَى مَتَى أَنْتَ لاَ تَرْحَمُ أُورُشَلِيمَ وَمُدُنَ يَهُوذَا الَّتِي غَضِبْتَ عَلَيْهَا هذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً؟ فَأَجَابَ الرَّبُّ الْمَلاَكَ الَّذِي كَلَّمَنِي بِكَلاَمٍ طَيِّبٍ وَكَلاَمِ تَعْزِيَةٍ”(زكريا12:1-13)، و من هذا يتضح أن خلاص أورشليم كان نتيجة لصلوات الملاك. والملائكة يطلبون من أجل توبة الخطاة، فالملائكة تفرح بتوبة الخطاة  “أَقُولُ لَكُمْ: يَكُونُ فَرَحٌ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوب” (لو5ا10:15)، ففرحتهم بتوبة الخطاة يعنى حزنهم لعدم توبتهم والصلاة لأجلهم.من أجل كل هذه الأسباب تطلب الكنيسة منذ القرون الأولى شفاعة الملائكة وتؤمن أنهم يطلبون من أجل سلامة العالم وأهوية السماء وثمرات الأرض ويدافعون عنا، بل هم

سند قوى للكنيسة المجاهدة على الأرض.

ان الملائكة كانوا في كل مكان في الكتب المقدسة العبرانية فكانوا في الشريعة والأنبياء والمزامير

والكتابات الأخرى، ويتم ذكرهم في المرات التى يحتفلون في ايام الأعياد التى تتم في الهيكل، وكانوا كثيرا يتم ذكرهم واكرامهم حتى من اليهود العاديين.

هكذا عاش يوسف كما عاش سابقوه في عالم مشبع بالملائكة وبسبب انه كان ورعا وبسبب انه

كان “بارا” فلقد اتبع التقاليد الدينية التى ورثها من اسلافه  وكان يردد الصلوات التى تعلمها وبسبب تلك العادات كان يقظ لوجود الملائكة ونشاطاتهم وكان على علم بمصاحبتهم ومساعدتهم للإنسان.

الرجل الملائكي

ان القراء في هذا العصر الحديث لديهم ميل في تقليل الشخصيات الكتابية الى المشاهد المحفوظة في الكتاب المقدس، واذا ما فعلنا هذا مع يوسف ومع ذلك نقلل دوره في فقط تلك المشاهد التى ذكرت مع الملائكة فقد ننتهي انه في الحقيقة رجل غير عادي وقد نفكر ان حياته تشبه فيلم حركي ولكن مع قلة كلام وتأثيرات حركية مثيرة اكثر. انه يبدو في منتصف الخطر او في دراما عالية او في سفر بعيد او في مغامرة عميقة.

للأسف لم يعطينا الانجيل رؤية قريبة بدرجة كافية لحياة يوسف اليومية والتقليد الكنسي يشير لتلك بانها “الحياة الخفية للعائلة المقدسة”. ان الاناجيل لم تترك للأجيال القادمة الا صورة غامضة فالاناجيل كشفت ان سمعة يوسف لم تستند الى مخاطراته وهكذا ففيما يبدو انه لم يتكلم كثيرا عنها.

عندما جيران يوسف فكروا عن شيئ عنه فكل ما قالوه او وصفوه بانه ” النجار”-ليس بالرجل الذى سافر الى مصر او ليس بالرجل الذي زاره مجوس من المشرق-وليس بالعدو اللدود لهيرودس المكروه. انه ببساطة كان “النجار” ويسوع كان “ابن النجار”. ان يوسف كان معروفا بعمله وعمله لم يكن مفسرا للكتاب المقدس او واعظا او فيلسوفا او عالم للاهوت ولم يكن مفكرا مثل فيلون السكندري ولم يكن كاهنا مثل قريب مريم زكريا الكاهن.

على اية حال لقد اختار الله يوسف لمهمة عظيمة فهو كان رجل عامل عادي وهذه هي حقيقة بدرجة عالية هامة فهو كان لا يقل عن كونه قريبا من الملائكة. لماذا اذن تلك الحقيقة هامة؟ لأنه بسبب انه في وسط حياة المؤمن اليومية العادية فكانت الملائكة هناك ويريد الله ان كل واحد ان يكون قريب من الملائكة يقظ لوجودهم ومنتبها لمشوراتهم. ان هذا الأمر ليس هبة او مهارة

لناس غير عاديين فهذه متاحة لأي شخص كما كانت ليوسف.

ترى ما هو عمل يوسف من يوم الى يوم؟

من الطفولة وما بعدها فمن المحتمل ان يوسف عمل مع اطقم من الرجال فيرحلون معا من مكان عمل الي مكان آخر وذلك بالسير واحيانا اميال وذلك العمل كان يعتمد على كلا من العضلات والفكر. اماكن اعمالهم كانت مليئة بالضوضاء باصوات المطارق والمناشير والأصوات. كثيرا من رفقاء يوسف في العمل من المحتمل انهم كانوا خشنين وغير مهذبين. وحتى الآن وفي وسط كل ذلك فان يوسف تدرب على الصمت والسلام الداخلي مع عادة الصلاة المستمرة الصامتة.

ان علماء اللاهوت في ازمنة لاحقة غالبا ما كانوا يشيروا الي يوسف بانه ” الرجل الملائكي”

ولقد فعلوا هذا لسببين: الأول والواضح انه كانت له اربع لقاءات حية مع الملائكة في حياته وتلك كانت اكثر مرة من المرات التى ذكرت في معظم الشخصيات الكتابية الأحرى، ولكن هناك سبب اخر لماذا كان يوسف “ملائكيا” وكما قال اللاهوتيين بسبب انه حصل بكثرة على الهبات الخاصة لكل الارواح النقية في السماء.

تلك المجادلة بدأت في عمل راهب من رهبنة الكرمليت في القرن السادس عشركان معروفا بانه  Jeronimo Gracianالرئيس الروحي للقديسة تريزة من افيلا وكان اسمه   

لقد اتبع جارسيان التفسير المسيحي لما جاء في التقليد الكنسيى عن الطغمات السمائية التسع وهم: السيرافيم، الشاروبيم، الكراسي، الأرباب، الأجناد، السلاطين، القوات، رؤساء الملائكة، الملائكة، ولقد قسم هذه التسع طغمات الملائكية كالتالي: الأولى: السارافيم – الكاروبيم – العروش، والثانية: القوات – السلاطين – السيادات، والثالثة: الرياسات – رؤساء الملائكة – الملائكة. 

كل مجموعة لها طريقتها الخاصة لخدم الله – على وجه الخصوص طريقة “ملائكية” ولقد بيّن جارسيان كيف ان يوسف قد تمكن من الوفاء وتلبية متطلبات كل مجموعة من تلك الطغمات السمائية.

الملاك ِ An angel– في لغات الكتاب المقدس فيأخذ الملاك اسمه من طبيعة العمل المكلّف

به من قبل الله، وكمنفذ للإرادة الإلهية. فالملاك في أصل اللغة العبرية “مالاك”، وفي اللغة اليونانية:”أنجلوس. والملاك هو: رسول، أو مُعلن لإبلاغ رسالة وهي تعني هيئة خاصة أو طبيعة ممتازة، أو منبئ. وهذا المعنى حتى ولو انهم ينقلون رسائل لكنهم يخدمون عامة كحراس ومرشدون:  أمثلة على ذلك: ظهور ملاك لهاجر على يمين عين ماء في البرية في طريق شُور، ينبئها بولادة إسماعيل، ويأمرها بالعودة إلى سارة امرأة إبراهيم والخضوع لها( تكوين 16/7-11)، والملاكان اللذان أتيا إلى سدوم وتقابلا مع لوط (تكوين 19/1-22) والملاك الذى كلّم زكريا النبي (زكريا1:1-8).

والملائكة هم الكائنات الروحية التي تمثل خليقة الله الروحية غير المنظورة. وكلمة ملاك تعبر

عن معنى أعم، حيث أنها تعني حامل لرسالة ما أو المرسل ليحمل وصية أو رسالة ما.

واستخدمت فيما بعد لتشير أيضًا إلى نوع من التنظيم في العالم السماوي لقوات روحية غير جسدية مغبوطة. وهذه القوات تُرسل من الله إلى البشر لتُعلن مشيئته الإلهية أو لكي تخدم إرادة الله في تدبير الخلاص للإنسان. وعلى ذلك فإن التسمية لا تتصل بطبيعتهم وتكوينهم ولك بعملهم تجاه البشر من حيث أنهم موفدون من الله لتبليغ إرادته ومشيئته لهم.

القديس يوسف خدم كالملائكة كرسول ما بين السماء والعائلة المقدسة ثم خدم كمرشد للأسرة وحاميها.

 رئيس الملائكة An archangel– تأتي كلمة “رئيس الملائكة” من كلمة يونانية بمعنى “الملاك الرئيسي”. وتشير إلى الملاك الذي يقوم بدور قيادة ملائكة آخرى. نجد كلمة “رئيس الملائكة” مذكورة مرتين فقط في الكتاب المقدس كله. تقول رسالة تسالونيكي الأولى 16:4 “لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً”. وتقول رسالة يهوذا الآية 9 “وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجّاً عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ”.   في الكتاب المقدس أسند الله المهام العظيمة والهامة لهم والوحيد الذى جاء ذكره كما ذكرنا هو رئيس الملائكة ميخائيل والذى دائما يقاوم الشرير كما جاء في رسالة يهوذا وايضا في سفر الرؤيا”وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ”(رؤيا7:12). في التفسير التطبيقي للتقليد الكنسي جاء ان جبرائيل” وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ،”(لوقا26:1)، ورفائيل “فَإِنِّي أَنَا رَافَائِيلُ الْمَلاَكُ أَحَدُ السَّبْعَةِ الْوَاقِفِينَ أَمَامَ الرَّبِّ».“(طوبيا15:12) قد عرفا ايضا بانهما رؤساء ملائكة.

أسماء رؤساء الملائكة: الاول ميخائيل، الثاني جبرائيل، الثالث رافائيل، الرابع سوريال، الخامس سيداكئيل السادس ساراثينيل، والسابع انانينيل. الاوائل الاربعه مذكورين في الكتاب المقدس، الثلاثه الاخرين مذكورين في التسبحه او الابصلموديه وربما من مصادر قديمه. وذكروا انهم سبعه في سفر الرؤيا. اما معاني اسمائهم هي: جبرايئل جبروت الله او قوة الله، رافائيل الله الشافي، ميخائيل من مثل الله. والثلاثه الاخرين غير مذكور تفسير اسمائهم في الكتاب المقدس ولكن النصوص الطقسية القبطية تُضيفهم وهم: 1- سوريال(بوق الله)، 2- سداكيئيل (صدق الله)، 3-

سراثيئيل (سرور الله)، 4- أنانيئيل (حنان الله).

مثل هؤلاء رؤساء الملائكة كان القديس يوسف قد اعطى له مهمة ذات ثقل وقتاله المطلوب في

مشاركة مباشرة مع الشر وحمل رسالات ليسوع ومريم فكانت مهمته اكبر من رئيس ملائكة.

الرئاسات The principalities  – هم خدام الله العاديين والمباشرين للاهتمام بالعالم المنظور، وبعض شراح الكتاب المقدس عرّفوهم بانهم ارواح حارسة مرسلة للأمم. والقديس بولس الرسول ذكرهم في رسائله:” فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً،”(رومية38:8)، و” لِكَيْ يُعَرَّفَ الآنَ عِنْدَ الرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، بِوَاسِطَةِ الْكَنِيسَةِ، بِحِكْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ،”(افسس10:3″، و  فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.“(كولوسي16:1). وايضا تكلم بولس الرسول عنهم من ضمن الأرواح الشريرة:”  فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.“(افسس12:6)، و” إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.“(كولوسي15:2). طبقا الى آباء الكنيسة في وقت لاحق فان الرئاسات لهم اهتمام خاص بقادة ورؤساء الأمم وخاصة الرؤساء الدينيين. بعد معرفة طرق ومسؤولية الرئاسات فلقد اعطى للقديس يوسف السلطة على منزل

العائلة المقدسة ورعاية خاصة لملك الملوك.

القوات The powers- هم تلك الأرواح ذو تكليف خاص لكبح ومقاومة الأرواح الشريرة ومعاقبتهم. يتكلم القديس بولس عادة عنهم ومع الرئاسات معا. مثل القوات السمائية اظهر القديس يوسف قوة الله من خلال هزيمة الملك هيرودس الكبير وكان قادرا ان يحفظ حياة يسوع ومريم حتى وهم في رحلة هروبهم الى مصر تلك الأرض التى كان يضرب بها المثل في عبادة الأصنام والسحر.

الفضائل The virtues – هم ارواح من خلالهم ينفذ الله اعمال خارقة ومعجزات عظيمة مثل ما فعل مع يشوع بن نون في ابقاء الشمس والقمر”حِينَئِذٍ كَلَّمَ يَشُوعُ الرَّبَّ، يَوْمَ أَسْلَمَ الرَّبُّ الأَمُورِيِّينَ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ أَمَامَ عُيُونِ إِسْرَائِيلَ: «يَا شَمْسُ دُومِي عَلَى جِبْعُونَ، وَيَا قَمَرُ عَلَى وَادِي أَيَّلُونَ».فَدَامَتِ الشَّمْسُ وَوَقَفَ الْقَمَرُ حَتَّى انْتَقَمَ الشَّعْبُ مِنْ أَعْدَائِهِ. أَلَيْسَ هذَا مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ يَاشَرَ؟ فَوَقَفَتِ الشَّمْسُ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَلَمْ تَعْجَلْ لِلْغُرُوبِ نَحْوَ يَوْمٍ كَامِل”(يشوع12:10-13).  طبقا للتقليد الكنسي فالشيطان قد خلق في تفس تلك الرتبة ومنذ سقوطه فهو يعتمد على مشهد فارغ -محاكاة ساخرة لصنع المعجزات ليمكنه ان يضل المؤمنين. مثل هؤلاء الأخيار فيوسف النجار من الناصرة بواسطته ظهرت معجزات الله على الأرض من خلال رسالة ابنه بالتبني يسوع فيوسف هو الذى ربى اعظم صانعى المعجزات في العالم.

السيادات The dominions – هم من تم تكليفهم بمراقبة الأرواح النقية الأخرى ولقد ذكرهم

القديس بولس في رسالته”  فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ.“(كولوسي16:1). بواسطة خدمتهم العادية يظهرون ضرورة وجود المراتب والدرجات في اي نظام اجتماعي حتى في السماء. مثل هؤلاء الأرواح حصل يوسف على السلطة الحقيقية حتى ان الله الكلمة في شخص يسوع كان خاضعا له:”  ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا“(لوقا51:2).

العروش The thronesيمثلون في السماء وكلاء قوانين وعدل وحكم الله، هم أحياء ومثلهم دانيال النبي بالنار:”  كُنْتُ أَرَى أَنَّهُ وُضِعَتْ عُرُوشٌ، وَجَلَسَ الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ، وَبَكَرَاتُهُ نَارٌ مُتَّقِدَةٌ.“(دانيال9:7)، وحزقيال كايشب الصافي”ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا عَلَى الْمُقَبَّبِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْكَرُوبِيمِ شَيْءٌ كَحَجَرِ الْعَقِيقِ الأَزْرَقِ، كَمَنْظَرِ شِبْهِ عَرْشٍ.“(حزقيال1:10). في بيت لحم والناصرة ومصر كان يوسف مثل تلك العروش في السماء فكان يحمل على يديه الله الكلمة المتجسدة.

الشاروبيم The cherubim– اوالكروبيم وهم ملائكة يرسلون من قبل الله أو يقيمون في حضرته تعالى ويظهرون غالبا في الكتاب المقدس مرتبطين بالقرب من الله. عندما طرد الله آدم وحواء من جنة عدن وضع الكاروبيم كحارس بسيف ملتهب لكي يبعد الزوجان الاولان بعيدا:” فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ.“(تكوين24:3). وبعد الخروج من ارض مصر امر الله الاسرائيليين ان يضعوا صور ذهبية للكاروبيم على تابوت العهد:”  وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ. فَاصْنَعْ كَرُوبًا وَاحِدًا عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَا، وَكَرُوبًا آخَرَ عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ الْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ الْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ وَيَكُونُ الْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى الْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الآخَرِ. نَحْوَ الْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا الْكَرُوبَيْنِ. وَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ، وَفِي التَّابُوتِ تَضَعُ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ.وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ.“(خروج18:25-22). وايضا امرهم الله ان يضعوا كاروبيم على ستائر والحجاب: “«وَأَمَّا الْمَسْكَنُ فَتَصْنَعُهُ مِنْ عَشَرِ شُقَقِ بُوصٍ مَبْرُومٍ وَأَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ. بِكَرُوبِيمَ صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق تَصْنَعُهَا.“(خروج1:26) و”«وَتَصْنَعُ حِجَابًا مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ وَأُرْجُوَانٍ وَقِرْمِزٍ وَبُوصٍ مَبْرُومٍ. صَنْعَةَ حَائِكٍ حَاذِق يَصْنَعُهُ بِكَرُوبِيمَ.“(خروج31:26). وفي قدس الأقداس في هيكل اورشليم صنع سليمان تمثالان من خشب الزيتون من الكاروبيم طول كل منهما 15 قدما ومطليان بالذهب:” وَعَمِلَ فِي الْمِحْرَابِ كَرُوبَيْنِ مِنْ خَشَبِ الزَّيْتُونِ، عُلُوُّ الْوَاحِدِ عَشَرُ أَذْرُعٍ. وَخَمْسُ أَذْرُعٍ جَنَاحُ الْكَرُوبِ الْوَاحِدُ، وَخَمْسُ أَذْرُعٍ جَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرُ. عَشَرُ أَذْرُعٍ مِنْ طَرَفِ جَنَاحِهِ إِلَى طَرَفِ جَنَاحِهِ. وَعَشَرُ أَذْرُعٍ الْكَرُوبُ الآخَرُ. قِيَاسٌ وَاحِدٌ، وَشَكْلٌ وَاحِدٌ لِلْكَرُوبَيْنِ. عُلُوُّ الْكَرُوبِ الْوَاحِدِ عَشَرُ أَذْرُعٍ وَكَذَا الْكَرُوبُ الآخَرُ. وَجَعَلَ الْكَرُوبَيْنِ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ، وَبَسَطُوا أَجْنِحَةَ الْكَرُوبَيْنِ فَمَسَّ جَنَاحُ الْوَاحِدِ الْحَائِطَ وَجَنَاحُ الْكَرُوبِ الآخَرِ مَسَّ الْحَائِطَ الآخَرَ. وَكَانَتْ أَجْنِحَتُهُمَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ يَمَسُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَغَشَّى الْكَرُوبَيْنِ بِذَهَبٍ.“(1ملوك23:6-28). وقد رأى حزقيال الكروبيم في رؤياه عند نهر كبار، ولكل أربعة أوجه وأربعة أجنحة (حز 10؛ قارنه مع 9: 3) وكانت الأوجه شبيهة بالمخلوقات التي رآها النبي قبلًا في رؤياه وهي وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر (حز 1: 5-12؛ قارنه مع حز 10: 20، 21). وكانت هذه المخلوقات تحمل عرش الله (حز 1: 26-28؛ 9: 3). وقد وصف يوحنا الرائي في سفر الرؤيا أربعة كائنات حيّة لها وجوه شبيهة بالأربعة الأوجه المذكورة آنفًا (رؤيا 4: 6، 7). وكان القديس يوسف مشابها لهؤلاء الكاروبيم فلقد امضى ايامه بالقرب من الله الكلمة في يسوع المسيح وكما كان الكاروبيم محاط لكرسي الله فوق

التابوت هكذا يوسف ومريم كانا يحيطان العرش الأرضي لملك الملوك.

السيرافيم The seraphim–   كلمة عبرانية يغلب أن يكون معناها “كائنات مشتعلة” أو ربما

كان معناها “شرفاء” وهي في صيغة الجمع، ولم ترد إلا في نبوة إشعياء (إش 6: 2، 6) تسمية للأرواح التي كانت تخدم عرش الرب وظهرت لإشعياء في رؤياه “ رأيت السيد جالسًا على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السارافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض“.(اشعيا 2:6-6). وايضا جاء ذكر تلك التسبحة في سفر الرؤيا

وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا، وَمِنْ دَاخِل مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا، وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي»“(رؤيا8:4). ويبدوا أن السرافيم كالكروبيم نوعان ساميان من الملائكة الذين يخدمون الله وطبقة السيرافيم في الملائكة من الطبقات التي لم يذكر عنها مطلقا أن أحد أفرادها سقط.فالشيطان -وهو من جماعة الكاروبيم– سقط وجر معه كثيرين من طغمات كثيرة… فسقط معه من جماعة الكاروبيم ومن الرؤساء ومن القواد ومن السلاطين ومن الأرباب.

فلم يرد مطلقا سقوط ملاك من طبقة السيرافيم أو من طبقة الكراسي. فالسيرافيم المتقدون بالنار يرمزون إلى الحب الإلهي.

كان القديس يوسف مشابها لتلك الطغمة السمائية مشتعلا بالحب الإلهي وعاش في عرش الله الكلمة الأرضي وتقدس ومسبحا لملك الملوك.

بمقارنة القديس يوسف مع كل من تلك الرتب السمائية والأرواح النورانية الطاهرة اثبت Jeronimo Gracian ذلك اللقب “الرجل الملائكي” والذي فاق جميع تلك الطغمات التى في السماء بعظمة خضوعه وخدمته لله، فهو كان اقرب الي الله وخدمه اكثر وعن قرب وبدون كلل ولهذا فمكانة القديس يوسف اعلى من الملائكة ورؤساء الملائكة والأرباب والقوات والرئاسات والعروش وغيرهم فيمكن لتلك الطغمات ان تطلق عليه انه امير السماء، ومع كل هذا الشرف فهو كان رجلا عاديا وعاملا يدويا ونجارا بسيطا.

ان التحليل الذي قدمه ذلك الكاتب جارسيان طبقه ليس فقط على القديس يوسف بل على كل

المسيحيين في كل الأجيال فنحن من خلال سر المعمودية قد اعطي لنا مكانة في الاسرة السمائية وتم دعوتنا لنشترك في مائدة الحمل مع يسوع ومريم ويوسف.

مثل القديس يوسف فكل المسيحيين قادرون الآن ان يخدموا يسوع بدرجة قريبة جدا كما ان الملائكة قريبين من الله وبثبات متواصل كما خدم يوسف يسوع طيلة حياته الأرضية وكل المسيحيين يمكنهم ان يصبحوا ملائكة يخدمون الله لأنهم يحملون سر تجسد ابنه الوحيد. ان الله يدعو اناس عاديين مثل ما دعا يوسف ليكونوا رسله وحراسه وقوته وكلمته لكي في كل شيئ يتمجد الله.

الهروب من هيرودس

جاء الانذار في حلم:” إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».“(متى13:2)، فلقد كان يوسف نائما يحلم، وكان الوقت متأخرا في الليل وحتى شوارع تلك البلدة يصعب السير عليها وخاصة وهي بلا اضاءة. لم يكن لدى تلك العائلة المقدسة اي وقت للإعداد فعليهم تجهيز امتعتهم على وجه السرعة فلا مجال للإنتظار ويكفي ما عليهم من ملابس وعليهم حمل الطفل الإلهي على ايديهم والهروب سريعا. لن يمكنهم الإنتظار حتى الصباح، ولقد عاش يوسف ومريم عمرهما في ارض يحكمها هيرودس وهم لا يعرفون عالم آخر سوى ارض اليهودية ولم تتح لهم اي فرصة من قبل لمعرفة اي ارض اخرى او اي عالم آخر، فعليهم الآن البحث عن ارض بلا هيرودس فهم يعلمون ان هيرودس سيتصرف بسرعة وبشكل حاسم وفعال. كل طاغية في منطقة البحر الابيض المتوسط قادر ان يقتل بقسوة، فالفرس كانوا سيئوا السمعة في هذا الأمر والرومان على نفس القدر من القسوة والتاريخ اثبت ان Hasmoneans هم ايضاعرفوا بالذبح والقتل ونموذج للتعذيب العلني. ولكن هيرودس كان فعالا ولا يمكنه ان يسمح لنفسه او قواده ان يفشلوا.

بلغة رمزية غنية  نقل سفر الرؤيا الضغط النفسي على هروب العائلة المقدسة:” هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ. وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ، وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا

وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا.“(رؤيا3:12-6).

ان هذا السرد يبدو معقدا، فمن الواضح ان التنين يشير في مستوى اول الي هيرودس الكبير الذ سعى لموت الولد الذكر والذى عتيدا ان يرعى جميع الأمم، وايضا يشير الى آخر ذو قوة فوق طاقة البشر التى تتعرض بشكل دائم للطفل والمرأة ونسلها:” اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ” و “ فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.“( رؤيا13:12و17). ان النص يعود الى الوراء الى زمن جنة عدن حيث حاربت الحيّة آدم وحواء وأثارت ابناء يعقوب على أخوهم يوسف لكي يبيعوه عبدا للمصريين، وايضا قد يعود الى احداث أخر مثل حصار اورشليم وغيرها.

كل الأحداث الدرامية تبدو انها مركزة في تلك اللحظة – الليلة التى فيها تقابل يوسف مع الملاك في حلم. اذا ما كان كل العائلة المقدسة لا يستطيعوا ان يدركوا الأمر وخطورته بجملته لكن بالتأكيد يمكنهم الشعور بالخطر، ومثل ذلك الشعور عبر بدون كلام ما بين يوسف ومريم خاصة انهما يعرفان بعضهما جيدا منذ زمن طفولتهما، وايضا انتقل ذاك الشعور من الأم الي الطفل من خلال رضاعته.

ان النص في سفر الرؤيا بدأ في الظلام حتى لو كانت السماء ملأنة بالنجوم لكن يوسف قد شعر بالخوف في ليل مظلم. ان الشعور بالخوف ليس أمرا مخجلا ولكي تكون بلا خوف في وقت مثل ذلك فيعد الأمر جنونا فالخوف هو استجابة الامسان الغريزية للخطر الجسدي. كأب فيطلق على العمل الذي يحفظ اسرته ونفسه. ان الثبات لا يعني قلة في الخوف ولكنه ترتيب صحيح للخوف. خاف يوسف من احتمالية ان يفشل امام الله أكثر من خوفه من لعنة هيرودس وايضا هو خاف من فقد ابنه أكثر من فقد حياته هو نفسه.

لقد امضى العالم الألماني Oscar Meinardus عدة سنوات محاولا اكتشاف رحلة العائلة المقدسة الي مصر ورسم مما جاء في الأناجيل وايضا من علم الأثار واوراق البردي القديمة التى تم اكتشافها حديثا وايضا مما ورد في المراجع القبطية للكنيسة المصرية وجمع نتائجه ووضعها في كتاب مع دراسة طويلة والذي كان يعيد طباعته بعد اكتشاف دلائل جديدة.

حتى هذه الأيام ان الحجاج الذين يزورون مصر يتبعون خط سير لعدة مواقع من اديرة ومغارات

وكنائس قد بنيت على اماكن قيل ان يوسف ومريم قد توقفا في أماكن للراحة او ملجأ اطول. في عام 2001 اتبع احد الصحفيين الأمريكان خط السير هذا في مدة شهران وفيما بعد دونها في كتاب بكل التفاصيل وايضا في فيلم وثائقي وشرح اكثر من 30 موقع قيل ان العائلة المقدسة توقفت فيها.

تلك المسارات لا يمكن التحقق منها بوسائل علمية ولكنها تمثل بكل تأكيد مقياس رحلة العائلة المقدسة. لا يهم اي مسار قد اتخذه القديس يوسف فهو عليه ان يرحل مئات الأميال مع زوجة ولدت حديثا ومع طفلهما الصغير.

معظم اعادة خط المسيرة يتبع نفس خط السير بصورة قريبة. لقد سجلت الكتب المقدسة ان العائلة المقدسة زارت اورشليم اربعون يوما بعد ميلاد يسوع من اجل تطهير مريم حسب الشريعة وتقديم يسوع في الهيكل:” وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ. وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ،لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ». وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ”(لوقا22:2-38). بعد ذلك عادوا الى الجليل:” وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ  النَّاصِرَةِ. (لوقا39:2).

انه يبدو ان الانذار يجب ان يكون قد اتى بينما هم في منزلهم مع اناسهم. سيذهب يوسف وفي ذهنه خط سير فمن سفر للعمل فهو يعرف الطرق ويعرف مواضع البناء ومواقع المجامع اليهودية التى تقوم بالترحيب بالمسافرين لكي ينعموا بنوم آمن فيها. في خططه يجب ان يكون قد اخذ في اعتباره احتمالات التوقف في اماكن اقارب مريم او اقاربه واصدقاؤه ويمكنهم ربما ان يمكثوا في احد بيوت عشيرة بيت داود او بعض المتعاطفين من جماعة الغيورين. ان الرحلة تستغرق عدة اسابيع ما بين ترحال في المساء واختباء في النهار وفي اي بلدة او مدينة سيصادفون جواسيس واعين هيرودس الملك ومن المؤكد كان قلقهم على اقاربهم واصدقاؤهم اذا ما عٌرف انهم اقاموا لديهم.

انه من المستحيل ان يفرز كل تلك المشاكل التى قد يمكن التعرض لها قبل مغادرة بيت لحم فهم يمكنهم رسم الاحتمالات اما الباقي فيجب ان يترك الي الله.

نت بيت لحم رحلت العائلة المقدسة غربا نحو شاطئ البحر الأبيض المتوسط ثم جنوبا على

طول الشاطئ لعدة اميال حتى غزة. من غزة كانوا قد ذهبوا ليعبروا نهر الأردن الي بلد الأنباط

وهناك ضمن الأمميين المهاجرين سيجدون بعض درجة من الآمان، فقادة الأنباط Nabateans       

كانوا على خلاف مع هيرودس الملك في ذاك الوقت وقاوموا بشدة كل محاولاته لضم اراضيهم الي مملكته.

استكمال رحلة الهروب

بعيدا عن الأراضي التى يحكمها هيرودس الملك كان يمكن للعائلة المقدسة ان يسافروا اليها في يوم ولقد مرّوا من خلال مدن وقرى وصحارى واستمروا في السير تجاه الغرب خلال ارض  الانباط حتى وصلوا الى الحدود وعبروا شريط ماء صغير ودخلوا الى ارض التى ستصبح ارض الملجأ لهم.

ان تقارير تحركات العائلة المقدسة ومسيرتها ما بعد ذلك منتشرة ومتناقضة، فمعظم البحاثة متفقون انهم رحلوا الى داخل مصر والى الجنوب على طول شاطئ نهر النيل. كان هناك تجمعات لليهود على مدار ارض الأنباط وفي ارض مصر وكان هناك مجامع لليهود وبهذا فانه من المرجح ان العائلة المقدسة وجدوا بعض من كرم الضيافة على طول مسارهم.

في مصر يمثل اليهود حوالي 4 في المائة من تعداد السكان وكان اليهود يخدمون في ساحات المحاكم المصرية وفي الجيش برتب عالية. في تلك الأرض التى كانوا فيها عبيد الآن يتمتعون بإحياء الثقافة الأدبية اليهودية وهناك العديد من المجامع اليهودية في العديد من المدن والقرى واحياء مزدهرة بالاحتفالات بالأعياد اليهودية وتم مراعاة التقاليد بكل أمانة. مدينة الاسكندرية كان بها جالية يهودية كبيرة تحتل مساحة شاسعة على شواطئها وكان يوجد ايضا مناطق قريبة ومجاورة للمدينة يطلق عليها “قرى اليهود”.

في مصر الكتب المقدسة العبرية تم تقديمها بترجمة باللغة اليونانية ببراعة عرفت بالترجمة السبعينية،وهي ترجمة العهد القديم إلى اللغة اليونانية، مع بعض الكتب الأخرى التي نقل البعض منها عن العبرية كسائر أسفار العهد القديم، والبعض الآخر كُتِبَ أصلًا في اليونانية. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية بناء على التقليد المتواتر بأنه قد قام بها سبعون ( أو بالحري اثنان وسبعون) شيخا يهوديا في مدينة الإسكندرية في أيام الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس (285-247 ق.م.).

بعض العائلات اليهودية كانت لهم مكانة في البلد والرومان قاموا بمعاملاتهم بصورة جيدة واعفاءهم من بعض الضرائب. نصف قرن فيما بعد ظهر فيلسوف يهودي اسمه “فيلو” كان يعيش في مدينة الاسكندرية (من 30 ق.م. 45 م.) ولقد قام لكي يشهد لحركة قوية ظهرت هناك تشابه مع حركة “الغيورين” اسمها “المعالجين”، والكثير من علماء الكتاب في العصر الحديث يعتقدون ان الحركة الجديدة ما هي الا حركة الغيورين المصريين الناطقين باللغة اليونانية. ان الثقافة المحيطة في ذاك الوقت ممكن ان تكون عدائية فاليهود المصريين يتعرضون بشكل متقطع واحيانا بتعصب وحشي على يد جيرانهم الناطقين باليونانية وايضا من الحكام فكانوا يستاؤون من نجاحهم ويغارون من معاملة الرومان لهم. هناك ايضا العديد من اعمال الشغب التى كان يقوم بها يهود ضد يهود او من سكان المدينة المصريين ضد اليهود وضد الرومان.

مع ذلك ومع كل ما يحدث في مصر فعائلة يوسف استطاعت ان تتنفس بسهولة نسبية وتتنقل

في ارض مصر وان يجد يوسف مكان او اماكن يقيم به وسط يهود مثله او غيرهم يكون آمن بعض الشيئ واستطاع ان يجد عملا كنجار لكي يستطيع ان يرعى الطفل وأمه مريم. العودة الى دياره في الجليل امر بعيد ووضع اللاجئين اثناء هروبهم وخاصة لعدة اسابيع امر مجهد ولكن ايجاد مكان ما يمكنهم الراحة فيه ولو لوقت ما يُعد شعورا مشابها لمن هو في بيته.

لم يسجل العهد الجديد اي تفاصيل عن المدة التى قضتها العائلة المقدسة في مصر فلا يوجد سجل ما يؤكد مدة اقامتهم في مصر. بعض شرّاح الكتاب المقدس يعتقدون ان 1260 يوما كما جاء في سفر الرؤيا “وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا.“(رؤيا6:12) هو العدد المظبوط. بعض الشرّاح القدامى اعتمدوا على بعض ما جاء في التقليد الكنسي. ومع ذلك فالكتاب المقدس يظهر ان العائلة المقدسة قد عادت من منفاها مع وفاة هيرودس الكبير والتى حدثت في سنة 4 ماقبل الميلاد. 

الأخبار قد تصل سريعا لليهود في مصر ومن المحتمل بعد عدة ايام من وفاة هيرودس وربما عرف يوسف ايضا في لحظتها خاصة انه عرف هذا من ملاك الرب. ان ما جاء في انجيل متى يعطى انطباعا ان يوسف قد جهّز حاجاته على الفور وتوجه عائدا الى بيته:” فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.“(متى19:2-21).

ان عودة العائلة المقدسة ستكون تحدي طبيعي مثل هروبهم الي مصر فكل السفر في العصور القديمة كان شاقا فالطرق كانت ملآنى بالحفر ومحفوف بالمخاطر للناس والدواب وعلى جانبي الطرق هناك العصابات واللصوص وقاطعي الطرق وحتى اماكن المبيت على الطريق غالبا ما تكون قذرة ولها اخطارها الخاصة. ولكن في تلك الرحلة نجوا من ضغط متابعة هيرودس وجنوده وعلى طول طريق عودتهم من المحتمل انهم استقبلوا اخبارا ان اغسطس قيصر قد تصرف لإضعاف مملكة اليهود بأن قام بتقسيمها الى اربع مقاطعات ثلاثة منهم يحكمهم ابناء هيرودس وواحدة تحكمها اخت هيرودس. كان على يوسف ان يأخذ قرارا اي من تلك المناطق تكون اقل خطرا وايهم الأحسن؟ لقد اختار يوسف منطقة الجليل حيث يوجد بعض من سلالة داود الملك. انجيل متى ذكر هذا قائلا:” وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ.“(متى22:2).

ان المسيحيين كانوا دائما فضوليين لمعرفة مدة العائلة المقدسة في مصر وهناك كتاب من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن العشرين انتجوا العديد من التخيلات كلما جمعوا او عرفوا عن اي معجزات تمت في تلك الفترة ومكانها. في كتاب قديم عن “انجيل الطفولة” جاء ان الصبي كان يلهو بان يصنع اشكالا من الطين ثم ينفخ فيها فتحيا وتطير وانه اوقع عقابات شديدة على بعض المتنمرين. بالطبع تلك الصورة عن شخص يسوع تختلف كل الاختلاف عن يسوع كما جاءت به الأناجيل المقدسة ولهذا فكل ما جاء في اي من الكتب المنحولة والتى لم تعترف بها الكنيسة تعد خيالات غير حقيقية وغير منطقية.

كل ما يمكن ان نستخلصه من رحلة العائلة المقدسة في مصر ان يسوع عاين وشاهد ولمس عمل يوسف ابوه بالتبني.    

 يوسف وعمله

كان يوسف رجلا صامتا وواحد من القابه في العصر الحديث التىجذبت الانتباه اكثر على صمته

هو لقب ” القديس يوسف العامل”. ان الكنيسة الكاثوليكية تتذكر القديس يوحنا الانطاكي[10] بـ “الفم الذهبي” والقديس بطرس من رافينا[11] بـ “كلماته الذهبية”، ولكن نحن نتذكر القديس يوسف بأنه “انجاز للأمور”. ضمن كل ما جاهد فيه في كل تاريخ البشرية فانه هو المعروف بـ ” العامل”.

في الأناجيل المقدسة ان هوية يوسف مرتبطة بعلاقاته وعمله، فهو ابن يعقوب وهو زوج لمريم والأب الأرضي ليسوع وهو في صحبة مع الملائكة. هو ابن وزوج وأب وهو “عامل” وحرفي. يقول لنا التقليد القديم اكثر خصوصية ان حرفته كنجار ومهنة دربها وعلمها ونقلها لأبنه يسوع فلقد جاء ان الناس قد تعجبوا من تعليم يسوع وتساءلوا قائلين:” أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟” (متى55:13).

لقد كتب القديس امبروز[12] في القرن الرابع:” انه لا يبدو غريبا ان يعلن ان يسوع كان حرفيا مثل يوسف ابيه بهذه العلامة اظهر لنا بكفاءة ان لدية حرفة لكل الأشياء من الأب السماوي”. في وقت لاحق اشار بعض الكتاب الروحانيين ان اب يسوع الأرضي قد اشرك لقبان مع اب يسوع السماوي فكلا من يوسف والله قد اطلق عليهم ” الأب” و “العامل او الحرفي”.

في العمل عرف يوسف انه كان به شيئا الهيا وعرف ان هذا ليس بسبب رسائل الملاك ولكن بسبب انه قد سمع الكتب المقدسة في المجمع تعلن هذا، وعلم عن العمل واهميته وكيف ان الله “غمل” و”استراح” وعرف شيئا عن الملائكة وتعلم من اول صفحة من سفر التكوين عن الخلقة.

البابا فرنسيس اعطى لنا حديثا مفهومه القديم عن العمل:” انه من الواضح من الصفحات الأولى من الكتاب المقدس ان العمل هو جزء ضروري في الهوية البشرية فلقد جاء”وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا”(تكوين15:2)، فالانسان قد قدم كعامل يعمل الأرض ويسيطر على قوى الطبيعة وينتج “خُبْزَ الأَتْعَابِ”(مزمور2:127)، بالاضافة الى استثمار عطاياه ومواهبة الخاصة”.

تلك المقولة الباباوية تعود بنا الى البداية لقصة آدم وحواء والتى يعرفها يوسف جيدا والتى تعلمها في المجمع وما جاء في قراءات التوراة وما يسمعه عند ذهابه لهيكل اورشليم وبهذا فلقد آمن بقيمة العمل وقدسيته وبسبب هذا اصبح يوسف ليس بانيا فقط لمقاعد ومناضد ولكن مثل آدم ومثل الله اصبح بانيا للعالم.

من اول صفحات للكتاب المقدس الانسان قد صنع على صورة الله:” قَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ”. “فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ”(تكوين 26:1و27). والسطور التالية جاءت بالعمل:” «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ”(تكوين28:1). وفي الاصحاح الثاني من سفر التكوين يكتشف القارئ ان الرب الإله قد وضع الانسان في جنة عدن:” وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا”(تكوين15:2). مرة اخرى الرسالة واضحة آدم قد خلق من الأرض لكي يحكم الأرض بالعمل على الأرض.

كل أيام العمل علاوة على ذلك تم طلب وامر بأن يتم العمل طوال ايام الأسبوع وأما في اليوم السابع يكون هناك راحة من العمل لكي يتم التعبد الى الله كما جاء في وصايا الله في سفر الخروج:” سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ،”، “أَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ. لِذلِكَ بَارَكَ الرَّبُّ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدَّسَهُ”(خروج9:20و11).

هكذا فالجنس البشري قد خلق على صورة الله مع العمل كجزء اساسي حسب طبيعتهم فالروتين اليومي للحياة هو ايقاع العمل وكل العمل تم توجيهه مرة اخرى الي الله في النهاية لمجد الله ومن اجل عبادته.

في اسرائيل معنى العمل ايجابيا بأغلبية ساحقة وكما جاء فان الكتاب المقدس وخاصة العهد

القديم فمملوء بالعديد من المهن والتى تشمل اطباء وحرفيين وبحارة وبناؤن وموسيقيين ورعاة

وغيرهم وحتى آباؤنا ابراهيم كان من الرعاة ونوح كان مزارعا واسحق ويعقوب كانا يغملان في

الأرض والملك داود كان راعيا.  

كما كبر يوسف في مهنته هكذا ربّى ابنه يسوع، فلقد تعلم مهنته أولا من خلال القرب وسماع محاثة الرجال بينما هم يشتغلون ومراقبة الطريقة وهم يحملون الألواح ولأعمدة الخشبية ويمسكونها ويضعونها في اماكنها المحددة وملاحظة الاختلافات والفروقات في المسامير والصواميل والأدوات. العمل كان جيدا والعمل الأمين كان دائما جيدا لأنه قد أمر به الرب وينفذ ليماثل الرب في لآمانة عمله. الأجيال اللاحقة سوف يتصوروا ان العمل في ذاته هو عقاب نتيجة سقطة آدم ولكن ليس هناك دليل في سفر التكوين لكي يؤيد تلك المقولة. ان الأمر بالعمل جاء الى آدم في وقت برارته، وبعد الخطيئة الأصلية وجد آدم ان عمله شاق ولكن كان لا يزال عملا جيدا.

انه اكثر من جيد وفي الحقيقة كان مقدسا فعلماء الكتاب المقدس لاحظوا ان الأمر بالعمل كما جاء في سفر التكوين يمنح الكهنوت البدائي لآدم فالله قال له:” وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا“(تكوين15:2). ان الفعل العبري “يعمل” و”يحفظ” ظهرا معا في مكان آخر في الكتاب المقدس ليصف نشاط طقسي للكهنة اليهود، فعمل آدم من المفترض ان يكون تقدمته لله تعالى وهو خدمته الكهنوتية فالأرض التى يحرثها تكون مذبحه حيث يحرسه ويحفظه من الدنس.

بالطبع آدم فشل في مهمته الكهنوتية والكتابات العبرية يمكنها ان تقرأ كتاريخ للجهود البشرية ليعيد شرعية التضحية زتقدم الذبيحة على الأرض وكل محاولة من الانسان قد فشلت ولكن آخر الأنبياء القانونيين ملاخي تنبأ عن اليوم عندما تكون مثل هذه التضحية تتم في كل مكان:”  لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ”0ملاخي11:1).

يسوع في شبابه سيعلن اتمام وحي ملاخي على نفسه:” قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ.  أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا”(يوحنا21:4-24).  والقديس بولس الرسول سوف يؤكد ان يسوع هو آدم الجديد:” لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.“(رومية 19:5) و”أَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ.“(1كورنثوس22:15). في المسيح الكهنوت قد اعيد بكفاءة وبهذا فهو يمكنه ان يقدم للعالم الطريقة التى كان يجب على آدم ان يقدمها. كل العمل الذي قام به يسوه – حتى اول جهد قام به وهو طفل صغير – كان تقدمة طاهرة لأبيه السماوي.

لقد شارك يوسف في ذلك العمل فهو جاهد وعمل ويسوع كان بالقرب منه وشاهد الصبي ينمو ويصبح قويا مملوء حكمة:”  وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ”(لوقا40:2). كان عملهما تعاونيا بنية متبادلة وتقدمة الأب النجار صنعت في احسن الأحوال على يد ابنه النجار.

يمكننا ان نكون على ثقة ان يوسف كان مشغولا على مدار حياته العملية. لقد بدأ هيرودس نشاط بنائي في كل مكان لم يسبق له مثيل وترك العديد من المشروعات ومن بينها هيكل اورشليم غير مكتمل وقت موته. ان ورثته لم يكونوا غير مبتكرين ولا حتى فنانين مثا ابوهم ولكنهم احتفظوا بانهاء بعض المباني بخطى سريعة. لقد زاد عدد الجنود الرومان والتجار خاصة بعد موت هيرودس الكبير وكما قسّم اغسطس قيصر المملكة الى اربع اقسام فجاءت تلك التغييرات الاجتماعية والسياسية بالعديد من الوظائف للحرفيين في الجليل والمناطق المجاورة وطالما يمكن ليوسف ان يعمل فهناك عمل له.

طفولة يسوع

كان القديس يوسف مؤمنا وعلى الرغم من ابنه المسيّا-ابن داود وابن الله- كان واضحا من ميلاده هذه الحقائق التى فازت بها اسرته لكن لم تكن هناك معاملة خاصة على الأرض. بدأت حياة يسوع في صعوبة بالغة فهو يعلم ان ليس هناك اي ميزة وتمت مقاومته ولا يوجد لدي والديه الارضيين اي مكانة اجتماعية.

لبعض الرجال قد تكون تلك الحقيقة حجر عثرة ولكن ليس ليوسف. ضمن اليهود هناك توقع مبني على وحي اشعيا النبي ان المسيّا هو “مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ”(اشعيا3:53) وايضا “وَلْنَكْمُنْ لِلصِّدِّيقِ؛ فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا يُقَاوِمُ أَعْمَالَنَا، وَيُقَرِّعُنَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا لِلْنَّامُوسِ، وَيَفْضَحُ ذُنُوبَ سِيرَتِنَا  يَزْعُمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَلِمَ اللهِ، وَيُسَمِّي نَفْسَهُ ابْنَ الرَّبِّ. وَقَدْ صَارَ لَنَا عَذُولًا حَتَّى عَلَى أَفْكَارِنَا. بَلْ مَنْظَرُهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا، لأَنَّ سِيرَتَهُ تُخَالِفُ سِيرَةَ النَّاسِ، وَسُبُلَهُ تُبَايِنُ سُبُلَهُمْ. قَدْ حَسِبَنَا كَزُيُوفٍ؛ فَهُوَ يُجَانِبُ طُرُقَنَا مُجَانَبَةَ الرِّجْسِ، وَيَغْبِطُ مَوْتَ الصِّدِّيقِينَ، وَيَتَبَاهَى بِأَنَّ اللهَ أَبُوهُ. فَلْنَنْظُرْ هَلْ أَقْوَالُهُ حَقٌّ؟ وَلْنَخْتَبِرْ كَيْفَ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ؟ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ ابْنَ اللهِ؛ فَهُوَ يَنْصُرُهُ وَيُنْقِذُهُ مِنْ أَيْدِي مُقَاوِمِيهِ. فَلْنَمْتَحِنْهُ بِالشَّتْمِ وَالْعَذَابِ، حَتَّى نَعْلَمَ حِلْمَهُ وَنَخْتَبِرَ صَبْرَهُ، وَلْنَقْضِ عَلَيْهِ بِأَقْبَحِ مِيْتَةٍ؛ فَإِنَّهُ سَيُفْتَقَدُ كَمَا يَزْعُمُ.“( الحكمة12:2-20)

طوال حياة يوسف كانت طائفة “الغيورين” حاملين ذلك اللقب “الخادم الذي يعاني” وفي احدى مزامير الشكر التى وجدوها في حفائر البحر الميت جاء ان المسيّا اعلن قائلا:” من ذا الذي تعذب مثلي؟ ومن ذا الذي رُفض من البشر مثلي؟ ومن الذي يمكنه ان يقارني في نبذ الشر؟ واستكمل ذلك النشيد بالقول:” من هو مثلي ضمن الملائكة؟. كان الغيورين يتوقعون مخلصا  يتعاملون معه بكل احتقار ولكن مازال له قوة غير طبيعية على قوى السموات.

اقد قبِل يوسف الاهانات والمصاعب التى أتت وخفف خبراتها من اجل اسرته بقدر الامكان. بعد المغامرة الكبرى في بدء حياة العائلة المقدسة عادوا الى وطنهم الأم وايامهم استقرت في نمط حياة القرية الهادئ. في الانجيل المقدس فقط اسبوع واحد تم تسجيله  اثناء تلك السنوات وحتى باختصار شديد تاركا لبعض الكتابات التى لم تعترف بها الكنيسة مجالا للخيالات وسرد قصص غير

منطقية عن فترة حياة العائلة المقدسة الخفيّة.

يسوع ابن يوسف النجار من المحتمل انه تلقى بعض التعليم في مدرسة القرية على يد احد الرابيين، فحتى في قرية صغيرة الاولاد اليهود كانت لديهم الفرص ليتعلموا ان يقرأوا ويكتبوا مستخدمين الكتب المقدسة كمرجع تعليمي مدرسي. القليل بعض الشيئ معلوم عن مثل تلك البرامج التعليمية فنحن لا نعرف كم تتكرر تلك الدروس ولا طولها ولا تفاصيل لمحتواها وفي الغالب كانت تتم في المجمع الذى هو المكان الوحيد في القرية لمواضيع القراءة والكتابة. طبقا لبعض النصوص اليهودية تنصح بالمزيد من التدريب على القراءة والكتابة يلزم ان يبدأ ما بين اعمار 5-7 سنوات وينتهى لأغلب الاطفال قبل سن 12 عام. في قرية مثل الناصرة فعدد الاطفال لسن الدراسة يكون صغير للغاية وقليل لا يتعدى 10.

على اية حال فانه من الواضح ان يسوع تعلم القراءة لأن القديس لوقا وصفه انه قد قرأ بصوت عالي عندما دفع له سفر اشعيا في المجمع:” وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ.“(لوقا16:4-20)، والقديس يوحنا يرينا يسوع يكتب باصبعه على الأرض:” قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ”، ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ”(يوحنا6:8و8)

عبر الوقت دروسه انتهت واصبح يسوع قد حقق درجة من الاستقلالية وقد كبر ايضا الى مساهمة محترمة في عمل ابوه يوسف وبدأ بالتدريج ينمو في العلوم الدينية ومراعاة التقاليد التى يمارسها الناس وفي عمر 12 او 13 يكون من المتوقع من الولد ان يتمم كل الواجبات الدينية وحتى انه عليه ان يذهب الى اورشليم ليدفع الضريبة السنوية نصف شاقل للهيكل.      

. رحلة الحج وليلة الفصح

على الأقل لمدة 7 قرون كل رجل بالغ كان مطالب بالذهاب الي اورشليم 3 مرات في السنة. ان الرب الاله طلب هذا الامر حتى قبل انشاء اورشليم فموسى قد أمر اسرائيل قائلا:” «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ، فِي عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْمَظَالِّ. وَلاَ يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ.“(تثنية16:16).

فقط مع بناء الهيكل ايام الملك سليمان كان هذا الأمر يمكن حدوثه، وفقط مع الاصلاحات ايام الملك يوشيا اصبح الأمر إلزاميا. الرحلة الى اورشليم كانت شاقة  ولكنها كانت واجب مفرح فالحجاج يحتشدوا على الطرق ذاهبين للأرض المقدسة من كل اركان العالم. اليهود من عدة بلاد يغنون وينشدون التسابيح والمزامير عند اقترابهم من المدينة:” فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: «إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ». تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ.أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا، حَيْثُ صَعِدَتِ الأَسْبَاطُ، أَسْبَاطُ الرَّبِّ، شَهَادَةً لإِسْرَائِيلَ، لِيَحْمَدُوا اسْمَ الرَّبِّ.“(مزمور1:122-4).

من الناصرة تأخذ الرحلة من 4-6 ايام على الأقدام والقافلة تشمل المنازل المتنقلة وبعض  العربات ولكن معظم الناس يمشون. كل اسرة تأخذ معها جدي او حمل لتقديمه ذبيحة في الهيكل في ليلة العيد والموكب يمضى مع سرعة المشاركين من اناس ودواب.

النساء والأطفال ليس عليهم اي التزام للقيام بالحج والشيوخ والعجزة كانوا معفيين ايضا. الاطفال عادة لا يذهبون وامهاتهم يبقون في منازلهم للعناية بهم. كان من المعتاد ان الصبية ذو ال 12 عام يحضرون مع اهاليهم لتعريفهم بمناسك الحج والذي سيكون واجب عليهم في السنوات التالية من عمرهم.

عندما بلغ يسوع عمر 12 عام قام بتلك الرحلة مع ابيه يوسف وذهبت امه ايضا حيث لا يوجد اي فرد في المنزل يحتاج للرعاية.  لقد ذهبوا مع الحجاج من قريتهم وربما مع آخرين من قرية كوتشيبا القرية الأخرى التى يقطنها أناس من بيت داود. على طول الطريق ربما تقابلوا مع أصدقاء قدامى او معارف. معروف ان مريم لديها عائلة تقطن ما بين الناصرة وأورشليم. عموما كانت الرحلة مبهجة على الرغم من طولها ومشقاتها لكن الشوق للذهاب الى بيت الرب كان يبدد اي خوف او تعب والجميع يرددون بابتهاج:” مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ! تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ.” و”أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلهِي عَلَى السَّكَنِ فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ.لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ.“(مزمور1:84-2 و10-11).

سيكون من المنطقي ان يسوع قد صاحب ابوه يوسف عندما اخذ الحمل للكهنة للذبيحة فهذا هو اليوم ليكتسب مهارة عندما يكبر ويتولى تلك المسؤولية بمفرده كرجل يهودي فيقود اسرته فيما بعد لتنفيذ الوصايا والشرائع وتقديم ذبيحة الفصح. معا يسوع ويوسف قد حملا الحمل للهيكل ومعا ربما اخذاه لكي يتم شويه. وليمة الفصح تكون عادة ليلا على ضوء المصابيح وتقع مسؤولية ترتيبات تلك الوليمة على الأب والذي عليه سرد سبب ذلك العيد كما اوصى الرب:” وَلِكَيْ تُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ابْنِكَ وَابْنِ ابْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي الَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».“(خروج2:10) وايضا على الأب تنفيذ كل ما جاءت به الشريعة:” فِي الْعَاشِرِ مِنْ هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ الآبَاءِ، شَاةً لِلْبَيْتِ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْوًا لِشَاةٍ، يَأْخُذُ هُوَ وَجَارُهُ الْقَرِيبُ مِنْ بَيْتِهِ بِحَسَبِ عَدَدِ النُّفُوسِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ تَحْسِبُونَ لِلشَّاةِ. تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ، تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْخِرْفَانِ أَوْ مِنَ الْمَوَاعِزِ. وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ. وَيَأْخُذُونَ مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا وَيَأْكُلُونَ اللَّحْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ مَعَ فَطِيرٍ. عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَهُ. لاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ نِيئًا أَوْ طَبِيخًا مَطْبُوخًا بِالْمَاءِ، بَلْ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ. رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ وَجَوْفِهِ. وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْبَاقِي مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ. وَهكَذَا تَأْكُلُونَهُ: أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ، وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ، وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ. هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ. فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ وَيَكُونُ لَكُمْ هذَا الْيَوْمُ تَذْكَارًا فَتُعَيِّدُونَهُ عِيدًا لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً.“(الخروج3:12-14).

في القرن الاول الميلادي كان من المعتاد ان يردد اليهود وهم يحتفلون بعيد الفصح اناشيد وتسابيح تشمل اشعار آرامية يذكر فيها اربع احداث هامة في تاريخ شعب اسرائيل وشعب الله والتى يقال انها كلها قد حدثت في ليلة عيد الفصح اليوم الرابع عشر من شهر نيسان في النتيجة العبرية اولها هو ليلة الخلق عندما كون الله العالم من لاشيئ وثاتنيها كانت الليلة عندما قدم ابراهيم ابنه اسحق كذبيحة وثالثها ليلة الخروج من ارض مصر عندما تحرر الاسرائيليون من العبودية  والرابعة هي الليلة التى لم تأت بعد وهي ليلة المسيّا وهي ايضا يجب ان تأتي في الرابع عشر من نيسان. وفي نهاية وليمة الفصح يتم انشاد مزامير 113-118 ويتبعها مزمور 136.

يسوع يوما ما سيأخذ دور اب الأسرة فيقود تلاميذه لعشاء الفصح، فانه يوسف الذي أظهر ليسوع

كل ما يجب عمله في وليمة الفصح وكيف انه قد تعلم مباركة الخبز والخمر كما فعل يسوع فيما بعد في العشاء الأخير.   

فقد يسوع

بعد انتهاء العيد بدأت العائلات والأصدقاء في اعادة التجمع لرحلة العودة لبلادهم ومن المحتمل ان يشترك معهم في رحلة العودة بعض من قابلوهم في العيد. يوسف ومريم افترضا ان ابنهما يسوع موجود في مكان ما وسط جموع المسافرين مع صبيان في نفس عمره.

مر يوم من تلك الرحلة وعلى الرغم منذلك تحققوا انهما لم يشاهدا يسوع منذ ان تركوا اورشليم. وما بدأ يظهر كوخز من القلق اصبح حزن لا يمكن احتماله كلما تيقن يوسف ومريم انهما لم يشاهدا يسوع في اي مكان في قافلة الرجوع ولا يوجد اي شخص متذكر انه قد رآه منذ مغادرتهم لأورشليم. راجع يوسف ومريم بذاكرتهما الي متى آخر مرة شاهدوا يسوع وبدأوا في مراجعة من يمكنه ان يعرف اين يسوع  ومن ربما قد رآه وهما يعلمان ان المدينة كانت مكتظة بالغرباء وان الطرق غير آمنة. يوسف قد يكون متذكرا قصة من يحمل نفس اسمه يوسف الصديق والذي أُخذ وهو صغير الى مصر وكان ذلك الفقد سببا في تحطيم قلب ابيه يعقوب. يوسف يمكن ان يصاب ببعض الفزع والألم حتى وهو يعي تماما ان الله لا يمكن ان يصيب الصبي بأي أذى  لأنه كان يضع ثقته دائما في الرب. اليوم قد مرّ والليل تبعه ووراءه يوم آخر وليل آخر وبدأ حزن يوسف ومريم يصل لأقصى مدى التحمل البشري:” لَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ؟”(مزمور1:13-2).

عادا يوسف وماريان الى مدينة اورشليم مرة اخرى وكم كان فرحهما ومدى ارتياحهما واي دموع قد سكبوها عندما بعد ثلاثة أيام وجدوا يسوع في الهيكل وكان جالسا مع المعلمين بنصت ويسأل، وتجمع الكثيرين من حولهم متعجبين من حكمة الصبي:” وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ.“(لوقا46:2-47).

هل يستطيع يوسف – حتى يوسف الصامت- بعد ان رأى ابنه يسوع ولا يصرخ؟. انها مريم التى تكلمت قائلة:” «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ“(لوقا48:2). وجه يسوع كلامه لكلتا والديه قائلا:” «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟».“(لوقا49:2).

اي اب بشري سيشعر بالألم عند تلك الكلمات ومن المؤكد ان يوسف شعر بذلك ولكن الأمر لم يكن غيرة تجاه الله ولم يكن مسألة ان يوسف اراد بعض الاعتراف او الشكر من ابنه، ولكن تلك اللحظة هي علامة فصل والتى تبدو الآن حتمية. ابن يوسف اصبح رجلا ووصل الى نضجه والى سن الاستقلالية وكان واضحا ان لديه مهمة يلزم اتمامها.

سنوات قبل ذلك الأمر قال رجل شيخ عجوز هناك في ذلك الهيكل لمريم:” وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ».“(لوقا35:2). في تلك اللحظة يوسف ايضا شعر بذاك السيف ربما بشدة كأي شيئ آخر قد شعر به أثناء البحث عن الصبي.

يوسف ومريم “فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا”(لوقا50:2). هناك عدم فهم لا مفر منه ما بين

الأجيال وذاك ايضا هو حزن بدأ يشعر به يوسف كأي أب.

ذهبت الأسرة الي بلدتهم ومن المؤكد تغيير قد حدث بعد تلك المحنة يسوع الآن قد كبر وعن طيب خاطر خضع لسلطة يوسف ومريم:” ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا”(لوقا51:2).

خضع الله نفسه ليوسف في الطاعة. ترى ما أعظم شهادة لبرارة يوسف يمكن أن تكون أكثر من هذا؟

تأمل مختصر في حكمة يوسف

الحادثة التى وقعت في اورشليم هي آخرلمحة نهائية لتاريخ يوسف سجلها الكتاب المقدس. بعض المسيحيين الأوائل حفظوا بعض الكتابات ان يوسف قد عاش بعد تلك الحادثة 7 سنوات أخرى قبل ان يموت والذي من المحتمل ان يكون موتا سعيدا فلقد مات يوسف في حضور يسوع ومريم. بعد ذلك، فالسماء نفسها تتطلب بالكاد عملية انتقال.

يوسف كان رحلا بسيطا لم يختار ان يعقّد الحياة ولكن بدلا من ذلك احتفظ بتركيز منفرد وحيد على من يحبهم فمع محبته في القلب والعقل كل ما قام به من واجبات جاءت في مكانها.

البساطة هي طريقة اخرى تماثل فيها يوسف مع الله، فعلماء اللاهوت وضعوا قائمة من اعمال

البساطة ضمن صفات الله، فالله ليس لديه “اجزاء” ولا تعقيدات فكيانه مطابق لصفاته.

يوسف كان رجل نزيه في الفكر والارادة، وكان محبا وواعيا وكريما وثابتا. كان يوسف حرفيا كما الله هو ايضا حرفيا وعاملا كما وصفه سفر يشوع بن سيراخ:” كَمَا يَكُونُ الطِّينُ فِي يَدِ الْخَزَّافِ، وَتَجْرِي جَمِيعُ أَحْوَالِهِ بِحَسَبِ مَرْضَاتِهِ، كَذلِكَ النَّاسُ فِي يَدِ صَانِعِهِمْ، وَهُوَ يُجَازِيهِمْ بِحَسَبِ قَضَائِهِ”(يشوع ابن سيراخ13″33-14). الأكثر أهمية ان يوسف كان أباً.

هل يا ترى لاحظ بوسف التشابه؟ هل لاحظ يوسف النجار التشابه والذي الوعاظ وعلماء الكتاب لاحظوه فيما بعد مع يوسف الصديق؟ ان يوسف الصديق في العهد القديم هو صورة مسبقة لما هو للأب في العهد الجديد بطرق عديدة. كلا من يوسف الصديق ويوسف النجار استقبلا رؤى من الله في أحلام وكلاهما قادا شعب الله الي مصر وكلاهما قاومتهما قوى الشر وواجهوا اخطار قاتلة.

لا نعرف اذا ما كان يوسف النجار قد لاحظ مثل ذلك التشابه والذى لا يمكن للمسيحيين ان يتجنبوا رؤيته. عندما ننظر الي يوسف النجار ننظر تلقائيا الى الوراء في التاريخ والى الأمام حتى اتمامه. كل انواع وشخصيات ورموز العهد القديم هي ظل للأمور المستقبلة والتى جاءت وذكرت في العهد الجديد. ان إتمام العهد الجديد يتحقق بدوره ويمكن فهمه فقط في الأبدية.

هذا الجانب من النقاب تظهر لنا فضيلة يوسف النجارالرئيسية الا وهي “الفهم والمعرفة”.

“الفهم” او prudence هي اكثر عدم فهم للفضائل الأربعة الرئيسية. هي اكثر اهمية لأنها هي شرظ مسبق للفضائل الأخرى كالعدل والصبر والثبات. انها الحكمة او الفهم التى تساعد الرجل الفاضل ان يتوجه الى طريق الثبات.

فضيلة “الفهم” او “الفطنة” كما جاء عنها:” وَإِنْ كَانَتِ الْفِطْنَةُ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ؛ فَمَنْ أَحْكَمُ مِنْهَا فِي هَنْدَسَةِ الأَكْوَانِ؟”(الحكمة6:8)، وهي من الروح القدس روح الله:”رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ“(اشعيا2:11).

فضيلة “الفهم” هي الحكمة العملية التى تتيح للشخص ان يتخذ العمل او الفعل الصحيح وكما يعرفها القديس توماس الاكويني بانها “السبب الحقيقي للفعل”، ويذكرها سفر الأمثال:” لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ.“(امثال6:2)، “بِالْحِكْمَةِ يُبْنَى الْبَيْتُ وَبِالْفَهْمِ يُثَبَّتُ،“(حكمة3:24)، ولهذا قال يسوع:” وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ الْقَلْبِ، وَمِنْ كُلِّ الْفَهْمِ، وَمِنْ كُلِّ النَّفْسِ، وَمِنْ كُلِّ الْقُدْرَةِ، وَمَحَبَّةُ الْقَرِيبِ كَالنَّفْسِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ».”“(مرقس33:12).

ان تلك الحقيقة قد تدهش معظم الناس اليوم فهي في ـغلب الأحيان تقدم على انها عدم فعل الأمر-التردد او الحيرة او الخجل او الحرص الشديد او التردد الدائم. احد الفلاسفة يعرف تلك الفضيلة “الفهم” بانها سبب وجذر وام ومقياس ومبدأ ومرشد ونموذج لكل الفضائل الأخلاقية فهي تعمل فيهم جميعا لتجويدهم وتحسينهم ليظهر طبيعتهم الخاصة والكل يساهم فيها”.

ولكي نتفهم اكثر معنى كلمة”فضيلة” فهي تعنى “ممتاز،فائق،شريف”، وكانت تفيد فى القديـم كلقب يستخدم لـتمييز فرد او جماعـة  من جهة الأخلاق أو السلوك.وبدأت تُستخدم فى الـمحيط الفلسفى بـمعنى خاص يقترب من معنى البِر أو العدل أو الإستقامـة. والفضائل عمومـا إسم شائع فى جميع

الأديان بل فى السلوك الإجتماعـي العادي. ويمكن عمومـاً تقسيم الفضائل الى ثلاث أقسام:

  1. عقلانيـة أي التى تختص بالعقل مثل الحكمة والعِلم والفهم والـمهارة والفِطنـة.
  2. أخلاقيـة وتشمل العدل وضبط النفس والثبات والصبـر والسخاء وكرم الأخلاق والـمثابرة.
  3. لاهوتيـة وهى التى تختص بالله كالإيـمان والرجاء والـمحبة.

ويـمكن أيضاً تقسيم الفضائـل إلـى نوعان فقط بحسب الغايـة والدافع لهـا:

أ-فضائـل جسديـة أو الفضائل البشريـة: وهى التى يعملها الإنسان بدوافع ووسائل وغايات جسديـة. فالدوافع الجسديـة مثل الغيرة والـمنافسة وحب الظهور أو مماثلة الأخرين،أو تحت عوامل الضغط والإرهاب من الوالد أو الـمدرس أو الكاهن وهى تكون عادة من غيـر أي إقتناع روحـي. أمـا الوسائل الجسديـة كالجهد والصبر والعزيـمة فكلهـا يكون نابعاً من الجسد والذات ويتوقف تكميل الفضيلة بقدر الجهد وهى كلها يحركها الدافع الجسدي. والغايات الجسديـة ما دامت بدافع جسدي ستكون الفضيلة لها غاية جسديـة أيضاً مثل أن يكون الإنسان ناجحاً فيمدحـه أبوه أو معلّمه، أو أن يكون مشهوراً وموثوقـاً بـه فتزداد تجارتـه أو أن يظهر الإنسان قديساً لكي يـمدحه الناس فى الـمجالس والـمجتمعات وكل هؤلاء قد استوفوا أجرهـم من الناس مديحاً وكرامـة (متى2:6). 

ب-فضائل روحيـة أو الفضائل الإلهيـة: وهـى التى تكون دوافعهـا ووسائلهـا وغايتهـا روحيـة.وهنا الدافع الوحيد هو محبة الله من كل القلب كوصية الرب القائل:”أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك وكل ذهنك”(لوقا27:10). والوسيلة الوحيدة لتكون الفضيلة روحيـة هى الروح القدس الذى نلناه فى الـمعموديـة و”أما تعلمون أن أجسادكم هى هيكل الروح القدس الذى فيكم الذى نلتـموه من الله”(1كورنثوس19:6).

والروح القدس هو فينـا وعلى أتم إستعداد للعـمل فيمد جسد الإنسان بقوة للصبر، ويـمد النفس بقوة للبذل، ويـمد الإرادة بقوة عزيـمة غير عاديـة “والذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله”(روميـة14:8)، ووصايا السيد الـمسيح لا يمكن تتميمها إلا بالروح القدس” يُعلـمكم كل شيئ ويذّكركم بكل ما قلتـه لكم”(يوحنا26:14)، وهو القائل:”بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً”(يوحنا15:15)،لهذا أوصانا الرسول قائلاً:”لاتطفئوا الروح”(1تسالونيكى19:5).

الروح القدس الساكن فيـنا هـو الذى يعطى الكلمة،والقوة، وثمر الروح والإيمان،والعزاء، والقداسة،والحرارة فـى الخدمـة والعـمل.

مـا هـى الفضائـل الإنجيليـة

الفضائل الرئيسية الثلاث حسب الكتاب الـمقدس هى كالتالـى:

  1. الإيـمان
  2. الرجـاء
  3. الـمحبـة

وهناك علاقـة عجيبـة مـا بين تلك الفضائل الثلاث الأساسيـة.

الإيـمـــــان مـوهـبـة..

والرجـــــاء طـريـــق..

والـمـحبـة حـــــــياة..

إذن..فالإيـمــان هـو موهــبة الطريــق للحيـــاة..

ان النعمة الـمقدسة التى وُهبت لنا لا تـتم فاعليتها إلا بوحدة هـذا الثالوث العظيم الإيـمان والرجــاء والـمحبة وهناك تلاحم تام بينهم.

ان القديس بطرس فى رسالته الثانية دعانا قائلاً:”إذ وُهبت لنـا قوتـه الإلهيـة كل ما يؤول إلى الحياة والتقوى بـمعرفـة الذى دعانا بـمجده وفضيلتـه وبـه وُهبت لنـا الـمواعيد العظيـمة لكي تصيروا بها شركاء فى الطبيعة الإلهيـة هاربين من الفساد الذى هو فى العالـم من الشهوة. فأضيفوا أنتم إلى ذلك عينه كل الإجتهاد وزيدوا على إيـمانكم الفضيلـة وعلى الفضيلـة التعقّل وعلى التعقّل العفاف وعلى العفاف الصبـر وعلى الصبـر التقوى وعلى التقوى الـمودّة الأخويـة وعلى الـمودّة الأخويـة الـمحّبـة. فإن هذه إذ كانت فيكم لا تدعكم غيـر عاملين ولا غيـر مثـمريـن فى معرفـة ربنـا يسوع الـمسيح”(2بطرس3:1-8).

هكذا فمن يفتقر لفضيلة “الفهم” يفتقر ايضا لكل الفضائل الأخرى ويكون الروح القدس خامدا.

اذا ما كان يوسف رجل “بار” كما وصفه الكتاب المقدس فهذا لأنه في الأول رجل “فهيم” فمن الكتب المقدسة والتقليد واكثر من هذا عرف انه ليس وحده وان الله دائما معه في اي معركة او ضيقة او مشكلة. هو علم انه يستطيع ان يدعو ويطلب المعونة فتأتي الملائكة لمعاونته وهم اقوى من اي قوة ارضية. ففضيلة الفهم جعلت يوسف يدرك تماما انه مكلف بمسؤولية عظيمة لخلاص البشرية وان يكون مسؤولا عن مخلص العالم ويحرس ابن الله.  

ان نتخذ القديس يوسف مثالا لنا

انه جيد وصالح لنا نحن المؤمنين ان نصطحب القديس يوسف في رحلة حياتنا على الأرض وجيد ايضا بالنسبة لنا ان نتأمل في حياته ونجد فيها النموذج الذي نحتذى به لننال ما ناله هذا القديس العظيم وهذا ما يُدهى “اكرام القديس يوسف”.

لعدة سنوات تم تجاهل دور القديس يوسف وكان التركيز على دور القديسة مريم العذراء أم يسوع، ولكن بدأت الكنيسة في الاهتمام والقاء الضوء بصورة اكثر وخاصة ما عبّر عنه العديد من القديسين.

لقد تقدم تقديم الإكرام للقديس يوسف وخاصة مع ازدياد التعمق في معرفة دوره في سر التجسد فذلك الشخص المتضع والبار والمطيع اصبح نموذجا لكل المسيحيين وللكنيسة. لقد شرح القديس St Bernardine of Siena (1380-1444) في عظاته أهمية القديس يوسف في سر الكنيسة:” اذا ما قارنت يوسف مع بقية كنيسة المسيح أليس هو فقط الرجل الذي أختير ليكون من خلاله وتحت مسؤوليته دخل المسيح الي العالم بطريقة عادية ومكرّمة؟ لذلك فالكنيسة المقدسة جمعاء مدينة للقديسة مريم لأنه من خلالها ان الكنيسة قادرة ان تستقبل المسيح وبعد مريم فها هو القديس يوسف تدين الكنيسة له بدرجة متوازية بكل الإحترام والتقدير”.

العالم اللاهوتي Jean Gerson (1363-1429) والقديس St Bernardine of Siena، قد أعطوا الأساس اللاهوتي لتقديم الإكرام للقديس يوسف فلقد تذكرواخطوبة يوسف لمريم وشكروا ابوته الصادقة ودفاعه عن حياة يسوع وقارنوا بينه وبين يوحنا المعمدان. ان مجهوداتهم قد تكللت بالإحتفال بعيد للقديس يوسف في عام 1479 تحت حبرية البابا Sixtus الرابع وكذلك تم تخصيص شهر مارس له.

انه ليس حتى بدء محاولات القديسة Teresa of Avila (1515-1582) في نشر الإكرام للقديس يوسف في الغرب وبعد ان وضعت رهبنتها التي اسستها تحت حمايته فكانت ثقتها العظيمة في حمايته ليس لها حدود. لقد كانت دائما تردد:” انه اذا ما كان يسوع عمل كل ما سأله الأب  ان يفعله بينما هو على الأرض اذا فيسوع يستمر ان يطيع ابوه الأرضي وهو في السماء اذا ما سأله، فالنفوس تحصل على ثقة شديدة اذا ما رفعت صلواته وطلباتها بشفاعة القديس يوسف”.

ابنة أخرى من راهبات الكرمليت وهي القديسة Therese of Lisieux والتي كانت تقدم الإكرام الدائم للقديس يوسف والتي كانت قد تعلمته من والديها Louis and Zelie Martin واللذان اعلن قداستهما أخيرا ولقد كتبت قائلة:” انها كانت تصلي للقديس يوسف لكي يحرسني منذ كنت طفلة وانه قد كرّست نفسها له وللقديسة مريم وللطفل يسوع”.

ان القديس يوسف ليس فقط شفيع العديد من الرهبانيات والجماعات الكنسية ولكنه هو أيضا

شفيع للعديد من الدول مثل كندا والصين وبيرو والفلبين وفيتنام وبلجيكا. في عام 1870 اعلن البابا بيوس التاسع ان القديس يوسف هو شفيع الكنيسة جمعاء وجعل يوم 19 مارس عيداً مخصصا له. وفي عام 1889 اعلن البابا ليون الثالث عشر ان القديس يوسف هو قديس وشفيع الأباء والعمال وأيضا يتم الإحتفال به في اول مايو مع عيد العمال في انحاء العالم كما اعلنه البابا بيوس الثاني عشر.

ان قديسون الألف سنة الثانية تذكروا ان يسوع قد اختار ان يكون مطيغا وخاضعا لأبوه الأرضي

يوسف (لوقا51:2) فعلينا نحن ايضا ان نطيع ونخضع لمن أطاعه الله الإبن.

بطرق كثيرة عالمنا اليوم مختلف عن عالم القديس يوسف فالعمل في حانوت النجارة مثلا قد تقدم باستخدام الآلات والماكينات المتقدمة. الرحلة الى مصريمكن اتمامها في اقل من يوم ولكن العالم مازال يسير ويجري على نفس الاساسيات فالطبيعة البشرية لم تتغير عبر السنوات فنحن نواجه نفس التحديات الأخلاقية اكثر من ذي قبل.

قد نندهش من جمال نفس الأماكن وحتى النظر الى الأفق البعيد والتطلع للوجوه الأقرب والتى تعودنا عليها ونتسلق الجبال والوديان ونستمع للموسيقى ونفرح اذا ما وجدنا بعض الصدق فيما بين سطور بعض الأشعار.

نحن نسير في عالمنا بأكثر ثقة عندما نعرف قصة يوسف في عالمه الخاص وسوف نصل الى وطننا السماوي بأكثر تأكيد اذا ما كان القديس يوسف هو من يصاحبنا في ارض الغربة هذه.

صلاة: أيها الرب يسوع يا من بعنايتك اخترت القديس يوسف حاميا للكنيسة الجامعة، نسألك بشفاعته أن تمنحنا نعمة المحافظة على إيماننا المستقيم، وأن نحيا حياتنا المسيحية من دون خوف، ونعلن إيماننا في كل مكان. ولا تسمح يا رب بأن يبعدنا عنك أعداء نفوسنا، بل ثبتنا في إيمان بطرس، فنمجدك إلى الأبد. آمين.

ايها الاب الجليل والشفيع القدير القديس يوسف، انني عندما اتلفظ باسمك الحلو أشعر في قلبي بفرح وعذوبة لا يوصفان فاسمك يا مار يوسف هو صلاة بفمي اذا لفظته باحترام وثقة بنويَّين وبه أنال كل ما ارغبه من مراحم العلي . فانعم علي بان أترنم باسمك الكريم طول حياتي حتى يضحي تقويتي وتسليمي عند ساعة موتي ويكون لي بمثابة ورقة مرور للسماء آمين

صلوات يومية

صلاة: باسم الاب والابن والروح القدس الإله الواحدآمين

أيها الآب الأزلي، نشكرك لأنك اخترت القديس يوسف أباً ومربياً للمسيح يسوع، ابنك الوحيد، وقد أحاطه وأمه مريم بالعطف والحنان، نسألك بشفاعته أن نكون في كل حياتنا محاطين بيسوع ومريم، وتكون أيامنا أنشودة حب ننشدها لك ونسير في اتجاه قلبك الأبوي بقيادة الروح القدس المعزي، فنمجدك برفقة شفيعنا المجيد القديس يوسف الى الأبد. آمين.

مسبحة القديس يوسف: كيف تتلى هذه المسبحة؟

على الحبات الخمس الكبيرة: يقال صلاة الأبانا

على الحبات الصغيرة يقال:

  • السلام عليك يا يوسف يا إبن داوود، يا رجلاً صدّيقاً و خطيب مريم البتول، التي وُلد منها يسوع
  • يا قديس يوسف ، الأب المرّبي لسيدنا يسوع المسيح، صلي لأجلنا الآن وفي ساعة موتنا.آمين

ثم المجد للآب والإبن والروح القدس كما كان في البدء والان وعلى الدوام والى أبد الآبدين…آمين

أسرار مسبحة القديس يوسف

السر الأول: لنتأمل القديس يوسف قرب سيدتنا مريم العذراء أثناء ولادة سيدنا يسوع المسيح. ثمرة السر: نقاوة الضمير

السر الثاني: لنتأمل القديس يوسف يقدم الطفل الإلهي الى الهيكل
ثمرة السر: الإتحاد بالله

السر الثالث: لنتأمل القديس يوسف هارباً الى مصر مع الطفل الإلهي
ثمرة السر: الثقة بالعناية الإلهية

السر الرابع: لنتامل القديس يوسف الأب المربي ليسوع في الناصرة والعامل معه. ثمرة السر:

تقديس العمل

السر الخامس: لنتامل القديس يوسف مائتاً بين يديّ يسوع و مريم
ثمرة السر: الميتة الصالحة

يا يسوع ومريم ويوسف إني أعطيكم قلبي وروحي وجسدي

يا يسوع ومريم ويوسف أعينوني الآن وفي ساعة موتي

يا يسوع ومريم ويوسف امنحوني أن أموت بسلام بين أيديكم.

المجد للآب والابن والروح القدس الاله الواحد. آمين

طلبة القديس يوسف

كيرياأليسون  كريستاأليسون  كيرياأليسون 

يا ربنا يسوع المسيح               أنصت لنا

يا ربنا يسوع المسيح               إستجب لنا

ايها الآب السماوي الله             ارحمنا

يا ابن الله مخلص العالم            ارحمنا

ايها الروح القدس الله               ارحمنا

ايها الثالوث القدوس الإله الواحد    ارحمنا

يـا قديسة مريم                     صلي لأجلنا

ايها القديس يوسف البتول          صلي لأجلنا

يـا سلالة داود الكريمة              صلي لأجلنا

يـا نور الآبـاء                      صلي لأجلنا

يـا خطيب والدة الله                       صلي لأجلنا        

يـا حارس البتول الطاهر                  صلي لأجلنا 

يـا مُربـّي ابن الله                          صلي لأجلنا 

يـا حامـي المسيح الغيور                  صلي لأجلنا 

يـا رئيس الأسرة المقدسة                   صلي لأجلنا 

يـا يوسف الجزيل البـِر                           صلي لأجلنا        

يـا يوسف الساميّ الطهارة                 صلي لأجلنا 

يـا يوسف الكثير الحِكمة                  صلي لأجلنا 

يـا يوسف العظيم القوة                     صلي لأجلنا 

يـا يوسف الوافر الأمانـة                   صلي لأجلنا 

يـا مرآة الصـبر                           صلي لأجلنا 

يـا مُحب الفقراء                          صلي لأجلنا               

يـا قدوة العمال                            صلي لأجلنا        

يـا زينة الحياة البيتية                      صلي لأجلنا 

يـا حارس العذارى                        صلي لأجلنا        

يـا سَنَد الأسر                            صلي لأجلنا 

يـا تعزية البائسين                         صلي لأجلنا        

يـا رجاء الـمرضى                         صلي لأجلنا 

يـا شفيع الـمائتين                         صلي لأجلنا 

يـا رُعب الشياطين                        صلي لأجلنا        

يـا حامي الكنيسة المقدسة                 صلى لآجلنا

يا حامل الذبيحة المنقذة                   صلي لاجلنا

يا حارس بتولية مريم                      صلي لاجلنا

يا حارس الفادي                          صلي لأجلنا

يا حافظ المسيح في الهرب                صلي لاجلنا

يا مثال الطاعة الكاملة                    صلي لاجلنا

ايها النجار الارفع قدرا من الملوك         صلي لأجلنا

يا “خادم المسيح”[13]                       صلي لأجلنا

يا “خادم الخلاص”                       صلي لأجلنا

أيها “العضد في الشدائد”                  صلي لأجلنا

يا “حامي المنفيين والمحزونين والفقراء”    صلي لأجلنا

يـا حمل الله الحامل خطايا العالـم           إغفر لنا يارب

يـا حمل الله الحامل خطايا العالـم           إستجب لنا يارب

يـا حمل الله الحامل خطايا العالـم           إرحـمنـا

س: صلي لأجلنا ايها القديس يوسف

ج: لكي نستحق مواعيد المسيح

نصلّ: اللهم الذي شئت بعناية فائقة الوصف ان تختار الطوباوي يوسف عريسا لوالدتك الفائقة القداسة أهلنا لأن يكون لنا شفيعا في السماء من نكرمه بمنزلة محام على الأرض. انت الحي المالك الى دهر الدهور. آمين. 

لوس انجلوس في 20 سبتمبر 2022


[1] Born c. AD 46 · and died after AD 119 (aged 73–74).. Plutarch was a Greek Middle Platonist philosopher, historian, biographer, essayist, and priest at the Temple of Apollo in Delphi. He is known primarily for his Parallel Lives, a series of biographies of illustrious Greeks and Romans, and Moralia, a collection of essays and speeches. 

[2] Born20 or 21 July 356 BC · PellaMacedon; Died10 or 11 June 323 BC (aged 32

[3] Born12 July 100 BC · RomeItalyRoman Republic; Died15 March 44 BC (aged 55) · 

[4] Born384 BC · AthensGreece; Died12 October 322 BC (aged 62)

[5] Born3 January 106 BC · ArpinumItalyRoman Republic; Died7 December 43 BC · (aged 63) · 

[6] “St Joseph and His World”, by Mike Aquilina (2020)

[7] Sextus Julius Africanus (c. 160 – c. 240; Greek: was a Christian traveler and historian of the late second and early third centuries. He is important chiefly because of his influence on Eusebius, on all the later writers of Church history among the Church Fathers, and on the whole Greek school of chroniclers.

[8] نص إنجيل يعقوب المنحول – كتاب ابو كريفا العهد الجديد: كيف كُتِبَت؟ ولماذا رفضتها الكنيسة؟ 1- الكتب المسماة بـ أناجيل الطفولة والآلام | St-Takla.org

[9] ملخص الكتب الأبوكريفية المرفوضة – كتاب هل هناك أسفار مفقودة من الكتاب المقدس؟ | St-Takla.org

[10] St. John Chrysostom. Doctor of the Church, born at Antioch, c. 347; died at Commana in Pontus, 14 September, 407.

[11] St. Peter Chrysologus or of Eavenna> Born at Imola, 406; died there, 450

[12] St. Ambrose. Bishop of Milan from 374 to 397; born probably 340, at Trier, Arles, or Lyons; died 4 April, 397. He was one of the most illustrious Fathers and Doctors of the Church,

[13] البابا فرنسيس يضيف سبعة ابتهالات إلى طلبة القديس يوسف-مايو 2021