القاموس المريمي للشماس نبيل حليم يعقوب

القاموس المريمي للشماس نبيل حليم يعقوب

كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك

لوس أنجلـوس- كاليفورنيـا

جمعية جنود مريم – فرقة سلطانة الملائكة

تقديــم

“فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ” ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ“(يوحنا26:19-27).

«هُوَذَا أُمُّكَ». كان هذا طلب يسوع وهو على الصليب ولكي نعرف فى الحقيقة من هي تلك الأم نقدم هذا المرجعللمساهمة فى التأمل والدراسة والتبشير ولإلقاء الضوء على سر الـمرأة التى اختارها الله لتكون اما لإبنه الوحيد والتى حيّاها الملاك قائلاً:”مباركة أنتِ فى النساء”(لوقا28:1).

القديسة مريم العذراء أم يسوع، هي أكثر إمرأة مشهورة في التاريخ، لم تنل اي إمرأة أخرى مثلها مكانة عالية من التبجيل وتعبيرات الخضوع وعلامات الامتنان، او صنع لها الكثير من التماثيل والمنحوتات والرسومات والأناشيد والأعمال الأدبية. لا توجد إمرأة أخرى محبوبة بصدق من قِبل الكثير من البشر في كل القارات. صورها معروضة في انحاء العالم وفي كل واحدة منها تظهر بصورة مختلفة وحسب ظهوراتها او من شهود العيان او ما تناقلته الأجيال. حتى ولو ان القديسة مريم العذراء معروفة بصورة متسعة عبر الأجيال لكن لدينا القليل جدا من المعلومات الموثقة عن حياتها الزمنية الأرضية وحتى الكتاب المقدس لكونه المصدر الرئيسي للتعاليم الكنسية، مع ما تناقلته الكنيسة عبر التقليد الكنسي فكلها كان تركيزها الرئيسي هو إعلان البشارة ورسالة الخلاص.

إذا ما حاولنا ان نتعرض الى جميع جوانب حياة “أم يسوع” ودورها في تاريخ خلاص البشرية فلا يمكننا الا ان نعترف اننا لا نملك الكثير من المعرفة عن فتاة الناصرة مثل الكثير من الحقائق التى جاء ذكرها في الكتاب المقدس “كالرعود السبعة” الذي تم اخفاء حقيقتها:” وَبَعْدَ مَا تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا، كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِيَ:

«اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ».“(رؤيا4:10)، مختومة” ومخفية عنا.

ان ما جاء عن القديسة مريم في الكتاب المقدس والتقليد الكنسي كاف لأن نعرف عنها انها

كانت “أم يسوع” ومثال صادق لنا نحن خليقة الله المؤمنين بربنا يسوع المسيح وان التكلم عن

مريم يطيب ويحلُ وينضج متى تكلمنا عنها وهي تتفاعل مع تدبير الله الخلاصي.

لقد سبق وان أصدرت كنيستنا سلسلة من الكتيبات في الفترة من عام 1997 وحتى الآن[1] عن من هي أم يسوع ومكانتها ِوما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكية محاولة بسيطة للتعرف على القديسة مريم العذراء، ولكن على الرغم من هذا الكم فما كتب او نشر في العديد من المراجع والنشرات والدوريات الكاثوليكية لا يمكن ان يعطينا حقيقة كافية عن من هي المرأة التى ولدت لنا مخلص العالم.

اضافة لما تم اصداره فنقدم هذا المرجع الجديد “القاموس المريمي” والذي يمكن تقسيمه كأي قاموس طبقا للحروف العربية الأبجدية، او طبقا للأقسام التالية:

  1. مريم فى الكتاب المقدس
  2. والدة الله
  3. 3.   «هُوَذَا أُمُّكَ»
  4. 4.   «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ

ولقد اخترنا فى هذا المرجع ان نتبع التقسيم الثاني لسهولة الرجوع للموضوع دون ان يقفز القارئ ما بين الحروف الأبجديـة محاولا تجميع كل ما يختص بموضوع معين او عقيدة او إكرام.

ندعو الله ان يكون هذا المرجع سببا لنتعرف أكثر على أم يسوع وللتأمل والعمل بما أوصانا به الرب يسوع وما أوصتنا هي به، وأن يكون سبب بركة روحيـة للجميع وأن يساعد أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة ليتعرفوا على يسوع المسيح الكلمة المتجسدة من خلال أم يسوع لننموا جميعا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.

                 الشماس

                نبيل حليم يعقوب

لوس انجلوس فى أغسطس 2023

الفهرس

  1. مريم فى الكتاب المقدس
  2. مريم فى كتب العهد القديم
  3. مريم فى كتب العهد الجديد
  4. مريم في كتب الأبوكريفا
  5. وطن مريم العذراء
  6. عائلة مريم العذراء
  7. ولادة مريم العذراء
  8. متى ولدت مريم العذراء؟
  9. أين ولدت مريم العذراء؟
  10. سلسلة نسب مريم العذراء
  11. احداث طفولة مريم العذراء
  12. أسم مريم
  13. معنى إسم مريم
  14. مريم قبل البشارة والقديس يوسف
  15. البشارة
  16. الزيارة
  17. انشودة التعظيم
  18. ميلاد يوحنا ابن زكريا
  19. الحلم العجيب
  20. الميلاد العجيب
  21. رعاة بيت لحم
  22. ختان وتسمية الطفل يسوع
  23. اسم يسوع
  24. تقديم يسوع فى الهيكل
  25. زيارة المجوس
  26. الهروب الى مصر
  27. العودة الى الناصرة
  28. طفولة يسوع
  29. العثور على يسوع فى الهيكل
  30. عائلة الناصرة
  31. موت القديس يوسف
  32. بدء حياة يسوع العلنية
  33. قانا الجليل
  34. مريم وحياة يسوع العلنية
  35. مريم تحت الصليب
  36. مريم بعد القيامة والصعود
  37. انتقال مريم العذراء للسماء
  38. أبعاد إنتقال مريم العذراء للسماء
  39. إمرأة سفر الرؤيا
  40. تكليل القديسة مريم العذراء
  41. كلمات مريم
  42. رفات وذخائر
  43. التسلسل الزمني لحياة القديسة مريم
  44. والدة الله
  45. العِلم المريمي
  46. الثالوث الأقدس ومريم
  47. آباء الكنيسة ومريم
  48. العقائد المريمية
  49. الأمومة الإلهيـة
  50. الحبل بلا دنس
  51. البتولية الدائمة
  52. عقيدة الإنتقال      
  53. فضائل مريم
  54. التعليم المسيحي ومريم    
  55. III.                      «هُوَذَا أُمُّكَ»
  56. شفاعة مريم 
  57. أعياد مريمية
  58. ألقاب مريم  
  59. مريم العذراء في الطقوس الكنسية
  60. مريم العذراء والصور والأيقونات   
  61. مريم العذراء والأصوام
  62. تشييد الكنائس
  63. مريم العذراء وتخصسص يوم او شهر
  64. المسبحة الوردية
  65. الطلبات
  66. صلوات التساعية
  67. صلوات مريمية
  68. جنود مريم
  69. قلب مريم الطاهر
  70. تقديم الإكرام يوم السبت
  71. أناشيد وترانيم وتراتيل مريمية
  72. تقديم الإكرام للقديسة مريم واسبابه
  73. ردود على الاتهامات حول تعاليم الكنيسة الكاثوليكية
  74. كيفية تقديم الإكرام للقديسة مريم
  75. شروط تقديم الإكرام

IV. «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ”

  • الظهورات المريمية
  • السير مع مريم في حياتنا
  • قائمة المؤلفات
  • مريم فى الكتاب المقدس

إذا أردنا التكلم عن مريم، فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، ومنه ننطلق

لنفهم سر مريم، الذي هو سر أمومتها ومرافقتها لابنها يسوع كلمة الله “في البدء كان الكلمة…

والكلمة صار بشراً” (يوحنا1:1=14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظر الشعوب.

  1. مريم فى كتب العهد القديم

ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق، فحين تريد أن تفرض علينـا بعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة بطيئـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان تجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب. فـالعهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذى سيولد فيه والزمن التى سيولد فيه، ومعجزاته والوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته فى اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه فى المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور المختصة بـه فى جميع الكتب”(لوقا25:24-27).

وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:”ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة. فالعهد القديـم يحوي بعض الرموز والشخصيات التى تنبئ عن أم الـمسيـّا الـمنتظر، وإن لم تتعدد النبؤات الـمريمية ولكنه مع ذلك عرفتّـنا من هى أم الـمخلّص، فالرموز والشخصيات والنبؤات كانت كلهـا تتركز فـى شخص الـمسيح يسوع.

والرموز التى جاءت فـى الكتاب الـمقدس تأتي فى شكل أفعال أو أشياء أو أسماء ولهـا عامـة ثلاث معان:

معـنى حرفي وهو الـمفهوم الذى تعبّر عنه الألفاظ حسب مدلولها الأصلي والـمباشر كما

تعنيـة قواعد اللغـة، ويرتبط أحيانا بالحقائق التاريخية أو يعرض لبعض الحقائق الإيمانيـة أو

يعلن عن مبادئ أخلاقيـة.

معنـى روحـي أو رمزي وهو ما يتعدى الـمعنى الحرفي، ويُوجد عندما يدّل شيئ أو شخص أو

حدث فى الكتاب الـمقدس على حقيقة أعلى بقصد وترتيب إلهـي فيصبح هذا الرمز أو الشيئ أو

الشخص رمزاً لأمر آخر يقصده الله، فمثلا الحيّة النحاسية (عدد8:21) والتى جاءت فى العهد القديم تحمل مثال لقوة الخلاص للـمسيح على الصليب (يوحنا14:3)، وأورشليم ترمز إلى الكنيسة الـمقدسة. والطريقة الوحيدة لـتمييز النص الكتابي لـمعرفـة مغزاه الروحي هو عن طريق شهادة الكتاب الـمقدس نفسه كأن يصرّح مثلاً ان آدم رمز للسيد الـمسيح(رومية14:5)، أو من شهادة التقليد فمثلاً ذبيحة اسحق كانت رمزاً لذبيحة الـمسيح كما جاء فى قداس القديس يوحنا ذهبي الفم، أو عن طريق شهادة الوحي أو الرؤى.

معنى مجازي وهو اللفظ الـمنقول عن معناه الحقيقيي إلى معنى يُشابهه، ويمكن أن يستخدم الـمجاز فى كلمة أو جملة أو موضوع. ويستخدم عادة لغرض التعليـم، و لقد أستخدم كتبة العهد الجديد وآباء الكنيسة ذلك فى الشرح وجاء العديد منـه فى طقوس الكنيسة.

والرموز التى جاءت عن مريم العذراء فى الكتاب الـمقدس يخضع معظمها للنوع الثانـي وبصورة أعـم للنوع الثالث.

مـريـم العذراء فى الرموز والشخصيات

الرموز يمكن تعريفها بأشياء تمثل أفكار مجردة، وهكذا الرمزية هو نظام أفعال يقترن واقعه بمعنى خفي. الرمزية المسيحية تأتي من الكتاب المقدس والتقليد الكنسي. العهد القديم يستعمل اللغة الرمزية-الرويات وتعبيرات عن العهد والطقوس العبرية الدينية (الفصح-الأعياد- الذبائح..الخ)، اماكن وعلامات لحضور الله في العالم (تابوت العهد-خيمة الشهادة- الهيكل).

إلـى العذراء مريم تومئ فى الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ

فى العهد القديم كان رمزيـاً فى اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة، فهى كانت كلها ظلالاً

للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.

فهابيل مثلاً قد مثّل برارة الـمخلّص، وملكيصادق كهنوتـه، وايوب صبره، واسحق موتـه، ويونان قيامتـه، وداود ملكيتـه، وسليمان حكمته، وموسى خدمتـه وتشريعه.

ومن جانب آخـر نجد ان العذراء قد فاقت هابيل الصدّيق الذى قدّم أبكار غنمه ذبيحة للـه فمريم قدّمت ابنها ذبيحة لخلاص العالم، وفاقت نوح لأن بفلكه خلّص 8 أنفس، امـا مريم فبالـمسيح خلّص العالـم كلـه. وفاقت على موسى بالوداعـة، وعلى داود بالـمحبـة، وعلى أخنوخ وإيليـا بالقداسـة، وعلى ابراهيم واسحق ويعقوب بالإيمان، وفاقت راعوث بإخلاصهـا وعلى استير بجمالهـا ووفائهـا.

وهناك العديد من الرموز والأشياء والتسابيح التى جاءت فى العهد القديـم تعكس صورة عن

العذراء مريم أم يسوع، ويـمكن القول عامـة أن كل تسبيح عن مـملكة اسرائيل أو الكنيسة كما جاء، هو تسبيح لـمريم كما يرّنم صاحب الـمزامير عن أورشليم قائلاً:”يُحدِث عنكِ بالـمفاخـر يا مدينـة الله”(مزمور3:86).

ويلّخص لنـا القديس يوحنا الدمشقي هذه الرموز فى عظة ألقاها:”لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ الـمسيح خلاص العالـم الذى غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عب 4:9 وعدد 7و23)، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذى يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذى لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذى إمتزجت ناره بالندى (دا 49:3-50) “ها أنا أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”، رمز النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معه فى صراع رمزي القوي الذى لايغلب هكذا أصبحتِ أنتِ الوسيطة والسلم الذى نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي فى أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا شئنا أن نثبت صحتها؟. من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذى قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.

كما بينا من قبل فان العهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور الـمختصة بـه فى جميع الكتب”(لوقا25:24-27). وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:”ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة وما يلي البعض مما جاء في العهد القديم عنها:

1.جنـّة عَدْن (تكوين8:2-15):

جنة عدن أعدها الله كأرض للنعمة وفردوس للفرح والذي وضع الله فيها الإنسان الأول:”وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ. وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ.اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ.وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ.وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ. وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا”(تكوين8:2-15).

وبمقارنة جنة عدن مع القديسة مريم أم يسوع نجد:

  • صنع الرب جنّة عدن بجمال، ومريم قد أعدّهـا الرب وجمّلهـا بكل الفضائل الإلهيـة.
  • غرس الرب فـى وسط الجنة شجرة الحياة، ومريم حلّ فى أحشائهـا رب الحيـاة.
  • أُعد الله هذا الفردوس الأرضي لإستقبال الإنسان الأول، ومريم أُعدت إعداداً خاصـاً ليحل

فى أحشائهـا إبن البشر آدم الجديد.

  • جنة عدن الجديدة (مريم) هي أقدس وأكثر جمالا من جنة عدن القديمة والذي حلّ فيها آدم الجديد وابن العلي.
  • هذه الأرض المقدسة هي مثال لمريم التى ارتوت من نعمة الله الغزيرة، ففي مريم حلّ في

احشائها الله الكلمة وملأها بكل نعمة.

  1. حوّاء (تكوين 20:2-25)

“فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ. فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ». لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ” (تكوين20:2-25).

لقد شُبهت مريـم العذراء من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا بأنهـا “حواء الجديدة”، أو “حواء الثانيـة”، كما أن الـمسيح هو آدم الثاني:”فكما فى آدم يموت الجميع كذلك فى المسيح سيحيا الجميع”(1كورنثوس22:15). وحواء العهد القديم هى أم كل حي كما دعاها آدم (تكوين20:3)، والعذراء هى أم كل مؤمن بإبنهـا يسوع فلقد ولدت المسيح الإله الـمتجسد فصارت به أمـاً لكل الأعضاء المتحدة بجسده:”نحن الكثيرين جسد واحد فى المسيح”5:12). وايضاً حواء العهد لقديم أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق فى شخص إبنهـا يسوع.

ولقد قال القدّيس إيريناوس:”كما أنّ يد الله خلقت آدم من أرض عذراء، كذلك لمّا جمع كلمة الله

الإنسان في شخصه، ولد من مريم العذراء. وهكذا إلى جانب حوّاء، ولكن على خلافها، قامت مريم بدور في عمل الجمع هذا الذي هو عمل خلاص الإنسان، لمّا حبلت بالمسيح. حوّاء أغواها الشرّ وعصت الله. أمّا مريم فاستسلمت لطاعة الله وصارت المحامية عن حوّاء العذراء. إنّ حوّاء، وهي بعد عذراء، كانت سبب الموت لها وللجنس البشري بأسره. أمّا مريم العذراء فبطاعتها صارت لها وللجنس البشري بأسره سبب خلاص. من مريم إلى حوّاء هناك إعادة للمسيرة عينها، إذ ما من سبيل لحلّ ما تمّ عقده إلاّ بالرجوع باتّجاه معاكس لفكّ الحبال التي تمّ حبكها. لذلك يبدأ لوقا نسب المسيح ابتداء من الربّ ويعود إلى آدم (لوقا22:3-38)، مظهرًا أنّ الحركة الحقيقية للولادة الجديدة تسير من الأجداد إليه بل منه إلى الأجداد، وفق الولادة الجديدة في إنجيل الحياة. هكذا أبطلت طاعة مريم معصية حوّاء. ما عقدته حوّاء بعدم إيمانها حلّته مريم بإيمانها. لمحو الضلال الذي لحق بالتي كانت مخطوبة -العذراء مريم حوّاء- حمل الملاك البشارة الجديدة الحقّة إلى التي كانت مخطوبة. العذراء مريم حوّاء ضلّت بكلام الملاك واختبأت من وجه الله بعد أن عصت كلمته، أمّا مريم فبعد أن سمعت من الملاك البشري الجديدة، حملت الله في أحشائها لأنّها أطاعت كلمته. إذا كانت الأولى عصت الله، فالثانية رضيت بأن تطيعه. وهكذا صارت العذراء مريم المحامية عن العذراء حوّاء. وكما ربط الموت الجنس البشري بسبب امرأة، كذلك خُلِّص الجنس البشري بواسطة امرأة”. هكذا رأى آباء الكنيسة في القرنين الأوّل والثاني أنّ لمريم دورًا أساسيًّا في تاريخ الخلاص. وهذا الدور هو دور مزدوج: فقد حبلت بيسوع المسيح بشكل بتولي. إنها امّ المسيح ابن الله. ثمّ إنّها بإيمانها وطاعتها لكلام الله قد أبطلت معصية حوّاء الأمّ الأولى، وهكذا شاركت بملء حرّيتها في الخلاص الذي جاءنا

به ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح.

وما يلي مقارنة بسيطة ما بين حواء العهد القديم والقديسة مريم:

  • حواء هى ام كل حي، والعذراء ام كل مؤمن بإبنها يسوع.
  • حواء اغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق فى شخص إبنهـا

يسوع.

  • حواء أُخذت من رجل بدون إمرأة، ومريم العذراء وَلدَتْ وهى الإمرأة بدون رجل.
  • حواء خُلقت فى حالة البرارة وكانت زينـة الفردوس، وكذلك مريم.
  • حواء وضعت للعالم هابيل الصدّيق الذى قتله أخوه بلا مبرر، ومريم أعطت العالم

الصِّديق الذى قتله إخوتـه على جبل الجلجلـة.

3. شجرة الحياة (تكوين9:2): وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرّ”ِ.شجرة وسط الجنة ثمرها يمنح الإنسان حياة خالدة فكانت تحمل ثـمرة الحياة من أكل منهـا لا يموت بل يحيا إلـى الأبد(تكوين22:3)، فإذا كان الـمسيح هو الحيـاة (يوحنا25:11) فالعذراء هى الشجرة التى تحوى هذه الثـمرة.

4. فلك نوح(تكوين14:6و7و8):

فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ.وَهكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ، وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا عَرْضُهُ، وَثَلاَثِينَ ذِرَاعًا ارْتِفَاعُهُ.وَتَصْنَعُ كَوًّا لِلْفُلْكِ، وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. وَلكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لاسْتِبْقَائِهَا. وَأَنْتَ، فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ، فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَامًا». فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هكَذَا فَعَلَ”)تكوين13:6=22).أُعدت هذه السفينة قبل إستعمالهـا بزمن طويل وصُنعت من خشب صلب لا يقبل الفساد وكانت تحمل فـى أحشائهـا آمال الجنس البشري وتطفو وحدهـا على مياه الطوفـان حين كان الغرق يهدد جميع من كان خارجـاً عنهـا. ومريـم قد هيأهـا اللـه منذ أمد سحيق وجمّلهـا بفضائل عديدة وحملت فى أحشائهـا مخلّص العالـم، وتخلّصت بنعمة فريدة من الخطيئة التى إجتاحت الأرض، فلا خلاص إلاّ لـمن يلتجئ إليهـا. الأرض أعيد تعميرها لمن التجأوا الى الفلك والسماء امتلأت من المؤمنين الذين التجأوا الى مريم.

5.قوس قزح (تكوين 12:9-17): وَقَالَ اللهُ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ: وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَابًا عَلَى الأَرْضِ، وَتَظْهَرِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضًا الْمِيَاهُ طُوفَانًا لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ».وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ»

قوس قزح يعكس جميع ألوان الشمس، ومريم أعطاهـا الله أن تعكس فى نفسهـا الكثير من لـمعان

شمس العدل يسوع الـمسيح. وكان القوس علامـة العهد بين الله والبشر والـمصالحة بين السماء

والأرض، ومريم هى العلامـة عن النجاة والخلاص والرحـمة الإلهيـة.

6.سارة[2]: “وَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «سَارَايُ امْرَأَتُكَ لاَ تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ. وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضًا مِنْهَا ابْنًا. أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَمًا، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ». فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: «هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ للهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!». فَقَالَ اللهُ: «بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْدًا أَبَدِيًّا لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ” (تكوين15:17-19).سارة كانت زوجة لأبراهيم والذي وعده الله بأن يكثر نسله ليملأ الأرض على الرغم انه كان بلا نسل وكانت سارة عاقراً وولدت إبنهـا اسحق إبن الـموعد بطريقـة عجيبـة والذي حمل الوعد بالخلاص (تكوين1:17-7:21). كما ان سارة التى ولدت اسحق رأس الشعب المختار، فمريم ولدت إبنهـا الـمخلّص الـموعود بطريقة تفوق الوصف وولدت بأمومتها للسيد المسيح ابناء لله واصبحت أما للكنيسة.

7. سلّم يعقوب:” وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا.وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ». فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!».وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». (تكوين12:28-17): حين كان يعقوب هاربا من وجه أخيه رأى حلـماً وإذ بسلّم منصوب من الأرض الى السماء والـملائكة تصعد وتنزل والرب واقف عليـه، ومريم العذراء هى بحق هذا السلّم الذى عن طريقـه نزل الله إلـى الأرض، وهو الذي قاد الخليقة لتعود مرة اخرى الى الله. وعن طريق شفاعـة مريـم العذراء تنتقل الـملائكة والبركات ما بين الـسماء والأرض.

8. راحيـل[3] ابنة لابان الصغرى وكانت حسنة المنظر فأحبها يعقوب للنظرة الأولى عندما رآها عند البئر بالقرب من حاران إذ كانت تسقي غنم أبيها لابان. وقد خدمه يعقوب سبع سنين لأجل راحيل فخدعه لابان وأعطاه ليئة. ثم خدمة يعقوب لأجل راحيل سبع سنين أخرى. وراحيل هي أم يوسف وبنيامين وماتت عند ولادة بنيامين.

  • راحيل بفضائلهـا اكتسبت قلب يعقوب(تكوين20:29)، ومريم بفضائلها إجتذبت قلب

الله”إنكِ قد نلتِ نعمة عند الله”(لوقا30:1).

  • أولاد يعقوب يبيعون أخاهم يوسف إبن راحيل(تكوين22:30-24) ولكن يوسف يصبح مخلّص شعبـه ويرتقي الـمجد(تكوين8:45)، وإبن مريم يُباع ويُحكم عليـه بالـموت ويخلّص شعبـه.
  • راحيل عندما وضعت يوسف ابنهـا البِكر إهتزت فرحـاً (تكوين23:30) ومريم حين تحمل بإبنهـا يختلج قلبهـا فرحاً “تعظم نفسي الرب..”(لوقا46:1-55).
  • راحيل كانت حسنة الـمنظر حتى أن جمالهـا الأرضي جذب قلب يعقوب إليهـا فخدم أباهـا

لابان 14 عامـاً حتى يمكن أن يتخذها زوجـة لـه (تكوين1:29-30)، ومريـم كانت

“ممتلئة نعمة” وجميلة وليس فيها دنس الخطيئة حتى ان سليمان يصف فى أناشيده

جمال مريم الرائع قائلاً: “كلِّك جميلة ولا عيب فيكِ”(نشيد الأناشيد 7:4)، لهذا إختارهـا الله لتكون أمـاً لإبنـه الوحيد يسوع.

9. مـريـم أخت موسى[4]: لقد أنقذت موسى من القتل الذى قرره فرعون على كل أطفال

العبرانييـن (خروج1:2-8)، وقد حملت روح النبوة حتى ان الكتاب الـمقدس يصفهـا قائلاً:”مريم النبيّة أخت هارون”، وهتفت مريم بالتسبيح “سبحّوا الرب لأنـه قد تعّظم بالـمجد”(خروج20:15-21)، وكانت على رأس النساء ترّنم وتقودهن فى عبور البحر الأحمر”وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم”(ميخا4:6). ومريـم العذراء هتفت بإنشودة التعظيم بروح النبوّة (لوقا46:1-55)، وفاقت طهارة العذارى ووصفهـا الـملاك بأنهـا “مباركـة بين النساء”، والتى تساعد أبناءهـا للتغلب على الشيطان وشاركت مع إبنهـا الإلهـي فى خلاص البشريـة.

10. العلّيـقة:” وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟ فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اللهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ». (خروج2:3-10):

 – “وإذا علّيقـة تتوقد بالنار والعليقـة لم تكن تحترق”، ومريم هى عليقة موسى الـمتوقدة والتى حملت الله النار الآكلـة (تثنية21:4) ولم تحترق.

  • عن طريق العليقـة ظهر الله لـموسى، ولفداء بني اسرائيل، وعن طريق مريـم نزل اللـه الى

عالـمنـا ليفدي كل البشريـة.

  • احتفظت العليقة برطوبة مادتها وإخضرارها وعبق ازهارها، ومريم بإمتياز خاص حافظت

على بتوليتهـا.

11. خيـمة الإجتـماع وقدس الأقداس“:فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ.بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ الْمَسْكَنِ، وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هكَذَا تَصْنَعُونَ. (خروج8:25-9)

  • خيمة الإجتماع هى مسكن اللـه مع البشر

كانت مقامـة بين أسباط بني اسرائيل وكان يحلّ فيهـا اللـه، ومريم صارت خيمة لحلول الله وقدس أقداس.

  • قدس الأقداس كان يحوي لوحيّ الشريعة ولم يكن مسموحاً لأحد أن يدخله إلاّ رئيس

الكهنة مرّة واحدة فى السنة، ومريم قدس الأقداس دخل فيها رئيس الكهنة الأعظم(عبرانيين 10:8)، مرّة واحدة فى التاريخ، ومريم حوت كلمة اللـه الظاهر فى الجسد. وقدس الأقداس هو الـمكان الأوسط والأقدس فى خيمة الإجتماع ومريم هى سلطانة القديسين فى كنيسة اللـه.

12. الـمنـارة الذهبيـة “وَتَصْنَعُ مَنَارَةً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ. عَمَلَ الْخِرَاطَةِ تُصْنَعُ الْمَنَارَةُ، قَاعِدَتُهَا

وَسَاقُهَا. تَكُونُ كَأْسَاتُهَا وَعُجَرُهَا وَأَزْهَارُهَا مِنْهَا. وَسِتُّ شُعَبٍ خَارِجَةٌ مِنْ جَانِبَيْهَا. مِنْ جَانِبِهَا

الْوَاحِدِ ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ، وَمِنْ جَانِبِهَا الثَّانِي ثَلاَثُ شُعَبِ مَنَارَةٍ. (خروج31:25-40).

منارة من ذهب نقي ذات سبعة قناديل، ومريم تحوي النور الحقيقي الذى يُضيئ للعالـم شمس البِر.ومريم العذراء الـمختارة وطاهرة كالذهب النقي وموضوعة فى القبـة لتعطي للعالـم نور العالـم (يوحنا12:8-29) وتحوي مريم مواهب الروح القدس السبعة، وعدد 7 هو عدد الكمال الإلهـي.

13. تابوت العهد (خروج10:25 و6:30):

صنع موسى تابوت العهد بأمـر الله:” «فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَارْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ.وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ. مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ، وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ إِكْلِيلًا مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ. وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَتَجْعَلُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ. عَلَى جَانِبِهِ الْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ، وَعَلَى جَانِبِهِ الثَّانِي حَلْقَتَانِ. وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ.وَتُدْخِلُ الْعَصَوَيْنِ فِي الْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ التَّابُوتِ لِيُحْمَلَ التَّابُوتُ بِهِمَا. تَبْقَى الْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ التَّابُوتِ. لاَ تُنْزَعَانِ مِنْهَا. وَتَضَعُ فِي التَّابُوتِ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. «وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ، وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ. فَاصْنَعْ كَرُوبًا وَاحِدًا عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَا، وَكَرُوبًا آخَرَ عَلَى الطَّرَفِ مِنْ هُنَاكَ. مِنَ الْغِطَاءِ تَصْنَعُونَ الْكَرُوبَيْنِ عَلَى طَرَفَيْهِ. وَيَكُونُ الْكَرُوبَانِ بَاسِطَيْنِ أَجْنِحَتَهُمَا إِلَى فَوْقُ، مُظَلِّلَيْنِ بِأَجْنِحَتِهِمَا عَلَى الْغِطَاءِ، وَوَجْهَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الآخَرِ. نَحْوَ الْغِطَاءِ يَكُونُ وَجْهَا الْكَرُوبَيْنِ.وَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ، وَفِي التَّابُوتِ تَضَعُ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ”(خروج10:25-21). ومريـم مختارة ومُعدّة منذ الأزل للخلاص. وكان التابوت يحوى إنـاء ذهبـي بـه قليل من الـمنْ السماوي وعصا هارون ولوحـي الوصايـا، ومـريـم حوت كل هذه الكنوز فهـى حملت الخبـز الحقيقـي النازل من السماء، والكاهـن والـمشرّع الأعظـم يسوع الـملك. وبعد خراب أورشليم الأول سنة 596ق.م. إختفـى تابوت العهد، وعندمـا أعيد بناء الهيكل سنة 520ق م، تُرك “الـمكان الـمقدس” فارغـاً وكان هذا الفراغ علامـة رجاء وإنتظار لمجئ الله من جديد فـى الأزمنة الأخيرة، حتى جاء يسوع الـمسيح الـمخلّص ليسكن فـى بطن العذراء فجعلهـا تابوت العهد الجديد الـمقدّس.

كان تابوت العهد مصنوع من خشب السنط الذى لا يسّوس ومغشى بصفائح من ذهب من الداخل والخارج، وكان اللـه يظهر فوق غطاء التابوت بين الكاروبين، وكان التابوت يحوي وعاء الـمنّ وعصا هارون ولوحا الشريعة وبجواره كتاب التوراة. فالخشب الذى لا يسوّس رمز لطهارة العذراء وقداستها، والذهب الذى من الداخل والخارج رمز للـمجد وللنقـاء. وكان التابوت يتقدم الشعب العبراني فى الـمعارك ومريم العذراء هى ملجأنـا ومن يستغيث بهـا لا يُرد خائبـا، ومريم حوت فى داخلهـا العديد من الفضائل. تابوت العهد كان يُسمع منه صوت الله للشعب ومريم اعطتنا كلمة الله ذاتها. التابوت حوى الشريعة ومريم حملت البشارة والكتاب المقدس والمشرّع.

تابوت العهد مكث في بيت عوبيد أدوم ثلاث شهور قبل أن يكون في بيت داود النبي والقديسة

مريم العذراء الحاملة الرب الإله مكثت في مدينة اليهودية ثلاث شهور. كان حمل التابوت

يبعث الفرحة في الشعب ” وكان داود يرقص بكل قوته أمام التابوت (2صم 6) وهكذا وصول

العذراء بعث في أليصابات الفرح (لوقا1:44),

تابوت العهد مصنوع من الذهب الخالص وأجود المواد، و مريم هي الأناء الأطهر الذي حوى كلمة الله. تابوت العهد احتوى المنّ خبز الحياة الأرضية، ومريم احتوت يسوع خبز الحياة الأبدية. التابوت حوى عصا هارون – الكاهن الأعلى، ومريم حوت يسوع المسيح – الكاهن الأبدي. كان حضور الله يُظلّل التابوت: ملأ بهاء الرب المسكن (خروج34:40)، ومريم جاء ان “الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظلّلك”(لوقا34:1).

قال داود عن تابوت العهد”كيف يأتي إلي تابوت الرب؟ (2 صموئيل9:6 – وقالت اليصابات” من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟ (لوقا43:1). دخل تابوت الرب مدينة داود.. الملك داود يطفر ويرقص أمام الرب (2 صموئيل16:6)، واليصابات قالت:”هوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني.(لوقا 44:1). بقي تابوت الرب في بيت عوبيد أدوم الجتي ثلاثة أشهر(2 صموئيل 11:6)وجاء ” فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر (لوقا 56:1). كان التابوت طاهراً وغير مدنّس، ومريم عذراء طاهرة. التابوت غير مسموح للبشرية الخاطئة بلمسه، ومريم حُفِظت من دنس البشرية الخاطئة

14. قسط الـمنّ (خروج16): الـمنّ إسم عبري معناه هِبـة وهو غذاء أنزلـه اللـه على الشعب فى البريّة وشكله كان كبذرة الكزبرة وطعمه كطعم قطائف بالزيت(عدد7:11-8)، وتذكاراً لذلك أمر الرب بوضع قسط الـمنّ من ذهب داخل التابوت:” وَدَعَا بَيْتُ إِسْرَائِيلَ اسْمَهُ «مَنًّا». وَهُوَ كَبِزْرِ الْكُزْبَرَةِ، أَبْيَضُ، وَطَعْمُهُ كَرِقَاق بِعَسَل. وَقَالَ مُوسَى: «هذَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ. مِلْءُ الْعُمِرِ مِنْهُ يَكُونُ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ. لِكَيْ يَرَوْا الْخُبْزَ الَّذِي أَطْعَمْتُكُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ حِينَ أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». وَقَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذْ قِسْطًا وَاحِدًا وَاجْعَلْ فِيهِ مِلْءَ الْعُمِرِ مَنًّا، وَضَعْهُ أَمَامَ الرَّبِّ لِلْحِفْظِ فِي أَجْيَالِكُمْ». كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى وَضَعَهُ هَارُونُ أَمَامَ الشَّهَادَةِ لِلْحِفْظِ وَأَكَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا الْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ.“(خروج32:16-35). والـمسيح يسوع هو الـمنّ الخفي (رؤيا17:2) والنازل من السماء وواهب الحياة للعالـم كلـه ولقد قال الرب يسوع عن نفسه: “أنا هو خبز الحياة الذي نزل إلى السماء ليس كما أكل آباؤكم المن في البرية وماتوا, هذا هو الخبز الذي نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان. أن أكل احد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي الذي ابذله من أجل حياة العالم (يوحنا32:6-33)، ولذا أعتبرت مريـم القسط الذى حمل الـمن الخفي.

15. لوحـا الشريعة:” ثُمَّ أَعْطَى مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ الشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبعِ اللهِ. (خروج18:31): كان اللوحان يحويان كلمة الله الـمكتوبـة على حجر، ومريم العذراء هى أرفع من لوحي الشريعة لأنهـا تحوي كلمة الله والـمشّرع الأعظم يسوع الـمسيح.

16. الـمجمرة الذهبيـة: وهى الـمبخرة التى كان يستخدمها هارون والكهنـة لإيقاد البخور أمام الـمذبح ويتصاعد منها بخور طاهر، والجمر يرمز الى لاهوت السيد المسيح والمبخرة ترمز الى العذراء التى حملت يسوع. سُميت العذراء أيضًا بالمجمرة الذهبية. والمجمرة أي الشورية، وهذا تعبير لاهوتي، وذلك لأن الشورية نجد داخلها الفحم متحد بالنار وينتج عن هذا الاتحاد رائحة بخور ذكية. “الفحم” يرمز للجسد أو الطبيعة الإنسانية، و”النار” ترمز للاهوت كما قيل: إلهنا نار. “لأَنَّ إِلهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ” (رسالة بولس

الرسول إلى العبرانيين 12: 29). وهي مصفحة بالذهب من الداخل والخارج رمز لقيمتها

العظيمة.

17. صخرة حوريب: “ثُمَّ ارْتَحَلَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ بِحَسَبِ مَرَاحِلِهِمْ عَلَى

مُوجِبِ أَمْرِ الرَّبِّ، وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ.فَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى

وَقَالُوا: «أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ.» فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ الرَّبَّ؟» وَعَطِشَ هُنَاكَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَاءِ، وَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لِمَاذَا أَصْعَدْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمَوَاشِيَنَا بِالْعَطَشِ؟» فَصَرَخَ مُوسَى إِلَى الرَّبِّ قَائِلًا: «مَاذَا أَفْعَلُ بِهذَا الشَّعْبِ؟ بَعْدَ قَلِيل يَرْجُمُونَنِي». فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «مُرَّ قُدَّامَ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَاذْهَبْ. هَا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ». فَفَعَلَ مُوسَى هكَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَدَعَا اسْمَ الْمَوْضِعِ «مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ» مِنْ أَجْلِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ أَجْلِ تَجْرِبَتِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟” (خروج1:17-7). وهى الصخرة التى خرج منها الـماء لتروى عطش بنى اسرائيل، وهى كانت صخرة صـمّاء لا ماء فيهـا ولا حياة ولكنها أخرجت مياهـا وأروت عطش الشعب، ومريم العذراء أنجبت لنـا ماء الحيـاة يسوع الـمسيح. وكما ان الصخرة أخرجت الـماء دون أن تُكسر كذا خرج يسوع من العذراء ولـم تُمس بتوليتهـا. والصخرة هي المسيح كما قال القديس بولس الرسول:”وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسيح”(1كورنثوس4:10).

18. عصـا هارون[5] (عدد 17):

  • عصا هارون كانت يوما ما غصنـا فى شجرة وقطعت لتصير عصا، ومريم العذراء

كانت إبنـة فى أسرة مباركة ولكنها أختيرت من العالـم وخصصت للرب فـى هيكله الـمقدس.

  • عصا هارون الجافة حينما وضعت أمام الرب فى خيمة الإجتماع أخرجت ثـمراً، كذلك

مريم العذراء أخرجت لنـا ثـمرة حلوة هى الـمسيح.

  • عصا هارون أخرجت ورقـا وثـمراً دون أن تُوضع فى الأرض أو تُسقى بالـماء، ومريم أنجبت يسوع دون أن تجانب رجلا.
  • اللـه من أجل هارون رئيس الكهنـة أعطى هذه الـمعجزة بأن أثـمر عصا جافة، فهل لا

يقدر من أجل رئيس الكهنـة الأعظم يسوع الـمسيح أن يجعل مريم أمـه تحبل وتلد إبنـا وتبقى عذراء.

19. الـمائـدة: التى كان يُوضع عليها خبز التقدمـة الـمكرّس للرب       “وَتَجْعَلُ عَلَى الْمَائِدَةِ خُبْزَ الْوُجُوهِ أَمَامِي دَائِمًا.”(خروج30:25)، ومريم العذراء هى التى وُضع فيهـا الذبيحة الـمقدسة يسوع الـمسيح.

20. بيت الذهب: “وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ جَمِيعَ آنِيَةِ بَيْتِ الرَّبِّ: الْمَذْبَحَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْمَائِدَةَ الَّتِي عَلَيْهَا خُبْزُ الْوُجُوهِ مِنْ ذَهَبٍ، وَالْمَنَائِرَ خَمْسًا عَنِ الْيَمِينِ وَخَمْسًا عَنِ الْيَسَارِ أَمَامَ الْمِحْرَابِ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ، وَالأَزْهَارَ وَالسُّرُجَ وَالْمَلاَقِطَ مِنْ ذَهَبٍ، وَالطُّسُوسَ وَالْمَقَاصَّ وَالْمَنَاضِحَ وَالصُّحُونَ وَالْمَجَامِرَ مِنْ ذَهَبٍ خَالِصٍ، وَالْوُصَلَ لِمَصَارِيعِ الْبَيْتِ الدَّاخِلِيِّ، أَيْ لِقُدْسِ الأَقْدَاسِ، وَلأَبْوَابِ الْبَيْتِ، أَيِ الْهَيْكَلِ مِنْ ذَهَبٍ”(3ملوك48:7-50): بيت الذهب هو هيكل سليمان والذى بناه 1500 عامل مدة سبع سنوات وكان من الداخل مرصعا بالذهب وكان يسمى وقتئذ ببيت الذهب. هيكل سليـمان كان يُعبد فيه الله، ومريم هى التى حملت الإله فى أحشائها وهى بذلك تشبه هيكل سليمان لأنها جمعت من هبات النعمة وإمتيازات الـمجد ما جعلها تفوق الذهب فى مكانته. هيكل سليمان كان مفخرة العالم القديم فسليمان الملك زيّنه ببذخ بالذهب والفضة والأحجار الكريمة لأن الله سيحل فيه ووضع بداخله تابوت العهد (1ملوك16-17)، ومريم قد زينها الله بكل الفضائل واصبحت هي هيكل الله بكل النِعم وحوت قدس الأقداس قدوس الله.

21. أرزة لبنـان: لقِدم شجرة الأرز وثباتها وقوة تحملهـا إستخدم الـملك سليمان خشب الأرز الذى جلبـه من لبنان لبناء بيت الرب “فبنى البيت وأكمله وسقفـه بجذوع وألواح من الأرز”(3ملوك9:6)، وقد ملأ مجد الرب البيت بعد اكتمالـه (3ملوك11:8). ومريم العذراء لأنهـا أستخدمت لبناء هيكل الرب فقد شبهتها الكنيسة بالأرز لأن مريم هـى بيت الرب الـمُختارة منذ الأزل ليحلّ فيهـا عـمانوئيل.

22. برج داود: هذا اللقب النبوي يعود أصله الى نشيد الأناشيد: “عُنقك كبرج داود الـمبنى

للسلاح الذى علّق فيـه ألف مِجن جميع تروس الجبابـرة” (نشيد الأناشيد 4:4). ولقد كان قديـماً برج الـمدينة هو خط الدفاع الأول، ومكان الـمراقبة والإنذار لأي خطر قادم. وبرج داود هو عبارة عن قلعة بناها داود الملك على جبل مرتفع مملوءة بالجنود والأسلحة وبها تكون أورشليم محصّنـة. ومريـم يمكن تشبيهها بالبرج القوى الذى يدافع عن الإيمان ويقاوم الشيطان ويرده عن أورشليم الكنيسة الجامعة. وكـما أن هذا البـرج كان مرتفعا يرى جميع الأعداء فمريم أم يقظة ترشد أبناءهـا وتحميهم ضد حرب الشيطان.

23. بتشبع[6] (3ملوك13:2-25): بتشبع زوجة داود الملك وبمعونة ناثان النبي جصلت على

العرش لإبنها سليمان (1ملوك19:2)، وكان لهـا من الـمـكانـة عند إبنهـا سليـمان الـملك حتى ان

أدُنيـا قال لهـا:”إنـه لا يرُد وجهِك”، و العذراء مريـم تتشفع عنـا عند إبنهـا يسوع الـملك السماوي كما فعلت من قبل فى عرس قانا الجليل وصنع يسوع أولـى عجائبـه الزمنيـة(يوحنا1:2-12).

24. دبـّورة القاضيـة[7]: كانت نبيـة ومن أعظم قضاة اسرائيل (قضاة4:4) ولقد شجّعت الشعب العبرانـي على التغلب على مرارة إحتلال يابيـن ملك الكنعانيين وقائد جيشه سيسرا لهـم والذى استمر أكثر من عشرين سنة، وجمعت عشرة آلاف رجل من بني نفتالي وبني زبولون تحت قيادة باراق الذى هزم سيسرا وجيشه ومات سيسرا بيد ياعيل إمرأة حابر القيني. وسبّحت دبّورة الرب قائلة:”إنـيّ للرب أرّنم أُشيد للرب إلـه إسرائيل” و”إنقرض الحكّام فى إسرائيل إنقرضوا حتى قمت أنـا دبّورة قمتُ أمـّاً فى إسرائيل”(قضاة4و5). ولقد أُطلق على دبّورة انهـا “أم إسرائيل” وعلى ياعيل “الـمباركة بين النساء”. ومريـم العذراء بواسطة إبنهـا مخلّص العالـم الذى هزم الشيطان وشتت أعداء شعبـه الـمقدس، ولهذ دُعيت بأنهـا أم الـمسيحيين والـمباركة بين النساء.

24. يهوديت[8] (يهوديت10:15-11): يهوديت كانت ارملة في اسرائيل والتى كانت ذا

جمال:” وَكَانَتْ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا وَقَدْ تَرَكَ لَهَا بَعْلُهَا ثَرْوَةً وَاسِعَةً وَحَشَمًا كَثِيرِينَ وَأَمْلاَكًا مَمْلُوءَةً بِأَصْوِرَةِ الْبَقَرِ وَقُطْعَانِ الْغَنَمِ، وَكَانَتْ لَهَا شُهْرَةٌ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَّقِي الرَّبَّ جِدًّا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ عَلَيْهَا كَلِمَةَ سُوءٍ”(يهوديت7:8-8). لقد خلّصت يهوديت الشعب العبراني بقطع رأس اليفانا القائد الأشوري وهتف لها الشعب:” «أَنْتِ مَجْدُ أُورُشَلِيمَ وَفَرَحُ إِسْرَائِيلَ وَفَخْرُ شَعْبِنَا”(يهوديت9:15)، وهتفت يهوديت بأنشودة مسبحة عظمة الله (يهوديت1:16-20). ومريم خلّصت العالـم بأسره من وزر الخطيئة بولادتهـا للـمخلّص العجيب وهتفت بأنشودة التعظيم ولهذا يطوبهـا العالـم أجمع.

25. استيـر[9] (استير 12:15): أستير كانت ملكة للملك أحشويروش “ فَأَحَبَّ الْمَلِكُ أَسْتِيرَ

أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَوَجَدَتْ نِعْمَةً وَإِحْسَانًا قُدَّامَهُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الْعَذَارَى، فَوَضَعَ تَاجَ

الْمُلْكِ عَلَى رَأْسِهَا وَمَلَّكَهَا مَكَانَ وَشْتِي.“(استير17:2). قد خلصّت استير شعبهـا وسحقت هامان الوزير وكانت مختارة حتى ان الـملك قال لهـا:”إن الشريعة ليست عليكِ بل على العامـة”. مريم العذراء كانت الإبنـة التى إختارهـا الله ليعطى العالـم من خلالهـا الـمخلّص والـمجد والحيـاة، ومريم قد أُعفيت من القانون العام الذى يولد البشر بـه وهم مدنسون دنس الخطيئة الأصليـة. ومريـم العذراء تستخدم سلطانهـا كـملكة للدفاع عن شعب الله من هجمات الشرير.

26. جبل دانيـال (دانيال30:2-45): تمثال من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخزف وإذ بحجر قد قُطع بغير يد بشريـة إنقض على هذا التمثال وحطـمه. هذا الحجر هو السيد الـمسيح وقد قُطع من جبل بغير يد بشريـة ودون أن يلـمسه إنسان، فرأى الأباء بأن الجبل يشير الى العذراء مريم والحجر إلـى السيد الـمسيح.

27. أم الشهداء السبعة (2مكابيين7): عندما قُبض على سبعة إخوة مع أمهـم وعُذبوا حتى الـموت بأمر الـملك أنطيوكس، أظهرت الأم شجاعـة وحثت أبنائهـا على الثقـة بالرب فكانت “أجدر الكل بالعجب والذِكر الحميد فإنهـا عاينت بنيهـا السبعة يهلكون فى مدة يوم واحد وصبِرت على ذلك بنفس طيبّة ثقـة بالرب”، ومريم العذراء التى كانت واقفة تحت الصليب تعاين آلام وموت وحيدهـا وواثقـة بوعود الله.  

وفـى قطع التسابيح الروحيـة، التى وضعتهـا الكنيسة القبطيـة لتطويب مريم العذراء والتى تسمى “تذاكيـات” أو “ثيئوطوكيات” وهى التى تعنى “مايخص والدة الإلـه”، نجد فيهـا سرد لرموز العهد القديم الخاصة بسر الفداء وبمريم العذراء.

28. ابنة صهيون: يستخدم أنبياء العهد القديم عبارة ” بنت صهيون ” مجازياً في الإشارة إلى مدينة أورشليم وسكانها. وتسستخدم عبارة ” ابنة صهيون ” مرادفة ” لابنة أورشليم ” ( 2 مل 19 : 21 ) ويستخدم إشعياء عبارة ” بنت صهيون ” ست مرات بهذا المعنى، كما يستخدمها إرميا إحدى عشرة مرة أيضاً، كما يستخدمها ميخا وصفنيا وزكريا بهذا المعنى أيضاً.

29. مدينه الله أورشليم الجديدة: هي السماء الثانية (رؤيا21)التي حوت في أحشائها الله الكلمة.

مريـم فـى النبؤات:

  1. فـى الفردوس

بعد اليأس والعري واللعنـة، جاء الأمل والوعد بالخلاص: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا، هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3). انـهـا نبؤة قد خرجت من فم الرب تضم الأم والإبن فـى عـمل الفداء. نسل الـمرأة يسحق رأس الحيـّة أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). نسل إمرأة لا نسل إنسان من رجل وامرأة، والـمسيح جاء من امرأة بغير زرع بشر مولوداً غير مخلوق كما نقول فى قانون الإيمان:”اله حق من إله حق، مولود غير مخلوق..تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانـاً”.

هذه النبؤة قيلت بفم الله، وإختار الله من كل البشريـة عائلة سام، ومن كل عائلة سام إختار الله

ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 وعبرانيين 14:7)، ومن كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)، ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقية

ليسوع (لوقا31:3).

2. مزاميـر داود

داود النبي بـمزاميره الخالدة يحيي أم الـملك بلسانه النبوي قائلاً:”قامت الـملكة عن يـمينك بذهب

أوفيـر..اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك. انس شعبك وبيت أبيك فيصبو الـملك الى

حُسنك..بنات الشعوب تستعطف وجهك بالهدايـا…بنت الـملك جميع مجدها فى الداخل..تُزف الى الـملك فى رياش موشاة وفى إثرهـا عذارى صواحبها يحضرن إليكِ”(مزمور9:45-16).

وقد رأت الكنيسة عبر الأجيال فى هذه الأقوال كما فى غيرها من أناشيد داود سلسلة من النبؤات الرائعة عن أم الـمخلص..الـملك.

كذلك كل ما جاء عن مدينة الله او أورشليم كان رمزا لأم المسيّا حتى انه قيل:” قَدْ قِيلَ بِكِ

أَمْجَادٌ يَا مَدِينَةَ اللهِ”(مزمور3:87).

3. حِكم سليمان وأمثالـه وأناشيده يصف سليمان فى أناشيده جمال مريم الرائع:

  • “كلِّك جميلة ولا عيب فيكِ” (نشيد الأناشيد 7:4).
  • “كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات”(نش2:2).
  • –       “من هذه الـمشرقة كالصبح، الجميلة كالقـمر، الـمختارة كالشمس، الـمرهوبـة كصفوف تحت

الرايات(نش9:6).

  • –       “اختي العروس جنّة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم”(نش12:4).
  • –       “واحدة هى حمامتي كاملتي الوحيدة لأمهـا هى”(نش8:6).
  • نَرْجِسُ شَارُونَ، وسَوْسَنَةُ الأَوْدِيَة(نش1:2).
  • برج داود (نش4:4)
  • –       “بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنتِ ففقتِ عليهن جميعا”(أم29:31)

وقد كتب أحد الآبـاء ان سفر نشيد الأناشيد كله هو ترنيمة لحبيبة للروح القدس.

4. اشعيـا النبي هذا النبي الكبير ينقل للعالم مسبقا وبطريقة نبوية علامة الرأفة

  • “فلذلك يؤتيكم السيّد نفسه آيـة هـا إن العذراء تحبل وتلد إبنـا وتدعو اسمه عـمانوئيل”(اشعيا14:7). وهـى إشارة الى بتوليـة مريم وأمومتها الإلهيـة.
  • لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا،

إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ.(لشعيا6:9).

  • هوذا الرب يركب على سحابـة سريعة ويدخل مصر فتتزلزل أوثان مصر من وجهه

ويذوب قلب مصر فى داخلهـا”(اش1:19)، ولقد فسّر القديس كيرلس الكبير على ان هذه

السحابة هى مريم العذراء حيث انها تفوق السحابة نقاء وطهارة.

  • ويخرج قضيب من جذر يسّى وينمى فرع من أصولـه”(اش1:11)، فإن هذا القضيب هو

مريم البتول وهذه الزهرة هى الرب الـمتجسد الذى يقضي بعدل ويحكم لبائسي الأرض بإنصاف ويكون العدل مـِنطقة حقويـه.

  • فصارت لكم رؤيا الكل كأقوال كتاب مختوم يناولونه لـمن يعرف الكتابة قائلين إقرأ هذا

فيقول لا أستطيع لأنـه مختوم”(اش11:29)، وقد فسّر الآباء هذا السِفر الـمختوم بـمريم

العذراء والتى حبلت دون أن تفقد بتوليتهـا.

5. ارميـا النبـي: “ان الرب قد خلق شيئـاً جديداً فى الأرض أنثى تحيط برجل”(ار22:31).

6. حزقيال النبـي

“فقال لـي الرب ان هذا الباب يكون مغلقـاً لا يُفتح ولا يدخل منه رجل لأن الرب إلـه اسرائيل قد

دخل منه فيكون مغلقـاً”(حزقيال2:44). واجمع الأباء ان هذا الباب المغلق هو مريم العذراء

وهو اثباتا لبتوليتها الدائمة.

7. ميخا النبي:“وأنتِ يا بيت لحم إفراتـة وأنتش صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فـمنكِ يخرج لـي الذى يكون متسلطاً على اسرائيل يوم تلده الوالده فيرجع اسرائيل الى مجده وربـّه”(ميخا2:5-3).

8. زكـريـا النبي:

  • “ابتهجي يا بنت صهيون واهتفي يا بنت اورشليم هوذا ملكك يأتيك صديقاً مخلّصـاً وديعاً

راكبا على آتان وجحش ابن آتان”(زك9:9).

  • “ترنـمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هآنذا آتـي وأسكن فى وسطك يقول الرب. فأسكن

فى وسطك فتعلـمين ان رب الجنود قد ارسلني اليكِ”(زك10:2-11).

9. صفنيـا النبي: “ترنّمي يا ابنة صهيون، اهتف يا اسرائيل. افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة

اورشليم قد نزع الرب الأقضية عليكِ..أزل عدوكِ.مَلَك اسرائيل الرب فى وسطكِ”(صفنيا14:3).     

مريم فى كتب العهد الجديد

الغاية من كتابة العهد الجديد لم تكن التبشير بمريم أو الكلام عنها أو مدحها. هذا لا يعني أن العهد الجديد لم يذكرها أو لم يمدحها أو يمجدّها. لكن الغاية الرئيسية لكتابة العهد الجديد كانت ما قاله القديس يوحنا في ختام انجيله:”وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب وأما هذه فقد كُتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”.(يوحنا30:20).

الأناجيل الأربعـة

نسب الكتاب المسيحيون في القرن الثاني الميلادي، الأربعة الأناجيل إلى متى ومرقس ولوقا ويوحنا. وقد تسلمت الكنيسة هذه الكتابات كسجلات يوثق بها وذات سلطان إذ تحتوي على شهادة الرسل عن حياة المسيح وتعاليمه. وبدأ الكُتَّاب المسيحيون من القرن الثاني الميلادي باقتباس هذه الأناجيل وشرحها وقاموا بعمل ترجمات منها إلى لغات متنوعة كالسريانية والقبطية واللاتينية، ولذا فما من شك في أن هذه الأناجيل سجّلات رسولية صحيحة وصادقة. وتؤدي الرسائل في العهد الجديد صورة المسيح وتعاليمه وأعماله وشخصه كإنسان وإله كما وردت في هذه الأناجيل.

ولكل من الأناجيل الأربعة خاصياته المميزة له التي تفرد بها بسبب غرض الكاتب في كتابته والأشخاص الذين كتب إليهم كما كانت ماثله في ذهنه. فقد كتب متى وجهة النظر اليهودية، وهو يقدم لنا يسوع كالمسيا الملك الذي تمت فيه نبوات العهد القديم. ومرقس يكتب للأمم وربما كان يقصد الرومانيين منهم بوجه خاص، وهو يقدم لنا فوق كل شيء قوة المسيح للخلاص كما تظهر في معجزاته. أما لوقا، وهو يكتب للمثقفين من اليونان، يكتب لهم في لغة بأسلوب أكثر روعة مما كتب غيره من كتبة الأناجيل، ويُظهر لنا تأثير الرسول بولس في إبراز نعمة المسيح التي تشمل الساقطين والمنبوذين والفقراء والمساكين بعطفه. أما قصد يوحنا الخاص فهو في أن يُظهر يسوع كالكلمة المتجسدة الذي يعلن الآب للذين يقبلونه

(يوحنا 20 : 30، 31).

ويوجد بين الأناجيل الثلاثة الأولى كثير من التشابه ولكنها تختلف عن أنجيل يوحنا من عدة

أوجه. وبما أن متى ومرقس ولوقا يقدمون حياة المسيح من وجهات نظر متشابهة على وجه العموم لذا فقد أطلق على هذه الأناجيل الثلاثة اسم “الأناجيل المتشابهة” أو Synoptic وهي مأخوذة من كلمة Synopsis اليونانية التي تعني “النظر معًا” وهؤلاء يركزون كتاباتهم حول تبشير المسيح ومناداته في الجليل بينما يركز يوحنا أنجيله حول عمل المسيح في اليهودية. ويقدم الثلاثة الأول تعليم المسيح عن الملكوت، وأمثاله وتعليمه للشعب، أما فيسجل لنا تعليم المسيح عن نفسه في أحاديث مستفيضة، وتشترك الأناجيل الأربعة في الشيء الكثير بحيث يؤيدون الواحد الآخر، ويختلفون عن بعضهم البعض بحيث يكمل الواحد منهم الآخر ويتممه.

أما المصادر التي استقى منها البشيرون الأربعة المعلومات التي ضمنوها في أناجيلهم في مصادر موثوق بها فقد كان متى ويوحنا رسولين اتباع يسوع ولذا فمعرفتهما بالحوادث التي سجلاها هي معرفة شخصية. أما مرقس فقد كان رفيقًا لبطرس، ولكنه لم يكن مجرد كاتِبًا لمذكراته. وقد ذكر بياس حوالي سنة 140 ميلادية أن مرقس ضمَّن في أنجيله ما وعظ به بطرس عن يسوع. ويحقق لنا لوقا نفسه بأنه استقى معلوماته من شهود عيان (لوقا1:1-4) لذا فإننا نجد في الأناجيل شهادة الرسل.

ويظن بعض العلماء أن إنجيل مرقس هو أول الأناجيل التي دونت، وأن متى ولوقا استخدما على وجه العموم نفس النقاط الرئيسية التي وضعها مرقس. وهنا فريق من النقاد، ويسمون “نقاد الشكل” يؤكدون أن مادة الأناجيل حفظت في أحاديث شفهية. وقد أشار غيرهم من العلماء إلى أساس أرامي يرى في خلال لغة الأناجيل اليونانية كما هي بين أيدينا، وأن هذه البقايا الأرامية في الأناجيل دليل على زمن كتابتها المبكر، ودليل أيضًا على صحتها وصدقها ولا سيما وأن المسيح كان يتكلم الأرامية في أحاديثه. وأخير أن وعد المسيح لتلاميذه ليؤيد صدق هذه الأناجيل وصحة رسوليتها. فقد قال “أما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم” “(يوحنا26:14).

ولكن يصبح العهد الجديد خاصة الأناجيل مصدر تاريخي هام لمعلوماتنا عن القديسة مريم. لقد ظهر اسم مريم 19 مرة معظمهم في انجيل القديس لوقا (13 مرة)، و4 مرات في انجيل متى ومرة في انجيل مرقس ومرة في سفر الأعمال، ولم تظهر في انجيل يوحنا الا باسم “أم يسوع” خاصة في عرس قانا وعند الصليب.

القديس مرقس: يبدأ حياة يسوع بعماده ويهمل سني طفولته وحداثتـه ولا يذكر مريم إلاّ عرضـا(مرقس31:3-35).

القديس متى: وضع كتابـه لليهود وأراد أن يثبت لهم ان يسوع هو الـمسيح الـمنتظر، وقد أورد أكثـر من 100 نبؤة من العهد القديم. ولـم يسرد من حياة مريم إلاّ ما يعتبـره متمما للنبؤات القديمة عن يسوع وأمـه.

القديس لوقـا: انـه يؤكد لنـا انـه مؤرخ وبّحـاثـة وقد قدم عن مريم تفاصيل عديدة لـم تذكر فى الأناجيل الثلاث الأخرى، فهو يصف لنا البشارة وزيارة أليصابات والسفر الى بيت لحم وتقدمة يسوع فى الهيكل وإفتقاده ثلاثة أيام. ولكن كانت الغايـة التى يكتب عنها لوقا إنجيله هو الخلاص الذى استحقـه العالـم بـموت الـمسيح. وقد أجمع علماء الكتاب أن الـمصدر الذى إستقى

منه لوقـا الـمعلومات عن البشارة والزيارة والتقدمـة هـى مريـم العذراء نفسهـا.

أمـا القديس يوحنـا: فإنـه يكتب إنجيلـه ليقدم الـمسيح بألوهيتـه ومن أجل هذا ركز كتاباتـه من أجل

هذه الغايـة. ولكنه ذكر كلمات السيد الـمسيح لـمريم فـى عرس قانا الجليل وعند الصليب.

  1. صورة مريم كما رواهـا القديس متى

وضع القديس متى كتابـه لليهود وأراد أن يثبت لهم ان يسوع هو الـمسيح الـمنتظر، وقد أورد

أكثـر من 100 نبؤة من العهد القديم ليؤكد صحة مجئ الـمسيّا. ولقد رسم في كتابـه صورة ميلاد

الـمسيّا ورسالتـه وأسرار الفِصح الجديد، ولـم يسرد من حياة مريم إلاّ ما يعتبـره متمما للنبؤات

القديمة عن يسوع وأمـه، فهى تـمثل وعد اللـه للبشر لأنـهـا آمنت مثل إبراهيـم بوعد اللـه بالخلاص.

  • سلسلة الـمسيّا يسوع الـمسيح (متى1:17-17)

وفيـه يُذكر سلسلة النسب”كتاب ميلاد يسوع الـمسيح إبن داود…” وينتهى بهذه العبارة”مريـم

الـمولود منها يسوع”.

  • طريقـة ميلاد يسوع الـمسيح (متى18:1-25)

“أمـا مولد الـمسيح فكان هكذا. لـّما خُطبت مريم أمـّه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى

من الروح القدّس. وإذ كان يوسف رجلها صِدّيقاً ولم يرِد أن يُشهرها همّ بتخليتهـا سراً. وفيما هو متفكّر فى ذلك إذا بـملاك الرب ترآءى له فى الحلم قائلاً يايوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود فيهـا إنـما هو من الروح القدّس وستلد ابنـاً فتسّـميه يسوع لأنـه هو الذى يُخلّص شعبه من خطاياهم. وكان هذا كلّه ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إنّ العذراء تحبل وتلِد ابنـاً ويُدعى عـمّانوئيل الذى تفسيره الله معنـا. فلما نهذ يوسف من النوم صنع كما أمره ملاك الرب فأخذ امرأتـه ولم يعرفها حتى ولدت إبنـها البِكر وسمّاه يسوع”.

  • زيارة الـمجوس (متى1:2-12).
  • الهروب الى ارض مصر (متى13:2-18).
  • عودة العائلة الـمقدسة الى الناصرة (متى19:2-23).
  • مريـم ومن عُرفوا بإخوة يسوع(متى46:12-50)
  • يسوع يزور بلدتـه الناصرة (متى54:13-58)

“وجاء الى وطنه وكان يعلم فى مجامعهم حتى بهتوا وقالوا من أين له هذه الحكمة والقوات.

أليس هذا هو ابن النجّار. أليست أمـه تُسمّى مريم وإخوتـه يعقوب ويُوسي وسِمعان ويهوذا. أوليست أخواتـه كلهـن عندنا فـمن أين له هذا كله….”.

2. صورة مريم كما رواهـا القديس مرقس فى الإنجيل بحسب القديس مرقس نجد صورة الأم اليهوديـة التى تهتم بإبنهـا – مريم ومن عُرفوا بإخوة يسوع (مرقس31:3-35)

  • ابـن مريـم (مرقس1:6-6) “أليس هذا هو النجار ابن مريم….”.

3. صورة مريم كما رواهـا القديس لوقـا

ان الإنجيل حسب القديس لوقـا وسفر أعـمال الرسل يعطينـا صورة أساسيـة لأساس دراسة شخصيـة مريم العذراء (العِلم الـمريمي)، وهو يرتكز فى كل جوانبـه على الـمسيح وضرورة الإيـمان بـه. والعذراء مريـم هـى أول من آمـن بالـمسيح فهى كانت معـه من وقت ميلاده فى أحشائهـا، وعند مولده، ووقت طفولتـه، وحتى وقت بلوغه لفترة خدمته العلنيـة. وإستمرت على إيـمانهـا هذا حتى موتـه على الصليب وبعد قيامتـه من بين الأموات وصعوده الى السماء وتحقيق وعده بإرسال الروح القدس، وهى بهذا تكون الشخص الوحيد الذى كان لـه مثل هذه

العلاقـة الوثيقـة بيسوع فى كل مراحل حياتـه وحياة كنيسـته.

  • البشارة (لوقا26:1-38)
  • زيارة مريم للقديسة أليصابات(لوقا39:1-45)
  • أنشودة التعظيم:نشيد فرح العذراء وتسبحتها للرب(لوقا46:1-56)
  • ميلاد يسوع (لوقا1:2-7)
  • الرعـاة والـملائكـة (لوقا8:2-20)
  • تسمية يسوع وتقديمه فى الهيكل(لوقا21:2-40)
  • يسوع الصبي فى الهيكل (لوقا41:2-52)
  • أقربـاء يسوع الحقيقيون (لوقا19:8-21)

“وأقبلت إليـه أمـّه وإخوتـه فلم يقدروا على الوصول إليـه لأجل الجمع. فأُخبر وقيل له إنّ أمّك

وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك. فأجاب وقال لهم أمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة

الله ويعملون بهـا”.

  • التطويب الحقيقي (لوقا27:11-28)

“وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة من الجمع صوتها وقالت طوبى للبطن الذى حملك وللثديين اللّذين رضعتهما.فقال بل طوبى لـمن يسمع كلمة الله ويحفظهـا”.

  • ما بعد الصعود (اعمال الرسل12:1-14)

“حينئذ رجعوا الى أورشليم من الجبل المدعو جبل الزيتون الذى هو بقرب أورشليم على مسافة

سفر سبت. ولـمّا دخلوا صعدوا إلـى العلّيـة التى كانوا مقيمين فيها بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس وفيلبس وتوما ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوتـه”.

4.صورة مريم كما رواهـا القديس يوحنـا

يعطينـا الإنجيل بحسب القديس يوحـنا إثباتات عن بعض الأحداث التاريخيـة فى حياة يسوع ومن

تبعـه وعن أسرتـه، وهو يعكس فى صورة أساسية يسوع الـمخلّص إبن الله الذى تجسد من أجل أن

يعطى الإنسان الحياة الأبديـة.

  • ولادة كلمة الله (يوحنا13:1-14)

“الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا من الله. والكلمة صار جسداً وحلّ فينـا وقد أبصرنا مجده مجد وحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقاً”.

  • يسوع فى عرس قانا الجليل وشفاعة مريم (يوحنا1:2-12) “….وبعد هذا انحدر الى كفر ناحوم هو وامه واخوته وتلاميذه”.
  • يسوع ابن يوسف (يوحنا42:6)”وقالوا اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذى نحن نعرف اباه وامه فكيف هذ يقول إنّي نزلت من السماء”.
  • عدم إيمان اخوة يسوع بـه (يوحنا3:7-5)
  • إنقسام ما بين الجمع عن أصل الـمسيّا (يوحنا41:7-43) و(يوحنا41:8).
  • مريم والتلميذ الذى كان يحبه يسوع تحت أقدام الصليب (يوحنا25:19-28).

5.صورة مريـم كما عكسهـا بولس الرسول فى رسائله

يوجد حوالى ثمان مواضع يـمكن أن تتصل بـمريم لو تم قراءتها تحت ضوء أن رسائل القديس بولس كلهـا تتركز على شخص الـمسيح حتى انه جاء تعبير “فى الـمسيح” فى 154 موضع. فتبشير القديس بولس بإنجيل يسوع المسيح تعكس فى جميع صورهـا الـمخلّص الذى كل من آمن بـه ينال الـموعد بالخيرات الأبديـة.

الرسالة الى اهل غلاطية19:1و4:4-5و28:4-29 والتى تمت كتابتها فى حوالي عام 54-55 بعد الـميلاد

  • “ولم أرى غيره من الرسل سوى يعقوب اخي الرب”
  • فلما بلغ ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”.
  • –       “فنحن ايها الإخوة أبناء الـموعد مثل اسحق….”.

الرسالة الثانية لأهل كورنثوس والتى تم كتابتها فى خريف عام57 بعد الميلاد “اذ كان قد مات

واحد عن الجميع فالجميع إذن ماتوا وانما مات المسيح عن الجميع لكي لا يحيا الأحياء

لأنفسهم فيما بعد بل للذى مات وقام لأجلهم”(2كورنثوس14:5-17).

الرسالة الى اهل رومية والتى تم كتابتها فى عام 58 ميلادية “عن ابنه الذى صار من ذرية داود بحسب الجسد الذى حُدد ان يكون ابن الله بالقوة بحسب روح القداسة بالقيامة من بين الأموات وهو يسوع المسيح ربنـا”(رومية3:1-4).

الرسالة الى اهل فيليبـي والتى تم كتابتها حوالي 61-63 ميلادية “الذى إذ هو فى صورة الله لم يكن يعتد مساواته لله اختلاساً لكنه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراص فى شبه البشر وموجودا كبشر فى الهيئة.فوضع نفسه وصار يطيع حتى الموت موت الصليب”(فيليبي6:2-8).

6.صورة مريـم كما رأهـا سفر الرؤيـا

  • تابوت عهد الله(رؤيا15:11-19)

“ونفخ الملاك السابع فى بوقـه…وانفتح هيكل الله وظهر تابوت عهده فى هيكله وحدثت بروق

واصوات ورعود وزلزلة وبرَد عظيم”.

  • الـمرأة الـملتحفـة بالشمس(رؤيا1:12)

“وظهرت فى السماء آيـة عظيمة امرأة ملتحفة بالشمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل

من الإثني عشر كوكباً”.

  • الـمرأة والتنيـن (رؤيا 2:12-18)

فى التقليد الكنسي يرى بعض مفسروا الكتاب المقدس فى تلك المرأة رمزاً للكنيسة، وآخرون رمزاً لـمريم العذراء، أم الـمسيّا.

ويرى آخرون فى هذا الـمشهد الرؤي صورة العذراء المتوجة ملكة بالمسيح راسها فهو ملكها

وتاجها وهو شمس البر التى تشرق والشفاء فى اجنحتها (ملاخى12:4) كما ان القمر يشير الى الكنيسة جسد المسيح والعذراء هنا تربط بشفاعتها القوية ودالتها بين المسيح وكنيسته.

ويرى آخرون انه اذا توسطت الكرة الارضية بين الشمس والقمر يحدث خسوف القمر فاذا كان العالم هو الذى يربط او يفصل بين المسيح وكنيسته خسف نور الكنيسة وخبأ ضوءها ولكن ملوكية الملكة العذراء نرى آية عظيمة ومشهدا رائعا يضمن للكنيسة بقاء نور المسيح مشعا فيها. وفى ملوكية العذراء نجد ابوة الرسل الاثنى عشر الذين وجه عنهم داود النبي اليها الكلام قائلا “عوضا عن ابائك اسباط وكهنة العهد القديم يكون بنوك (رسل وكهنة العهد الجديد) هؤلاء هم الاثنى عشر كوكبا الذين يمثلون اكليل الملكة العذراء.

 ملخص بما جاء عن مريم العذراء في نصوص العهد الجديد

حسب إنجيل القديس متى:

– مريم في نسب يسوع 1:1 – 17

– مريم في خدمة الله 1: 18 – 25

– الطفل يسوع وأمه 1:1 – 23

حسب إنجيل القديس مرقس:

– أقرباء يسوع يبحثون عنه 3: 31 – 35

– يسوع يعود إلى الناصرة 6: 1 – 6

حسب إنجيل القديس لوقا:

– دعوة مريم: 1: 26 – 38

– مريم في الناصرة 1: 26 – 27

– الله ومريم 1: 28 – 29

– أم المسيح 1: 30 – 34

-خادمة الله 1: 35 – 38

– لقاء مريم وإليصابات: 1: 39 – 45

مريم وإليصابات 1: 39 – 41

مريم المباركة من الله 1: 42 – 44

مريم المليئة بالإيمان والطوبى 1: 45

– مريم تُمجّد عظمَة الله: 1: 46 – 55

مريم تمجّد الله 1: 46 – 49

مريم والله القدوس 1: 49 – 53

مريم وإبراهيم 1:، 54 – 55

مريم في بيت لحم 2: 1 – 20

مريم مع طفلها في الهيكل 2: 21 – 40

مريم وابنها في عمر الثانية عشرة 2: 41 – 52

مريم والحياة العلنية ليسوع 8: 19 – 21؛ 11: 27- 28

حسب إنجيل القديس يوحنا:

– أم يسوع في قانا 2: 1 – 12

– أم يسوع تحت الصليب 19: 25 – 27

حسب الكتابات الأخرى في العهد الجديد:

– مريم في الكنيسة الناشئة أعمال 1: 14

– والدة إبن الله غلاطية 4: 4 – 5

– مريم، العلامة في السماء رؤ 12: 1 – 16

مريم في كتب الأبوكريفا

كلمة “ابوكريفا” كلمة يونانية معناها “مخفي” أو “مُخبأ” أو “سري”. وقد وردت في سفر دانيال في الترجمة السبعينية (وهي ترجمة يونانية للعهد القديم) في(دانيال43:11) للتعبير عن الكنوز المخفية. كما وردت في (دانيال19:2) للدلالة على معرفة الأسرار المخفية عن علم البشر وقد

وردت الكلمة في اليونانية في العهد الجديد ثلاث مرات(مرقس22:4) “لأنه ليس خفي لا يظهر”

و(لوقا 8: 17؛ كولوسي 2: 3) “المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم”.

لقد جاءت المؤلفات الأبوكريفا التي لم تعترف بها السلطة الكنسية والتي كانت أساسا مهتمة بالدفاع عن حبل القديسة مريم البتولي. المستند البدائي لكي يؤكدوا ذلك كان الكتاب الشهير المعروف بانجيل مريم المكتوب في بداية القرن الثاني الميلادي وفيما بعد اطلق عليه لقب

 “Protoevangelium of James[10]. وتبع ذلك الكتاب كتب أخرى تم تاليفها فسميت

بـ”الكتابات المزيفة” او الابوكريفا والتي سميت هكذا لأنها تنسب إلى كتَّاب لا يمكن أن يكونوا قد كتبوها حقيقة من الرسل وتلاميذ المسيح. مثال لتلك الكتابات كتاب قبطي عن تاريخ يوسف النجار(كتب في القرن الخامس الميلادي ويحاول شرح طفولة المسيح خاصة في سن الثانية عشرة كما جاءت في إنجيل الطفولة ليعقوب) والذي يظهر يوسف كرجل عمره 91 عاما عند ارتباطه بمريم – ومعه احفاد كانوا اكبر من خطيبته مريم.

ان هذه الكتب الأبوكريفية فقد رفضتها الكنيسة لسببين:

(1) أنه لا يمكن أن يكون قد أوحي لكُتَّاب ممن عاشوا بعد عهد الرسل بحوالي 100 سنة، فقد كتب أقدمها حوالي سنة 150م، وكتبت جميعها فيما بين 150 و450م.

(2) لا يمكن أن يعتبر أي كتاب قانونيًا إلا إذا كان قد تم تسليمه من الرسل أنفسهم، وكانت قد قبلته كل الكنائس من الرسل وليس من غيرهم. وهذه الكتب الأبوكريفية كتبت، في معظمها، بعد انتقال الرسل من العالم بحوالي مئة سنة، ومن هنا أطلق عليها “أبوكريفا”، أي المزيفة لأنها نبعت أساسًا من قلب المذاهب الهرطوقية مثل الغنوسيين، وكان هؤلاء متمسكين بها ومعترفين أنها خرجت من دوائرهم، لذا لم تحظ قط بالقبول لدى كل الكنائس، في الشرق أو الغرب.

هناك عدة عوامل أدت إلى كتابة وظهور هذه الكتب الأبوكريفية من أهمها محاولة العامة والبسطاء من المؤمنين إشباع رغيتهم ولهفتهم لمعرفة تفاصيل الأحداث التي ذكرت في أسفار العهد الجديد بصورة موجزة؛ مثل تفاصيل أحداث ميلاد المسيح ورحلة الهرب إلى مصر وطفولته والتأكيد على لاهوته من خلال معجزات تبين مقدرته على كل شيء. بل ومحاولة البعض الدفاع عن عقائد مسيحية هاجمها اليهود مثل بتولية العذراء القديسة مريم وحبلها بالمسيح بالروح القدس، ودوام بتوليتها بعد ميلادها للمسيح، واتهام اليهود للمسيح بأنه ابن زنا. بل ومحاولة معرفة تاريخ العذراء نفسها وكيفية ولادتها وتربيتها كالممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك لها وحبلها بالمسيح. ومثل محاولة شرح موقف بيلاطس من المسيح، وإيجاد معجزات للمسيح وقت محاكمته لتبرر كونه ابن الله، ومحاولة شرح موقف كل من نيقوديموس ويوسف الرامي بعد الصلب والقيامة، خاصة وأنهما كانا من تلاميذ المسيح الخفيين، وموقف اليهود مما فعلاه أثناء دفن المسيح، فنيقوديموس وضع على جسد المسيح عودا ومرًا ثمنهما غالي جدًا، ويوسف الرامي دفنه في قبره الجديد الذي لم يكن قد وضع فيه أحد بعد. ومحاولة إيجاد تبرير لموقف كل من اللصين اللذين صلبا مع المسيح. وكذلك أيضا موقف اليهود من قيامة المسيح بصورة أكثر تفصيلا مما جاء في الإنجيل القانوني بأوجهه الأربعة.

وكذلك ظهور الكتابات الدفاعية المسيحية التي دافعت عن العقائد المسيحية ضد اليهود والوثنيين والهراطقة من أبيونيين وغنوسيين وغيرهم. وبالتالي ظهور كتب تدافع عن نفس الأفكار ونسبتها لأشخاص لهم مكانتهم في الأحداث التي حدثت في الكنيسة الأولى، مثل إنجيل نيقوديموس أو أعمال بيلاطس.ويبلغ عدد هذه الأناجيل، نحو خمسين، ولكن لا يوجد في الكثير منها سوى أجزاء صغيرة أو شذرات متفرقة، ويوجد البعض منها مكتملًا أو ما يشبه ذلك. ولعل عددها قد تضخم نتيجة إطلاق أسماء مختلفة على المؤلف الواحد.

وقائمة تلك الكتب تتضمن الاتي:

+ الكتب المسماة بأناجيل الطفولة ( إنجيل الطفولة ليعقوب، إنجيل يعقوب الأولي– إنجيل الطفولة لتوما– إنجيل الطفولة المنحول باسم متى– حياة يوحنا المعمدان– تاريخ يوسف النجار– إنجيل الطفولة العربي(

+الكتب المسماة بالأناجيل المسيحية ذات الصبغة اليهودية ( انجيل العبرانيين- انجيل الابيونيين- انجيل الناصريين)، الكتب المسماة بالأناجيل الغنوسية والمانية(انجيل كيرنثوس- إنجيل باسيليدس- إنجيل مركيون- إنجيل أبيليس = إنجيل ماني)

+الكتب المسماة بأناجيل الأقوال والأخلاقيات (إنجيل توما– إنجيل المصريين اليونانيوالكتب المسماة بأناجيل الآلام ( إنجيل بطرس – إنجيل نيقوديموس | أعمال بيلاطسإنجيل برثولماوسأسئلة برثلماوس.

والخلاصة أن هذه الكتب قد كتبت، في الأصل، لتأييد هرطقة من الهرطقات والادعاء بأن

تعليمها رسولي، أو لتفصيل الأناجيل القانونية بإضافة إضافات أسطورية لإعطاء أهمية لبعض المفاهيم التي سادت بعض الدوائر الهرطوقية ولنشر وتأكيد أفكار هذه البدع. ان تلك الرويات تم استبعادها باعتبارها خيالات حتى ولو كتبت بحسن نية وخضعت للكثير من الفحص من آباء الكنيسة في ذلك الوقت وتبين ان ليس لها أي أساس من الصحة، وفي الحقيقة القديس جيروم والقديس توماس الاكويني استنكروها وشجبوها بعبارات اقوى وآدلة دامغة.

 أن هذه الكتب، الأبوكريفية، لم تناقش في أي مجمع من مجامع القرون الخمسة الأولى، سواء المكانية أو المسكونية، ولم تختلط في يوم من الأيام بأسفار العهد الجديد السبعة وعشرين، القانونية والموحى بها، لأنها لم تكتب لا في زمن تلاميذ المسيح ورسله الذين رحلوا عن هذا العالم فيما بين سنة 65م و100م وكان أخرهم هو القديس يوحنا، ولا في زمن تلاميذهم المباشرين أو خلفائهم الذين رحلوا عن العالم في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني. فقد دونت الأسفار الـ22 الأولى من الأسفار القانونية الموحى بها، فيما بين سنة 50م و70م، ودونت بقيتها، كتابات القديس يوحنا، فيما بين سنة 75 م. و95 م. في حين أن هذه الكتب الأبوكريفية كتبت فيما بين سنة 150م و450م وما بعد ذلك بكثير!

فكرة عن الإنجيل الأوَّلي ليعقوب: [11]Protoevangelium of James

هذا الكتاب له عدة أسماء مذكورة على عدد من المخطوطات اليونانية والسريانية، فيذكر اسمه في أقدم مخطوطة له (Papyrus Bodmer V) بـ”ميلاد مريم”، وسمي بـ”تاريخ يعقوب”، و”رواية يعقوب”، أو حتى بدون ذكر لاسم يعقوب في الكثير من المخطوطات. وكان أول من أطلق عليه اسم “الإنجيل الأوَّلي” هو الراهب اليسوعي الفرنسي جوليّوم بوستيل (Guillaume postel) الذي ترجمه إلى اللاتينية سنة 1552م. وله أسم أخر في الترجمة السريانية هو: “تاريخ يعقوب عن مولد كلية القداسة ودائمة البتولية والدة الله وابنها يسوع المسيح“. ويشير إليه أوريجانوس بـ”كتاب يعقوب”. وقد ذكر في مرسوم البابا جلاسيوس الذي استبعده من دائرة الأسفار القانونية، ووصفه الأبوكريفي، باسم “إنجيل يعقوب الصغير الأبوكريفي”.

 كما سمي بـ”الأوَّلي” أو “التمهيدي” لأنه يذكر أحداث تختص بكيفية الحبل بالعذراء القديسة مريم وميلادها وكذلك بأحداث تختص بميلاد الرب يسوع المسيح وطفولته لم تذكر في الأناجيل القانونية خاصة الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس لوقا.

ومؤلفه يظن أنه يعقوب أخو الرب. وكلمة الإنجيل الأوَّلي -وهو عنوان رائع يفترض الكثير

ويوحى بالكثير- أطلقه على هذه الوثيقة بوستلوس، وهو رجل فرنسي كان أول من نشره في اللاتينية 1552. وله أسماء مختلفة في المخطوطات اليونانية والسريانية، مثل: ” تاريخ يعقوب عن مولد كلية القداسة ودائمة البتولية والدة الله وابنها يسوع المسيح ” أما في مرسوم البابا جلاسيوس الذي يستبعده من دائرة الأسفار القانونية، فيسمى ” إنجيل يعقوب الصغير الأبوكريفي “. وجاء في هذا الانجيل وتغطي أصحاحاته الخمسة والعشرون ما يلي:

الفصل الأول: لا يحق لك أن تقدم قربانك، لأنك لم تنجب ذرية في إسرائيل: نقرأ في سجلات أسباط إسرائيل الاثنى عشر أن يواقيم كان غنيًّا جدًا ويقدَّم لله قرابين مضاعفة، قائلا في قلبه: “لتكن خيراتي للشعب كلّه، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله، ليُشفق الربّ عليَّ”. وحلَّ عيد الربّ الكبير وكان أبناء إسرائيل يأتون بقرابينهم، فاحتجَّ راؤبين على يواقيم، قائلاَّ: “لا يحق لك أن تقدم قربانك، لأنك لم تنجب ذرية في إسرائيل“.

فاستولى على يواقيم حزن عظيم، ومضى يراجع سلاسل انساب الأسباط الاثني عشر، قائلًا في سرَّه: “سوف أرى إنْ كنت الوحيد في أسباط إسرائيل الذي لم ينجب ذرية في إسرائيل“. وبتفحُّص سجلات الماضي، رأى أن الأبرار كلهم أنجبوا ذرية، لأنه تذكَّر إبراهيم الأب الذي رزقه الله، في أيامه الأخيرة، إسحق ابنًا فأغتم يواقيم لذلك ولم يشأ الظهور ثانية أمام امرأته؛ فمضى إلى الصحراء، ونصب فيها خيمته، وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة، قائلا في قلبه: “لن أتناول طعامًا ولا شرابًا؛ وصلاتي ستكون طعامي الوحيد”.

الفصل الثاني: حزن حنة بسبب عدم إنجابها لذرية: وكانت امرأته حنة تعاني حزنًا مضاعفًا،

وكانت فريسة ألم مضاعف، وقائلة: “أنني ارثي لترملي وعقمي”. إلا أن عيد الربّ الكبير حلّ، فقالت يهوديت خادمة حنة، لها: “إلى متى تستسلمين للحزن؟ ليس مسموحًا لك بالبكاء، لأننا في العيد الكبير.

خذي إذًا هذا الرداء وزيَّني رأسك. فأنا خادمتك، وأما أنت فسوف تشبهين ملكة”. فأجابت حنة: “ابتعدي عنى، لا أريد أن أفعل شيئًا من ذلك. إن الله أذلَّني بشدة. أخشى أن يعاقبني الله بسبب خطيئتك”. فأجابت الخادمة يهوديت: “ماذا أقول لك، ما دمت لا تريدين سماع صوتي؟ أن الله أغلق بحقًّ بطنك لئلا تُرزقي طفلًا لإسرائيل”. وحزنت حنة جدًا وخلعت ثياب حدادها؛ وزيَّنت رأسها وارتدت ملابس عرس. ونزلت، نحو الساعة التاسعة، إلى الحديقة لتتنزَّه، وإذ رأت شجرة الغار، جلست تحتها، ووجَّهت صلواتها إلى الربّ، قائلة: “يا إله آبائي، باركني واستجبْ صلاتي، كما باركت أحشاء سارة ورزقتها إسحق ابنًا”.

الفصل الثالث: حنة ترثي نفسها لعدم إنجابها: ورأت على شجرة الغار، وهى ترفع عينَيها إلى السماء، عشَّا للعصافير، فأنشدت مرثاة لنفسها قائلة: “وا أسفاه! بماذا يمكنني أن أقارن؟ لمَنْ أدين بالحياة لأكون ملعونة هكذا في حضور أبناء إسرائيل؟ أنهم يسخرون منى ويحقَّرونني وقد طردوني من هيكل الربّ. وا أسفاه! بمن أُشبه؟ أيمكنني أن أُقارن بطيور السماء؟ لكن الطيور مثمرة أمامك، يا رب. أيمكنني أن أُقارَن بحيوانات الأرض؟ لكنها مثمرة أمامك يا ربّ. لا، لا يمكنني أن أُقارن بالبحر، لأنه مسكون بأسماك، ولا بالأرض، لأنها تعطى ثمارًا في أوانها، وتبارك الربّ”.

الفصل الرابع: بشارة الملاك لحنة ويواقيم بإنجاب نسل: وإذا بملاك الربّ قد ظهر لها وقال: “يا حنة، أن الله سمع صلاتك؛ سوف تحبلين وتلدين، ونسلك يحكىً عنه في العالم كله”. فقالت حنة: “حي هو الرب، إلهي؛ سواء كان من ألده ذكرًا أم أنثى فسوف أُقدمه للربّ، وسوف يكرَّس حياته للخدمة ألإلهية”. وإذا بملاكَين أتيا، قائلين لها: “هوذا، يواقيم، زوجك، يصل مع قطعانه”. ونزل ملاك الربّ نحوه، قائلًا: “يا يواقيم، يا يواقيم، أن الله سمع صلاتك، وستحبل امرأتك حنة”. ونزل يواقيم ونادى رعاته، قائلًا: “أحضروا لي هنا عشر نعاج سليمة وبلا عيب، وسأنذرها للربّ إلهي. وأحضروا لي اثني عشر عجلًا بلا عيب، وسوف أقدّمها للكهنة وشيوخ بيت إسرائيل، وائتوني بمئة كبش، وهذه الكباش كلّها ستكون للشعب كلّه”. وإذا بيواقيم آتٍ مع قطعانه، وكانت حنة عند باب منزلها، فلمحت يواقيم آتيًا مع قطعانه؛ فركضت وارتمت على عنقه، قائلةً: “اعلم الآن أن الرب إلهي باركني، لأنني كنت أرملة ولم أعُدْ كذلك؛ وكنت عاقرًا وحبلت”. وارتاح

يواقيم في اليوم نفسه في منزله.

الفصل الخامس: حنة تحبل وتلد: وفي الغد، قدَّم يواقيم قرابينه وقال في نفسه: “إذا كان الربّ قد باركني، فلتكن لي علامة ظاهرة على عصابة جبين رئيس الكهنة”. وقدَّم يواقيم تقدماته، ونظر إلى العصابة، حين صعد إلى مذبح الرب، ولم يرَ خطيئة فيه. فقال يواقيم: “اعلم الآن أن الربّ استجابني وغفر لي كلّ خطاياي”. ونزل مبررًا من بيت الربّ وأقبل إلى منزله. وحبلت حنة، وفي الشهر التاسع ولدت وقالت لقابلتها: “ماذا ولدت؟” فأجابت الأخرى: “بنتًا”. فقالت حنة: “نفسي ابتهجت هذه الساعة”. وأرضعت حنة طفلتها وأسمتها مريم.

 الفصل السادس: وليمة الفرح بميلاد مريم وتقديمها للهيكل: ونمت الطفلة من يوم إلى يوم. وعندما بلغت من العمر ستة أشهر، وضعتها أُمها أرضًا لترى إنْ كانت ستقف. فسارت سبع خطوات وجاءت ترتمي في ذراعَي أُمها. فقالت حنة: “ليحَي الربّ إلهي؛ لن تسيري على الأرض حتى أُقدَّمك في هيكل الربّ”. وصنعت محرابا في حجرة نومها، وكانت تبعد عنها كلّ ما كان مُنَجَّسًا.

وأحضرت بناتًا عبرانيات بلا عيب للاعتناء بالطفلة. وعندما أتمَّت عامها الأول، أقام يواقيم وليمة كبرى، ودعا الكهنة والكتبة ومجلس الشيوخ كلَه وكلَ شعب إسرائيل. وأحضر الطفلة للكهنة، فباركوها قائلين: “يا إله آبائنا، بارك هذه الطفلة وأعطها اسمًا يُعظَّم في كلّ الأجيال”. وقال الشعب كلّه: “آمين، ليكن كذلك”. وقدَّمها أبواها للكهنة فباركوها، قائلين: “يا إله المجد، تطلع لهذه الطفلة وامنحها بركةً لا تعرف أي انقطاع”. وحملتها أُمها وأرضعتها، وأنشدت للرب الإله، قائلةً: “سأنشد مدائح الربّ إلهي، لأنه تطلع إليّ وخلَّصني من تعييرات أعدائي. وأعطاني الربّ إلهي ثمرة عدل مضاعفة في حضرته. مَنْ يُعلن لأبناء رأوبين أن لحنة طفلًا؟ اسمعي كلّك، يا أسباط إسرائيل الاثني عشر، اعلمي أن حنة تُرضع”. ووضعت الطفلة في المكان الذي طهَّرته، وخرجت، وخدمت المدعوين، وحين انتهت الوليمة وهم في ملء السعادة يمجدون

إله إسرائيل.

الفصل السابع: مريم تدخل الهيكل: عندما بلغت مريم الثانية من عمرها، قال يواقيم لحنة، زوجته: “لنقُدْها إلى هيكل الله، ولنتمَّم النذر الذي نذرناه، لئلا يغضب الله ولا يقبل تقدماتنا”. فقالت حنة: “لننتظر العام الثالث، خوفًا من أن تعاود إلى أبيها وأمها”. فقال يواقيم: “لننتظر”. وبلغت الطفلة عامها الثالث، فقال يواقيم: “نادوا عذارى العبرانيين اللواتي بلا عيب، وليحملن مصابيح ويُشعلْنها، وعلى الطفلة ألا تلتفت إلى الوراء وألا يبتعد ذهنها عن بيت الله”. وصنعت العذارى كما أمر به، ودخلن الهيكل. واستقبل الكاهن الطفلة وقبَّلها وقال: “يا مريم، أن الرب عظّم اسمك في جميع الأجيال، وفي آخر الأيام، سيُظهر الله فيك خلاص أبناء إسرائيل“. ووضعها على درجة المذبح الثالثة، فسكب الله نعمته عليها، فارتعشت فرحًا وهي ترقص برجليها وقد أحبها كلّ بيت إسرائيل.

الفصل الثامن: مريم تتلقّى طعامها من يد الملائكة: ونزل أبواها متعجبين، شاكرَين الله ومسبَّحين لأن الطفلة لم تلتفت إليهما. وكانت مريم في هيكل الربّ مثل اليمامة وكانت تتلقّى طعامها من يد الملائكة.

وعندما بلغت الثانية عشرة من عمرها، اجتمع الكهنة في هيكل الربّ وقالوا: “هوذا مريم قد بلغت عمر الاثني عشر عاما في الهيكل؛ فماذا سنفعل في شأنها، لئلا تمس قداسة هيكل الربّ إلهنا دنس ما؟”. وقال الكهنة لرئيس الكهنة: “أذْهَبْ وقف أمام هيكل الربّ وصلَّ من أجلها، وما يُظهرُه الله لك، نمتثل له”. فدخل رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس، وقد لبس رداءه الكهنوتي المزيَّن باثنى عشر جُرسًا، وصلى من أجل مريم. وإّذا بملاك الربّ يظهر له قائلًا: “يا زكريا، يا زكريا، أُخْرُجْ واستدع مَنْ هم أرامل وسط الشعب، وليأت كلّ واحد بعصى، ومَنْ يختاره الله بعلامة يكون الزوج الُمعطى لمريم ليحفظها”. وخرج المنادون في كل بلاد اليهودية، وبوق بوق الربّ وهرع الجميع.

الفصل التاسع: حمامة تخرج من عصا يوسف: وأتى يوسف كالآخرين، وقد تخلَّى عن فأسه، وإذ اجتمعوا، مضَوا نحو رئيس الكهنة، ومعهم عصيهم. فأخذ الكاهن عصا كلّ واحد، ودخل الهيكل وصلى وخرج بعد ذلك وأعاد إلى كلّ واحد عصاه التي جاء بها، فلم تظهر أي علامة؛ لكنه عندما أعاد إلى يوسف عصاه، خرجت منها حمامة، حطّت على رأس يوسف. فقال رئيس الكهنة ليوسف: “لقد اختيارك الله لتقبُّل عذراء الربّ هذه وتحفظها قربك”. فقَّدم يوسف اعتراضات قائلا: “لي أولاد وأنا شيخ، وهي فتاة صغيرة جدًا؛ وأخشى أن أكون عرضة للسخرية بالنسبة إلى أبناء إسرائيل“. فأجاب رئيس الكهنة يوسف: “خاف الربّ إلهك وتذكَّر كيف عاقب الله عصيان داثان، وأبيرام وقورح، وكيف انفتحت الأرض وابتلعتهم، لأنهم تجرأوا على اعتراض أوامر الله. خاف إذًا، يا يوسف أن يحصل كذلك لبيتك”. فتقبَّل يوسف مريم مرتعبًا وقال لها: “أنني أتقبَّلك من هيكل الربّ وأترك لك المسكن، وأذهب لأزاول مهنتي نجارًا وأعود إليك. وليحفظك الله كلّ

الأيام”.

الفصل العاشر: اختيار مريم لتغزل ستارة لهيكل الرب: وعُقد اجتماع للكهنة وقالوا: “لنصنع حجابًا (ستارة) أو بساطًا لهيكل الربّ”. فقال رئيس الكهنة: “أحضروا ليَّ عذارى سبط داود اللواتي بلا عيب”. وبحث المستشارون ووُجدوا سبعًا من تلك العذارى. ورأى رئيس الكهنة أمامه مريم التي كانت من سبط داود وكانت بلا عيب أمام الله. فقال: “اختاروا لي بالقرعة مَنْ تغزل خيط ذهب وناريّ وكتان رفيع وحرير وبرتقالي مُحْمَرّ وقرمزي”. وحصلت مريم بالقرعة على الأُرجوان الخالص والقرمز، وإذ تسلَّمتهما، ذهبت إلى بيتها. وفي الوقت نفسه، أصبح زكريا أبكم، وحلَّ صموئيل محلَّه. إلى وقت كلام زكريا ثانيةً. وأخذت مريم تغزل، وقد تسلَّمت الأرجوان والقرمز.

الفصل الحادي عشر: بشارة الملاك للعذراء بالحبل وميلاد ابن الله: ومضت بجرتها لتملأها

بماءَّ، فإذا بها تسمع صوتًا يقول: “السلام لك، يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الربّ معك: مباركة أنت في النساء”. ونظرت مريم حولها يمينًا ويسارًا لتعرف من أين يأتي ذلك الصوت. وعادت إلى بيتها، وقد ارتجفت، ووضعت الجرَّة، وإذ تناولت الأُرجوان، جلست على مقعدها لتعمل. وإذا بملاك الربّ واقفا أمامها قائلا: “لا تخافي يا مريم؛ لأنك وجدت نعمة عند الربّ وها أنت ستحبلين حسب كلمته”. وكانت مريم تقول في نفسها، وقد سمعته: “هل أحبل من الله وأضع كما تلد الأُخريات؟” فقال لها ملاك الربّ: “لن يكون الأمر كذلك يا مريم، لأن قوة الله تظلَّلك، لذلك المولود منك قدوس ويُدعى ابن الله. وتُسمينه يسوع؛ لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. وها أن نسيبتك أليصابات حبلت بابن في شيخوختها، والتي كانت تُدعى عاقرًا هي في شهرها السادس، فما من مستحيل على الله؟” فقالت له مريم: “إنني أمَة الربّ؛ ليكن لي بحسب كلامك”.

الفصل الثاني عشر: مريم تزور أَليصابات: وإذ أنهت الأرجوان والقرمز، حملتهما إلى رئيس

الكهنة. فباركها، وقال: “يا مريم، أن اسمك ممجَّد وستكونين مباركة في كلّ الأرض”. ومضت مريم، وقد شعرت بسرور عظيم، إلى أليصابات، نسيبتها، وقرعت بابها. فركضت أليصابات إلى بابها، لتفتح، وإذ لمحت مريم قالت: “من أين لي هذا أن تأتي أٌم ربى لزيارتي؟ لأن الذي بداخلي ارتكض وباركك”. وكانت الأسرار التي أعلنها رئيس الملائكة جبرائيل لمريم محجوبة عنها. وقالت، رافعةً عينيها إلى السماء: “مَنْ أنا إذًا لتدعوني كلّ الأجيال مغبوطة؟”. فمكثت ثلاثة أشهر عند أليصابات. وكانت بطنها تكبر يومًا فيومًا، ومن خوفها انزوت مريم في منزلها واختبأت عن أنظار بني إسرائيل. وكانت في السادسة عشرة من العمر عندما حدث ذلك.

الفصل الثالث عشر: شك يوسف في مريم بسبب حبلها: ولما كانت مريم في الشهر السادس من حبلها، عاد يوسف إلى البيت من عند مبانيه، فلاحظ وهو داخلّ البيت أن مريم حبلى، فانطرح أرضًا، وخفض رأسه، واستسلم لحزن عميق، قائلًا: “كيف أٌبرَّر نفسي أمام الله؟ كيف أٌصلى من أجل هذه البتول؟ لقد استلمتها عذراء من هيكل الربّ الإله، ولم أحفظها. مَنْ هو الذي ارتكب هذا الفعل الرديء في بيتي ومَنْ أغوى العذراء؟ ألَمْ تتجدَّد قصة آدم من أجلى؟ ففي وقت مجده، دخلت الحيَّة، ووجدت حواء وحيدة، وخدعتها؛ ولقد حدث لي الأمر نفسه حقًا”. ونهض يوسف من فوق الكيس الذي أنطرح عليه، وقال لمريم: “أنت التي كنت صاحبة قيمة فائقة في عيني الربّ، لماذا تصرفت على هذا النحو، ولماذا نسيت الربّ إلهك، لقد تربيت في قدس الأقداس؟ أو كنت تتلقّين الطعام من يد الملائكة، لمَاذا تخلَّيت عن واجباتك؟” وكانت مريم تبكى بمرارة شديدة، وأجابت: “أنا طاهرة، ولم أعرف رجلًا”. فقال لها يوسف: “ومن إذًا فكيف حبلت؟” فأجابت مريم: “حي هو الرب إلهي؛ أنني أٌشهدَّه على إنني لا أعلم كيف صار الأمر هكذا”.

الفصل الرابع عشر: الملاك يخبر يوسف بحقيقة حبل مريم: وقال يوسف في نفسه، وهو

مذهول: “ماذا أفعل بها؟” وقال: “إذا أخفيتُ خطيئتها، فسوف أُعتبر مذنبًا بحسب شريعة الربّ؛ وإذا اتهمتها علانية أمام بني إسرائيل، فأخشى أن يكون ما فيها من ملاك، وان أُسلَّم الدم البريء لحكم الموت؟ ماذا أفعل بها إذًا؟ أتركها سرًّا”. وكان منشغلًا بهذه الأفكار خلال الليل. وإذا بملاك الربّ يظهر له أثناء نومه، ويقول له: “لا تخف الاحتفاظ بهذه البتول؛ لأن الذي فيها هو من الروح القدس، فستلد أبنًا وتسميَّه أنت يسوع؛ لأنه يخلص شعبه من خطاياهم”. فنهض يوسف من النوم ومجَّد إله إسرائيل الذي أغدق نعمته عليه وحافظ عليها.

الفصل الخامس عشر: يوسف يتهم بأنه دنس مريم: وجاء حنان الكاتب إلى يوسف وقال له:

“لمَ لم تأت إلى اجتماعنا؟” فأجابه يوسف: “كنت متعبًا من رحلتي التي قطعتها، وأردت أن أرتاح في اليوم الأول”. وإذ التفت الكاتب، رأى مريم حبلى، فمضى مسرعًا نحو رئيس الكهنة، وقال له: “إن يوسف، الذي تثق به، اخطأ في شكل خطير”. فقال رئيس الكهنة: “ماذا فعل؟” فأجاب الكاتب: “لقد دنَّس العذراء التي استلمها من هيكل الربّ، وتزوجها سرًا، واختبأ من أبناء إسرائيل“. فأجاب رئيس الكهنة: “هل فعل يوسف ذلك؟ هل أرَتكب هذه الجريمة؟” فقال الكاتب حنانيا: “أرسلْ كهنة، وسوف يرَون أن مريم حبلى”. ومضى الكهنة، ووجدوا صدق قول الكاتب. فقادوا مريم ويوسف ليُحاكما، وقال رئيس الكهنة: “يا مريم، كيف تصرَّفت هكذا، ولمَ خسرت نفسك، أنت التي ربيت في قدس الأقداس، وتلقَّيت الطعام من يد الملائكة، وسمعت أسرار الربّ واغتبطت في حضرته؟” وكانت تبكى بمرارة كبيرة، وأجابت: “حي هو الربّ إلهي، إنني طاهرة في حضرة الربّ، ولم أعرف رجلًا”. فقال رئيس الكهنة ليوسف: “لماذاَ تصرَّفت هكذا؟” فقال يوسف: “حي هو الربّ الإله وحي هو مسيحه؛ أنني أشهدَّها على إنني طاهر من كلّ علاقة بها”. وأجاب رئيس الكهنة: “لا تُدْل بشهادة زور، بل قُل الحقيقة؛ لقد تزوَّجتها سرًّا وأخفيتها عن أبناء إسرائيل، ولم تحن رأسك تحت يد العلىّ القدير، ليكون نسلك مباركًا”.

الفصل السادس عشر: امتحان يوسف ومريم وبراءة مريم: وقال رئيس الكهنة أيضًا: “أعدْ هذه العذراء التي تسلّمتها من هيكل الربّ”. وكان يوسف يذرف دموعًا كثيرة، فقال له رئيس الكهنة: “سوف أسقيك ماء إدانة الربّ، وسوف تظهر خطيئتك أمام عينيك”. واخذ رئيس الكهنة الماء وسقى منه يوسف، ثم أرسله إلى الأماكن العالية، فعاد يوسف منها في صحة تامة. وشربت مريم منه أيضًا، ومضت إلى الجبال، وعادت من دون أن تعانى أيّ ألم. وصُعقَ الشعب كله دهشةً من عدم ظهور خطيئة فيهما. وقال رئيس الكهنة: “أن الله لم يُظهر خطيئتكما، وأنا لن أدينكما”. وصرفهما مغفورًا لهما. وأخذ يوسف مريم، وأعادها إلى بيته، بفرح

وهو يمجد إله إسرائيل.

الفصل السابع عشر: ذهاب يوسف ومريم إلى بيت لحم: وأصدر الإمبراطور أُوغسطس قيصر قرارًا بأن كلّ الذين ولدوا في بيت لحم عليهم أن يكتتبوا. فقال يوسف: “سوف أُسجَّل أبنَيّ، ولكن ماذا أفعل بشأن هذه المرأة؟ بأي صفة أُقيَّدها؟ أبصفتها زوجة؟ أنها ليست زوجتي، ولقد تقبَّلتها أمانة من هيكل الربّ. أأقول أنها ابنتي؟ لكن كلّ أبناء إسرائيل يعلمون أنها ليست ابنتي. ماذا أفعل إذًا بشأنها؟”. وأسرج يوسف أتانًا أركب مريم عليها. وكان يوسف وسمعان يتبعان على بعد ثلاثة أميال. ولما التفت يوسف، رأى مريم حزينة، فقال في نفسه: “أن ما فيها يكدَّرها”. وعندما التفت مجددًا، رأى أنها تضحك، فقال لها: “يا مريم ما السبب في أن وجهك تارةً حزين وتارةً فَرح؟”. فقالت مريم ليوسف: “هذا لأنني أرى شعبَين أمام عينَي؛ واحد يبكى وينوح والآخر يضحك ويستسلم للفرح”. وقالت له مريم، عندما وصلوا إلى منتصف الدرب: “أنزلني عن أتاني، لان ما في يضغط علىَّ للغاية، وأنزلها يوسف من فوق الأتان وقال لها: “أين أقودك، فهذا المكان قفر؟

الفصل الثامن عشر: تجمد كل الأشياء في لحظة واحدة: وإذ وجد في ذلك الموضع مغارة، أدخل مريم إليها، وترك ابنه ليحرسها، ماضيًا بنفسه إلى بيت لحم ليأتي بقابلة. وحين كان سائرًا، رأى القطب حيث السماء كانت جامدة، والهواء مظلمًا، والطيور متوسط طيرانها. وإذ نظر إلى الأرض، رأى وعاءً مليئًا لحمًا مُحضَّرًا، وعماَّلًا متمدَّدين وأيديهم في الوعاء. ولحظة الأكل لم يكونوا يأكلون، ومَنْ كانوا يمدُّون أيديهم لم يكونوا يتناولون شيئًا، ومَنْ كانوا يريدون إيصال شيء ما إلى فمهم، لم يكونوا يوصلون شيئًا، وكلهم كانوا مركزين أنظارهم لأعلى إلى فوق. وكانت النعاج مشتَّتة، ولكنها لا تسير، بل كانت لابثةً في أماكنها جامدة. والراعي الرافع يده ليضربها بعصاه، كانت يده باقية من دون انخفاض. وإذ نظر من ناحية نهر، رأى كباشًا يلامس فمها الماء، لكنها لم تكن تشرب، فكلّ الأشياء كانت في تلك اللحظة جامدة.

الفصل التاسع عشر: امتلاء المغارة بالنور عند ميلاد المسيح: وإذا بامرأة نازلة من الجبال قالت له: “أسألك إلى أين تذهب؟” فأجاب يوسف: “إنني أبحث عن قابلة من نسل العبرانيين”. فقالت له: “أَأنت من نسل إسرائيل؟” فردَّ بنعم. إذاك قالت: “مَنْ هي تلك المرأة التي تلد في هذه المغارة؟”. فأجاب: “أنها خطيبتي”. فقالت: “أليست زوجتك؟”. فقال يوسف: “أنها ليست زوجتي، بل هي مريم التي ربيت في هيكل الربّ وحبلت من الروح القدس”. قالت له القابلة: “أهذا ممكن؟”. فقال: “تعالى انظري ذلك”. ومضت القابلة معه. وتوقفت حين أصبحت أمام المغارة. وإذا بسحابة مضيئة تغطى تلك المغارة. وقالت القابلة: “أن نفسي تجمَّدت اليوم، لأن عينَيّ رأتا معجزات”. وفجأة امتلأت المغارة ضياء حادًا لدرجة أن العين لم تستطع تأمُّله، وحين خفت ذلك النور قليلًا، رُؤى الطفل. وكانت أمه مريم تُرضعه. فصاحت القابلة: “هذا يوم عظيم بالنسبة إلىَّ، لأنني رأيت منظرًا بهيًا”. وخرجت من المغارة، وكانت سالومي قبالتها. فقالت القابلة لسالومي: “لدَّى معجزات عظمى أرويها لك: “أن عذراء ولدت ولا تزال عذراء”. وقالت سالومي: “حي هو الرب، إلهي؛ إذا لم أتأكد بنفسي، فلن أُصدَّقك”.

الفصل العشرون: سالومي تشك في بتولية العذراء وعقابها بسبب ذلك: دخلت القابلة المغارة وقالت لمريم: “نامي، لأن صراعًا عظيمًا ينتظرك”. وإذ لمستها سالومي، خرجت وهى تقول: “الويل لي، أنا الخائنة والكافرة، لأنني جرَّبت الله الحي. وان يدي التي تحرقها نار آكلة تسقط وتنفصل عن ذراعي”. وسجدت أمام الله، وقالت: “يا إله آبائنا، تذكَّرني، لأنني من نسل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ولا تَخزني أمام أبناء إسرائيل، بل أعدْني إلى أهلي. أنت تعلم، يا ربّ، إنني باسمك كنت أُنجز معالجاتي وشفاءاتي كلها، لست طامحة إلى مكافأة إلا منك”. فظهر لها ملاك الربّ وقال لها: “يا سالومي، يا سالومي، أن الربّ سمعك؛ مدَّى يدك إلى الطفل، واحمليه؛ فسيكون لك الخلاص والفرح”. ودنت سالومي من الطفل وحملته في ذراعيها، وهى تقول: “سأسجد لكَ، لأن ملكًا عظيمًا وُلد في إسرائيل“. وشفيت على الفور، وخرجت من المغارة مُبَرَّأة. وسُمع صوت بالقرب منها يقول: “لا تُعلني المعجزات التي رأيتها، إلى أن يدخل الطفل أورشليم“.

الفصل الواحد والعشرون: النجم يرشد المجوس إلى الكهف: وإذا بيوسف يستعدّ للذهاب إلى

اليهودية. وعلا صَخَبً عظيم في بيت لحم، لأن المجوس كانوا قد وصلوا، قائلين: “أين هو الذي وُلد ملكا”ً لليهود؟ لقد رأينا نجمه في الشرق، وجئنا لنعبده”. ولما سمع هيرودس ذلك أضطرب، وبعث برُسل إلى المجوس. واستدعى أُمراء الكهنة، واخذ يستجوبهم، قائلًا: “عما هو مكتوب عن المسيح؟ أين يولد؟”. فقالوا: “في بيت لحم اليهودية، فهذا ما هو مكتوب”. فصرفهم هيرودس، واستجوب المجوس قائلًا: “أعملوني أين رأيتم العلامة التي تشير إلى الملك الوليد؟”. فقال المجوس: “لقد ارتفع نجمه ساطعًا، وفاق بضيائه نجوم السماء الأخرى إلى حد أننا ما عدنا رأيناها. وعرفنا هكذا أن ملكًا عظيمًا وُلد في إسرائيل وجئنا لنسجد له”. فقال لهم هيرودس: “هيّا، وابحثوا عنه، وإذا وجدتموه، تعالوا أعلموني بذلك لأذهب وأسجد له”. ومضى المجوس، وإذا بالنجم الذي رأَوه في الشرق يرشدهم إلى أن بلغوا المغارة، وتوقَّف فوق مدخل المغارة. ورأى المجوس طفلًا مع مريم أُمه، فسجدوا له. وإذ اخرجوا تقدمات من خزائنهم، أهدَوه ذهبًا، وبخورًا ومرًّا. وإذ أعلمهم الملاك بأن عليهم ألا يعودوا إلى هيرودس، سلكوا دربًا أخرى للعودة إلى بلادهم.

الفصل الثاني والعشرون: الجبل يحتضن أليصابات وابنها والملاك يحرسهما: واستولى الحنق على هيرودس، لأن المجوس خدعوه، فأرسل جنوده ليقتلوا كلّ الأطفال الذين كانوا في بيت لحم، من عمر سنتين وأدنى. وامتلأت مريم خشيةً، عندما علمت أنهم يقتلون الأطفال؛ فأخذت الطفل، وإذ لفَّته بأقمطة، أضجعته في مذود الثيران. وهربت أليصابات إلى الجبال عندما أُعلمت بأنهم يبحثون عن يوحنا، وكانت تنظر حولها لترى أين يمكنها إخفاؤه ولم تجد أي موضع مناسب. فقالت بصوت عال وهى تنوح: “يا جبل الله، تقبَّل الأُم مع ابنها. وانفرج على الفور الجبل الذي لم تكن تستطيع تسلُّقه وتقبَّلها. وكان يضيئهما نور عجائبي، وملاك الربّ معهما ويحرسهما.

الفصل الثالث والعشرون: هيرودس يقتل زكريا الكاهن: خلال ذلك الوقت، كان هيردوس يبحث عن يوحنا، وأرسل بعض ضباطه إلى أبيه زكريا، قائلين: “أين خبَّأت ابنك؟”. فأجاب: “أنا الكاهن العامل في خدمة الله، وأقف اهتماماتي على هيكل الربّ؛ لا أعلم أين ابني”. وخرج المبعوثون ونقلوا ذلك إلى هيرودس. فقال بغضب: “ابنه هو الذي سيملك على بنى إسرائيل“. وأرسلهم مجددًا إلى زكريا قائلين: “تكلَّم بصدق، أين ابنك؟ ألا تعلم أن دمك في متناول يدي؟” وعندما نقل الرسل إلى زكريا كلام الملك، قال: “اننى أُشهَّد الله على أنني أجهل أين هو ابني. أهرقْ دمي. إذا شئت؛ إن الله يتقبَّل روحي، لأنك تكون قد أرقت دمًا بريئًا”.وقُتل زكريا في رواق

هيكل الربّ، قرب حاجز المذبح.

الفصل الرابع والعشرون: الأسباط تبكى زكريا بسبب مقتله: ومضى الكهنة إلى الهيكل في موعد السلام. ولم يكن زكريا في استقبالهم لمنحهم البركة، وفقًا للعادة. وعندما لم يظهر لهم، لم يجرأوا على الدخول. ودخل أحدهم الهيكل، وكان أكثر إقدامًا من الآخرين، وعاد يُنبئ الكهنة بأن زكريا قُتل. ودخلوا إذاك، ورأوا ما صنُع؛ وكانت كسوات الهيكل تُطلق عويلًا، وكانت مشقوقة من أعلى إلى أسفل. ولكن لم يُعثَر على جسده، أما دمه فكان في رواق الهيكل، كتلةً شبيهةً بصخر. وخرجوا مذعورين، وأعلنوا للشعب أن زكريا قُتل. وبكته أسباط الشعب ثلاثة أيام وثلاث ليال.

وبعد تلك الأيام الثلاثة، اجتمع الكهنة لينتخبوا واحدًا مكانه. وحلَّت القرعة على سمعان. وأُنبئ بواسطة الروح القدس بأنه لم يمت قبل أن يعاين المسيح.

الفصل الخامس والعشرون: يعقوب يلجأ إلى الصحراء: أنا، يعقوب، الذي كتب هذه القصة، لجأت إلى الصحراء، إبان تمرُّد أثاره في أُورشليم المدعو هيرودس، ولم أعُدْ إلا بعدما هدأت البلبلة. أنني أحمد الله الذي منحنى مهمة كتابة هذه القصة. لتكن النعمة مع الذين يخشَون سيَّدنا يسوع المسيح، الذي له المجد والقوة مع الآب الأبدي والروح القدس المحيي،

الآن، ودائمًا، وإلى أبد الآبدين. آمين.

لقد أجمع العلماء أن هذه الوثيقة من جمع جملة كتَّاب مما يعلل الاختلاف الكبير في تحديد تاريخ كتابته، فالبعض يرجع به إلى القرن الأول، والبعض يرجعان به إلى العقد الأول من القرن الثاني، ويرجع به آخرون إلى النصف الثاني من القرن الثاني. بينما يرجع به آخرون -في صورته الحالية- إلى منتصف القرن الرابع.ويقول علماء مبرزون بأن جستين الشهيد قد أشار إليه، مما قد يدل على أنه كان معروفًا في صورة أقدم، في النصف الأول من القرن الثاني، وفي صورته الأخيرة يتضح أن هدف الكاتب كان تأكيد القداسة والاحترام للعذراء، وفيه عدد من الأقوال غير التاريخية. وقد حرمة في الكنيسة الغربية البابوات ديدمسوس (382 م.) وانوسنت الأول (405 م.) والبابا جلاسيوس 496م ).

وطـن مـريـم

ولدت مريـم فـى فلسطين، وكان إذ ذاك يحكم على فلسطين هيرودس الكبيـر الأدومـي (37-4ق.م.) فـى ظل حماية الرومانييـن حيث استولى على أورشليـم فـى عام 37 قبل الـميلاد. ولقد إنتهـز هيرودس فرصة الصراعات الداخلية فى الامبراطوريـة الرومانية، ونشر سيادتـه على بعض الـمناطق الـمجاورة. وفـى عام 20-19ق.م. بدأ فـى إعادة بناء وتوسيع هيكل أورشليـم.

واليهود فـى تلك الأيام كانوا منقسمين الى حزبيـن: حزب الفريسييـن وهو يحافظ على العقائد والشرائع ويدّعون القداسة، والحزب الآخر هو الصدوقيـون وكانوا مادييـن لا يعبأون بالتعاليـم الدينيـة ويكتفون بالشعائـر الظاهـرة ولا يؤمنون بالبعث. وكانت هناك فئـة من اليهود متمسكة بديانتهـا أمثال سمعان الشيخ وحنة النبية وزكريـا الكاهن، كانت متلهفـة لـمجئ الـمسيّا الـمنتظـر، وكانت عائلـة العذراء من هذه الفئـة الأمينـة البعيدة عن روح التعصب.

هيرودس كان قائدا عسكريا شجاعا وحكيما وكان قويا وله كاريزما لا يمكن نكرانها وكان لا نظير له كدبلوماسي وصديق للعديد من الحكام والقادة في عصره. لقد تجرأ على القيام بأعمال تجارية مع يوليوس قيصر ومارك أنطونيو وكليوباترا واغسطس قيصر وعادة ما كان يحصل على ما يريده. امام شعبه اليهودي كان يقدم نفسه على انه يهودي ولرعاته الرومان على انهم ” صديق لروما”.

في الوقت المناسب اتخذ له زوجة من السلوقيون وهي الخطوة التي جعلته اكثر قبولا منهم على الرغم من انهم كانوا قلقين منه ولكنه لم يعبأ فكانت له مهمة يريد تنفيذها. هيرودس كان دائما متحركا فلقد وضع علاوة على القانون والنظم التجارية واوقف السرقة بالاكراه على الطرق وبهذا فقد أزال واحدة من القيود الكثيرة على التجارة والترحال. علاقاته السهلة مع روما ضمنت له ان مملكته تستقبل فوائد عادية من العاصمة الرومانية وتدفق الاستيراد والتصدير بكل سهولة. لقد

حكم بمهارة وبدقة وبثقة وبكفاءة- صفات لم يستطع السلوقيون ان يقوموا بها ولو مرة واحدة.

لكن كان هناك جانب آخر لهيرودس، فهو عندما كان صغيرا كان عرضة لنوبات طويلة من الاكتئاب الانتحاري، وعندما كبر وحصل على القوة تحول اكتئابه الي غضب قاتل يتم توجيهه بشكل عشوائي تقريبا الى الأصدقاء والأعداء. وكان معالجوه في منتهى العناية ان يخفوا تلك الفترات من الضعف عن الشعب، فعندما يختفي الملك عن الأنظار كانوا يقولون انه في رحلة للصيد.

عمل هيرودس ليكتسب احترام وتأثير شعبه وظلوا مع هذا يحتقروه وكان هو مدرك بشدة لتوقعاتهم وتكهناتهم بخصوص المسيّا كان هو الحديث الأكثر تداولا بينهم وفي انحاء البلاد. ربما فكّر هيرودس انه يمكنه ان ينال حصة في المطالبة بمصداقية لذلك اللقب.

لقد سكّ عملات تمثل اسمه مع نجم وهي كانت واحدة من العلامات العامة والمعروفة عن

المسيّا اما العلامة الثانية فكانت من جذع يسى. طبقا لحساب واحد فلقد وضع السؤال لمعلموا الشريعة في اورشليم هل يمكنه ان يكون هو ذلك الذي تنتظره الأجيال منذ زمن؟

علماء الكتاب لاحظوا حديثا إتمام للكثير من النبؤات. يعقوب تنبأ بثبات حكم يهوذا والآن الملوكية قد عادت الى ارض اليهودية. وتنبأ دانيال بملك سيحكم بعد 70 أسبوع لسنوات والآن هنا في هيرودس كان ملكا قد وصل بالتمام في تلك اللحظة. بعض الإشارات كانت هناك ولم يمكن بعد لعلماء الشريعة والكتبة ان يستطيعوا ان يعطوا لأنفسهم الحق في اعلان ان هيرودس هو المسيّا.

كانت العقبة الكبرى والتي لا يمكن لأحد ان يتخطاها انه كان اجنبي المولد. كانت التوراه صريحة في ذلك الأمر”فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكًا. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ.“(تثنية15:17).

عندما وصلت لهيرودس ذلك الرفض كان رد فعله سريع وبسيط فلقد ذبح أعضاء المجلس وحفظ نفس رجل واحد اسمه Baba ben Buta بسبب انه له قيمة كمستشار ملكي وأيضا لكونه كان اعمى لذا ففي المستقبل سيتعلم ان يخفف نصيخته لتكون في صالح رغبات هيرودس.

مهما كان الأمر فلقد نجح هيرودس في اقناع البعض في مملكته.

نشأت فصيل عرفت ب الهيرودسيون Herodians الذين قبلوا ادعاء هيرودس للمسيانية وكانوا شيئ آخر عن كونه حزب سياسي ولكن اقل من ان يصبحوا فئة دينية. فهم جماعة، ليسوا طائفة دينية ولا حزبًا سياسيًا، كما كان يظن الناس قبلًا، بل مجرد اتباع هيرودس الكبير Herod وخلفائه في فلسطين. غير أن صداقتهم لملكهم لم تجعلهم موظفين رسميين في بلاطه وكان لهم نفوذ واسع، وحاولوا إقناع الشعب بمولاة هيرودس وحلفائه ومولاة الرومان وحلفائهم ونظر إليهم الشعب المعادي للرومان ولهيرودس نظرة كره واحتقار. ولكن هذه النظرة لم تمنع الفريسيين أعدائهم من التحالف معهم ضد المسيح، فتآمروا معًا، الفريسيون والهيرودوسيون، ضد يسوع فيما بعد. لقد بقوا حتى بعد موت الملك هيرودس عندما وسعوا اللقب المسيّاني لمن خلفه. الهيرودسيون ظهروا من حين لآخر في العهد الجديد ( مرقس6:3و 12و 13، متى 16:22). طبقا للقديس جيروم والقديس ابيفانوس فالهيرودسيون

ظلوا يعانوا ما بين اليهود على الأقل حتى أواخر القرن الرابع الميلادي منتظرين تبرئتهم.

نحن نعلم أيضا بعض الشيئ من التفاصيل عن هيرودس من الاصحاح الأول من انجيل متى، فهذا المصدر المسيحي المبكر يتوافق مع ما عرفناه وما جاء في كتابات المؤرخين. في متى وأيضا فيما كتبه يوسيفوس يظهر هيرودس كشخص مذعور ومهووس وغير آمن وغيور ويتميز

بالعنف.

ومن قاموس الكتاب المقدس نجد الآتي: في العهد الجديد ذكر أربعة بهذا الاسم وكان ذلك أثناء الحكم الروماني على فلسطين.

هيرودس الكبير (في قصة الميلاد) وهيرودس أرخيلاوس و هيرودس أنتيباس( في محاكمات

المسيح – يوحنا المعمدان) و هيرودس فيلبس الثاني و هيرودس اغريباس الأول( قتل يعقوب – سجن بطرس – أكله الدود) و هيرودس اغريباس الثاني.

هيرودس الكبير: وهو الابن الثاني لأنتيباتر، الأدومي الأصل. وكانت أمه أدومية أيضًا لذلك لم يكن يهوديًا من ناحية الجنس مع أن الادوميين كانوا قد رضخوا للمذهب اليهودي بالقوة منذ سنة 125 ق.م. وكان قيصر قد عَيَّنَ انتيباتر Antipater the Idumaean حاكمًا على اليهودية سنة 47 ق.م. وقسَّم انتيباتر فلسطين بين أبنائه الخمسة وكان نصيب هيرودس في الجليل. وبعد أربع سنوات قُتِلَ انتيبار. فجاء ماركوس انطونيوس إلى فلسطين وعيَّن الابنين الأكبرين للعاهل المقتول على فلسطين. ثم قَتَلَ أكبرهما نفسه بعد ما أسره الفوتيون الذين هاجموا فلسطين. وهكذا خلا العرش لهيرودس. وفي سنة 37 ق. م. دخل القدس فاتحًا بمعونة الرومان. وقد تزوَّج هيرودس عشر نساء وكان له أبناء كثيرون. واشتد التنافس فيما بينهم على وراثة العرش وكان القصر مسرح عشرات المؤامرات والفتن. واشتركت زوجات الملك وأقاربهن في تلك المؤامرات والفتن. هذا إلى جانب المؤامرات التي حاكها هيرودس ضد أعدائه من يهود البلاط، وضد خصومه من حكام الرومان. فقد كان الملك المذكور قاسي القلب عديم الشفقة يسعى وراء مصلحته ولا يتراجع مهما كانت الخسائر. ولم يكن يهتم للحقيقة ولا ينتبه إلى صراخ المظلومين واشتهر بكثرة الحيل. وقتل عدة زوجات وأبناء وأقارب خوفًا من مؤامراتهم. غير أنه بنى أماكن كثيرة في فلسطين، مدنًا وشوارع وأبنية، لتخليد اسمه وانفق على ذلك أموالًا طائلة وأشهرها مدينة قيصرية التي بناها على شاطئ البحر المتوسط وسماها كذلك تكريمًا لاوغسطس قيصر ثم رمّم مدينة السامرة بعد أن تهدمت وسماها سباسطيا، أي مدينة اوغسطس وحصن القدس وزينها بالملاعب والقصور. وبدأ في ترميم الهيكل في القدس، وفي تزينيه.

ولد يسوع في أواخر أيامه، بعد أن كانت نقمة الشعب عليه، وخوفه من منافسة أعدائه، قد بلغت

أشدها. ولذلك أسرع الأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم، حتى لا ينجو ابن داود، ولا يملك على اليهود ويتربع على عرشه (متى 2). ولكن الوقت لم يمهله كثيرًا. إذ مرض مرضًا خطيرًا، وسافر إلى شرقي الأردن للاستشفاء بحمامتها، ثم عاد إلى أريحا أسوأ مما كان عليه قبلًا. وهناك مات، وهو في السبعين من عمره، بعد ملك أربعًا وثلاثين سنة، وكأنه لم يشأ أن يودع الحياة على عكس ما كان في حياته. فأمر بقتل وجهاء القدس ساعة موته، حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد أحد السكان فراغًا ليبتهج بموت ملكه المكروه.

هيرودس أرْخيلاَوُس ابن الملك هيرودس الكبير: هو الكبير بين ولدين ولدتهما ملثاس زوجة هيرودس الكبير السامرية. وقد تعلَّم في رومية هو وأخوه أنتيباس وأخواهما الآخران من أبيهما وهما هيرودس وفيلبس. وبعد موت هيرودس الكبير سنة 4ق.م. أخذ أرخيلاوس الجزء الكبر من مملكته بما في ذلك اليهودية والسامرة. وقد أخمد أرخيلاوس ثورة لليهود اشتعلت في أورشليم في وقت عيد الفصح عقب ارتقائه العرش. وقد قتل حينئذ ثلاثة آلاف رجل. وبالرغم من المعارضة التي لاقاها من قادة اليهود ومن أخيه الصغير أنتيباس فإنه تمكن من أن ينال موافقة رومية على توليه العرش كحاكم لا كملك. وقد خلعه أغسطس قيصر من ملكه بسبب سوء حكمه، في سنة 6 ميلادية، ونفاه إلى فينّ في بلاد الغال. وبعد ذلك تولى الحكم في اليهودية والسامرة ولاة رومانيون من أمثال بيلاطس البنطي وغيره.

هيرودس أنتيباس | هيرودس الأول ابن هيرودس الكبير: هو الابن الثاني لهيرودس الكبير من زوجته الرابعة السامرية ملثاكي Malthace لذلك فإن نصفه أدومي ونصفه سامري. يدعوه يوسيفوس المؤرخ باسمي هيرودوس وأنتيباس. أما العهد الجديد فيدعوه فقط باسم هيرودوس. تثقف في روما، ثم عاد وعين حاكمًا على الجليل بينما نال أخوه وراثة العرش فتنافس وإياه طويلًا. وفي هذه الأثناء حارب بعض أعدائه، وبنى عدة أماكن، أشهرها مدينة طبريا. ولما جلس على العرش اتسعت مطالبه، حتى حملته امرأته على الذهاب إلى روما ليطلب أن يمنح لقب ملك. وهناك غضب عليه الإمبراطور كاليجولا Caligula ونفاه إلى ليون، ثم إلى إسبانيا وأنباء هيرودس أنتيباس ليست قليلة في الكتاب المقدس. فهو الذي تزوج بامرأة أخيه، هيروديا، ونال توبيخ يوحنا المعمدان حتى قطع رأسه وقدمه هدية لسالومة ابنة هيروديا وكان هيرودس واحدًا من القضاة الذين مثل يسوع أمامهم، وأخذ يجادل يسوع ويسأله. وذكر في الكتاب أن هيرودس هذا ظن أن يوحنا قد قام من الأموات وكان زمن ملكه من 4 ق.م. إلى 39 م.

فيلبُّس رئيس الربع | هيرودس فيلبس الثاني: فيلبس رئيس الربع على إيطورية وأحد ابنيّ هيرودس الكبير من زوجته كليوبترا الأورشليمية. وفي السنة الخامسة عشرة من ملك طيباريوس قيصر كان فيلبس رئيس ربع على مقاطعتي إيطورية وتراخونيتس، وكان ذلك عندما بدأ يوحنا المعمدان عمله.. وسع مدينة بانياس عند نبع الأردن ودعاها قيصرية. ثم دُعِيَت فيما بعد قيصرية فيلبس تمييزًا لها من قيصرية الواقعة في البحر. وحسّن مدينة بيت صيدا ورفع شأنها وجعلها في مستوى مدينة بالفعل، ودعاها جولياس تكريمًا لجوليا ابنة أوغسطس وزوجة طيباريوس. وكان فيلبس ذا أخلاق رفيعة، وساس شعبه بالعدل واللين (4 ق.م. – 13 م).

هيرودس أغريباس الأول | أغريباس الكبير: هو ابن ارسطوبولوس، وحفيد هيرودس الكبير وامرأته مريمنة. وقد عاش طويلًا في روما. ثم رجع وعين حاكمًا على بعض فلسطين سنة 39 م.، وأضيفت إلى منطقة نفوذه أراضي واسعة لرضى الإمبراطور كاليجولا Caligula. ومن أخباره في الكتاب أنه ذبح يعقوب أخا يوحنا بالسيف وسجن بطرس. ويروي الكتاب نهايته، فقد أكله الدود بعد أن ادعى الألوهية. وكان موته في سنة 44 م. وكان عمره عند ذاك 54 سنة.

هيرودس أغريباس الثاني | أغريباس الصغير: هو ابن هيرودس أغريباس الأول. وكان صغيرًا عند موت أبيه فرفض الإمبراطور تعينه في مركز أبيه. ووضع اليهودية تحت الوصاية. وبقي أغريباس يقيم في روما ويقوم بمعاملات اليهود هناك ويتوسط بينهم وبين الإمبراطور ويحل مشاكلهم، إلى أن نال أخيرًا لقب ملك، وضمت إليه بعض مناطق لبنان الداخلية واستمر ملكه في الاتساع إلى أن حكم نيرون فأضاف إليه مناطق كثيرة في فلسطين والأردن وأمامه خطب بولس وعرض قضيته. واستمر يملك حتى سقوط القدس فانتقل إلى روما، وهناك عاش مع أخته برنيكي التي كان يعاشرها كزوجة إلى أن مات سنة 100م.

عائـلـة مـريـم

جـاء فـى تقاليد الكنيسة (مثل كتاب “السنكسار” وهو عن سير القديسين والـمستخدم فـى الكنيسة القبطية والـمأخوذ جزء كبيـر منـه من بعض الكتابات مثل كتابي “إنجيل ميلاد مريـم” و “إنجيل يعقوب”والذى يرجع الى حوالي عام 150 ميلادية) قد جاء ببعض الأخبار عن عائلـة مريـم. ولقد جاء ايضاً ذكراً عن والداي مريـم فى كتابات بعض الأبـاء الأوليـن أمثال القديس افرام السرياني (+373)و القديس يوحنا الدمشقي (+746) والقديس غريغوريوس النارغي (+950) وغيرهـم. من تلك الـمراجع نجد ان والد العذراء هو القديس يواقيم ووالدتها هى القديسة حـِنـّة.

والداي مريم

أنّ والدي العذراء مريم هما يواقيم وحنة، وأن أبا حنة هو الكاهن متّان من سبط لاوي ومن آل هارون، وأنَّ والدة حنة هي مريم من سبط يهوذا. يواقيم (سمي أيضا بوناخير وصادوق) وهذا كان من نسل داود من سبط يهوذا الذي يصعد في النسب إلى سليمان بن داود الذي وعده الله أن نسله يملك علي بني إسرائيل إلى الأبد.

وأن يوافيم وحنة كانا يقيمان في قرية بالقرب من الناصرة من أعمال الجليل وكانا ميسورين ويوزعان أرباحهما على الهيكل والفقراء، وما تبقى لهما يسدان به حاجتهما. وكانا عاقرين وبارّين أمام اللـه وسائرين بحسب نواميسه الإلهية، وكان العقر، لدى اليهود يعتبر لعنة من اللـه، وعاراً أمام الناس، ذلك أنَّ كلَّ فتاة يهودية كانت تطمح وتصلي أن يولد منها المسيح ماسيا المنتظر، فكان يواكيم وحنة يواظبان على الصلاة والطلب إلى اللـه ليزيل العار عن دارهما، وهكذا بلغا سن الشيخوخة دون أن تستجاب طلبتهما. ويُحكى أن يواكيم أتى مرّة إلى هيكل الرب ليقدم تقدمة فرفض الكاهن التقدمة لأنَّ مقدمها (عاقر) فعاد يواقيم إلى داره مغتمّاً، كسير القلب، ذليلاً، وأكثر من البكاء أمام اللـه، تشاركه بذلك زوجه حنة، فاستجاب اللـه طلبتهما ورزقهما ابنة سمياها مريم.

القديس يواقيم ويعني الإسم بـ “يهوه يُعد” كان إبن يوثام(Jotham)، ابن لعازار(Lazarus)، إبن أليهود(Eldad) والذى يرجع إلـى سلالة سليمان إبن داود الـملك. أمـا القديسة حنـة ويعنى إسم حَنـّة Anne or Hanna هو “نِعـمة” وهـى إبنـة متـّان(Matthan)، إبن لاوي (Levi)، إبـن ملكـى(Melki) والذى يرجع إلـى سلالـة هارون الكاهـن وكان إسم أمهـا ماريام (Mariam) والتى كانت من سبط يهوذا. وينقل لنـا التقليد أن مـتّان كان لـه ثلاث بنات، الأولـى إسمهـا مريم والتى أصبحت أم سالومـى القابلـة، ثـم الثانيـة كان إسمهـا صوفيـّا أم القديسة أليصابات زوجـة زكريـا الكاهـن وأم القديس يوحنـا الـمعمـدان، أمـا الثالثـة فكانت القديسة حَنـّة. وبهذا تكون القديسة مريـم العذراء هـى إبنـة خالـة لكل من سالومى ويوحنا الـمعمدان. وتحتفل الكنيسة القبطيـة بعيد القديسة حـَنـّة فـى اليوم الحادى عشر من شهر هاتور من كل عام. ووالداي العذراء حسب رواية

“كتاب يعقوب” كانا ميسوري الحال وكانا عاقرين وقد تقدما كثيرا فى ايامهما.

ولقد جاء فـى بعض الكتابات القديمة ان والداي العذراء مريم كانـا يقيـمان فى صفّورة وهى قريـة صغيـرة تبعد 3 اميال من بيت لحم ولا تزال حتى اليوم يوجد هناك عين تسمى “عين مريم” وإلـى جانبهـا أنقاض كنيسة تسمى كنيسة القديسة حـِنـّة ويرجح انهـا كانت تقوم حيث كان منزلهـا. وهناك من يقول أن والداي العذراء كانـا يقـيمان فى الناصرة أو بيت لحم أو فـى أورشليم. وأصحاب القول بأن والداي مريم كانا يقـيمان فـى الناصرة بالجليل يرجعون ذلك لبعض الأراء القديمة وبما جاء فى انجيل القديس لوقا عند بشارة العذراء “مدينة فى الجليل تُسمّى ناصرة إلى عذراء”(لوقا26:1-27). أمـا من يقولون أنهـما كانـا فى بيت لحم فيؤيدون قولهـم بذهاب يوسف ومريم عند الإكتتاب لبيت لحم اليهوديـة لأن يوسف خطيب مريـم “كان من بيت داود وعشيرتـه”(لوقا4:2). وهناك من يقولون أن يواقيم وحنّة كانـا يقيمان بأورشليم بالقرب من بركة حسدا عند باب الغنم (يوحنا2:5).

ومهـما كانت تلك الأراء فالـمرجّح ان حنـِّة ويواقيـم كانـا يعيشان بالقرب من أورشليم وهـما كانـا من عشيرة داود من سِبط يهوذا. وتحتفل الكنيسة القبطية بعيد القديس يواقيم فى اليوم السابع عشر من شهر برمودة.

ولادة مـريـم

تذكر لنـا تقاليد الكنيسة أن والدا مريم يواقيم وحنّـة كانـا متقدمـان فـى السن ولـم يرزقـا بولد، وعدم الإنجـاب كان يعتبـر عاراً عند اليهود. وكان القديسان يواقيم وحِنـّة يعيشان فـى خوف الله وممارسة الفضيلة وكانت لهـما صِلة نسب مع القديسة أليصابات أم يوحنـا الـمعمدان وزوجـة زكريـا الكاهـن “وهـا إنّ أليصابات نسيبـتكِ”(لوقا26:2). وأمـا عـمل يواقيم فقد قيل انـه رعايـة الغنـم أو كان يـملك بعض البيوت فـى أورشليم وصفّورة والناصرة، أو يملك قطعة من الأرض تساعدهم على العيش فـى بساطـة. وكـما سبق أن ذكرنـا أن والداي مريم كانـا متقدمـان فـى العُـمر ولـم يكن لهـما نسل. وبحسب روايـة “كتاب يعقوب” ان رئيس الكهنة قد رفض ذبيحة اراد يواقيم ان يقدمها في احد الأعياد في الهيكل في أورشليم لأنه لم يرزق بطفل ولكن تذكر يواقيم قصة ابراهيم أبو الآباء وكيف في شيخوخته وهبه الله اسحق وذهب يواقيم للصحراء وبنى خيمته وصام وصلي لمدة اربعين يوما وجاء أن ملاكاً قد جاء مبشراً يواقيم وهو في الصحراء وايضا ظهر لحنة وبشرها بأن صلاتها قد استجيبت وانها ستلد من سيسمع كل العالم بذلك المولود، ولقد قيل أيضاً أنـه كان الـملاك جبرائييـل وهو الذى بشرهـما بـميلاد إبنـة يدعونهـا مريـم ومنهـا يكون خلاص آدم ونسلـه. وعندما سمعت حنـة بتلك البشارة نذرت أن تكرّس الـمولود لله. ولـم يكن هذا غريبـا وعجيبـاً فلقد صنع الرب من قبـل هذا ويذخر الكتاب الـمقدس بأمثلـة عديدة:

  • كانت سارة إمرأة إبراهيم عاقراً ولـم تلد “وأما ساراي امرأة ابرام فلم تلد لـه”(تكوين1:16)،

ولكن الرب أعطاهـا اسحق “وافتقد الرب سَارَة كـما قال وفعل الرب لسارَة كما وعد. فحملت سارة وولدت لإبراهيم ابنـاً فى شيخوختـه فى الوقت الذى ذكره الله. فسمّى إبراهيم ابنـه الـمولود له الذى ولدتـه له سارَة إسحق”(تكوين1:21-3).

  • كانت رِفقة زوجـة اسحق عاقراً وصلّى إسحق للرب وحبِلت رفقـة بيعقوب”ثم دعـا إسحق

إلـى الرب لأجل إمرأتـه إذ كانت عاقراً فاستجابه الرب وحملت رِفقة امرأتـه”(تكوين21:25).

  • وكانت راحيل زوجـة يعقوب عاقراً وصرخت ليعقوب وصلّى من أجلهـا فولدت

يوسف”وذكر الله راحيل وسمع دعاءها وفتح رحمها فحملت وولدت إبنـاً وقالت قد كشف الله عنّي العار وسمّتـه يوسف”(تكوين22:30-23).

  • وكان منوح وزوجتـه عاقران وولدا شمشون الجبـّار (قضاة2:13-3 و 24:13).
  • وكانت حَنّة زوجـة ألقانـة عاقراً وسكبت نفسهـا أمام الرب ورزقت بصـموئيل نبي الله (1ملوك20:1).
  • وكانت الـمرأة الشونـمية عاقراً ولقد صنعت جميلاً لأليشع النبي وتم لها ما أرادت وولدت

إبناً وقيل انـه يونان النبي(4ملوك14:4).

  • وأليصابات كانت عاقراً وولدت يوحنـا الـمعمدان “وها إنّ أليصابات نسيبتك قد حبلت هى

أيضاً بإبن فى شيخوختهـا وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً”(لوقا26:2 و 57:2-60).

وكما جاء في “انجيل يغقوب” انه بعد سبعة أشهر من تلك البشارة لوالداي مريم ولدت فتاة وسميت “مريم” Miriam” هذا الاسم العبري ظهر مرة واحدة فقط في العهد القديم فهو اسم مريم اخت هارون.

متى وُلدت مريـم العذراء؟

نحن لا نعلم التاريخ بدقة فتحديد اليوم أو التاريخ بالدقـة غير متفق فيـه بين العلـماء، ولكن كل الأشياء تشير انها ولدت ما بين عام 732 و736 من تأسيس مدينة روما والذي يعنى ما بين عام 25 و21 ما قبل الميلاد، ولقد حدد بعض العلـماء السنة 22 قبل الـميلاد. وبعض علماء الكتاب المقدس يعتقدون انها ربما ولدت في يوم عيد Rosh Hashanah في بدء السنة اليهودية. ولكن قد عينت الكنيسة الكاثوليكية يوم 8 أو 9 سبتـمبر للإحتفال بـهذه الذِكرى، التى حددها البابا ليون الثالث عشر عام 1885 نظرا لعدم وجود مصادر تاريخية موثوق بها لمعرفة تاريخ ميلادها. أمـا فـى الكنيسة القبطيـة فلقد تم تحديد أول بشنس (9 مايو) للإحتفال بذكرى ميلاد السيدة مريم العذراء.

أيـن وُلدت مـريـم؟

لا يوجد تأكيد مطلق عن فيما يتعلق بمكان ولادة السيدة العذراء، هناك أربعة تقاليد مختلفة يجب مراعاتها ينقلهـا التقليد عن مكان ميلاد مريم العذراء:

  1. فـمن يعتقد أنهـا وُلدت فـى أورشليم وأن هناك كنيسة قد بُنيت فى القرن الخامس

الـميلادي بمعرفة الإمبراطورةُEudoxia فى الـمكان الذى قيل أن بيت حِنّة أم العذراء كان قائـماً فيـه بالقرب من بركـة بيت حسدا.

  • وهناك من يعتقد انهـا وُلدت فى بيت لحم حيث ذهبت للإكتتاب بناء على بعض

الكتابات والتى تشمل أعمال القديس جيروم، والباباوات مثال بولس الثاني (1471)

، يوليوس الثاني (1507)، ليو العاشر (1519)، بولس الثالث (1535)، بيوس الرابع (1565)، سيكستوس الخامس (1586)، وإنوسنت الثاني عشر فيما يتعلق ببيت لوريتو المقدس فيقولون إن السيدة العذراء ولدت وتعلمت، واستقبلها الملاك في ذلك البيت المقدس. لكن هؤلاء الباباوات لا يرغبون في البت في مسألة تاريخية. إنهم يعبرون فقط عن رأي عصرهم..

  • وهناك من يعتقد أنـه في صفّورة حيث يوجد كنيستـين لذكرى ميلاد العذراء، والبلدة على

بعد حوالي ثلاثة أميال شمال بيت لحم، وهي من أقدم المدن في اسرائيل وتم تجديدها عام 37 قبل الميلاد واعتبرت عاصمة لمنطقة الجليل وكانت مقر إقامة هيرودس أنتيباس حتى وقت متأخر من حياة يسوع . يمكن الاستدلال على العصور القديمة لهذا الرأي من حقيقة أنه في عهد قسطنطين أقيمت كنيسة في سيفوريس لإحياء ذكرى إقامة يواكيم وحنة في ذلك المكان و يتحدث القديس أبيفانيوس عن هذا المكان المقدس ولكن هذا يظهر فقط أن السيدة العذراء المباركة ربما عاشت في سيفوريس لفترة من الوقت مع والديها، دون إجبارنا على الاعتقاد بأنها ولدت هناك.

  • في الناصرة حيث كانت تعيش مع خطيبها يوسف. هذا الرأي من أنهـا قد وُلدت فـى

الناصرة فيستند على ما جاء بالعهد الجديد حيث بشّرهـاالـملاك جبرائييل بعد ذلك “إلـى مدينة فـى

الجليل تسمّى ناصرة إلـى عذراء مخطوبـة لرجل اسمه يوسف من بيت داود واسم العذراء

مريم”(لوقا26:1-27).

ولكن والرأي الراجح أنهـا قد ولدت فـى أورشليـم، وهذا حسب ما جاء في “انجيل يغقوب” داخل اسوار اورشليم القديمة بالقرب من “باب الغنم” والمعروف ب “Lions’Gate والقريبة من بركة حسدا. وهذا ما أكدّه كلا من القديس صفرونيوس بطريرك القدس (560-638م)، والقديس يوحنا الدمشقي(750م) وغيرهم وعلى أدلة الاكتشافات الأخيرة في Probatica. 

لم يتم الاحتفال بعيد ميلاد السيدة العذراء في روما حتى نهاية القرن السابع؛ لكن عظتين

موجودتين بين كتابات القديس أندرو الكريتي (المتوفى 680) تفترضان وجود هذا العيد. ولـم

يُعرف بـميلاد مريم إبنـة هذه العائلة الغيـر مشهورة إلاّ عدد قليل من الأقربـاء.  

سلسلة نسب مريم

تنتمي العذراء القديسة مريم إلى سبط يهوذا وهي من نسل داود، وتتصل بصلة القرابة مع

اليصابات أم يوحنا المعمدان التي تدعى في الإنجيل المقدس نسيبة العذراء (لو 1: 36) ويقال

أنها كانت خالتها. كما أنَّ سالومي زوجة زبدي وأم يعقوب ويوحنا هي الأخرى تمّت بصلة القرابة إلى العذراء مريم (مت 27: 56 و 19: 25) وقد وردت في الإنجيل المقدس سلسلة نسب السيد المسيح من ناحية يوسف خطيب العذراء (مت 1: 16 و لو 3: 23 و أع 2: 20 و رو 1: 3) والعذراء ويوسف هما من سبط واحد وهذا ما سجله الوحي عنها: فإننا نعلم أنها جاءت هي ويوسف من سبط يهوذا من نسل داود (قارن لوقا 1: 32، 69؛ رومية 1: 3؛ 2 تيمو 2: 8؛ عبرانيين 7: 14). فالعذارء مريم إذاً هي سليلة الكهنة والملوك والأنبياء، وهي ابنة داود، ولذلك قال لها الملاك لما بشّرها بالحبل الإلهي: «ستحبلين وتلدين ابناً… يكون عظيماً وابن العلي يدعى… ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد…» (لو 1: 31 ـ 32). يعود نسب القديسة العذراء مريم إلى زربابل من عائلة وبيت داود، ونجد أن البشير لوقا يؤكد هذه الحقيقية، أن العذراء مريم ووليدها يَعُودَان لسبط يهوذا، وبالتحديد بيت داود. حين كلمها الملاك قائلاً “فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية” (لوقا 1: 30 – 33). وهذا ما هو واضح في قول زكريا الكاهن “مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاهُ” (لوقا 1: 68-69). وجاء عن نسب السيدة مريم العذراء فى السنكسار (سير القديسين) يوم 16 أمشير الآتى: تزوج متثات من سبط لاوي من بيت هارون من صوفية وأنجب ثلاث بنات حسب الترتيب الآتى:
– مريم (أم سالومي) إهتمت بالعذراء مريم أثناء ميلاد المسيح        – صوفية (أم أليصابات) والدة يوحنا المعمدان

– حنة (أم مريم العذراء) أم يسوع المسيح. إذن تكون: سالومي وأليصابات ومريم العذراء بنات

خالات. وهذا هو النسب الأوقع لأن الملاك قال لمريم هوذا أليصابات نسيبتك، فهى بنت

خالتها.

احداث طفولة مريم

لا تروي الأناجيل أو أية كتابات مسيحية رسمية عن طفولة مريم العذراء أو حياتها قبل البشارة، لكن هناك عدد من الكتب الأبوكريفية التي لم تعتمد في الكنيسة ككتب رسمية لعدم صحة نسبتها إلى التلاميذ الاثني عشر أو شخصيات مقربة منهم، أو لكتابتها في تاريخ متأخر عن سائر المؤلفات التي تدعى بالقانونية أو حتى بسبب أسلوب كتابتها الشعبي، تتناول حياة مريم المبكرة بشكل مفصل، هناك إنجيل خاص يعرف باسم إنجيل مريم، وآخر يدعى إنجيل يعقوب وطفولة المخلص إلى جانب إنجيل رحلة العائلة المقدسة، وإنجيل حياة مريم وموت يوسف، وهي الأناجيل الأكثر ذكرًا للعذراء وحياتها المبكرة.

ورغم عدم الاعتراف بها كأناجيل قانونية غير أن هذه الأناجيل كانت ذات انتشار بين الجمهور المسيحي في القرن الثاني والقرن الثالث وأثرت بشكل أو بآخر على العقائد المسيحية، فرغم عدم ذكر الأناجيل الرسمية عن طفولة العذراء شيء يحوي تقويم الأعياد والمناسبات الدينية يوم 21 نوفمبر سنويًا عيدًا خاصًا بتقدمة العذراء للهيكل، ويذكر هذا الحدث في إنجيل بشارة يعقوب ويحدد عمر العذراء آنذاك بثلاث سنوات. وقد اعتُمدَ الحدث رسميًا نظرًا لاعتماده من

قبل آباء الكنيسة في كتاباتهم ومؤلفاتهم واتفاقهم عليه.

هناك مصدر لآخر لأحداث طفولة مريم وردت في رؤى الطزباوية كاثرين إمريش Catherine Emmerich التى ولدت في 8 سبتمبر 1774 وتوفيت عام 1824 – تحكي عن سلسلة من الأحداث في حياة مريم المبكرة مشابهة لتلك الموجودة في Protoevangelium of James. ، وبينما لا تجد الكنيسة شيئا يتعارض مع الإيمان بها، فإنها لا تؤيدها رسميا.

إن إنجيل لوقا يذكر: عذراءً من الناصرة(لوقا26:1) الواقعة في الجليل دون أن يشير إلى القدس أو هيكل سليمان، ما دفع البعض لاعتبار الحادث رمزًا أو تقليد واكتفوا بأن تغدق صفات الحمد والثناء على مريم خلال تلك الفترة من عمرها: كانت مريم فتاة من فتيات الناصرة، تقوم بالأعمال المنوطة بهنّ، وتتردد إلى المجمع وتسمع التعليم الديني، وتصلي، إن الله قد اختار مريم وزينها بأجمل المحاسن، مؤهلًا إياها لتلد ابنه في الجسد وتحضنه وترعاه وتخدمه كما يليق بالقدوس. فالراجح إذن حسب النظرية الرسمية في المسيحية أن العذراء وإن قدمها ذويها إلى الهيكل حسب رواية الكتب الأبوكريفية والتقليد الكنسي، إلا أنها قد عادت إلى منزل ذويها في الناصرة حيث قضت هناك عدة سنوات قبل خطبتها ليوسف النجار، خصوصًا أن النساء لم يكن المسموح لهنّ بالخدمة أو الإقامة في الهيكل لدى تجاوزهنّ سن الإثني عشر عامًا وهو عمر البلوغ وفق الشريعة اليهودية في حين يذكر إنجيل بشارة يعقوب المنحول أن

يوسف من كفل العذراء إثر قرعة قام بها زكريا بعد تجاوز مريم الثانية عشر من عمرها.

طبقاً للناموس اليهودي فإن “كل بِكر كل فاتح رَحم من بني إسرائيل” فهو مُقدس للرب (خروج2:13) ويجب تقديـمه لهيكل الرب. وحسب روايـة انجيل يعقوب الغير قانونـي (Protoevangelium of James) فلقد جاء أن يواقيم وحِنّـة والدا القديسة مريـم قد قررا الوفاء بنذرهـما بتقديم طفلتهـما للرب فقدمـا إبنتهـما مريـم للهيكل عندمـا كان عمرهـا ثلاث سنوات ( وفى بعض الأقوال عندما كان عمرهـا سنتان وسبعة شهور وسبعة أيام). وتقدمـة مريم للهيكل لم يكن أمراً مفروضاً فى الشريعة، فالشريعة ما كانت تلزم إلاّ بتقدمـة الصبي بكر عائلتـه ولكن والدا مريم قدماها للرب وكرساها لخدمة الهيكل منذ ميلادهـا. والرأى العام عند مؤرخي حياة العذراء مريم هو انها مكثت سني صباها حتى سن الرابعة عشرعاما حيث سكنت مع رفيقاتها الـمكرّسات مثلها احدى الأبنية الـمتصلة بهيكل سليمان، وهى مثل دار للفتيات يربين فيه وفيها يعشن فى نظام مشترك مشابه لنظام الرهبنات الحالي.

الهيـكل:

عندما ولدت مريم كان هناك توسعات واصلاحات هامة تتم في هيكل اورشليم بناء على أوامر

هيرودس الملك والهيكل تم بناؤه على جبل الموريا حيث كان سيقدم ابراهيم ابنه اسحق ذبيحة لله وذلك كان في عام 966-956 ما قبل الميلاد ولقد بنى الملك سليمان بيتا للرب ووضع فيه تابوت العهد في قدس الأقداس ولكن هذا الهيكل تم تدميره من الملك نبوخذنصر عام 587 قبل الميلاد واعيد بناؤه عدة مرات في عام 520 قبل الميلاد وتم عمل عدة توسعات حتى عام 10قبل الميلاد.

ان هيكل اللـه فى القديم كان يقوم بخدمته لفيف من الرجال من حيث العمل الكهنوتي (رئيس

كهنة-كهنة-لاويين)، وكل منهم له عمله وله مكان محدد فى الهيكل. والـمرأة دخلت الى الهيكل وذلك لتؤدى عملين هامين:

أ-خدمـة بحسب إمكانياتهـا كإمرأة   ب- عبادة وتكريس

ولقد ذُكر فى الكتاب الـمقدس عن وجود بعض النساء الـمكرّسات للخدمة فى الهيكل:

  • هناك متجندات تجنّدن عند باب خيمة الإجتماع (خروج8:38)
  • بنات يغنين فى بيت الرب بالصنوج والرباب (1ايام5:25-6)
  • عزرا الكاهن زاد عددهن الى 200 (عزرا60:2)، وفى ايام نحميا أصبحن 245(نحميا7).
  • جوقـة التراتيل (2مكابيين 18:3)
  • بعض النسوة الـمكرسات للصلاة والتأمل مثل حنة بنت فنوئيل المذكورة فى انجيل لوقا.

والهيكل الذى دخلته مريم العذراء هو هيكل سليمان وقد أنفقت فى بنائه أموال كثيرة وأقيم على جبل الـمورّيـا وفى مكان تقول التقاليد ان ابراهيم قد أقام فيه ذبيحة. وكان فى شكل نصف دائرة وكان يظهر من بعيد كأنـه جبل من ذهب ورخام، وكان عبارة عن سلسلة من أعمدة وأروقـة متداخلة وفى داخلها محراب قدس الأقداس حيث وضع تابوت العهد. وبنى أول هيكل حوالى 1000 سنة قبل الـميلاد وبقى 500 سنة فقط ثم أحرقـه وهدمـه نبوخذنصر القائد الأشوري. وأيام كورش ملك الفرس أعاد اليهود من السبي وسمح ببناء الـمعبد، فبناه زرُبابل بن شالتئيل وذلك قبل ميلاد السيد الـمسيح ب516 سنة، ولكن لم يكن فى جمال الهيكل الأول. والهيكل كان ينقسم الى باب الأمم وفيه يستطيع كل الناس أن يدخلوه (الصيارفة-الباعة-الوثنيين…)، ثم باب اليهود وتحت هذا الباب كان صندوق الصدقات، وفى هذه الـمنطقة كان يوجد الفريسيون والكتبة والعلماء. ثم يأتـى دار الكهنة حيث مائدة الخبز والشمعدان ذو السبعة أغصان وفى الوسط مذبح البخور ثم قدس الأقداس والذى جعله الـملك سليمان فى القديم مقر تابوت العهد، ولكن فى البناء الثانـى لم يكن موجود هذا التابوت حيث قد اختفى تماما منذ عهد نبوخذنصر ولم يستطع أحد أن يعلم ماذا حلّ بـه، وهذا التابوت كان موضوع فيه لوحي الوصايا التى اعطاها الله لـموسى وعصا هارون التى أورقت تأييداً لكهنوت هارون، وكأس ذهبية تحوي شيئ من الـمنْ ثم نسخة من التوراة. وقد تم تجديد الهيكل أيام هيرودس الأول، ولـما دخلت مريم العذراء كانت أعمال التجديد مستمرة وحتى أيام الـمسيح.

فى الهيكل كان يوجد مكان مخصص للفتيات الـمكرّسات (يوسيفوس الـمؤرخ اليهودى كتب ان هيرودس بنى بنايـة واسعة فيها 80 جناحا لبنات اسرائيل الـمخصصات للخدمـة). وكانت الفتيات تتعلم فى الهيكل الصلاة والـمزامير والأناشيد مع التأمل وتدرس التوراة وتاريخ بنى اسرائيل والشرائع والعادات والنبؤات التى تعلن عن مجيئ الـمسيّا. ثم يأتـى بعد ذلك الأعمال اليدويـة العادية من تطريز لثياب الكهنة وإعداد العطور والغزل والنسج (خروج2. وكانت مريم العذراء تفعل كل ذلك فى صمت ومناجاة مع اللـه فى تواضع وتصنع الخير وتحب الفضيلة وفى طاعـة كاملة، وبالطبع كانت ترى كل يوم الذبائح التى تقدم فى الفجر وعند غروب الشمس. وكان كل اليهود يحضرون هذه التقدمة، وكانت تحضر فى أيام الأعياد مثل أعياد الفصح والـمظال، وفى الـمساء كانت تجتمع الفتيات للصلاة. ويذكر بعض الكتّاب عن معجزات كانت تقوم بهـا مريم العذراء، وأنـه كانت تأتيهـا مأكولات مخصوصة من السماء، أو انهـا كانت تحادث الـملائكة، وكل هذه الروايات لا يمكن قبولهـا أو رفضهـا لأنـه لم يذكرلنا شيئاً مؤكداً. لكن ما يجب أن نعلـمه أن مريم كانت متعبدة للـه التى نذرت لـه كل نفسها وقلبها وجسدها، وإستمر عـمل النعـمة فيهـا طيلة حياتهـا حتى ان ملاكاً من السماء حياهـا فيما بعد قائلاً:”يا ممتلئـة نعـمة”.

ولقد ذكر من القديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية (+730) والقديس يوحنا الدمشقي

(+763)، والقديس جريجوري النيسي فـى كتابتهـم قصة دخول مريـم العذراء للهيكل. وتحتفل

الكنيسة بعيد تقديـم مريـم العذراء للهيكل والذى بدأ منذ القرن الخامس الـميلادي فـى الشرق ثـم إمتد إلـى سائر العالـم الكاثوليكي فـى عهد البابـا سكتيوس الخامس فى عام 1585م. ولقد قيل أن الامبراطور جوستنيان قد بنى كنيسة لتمجيد ذكرى هذا الحدث وتم تدشين تلك الكنيسة فى اورشليم فى 21 نوفمبر من عام 543 ولكن تم تدميرها بعد ذلك. ويقع عادة عيد دخول مريم العذراء الى الهيكل فى يوم 21 نوفمبر فى طقس الكنيسة الكاثوليكية الغربية أما فى طقس الكنيسة القبطية فيحتفل بـه فى يوم 3 كيهك (ويوافق 12ديسمبر).

تذكار تقديم القديسة العذراء مريم إلى الهيكل بأورشليم سن 3سنوات (3 كــيهك)

في مثل هذا اليوم تذكار دخول السيدة البتول والدة الإله القديسة مريم إلى الهيكل، وهي ابنة ثلاث سنين، لأنها كانت نذرا لله، وذلك انه لما كانت أمها حنة بغير نسل، وكانت لذلك مبعدة من النساء في الهيكل، فكانت حزينة جدا هي والشيخ الكريم يواقيم زوجها، فنذرت لله نذرا، وصلت إليه بحرارة وانسحاق قلب قائلة “إذا أعطيتني ثمرة فإني أقدمها نذرا لهيكلك المقدس”، فاستجاب الرب لها ورزقها هذا القديسة الطاهرة فأسمتها مريم، ولما رزقت بها ربتها ثلاث سنوات ثم مضت بها إلى الهيكل مع العذارى، حيث أقامت اثنتي عشرة سنة، كانت تقتات خلالها من يد الملائكة إلى إن جاء الوقت الذي يأتي فيه الرب إلى العالم، ويتجسد من هذهالتي اصطفاها، حينئذ تشاور الكهنة إن يودعوها عند من يحفظها، لأنها نذر للرب، إذ لا يجوز لهم إن يبقوها في الهيكل بعد هذه السن فقرروا إن تخطب رسميا لواحد يحل له إن يرعاها ويهتم بشئونها، فجمعوا من سبط يهوذا اثني عشر رجلا أتقياء ليودعوها عند أحدهم، واخذوا عصيهم وادخلوها إلى الهيكل، فاتت حمامة ووقفت علي عصا يوسف النجار، فعلموا إن هذا الأمر من الرب، لان يوسف كان صديقا بارا، فتسلمها وظلت عنده إلى إن آتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بتجسد الابن منها لخلاص آدم وذريته. وأهـمية هذا الإحتفال هو التأمـل فـى كيف أن القديسة مريـم قد قضت طفولتهـا فـى الهيكل مكرّسة ذاتهـا بكليتهـا للـه وإستعداداً لقبول كلـمة الله الـمتجسدة. فالعذراء مريم لم تأتى للهيكل لتقدم قربانـاً أو بخوراً أو لباناً أو مراً ولكن لتكرس نفسهـا فلقد أدركت تماماً دعوة الله لهـا “قومي يـا خليلتي يا جميلتي وهلّمي”(نشيد الأناشيد13:2)، فلهذا نسيت كل شيئ و عاشت فى حضرة الله كقول المرّنم:”انسي شعبكِ وبيت أبيكِ فيصبو الـملك إلـى حُسنكِ”(مزمور11:44).

أسم مريم

تعودت الأسر فـى العالـم كلـه على تسـمية أبنائهـا حسب العادات الـمتوارثـة فيتم إختيار إسم الأب

أو الأم أو الأعـمام أو الأسلاف. غيـر أن إسم “مريـم” لـم تحـمله أسرة العذراء من قبل ومن

الـمعتقد أن الله قد أوحـى بهذا الإسم إلـى والداي العذراء، كـما أوحى إلـى زكريـا الكاهن بإسم

يوحنـا “فقال له الـملاك لا تخف يا زكريا فإن طِلبتك قد أستيجبت وامرأتك أليصابات ستلد ابنـاً

فتسمـيه يوحنا”(لوقا13:1).

إن إسم مريم عبري. وفي اليونانية “ماريا” وفي اللاتينية أيضًا. وفي بعض اللغات “ماريان”.وتوجد عدة تفاسير لمعنى هذا الاسم, نذكر من الناحية اللغوية بعضًا منها:
أ- مريم من كلمة “ميريام” في اللغة المصرية القديمة, وهي مشتقة من كلمتين:
“ميري” وتعني محبوبة، و”يام” كان إستخدامها لدى المصريين للإشارة إلى الاسم الإلهي العبري “يهوه”. وبناء عليه تعني كلمة “ميريام” المحبوبة لدى الله.

ب- يرى البعض أن كلمة “مريم” هي مؤنث الكلمة الآرامية “مار” وتعني “سيد” وعليه فتكون

كلمة مريم بمعنى سيدة.

يظهر اسم مريم في الكتاب المقدس في 57 آية.بالإضافة إلى مريم، أمّ يسوع، هناك ثمانية نساء أخريات في الكتاب المقدس يحملن هذا الاسم. يذكر العهد القديم امرأتين تحملان اسم مريم، أما في العهد الجديد فهناك سبع مريمات، وقد سمي بهذا الاسم في الكتاب المقدس الشخصيات التالية:

1-مريم، أو ميريام:أخت موسى وهارون. أظهرت حكمة عندما تقدمت لابنة فرعون واشارت

عليها ان تحضر لموسى مرضعة التي هي أمّه.وهي التي سبحت بعد عبور البحر الأحمر

(خروج20:15-21) والتى عوقبت لمقاومتها لموسى (العدد 12) وايضا في (1 أخبار الأيام).وماتت في قادش ودفنت هناك” (العدد 1:20).
2- إمرأة من نسل يهوذا لم يتحدّث الكتاب المقدّس عنها سوى بسفر الأخبار في آية واحدة: وَبَنُو عَزْرَةَ: يَثَرُ وَمَرَدُ وَعَافِرُ وَيَالُونُ. وَحَبِلَتْ بِمَرْيَمَ وَشَمَّايَ وَيِشْبَحَ أَبِي أَشْتَمُوعَ. (1 أخبار الأيام 17:4).
3- مريم إمرأة حلفى (مت 3:10), أو كلوبا (يو 25:19), وهي من جملة اللواتي بلغن الرسل قيامة يسوع (لو 10:24), وإذ كانت ذاهبة إليهم بهذا الخبر لاقاها المسيح فسجدت له (مت 1:28و9). كلوبا أو حلفى هو أخو القدّيس يوسف وعند اليهود ينادى الأقرباء بالأخوة، كأولاد العم أو الأنسباء. لذا مريم زوجة كلوبا دُعيَت أخت مريم العذراء وهي نسيبتها وليست أختها من

أبويها. وأولادها يهوذا تداوس ويعقوب.

4- مريم أخت لعازر ومرثا وتلميذة المسيح التي جلست عند قدميه, وشهد لها أنها إختارت النصيب الصالح (لو 41:10و42).

5– مريم أم يوحنا مرقس (أع 12:12). وخالة برنابا (كو 10:4) وكانت إمرأة تقية ساكنة في

أورشليم, وكان التلاميذ مجتمعين في بيتها في الليلة التي نجا فيها بطرس من السجن. قدمت مريم أمّ مرقس العليّة ليأكل فيها المسيح الفصح مع تلاميذه حيث أسّس سر الافخارستيا.
واستقبلت القدّيس بطرس بعد هربه من السجن في أورشليم.

6- مريم المجدلية: ولا طائل تحت الرأي الشائع أنها كانت إمرأة زانية, لأنها كانت ذات ثروة

وصيت حسن. وإنما كانت قد إبتليت بسبعة شياطين أخرجهم منها المسيح فتبعاه (لو 2:8و3) وثبتت إلى المنتهي, فكانت معه وقت الصلب (يو25:19), وكانت من جملة اللواتي أتين إلى القبر ليحنطنه (مر 1:16), وكانت من الأوليات عند القبر مع مريم أم يعقوب (مر 9:16) وشرفها المسيح بحديثه معها بعد قيامته (يو 11:2-18).

7- مريم ام يعقوب ويوحنا واحدة من شهود صلب يسوع والقبر الفارغ(مرقس40:15-47)

شاهدة على الصلب وعلى القبر الفارغ كما يذكر القدّيس مرقس في الإصحاح 15

وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي،

وَسَالُومَةُ، اللَّوَاتِي أَيْضًا تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ

إِلَى أُورُشَلِيمَ.

8- وأخيرًا “مريم” إمرأة مسيحية في رومية ذكرها القدّيس بولس في رسالته إلى رومية
سَلِّمُوا عَلَى مَرْيَمَ الَّتِي تَعِبَتْ لأَجْلِنَا كَثِيرًا (رومية 16 :6).

معنى اسم مريم

اسم مريم هو اسم أعجميّ غير عربيّ، يرجّح أنّ بداية ظهوره كانت عند اليونانيّين ثمّ انتقل إلى

العبريّة وبعدها وصل إلى الفرس ليصل إلى العرب بعدها. في اللّغة العربيّة فيقسم إلى قسمين

الأوّل يكون مرّ ومعناه مضى فنقول مرّ الشيء بمعنى أنّه مضى، والثاني يم يعني جانب

الشيء. وتمّ اشتقاق الكثير من الأسماء من اسمها مثل مريانا وماريّا وماري وميري ومروم وغيرها، وجميعها تدلّ على العفّة والطهارة. اسم مريم في أصلها في اللغة العبرية، ومعناه الخادمة التي تخدم الرب، أو التي تعبد ربها. ومعنى إسم “مريـم” يزيد فـى معانيـه عن الخـمسين: (الحبيبة-القادرة-الـمالكة-السيدة-نجمة البحر-الـجمال- الـمُرّ- النور-البخور الـملكي)، وفـى اللغة العـِبريـة فيعنى البحـر.لاسم مريم في الكتاب المقدس عدة معاني مختلفة فمنها ما يعني الفتاة المحبوبة، وورد بمعني الملكة أو السلطانة، كما يعني نجمة البحر.

عيـد إسـم مريـم الـمقدس (12سـبتـمبـر) تعودت الأسر فـى العالـم كلـه على تسـمية أبنائهـا

حسب العادات الـمتوارثـة فيتم إختيار إسم الأب أو الأم أو الأعـمام أو الأسلاف. غيـر أن إسم “مريـم” لـم تحـمله أسرة العذراء من قبل ومن الـمعتقد أن الله قد أوحـى بهذا الإسم إلـى والديّ العذراء، كـما أوحى إلـى زكريـا الكاهن بإسم يوحنـا “فقال له الـملاك لا تخف يا زكريا فإن طِلبتك قد أستيجبت وامرأتك أليصابات ستلد ابنـاً فتسمـيه يوحنا”(لو13:1). العيد الطقسي لعيد اسم القديسة مريم العذراء المقدس” تأسس في أسبانيا ووافق عليه البابا في عام 1513، وتم تعميمه في أنحاء العالم بمعرفة البابا اينوسنت الحادي عشر عام1683، بعد هزيمة الأتراك على أبواب فيينا بالنمسا، ومدينة بولونيا الإيطالية، حيث حاولت الإمبراطورية العثمانية غزوهما، وعقب الهزيمة المنكرة تم إطلاق هذا العيد. والاحتفال بهذا العيد من اجل تكريم ام يسوع واسمها المقدس والأسم الذي يتشفع به المؤمنين لوالدة الله وايضا الأسم الذي يستجيب لإحتياجات البشر.

مريم ما قبل البشارة

ماذا كانت حياة مريم ام يسوع قبل ظهور الملاك جبرائيل لها؟

لا نعرف كثيرا عن تلك الفترة بصورة مؤكدة، فحياة مريم الأولى تشتت في سريّة على الرغم من ان هناك العديد من التقاليد التي تناقلت عبر الأجيال وظهرت مثل ميلادها لأبوين ميسوران يعانون مشكلة العقم وكبرت كطفلة بمعرفة كهنة الهيكل ثم ترتيب خطبتها لرجل اسمه يوسف. ان الكتاب المقدس لم يذكر لنا كثيرا عن وجود مريم قبل البشارة فأنجيل القديس لوقا ذكر لنا فقط الآتي: وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ

الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ.” (لوقا26:1-27).

ان هذا النص لم يذكر لنا كثيرا عن حياة مريم الأولى ولكنه اعطانا ثلاث حقائق مهمة علينا إكتشافها:

  1. انها كانت تعيش في مدينة في الجليل اسمها ناصرة
  2. انها عذراء مخطوبة
  3. اسم خطيب مريم هو يوسف من بيت داود.

تلك التفاصيل قد تبدو غير مهمة عن خلفية تمكنا ان نتوقع الحصول على الكثير من

المعلومات، لكن بالنظر الى تلك الحقائق عن مريم كإمرأة يهودية تعيش في القرن الأول الميلادي تكون تلك الحقائق الصغيرة مهمة لتكشف بعض الحقائق الهامة عن حياة مريم، خاصة لكي نتفهم المهمة التي اسندها الله لمريم وأيضا لنعرف على الأقل ومضات من حياة مريم قبل البشارة.

الناصرة – المكان المجهول

الحقيقة الأولى التي نتعلمها انها كانت تسكن مدينة في الجليل اسمها الناصرة (لوقا26:1). هذه المعلومة الجغرافية البسيطة مهمة، فمن وجهة النظر البشرية فناصرة الجليل مكان غير محبوب لكي يخرج منه المسيّا المنتظر. اليهود في الجليل كانوا دائما في موضع غير محبوب في نظر اقرناؤهم في اورشليم واليهودية فنجد “فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟(يوحنا46:1) و “أَجَابُوا وَقَالوُا لَهُ: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ»(يوحنا52:7)، وذلك لأنه من المحتمل كان يقطنها أجانب “أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ، طَرِيقُ الْبَحْرِ، عَبْرُ الأُرْدُنِّ، جَلِيلُ الأُمَمِ.الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ»(متى15:4-16)، وأيضا لكونها بعيدة عن أورشليم وهيكلها المقدس. الناصرة كان فيها أيام مريم حوالي 200 او 500 نسمة ولم تكن في أي طريق تجاري او قريبة من مركز تجارة وكما سبق ان ذكرنا انها لم تحمل أي تاريخ في التقليد اليهوديوحتى العهد القديم لم يُذكر فيه أي شيئ عنها ولم تأتي أي نبؤة عنها. ان الحقيقة ان يسوع قد جاء من الناصرة ستصبح علامة ضده فيما بعد عندما يبدأ رسالته العلنية فهي ذات سمعة سيئة. لذلك في القرن الأول الميلادي وفي العالم اليهودي كانت ناصرة جليل الأمم ليست من ضمن ال 10 اشهر أماكن يمكن للمسيّا ان يأتي منها. ان كون الله يختار امرأة من تلك المدينة البسيطة والفقيرة والمجهولة لتصبح ام للمسيّا هو مثار للدهشة والتعجب وهو علامة خاصة ومخالفة لأي توقع وخاصة ان نسيبتها اليصابات قد حدث لزوجها زكريا حديثا حدثا هاما في أورشليم. لقد سجل انجيل لوقا ان الملاك جبرائيل قد زار زكريا الكاهن وهو يقوم بخدمته في المكان المقدس -هيكل اورشليم- وهو الذي يحمل مكانة دينية معروفة ويخدم كأحد الكهنة اللاويين. كان زكريا الكاهن في اثناء خدمته رافعا البخور فظهر له الملاك جبرائيل لينقل له الرسالة عن زوجته العاقر بأن اليصابات ستحبل وتلد ابنا في شيخوختها. ومن الناحية الأخرى وفي بشارة مريم فهي امرأة صغيرة غير معروفة لا تحمل اية وظيفة مرموقة ولا تحمل أي صفة وظيفية ومن الظاهر انها كانت تقوم بأعمالها المنزلية العادية في قرية غير معروفة عندما ظهر الملاك وكلّمها. أكثر من ذلك كانت البشارة لزكريا لها صدى لدى الشعب على الفور الذي عرف ان ملاكا قد ظهر له: “وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجًا وَقْتَ الْبَخُورِ”(لوقا 10:1) و” وَكَانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي الْهَيْكَلِ.فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي الْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتًا”(لوقا21:1-22). ان الملاك تحدث مع مريم وفي النهاية لم يوجد أي احد حولها وبهذا ذهبت رؤيتها بلا شهود او أي شخص حتى لاحظ ذلك حتى في كل إسرائيل على الرغم ان تلك الحادثة هي اهم بشارة ملائكية كان ينتظرها الاسرائيليون في كل تاريخهم. لقد أشار القديس البابا يوحنا بولس الثاني الي تلك المقارنة بين البشارتان مشيرا للطريقة الغير طبيعية لتدخل الله في حياة مريم:” في حالة العذراء كان فعل الله يظهر بالتأكيد مفاجئا، فمريم ليس لديها أي طلب بشري لمجيئ المسيّا فهي ليست رئيس كهنة او ممثلاً عن الدين اليهودي او حتى رجلاً ولكن امرأة صغيرة بدون أي تأثير في مجتمع زمانها، هذا بالإضافة انها من سكان

قرية الناصرة التي لم تُذكر في العهد القديم”.

ولقد أضاف القديس البابا يوحنا بولس الثاني موضحا تواضع مريم فقال:” ان القديس لوقا ركز من ان كل شيئ في مريم قد تحرك من نعمة عظمى وان كل ما قد وهب لها لم يكن بسبب أي طلبة او استحقاق ولكن نتيجة اختيار إلهي عظيم وحر. ان مريم تقف في التقليد الكتابي لإختيار الله لأناس متوقع منهم على الأقل ان يقوموا بدور حيوي في خطة الله لخلاص البشرية. كما اختار الله موسى متلعثم في الكلام وغير ذوو ثقة في نفسه وفي قدرته لقيادة شعب من العبودية في مصر، وأيضا كما اختار الله من بين أبناء يسّى صبي صغير اسمه داود والذي كان راعي غنم بسيط وسعيد في حياته وجعله ملكا ثانيا على إسرائيل، أيضا اختار الله في القرن الأول الميلادي من ضمن الشعب اليهودي ليست امرأة من الطبقة الأرستقراطية وليست ابنة لرئيس كهنة في اورشليم او ابنة لزوجة كاتب او لاوي او فريسي مشهور ولكن اختار عذراء غير معروفة اسمها مريم من قرية متواضعة اسمها الناصرة ويسألها لتصبح ام

لملك إسرائيل المسيّا المنتظر.”

عذراء مخطوبة

الحقيقة الثانية والتي نتعلمها عن مريم انها كانت “عذراء” و”مخطوبة” وتلك الحقيقة تعطينا ثلاث أشياء هامة عن القديسة مريم:

+ أولا بما انها امرأة يهودية فلقد ارتبطت وهي في عمر حوالي 13 سنة. من المحتمل ان مريم كانت صغيرة جدا عندما استقبلت تلك الرسالة العظيمة من الملاك جبرائيل عن دعوتها لتخدم كأم المسيّا.

+ ثانيا وكإمرأة مخطوبة فهي قانونيا متزوجة للقديس يوسف ولكن مازالت تعيش مع عائلتها. ان الخطبة اليهودية ليست كمثل الخطوبة في عصرنا الحديث ففي اليهودية كان الزواج اليهودي يتم فى ثلاث خطوات:

  1. الخطوة الاولى: وهى الخطبة وكانت تتم بمجرد موافقة الاسرتين على الارتباط.
  2. الخطوة الثانية: وهى الخطبة الرسمية والتى تتم عند اذاعة الامر علنا فيصبح العروسان

مرتبطين برباط لا ينفصم الا بالموت او الطلاق، ولا يسمح فيه باي علاقات جنسية الا بعد

اتمام الزواج “ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ”(ملاخي14:2). في هذه المرحلة يمكن للزوجة ان تعيش في منزل اسرتها لبعض الوقت تصل أقصاها عام

  • الخطوة الثالثة: وهى الزواج، وهذه الخطوة هي “أخذ” الزوجة الي منزل الرجل وهنا عندما يمارس الرجل سلطاته ويكون مسؤلا عن امرأته.

وعليه تكون مريم المخطوبة للقديس يوسف كانت مازالت فى الخطوة الثانية ولم تتم الخطوة

الثالثة عندما ظهر الملاك جبرائيل لها. ان مريم كانت زوجة للقديس يوسف في تلك الأوقات

ولكنها لم تكن بعد تسكن معه.

+ ثالثا وطبقا للزواج اليهودي والتقليد المتبع في الجليل فالعلاقة الجنسية عادة لا تتم حتى يأخذ

الرجل زوجته الي بيته. وهكذا فتكون مريم امرأة صغيرة مخطوبة ولهذا فيمكن ان تدعى بحق

“عذراء” (لوقا27:1).

بيت داود

اكثر الحقائق الملفتة عن مريم كما جاء في آيات انجيل القديس لوقا انها كانت “مخطوبة لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ”(لوقا27:1). تلك الحقيقة هامة لمريم فهى تقول لنا ان مريم لم تكن جزء من عائلة عادية فهي الآن تخص “عائلة ملكية”( ان القديس لوقا لم يوضح بصورة واضحة سلسلة نسب مريم، فحيث ان زكريا الكاهن وزوجته اليصابات من أقرباء مريم فهم من سبط لاوي وقد يستنج ان مريم من ذلك السبط. ان زواج مريم لشخص من بيت داود يمكن ان يشير ان في سلسلة نسبها يعود أيضا الي بيت داود – انظر ما ذكر في رسالة القديس بولس لأهل رومية: “ عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ”(رومية3:1). في الحقيقة ان التعبير “بيت داود” قد استخدم في العهد القديم إشارة الى سلسلة نسب يرجع للملك داود، أشهر عائلة في تاريخ إسرائيل. ورثة الملك داود حكموا مملكة يهوذا لعدة قرون. لقد وعد الله داود ان عائلته سيكون لها مملكة لا تنتهي. ويبدو ان مملكة داود تعرضت لصدمة قوية درامية في عام 586 قبل الميلاد عندما غزا البابليون اورشليم وحطموا الهيكل وحملوا شعبها أسرى للعبودية. في تلك الأوقات عديد من أبناء داود قد قتلوا ولم يوجد احد من احفاده جلس على العرش لمدة 600 سنة حيث تعاقب الغزاة على احتلال الأرض وحكموا اليهود. في تلك الأيام بدا ان مملكة داود قد اندثرت وانتظر الشعب لإبن من نسل داود لإعادة المملكة كما تنبأ عنها الأنبياء.

هذا الوضع في أيام مريم ويوسف عندما كان الرومان اخر المحتلون يسيطرون على الأرض. في القرن الأول الميلادي العالم اليهودي وهو محتل من الأمبراطورية الرومانية لذا يكون أي جزء من بيت داود لا يعطي أي ميزة او شرف وسلطة كما كانت في أيام ملوك اليهودية والذين كانوا يحكمون اورشليم. ان “زوج مريم” قد يكون “من بيت داود” ولكن لم يكن يملك كأمير في احد قصور أورشليم ولكن بدلا من ذلك كان يعمل كنجار متواضع يحيا في هدوء يدير حانوته في قرية مغمورة وهي الناصرة.

القديس يوسف

مرة أخرى نجد انجيل لوقا يذكر لنا سلسلة نسب يسوع وفيها أيضا ذكر ليوسف: ” ولـمـا إبتدأ

يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يُظن إبن يوسف بن عالي بن متات” (لوقا

23:3).

لقد كبر القديس يوسف في غموض حتى نسبه غير واضح، فالعهد الجديد اعطانا سلسلتان

من النسب ليسوع ويبدو من اول وهلة انهما متعارضتان عن تحديد من هو والد يوسف. القديس متى ينص على ان والد القديس يوسف يسمى “يعقوب”:” وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ.“(متى16:1)، بينما القديس لوقا يضع في قائمته اسم “هالي”: وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي”(لوقا23:3). لا هذا او ذاك من سلسلة الأنساب تعطي قائمة كاملة للأجيال بدون أي ثغرات وهكذا فانه من المحتمل ان احدهما او (كليهما) قد تخطوا ببساطة الأجيال التي تسبق يوسف مباشرة.

لكن لدينا مصدر آخر من احد المؤرخين اسمه Sextus Julius Africanus[12] الذى عاش

في الأراضي المقدسة في القرن الثاني الميلادي ويقال انه كان على اتصال باسرة يسوع والقرى

التي كان يقطنها اسلاف الملك داود. افريكانو كانت كتابته مسجلة مع اوسابيوس Eusebius والذى كتب ان أم يوسف كانت ارملة لم تنجب من زوجها “هالي” الذي مات وطبقا للشريعة اليهودية فأخو “هالي” والذي اسمه “يعقوب” كان عليه ان يتزوحها ويقيم نسل لأخيه “هالي”: “ «إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، فَلاَ تَصِرِ امْرَأَةُ الْمَيْتِ إِلَى خَارِجٍ لِرَجُل أَجْنَبِيٍّ. أَخُو زَوْجِهَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُهَا لِنَفْسِهِ زَوْجَةً، وَيَقُومُ لَهَا بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. وَالْبِكْرُ الَّذِي تَلِدُهُ يَقُومُ بِاسْمِ أَخِيهِ الْمَيْتِ، لِئَلاَّ يُمْحَى اسْمُهُ مِنْ إِسْرَائِيلَ. «وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الرَّجُلُ أَنْ يَأْخُذَ امْرَأَةَ أَخِيهِ، تَصْعَدُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَى الْبَابِ إِلَى الشُّيُوخِ وَتَقُولُ: قَدْ أَبَى أَخُو زَوْجِي أَنْ يُقِيمَ لأَخِيهِ اسْمًا فِي إِسْرَائِيلَ. لَمْ يَشَأْ أَنْ يَقُومَ لِي بِوَاجِبِ أَخِي الزَّوْجِ. فَيَدْعُوهُ شُيُوخُ مَدِينَتِهِ وَيَتَكَلَّمُونَ مَعَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ وَقَالَ: لاَ أَرْضَى أَنْ أَتَّخِذَهَا. تَتَقَدَّمُ امْرَأَةُ أَخِيهِ إِلَيْهِ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّيُوخِ، وَتَخْلَعُ نَعْلَهُ مِنْ رِجْلِهِ، وَتَبْصُقُ فِي وَجْهِهِ، وَتُصَرحُ وَتَقُولُ: هكَذَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَبْنِي بَيْتَ أَخِيهِ. فَيُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ «بَيْتَ مَخْلُوعِ النَّعْلِ».“(تثنية5:25-10)، وهذا ما جاء ذكره مرة أخرى في حوار الفريسيين مع يسوع:” «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ امْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاَدًا، أَنْ يَأْخُذَ أَخُوهُ امْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلًا لأَخِيهِ.“(مرقس19:12). في مثل تلك الترتيبات المعروفة ب الزواج المرتفع كلا الرجلان الأخان يكونا معروفان بأنهما والدا الطفل.

فبالطبيعة يوسف هو إبن يعقوب وبالقانون الـموسوي هو ابن عالـي. وكان قصد متى أو لوقا فى ذكرهما لسلسلة الأنساب هذه هو إثبات ان يسوع هو إبن داود ومن سبط يهوذا تـمـيماً للنبؤات الـموعود بها منذ القِدم. وايضا فى لوقا نجده يُصعد يسوع من ابيه “الظنّي” يوسف الى داود الى ابراهيم الى آدم الى الله لكي يبين الرباط القائم بين يسوع والبشريـة جمعاء. فيوسف النجار إبن ليعقوب حسب الطبيعة (مت16:1) وإبن لهالي حسب الشريعة (لو23:3). وهذا يوضح الإختلاف بين النسب الوارد فى انجيل متى، والنسب الوارد فى انجيل لوقا. ويوسف كما جاء فى سلسلة النَسَب حسب القديس متى نجده قد أتى بعد 39 مرة من عبارة “فلان وَلَدَ فلان” فنقرأ:”يعقوب وَلَدَ يوسف رجل مريم التى منها وُلد يسوع الذى يُدعى المسيح”، فيكون يوسف هو من الناحية الطبيعية آخر حلقة فى السلسلة الداودية المباشرة وهو الذى يوم ابرم زواجه بمريم أدخل يسوع الى ذريّة داود، فالإنتماء النسلي يمر بالرجل وبهذا تكون النبوءات قد تمّت ويوسف قد ساهم فى التدبير الفدائي. لقد اراد الله ان يكون لإبنه نسب بشري وهذا النسب هو نسب

يوسف بالذات.

 فالقديس يوسف البتول هو اذن من سبط يهوذا الشهير ومن بيت داود الملك والنبي وفي سلسلة جدوده نجد 10 من قضاة إسرائيل و13 من الأباء البطاركة و 22 من العظماء.

قد يتعجب البعض كيف يكون يسوع معتبرا من خط سلسلة نسب داود بينما يوسف ما هو إلا

اب إعتباري له. ان الحبل العذري للمسيح لا يمكن ان يقلل مطلقا ابوة يوسف ليسوع حيث ان قانونية ابوته قد تمت بإرتباطه بمريم ام يسوع.

الشيئ الآخر الذى جلب أيضا بعض المجادلات كان تاريخ ميلاد القديس يوسف وهذه المشكلة ارتفعت ليس من الانجيل ولكن بدلا من ذلك من الكتابات اللاحقة التعبدية والأعمال المسيحية الخيالية التى صدرت فيما بعد والتي كثير منها لم تعترف به السلطة الكنسية. ان العهد الجديد بيّن ان يوسف البالغ كان رجل القوة والحيوية، فلقد قام برحلة تقترب من الف من الاميال من اليهودية الي مصر مفترضا على الأقدام او بواسطة دابة هاربا من جحافل جنود هيرودس. ثلاث عقود بعد ذلك -مات يوسف ومازال كان معروفا من انه “النجار” تلك المهنة التي كانت تحتاج الي قوة جسمانية ولياقة:” أَلَيْسَ هذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟”(متى55:13) و ” أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ، “(مرقس3:6). اذا العهد الجديد اظهر بوضوح شهود في اتفاق من ان يوسف كان نجارا وتزوج وهو رجل شاب ليتحمل مسؤولية مريم وابنها.

هكذا سنمضي قدما من الافتراض انه قد ولد ونما اثناء حكم هيرودس. الانجيل قد استخدم

الكلمة اليونانية “tekton لوصف يوسف وهذا التعبير اكثر شيوعا ينطبق على العمال اليدويين الذين يعملون بالخشب والحجر او المعدن. التقليد التاريخي القديم يخبرنا ان يوسف وابنه يسوع كانا نجارين.

كما تعلم يسوع مهنة النجارة من يوسف لذا فمن المحتمل ان يوسف قد تعلمها من ابوه، وهذه عادة الطريقة للتدريب المهني والحرفي. المنزل او الاسرة من الحرفيين يكون عادة مؤسسة تجارية. يحفظ لنا كتاب التلمود والذي هو عبارة عن مجموعة شرائع الناموس اليهودي تقليد قديم يقر فيه:” ان الرجل الذي يحترف مهنة او صنعة عليه تعليم ابنه تلك الحرفة واي شخص لا يعلم ابنه المهنة فهو بهذا يعلمه السرقة”

ان يوسف قد كبر وهو يشاهد أعضاء من اسرته وهم يعملون بايديهم وفي تلك القرية الصغيرة من المحتمل ان رجال الحرفة الواحدة لهم منطقة عمل عامة معا مغلقة بواسطة جدران او مغطاة بمظلة. انه يبدو على الأرجح ان هؤلاء الحرفيين قد بنوا منطقة للعمل تحميهم من تقلبات الطقس.

من الطبيعي لم يكن هناك أدوات كهربائية وبناء عليه فكان على النجار ان يستخدم ذراع قوية وعيون حريصة ومهارة مع مختلف التطبيقات مثال المحاور والازاميل و المناشير وأدوات للحفر وشواكيش وانابيب وغيرها.

مهنة النجارة والقديس يوسف

النجارة من أقدم الحرف البشرية، لأنها صناعة تحويل الخشب إلى مواد لازمة وصالحة للإفادة منها، ولان الخشب معروف منذ أقدم العهود. ويظن أنها أقدم حِرفة على الإطلاق. وأول ذكر لها في التكوين في قصة بناء فلك نوح. كذلك استخدم اليهود نجارين ماهرين عند صنع أدوات خيمة الشهادة واستخدم كل من داود وسليمان نجارين من صور في بناء القصر والهيكل، وذلك لان صور كانت مركز صناعة بناء السفن، التي هي صناعة خشبية. وقد عرف أهالي لبنان الفينيقي بالمهارة في النجارة لتوافر أخشاب الأرز والسرو عندهم، ولحاجتهم للسفن التي كانت محور نشاطهم التجاري. وكان يوسف، خطيب القديسة مريم، نجار كما اوضحنا. ومن أدوات النجارة القديمة الفأس والمنشار والمسامير والمطارق.

من اجل الناس في قرية القديس يوسف فهو ومن المحتمل اقرباؤه كانوا يقوموا بتصنيع الأثاث وبعض الأدوات الأساسية للفلاحة وغيرها من التي تستخدم في المنازل. الحوانيت الصغيرة للنجارة يمكنها ان تقوم بعمل السواقي للري واسوار ومخازن للعلف. عادة مثل تلك القطع الصغيرة تأخذ فقط جزء صغير من وقت النجّار. في المتاجر الكبيرة ربما يتم تكليف الشباب من الاسرة في القيام بالاعمال التي تحتاج لمجهود كبير. مع نمو اعمال هيرودس وانشاءاته لمدن عديدة اصبح الطلب كثير للعمالة اليدوية وخاصة اعمال النجارة والبناء وكانت مجموعات العمل تذهب بعيدا عن قراهم للعمل والعودة.

الطلب الشديد على الحرفيين كان متزايد اثناء طفولة يوسف وشبابه والنجارين من اليهودية

كانت لديهم الفرص للسفر بعيدا للعمل في البناء ولكن أيضا كانت هناك اعمال كافية بالقرب من أماكن سكناهم. هيرودس الملك كان يقدر مهارات الرجال الذين كانوا يقومون بالعمل في الانشاءات والمباني فهم كانوا أساسيين لأعمال دعايته-ارثه ومكانته الدولية. وكان هيرودس معروفا بسخائه نحو الحرفيين وهناك ادلة ان الحرفي يمكنه ان يصبح غنيا في ذلك الزمن. واحد من معاصرين يوسف كان رجلا اسمه “سمعان باني الهيكل” والذي تم اكتشاف قبره الفخم مؤخرا.

في كل واحد من مشروعات اعمال بناء هيرودس كان النجارين مشغولون بأعمالهم قبل ان يلحق بهم الحرفيين الآخرين مثل البنائين وعمال الحفر. كان النجارين هم الذين يبنون العربات والسقالات والرافعات والسلالم والتي تسمح لباقي العمالة في العمل كل في تخصصه ثم يستمر النجارين في العمل في تثبيت القواطع والممرات وغيرها.

الحرفيين في عهد هيرودس الملك كان في استطاعتهم عادة التحدث بلغتان واحيانا بطلاقة

فلغتهم الاصلية وهي الأرامية وكذلك اللغة اليونانية والتي أصبحت هي اللغة السائدة في التجارة والمعاملات الحكومية في منطقة البحر المتوسط. في فترات سفر هؤلاء الحرفيين من مكان لآخر كانوا يتعرضون لثقافات مختلفة وحضارات تختلف كثيرا عما عاشوه او نشأوا عليها.

دعونا الان ان نتخيل ان يوسف ووالده كانا ذا مهارة في مهنتهم ويبدو ان يوسف كان معروفا حتى بعد موته ب “النجّار” ولذا فيفهم من هذا انهم كان لديهم فرص كثيرة للعمل وقيامهم بالتعامل مع العديد من العملاء سواء في قريتهم الناصرة او في المناطق التي قاموا بالعمل فيها.

ان السمعة الجيدة تكون ضرورية في العمل الحرفي فالمهارة والتفوق والأمانة تجلب الانتباه

وذلك الانتباه يجلب عملاء وضمان دخل للعائلة. على اية حال فالتفوق يجلب أيضا حسد ممن هم اقل مهارة. ان نظام حكم هيرودس كان يعتمد على البنائين والحرفيين ولكن أيضا على الجواسيس والمرشدين. مع ان هيرودس يقدر هؤلاء الحرفيين لكن الامر لا يخلو من الوشايات ضدهم فكان عمل هؤلاء يتأثر كثيرا في جو تلك الوشايات والمؤامرات وكان البعض يخفي مهارته هربا من ذلك الجو الخطر.

انه كان من الخطورة ان تعرف انك من سلالة الملك داود ولذا فكلا من يوسف وابوه كان معرضون للخطر. وشاية قد تصل لأسماع هيرودس حتى وهما ذا مهارة يدوية قد تودي بهم للهلاك. كان داود مع كل هذا راعيا للغنم عندما صموئيل النبي فرزه ودهنه ولكن في عصر

هيرودس كان العمل يمثل تحديا بالغ الخطورة لسلالة داود.

المجامع اليهودية والقديس يوسف

ان عالم القديس يوسف كان ليس مشابها عالمنا في معظم الاحوال ولكن الاكثر التفاتا ربما في وحدة الحياة. الدين لم يكن مجزأ والنشاط الديني لم ينزل الي مكان خاص او يوم معين من الاسبوع ولكن بدلا من هذا كان على نطاق واسع يلمس كل جانب من جوانب الحياة في المنزل وفي العمل.

من المؤكد انه كان هناك مجمع في الناصرة والخدمة كانت تقدم هناك في يوم السبت

والليتورجيا تتضمن الصلوات وقراءات من الناموس والأنبياء وبعدها تفسير للكتب المقدسة من

معلّم.

طقوس مهمة تاخذ مكانها في المجمع ففي اليوم الثامن لميلاد الطفل الذكر يتم ختانه هناك وعندما يقدر الصبي على القراءة يُسمح له ان يقرأ لأول مرة من كتاب التوراة وبينما هو يقرأ ملعقة من العسل توضع على فمه حتى ان ذكرى تلك القراءة للناموس دائما تبقى حلوة. في عمر الاثنا عشر او الثالثة عشر الولد يفترض قيامه بكل واجباته الدينية التى جاءت في شريعة موسى من صوم وصلاة وحج ونشاط داخل المجمع.

يخدم المجمع ايضا كمكان للتجمع وفندق للمسافرين اليهود. الذي يحكم هذا المجمع ويديره

كانوا الشيوخ والكهنة وعادة قائد واحد يقوم بأعباء ادارة المجمع في اعماله اليومية. في عالمنا الحديث اليوم يختلف المجمع كثيرا اعتمادا على الانتماء الطائفي- ارثوذكس او محافظين او غيرهم. في العالم القديم كانت المجامع ايضا تختلف من قرية الى قرية اعتمادا على الحركة الدينية المنتشرة في تلك القرية سواء من الفريسيين او الصدوقيين او الغيورين.

كانت العبادة قبل السبي تؤدي في هيكل أورشليم فقط وبعد السبي أصبحت العبادة في أورشليم مستحيلة وغير ممكنة في ذلك الوقت فنشأت فكرة المجامع في بابل ولقد أقيمت لا لتكون مكانًا للذبائح وإنما للتعليم الكتابي والصلاة فالذبائح كانت تقدم فقط في اورشليم فلا يوجد مكان آخر على الأرض يمكن ان تقدم عليه ذبيحة مقبولة الى اله اسرائيل. وكان المجمع في قرية عدد أصحاب بيوتها 120 فصاعدًا مؤلفًا من ثلاثة وعشرين شخصًا، وفي القرى الصغيرة من سبعة قضاة ولاويين أو ثلاثة أعضاء فقط. كان الرجال الذكور ملزمين بالحج ثلاث مرات في السنة الي اورشليم في الأعياد الكبرى عندما كان هناك الهيكل. لكن الصلوات الشخصية كانت تقدم في البيت أيضا بجانب المجمع وكانت قواعد التوراة هي التي تتحكم في نظام الاسرة والعمل واوقات التسلية وحتى في العلاقات الجنسية ما بين المتزوجين.

ان حكم هيرودس الكبير -الغريب بدرجة كافية-تزامن مع فترة الاحتفالات الدينية في البلاد.

كان هناك معلمين يهود عظماء هما Hilled and Shammai احياء ونشطاء في اورشليم،

ومع علمهما وتقواهما كانا مثالا لليهود في كل الأجيال وحتى ما بعدهما. مع إعادة بناء هيكل اورشليم جاء تجديد عظيم في الحياة الليتورجية – و تكثيف لخبرة الحج والذهاب لهيكل

اورشليم كما تتطلب الشريعة.

الفريسيون اظهروا ثباتا في أيام حكم Hasmoneans وكانوا بلا خوف في معارضة للإساءات الدينية من الملوك واستمروا بشكل متقطع ان يكونوا مزعجين لهيرودس الملك. اما الغيورين وجدوا افضلية عند هيرودس فالمعلم الذى كان يعلمه وهو صغير كان من ضمن حركة الرهبان من تلك الطائفة وكان هيرودس يقربه اليه كمستشار له اثناء حكمه. ظل الغيورين متطرفين ورفضوا مشروعية كل رؤساء الكهنة منذ بداية hasmoneans ورفضوا ان يعترفوا باي تغييرات طقسية قاموا بها هؤلاء الكهنة ومع هذا احتفظوا بنتائجهم واعيادهم ومواعيدها وطقوسها حسب طريقتهم. وجعلوا الحج الى اورشليم ولكنهم لم يشتركوا في الذبائح التى كانت تقدم في هيكل اورشليم. عدد من طائفة الغيورين كانوا يعيشون في تجمعات في الصحراء بجوار البحر الميت، وكانت تلك التجمعات تتبع نظام نسكي متشدد وكان يشمل كلا من البتوليين والمتزوجين.

عدد كبير من الباحثين يعتقدون ان اسرة يسوع كانت على اتصال بهؤلاء الغيورين. القديس يوحنا المعمدان قد قضى بعض الوقت في الصحراء وشارك تطلع فئة الغيورين في البتولية وانتظار المسيّا. يوسف ومريم اقتربا ايضا في ارتباطهما بطريقة تبدو متفقة مع فكرة البتولية عند الغيورين. ان اجابة مريم للملاك في البشارة تبدو مقبولة فقط اذا ما كانت قد قررت ان تحفظ بتوليتها طيلة حياتها ولذا فهي قالت:” كيف يكون هذا وانا لا اعرف رجلا”. بمراجعة ادلة بعض علماء الأثار جاء بان اسرة يوسف لها ارتباط قوي ووثيق مع حركة الغيورين وايضا وصل لنفس النتيجة John Bergsma في كتابة عن يسوع ومخطوطات البحر الميت.

انه من المؤكد ان يوسف قد كبر مع الوعي الشديد بقرب قدوم المسيّا مع احتمالية ان المسيّا

سوف يأتي من عائلة يوسف خاصة، وايضا قد نما مع خيارات مهنية عليه ان يفاضل بينهم

ويختار لنفسه.

في سن المراهقة المبكرة كان من المتوقع ليوسف ان يعيش ايمان الكبار ومن المحتمل ايضا

انه كان له حصة في دخل العمل الذى كان يدعم الاسرة. حتى مع العمل للشباب الذى كان لستة ايام بمشقة كل اسبوع مع راحة يوم واحد وهو يوم السبت والذى كان مراقب بصرامة شديدة، فهذا اليوم كان محفوظ بكامله للصلاة واوقات فراغ تأملية ولا شيئ يسمح لأي عمل او

شبه عمل.

كان الزواج مرتب بواسطة الوالدين مع نصيحة من اقارب بالغين مع الحصول على موافقة

المختارين للزواج لكي يرتبطوا. لقد أكد Samuel Sandmel في كتابه بدايات اليهودية والمسيحية ان هناك فرق مابين فكرة الزواج في القديم والحديث فبين اليهود في القرن الاول الميلادي ينظر للزواج على انه ارتباط رسمي مرتب ما بين العريس والعروس وعائلاتهم. الحاخامات اليهود في القديم كانوا ينصحون للرجال بالزواج عن عمر 18 سنة والبنات ان يتزوجن بعد فترة قصيرة من بلوغهن.

عادة يتم اختيار الشريك من الاقارب او من القرية وهذا يؤكد التشابه الاساسي للنظم والتقاليد والعادات والقيم والمفهوم الديني في قرية صغيرة مثل الناصرة كل الناس الشباب يعرفون بعضهم البعض جيدا و عندما يبلغون اكبر سنا يتزوجون وعدد السكان في ذلك الوقت كان قليل لا يقارن بأيامنا الآن. احيانا يقوم الأهل بترتيبات الزواج عندما يكون اطفالهم صغارا وبعد عدة سنوات يبدأوا في اجراءات الزواج والذى يبدأ بحفل الخطوبة. العائلات المتداخلة في ذلك الارتباط سوف يكتبون شروط رسمية وتحديد الهدايا والممتلكات التى تتضمن في عقد الارتباط. بعد الخطوبة هذا الارتباط يمكن حله بالطلاق. الزواج يكون نهائي وعادة يكتمل فقط بعد

احتفال يسمى kiddushin او المقدسات.

انه من المحتمل ان يوسف ومريم قد عرفا منذ شبابهما انهما مخصصان لبعضهما البعض، وايضا من المحتمل انهما كانا متأثران ببتولية جماعة الغيورين وانهما قد قررا البقاء في تلك البتولية حتى اذا ما ارتبطا بالزواج.  

وهكذا فلا يوجد على السطح يظهر أي شيئ غير عادي عن حياة مريم فهي امرأة صغيرة

ومخطوبة لرجل من بيت داود وتحيا مع عائلتها في قرية صغيرة غير معروفة هي الناصرة في منطقة الجليل. بهذا اعطانا انجيل لوقا معلومة إضافية عن مريم يمكن ان يكشف كيف ان هناك شيئا ما يحدث تحت السطح والذي يظهر على السطح على انه شيئ بسيط لحياة عادية، ان الله يعمل شيئا غير عادي ليعد مريم الي رسالة مهمة للغاية في تاريخ البشرية.

البشارة

ذُكرت حادثـة البشارة فى إنجيل القديس لوقـا بوضوح

(لوقا26:1-38) ويذكر الـمؤرخون ان القديس لوقا قد أخذ هذه الحوادث عن طفولة الـمسيح وميلاده من فم السيدة العذراء نفسها “امـا مريم فكانت تحفظ كل هذه الأمور متفكرة بهـا فى قلبهـا”(لوقا19:2)، لهذا فقد ذكر فى بدء انجيله انـه حصل على “الأمور الـمتيقنة عندنا كما سلّمها إلينـا الذين كانوا معاينين وخدّامـاً للكلمـة”(لوقا2:1) ولهذا كتب انجيله.

“وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ يا ممتلئة نعمة اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ.وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.“(لوقا26:1-38).

وفى البشارة وأحداثهـا نجد العديد من الدروس التى يلزم الوقوف أمامـها للتأمـل.

+ “فـى الشهر السادس“(لوقا 26:1) – أي بعد ستة أشهر من بشارة الـملاك جبرائيل لزكريـا

الكاهن بميلاد يوحنا الـمعمدان.

+ “أُرسل جبرائيل الـملاك“(لوقا26:1)- جبرائيل أو غبريال إسم عبري معناه رجل الله، أو قوة الله، أو أظهر اللـه ذاتـه جباراً. وهو ملاك ذى رتبـة رفيعـة وأُرسل فى القديم لدانيال النبي (دانيال21:9-27) وأعطاه نبؤة السبعين اسبوعا لـمجيئ الـمسيّا. وأُرسل الى أورشليم ليحمل البشارة لزكريا الكاهن فى شأن ولادة يوحنا (لوقا11:1-22). وها هو الآن يحمل البشرى الى الناصرة ليبشر مريم بأنهـا ستكون أمـاً للـمسيّا. فهو ملاك البشارات الـمفرحـة.

+ “إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم“(لوقا27:1) – هنـا تحديد لإسم العذراء وعلاقـتهـا بيوسف، وانـه من بيت داود تحقيقـا لنبؤات العهد القديم أن الـمسيّا هو من بيت داود ومولوداً من عذراء.

 + “السلام لكِ أيتهـا الـممتلئة نعـمة، الرب معكِ، مباركة أنتِ فى النساء” (لوقا28:1)

ان الكلمات التي بدأ بها الملاك جبرائيل حديثه مع مريم لهي مثيرة للإعجاب: “افرحي أيتها الـممتلئة نعمة، الرب معك” (لوقا28:1). لا يوجد اي شخص في تاريخ الكتاب المقدس قد وُجهت له مثل تلك التحية من قبل.ولكن ماذا لوكنت إمرأة صغيرة يهودية تعيش في القرن الأول الميلادي وتواجه بتلك الكلمات المقدسة لأول مرة؟. ان الملاك جبرائيل قال ثلاث اشياء عجيبة

لمريم في بدء رسالته لها: لقد دعاها ان “تفرح” وموجها لها لقب ” ممتلئة نعمة” وتأكيد ” ان

الرب معها“.

السلام لكِ- لم تكن هذه بالتحية العادية كقول “يوم سعيد” ولا حملت معنى “سلام” او

“شالوم”بالعبريـة، لكن الكلمة اليونانية للسلام هنا “شيريـه” chaire وتعنى كمال معنى الفرح. ان كلمة شيري او شيريه ربما تكون تحية لمن يتكلمون باليونانية هي تحية عادية ولكن لم يستخدم لوقا الأنجيلي مثل تلك التحية في أي مقطع اخر من انجيله او في سفر اعمال الرسل والذي كتبه هو أيضا ولكن بالنسبة لفتاة يهودية كانت تحمل معنى آخرلقد إستخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة الى “إبنـة صهيون” يسألونهـا أن تفرح جداً بل تصرخ علانية: “ترنمي

يا إبنـة صهيون، اهتفي…افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا إبنة اورشليم”

(صفنيا14:3و17)

“إبتهجي (شيريـه) جدا من كل القلب والنفس يا إبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك…ويسكن فى وسطكِ” (زكريا9:9). فى القديم جاءت التحية “إفرحي يا إبنة صهيون” وعبريـا تعنى “راني نيوخانـاه”، وفى البشارة جاءت التحية للعذراء “إفرحي يا ممتلئة نعـمة” وعبريـا تعنى “راني شانيناه”، انـه تشابه عجيب. انهـا دعوة للفرح بالـمسيّا الآتـى، مريم صارت تجسداً لإبنـة صهيون التى تنتظر الـمخلص فلتفرح وتبتهج.

مريـم هـى إبنـة صهيون فتمثل شعب الله الـمختار كلـه، فهى إذن مختارة بحسب تدبيـر اللـه السري العجيب لتكون أم الـمسيح كقول الـمرّنم”لإنك أنت نسجتني فى بطن أمي ولم تختف عنك عظامي حينما صنعت فى الخفاء”(مزمور13:139-14).

في سفر يوئيل النبي جاءت الكلمة مصحوبة بالفرح والإبتهاج:” لاَ تَخَافِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ. ابْتَهِجِي وَافْرَحِي لأَنَّ الرَّبَّ يُعَظِّمُ عَمَلَهُ. لاَ تَخَافِي يَا بَهَائِمَ الصَّحْرَاءِ، فَإِنَّ مَرَاعِيَ الْبَرِّيَّةِ تَنْبُتُ، لأَنَّ الأَشْجَارَ تَحْمِلُ ثَمَرَهَا، التِّينَةُ وَالْكَرْمَةُ تُعْطِيَانِ قُوَّتَهُمَا. وَيَا بَنِي صِهْيَوْنَ، ابْتَهِجُوا وَافْرَحُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ، لأَنَّهُ يُعْطِيكُمُ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ عَلَى حَقِّهِ، وَيُنْزِلُ عَلَيْكُمْ مَطَرًا مُبَكِّرًا وَمُتَأَخِّرًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ(يوئيل21:2-23). هكذا نجد في نبؤة صفنيا ونبؤة زكريا النبي انه يوما ما الرب سيأتي لشعبه ويخلصهم من اعدائهم وسيأتي كملك ويعيد مملكته في اورشليم وفي ذلك اليوم شعب الله المؤمن متمثلا في شخصية “ابنة صهيون” مدعوة للفرح والإبتهاج وهذا ما اعلنه الملاك لها :” وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ

الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».

(لوقا31:1-33).

لعدة قرون انتظر اليهود إتمام تلك النبؤات وصرخوا في اجيالهم. أجـيــال..وأجـيال..وأجـيال مـرتْ..وسـبق الأجـداد أن قــالـوهـا، ولكنـهـم قـالـوهـا بصدق..قـالوهـا بشوق.. قـالوهـا بعطش..قـالوهـا بإيـمـان. “لـتـنـشق السموات وتـُنـزل الصِديــق“، فـلـتـصتلح السموات مع الأرض.. فلـتـفـتح السـماء أبوابهـا..فـلـتعـمل شيئـا عظـيما. فلـتـرتـج الأرض، وتـهـتـز الجبال وتـتـفـتت الصخور..لـتـُنـزل

الـصــِدّيـــق”ليتك تشُق السـموات وتنـزل“(أشعيا1:64).

والآن قد أتى ذلك اليوم في النهاية وظهر الملاك جبرائيل لمريم ليعلن لها البشرى ان الرب الملك يأتي لشعبه ليخلصهم (لوقا31:1-33) وليؤكد لها: “ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ”(لوقا35:1). ولقد بدأ الملاك جبرائيل رسالته لمريم حاملا لها دعوة للفرح والإبتهاج والذي قيلت من قبل في نبؤتي صفنيا وزكريا لإبنة صهيون. الكلمات الأولى لمريم -شيري chaire تعني ان تفرح الآن إشارة ان عهد المسيّا قد بزغ فالرب الملك سيأتي لخلاص إسرائيل ومريم كانت اول من استقبل لتلك الأخبار المفرحة فيجب ان تفرح وتتهلل كإبنة صهيون كي تفرح بعمل الله الخلاصي الذي سيحققه مجيئ المسيّا.

والنقطة الثانية في تحية الملاك جبرائيل هي طريقة توجيه التحية لها فلم يدعوها بإسمها الشخصي فلم يقل “السلام لك يا مريم، الممتلئة نعمة” بل هو قال لها ببساطة “السلام-افرحي- يا ممتلئة نعمة”. هنا قبلت مريم من الـملاك لقبـاً جديداً، فلم يناديها يا “مريم” بل أعطاها لقبا جديدا وهو “الـممتلئة نعـمة”. لقد اجمع العديد من مفسري الكتاب المقدس انه قد اعطي لمريم هنا اسم جديد من السماء وفي الأنجيل فذلك شيئ كبير وهام للغاية وهو ليس هذا اسم مستعار فعندما يحصل شخص ما على اسم جديد في الكتاب المقدس فهذا يعني ان الله يكشف عن شيئ ما في ذلك الشخص وعن المهمة المدعو لها. فإسم ابرام مثلا قد تغير الي إبراهيم والذي يعنى “اب للجميع” لأنه مدعو ان يصبح اعظم الأباء البطاركة في إسرائيل (تكوين 17)، ومثال يسوع الذي غيّر اسم سمعان رسوله الي بطرس والذي يعنى “الصخرة” لأنه يصبح الصخرة التي سيبنى عليها يسوع كنيسته (متى16).

دُعيت مريم ب “الممتلئة نعمة” وهو لقبها الجديد والذي يشير الي شيئ عن الرسالة او المهمة

والتي أُوكلت لها. لقد أشار القديس يوحنا بولس الثاني قائلا: “ان ممتلئة نعمة هو اسم مريم الذي تحمله في عيون الله”. وأضاف قائلا: في اللغة السامية استعمال الاسم يعبر حقيقة عن الأشخاص والأشياء والتي يرجع اليها وكنتيجة لهذا اللقب “ممتلئة نعمة” يشير الي بعد عميق لشخصية فتاة صغيرة من الناصرة نالت نعمة واختيار إلهي لا يمكن تعريفه او وصفه.

هذا الأسم الجديد الذي أُعطي لمريم خصها بمهمة خاصة في خطة الله للخلاص. ان حلول اللـه

فى هيكل بشري يسبقه تقديس لهذا الهيكل كى يؤهل لهذا الحلول، وهنا كان الإمتلاء والتقديس

لـمريم منذ البدء.

“الـممتلئـة نعـمة”، وباليونانيـة (خاريتون kecharitomene) وهى تعنى الإمتلاء من النعمة حتى الفيض وهذا الإمتلاء من النعمة هو عمل الرب فهو يملأ بنعمته كل محبيـه، وهذا الإمتلاء هو

بدء التلامس بشخص الـمسيح. هذا اللقب أثبت الوضع الحالي “ايتها الـممتلئة نعمة” وليس التى

ستمتلئ نعمة. فالكلمة تعنى عملا قد بدأ في الماضي ومستمر في الحدوث في الحاضر.

“ممتلئة نعمة” تعنى ان مريم مثال لعلاقة جديدة بين اللـه والإنسان، فلقد حاول الإنسان منذ القديم أن يتقرب الى اللـه، فقّدم لـه ذبائح وتقدمات إسترضاء وإستعطاف وإتقاء، غير ان اللـه لم يرتض بهذه الذبائح لأنهـا بقيت حاجزا بين اللـه والإنسان، وأعطى اللـه للإنسان عن طريق الوحي الطريق الوحيد لإرضاء اللـه وهو قلب الإنسان فيقدمـه ذبيحة للرب. فى القديم بعض الوسطاء قد جسدوا حضور اللـه للشعب بتابوت فيه عصا ولوحا العهد والذى كان رمزاً للعهد مع اللـه وكلامـه، وبعد بناء الهيكل وهو الـمثال الحي لوجود اللـه بين شعبه، وها الآن إختار اللـه من بين الذين أخلوا قلوبهم لإستقبالـه فحلّ فى أحشاء مريم الطاهرة ليدخل العالـم ويعيش بين الناس. هذه العلاقـة الجديدة بين اللـه والإنسان وهذا الـمثال وضح تماما فى مريم بنوع فريد وقد أرادهـا اللـه فى قلب

كل إنسان وهو الإمتلاء من النعـمة والـمتاحـة لكل فرد منـا.

ثالثا، دعونا ننظر الى تأكيد الملاك لمريم قائلا: “الرب معكِ“(لوقا28:1). من خلال الأنجيل

تلك الكلمات للتحية قد استخدمت ووجهت لرجال ونساء الذين قد دعاهم الله لمهمة خاصة لها

تأثير على كل شعب إسرائيل. كانت مهامهم تتطلب سخاء كثير وتضحيات وثقة عظيمة ولهذا

أُعطي لهم مثل ذلك التأكيد جتى لا يواجهوا مثل تلك الضيقة وحدهم فالله سوف يكون معهم

يرشدهم ويحميهم ويقويهم. واحد من أعظم القادة في تاريخ إسرائيل تمت تحيته بمثل تلك “الرب معك”. فمثلا عندما ظهر الله ليعقوب مؤكدا له العهد ومباركا له قائلا: “ وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ»(تكوين15:28). ومثل ذلك عندما دعا الله موسى من العليقة المشتعلة ليقود الشعب من ارض مصر فقال:” «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى هذَا الْجَبَلِ»(خروج12:3). وأيضا قبل ان يقود يشوع بن نون الشعب في معركة في ارض الميعاد قال الله:” لاَ يَقِفُ إِنْسَانٌ فِي وَجْهِكَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. كَمَا كُنْتُ مَعَ مُوسَى أَكُونُ مَعَكَ. لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ”(يشوع5:1). وعندما دعا ملاك الرب جدعون ليدافع عن الشعب من غزو الأعداء حياه قائلا:” «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ»(قضاة12:6). وعندما وضع الله داود على رأس مملكته الدائمة فقد ذكّره الله بأمانته له قائلا:” وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ”(2صموئيل9:7). وعندما دعا الله ارميا ليكون نبياً للأمم قال له:” لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ»(ارميا8:1).

من موسى الي ارميا السِمة واضحة “الرب معك” إشارة ان شخص ما قد دُعي الي مهمة

عظيمة ستكون صعبة وضرورية ومستقبل إسرائيل سيكون على الأكثر معتمدا على كيف ان ذلك الشخص سيقوم بدوره. ان الشخص التي وجهت له هذه الكلمات والمرسلة من الله لدعوة مهمة وثقة الله في ذلك الشخص التي أوكلت له هذه المهمة بالغة الأهمية و تاريخ إسرائيل والعالم معتمدا على تلك اللحظة وعلى استجابة ذلك الشخص الذي اختاره الله. ولكن هذا الشخص تم التأكيد له انه ليس وحده فالله سيكون معه في مهمته مساعدا له في أي عمل لا

يستطيع وحده القيام به فيد الرب تسند وتعضد وتقوي.

ماذا تعني تلك الكلمات بالنسبة لمريم تحية من ملاك الله قائلا لها :”الرب معكِ” مشيرا ان شيئا

كبيرا سيتم طلبه منها، ففي الحقيقة انها مدعوة ان تقف في تقليد إسرائيل وتاريخه كأحد الأبطال

مثل موسى ويشوع وداود وارميا – أناس عانوا وضحّوا وأعطوا أنفسهم كلية للرب. ها هي الآن

مدعوة الي مهمة شاقة والتي ستتضمن الكثير من التحديات والصعوبات ومستقبل شعب الله

سيكون معتمدا كيف ستجيب.

انه ليس من المستغرب ان الأنجيل قال لنا ان مريم قد اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، ولاحظ هنا ان انجيل لوقا يقول لنا ان مريم لم تكن مضطربة من ظهور الملاك بل من “كلامه”:” فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!»(لوقا29:1). هذا مختلف تماما من قلق زكريا الكاهن في المنظر او الحادثة السابقة لهذ الظهور كما جاء في انجيل لوقا فكانت رد فعل زكريا هو الخوف من ظهور الملاك له في الهيكل:” فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ(لوقا12:1). مريم على العكس اضطربت من كلمات الملاك وفكّرت مدى تأثير ذلك الكلام على حياتها فلقد ايقنت ان شيئا ما هاما سيطلب منها مثل موسى وجدعون وآخرين الذين دعاهم الله فبنفس الطريقة جاءت الدعوة ولذا من المحتمل ان تساءلت ما عسى ان تكون تلك المهمة وهل في قدرتها إتمامها.

ردا على ما قد يشغل بال مريم اجابها الملاك جبرائيل قائلا:” «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ(لوقا30:1). لقد كشف الأنجيل المقدس عن مثل ذلك الخوف ومن انه شعور بشري طبيعي ورد فعل متوقع من دعوة الله لنا.

كمثل مريم التي تحكمت في مشاعرها وفكّرت ما عسى ان تكون تلك التحية وما الذي يريده الرب ان يظهره لها، وكما قال لنا القديس لوقا:” وفكّرت ما عسى ان تكون هذه التحيـة“(لوقا29:1).

وقبل ان تعطي مريم موافقتها النهائية أكدّ لها الملاك جبرائيل قائلا لها:” «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ”(لوقا30:1). شيئان يمكن التوقف عندهما في هذا النص، أولا عندما ظهر الملاك جبرائيل في البداية لمريم وجه لها لقب رسمي “ممتلئة نعمة”(لوقا28:1)، والآن في محاولة لإعادة التأكيد لها فتكلم الملاك جبرائيل بطريقة شخصية يدعوها بإسمها الذي أعطي لها من قبل والديها، فلم يقل ببساطة “لا تخافي” كما سبق ان قيلت للعديد من الأباء والأنبياء بل متكلما معها بصورة شخصية قائلا: ” لا تخافي يا مريم”. ثانيا لقد شجعها الملاك جبرائيل ان لا تخاف عما سيكون وما سيسأله منها لأن الله نفسه قد وهبها ميزة فريدة من النعمة (28:1) وسوف يستمر في تقويتها في مهمتها شارحا لها ذلك بأن قال لها:“لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَاللهِ”(لوقا30:1).

ولكن ماذا يعني ذلك لمريم بأن تجد انها “وجدت نعمة عند الله”؟. في الكتب المقدسة “وجدت نعمة” مع شخص ما يمكن ان تصف شخص ذو مكانة مرموقة ومملوء رأفة ومفضّل عند شخص اقل واضعا نفسه في دور مهم للقيادة، فمثلا عندما خدم يوسف الصديق كعبد في بيت فوطيفار في مصر يقول لنا سفر التكوين عنه “فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ، وَخَدَمَهُ، فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ”(تكوين4:39-6).

ان التعبير “وجدت نعمة عند الله” يذكرنا بالعديد من الشخصيات في العهد القديم الذين بصفة خاصة قد أختيروا من الله لرسالة هامة او دور مهم يجلب البركة للآخرين مثل ما حدث ليوسف والذي وُضع في مكانة بواسطو فوطيفار وقام بدور قيادي:” وَكَانَ مِنْ حِينِ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ، وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ، أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ، فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئًا إِلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ.” ومثال نوح اول شخص في الأنجيل يمكن وصفه بنفس الطريقة ففي وسط عالم مضطرب عُرق بأنه “وجد نعمة عند الله ونتيجة لذلك فلقد تمت حمايته من الفيضان وأختير ليكون على رأس العائلة البشرية المجددة:” وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.”(تكوين8:6). كذلك ابراهيم كان وسيلة في يد الله قد استخدم ليجلب البركة للعالم أجمع وصوّر من انه وجد نعمة عند الرب:” وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا تَكَلَّمْتَ»(تكوين1:18-5).ِ

 وأيضا موسى قد “وجد نعمة” عند الله وأصبح وسيط العهد الذي يساعد لمصالحة الشعب

الخاطي مع الرب على جبل سيناء: وَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هذَا

الشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي. وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: عَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ، وَوَجَدْتَ أَيْضًا نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ. فَالآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ. وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ». فَقَالَ: «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ». فَقَالَ لَهُ: «إِنْ لَمْ يَسِرْ وَجْهُكَ فَلاَ تُصْعِدْنَا مِنْ ههُنَا، فَإِنَّهُ بِمَاذَا يُعْلَمُ أَنِّي وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَنَا وَشَعْبُكَ؟ أَلَيْسَ بِمَسِيرِكَ مَعَنَا؟ فَنَمْتَازَ أَنَا وَشَعْبُكَ عَنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ». فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «هذَا الأَمْرُ أَيْضًا الَّذِي تَكَلَّمْتَ عَنْهُ أَفْعَلُهُ، لأَنَّكَ وَجَدْتَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيَّ، وَعَرَفْتُكَ بِاسْمِكَ»(خروج12:33-17).

في كل من تلك الحالات فإن الشخص الذى وُجد انه مفضّل عند الله واختير خصيصا من قِبل الرب لمهمة خاصة في خطة الله الخلاصية، لهذا فعندما قال الملاك لمريم انها قد “وجدت نعمة عند الله” قهو بهذا يطمئنها من انها قد أختيرت من قِبل الرب. كما كانت مريم مضطربة متفكرة في نفسها ما عسى ان يكون كل هذا وما الذي سيسألها الملاك ان تقوم به ومن انها قد اختيرت لتحمل وتنفذ عمل خلاصي عظيم لشعب الله مثال نوح وإبراهيم وموسى وجدعون وغيرهم، فها هي أيضا “قد وجدت نعمة عند الله”. ان الملاك لم يكشف لها بعد عن دورها ومهمتها الخاصة وفي هذه النقطة فكل ما تعرفه مريم حتى الآن انها يجب ان تفرح لأن الله سيأتي لينقذ شعبه من اعدائه وانها ستقوم بدور خاص في خطة الله الخلاصية، فالرب سيكون معها وانها وُجدت مفضلة من قِبل الله، ولكن ما هي مهمتها؟ هذا ما سيُكشف عنه في الآيات الثلاث التالية من

رسالة السماء.

علينا ان نضع في إعتبارنا كيف ان الملاك جبرائيل بدأ خطوة خطوة في كشف تلك الدعوة

الغير عادية والتي يطلبها الله من مريم. في البداية قال الملاك لمريم:” وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا”(لوقا31:1)، وهذا وحده مثيراً للغاية. إذا ما علمت أي امرأة انها سيكون لها طفلا فهي مناسبة لا يمكن نسيانها ولكن القديسة مريم قريبة من ان تجد انها لن تصبح كأي أم عادية فلقد استمر الملاك ليكشف انها ستكون أعظم أم وأهم أم في تاريخ العالم لأنها ستحبل بإبن سيعيد تاريخ إسرائيل وتاريخ الجنس البشري كله الي مكانته، فإبنها سيملك على عرش داود الملك هذا الذي تنبأ عنه الأنبياء وبأنه سيعيد الشعوب الي مملكة إسرائيل ويجمع الأمم ويعيدها الي عهدهم مع الله. دعونا نقترب وننظر فيما قاله بالفعل الملاك لمريم عن ابنها:” هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»(لوقا32:1-33).

ان مثل تلك الكلمات ستكون مألوفة جدا لكثيرين من اليهود في القرن الأول الميلادي لأنها صدى لنص في العهد القديم هام جداً عن مملكة داود كما جاء في سفر صموئيل الثاني الإصحاح السابع عندما وعد الله داود بمملكة ابدية “وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ.” (2صموئيا9:7) و”مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ.”(2صموئيل12:7-14).

تأمل في التشابه العجيب ما بين نص سفر صموئيل النبي( 2صموئيل 7) وما قاله الملاك

جبرائيل عن إبن مريم كما جاء في انجيل لوقا (32:1).كما قيل لداود ان اسمه سيكون

“عظيما” (2صموئيل9:7) هكذا قال الملاك لمريم ان طفلها سيكون “عظيما”(لوقا31:1). وكما ان التسلسل النسبي لداود وُصف بعلاقة فريدة بين أب وإبن مع الله (2صموئيل14:7) هكذا يسوع سيدعى ابن العليّ (لوقا32:1)، وكوعد الله من انه سيؤسس ويثبت عرش مملكة داود للأبد (2صموئيل13:6)، هكذا سيعطي الرب عرش داود ابيه ليسوع (لوقا32:1)، وكما قال الله لداود ان مملكته ستثبت الى الأبد (2صموئيل 16:7) وهكذا قال جبرائيل في بشارته لمريم ان

ابنها سيملك على بيت يعقوب للأبد ولن يكون لملكه نهاية (لوقا33:1).

هكذا فإن وصف الملاك جبرائيل لطفل مريم يصرخ بوعد الله الذي صنعه مع مملكة داود وإعادة

التذكرة بموضوعات داودية عن العظمة والبنوة والعرش والبيت ومملكة آبدية فهنا يشير جبرائيل

ان مريم ستحمل ابن ملكي لداود والذي سوف يتمم وعود الله لداود عن مملكة لا تزول. يقول

اليهود ان ذلك الطفل قد طال إنتظاره وهو الممسوح ولذا فيطلقون عليه “المسيّا المنتظر”.

كلما بدأ ينكشف عن تلك الرسالة المسيانية ستصبح مريم أكثر شوقا لأن تعرف أكثر وأكثر ولذا

فلقد تساءلت كيف وهي عذراء يمكنها ان يكون لها طفل وهي لا تعرف رجلا”«كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟»(لوقا34:1)، وللإجابة أعطاها الملاك جبرائيل الصورة الكاملة كيف سيتم ذلك الأمر الغير عادي فقال لها:«اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ”(لوقا35:1).

تلك الكلمات كشفت الأصل الإلهي لذلك الطفل، وعلمت مريم انها لن تحبل من خلال علاقة جنسية طبيعية ولكن بالروح القدس. انه لم يكن على الإطلاق حبل مثل ذلك من قبل ويفوق كل تصور وقال لها الملاك جبرائيل ان طفلها سيُدعى “إبن الله” -ليس تماما بالإشارة الي وظيفته كمسيّا أومجازيا لسلالة الملك داود كإبن لله كما جاء “أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا”(2 صموئيل 14:7). ان طفل مريم هنا سيدعى إبن الله فيما يتعلق بالحبل به من الروح القدس.

ان كل هذا ليس من السهل استيعابه من محادثة قصيرة مع الملاك والإشارة الوحيدة التي عرفناها عن تلك اللحظات المحورية وخبرة مريم قبل التجسد هو تلك الكلمات واجابتها:” «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»(لوقا38:1).

إن إجابة القديسة مريم لرسالة الملاك جبرائيل فريدة في كل التاريخ الأنجيلي، ففي مشاهد

البشارة بالميلاد ومشاهد للدعوة كما جاءت في العهد القديم كان الله او رسوله السماوي يتكلم في نهاية البشرى او الدعوة قبل ان يغادر المكان. إبراهيم وسارة وزكريا ووالداي شمشون مثلا لم يعطوا مقولة عظيمة بموافقتهم بعد استقبالهم للبشارة عن أبنائهم، وكذلك أيضا موسى او جدعون عندما دعاهم الله للمهمة التي اختارها لهما. وقفت القديسة مريم لتعطي اخر كلمة في الحوار الذي دار مع الملاك وكلمات الموافقة والرضا يكشف كثيرا عن رغبة مريم ان تخدم الله.

هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»(لوقا38:1). هنا أولا وصفت مريم نفسها على انها

شخص ما قد سلّم نفسه بالكامل وسلّم أيضا حريته فسلّمت بكل تواضع حريتها. ان الكلمة اليونانية هنا والتي استخدمتها مريم ترجمت “آمة” (handmaid) او doule والتي في الحقيقة تعني خادم او عبد – شخص ما هو بالكامل ملك شخص آخر يمكنه ان يفعل به ما يشاء. هذا التعبير استخدم في العهد الجديد ليصف من هم قبلوا سلطة الله في حياتهم ليخدموا مشيئته “ وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي”(اعمال18:2) و” وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ”(اعمال29:4) و ” «هؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ”(اعمال17:16). كذلك القديس بولس تكلم عن نفسه بأنه عبد للمسيح: “بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“(رومية 1:1) و(فيليبي1:1) و(غلاطية 10:1) وأيضا عبد لله:” بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”(تيطس1:1).

هذا هو التعبير الذي استخدمته القديسة مريم لتصف نفسها من انها عبدة doule – خادمة للرب واهبة نفسها بكليتها لتميم رغبات الله. لقد سمعت من الملاك كل ما يخططه الله لها واستجابت بوضع حياتها كلها في يد الله. انها لم تفكر ان تلك المهمة لنفسها هي ولكن وجدت نفسها مختارة وموكل اليها شيئا عظيما لمجد الله الأعظم. كخادمة للرب اختارت ان لا تستخدم حياتها لأغراضها الشخصية ولكن حسب مشيئة الله. لقد وجدت مريم نفسها الآن أسيرة الي خطة الله الذي يريد خلاص البشرية ولقد سئلت ان تعطي نفسها ومستقبلها كله ” للروح القدس.. وقوة العليّ”. كان يمكنها ان تبقى هي المتحكمة وصاحبة الأمر ولكن بدلا من ذلك وضعت نفسها ملكا للرب وطرقه كتعبير حقيقي وعملي عن إيمانها «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». ان قبولهالتلك الدعوة جعلها حسب رواية انجيل لوقا اول شخص يخاطر بكل شيئ من أجل يسوع المسيح وتكون اول المؤمنين به. ان هذا هو المفتاح داخل فكر وقلب مريم “الإيمان العملي” والذي سيُمدح فيما بعد من الروح القدس على لسان القديسة اليصابات”فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»(لوقا45:1).

ان مريم قد استسلمت وسلّمت ذلك التحكم ووضعت حياتها في يد الله بكاملها. انها ترغب ان

تفعل مهما يريد الله منها ان تفعله وأن تذهب في أي مكان حيث يقودها هو. لقد رأت ان الحرية البشرية ليست شيئا يمكن ان تأخذ منه كيفما تريد او شيئا يمكن استخدامه فقط لأغراضها ورغباتها هي الشخصية ولكن كعطيّة تردها الي الله وتستخدم لخطته هو. بهذا اختارت بحرية ان تسلّم التحكم في حياتها وتحيا كعبدة – Doule- للرب واثقة كل الثقة في خطته من أجلها. في تعبير آخر لقد اختارت بحرية ان تحد حريتها وتحيا كاملة لخدمة مشيئة الله. انها تحيا

حياتها كعطية من الله والى الله بكليتها.

كلمات القديسة مريم التي قيلت للملاك تقدم نافذة لخدمة قلبها وأظهرت الطريقة التي بها تتبع

دعوة الله لها:” “ليكن لي بحسب قولك”(لوقا38:1). هذه الكلمات تلقي الضوء كيف ام مريم تطلب بفرح ان تخدم الرب فهي لم تنظر ان خدمة الله كحمل ثقيل وواجب روحي قد أجبرت على فعله ولكنها بشكل عنيد تطلب ان تجعل حياتها عطيّة الي الله. ان القديس البابا يوحنا بولس الثاني والمعلقين ومفسروا الكتاب المقدس أشاروا بأن “ليكن لي” genito باليونانية تشير ليس كفعل قبول في الماضي لمشيئة الله ولكن هو فعل مضارع فعّال ينطوي على حب عارم، فالمعنى الخاص للكلمة يتضمن “رغبة فرحة في عمله” لخدمة الله وليست فقط رضوخ او قبول لشيئ صعب. وكما قال احد علماء الكتاب ان تعبير مريم في مضمونه ومعناه مختلف عن “لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ” التي جاءت في صلاة الأبانا (متى 10:6) او صلاةيسوع المسيح في بستان الزيتون “وَلكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ»(مرقس36:14).

“ليكن لي حسب قولك” آخر كلمات القديسة مريم للملاك تم ترجمتها من اليونانية الى اللاتينية

بمعرفة القديس جيروم:fiat mihi secundun Tuum””والكلمة الاولى fiat اصبحت مرادفة

لموافقة الانسان على عمل مشيئة الله وخاضعا لخطته. ان القديسة مريم لم تكن فقط خاضعة لخطة الله ولكن كانت تتوق لإتمامها وتجعلها ملكا لها واجابت كمحب من رأت ما في قلب حبيبها فلبت في حماس لتمميم رغباته وهكذا خدمت الرب ليس فقط كعمل إضافي تطوعي ولكنها بفعل محبة قلبية.

الزيارة

“فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ»(لوقا39:1-55).

بعد ان مضى الملاك جبرائيل بعد سماعه قبول مريم العذراء، جلست مريم تتأمـل وحدها فى هذا السر العظيم. ذهبت مريم “مسرعة” الي منطقة يهوذا الجبلية لتجلب الفرح لنسيبتها اليصابات الحبلى بيوحنا المعمدان وان تشارك معها كل ما يحققه الله في اسرائيل وفي حياتها. ان من استقبلت رسالة الملاك عن مجيئ المسيّا اصبحت الآن اول مبشرة بشرية للأخبار السارة. ولذهاب مريم لنسيبتها عدة اسباب: اولا عادة شرقيـة، وثانيـا واجب تلزمـه أمومتهـا للـمخلّص العجيب، وثالثـا دفعهـا الروح القدس لأن تذهب حتى يتقدس إبن زكريـا بسلامهـا وهو فى بطن

أمـه كما تنبأ الـملاك “ومن بطن أمـه يمتلئ من الروح القدس” (لوقا15:1).

مدينة يهوذا – بحسب رأى الكثيرين من العلماء هـى حبرون (20 كيلومتر جنوب اورشليم)، وبعضهم يذهب الى ان هذه الـمدينة هى عين كارم (غرب أورشليم بحوالى 8 كيلومترات). وهذا يعنى شيئاً واحداً أن هذه الـمدينة يصعب الوصول اليهـا وطرقهـا جبليـة وتبعد عن الناصرة مسافة سفر تصل الى حوالـى اربعة أيام.

كيفية الذهاب – اعتقد البعض ان مريم قطعت هذا الطريق مع يوسف، ولكن هذا الإعتقاد

خاطئ لأنـه لم يكن بكل تأكيد فى بيت زكريـا ليعلم بالحديث الذى دار بين اليصابات ومريم، وبالتالي يعرف السر الإلهـي، ولكن الأكيد هو انـه قد عرف بهذه الزيارة لأنـه كان خطيبهـا وانـها ستتغيب عنه فترة.

اليصابات – وهي الصبغة اليونانية للاسم العبري ” اليشابع ” الذي معناه ” الله قد أقسم”، واليصابات هي زوجة زكريا الكاهن وقد كانت عاقرا ومتقدمة في الأيام مع زوجها، ولكن الرب أعطاها ابنا هو يوحنا المعمدان، وكانت من سبط لاوي إلا أنها كانت نسيبة للعذراء مريم، وعندما بشر الملاك جبرائيل العذراء مريم، كانت اليصابات حبلى في شهرها السادس.

معنى العلامة – في نهاية منظر البشارة اعطى الملاك جبرائيل لمريم علامة حتى ولو ان مريم لم تطلب اية علامة، لقد أعلمها ان نسيبتها العجوز والعاقر هي حبلى بطريقة اعجازية. لم تكن تعلم مريم عن ذلك الحدث لأن اليصابات كانت تخفي نفسها لمدة تصل لخمسة أشهر”وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ” و “وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ” (لوقا24:1و26). ان تلك العلامة تعني التأكيد لمريم بأن الله الذي حقق لتلك المدعوة عاقرا من ان تكون أما وان ما يمكن ان يكون مستحيلا في عين البشر هو مستطاع عند الله فهو يستطيع ان يصنع عملاً عظيما في حياة مريم جاعلا لها ان تحبل حتى ولو لم تكن تعرف رجلا. لقد شرح لها الملاك

جبرائيل قائلا:” لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ»(لوقا37:1).

بعد ان سمعت مريم تلك الأخبار “فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى

مَدِينَةِ يَهُوذَا(لوقا39:1). ان تلك الرحلة ليست نزهة نهاية الأسبوع فوعورة اكثر من 80 ميل من الناصرة الي جبال يهوذا والتي يمكن ان تأخذ حوالي 3-4 أيام بالأقدام وعادة مثل تلك الرحلة تكون مصحوبة بمسافرين آخرين.

ترى ماذا كان غرض زيارة مريم؟ في الحقيقة عندما عرض القديس لوقا في انجيله ذلك الحدث

فلقد استخدم ثلاث كلمات صغيرة في بداية جملته والتي تشير ان مريم لم تتحرك نحو إجازة بسيطة لرؤية قريبتها. ان مريم رحلت الي جبال يهوذا وهي ليست فقط رحلة على الأقدام ولكنها تعني في الحقيقة رحلة روحية.

أولا -فالقديس لوقا اعلمنا ان مريم “قامت” وذهبت لزيارة اليصابات والكلمة اليونانية لكلمة “قامت” arose هي anesteimi والتي تعني اكثر من “نهضت او قامت”، فهي استعملت مجازيا هنا لتصف بداية الي فعل او عمل جديد. في مكان آخر في انجيل لوقا الكلمة تصف أفعال تتضمن جهد روحي عظيم. ففي مثال الإبن الضال “قام” وعاد الي ابيه الذي رحب به بفرح وابتهاج عظيم (لوقا18:15و20)، وبالمثل لاوي جابي الضرائب عند دعوة يسوع له ترك كل شيئ و “قام-rose-anastasa” وتبع يسوع (لوقا27:5-28). وهكذا مريم أيضا بعد ان سمعت من الملاك دعوة الله لها ومن حياتها “قامت” وبدأت رحلتها لزيارة اليصابات. كما في مثل الإبن الضال ودعوة لاوي العشّار تحركت مريم نحو رحلة جديدة مع الرب حيث استلمت مهمتها الجديدة كأم للمسيّا.

ثانيا- قامت مريم وذهبت الي ارض جبال يهوذا وهنا استخدم لوقا كلمة رئيسية غنية في معناها اللاهوتي في سرده للحدث، فالكلمة اليونانية ل “ذهبت”-poreuomai” في ذاتها تعني “تذهب او تمشي” ولقد استخدمها لوقا في أماكن أخرى لتصف رحلة لغرض إلهي والأكثر ملاحظة هي

رحلة المسيح من الجليل الي اليهودية حيث رسالته المسيانية قد اكتملت (لوقا51:9و 22:13).

مريم وهي حبلى بالطفل يسوع في احشائها كأنها تبشر برحلة ابنها فيما بعد من الجليل الي

اليهودية وها هي تبدأها من ناصرة الجليل الي جبال يهوذا (لوقا39:1) حيث ستعلن الأعمال

العظيمة للرب.

بعد هذا اعلمنا القديس لوقا ان مريم قامت بتلك الرحلة “مسرعة” meta spoudes وهذه الجملة

قد فهمت بطرق مختلفة، فالبعض فسّرها بأن أشار بانها طاعة مباشرة لرسالة الملاك عن امومة اليصابات الإعجازية، والبعض الآخر رآها بأنها تشير ان رغبة مريم هي ان تسرع لمساعدة نسيبتها المسّنة في مراحل حملها الأخيرة، أو بأن مريم تطلعت بشوق ان تشارك اليصابات برسالة الملاك لها. كل تلك التفسيرات قد تكون كخلفية ولكن الملاحظة التي ذات أهمية هي خاصة تلك الجملة المستخدمة “مسرعة” والتي يمكن ترجمتها ب “مع التفكير” او “مع الرغبة” والتي قد تجلب لنا فهما اعمق للمسألة او الفعل. من هذا المنظور الخاص ذهاب مريم بسرعة يشير الي فرحها تساءلها عما يحققه الله في إسرائيل وفي حياتها هي شخصيا بإرسال المسيّا- الملك. وهذة الخطة الإلهية والتي فيها ان مريم واليصابات الآن مرتطبتان بصورة قوية من خلال خبراتهم بحبلهما وامومتهما الإعجازية وباولادهما ورسالتهما. وهكذا بشكل عنيد وإصرار عجيب قامت مريم وانطلقت لترى العلامة التي أعطاها لها الملاك جبرائيل عن حبل اليصابات العجيب.

هذا في الحقيقة مشابه لإستجابة الرعاة للعلامة التي أعطاها لهم الملاك عن المسيح “تَجِدُونَ

طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ»(لوقا12:2)، وبعدما سمعوا عن العلامة “فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ” ليروا تلك الأخبار المفرحة عن الخلاص والتي أعلنت لهم من الملاك. ان الرعاة لم يذهبوا ليتحققوا من ان قول الملاك كان صحيحا ولا انهم قد اخذوا امراً من الملاك بضرورة الذهاب لذلك الغرض، ولكن من مبادرة شخصية منهم كانت رغبة الرعاة الشديدة ليروا الذي كشفه الملاك واعلنه لهم:” قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ»(لوقا15:2). هكذا مريم آمنت مثلهم برسالة الملاك وذهبت مسرعة لتشهد كأول شخص للأعمال العظيمة التي يقوم بها الله في حياة اليصابات وحياة البشرية كلها. وكما شرح احد اللاهوتيين ان سرعة مريم في الذهاب نبع من الفرح بدعوتها ومن الرجاء الذي بدأ في احشائها ففرح مريم ورجاؤها واستعدادها ذهب في البحث عن العلامات التي يرسلها الله الي شعبه.

+ “ودخلت بيت زكريـا وسلّمت على اليصابات“(لوقا40:1) – قد نتسآل يا تُرى ما هذا السلام؟، وما هو مضمونـه؟. لـم ينقل لنا الكتاب الـمقدس هذا الـمضمون، ولكن يمكن إفتراضـه: (السلام عليكِ ايتهـا الـمباركـة الحاملة فى بطنهـا ولداً مباركاً)، وكأننا بهذا نذكر قول الرب يسوع لتلاميذه: “اي بيت دخلتموه سلّموا عليـه فإن كان البيت مستحقاً فليأت سلامكم عليـه” (متى12:10)، وايضاً نتذكر قول الرسول بولس:”ما أجمل أقدام الـمبشرين بالسلام. الـمبشرين بالخيرات”(رومية15:10). ان كتاب العهد الجديد هو كتاب السلام فقد تكررت كلمة سلام 88

مرّة وهى تستخدم كثيراً فى التحيـة وتترجم بمعنى الفرح.

+ “فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين فى بطنها وإمتلأت اليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ فمن أين لي هذا ان تأتي أمُّ ربّي إلـيّ فهوذا حين صار صوت سلامك فى أذنيّ ارتكض الجنين بإبتهاج فى بطني فطوبى للتى آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبلِ الرب”(لوقـا41:1-45) – هنا كانت القديسة اليصابات تحت تأثير الروح القدس الذى كان يتكلم بفمها. يوحنا ابتهج بقدوم مريم الحاملة للرب يسوع فإرتكض فى بطن امـه، تماما مثلما رقص داود بكل قوة امام تابوت الله حين دخوله اورشليم. مريم تنشر البشرى، تنشر السلام والفرح وتحمل المسيح للآخريـن. عندما تلاقت اليصابات ويوحنا بالمسيح فرحا وتهللا ونطقت اليصابات بالتسابيح “مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ” هذه التحية

مشابهة لتلك التحية التى استقبل بها المسيح فى اورشليم “مبارك الآتى بإسم الرب”(متى29:21)

و”مبارك الآتي بإسم الرب ملك اسرائيل”(يوحنا13:12) وهنا تحية لأم الـملك.

واكملت اليصابات هتافهـا وهى مملوءة من الروح القدس قائلة: “فمن أين لي هذا ان تأتي أمُّ ربّي إلـيّ” وهنا كلمة “رب” أي “كيريوس” هى التى استعملتها اليصابات فلا مجال للـمجادلـة بأنها لم تكن تقصد وانهـا كانت تقصد كلمة (ربّونـي) يعنى الـمعلّم أو السيد. وهذا يعنى ان مريـم هـى أم الإلـه فسوف تلد عمانوئيل اي اللـه معنـا.

وهناك تطابق عجيب بين ما نطقت به اليصابات وبين ما نطق به الـملاك أثناء بشارته للعذراء مريم بالحبل الـمقدس.

أن مريم قد وصلت الي بيت اليصابات وحيتها وهذا هو ما كنا نتوقعه بالضبط فبحسب المقاييس اليهودية في القرن الأول الميلادي كانت اليصابات في مكانة مرموقة واضحة. اليصابات كانت الأكبر لأخت لها هذا بالإضافة الى ان لها عائلة شريفة تنحدر من اول رئيس كهنة في إسرائيل وهو هارون الكاهن وكزوجة لكاهن اسمه زكريا “كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ” (لوقا5:1). كان من المألوف ان الصغير هو التي يحيي الكبير ومن هم من طبقة اقل يحييون من هم في وظائف اكثر مكانة وشرفا (انظر “فَخَرَجَ مُوسَى لاسْتِقْبَالِ حَمِيهِ وَسَجَدَ وَقَبَّلَهُ. وَسَأَلَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ عَنْ سَلاَمَتِهِ، ثُمَّ دَخَلاَ إِلَى الْخَيْمَةِ”(خروج7:18 و«احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ”(لوقا46:20). وهكذا بتحية اليصابات فعلت مريم ما كان عليها ان تقوم به وما كنا نتوقعه من امرأة يهودية.

انه من العلامة البارزة هو طريقة اليصابات في تحية مريم فمن تحرك الجنين في احشائها على

الفوروهتافها بطريقة غير عادية لمريم يكشف لنا ان مريم واحدة من اهم الأشخاص في الكتاب

المقدس الذي اشركهم الله في مخططه الخلاصي للبشر.

وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي

هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟(لوقا42:1-43).

كل هذا خرج من فم اليصابات قبل ان تكون لدى مريم اية فرصة لتقل كلمة عن زيارة الملاك لها في الناصرة وحبلها الإعجازي، ولهذا كيف عرفت اليصابات ان مريم تحمل بطفل في احشائها؟ وكيف عرفت ان مريم ليست بأم لطفل عادي ولكن اما للرب؟ فكيف يا ترى عرفت اليصابات؟

ان انجيل لوقا يعطينا مفتاح يلقي الضوء عن كيفية معرفة اليصابات بتلك المعلومة العجيبة.

لقد أشار لوقا انه عندما سمعت اليصابات سلام مريم فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ

ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”(لوقا41:1). ان تلك الجملة التي ذكرها لوقا كما جاءت “امتلأت من الروح القدس” وردت في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس واستخدمت لتصف كيف ان شخص يُعطى له ان يكشف عن نبؤة ما وهكذا فإن الروح القدس هو الذي كشف لأليصابات وجعلها تسبح مريم وحبلها الفريد وتحييها “وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»(لوقا42:1-45).

لو تأملنا أكثر في نغمة التحية، فهي من أعظم وأجمل التحيّات ومن السهل إدراك فرحة قلب

اليصابات عند لقاءها بأم الرب وهي تحمل الرب القدير في رحم الوالدة البتول مريم. “من اين لي هذا”، تلك الجملة تكشف كيف ان اليصابات قد داخلها الفرح حقيقة واعتبرت هذا اللقاء بركة لا حدود لها، ومن العجيب ان اليصابات كانت اكبر سنا بكثير من القديسة مريم وكان من المتوقع حضور مريم لمساعدتها فكأن تلك الزيارة كانت أمر مفروض وليس بغريب ولكن اليصابات لم تتقبل الأمر بذلك الشكل المفروض بل اعتبرته عملا يستوجب الشكر العميق. أيضا من الواضح ان اليصابات لم تكن وحدها التي بُوركت من زيارة القديسة مريم أم الله مع طفلها الإلهي وهي حبلى بل طفل اليصابات، يوحنا المعمدان، والذي كان في احشائها امتلأ هو

أيضا بالفرح و”ركض” كتعبير عن الفرح والسعادة بذلك اللقاء.

ودعونا الآن نتأمل في معاني كل كلمة من الكلمات الثلاث التي أعلنتها اليصابات. أولا قالت

لمريم:” «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ”(لوقا42:1)، ان تلك الكلمات تجلب للذاكرة كيف ان اثنتان من ابطال العهد القديم ياعيل ويهوديت قد تم وصفهما، وهما المرأتان الوحيدتان في كل الكتاب المقدس والتي تم تسبحتهن بذلك الوصف. بعد ان هزمت ياعيل القائد الأممي سيسرا والذي كان يعاير شعب الله “مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى الْوَتَدِ، وَيَمِينَهَا إِلَى مِضْرَابِ الْعَمَلَةِ، وَضَرَبَتْ سِيسَرَا وَسَحَقَتْ رَأْسَهُ، شَدَّخَتْ وَخَرَّقَتْ صُدْغَهُ. بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ، اضْطَجَعَ. بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ. حَيْثُ انْطَرَحَ فَهُنَاكَ سَقَطَ مَقْتُولًا”(قضاة26:5-27)، جاء ان دبّورة قاضية إسرائيل قالت بفرح:” تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ”(قضاة24:1). وبالمثل، عندما هزمت يهوديت القائد الأممي أليفانا والذي حاول ان يأخذ المدينة اليهودية “وَقَالَ لَهَا عُزِّيَّا رَئِيسُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ مِنَ الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ فَوْقَ جَمِيعِ نِسَاءِ الأَرْضِ”(يهوديت 23:13). لذلك فكلا المرأتان ياعيل ويهوديت اعتبرا مباركتان بين النساء لأن

الله استخدمهما لينقذ الشعب من اعدائهم.

ومريم تقف في وسط هذا التقليد ويطلق عليها “مباركة بين النساء” ومثال ياعيل ويهوديت كانت

مريم أيضا آداة في خطة الله لإنقاذ شعبه، ولكن هناك اختلاف واحد حيوي فلم تكن مريم

متداخلة في معركة فعلية فهلى مشتركة ومساهمة في خطة الله للخلاص من خلال الحبل بيسوع

في احشائها. ان ذلك ما كانت تعنيه بكل دقة اليصابات عندما استمرت لتشرح لمريم وتقول لها انها “مباركة بين النساء” لأن “ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ”(لوقا42:1). مريم مباركة لأن الطفل الي تحمله هو الذي سيحقق خطة الله للخلاص لإسرائيل وللعالم، وكما جاء في انجيل لوقا بوضوح نوع الخلاص الذي سيجلبه ذلك الطفل سيتضمن اكثر من تحرير سياسي مما جلبه ياعيل ويهوديت. ان الطفل الذى في احشاء مريم يأتي لينقذ شعبه من عدو اكثر ظلمة الا وهي الخطيئة.

ان مريم شاركت مع ياعيل ويهوديت بصورة ما بما جاء في سفر التكوين عن سحق رأس اعدائهم “ وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»(تكوين15:3). وتلك النبؤة عن المسيّا المنتظر والذي اعلنها الله عن امرأة سيكون لها إبن وهو الذي سيسحق رأس الحيّة الا وهو الشرير. ان ياعيل ويهوديت هزموا أعداء إسرائيل العسكريين بقطع رؤوس قادتهم ولكن مريم وابنها فهو الذي يمكنه وحده ان يسحق رأس اكبر عدو لأسرائيل وهو الشرير، وبهذا فمريم هي تلك “المرأة” تحقيقا لتلك النبؤة التي جاءت في سفر التكوين (15:3) والتي ظهرت فيما بعد في عرس قانا الجليل وتحت الصليب وفي رؤيا يوحنا اللاهوتي (رؤيا1:12-9 و يوحنا4:2 و يوحنا 25:19-27).

نقطة أخرى بخصوص تلك التحية “مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ”، هذه التحية

مشابهة لتلك التحية التى استقبل بها المسيح فى اورشليم “مبارك الآتى بإسم الرب”(متى29:21)

و”مبارك الآتي بإسم الرب ملك اسرائيل”(يوحنا13:12) وهنا تحية لأم الـملك.

“الـمبارك” كان يستعمل عند اليهود للتعبير عن الله الذى لا يجرؤ احد ان يلفظ اسمه، فزكريا يبدأ تسبحته “مبارك هو الرب إلـه اسرائيل”(لوقا18:1)، وفى محاكمة يسوع سنجد رئيس الكهنة يسأل “هل أنت الـمسيح إبن الـمبارك”(مرقس7:14)، ونحجها ايضاً فى تحية ملكيصادق لإبراهيم “مبارك ابرام…ومبارك الله العلي”(تكوين19:14).

ان الكلمة الثانية هي التي أعلنتها اليصابات ووجهتها الي مريم واصفة إياها “ام ربي” وبفعلهاهذا تسبح اليصابات وتحييى مريم كأم الملك. في العهد القديم “ربي” هو تعبير استعمل كشرف للملك كما جاء مثلا “ وَقَالَ أَرُونَةُ: «لِمَاذَا جَاءَ سَيِّدِي الْمَلِكُ

إِلَى عَبْدِهِ؟» (2صموئيل21:24)

و ” قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ»(مزمور1:110). وهنا كلمة “رب” أي “كيريوس” هى التى استعملتها اليصابات فلا مجال للـمجادلـة بأنها لم تكن تقصد وانهـا كانت تقصد كلمة (ربّونـي) يعنى الـمعلّم أو السيد. وهذا يعنى ان مريـم هـى أم الإلـه فسوف تلد عمانوئيل اي اللـه معنـا وهنا نجد تطابق عجيب بين ما نطقت به اليصابات بالروح القدس وبين ما نطق به الـملاك أثناء بشارته للعذراء مريم بالحبل الـمقدس للقديسة مريم فإن كلمات اليصابات هو تأكيد لكلمات الملاك لها في الناصرة فهي أم لنسل داود الملك وأيضا كلمات اليصابات أيضا تؤكد إكرام خاص لمريم نفسها وبحسب تعبيرات الكتاب المقدس فمريم هي أم الملك ويفهم بهذا انها الملكة في مملكة ابنها. في إسرائيل القديمة الملكة في مملكة داود لم تكن هي زوجة الملك ولكن وصفت بها أم الملك كما جاء في ارميا18:13و 20 و سفر الملوك الأول 13:15 و سفر الملوك الثاني 15:24. معظم الملوك كان لديهم العديد من الزوجات ولكن كل ملك له أم واحدة فقط ولقب الملكة اعطى لها، لذلك فعندما دعت اليصابات مريم “أم ربي” فهي بذلك تكرم مريم كأم للملك والملكة الأم. تلك الخلفية يمكن ان تلقي ظلا لبعض الضوء عن دور شفاعة مريم اليوم لأن الأم الملكة في إسرائيل القديمة تخدم كحامية ومحامية عن الشعب فأعضاء المملكة يحضرون طلباتهم الي الأم الملكة وهي بدورها تقدم تلك الطلبات الي الملك (انظر ما جاء عن الملكة بتشبع ام سليمان الملك :” ثُمَّ جَاءَ أَدُونِيَّا ابْنُ حَجِّيثَ إِلَى بَثْشَبَعَ أُمِّ سُلَيْمَانَ. فَقَالَتْ: «أَلِلسَّلاَمِ جِئْتَ؟» فَقَالَ: «لِلسَّلاَمِ». ثُمَّ قَالَ: «لِي مَعَكِ كَلِمَةٌ». فَقَالَتْ: «تَكَلَّمْ». فَقَالَ: «أَنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْمُلْكَ كَانَ لِي، وَقَدْ جَعَلَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وُجُوهَهُمْ نَحْوِي لأَمْلِكَ، فَدَارَ الْمُلْكُ وَصَارَ لأَخِي لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ صَارَ لَهُ. وَالآنَ أَسْأَلُكِ سُؤَالًا وَاحِدًا فَلاَ تَرُدِّينِي فِيهِ». فَقَالَتْ لَهُ: «تَكَلَّمْ». فَقَالَ: «قُولِي لِسُلَيْمَانَ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ لاَ يَرُدُّكِ، أَنْ يُعْطِيَنِي أَبِيشَجَ الشُّونَمِيَّةَ امْرَأَةً». فَقَالَتْ بَثْشَبَعُ: «حَسَنًا. أَنَا أَتَكَلَّمُ عَنْكَ إِلَى الْمَلِكِ». فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا. فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيًّا لأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ. وَقَالَتْ: «إِنَّمَا أَسْأَلُكَ سُؤَالًا وَاحِدًا صَغِيرًا. لاَ تَرُدَّنِي». فَقَالَ لَهَا الْمَلِكُ: «اسْأَلِي يَا أُمِّي، لأَنِّي لاَ أَرُدُّكِ»(1ملوك13:2-20).

وكما سبق وان بينا فـى نص بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء أن إبنهـا “سيعطيه الرب الإلـه عرش

داود أبيـه ويـملك على آل يعقوب إلـى الأبـد”(لو32:1)، وفـى كلمات أليصابات عندما صاحت

بصوت عظيم “من أين لـي هذا أن تأتـى أم ربـي إلـيّ” (لو43:1) نجد إنـه بسبب مُلك إبنهـا حصلت مريـم على هذا الشرف أن تكون “أم الرب الـملك” أي “الـملكة”. فهـى إذاً ملكة. ومزمورداود يُعظّم الـملك والـملكة القائـمة عن يـمينه “قامت الـملكة عن يـمينك بذهب أوفيـر” (مز10:44).

فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ» أخيرا، هنأت اليصابات مريم لإيمانها العظيم فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»(لوقا45:1). لاحظ الفرق في ثالث إعلان، ففي الإعلانين الأولين كرمت اليصابات مريم في حبلها الفريد ومعترفة بأن مريم مباركة بسبب ثمرة احشائها وبسبب انها “ام ربي”، ولكن في ثالث بيان ميزّت مريم في شيئ اعظم الا وهو إيمانها “طوبي للتى آمنت”. شرح القديس أغسطينوس هذا بأن مريم كونها أم للمخلص لكن اعطي لها ميزة عظيمة أخرى الا وهو ايمانها والذي هو شيئا جديرا بالذكر حتى انه يمكن ان يكون اكثر من علاقتها الطبيعية مع ابنها. ان مسيرة مريم الإيمانية مع الرب كرسولة هو ما جعلها مباركة ومطوبة. يوما مـا صرخت إمراءة فى إحدى عِظات يسوع فى الناصرة “طوبى للبطن الذى حملك والثديين الذين رضعتهمـا.أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه” (لوقـا 27:11-28). فهـل إستحقت مريم التطويب لأنها ام يسوع وكفى؟، أم لإنها سمعت كلام الله وحفظته متفكرة فيه فى قلبها وعملت بـه (لوقا51:2). ويضيف القديس أغسطينوس “يجب ان لا نفكر ان المباركة او التطويب حدث فقط لأنها أم ولكن بدلا من ذلك علينا ان نتأمل في مسيرة حياتها كلها”. وإيـمـان مــريـم والذى لـم تطلب علامة عن صِدق قول الملاك جبرائيل عندما أخبرها بالميلاد العجيب بل أتت لهـا العلامـة من أن العاقر ستلد. وعاشت مريم مع يسوع الطفل وكأي طفل عادي أرضعته وكان محتاجاً لها لتغذيته، فلو كان يسوع يعلن لها عن طبيعته الإلهية بإستمرار لـمـا كان لـمـريم فى إحتياج لحياة الإيـمـان ومـا كانت تتعجب من إجابة إبنها وهو فى الثانية عشر ” لماذا كنتمـا تطلبانني الم تعلما انه ينبغي أن أكون فيمـا لأبي” (لوقا 49:2) أو عند عرس قانا الجليل ” مـالي ولكِ ياإمراءة لم تأت ساعتي بعد” (يوحنا 2:4).

أنشودة التعظيم

فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ». فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.“(لوقا46:1-56).

انه من الصعب تخيل كيف استقبلت القديسة مريم لأي من تلك الكلمات العظيمة والتي تسبح كونها “مباركة بين النساء” بسبب الطفل الذي تحمله، ومباركة ثمرة احشائها وأيضا مباركة لأنها “أم ربيّ” وفوق كل ذلك فهي مباركة ومطوبة بسبب إيمانها. ترى كيف ستجاوب مريم على كل تلك الإعلانات و التطويبات والتهنئات؟ لقد اعادت بتواضع كل الإنتباه نحو الله معترفة بأنه هو المصدر الحقيقي لكل تلك البركات في حياتها. فقالت مريم:” فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي(لوقا46:1-47).

هنا يعود الينا جزء من مجال منظر الزيارة والذي فيه كان رد مريم لأليصابات كشبه نشيد، والذي يعكس في الحقيقةجزء خاص وهام من حياة مريم الداخلية. ان الآيات التي ذكرها القديس لوقا في انجيله (لوقا46:1-55) والتي تعرف عامة ب “أنشودة التعظيم” والمترجمة من اللاتينية Magnificat anima mea Dominum (تعظم نفسي الرب)، واستخدمت الكلمة الأولى “تعظم” ولذا عرفت بانشودة التعظيم The Magnificat، وهذا فالكلمة “تعظم” في اليونانية megalunein تعني “تصنع شيئا عظيم او تسبح” وعندما تقول مريم ان نفسها تعظم الرب فهي بهذا تعبّر من كل اعماقها كيف انها ترغب في تسبحة الله وان تفعل ما في وسعها

ليتتمجد ويتعظم.

يكشف هذا النشيد مدى الفرح الذي كان في قلب والدة الله، فهي في تواضع تعترف ان كل الأشياء العظيمة التي نالتها هي من الله وعبّرت عن هذا بفرح عميق لا يوصف. انه من العجيب ان نلاحظ ان “نفسها” و”روحها” تم ذكرهما في نشيد التسبيح هذا، فنفسها تعلن وروحها يكشف عن ابتهاجها بذلك النشيد. في جزء يكشف عن ان كلا من فعل خاص بها وفعل من الله، فنفس والدة الله تشير الي كل قدراتها البشرية في عقلها وارادتها ومشاعرها ورغباتها وهذا ما يجعلها بشر مثلنا وبتلك القدرات البشرية أعلنت عن عظمة الله. لقد قبلت في عقلها عظمة القدير وبإرادتها لعترفت واختارت ان تعلن عن عظمة الله القدير وفعلت هذا بكل مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها فيمكن القول بأن بكل بشريتها قد استخدمتها للتعبير عن عظمة الله. وتعلن أيضا ان في روحها انها قد امتلئت بفرح ومجد عظيم وكما أعلنت عن عظمة الله قد غمرها الروح القدس وأثمر فيها ذلك ثمر الروح”الفرح”، فالفرح يأتي من الله ويعمل في حياتنا فهو ثمر الروح القدس وامنا مريم المباركة لديها الملء كله من ثمر الروح:” وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ”(غلاطية22:5-23)ٌ.

مريم اعطتنا المثال في كيفية ان نسبح الله في أنشودة التعظيم، ففي الجزء الأول من ذلك النشيد فنفس مريم تعظم الله بسبب تواضعها:

“فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ.

فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَه”(لوقا46:1-50)ُ.

التواضع يتضمن رؤية الحقيقة عن النفس ومريم أظهرت هذه الفضيلة بطرق كثيرة وملحوظة في

أنشودتها. أولا فهي اعترفت بحقيقة مهمتها الفريدة والموكولة اليها والبركات الغير عادية التي

نالتها ولم تنكر او بخست ما الذي صنعه الرب في حياتها، ففي الحقيقة الله صنع أشياء عظيمة لها ولذا فتعزي كل شيئ الي الله وتقول “كل الأجيال ستطوبني” بسبب ما صنعه الرب وبسبب تواضعها.

ولكن مريم في نفس الوقت تعرف في اعمافها ان كل تلك البركات في حياتها ليست بعمل منها

فهي لم تصبح “ممتلئة نعمة” وأم المسيّا و”مباركة في النساء” من خلال جهد خاص منها او بسبب بعض مواهب فطرية روحية فمريم تعترف بضعفها وانشودتها تبين ان كل ذلك جاء بنعمة من الله. لاحظ كيف ان كل شيئ تقوله عن نفسها في تلك الآيات مرتبطة بالله فهي لا تطلب ان تظهر نفسها ولكن لتعظم الرب (لوقا 46:1). لقد رأت نفسها ليس إلا آمة صنيعة الرب وخادمة للرب (doules) (لوقا48:1)، ولكن الله جاء كمخلص لها ونظر الي تواضعها (48:1)، فهو الله الذي صنع العظائم لها (49:1).

نقطة أخرى ملفتة للنظر في انشودة التعظيم هو موضوع المضادات في النصف الأول والثاني

من ذلك النشيد:” صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ»(لوقا51:1-55).

في الجزء الأول من أنشودة التعظيم نرى مريم قد ركزّت على بركات الله التي منحها لها شخصيا وكيف ان الرب نظر الي تواضعها وصنع أشياء عظيمة لها (لوقا46:1-50). في الجزء الثاني سبّحت مريم الله فيما هو يعمله لأسرائيل شعبه يظهر رحمته لشعبه ومنقذا لهم من ضيقاتهم (لوقا51:1-55). تلك الحركة من الضعف الي الظهور – كلاهما كفرد (الجزء الأول) وفي الشعب ككل (الجزء الثاني)- هو مفتاح هام لكي نفهم انشودة التعظيم. لم ترى مريم ان البركات التي حصلت هي عليها هي شيئ لنفسها فقط ورأت ان عمل الله في حياتها هو مساهمة ومشاركة فيما يريده الله ان يعمله من اجل شعبه. فكما نظر الله الي تواضع مريم

 (48:1) وصنع أشياء عظيمة لها هكذا سينظر الي كل المتواضعين (52:1) ويخلصهم.

في عملية الخلاص سيكون هناك هزة درامية في أرض إسرائيل الجائعون سوف يشبعون والمتواضعين سيرتفعون بينما المتكبرين سيتشتتون والأعزاء سينزلون والأغنياء سيذهبون فارغين. هكذا فأنشودة مريم تتنبأ عن رسالة إبنها العامة والتي ستعكس تلك المضادات الدرامية، فيسوع سيرفع المتواضعين بتغذية الجوعى وشفاء المرضى ومغفرة الخطايا للخاطئين ومد التبعية له لمن هم مضطهدين في المجتمع وكثير من القادة السياسيين والدينيين سيقاوموا المسيح وسيطردوا خارجا من مملكته. تنبأت مريم ان الله قد نظر برحمة الي ضيقات شعبه إسرائيل وسوف سيجمع كل المتعبين ويدخلهم الي ملكوت ابنه بينما المتكبرين والعظماء والأغنياء الذين يعاضون ويقاومون شعب الله سينزلون ويرذلون.

ان العلاقة ما بين الجزءان من نشيد مريم واضح، فطريق الله في العمل في حياة مريم يتوقع عمل الخلاص الذي سيفعله لكل إسرائيل تماما كما نظر الله لتواضع مريم واختارها وميّزها هكذا سوف ينظر الرب برحمة الي جميع المتواضعين في إسرائيل ويرفعهم ليصبحوا ورثة للملكوت. في انشودة التعظيم أعلنت مريم ليس فقط الأشياء الصالحة الذي سيقوم بها الله في حياتها ولكن الأخبار السارة لكل شعب الله.

لقد أنشدت مريم العذراء نشيدها هذا كنبيّة ولذا فتعتبر أخر نبيـة فى العهد القديم وأول أنبياء

العهد الجديد. وهي تسبحة تبين ان مريم كان ذهنها مملوء من الأسفار المقدسة فهى تشابه تسبحة حنة ام صموئيل النبي (1 صموئيل 1:2-10) “فَرِحَ قَلْبِي بِالرَّبِّ. ارْتَفَعَ قَرْنِي بِالرَّبِّ. اتَّسَعَ فَمِي عَلَى أَعْدَائِي، لأَنِّي قَدِ ابْتَهَجْتُ بِخَلاَصِكَ. لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَكَ، وَلَيْسَ صَخْرَةٌ مِثْلَ إِلهِنَا. لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ، وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهٌ عَلِيمٌ، وَبِهِ تُوزَنُ الأَعْمَالُ. قِسِيُّ الْجَبَابِرَةِ انْحَطَمَتْ، وَالضُّعَفَاءُ تَمَنْطَقُوا بِالْبَأْسِ. الشَّبَاعَى آجَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُبْزِ، وَالْجِيَاعُ كَفُّوا. حَتَّى أَنَّ الْعَاقِرَ وَلَدَتْ سَبْعَةً، وَكَثِيرَةَ الْبَنِينَ ذَبُلَتْ. الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ. لأَنَّ لِلرَّبِّ أَعْمِدَةَ الأَرْضِ، وَقَدْ وَضَعَ عَلَيْهَا الْمَسْكُونَةَ. أَرْجُلَ أَتْقِيَائِهِ يَحْرُسُ، وَالأَشْرَارُ فِي الظَّلاَمِ يَصْمُتُونَ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُوَّةِ يَغْلِبُ إِنْسَانٌ. مُخَاصِمُو الرَّبِّ يَنْكَسِرُونَ. مِنَ السَّمَاءِ يُرْعِدُ عَلَيْهِمْ. الرَّبُّ يَدِينُ أَقَاصِيَ الأَرْضِ، وَيُعْطِي عِزًّا لِمَلِكِهِ، وَيَرْفَعُ قَرْنَ مَسِيحِهِ». لكن تسبحة حنة انتظار للمسيا واما تسبحة العذراء مريم فهى فرح بتحقيق هذا الأمل. أيضا تسبحة القديسة مريم تشبه ترنيمة التعظيم

لاشعيا النبي “فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالرب..”(اشعيا10:16-11).

ها هى ابنة الناصرة القرية الفقيرة والحقيرة يحبها الله “نظر الى تواضع أمتـِه”. لقد ترك الله كل

الخراف وبحث عن خروف واحد وعن درهم واحد وعن مريض واحد فى بركة.ولم تتكلم مريم عن الله باسمه ولكن بصفاته فها هى تدعوه القدير و القدوس و اله الرحمة.

ان خلاصة نشيد القديسة مريم كما جاء:

  • أنشدت مريم العذراء نشيدها هذا كنبيّة فتعتبر أخر نبيـة فى العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد.
  • انها تسبحة تبين ان مريم كان ذهنها مملوء من الأسفار المقدسة فهى تشابه تسبحة حنة

ام صموئيل النبي (1ملوك11:1) ولكن تسبحة حنة انتظار للمسيا واما تسبحة العذراء مريم فهى فلرح بتحقيق هذا الأمل.

  • تسبحة تشبه ترنيمة التعظيم لاشعيا النبي “فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي

بالرب..”(اشعيا10:16-11).

  • لا تنسب مريم لنفسها شيئا بل ان كل شيئ هو من نعمة الله.
  • ها هى ابنة الناصرة القرية الفقيرة والحقيرة يحبها الله “نظر الى تواضع أمتـِه”. لقد ترك الله

كل الخراف وبحث عن خروف واحد وعن درهم واحد وعن مريض واحد فى بركة.

  • لم تتكلم مريم عن الله باسمه ولكن بصفاته فها هى تدعوه القدير و القدوس و اله الرحمة.
  • قيل ان هذه التسبحة هى تمهيد للموعظة على الجبل التى سيعلن المسيح فيها طوبى للمساكين والودعاءوالحزانى والجياع(متى5)
  • هذه التسبحة تعلن عن ما فى نفس مريم من عمق الشركة مع الله

عيد زيارة مريم العذراء للقديسة أليصابات (يوم 31 مايو)

ان الكنيسة الكاثوليكية الغربيـة فى إحتفالهـا بهذا العيد وضعت قراءاتهـا لتناسب هذا الحدث فيقرأ نص نبؤة صفنيـا القائلة:”ترنمي يا إبنة صهيون.اهتفوا يا اسرائيل. افرحي وتهللي بكل قلبك يا ابنة اورشليم..”(صفنيا14:3-18)، ثم نص زيارة مريم العذراء للقديسة اليصابات(لوقا39:1-47). وهذه الزيارة كانت بمثابـة:

  • إثبات من أن كلمة الله فعّالـة فلقد تحقق قول الملاك لزكريا الكاهن من أن يوحنا

“سيمتلئ من الروح القدس وهو فى بطن أمـه”(لوقا15:1)، فعند سلام مريم لأليصابات “ارتكض الجنين فى بطنهـا وإمتلأت أليصابات من الروح القدس”(لوقا41:1).

  • تكريس يوحنـا ليكون نبيـّا للرب

ففى العهد القديم تم تكريس ارميـا النبي وهو فى بطن امـه :”قبل أن أصوّرك فى البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحّم قدّستك وجعلتك نبيـّاً للأمم”(ارميا5:1)، وهنا وبنفس طريقة التكريس وبوجود الـمسيّا الذى كانت تحمله مريم فـى بطنهـا عند زيارتهـا لأليصابات فعند سلام مريم لأليصابات “ارتكض الجنين فى بطنهـا وإمتلأت أليصابات من الروح القدس”(لوقا41:1) ولهذا أعلن الروح القدس على لسان زكريا “وأنت أيهـا الصبي نبيّ العليّ تُدعى لأنك تسبق أمام وجه الرب”(لوقا76:1).

(3) إعلان جديـد عن يسوع

فها القديسة أليصابات بعد أن “إمتلأت من الروح القدس”، “تصيح بصوت عظيم” معلنـة عن وجود الرب “من أين لـى هذا ان تأتى أم ربـيّ إلـيّ”(لوقا43:1) ولقد إستخدمت هنـا كلمة “رب” كما جاءت بعد ذلك فى كتابات العهد الجديد (يوحنا 13:20، أعمال 36:2).

(4) أنشودة تعظيـم من مريم

فالعذراء مريـم أنشدت تسبيحة شكر لله تعالـى ودعتـه بألقاب لاهوتيـة مقدسة “الرب”. “الله”. “القديـر” وذلك عندما قالت:”تعظم نفسي الرب وتبتهج روحى بالله. لأن القدير صنع بي العظائم”(لوقا46:1-49). ولم تقتصر تسبحة العذراء فقط على ألقاب الله بل إمتدت إلـى أعمالـه فى صور متعددة فقد رأت فيه:كفارتـه، وقدرتـه، وعظمته، وقداسته، ورحمته، وقوتـه،

ووداعتـه، وحكمته، وتمام كلمته.

(5) مريـم تابوت العهـد

ففى العهد القديم إحتفل الشعب فى أورشليم بعودة تابوت العهد “بفرح”(2ملوك12:6-15)،

وها هـى أليصابات تصيح “بصوت عظيم” و”يرتكض الجنين من الإبتهاج فى بطنهـا”، وتتساءل اليصابات “كيف تأتى لـى أم ربي”، وكأنـها تردد ما قاله داود النبي فـى القديم “كيف ينزل تابوت الرب عندي”(2ملوك9:6)، وكان قدوم العذراء مريم الى بيت أليصابات سبب بركـة كما كان تابوت الرب سبب بركة لبيت عُوبيد(2ملوك11:6).

ميلاد يوحنا ابن زكريا

طبقا لما جاء في انجيل القديس لوقا فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا.“(لوقا56:1)، ثم ان القديسة مريم قد عادت للناصرة. تتضارب الأقوال اذا ما كانت القديسة مريم قد حضرت ولادة يوحنا ام لا ولكن اغلب الآراء تؤيد انها قد حضرت بالفعل الولادة لكونها احتفظت بكل احداث تلك الولادة وما دار بها وهذا ما سجله القديس لوقا:”وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لاَ! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ». ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قِائِلًا: «اسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ اللهَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ الْيَهُودِيَّةِ، فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ السَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟» وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُ. وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ، خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ، الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا:أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا.وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ». أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ”(لوقا57:1-80).

الحلم العجيب

لنعود الى الناصرة لكي نتفهم ما حدث بالفعل عندما علم يوسف بحبل مريم بعد عودتها من زيارة اليصابات وبيت زكريا الكاهن فعلينا التأمل في رد فعل يوسف والذى جاء انه “هّم ان يخليها سراً” والذى كان محل مجادلة في السنوات الأولى من بدء المسيحية. في العهد الجديد جاءت تلك الآيات: “ أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا”(متى18:1-19). ان السرد او النص الذي جاء يعطي انطباع خاطئ للحقائق وافعال الإرادة، فأي قارئ سيفترض ان يوسف يجب ان يكون قد تحمل سيل من المشاعر المتباينة عندما يواجه قراره، وان هناك اشارة لوجود مأساة او صراع داخلي ربما دار في نفس يوسف لا يمكن تخيله ولكن ما الذى في الحقيقة كانت مشاعر يوسف؟ ماذا كانت المأساة؟ ما هو الاختيار الذى يمكن ليوسف ان يأخذ به لكي يحل المشكلة ويقوم بطلاق مريم وفسخ اي ارتباط؟

ان المفسرين عبر العصور قد افترضوا ثلاث طرق للإقتراب لفهم ذلك النص المبهم:

  1. نظرية الاشتباه 2- نظرية الحيرة 3-نظرية التقديس

فدعونا نفحص كل نظرية منهم بالتدقيق وباختصار.

1.نظرية الاشتباه The Suspicion Theory– في ذلك النص كما جاء عندما نقرأ انجيل القديس متى فالقديس يوسف اشتبه بأن مريم كانت غير مخلصة وغير امينة ولذا فيوسف قد دمر نفسيا ولكن ظل حبه لمريم عظيما وانه لا يستطيع ان يتحمل فكرة مواجهة مريم للعار والفضيحة امام الناس او عقوبة الموت حيث ان خطية الزنا هي جريمة يعاقب عليها بالإعدام بالرجم. قرر يوسف ان يطلق مريم كما تسمح الشريعة حتى اوقفه ملاك الرب من الاتجاه في

ذلك الفعل.

2. نظرية الحيرة The Perplexity Theory– طبقا لتلك النظرية لم يستطع يوسف ان يفهم ما الذى حدث وهو لا يصدّق ان مريم تستطيع ان تكون غير امينة، وان حبلها لا يمكن انكاره بعد وهو يخضع الى عقوبات قانونية ولما كان يوسف رجلا “بارا” كما وصفه الكتاب المقدس وجد الحلّ والذي فيه يحترم الشريعة ولكن يحفظ مريم ايضا. الملاك في القراءة التى وردت في انجيل متى قدم المعلومات ليوسف التى كان يفتقر اليها وساعدته ليضع خطة للمضي قدماً.

3. نظرية التقديس The Reverence Theory – هذه النظرية الثالثة تظهر يوسف كرجل طغت عليه الرهبة عندما علم بحبل مريم الاعجازي بلا دنس. من البداية عرف تدخل الله الفردي” وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”، شعر يوسف وقتها انه غير مستحق ان يكون متدخلا ولذا فلقد قرر انه سوف سيتعاون بقدر الإمكان بحفظ سر مريم ولمدة كافية ليحمي مريم وعندئذ يتركها بهدوء. في نص انحيل متى كان اول فعل ليوسف مشابه للقديس بطرس الرسول عندما قال ليسوع:” «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي”( لوقا8:5)، او لقول قائد المئة:” لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي.“(لوقا6:7). على الرغم من هذا اقنع ملاك الرب يوسف ان يضع جانبا خوفه.

ان كل نظرية من تلك النظريات الثلاث يقف وراءها قديسون وعلماء الكنيسة، فمثلا القديس

يوستين الشهيد St Justin Martyr والقديس اغسطينوس St Augustine of Hippo كان من انصار ومؤيدي النظرية الأولى، والقديس جيروم St Jerome فكان مع النظرية الثانية، بينما القديس توما الاكويني St Thomas Aquinas و القديس برنارد ٍ

St Bernard of Clairvaux والقديس St Josemaria Escriva فكانا مع النظرية الثالثة.

القديس توماس الاكويني كطريقته المعتادة لخّص التقليد التفسيري مستعينا بما كتبه العلامة

أوريجون Origen والقديس جيروم فقال:” ان يوسف لم يتوقع الزنا فيوسف يعلم بتواضع مريم”.

ولقد قرأ في الكتاب المقدس ان “العذراء ستحبل” وان “المخلص سيأتي من جذع يسّى” واكثر من هذا فهو يعلم ان مريم من سلالة داود وهكذا اصبح اكثر تصديقا انه يمكن اتمام الوعد عن طريقها اكثر من انها يمكن ان ترتكب اي زنا، وهكذا مؤمن من انه غير مستحق ان يحيا مع مثل تلك القداسة ورغب ان يخليها بهدوء كما قال فيما بعد القديس بطرس الرسول:” «اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ“. هكذا لم يرغب ان يجلب العار لها-وهذا ان تكون له وان يأخذها زوجة مؤمنا انه غير مستحق او طبقا لرأي آخر لا يعرف النهاية ولئلا يوجد انه مدان اذا جاز التعبير اذا ما احتفظ بالسر وظل معها”

ان الكنيسة الكاثوليكية لم تأخذ موقفا رسميا في تفسير النص المختصر الذى جاء في انجيل متى ولكن الغالبية من المسيحيين يميلوا للنظرية الثالثة الخاصة بعدم الاستحقاق.

الميلاد العجيب

وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ». وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ (لوقا1:2-20).

يبلغنا القديس لوقا البشير في انجيله ان وقت مريم لتلد جاء مع توقيت الاكتتاب الذى قيل

انه للمسكونة “ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ ” (لوقا1:2). في العهد القديم كما اليوم كان الاكتتاب معروف واداة مفيدة لأجل فرض الضرائب وتخصيص الخدمات العامة. كانت هناك مع ذلك لا توجد وسائل ميكانيكية للسجلات وتجميعها ونقلها او استرجاعها وبهذا فالطريقة يمكن ان تمتد لعدة سنوات.

كان للإكتتاب نظامان:

– نظام رومانـي وهو يجيز لكل فرد أن يكتب أو يسجل اسمه فى محل إقامتـه، أو فـى مكان ما يمتلك من أملاك حتى يسهل تحديد مخصصات كل فرد تجاه الحكّام.

– نظام يهودي وهو يجبـر كل فرد أن يرجع الى مكان ولادتـه حتى لا تختلط الأسباط

بعضهـا بالبعض.

ولقد أصدر الإمبراطور الروماني الأمر بالإكتتاب ليكون عاماً ويشمل كل الأراضي التى تحت

سلطان الإمبراطوريـة وذلك من أجل ترتيب إدارتهـا وتقنين الضرائب. وبهذا تضافرت القوة

الرومانيـة واليهوديـة على تتميم الـمقاصد الإلهيـة، فلقد صدر الأمر من السلطة الرومانية وتم الإكتتاب على الطريقة اليهوديـة، وبهذا انتقل يوسف ومريم إلـى بيت لحم “لكونـه من بيت داود وعشيرتـه”(لوقا4:2). ولقد حدد الإنجيل انه الإكتتاب الأول ليميزه عن اي اكتتاب آخر غير رسمي صدر أو أي إكتتاب آخر جاء بعد ذلك كما جاء فى سفر أعمال الرسل (أع37:5). ولقدد حدد النص أيضاً انـه كان فى زمان كيرينيوس والي سوريـة وهو قد تعيّن قنصلاً رومانياً سنة 12ق.م.، وتعيّن والياً على سوريـة مرتين:الأولى من سنة6-4ق.م. والثانيةمن 6-9بعد الـميلاد ومات سنة 21 بعد الـميلاد.

لاحظ كيف ان انجيل لوقا قد رسم اهتمام اكثر لذلك الإحصاء اكثر من سرد تفاصيل ميلاد يسوع (لوقا1:2-5). لقد كرر لوقا كلمة “يكتتب” اربع مرات في هذا النص ووصف ذلك الإكتتاب مطول عن وصف ميلاد المسيح والذي يقول لنا فقط ان مريم ولدت ابنه البكر ولفته

وقمطته ووضعته في المزود(لوقا7:2).

ان الإكتتاب او التسجيل كان إحصاء ينفذ من وقت لأخر في الأمبراطورية الرومانية والذي يتضمن تسجيل الناس والأملاك من اجل تحصيل الضرائب وأيضا للأغراض العسكرية. حيث ان اليهود سوف لا يتجندوا في الجيش الروماني فكان التركيز لذلك الإعلان هو لنشر القوات حسب تعداد السكان في كل منطقة، ولقد استخدم الرومان نظام ضرائبي ثقيل كوسيلة لتسخير الشعوب التي يهزموها وكمصدر ايراد لتعضيد الإمبراطورية. واكثر من ذلك فالضريبة هي علامة ولاء لروما واليهود في فلسطين في زمن مريم كانوا سيعاقبون اذا ما تأخروا في دفع ما عليهم لروما. لذلك ذكر لوقا ذلك الإكتتاب والذي سيكون ذكرى مؤلمة تذكرهم بحكم الرومان على الشعب اليهودي. ان ذلك الإعلان يتطلب من يوسف ان يسجل في مدينة أجداده والتي هي بيت لحم في اليهودية وهي مدينة صغيرة على بعد حوالي 7 ميل جنوب اورشليم. بفرض ان اليهود اخذوا طريقا آخر بعيدا عن المرور في مقاطعة السامرة بسبب العداء بينهم وبين السامريين فرحلة 90 ميل من الناصرة الى بيت لحم يمكن ان تأخذ حوالي 4 أيام وهي ليست رحلة مرفهة للكثيرين لصعوبتها وخاصة بالتأكيد لأم حبلى.

في نفس الوقت يرينا لوقا كيف ان هناك قوى اكبر والتي في الحقيقة تتحكم في شؤون البشر

وهكذا كان اعلان القيصر هو بمثابة الطريق الذي استعمله الله لكي يولد المسيّا في المدينة المناسبة وهي بيت لحم تنفيذا لما جاء في نبؤات العهد القديم.

بيت لحم كانت مدينة صغيرة ولكنها مرتبطة بتوقعات كثيرة، فبينها انجيل لوقا في البداية على

انها “مدينة داود” لسبب مهم على الرغم من ان مدينة أورشليم هي عادة تحمل ذلك اللقب في

العهد القديم ] (2صموئيل7:5و9و6:10و12و16 – وملوك الثاني 28:9و 22:12)[، فبيت

لحم هـى البلدة التى وُلد فيهـا داود النبي من قبل (1ملوك15:17)، والـمكان الذى مُسح فيـه

داود ملكاً (1ملوك13:16)، والتى شرب من بئرهـا فى حربـه مع الفلسطينيين.

بيت لحم أي بيت الخبـز، وليس غريبـا ان بيت لحم هذه تعطى العالـم كلـه “خبز الحيـاة”(يوحنا48:6) يسوع الـمسيح. “ألـم يقل الكتاب انـه من نسل داود ومن بيت لحم القريـة التى كان داود فيهـا يأتـى الـمسيح” (يوحنا42:7). بيت لحم كان في القديم اسمها “افراتة” والتى

تعني “خصبة” او “غنية الثمار” وهي من أقدم مدن اليهودية.

راعوث جدة العذراء قد تغرّبت من قبل فى بيت لحم (راعوث19:1)، وها هى العذراء غريبـة فـى القريـة. وهـى التى فيهـا قبـر راحيـل زوجـة يعقوب (تكوين19:35)، وهـى التى كان فيهـا بيت يسّى (لوقا4:2)، وفيهـا بئر داود(2ملوك14:23)، وبنى رحبعام ابن سليمان فيهـا حصنـاً(2 أيام4:11).

أكثر من هذا فبيت لحم مرتبطة بنبؤة ميخا النبي والتي تتحدث عن مجيئ المسيّا المنتظر الذي

يحكم العالم:” «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ

يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ»(ميخا2:5)، وايضا ما جاء من نبؤات العهد القديم الأخرى عن المسيّا المنتظر ان يأتي من نسل داود:” أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ”(عدد 17:24)، “وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ”(اشعيا1:11). وكما جاء ان يوسف كان من بيت داود “لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ”(لوقا4:2)، وكما جاء في رسالة القديس بولس لأهل رومية ان المسيح جاء من نسل داود:” عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ”(رومية3:1)، والذي يعني ايضا ان مريم هي ايضا من بيت داود وهذا ما اعلنه الملاك لمريم عن ابنها:” هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ

يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»“(لوقا32:1-33).

هنا نجد انه من الرغم من انجيل لوقا قد ألقى الضوء على ان مريم ولدت طفلها المسيح اثناء وجودها في بيت لحم من اجل الإكتتاب وكيف ان احتلال الرومان للشعب اليهودي اجبرهم على ذلك الترحال للإكتتاب، فالأنجيل أيضا يرينا مهما يكن من الضيقات التي تعرضت لها مريم ويوسف في ترحالهم لبيت لحم ولكن كانت فرحة ميلاد المخلص كما جاء في النبؤات كافية لتعزيتهما.

اين في بيت لحم ولدت مريم ابنها يسوع؟ هل في مغارة؟ هل في منزل؟ هناك عدة تقاليد تناقلتها الأجيال عبر العصور وانجيل لوقا لم يقدم لنا كثير من المعلومات للإجابة على تلك التساؤلات، فقط مفتاحان هامان قد أعطيت لنا وهما “مغارة” و” الخان”. في تقرير لوقا ان مريم ولدت يسوع فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا7:2). ان ذكر “مزود” (مكان او وعاء للتغذية) يشير ان الطفل يسوع كان في موضع فيه سكنى للحيوانات، وبينما طبيعة “الخان” يكون من الصعب اخلاؤه. ان كلمة katalyma اليونانية التي استخدمها لوقا تترجم عادة ب “inn” والتي في الواقع لها معنى واسع يشير الي أي نوع من مكان للإقامة والكلمة يمكن ان تعود الى خان بدائي (مثال ما جاء “وَحَدَثَ فِي الطَّرِيقِ فِي الْمَنْزِلِ أَنَّ الرَّبَّ الْتَقَاهُ وَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَهُ”(خروج24:4 ) او حجرة للضيف في المنزل “قُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا»(لوقا11:22-12)، أو ببساطة مكان للإقامة. احتمال اول ان كلمة katalyma ترجع الي فندق للمسافرين والذي كان موجود بالقرب من بيت لحم ” فَسَارُوا وَأَقَامُوا فِي جَيْرُوتَ كِمْهَامَ الَّتِي بِجَانِبِ بَيْتِ لَحْمٍ، لِيَسِيرُوا وَيَدْخُلُوا مِصْرَ”(ارميا17:41). مثل ذلك الخان سيكون بالتأكيد مختلف عى الموتيلات الحديثة والخان الفلسطيني في ذلك العهد هو مأوى عام او مكان حيث مجموعات كبيرة من المسافرين يتم إقامتهم تحت سقف واحد وفي حجرة واسعة. الضيوف عامة ينامون في الدور العلوي بينما حيوانتهم تظل في الدور السفلي للمبنى او في المغارة القريبة من المبنى. في مثل ذلك السيناريو قد يكون مريم ويوسف لم يجدا غرفة في خان المسافرين ولهذا ذهبا الي أقرب مكان في المغارة حيث مبيت الحيوانات حتى يمكن لمريم ان تلد ابنها. احتمال ثاني ان كلمة katalyma تعود الي جزء مسكون من منزل وحيث ان يوسف مسافر الي مدينة عائلته وعشيرته فيمكن توقع انه لن يبقى في خان المسافرين ولكن مع أقرباء له في بيت لحم. منازل الفلاحين الفلسطينيون غالبا يكون مسكون بأناس وحيوانات تحت سقف واحد، فالأسرة ستقطن على مسطح عالي بعض الشيئ بينما الحيوانات تظل في الطابق السفلي حيث توجد مكان لإيواءهم وتغذيتهم. في مثل هذا السيناريو لم يوجد غرفة في ذلك المكان المزدحم بأهله – katalyna -ولهذا فمريم ولدت ابنها في المكان حيث يحتفظ فيه بحيوانات وولدت ابنها في المزود.

ثالث إحتمال يمكن ان يكون معتمدا على تقليد قديم ان يسوع ولد في كهف في الحدود الخارجية

لبيت لحم وفي بدء القرن الثاني الميلادي هناك دلائل تشير ان المسيحيون كانوا يميلون لهذا ويقول التقليد الكنسي على لسان القديس الشهيد يوستين(150م)، إن القديس يوسف ومعه العذراء مريم عندما بلغا بيت لحم لم يكن لهما فيها أحد، إذ كانا قد استوطنا الناصرة منذ زمن بعيد. فإتجها الى الخان (الـمنزل أو النزُل) وهو مكان يشبه اللوكاندة تستقبل الـمسافرين، فلما لم يجدا فى الـمنزل مكاناً إلتجأ الى المغارة الـملحقة والتى كانت مخصصة للدواب وباتا فيهـا وهناك ولدت إبنها البِكر وقـمّطته وأضجعته فى الـمزود. ولقد شيّدت الملكة هيلانـة كنيسة فوق هذا الـمكان الـمقدس سنة 330م، وبعدها قام الإمبراطور جوستينان الأول(483-563م) وبنى كاتدرائية كبرى على هذا الـمكان، ويقال ان الكنيسة الحاليـة فى بيت لحم هى بقاياها أعيد ترميمها.

مهما كان الحالة فمن المؤكد ان مريم ولدت مسيّا إسرائيل في مكان لا يليق بملك وكما قال القديس يوحنا بولس الثاني:” ان مريم اختبرت ميلاد طفلها في ظروف شديدة الفقر ولم تستطع ان تعطي ابن الله حتى كأي أم تقدم لإبنها المولود حديثا مكانا مريحا ولكن بدلا من ذلك كان عليها ان تلد في مغارة وتضع مولودها في مزود ومهد اعد على عجل متباين ومتعارض مع ابن الله المعظم”.

هذا بالإضافة الى انه على الرغم من انه يمكن لشخص ان يتوقع ان ميلاد ملك إسرائيل الذي انتظرته الأجيال طويلا والذي كان على الشعب ان يهتف بفرح لولادته سيتم ولكن فها هو المسيح المولود يهرب بطريقة خاصة من كل اليهود وكل اليهودية ليولد في مكان غير مألوف. لا يوجد أي قادة دينيين في الديانة اليهودية جاء ليرحب بمسيحهم المنتظر ولا كهنة ولا فريسيون ولا صدوقيون ولا كتبة ولا أي اثرياء او وجهاء او ذات مناصب او سلطة في اليهودية جاءوا للترحيب، فقط بعض الرعاة المجهولين من اسفل قاع المجتمع اليهودي جاءوا ليشهدوا قدوم

ربهم وملكهم.

كان لمريم الكثير الذي تفكر فيه ما بين السفر الي بيت لحم حيث كانت حبلى وان تضع مولودها وسط الحيوانات وتضعه في مزود، وفوق كل هذا ان يهرب ميلاد مسيّا إسرائيل من ملاحظة كل قادة إسرائيل، بالتأكيد ان تلك الطريقة لا يجب ان يعامل بها الملك!.

ان الأنجيل لم يعطينا الكثير عما يمكن ان يكون قد دار في داخل مريم اثناء تلك الأحداث المتواضعة، ولكنه كشف تفصيل واحد ان مريم في وجه الفقر والمهانة والرفض لإبنها لم تظهر أي شكوى او تذمرولم تقل بتاتا :” انتبهوا انا أم المسيّا فيا كل بيت لحم يجب ان تعاملوا عائلتي بأحسن من هذا”. ولكن بدلا من ذلك احتفظت مريم بكل تلك الضيقات الي داخل نفسها

وبصلوات دائمة احتفظت بكل تلك الأشياء متأملة فيهم في قلبها”وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ

هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”(لوقا19:2).

ترى ما الذي يعنيه ذلك التعبير؟ فلقد تم وصف مريم انها تحفظ وتفكر “وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا” – في تلك الأحداث الغريبة المحيطة بميلاد ابنها- في قلبها. هذا التعبير تحفظ كل تلك الأشياء متأملة فيهم في قلبها يشير الى اكثر من تذكر شيئ او إعادة تذكره. “تتأمل symballein يمكن ان ترجمتها حرفيا “يلقي جنبا الى جنب”، وهي

تشابه شخص يتأمل مقارنا أفكارا بأفكار ومن ثم يجمع أفكاره معا في صلب الموضوع ككل.

في العهد القديم فعل الكلمة اليوناني تعني يحفظ synterein وتصف شخص يعكس تأمله في

معنى الأحدات وخاصة في الرؤى السماوية. عندما قال يوسف لأبوه واخوته عن أحلامه الغريبة عن الشمس والقمر وال 11 نجم يسجدون امامه فذُكر ان اباه يعقوب “وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ” (تكوين9:37-11). وبنفس المعنى عندما فسّر دانيال النبي للملك نبوخذنصر حلمه “احتفظ” الملك تفسير داميال في قلبه، ودانيال نفسه حصل على رؤية في الليل و”احتفظ” بمعنى تلك الرؤية التي كشفت له في حلم ” وَحَفِظْتُ الأَمْرَ فِي قَلْبِي “(دانيال28:7)، وفي كل تلك الحالات فالتعبير الذي يصف شخص ما يريد ان يفسر المعنى للرؤية او الحِلم بطريقة صحيحة هو ان

يحفظه متفكرا فيه.

في حكمة التقليد للعهد القديم اخذ التعبير عمق اعمق بكثير فهو يصف شخص لا يبحث فقط

عن تفسير للرسالة بطريقة صحيحة ولكن أيضا ان يلاحظها وان يحياها ونحن نرى ذلك مثلا في مزمور 11:119″خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ. لاحظ هنا كيف ان صاحب المزامير يبحث ليس فقط في تأمل فكري شامل لكلمة الله ولكن فهم في قلبه يجعله يحيا طبقا للشريعة، وكذلك مثل ما جاء في سفر الأمثال: 1:3 فالأب يقول لأبنه:” يَا ابْنِي، لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي، بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. مرة أخرى التشديد هنا على ان الإبن لا يشمل وصايا ابيه ولكن يفهمها حتى يمكنه ان يحيا حسب نصائح والده الحكيمة. في كتاب يشوع ابن سيراخ يعطى نفس النقطة مع الاهتمام بامثال ونبؤات الله التي أعطاها الله من فوق:” فَإِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ حِكْمَةِ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَيَتَفَرَّغُ لِلنُّبُوءَاتِ. يَحْفَظُ أَحَادِيثَ الرِّجَالِ الْمَشْهُورِينَ، وَيَدْخُلُ فِي أَفَانِينَ الأَمْثَالِ. يَبْحَثُ عَنْ خَفَايَا الأَقْوَالِ السَّائِرَةِ، وَيَتَبَحَّرُ فِي أَلْغَازِ الأَحَاجِيِّ. (سيراخ 1:39-3).

لهذا، فإن بيان لوقا في نهاية قصة الميلاد من ان مريم “”فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا” يصفها كإمرأة تبحث لأن تفهم المعنى العميق لكل الأحداث المحيطة بميلاد إبنها.

ان مريم تريد ان تفهم ما الذي يحاول الله ان يكشف من خلال تلك المتاعب والضيقات، فهى ليس عندها الإجابات لكل ما يحدث؟، فلماذا يولد ابنها تحت ظروف مضغوطة من إحصاء روماني؟ ولماذا لم توجد حتى غرفة له في الخان عندما جاءت ساعته ليولد؟ ولماذا يدخل هذا العالم بمثل هذا التواضع والفقر؟ تبحث مريم لتفهم خطة الله لكي يمكنها ان تحيا طبقا لما يريده

الله وما الذي يحاول ان يعلمها إياها من خلال تلك الضيقات.

ان انجيل لوقا في الحقيقة يستعمل كلمتان هما مفتاح لتسحيل الإرتباط ما بين ميلاد المسيح

في بيت لحم وموته على الجلجثة وكيف ان الظروف لواحدة هي ظل لظروف للأخرى. يسوع عند ميلاده “قَمَّطَتْهُ” في ملابس ممزقة “وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ”(لوقا7:2)، وعند موته أنزلوا

جسده من على الصليب ولفّوه بلفائف من الكتان “وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْر”(لوقا53:23).

واظهر لوقا كيف ان المسيح رُفض مع مريم أمه منذ البداية عندما ذكر “إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا7:2)، فكلمة “لهما” يمكن ان تفهم وتعود الى يوسف ومريم وعدم وجود موضع لهما لتلد الطفل ولكن كل التركيز كان على مريم والطفل يسوع :” فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ”(لوقا7:2). وهنا بذكر احد المفسرين ان مريم هي موضوع تلك الآيات والطفل هو المستقبِل لكل الأفعال في تلك الآية، فمريم هي التي ولدت ابنها البِكر ومريم هي التي قمطته ولفته ومريم هي التي وضعته في مزود. هنا ثلاث أفعال نشطة تصف تلك الحوادث وكل منها مريم هي الموضوع والطفل هو الهدف وأيضا هنا مريم تعمل منفردة على الرغم من وجود يوسف والذي لم يظهر في تلك الحوادث.

لذلك عندما يقول لوقا في نهاية تلك الآية “لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ” فهذا يرجع خاصة لمريم والطفل. اذا ما كانت هذه هي الحالة فربما لوقا على الفور يظهر كيف ان مريم في الميلاد تشارك معاناة ابنها – موضوع يصبح واضح مع كلمات سمعان الشيخ عند تقدمة الطفل في الهيكل عن سيف يجوز في نفسها “يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ(لوقا35:7). وهذا ما فسّره البابا يوحنا بولس الثاني:” لم يكن لهم موضع في المنزل (لوقا7:2)، فهذه المقولة تذكرنا بما جاء في انجيل يوحنا إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ”(يوحنا11:1) والمتوقع كما ان هناك العديد من مواقف الرفض ليسوع طوال حياته الأرضية. ان لفظ “لهما” يربط الإبن مع الأم معا في ذلك الرفض ويظهر كيف ان مريم اشتركت مع ابنها في المعاناة والألم.

فورا عقب مهمتها في الولادة والأمومة حصلت مريم على بعض مذاق الرفض والمعاناة التي

ستقابل ابنها فرسالة الميلاد هي ظل لرسالة الصليب وهذه الرسالة هي التي ظلت مريم تحفظها

متفكرة بها في قلبها طوال حياتها وحياة ابنها.

انه أيضا يستحق ان نلاحظ رد فعل مريم بالمقارنة بهؤلاء الناس الذين سمعوا تقرير الرعاة عن

رؤيا الملائكة، فلقد تعجبوا ولكنهم لم يأخذوا الوقت ليتأملوا في أهمية ما قد حدث. ان انجيل لوقا وضح الفرق ما بين رد فعلهم واستجابة مريم:” وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ

الرُّعَاةِ. وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”(لوقا18:2-19).

مريم عكست ما يحدث بداخلها متأملة فيما معنى الحدث في حياتها لكي تكشف مالذي يعلمه إياها الرب فهي “كَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا”. هذا التعبير استخدم في الكتاب المقدس كما قلنا ليصف شخص قد استقبل رؤيا فوق فهمه وينتظر الله لكي يريه معنى ذلك في وقت مناسب. يمكن ان يكون هناك لغز عن رؤيا ظاهرة وواضحة ولكن هو او هي لا يستطيع فهمها بدقة وفي مثل ذلك الوضع يمكن للشخص ببساطة ان يستعجب ثم يمضي في طريقه مثل “ وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ”(لوقا18:2)، او يمكنه ان يضعها ككنز في قلبه.اللغز يمكن ان يؤخذ الي أعماق الإنسان ويحفظ ويتأمل فيه في قلبه، فالإنسان المؤمن ببساطة ينتظر وقت الله وخطته ليكشف له تمام ومعنى ذلك اللغز او الرؤية او الحلم. هذه هي الحالة عند مريم فبصبر تنتظر اكثر لتتفهم وتعي الأحداث التي تمر في حياتها، ولكن ليس عليها ان تنتظر طويلا فبعد أربعون يوما من ميلاد يسوع ستستقبل اعلان آخر مربك من سمعان الشيخ والذي سيلقي ضوء اكثر على معاناة ابنها والرفض الذي سيلقاه.

رعــاة بــيــت لــحــــم

 جـاء فى انجيل القديس لوقا:” وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًافَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبَِنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ.وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِفَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّوَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا.ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ. (8:2-20) ذكراً لحادثة صاحبت ميلاد الرب يسوع عن رعاة ظهر لهم ملاك الرب وأعلن لهم بشرى ميلاد المخلص المسيح الرب، وأُعطيت لهم علامة عن طفلاً مضجعاً فى مزود، وصاحب هذا الإعلان العجيب ظهور جمهور من الجند السماوي يسبحون الله.. ومضى الرعاة الى بيت لحم قائلين “تعالوا نذهب لنرى هذا الحدث الذى أخبرنا به الرب”، ووجدوا العلامة-مريم ويوسف والطفل مضجعا فى المزود-“فلمّا رأوه أخبروا بما حدثهم الملاك عنه”، فكل من سمع “كان يتـعجب من كلامهم”، وبعدها “رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما رأوا كما أخبرهم الـملاك”.

والرعـــــاة هـم جماعة من اليهود كانوا على مقربة من بيت لحم، ظهر لهم ملاك، فخافوا خوفاً شديداً , وأعلن لهم البشرى وأعطاهم العلامـة. علامة للإيمان كما هى عادة الله مع بني إسرائيل لأنه يعرف قساوة قلوبهم, فتشاوروا وذهبوا مسرعين ووجدوا العلامة فآمنوا.. وأخبروا بما سمعوا.وعادوا يـمّجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا.

ختان وتسمية الطفل يسوع

طبقا للتقليد اليهودي يتم ختان الطفل بعد ثمانية ايام من ولادته ويتم تسميته وكما جاء في

انجيل القديس لوقا:” وَلَمَّا تَمَّتْ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ سُمِّيَ يَسُوعَ، كَمَا تَسَمَّى مِنَ الْمَلاَكِ قَبْلَ أَنْ حُبِلَ بِهِ فِي الْبَطْنِ.“(لوقا21:2). في العهد القديم كان الختان فريضة كعلامة عهد ما بين الله والانسان كما جاء في ايام ابراهيم:” هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي”(تكوين10:17-14).هذا الحق كان مهما جدا حتى ولو اليوم الثامن قد وقع يوم السبت والذي هو مخصص للرب. وهذا الحق كان ليس مخصوص اجراؤه بواسطة الكهنة لكن يمكن ان يقوم به اي شخص ولكن كان الشرط الوحيد هو وجود 10 اشخاص ليكونوا شهودا بأن هذا الطفل هو من أبناء ابراهيم ويكون مصحوبا بتلاوة صلاة معينة. عملية الختان هذه من المحتمل انها قد تمت في منزل في بيت لحم حيث أمكن ليوسف مريم ن يجدا مكانا وليس في مغارة، فانه لا يمكن تصور ان مريم والتى بعد ولادتها للطفل تعتبر طبقا للشريعة غير طاهرة لمدة 40 يوما كانت تقضيها في مغارة.

إذ تنازل المسيح بتجسده، اتضع أيضًا في خضوعه للناموس رغم عدم حاجته له، كما جاء:” وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ.” (غلاطية4:4-5)، ولكنه أتم كل بر عنا، فاختتن في اليوم الثامن كما أوصى الله إبراهيم كعلامة له ولكل نسله في أجسادهم، تعلن تبعيتهم لله وتميزهم عن غير المؤمنين. وقد جرى العرف اليهودي على تسمية الطفل في هذا اليوم، فسُمِىَ

يسوع أي مخلص، كما أعلن الملاك جبرائيل في بشراه للعذراء مريم.

أسم يسوع

الصيغة العربية للاسم العبري “يشوع” ومعنى الاسم “يهوه مخلص”. واسم يسوع أو يشوع هو

اختصار لاسم يهوشع، ويهوشع يتكون من مقطعين “يهو” أى يهوه، “شع” أى يخلص، فاسم

يسوع أو يشوع أو يهوشع معناه “يهوه يخلص”،

وقد تسمى يسوع حسب قول الملاك ليوسف” فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُهم”(متى21:1)ومريم:” وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوع”(لوقا31:1). ويسوع هو اسمه الشخصي. أما المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة “الرب يسوع المسيح” نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع, نحو مئة مرة. بينما وردت كلمة المسيح أيضًا بالمخل(لوقا11:2). ووردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل, ويسوع المسيح, والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل.

تقديم يسوع فى الهيكل

وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا

بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ. وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ». وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ». وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ، حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ، وَهِيَ مُتَقدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ، عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطَلِبَاتٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا أَكْمَلُوا كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ نَامُوسِ الرَّبِّ، رَجَعُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى مَدِينَتِهِمُ النَّاصِرَةِ. وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ (لوقا22:2-40).

طبقا لما جاء في انجيل القديس لوقا كان هناك حدث بعد 33 يوما من حدث ختان الطفل يسوع:” وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا، حَسَبَ شَرِيعَةِ مُوسَى، صَعِدُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدِّمُوهُ لِلرَّبِّ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: أَنَّ كُلَّ ذَكَرٍ فَاتِحَ رَحِمٍ يُدْعَى قُدُّوسًا لِلرَّبِّ. وَلِكَيْ يُقَدِّمُوا ذَبِيحَةً كَمَا قِيلَ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ: زَوْجَ يَمَامٍ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ.”(لوقا22:2-24). هناك احتفالان تم في نفس الوقت أكثر من احتفال الختان: تطهير الأم بعد ولادتها وتقديم الطفل في الهيكل وكلتا الشعائر جاءت طبقا لأوامر الله في العهد القديم اولهما جاء في سفر اللاويين:” وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً.وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. وَمَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا لأَجْلِ ابْنٍ أَوِ ابْنَةٍ، تَأْتِي بِخَرُوفٍ حَوْلِيٍّ مُحْرَقَةً، وَفَرْخِ حَمَامَةٍ أَوْ يَمَامَةٍ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُقَدِّمُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهَا، فَتَطْهُرُ مِنْ يَنْبُوعِ دَمِهَا. هذِهِ شَرِيعَةُ الَّتِي تَلِدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ تَنَلْ يَدُهَا كِفَايَةً لِشَاةٍ تَأْخُذُ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، الْوَاحِدَ مُحْرَقَةً، وَالآخَرَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، فَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ فَتَطْهُرُ»“(لاويين1:12-8). اما الوصية الثانية فجاءت في سفر الخروج:” وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: «قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي».“(خروج1:13-2). ان تقديم الطفل لم يكن ضروري ان بؤخذ الطفل للهيكل في أورشليم ولكن فقط دفع المبلغ المطلوب للكاهن حسب الشريعة. الكثير من الأمهات كن يفضلن تكريس ابناؤهم في هيكل أورشليم، وهذا ما قامت به مريم مع يوسف وطفلها وذهبوا الى أورشليم.

ذهبت مريم الي هيكل أورشليم حيث المكان المقدس الذي يقدم فيه اليهود ذبائحهم وتقدماتهم الي الله. في الهيكل يوجد اربع ساحات واحدة للكهنة والتى هي الأقرب للمذبح، ثم هناك ساحة للرجال اليهود، ثم ساحة للنساء واخيرا ساحة للوثنيين، وكل ساحة مخصصة بكل دقة لمجموعة منهم وممنوع ان يتخطى حدودها اي احد والا تعرض للموت او الطرد من المجمع. هكذا دخلت مريم وطفلها لساحة النساء حتى تتم شريعة التطهير ثم تذهب بعدها لنقديم الطفل.

من المؤكد انها كانت لا تعرف انه اثناء تواجدها في زيارتها للهيكل انها ستسمع نبؤة عن مشاركتها في ذبيحة لا يُقدر مقدارهافهي ستدعى لتساهم في اعظم ذبيحة يمكن لأم ان تختبرها الا وهي أن تقدم ابنها.

وصلت مريم الي الهيكل وفي ذهنها ذبيحة قليلة الثمن بقليل من المال وفرخي حمام، فالشريعة اليهودية تتطلب ان مريم عليها ان تقدم ابنها البِكر الي الله في الهيكل وتقدم 5 شاقل تعزيزا للكهنة وأيضا قد أتت لتقدم ذبيحة عن نفسها فكإمرأة قد ولدت طفلا تعتبر غير طاهرة نسبيا لمدة 40 يوما. عندما اتى الوقت لتطهيرها بإكتمال ال 40 يوما تتطلب الشريعة ان تقدم حمل وفرخي جمام للكهنة في الهيكل. اذا لم تستطع المرأة ان تتحمل ثمن الحمل يمكنها بدلا من ذلك ان تفدم زوجي حمام او يمام. والحقيقة ان مريم قدمت زوجي حمام (لوقا24:2) يشير انها ضمن الفقراء وانها لا تستطيع ان تقدم حملا. خمسة شاقل وفرخي حمام هم التقدمات التي قدمتهما فقط مريم عندما ذهبت للهيكل في ذلك اليوم. الشريعتان قد تمتا مع العلم انه كان يمكن لمريم ويوسف ان يفعلا ذلك في بيت لحم بدفع ال 5 شاقل للكهنة في اورشليم عن طريق الوسطاء. احد علماء الكتاب المقدس اشار ان الشريعة كانت تلزم ان الابن البكر ان يصبح، كاهنا ولكن غيّر الله هذا الأمر بتخصيص سبط لاوي للكهنوت ولهذا فالأبناء البكر من اسباط اسرائيل الاخرى يتم خلاصهم من هذا الالتزام بدفع تعويض ما. بالنسبة ليسوع فهو معفي من ذلك الالتزام لأن مريم أمه لها اقرباء من سبط لاوي للكهنوت حيث يمكن ان يعتبر ابنها لاويا. لكن يوسف ومريم أراد ان يكرسا ابنهما يسوع للرب لذا فلقد قدماه للرب.

ولكن ظهر رجل اسمه سمعان واعلن لمريم الرحلة الصعبة التي تنتظر طفلها وتنتظرها هي أيضا. يقف سمعان كمثال ليهودي “ وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ” (لوقا25:2).

في هذه الحادثة يظهر الروح القدس في ثلاث مناسبات، فيعطي سمعان القوة لكي يتعرف على مريم ويسوع ضمن العديد من الأمهات مع اطفالهن في الهيكل وايضا ان يتعرف على المسيّا في الطفل والذي ينتظره اليهود منذ سنوات وايضا الروح القدس كان عليه لذا فهو تنبأ واكثر من هذا لقد أعطي رسالة غير اعتيادية من الله. الروح القدس كشف لسمعان انه لن يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب. لذلك كانت كل حياته مرتبطة بالتوقع العظيم في انه في احد الأيام

سيتقابل مع مخلص إسرائيل الملك الموعود به.

قصة سمعان الشيخ كما وردت في التقليد الكنسي تتلخص في أنه كان أحد الـ72 شيخًا من اليهود الذين طلب منهم بطلميوس ترجمة التوراة إلى اليونانية والتي سميت بالترجمة السبعينية. وقيل أن سمعان هذا كان هو المكلف بترجمة سفر إشعياء وأنه في أثناء الترجمة أراد أن يستعيض عن كلمة “عذراء” في نبوة إشعياء “ها العذراء تحبل وتلد ابنًا.. ” بكلمة فتاة إذ تشكك في الأمر. فظهر له ملاك الرب وأكد أنه لن يموت حتى يرى مولود العذراء هذا. وبالفعل إذ أوحى له الروح القدس حمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح مشتهيًا أن ينطلق من

هذا العالم بعد أن عاين بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم.

والآن نتخيل المنظر من وجهة نظر مريم ففور وصولها مع يوسف الي هيكل أورشليم اقترب منهما شخص غريب وفجأة أخذ الطفل على يديه وثم رفع المسيح الطفل الى الهواء وابتدأ سمعان يبارك الله قائلا:” «الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ» (لوقا29:2-32).

لكم هي لحظة تدعو للإندهاش وخاصة بالنسبة لمريم، فهي ليس لديها أي فكرة من يكون هذا الرجل ولماذا يبحث عن طفلها ولماذا فعل هذا او قال هذا؟. ولكن بينما سمعان يحمل الطفل ابتدأ يتكلم ويصف عظمة المستقبل لهذا الطفل بكلمات والتي تبدو مشجعة لمريم وتكمل الصورة لها عن مهمة ابنها الملوكية. لقد وصف سمعان الطفل “كخلاص الله” وكـ” نور اعلان للأمم”-صور تذكر بنبؤات من كتاب اشعيا النبي. فأشعيا النبي تنبأ “ قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا”(اشعيا10:52) و” فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ»(اشعيا5:40). لقد أعلن سمعان ان قد رأي اطفل المسيح والذي تنبأ اشعيا ان الخلاص الذي سيجلبه وأيضا تنبأ اشعيا عن كيف ان الله سيرسل صورة المخلص كخادم للرب و” هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ.لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ.قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ»(اشعيا 1:42-5)، وايضا “َنُورًا لِلأُمَمِ”(اشعيا6:42) و ” فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ»(اشعيا6:49). لذلك كانت كلمات سمعان إعلان ان الطفل الذي يحمله على يديه هو ذلك الذي سينفذ مهمة الله للأمم فهو سيكون “ نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ” والذي سيحقق ويتمم نبؤات اشعيا النبي.

كل هذا ترك مريم في حالة تفكير وتعجب فالقديس لوقا يقول لنا ان مريم ويوسف “ وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ”(لوقا33:2). ان النبؤة الثانية لسمعان ستعطي مريم سببا لأن تتوقف أنفاسها فلقد افرد لمريم ووجه لها بكلمات قوية عن مستقبل الطفل والمعاناة التي سيقابلها:” «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»(لوقا34:2-35).

لقد وصف البابا يوحنا بولس الثاني نبؤة سمعان “كبشارة ثانية لمريم”، ففي الناصرة وفي البشارة

الأولى علمت مريم انها ستصبح اما لمسيّا إسرائيل والآن من خلال كلمات سمعان في الهيكل – في هذه البشارة الثانية- انها حصلت على صورة أوضح عن ما الذي وافقت عليه منذ 9 اشهر واربعون يوما سابقة. فهذه الكلمات تقول لها الوضع التاريخي الفعلي والذي فيه الإبن سيكمّل مهمته والتي يمكن ان تسمى بمهمة عدم القبول والحزن. وهذا الإعلان أيضا يكشف لها انها سوف تحيا في طاعة الإيمان في المعاناة بجانب معاناة المخلّص وان أمومتها ستكون عجيبة ومحزنة.

ان رسالة سمعان الي مريم تحتوي على اربع مقولات عن ما ستقابله هي وابنها من معاناة. أولا قال سمعان ان الطفل مصيره لأجل ” قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ”(لوقا34:2) وهذه الكلمات تشير اليالصعوبات التي تحيط بمستقبل ارسالية يسوع وهي صدى لموضوع نشيد مريم الذي قالته في منزل اليصابات وزكريا فهي أعلنت ان “ الْمُسْتَكْبِرِينَ سيتشتتون بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ والأَعِزَّاءَ سينزلون َعنِ الْكَرَاسِيِّ، والْمُتَّضِعِينَ سيرفعون والْجِيَاعَ سيشبعون خَيْرَاتٍ والأَغْنِيَاءَ سينصرفون فَارِغِينَ (لوقا51:1-53). نبؤة سمعان التقطت هذا الموضوع وافترضت استجابة مختلفة لإعلان ملكوت المسيح، فالمرضى والفقراء والمهمشين والخارجين عن العهد

سيظهرون مرحبا بهم في ملكوت المسيح بينما كثيرا من القادة الدينيين والساسة في أيام يسوع

سيعارضونه ويرفضونه لأنهم يرفضون ملكوت الله الذي يقدمه لهم.

ثانيا قال سمعان ان يسوع سيكون “علامة ستقاوم”، هذه اللغة لا تقترح ان هناك شخص ما

سينتقد او يُسخر منه فالكلمة اليونانية antilego تعني دائما حسب ما يستخدمها لوقا في سياق الجملة مقاومة اليهود للمسيح:” وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الصَّدُّوقِيِّينَ، الَّذِينَ يُقَاوِمُونَ أَمْرَ الْقِيَامَةِ، وَسَأَلُوهُ(لوقا27:20) و”لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَمًا وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ أَنْ يُقَاوِمُوهَا أَوْ يُنَاقِضُوهَا”(لوقا15:21)وأيضا لتلاميذه “وَلكِنْ إِذْ نَظَرُوا الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا، لَمْ

يَكُنْ لَهُمْ شَيْءٌ يُنَاقِضُونَ بِهِ”(اعمال14:4) واعمال 45:13 واعمال 22:28).

عندما نقرأ محتوى انجيل لوقا بصورة أوسع وسفر أعمال الرسل فكلمات سمعان الشيخ هي ظل للمقاومة العدوانية التي سيواجهها يسوع وأتباعه.

ولكن الصورة الأكثر تأثير عن المعاناة المستقبلية للمسيح هي ذلك “السيف”، فالطريقة التي

استخدمها سمعان وتلك الصورة تقول لمريم شيئان: أولهما انها ستتحقق ان السيف سيخترق ابنها يسوع. في العهد القديم يمكن للسيف ان يكون رمز لحرب واراقة دماء وموت:” وَبِسَيْفِكَ تَعِيشُ”(تكوين40:27) و”وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ”(لاويين6:26) و(تثنية25:32) و (يشوع13:5) و “وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ”(اشعيا20:1). ان صورة سمعان عن سيف يخترق يسوع هو مجازي وحرفي حيث انه يشير الى كلا من المقاومات العنيفة لرسالة المسيح ورفضه وكذلك موته المرعب الذي سيعانيه على الصليب بعد ان احد الجنود الرومان سيغرس جنبه برمح “لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ”(يوحنا34:19).

ثانيا مريم هي الأخرى تحصل على رسالة ان تلك المقاومة العنيفة للمسيح ستؤثر عليها:” وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»(لوقا35:2). ان الكلمة اليونانية التي استخدمها لوقا عن السيف ” rhomphaia” هي سيف حاد، ان السيف المذكور هنا هو ليس مطواة او خنجر صغير، بل الكلمة تشير الي سيف كبير جدا واسع وذو حدين. الصورة لمثل ذلك السلاح الذي سيخترق نفس مريم صوريا يبين شدة المعاناة النفسية التي ستواجهها

كنتيجة لرفض الشعب لإبنها ولرسالته. ان لوقا يربط مريم بالمعاناة التي سيعانيه ابنها والتي

هي مذكورة بوضوح اذا اعتبرنا ما جاء في مزمور 22 والذي كان يقع في خلفية فكر كلا من

كلمات سمعان لمريم وسرد الأحداث عن آلام المسيح كما جاء في انجيل لوقا.

ان مزمور 22 يصور الأتهام لرجل بار يعاني بشدة على ايدي اعداؤه فهو يصف بطرق تلقي بظلها على تعذيب المسيح يوم الجمعة العظيمة: “وَكَانَ الشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ، وَالرُّؤَسَاءُ أَيْضًا مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ!». وَالْجُنْدُ أَيْضًا اسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأْتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاُ، قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!». وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ: «هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ». وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلًا: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!»(لوقا35:23-39). ايدي وقدم الرجل قد سمروا “ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ”(مزمور16:22) وثيابه قد قسّمت “يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ”(مزمور18:22) وأعداؤه يعايرونه ويقترعون على ثيابه (مزمور 7:22 و18). كل هذا حدث أيضا للرجل البار يسوع والذي قد أتهم بلا عدل وأدين واُسلم للموت بيد اعداؤه

وسمّروا يديه ورجليه على الصليب وعلى لباسه اقترعوا.

ويبدو أيضا مزمور 22 خلفية لكلمات سمعان الشيخ لمريم فالمرّنم يقول:” أَنْقِذْ مِنَ السَّيْفِ نَفْسِي”(مزمور20:22) وسمعان قال لمريم في لوقا 35:2 ” وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ”. هذا الربط واضح خاصة عندما نقارن كلمات سمعان في لوقا مع ما جاء في ذلك المزمور في الترجمة المسماة السبعينية Septuagint وهي اقدم ترجمة لكتابات العهد القديم الي اللغة اليونانية. كلا النصين استخدما نفس كلمتان – rhomphatia (سيف كبير) و psyche (نفس)- وكلاهما يتضمن مقاومة عنيفة. بهذا قد ربط لوقا مريم مع رفض الشعب ليسوع وآلامه.

تأمل آخر في هذا الصدد فسمعان تكلم عن “نفس مريم pyche والتي تعني النفس كما جاءت في الكتاب المقدس على أساس حيوي وهام في الجنس البشري ومصدر لضمير الإنسان وحريته. لقد قال لها ان هناك شيئ مدمر سيحدث لها هناك في قلبها وان سيف سيخترق نفسها. ان شيئ مدهش ان مريم هي الشخص الوحيد في انجيل لوقا الذي ذكر فيه نفسها وليس مرة واحدة بل مرتان، ففي اول مرة ذكر نفس مريم في أنشودة التعظيم عندما قالت مريم:” «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ”(لوقا46:1)، والمرة الثانية في حدث تقدمة الطفل في الهيكل عندما قال سمعان الشيخ لمريم:” وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ»(لوقا35:2).إذا ما نظر شخص ما لهاتين المرجعان معا لنفس مريم فربما التأمل الروحي التالي يمكن قوله: ان نفس مريم تعظم الله اكثر بمشاركتها في سيف آلام المسيح. في أنشودة التعظيم تعلمنا ان نفس مريم تعظم وتجعل الرب عظيما وفي حدث التقدمة في الهيكل نتعلم اكثر كيف ان نفسها تعظم الرب وكيف ان نفسها تعطي الله تسبيحا أكثر عندما تقدم حبها المضحي لإبنها او بمعنى آخر عندما نفسها تخترق بالسيف.

عيد تقديـم الطفل يسوع فـى الهيكل (يوم 2 فبراير). بعد أربعين يومـا من عيد ميلاد السيد المسيح(25 ديسمبر) يُحتفل بعيد تقديم الطفل يسوع للرب فى الهيكل ومقابلته لسمعان الشيخ (لوقا22:2-34)، وفيه أيضا يُذكر تطهير مريم حسب الناموس الـموسوي. وهو عيد يتم فيه تذكار مريم مع إبنهـا وكيف أنهـا قامت بتميم الوصايا والشرائع الإلهيـة بتقوى وإيـمان، وأيضاً إحتفال بسر رسالة الـمخلص. ولقد بدأ بالإحتفال بهذا العيد رسميا فى الكنيسة منذ عام 542 بعد الـميلاد فى مدينة القسطنطينية، ثم فى رومـا فى أوائل القرن السابع الميلادى. فـى هذا اليوم وضعت الكنيسة قراءاتها لتشمل نبؤة ملاخى النبي القائلة:”هآنذا مُرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامى وللوقت يأتى الى هيكله السيد الذى تلتمسونه وملاك العهد الذى ترتضون به. هـا إنـه آت قال رب الجنود..”(ملاخى1:3-4)، ونص من رسالة القديس بولس للعبرانيين عن الخلاص الذى تم بالـمسيح (عبرانيين 14:2-18)، ونص تقدمة الطفل يسوع فى الهيكل كما جاء فى انجيل لوقا (لوقا22:2-40) والذى يحتوى على الصعود الى الهيكل وتطهير الأم وتقدمة الطفل وذبيحة الفقراء ومقابلة سمعان الشيخ وحنـة النبيـّة.

زيارة المجوس

جـاء فى إنجيل متى ذكراً لحادثة زيارة مـجوس من المشرق الى أرض اليهودية:” وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ».َلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ.ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا.وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ.“(متى1:2-12).

جاءوا من المشرق باحثين عن” المولود ملك اليهود” لأنهم رأوا علامة..”نجمـه فى المشرق”، فجاءوا “للسجود له” وإضطربت أورشليم وملكها هيرودس من تلك الزيارة..وإستمع المجوس لتلك النبؤة عن مكان ميلاد المدبر الذي يرعى شعب إسرائيل وعن مكانة بيت لحم و أيضا أصغوا الى رغبة هيرودس الخبيثة من ان يذهب هو ايضا للسجود..وغـادروا أورشليم وأرشدهم النجم الذى ظهر لهم فى الشرق الى مكان الصبي..”ورأوا الصبي مع مريم امه فخـروا وسجدوا لـه ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولبانا ومراً”.وإنصرفوا فى طريق اخرى الى كورتهم بعد ان أُوحي اليهم فى حلم ان لا يرجعوا الى هيرودس. المجــوس….من هم؟ ولأي غرض جاءوا؟ وما هى حقيقة النجم الذى ظهر؟ ولماذا ظهر لهم دون غيرهم؟ وما هذا النجم الذى يظهر ويتحرك

ويختفى ثم يعاود الظهور؟..

المجوس تضاربت الأقوال عنهم فمن قائل إنهم حكماء من أهل العلم المشتغلين بأمور الفلك

وكانوا فيما يقال ملوكــاً وأسماؤهم غضبار وبلطاشصر وملكيور وهناك من يقول ان عددهم لم يكن معروفا، والبعض يقول انهم من بلاد العرب والبعض يقول انهم كانوا من دولة الفرس وكانوا ينتظرون مخلصا فى معتقداتهم مولود من بتول وكانوا ينتظرونه كل الف سنة، وهؤلاء كانوا من رتبة الكهنة وهم ليسوا ملوكا بل هم طبقة ما بين الملوك والشعب، برعوا فى علم الفلك والنجوم وكان كل همهم رصد النجوم وظهر لهم نجم غريب لم يشاهدوه من قبل فرجعوا لكتبهم وعرفوا بالنبؤة فتبعوا هذا النجم بكل شغف ليعرفوا هذا المولود المخلص. ففوجئوا بانه يتحرك ويسير بخلاف عادة النجوم فى حركتها العادية وسار هذا النجم حتى بلاد فلسطين ثم اختفى.

طبقا للعلماء المعاصرون فان ظاهرة ذلك النجم الذي ظهر للمجوس هو من المحتمل ان يكون هو اتصال لكوكب المشترى وكوكب زحل في مسار برج الحوت والذي فيه رأوا تلك الكواكب السمائية الكبيرة في مجموعتنا الشمسية معا والذي اعطى انطباعا انهم نجم كبير. هذا الاقتران ما بين كوكبي المشترى وزحل في برج الحوت نادرا ما يلاحظ وهو يحدث مرة كل 794 عاما. في عام 7 ما قبل الميلاد (وهو العام الذي من المحتمل ولد فيه السيد المسيح) حدثت تلك الظاهرة ثلاث مرات في 29 مايو وأول أكتوبر و5 ديسمبر). ان ظهور تلك الظاهرة ثلاث مرات لم تحدث مرة أخرى، ولقد تم ذلك الاكتشاف بمعرفة عالم الفلك الشهير Johannas Kepler عام 1603. لذلك كان ذلك الظهور علامة عن ان هناك شيئا هاما وخطيرا سيحدث في العالم نهاية زمن وبداية عهد جديد وهذا ما دفع هؤلاء المجوس ان يذهبوا.

ظهر النجم للمجوس بعد مقابلتهم لهيرودس وارشدهم لبيت الطفل “ووقف حيث كان الصبي”..نجم غريب حقا. ان ظهور النجم للمجوس كان تأثيره عجيب عليهم فهم كانوا لن يصدقوا اى شيئ لكن نجم مثل هذا دفعهم للسفر والترحال الى اليهودية وإجتياز أخطار الطريق ثم اخطار مقابلة ملك اليهودية..”اين هو ملك اليهود لقد رأينا نجمه فى المشرق وأتينا لنسجد له”..جاء المجوس ليسجدوا بعدما رأوا العلامة..جاء المجوس لتعليم اليهود، فها هم اهل نينوى والمرأة السامرية والكنعانية وملكة التيمن صدقوا مارأوه وآمنوا، ولكن اليهود أهل النبؤات قست قلوبهم. نجم واحد ساروا ورائه..آمنوا وتجرأوا وتحدوا الملك..إنها شجاعة الإيمان. عجيب أمر هؤلاء المجوس.. انهم توقعوا ان يلقوا ملكاً من اجل هذا سألوا عليه فى بيت الملك، ولكنهم وجدوا طفلاً فى أقماط بدون حرس ولا جيوش..اي خير كانوا يترجونه وقد أبصروا أمامهم كوخا وأماً مسكينة..! ولكن الكتاب يقول عنهم “فخروا وسجدوا وقدموا له عطاياهم”.. “خروا” معناه إنسكاب القلب..”سجدوا” معناه إنسكاب الجسد..”قدموا” معناه إنسكاب النفس. لم يخافوا كما قلنا غضب او إضطهاد او تعذيب او هزء، ولم يكن عندهم وعد إلهي بالخلاص بل أقوال حكيمهم زرادشت ولكنهم بحثوا عنه وفتشوا. أن المجوس هم اول من آمن من الأمميين بالمسيح. إن هذا لا يعني مطلقا ان علم الفلك والسحر ورصد النجوم قد دفع هؤلاء المجوس لأن تؤمن، انهم كانوا حكماء وعرفوا بحكمتهم من هو المسيا الآتي لخلاص العالم أجمع. وعندما تقابلوا مع هيرودس، إضطرب هو وجميع من فى أورشليم. وأراد هيرودس ان يختبر صحة أقوال المجوس فطلب منهم الذهاب والتحقق وفى نفس الوقت أرسل جواسيسه وراءهم..فإن كان حقا هناك مولود سيصبح ملكا لليهودية بدلا منه ومن أولاده فليقتل. وبالفعل أصدر أوامره بقتل أطفال بيت لحم وكان هؤلاء الأطفال يتراوح أعمارهم ما دون العامين وبلغ عددهم بالألاف حسب أقوال بعض المفسرين هم أول شهداء المسيحية. ويقول هيرودس للمجوس “افحصوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه أخبروني لكي آتي انا أيضا وأسجد له”..ألم يقدر هذا الملك ان يذهب وحده لهذه البقعة ويسجد؟..عندما نسنع نحن عن آيات او ظهورات أو معجزات احيانا تنتابنا نفس أفكار هيرودس التدقيق..والشك. لماذا لانـقـل ليتمجد الرب دائما وابداً.

يذكر الكتاب المقدس ان المجوس “قدموا عطاياهم”..ذهباً ولباناً ومـراً.. إنها رموز للملك والكهنوت والألم..فكأنهم يعلنوا ان هذا المولود هو ملك الملوك والكاهن الأعظم وعن طريق الألم سيملك ويخدم. وطبقا للعلامة أوريجون في القرن الثالث الميلادي الذي حدد ان عدد هؤلاء المجوس كانوا ثلاثة لأنهم قدموا ثلاث هدايا وحتى القرن السادس الميلادي عندما تم تحديد اسماءهم.

ويذكر لنا الكتاب المقدس ايضا انهم بعد اللقاء بيسوع “إنصرفوا فى طريق أخرى الى كورتهم”، انه ليس هربا او تخوفا ولكنهم تغيـروا، جاءوا عن طريق وعادوا من طريق آخر، تغيرت حياتهم.

“إذ أوحي اليهم فى حلم”..حلم ورؤيا يعني انهم امتلئوا نعمة وتغيروا فمن قبل اللقاء كان نجم يتحرك فى السماء وبعد لقاء يسوع كلمتهم السماء فى حلم كما كلمت يعقوب ويوسف ودانيال.

هذه الحادثة تعطينا ايضا فكرة عن هيرودس الملك في سنواته الأخيرة فهو أصبح اكثر جنونا حتى انه قتل اكثر من 300 من قادة جيشه وفي نفس الوقت اصدر اوامر بقتل احد ابناؤه وايضا امر بحرق اثنان من الرابيين اي علماء الشريعة وهم احياء وبعدئذ امر بأن كل تلاميذهم واتباعهم ان يقتلوا.

هذا هو هيرودس الذى استقبل المجوس من المشرق وكما جاء في انجيل القديس متى سنجد على الرغم من حدة جنون هيرودس لكنه احتفظ بعض الشيئ بهدوءه الديبلوماسي وايقن ان هؤلاء المجوس يمكن ان يكونوا خير مرشد ليجدوا الصبي ويخبروه فطلب منهم ان يجدوه

ويخبروه.

لكن المجوس قرروا ان لا يعودوا الى هيرودس(متى 12:2). عندئذ تقدم هيرودس الى خطوته المعتادة “غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ.“(متى16:2).

في تلك المذبحة التى نفذها هيرودس لم تعد من افظع اعماله حتى ان المؤرخ اليهودي يوسيفوس اعتبر انه لا تستحق ان تذكر. علماء الكتاب المقدس قدروا ان 20 طفلا هم الذين يمكن ان ينطبق عليهم ما وصفه المجوس في تلك المنطقة ولكن من قتل كان اكثر من هذا. في سنوات هيرودس الأخيرة تجمع الى اكثر 7 جرائم قتل كان من الصعب ملاحظتها ولكن كانت مذبحة بيت لحم اكثرهم صدى:” حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ»“(متى17:2-18).

بعد رحيل زوار المشرق من بيت لحم والتى كانت لها تأثير لمريم ويوسف عظيم وقوي وتأكيد لمهمتهما وتقوية لإيمانهما.

الهروب الى مصر وحياة المنفى والغربة

بعد مغادرة المجوس تكلّم الـملاك مع يوسف فى حلم ليوجه له أمراً غريبـا أنـه الرحيـل والهروب إلى مصر قائلاً له:” وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ فَقَامَ وَأَخَذَ

الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ.“(متى13:2-14).

وكان الرحيـل حسب أمـر الرب. لقد أمر الرب ابرام فى القديم أن يترك أهله وعشيرتـه، وها هو يطلب الآن من مريم ويوسف أن يتركا الأهل والعشيرة الى أرض غريبـة ووثنيـة. لابد من التضحيـة إذن ولا بد من حياة الكمال من فضيلة التجرد ولا بد من حمايـة الطفل. وسار يوسف ومريم الى الطريق الـمؤديـة الى مصر.

– انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيـه ابراهيم وسارة أيام الجوع

– انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه يوسف إبن يعقوب وهو مُباع وهارب من إخوتـه.

  • انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه إخوة يوسف ثلاث مرّات ومعهم بنيامين ويعقوب.

– انـه نفس الطريق الذى سار فيـه موسى كليـم اللـه.

وتفاصيل رحلة العائلة المقدسة الى مصر قد ذكرها البابا ثيوفيليس الثالث والعشرون من بطاركة الكرسي الإسكندري (376-403م) بعد ان ظهرت له العذراء فى رؤيا. ولقد إستمرت الرحلة حوالـي 40 يومـا حتى وصلوا الى الـمطريـة قرب القاهرة حاليـا ومن هناك الى بابليون ناحية مصر القديمة (كنيسة أبى سِرجة)، ثم الى منطقة المعادي (كنيسة المعادي) ثم الى قريـة البهنسة فى بنى مزار ثم عبرت الشاطئ الى جبل الطير بسمالوط ثم الى الأشمونين قرب ملوي ثم الى بلدة قسقام (الدير الـمحرّق) ومكثوا فى هذه الـمنطقة حوالـى 6 أشهر. بعد ذلك وجه الملاك أمراً ليوسف بالعودة قال له:”قم وخذ الصبي وأمـه وإذهب إلى أرض إسرائيل لأنـه مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي فقام وأخذ الصبي وأمـه وجاء الى أرض إسرائيل”(متى20:2-21).

– نجد فى حديث الـملاك ليوسف انه قد تغيرت كلماته بعد ولادة العذراء للسيد الـمسيح عما كان

قبلها. قبل أن تلد العذراء الـمسيح كان يـمكن للملاك أن يدعوها إمرأة يوسف حيث لم تكن مريم لهـا ولد، أما بعد أن ولدت الـمسيح لم يقل له قم خذ إمرأتك والصبي أو قم خذ الصبي وإمرأتك إنـما قال له “قم خذ الصبي وامه”(لوقا13:2) وهنا أصبحت العذراء منـتسبة للسيد الـمسيح، إلاّ ان الكتاب الـمقدس دعاه ابن يوسف دون مريم(متى 16:19)، والجميع كانوا يقولون عنه:”اليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذى نحن عارفين بأبيه وأمـه”(يوحنا42:6).

– ان الله يكلمنا بطرق كثيرة، فقديما كلّمنا بالآباء والأنبياء”(عبرانيين1:1) ثم كلّمنا أخيـرا فى هذه

الأيام فى الإبن وكلمته موجودة بيننا. وهو أحيانا يكلمنا فى الرؤى والاحلام والإلهامات فهل ننصت الى الروح الساكن فينا ونصنع كما صنع يوسف كما أمره ملاك الرب؟

– كلام الله فى الأحلام هى موهبة تمنح لأصحاب القلوب التقية والنقية ولقد صدق يوسف قول ملاك الرب فى الحلم ولم يشك فيه.

– ان الـملاك لم يظهر للعذراء فى حلم وإنـما ظهر ليوسف وأبلغه بأوامر إلهية بالنسبة للصبي وأمه وهذا إبراز لقيمة يوسف ومكانته امام الله. ان دوره ليس دورا هامشياً أو ثانويـاً وإنـما شاءت إرادة الله ان يجعل يوسف خادما للتجسد الالهي وان يكون له دور إيجابي فعّال وإنـما تعامل

معه مباشرة وأمره بتنفيذ تدبيـره مشركاً إيـاه فى العمل والتنفيذ وكلها اوامر الهية.

– رحلة العائلة المقدسة تعطينا مثل الى حياتنا فى وادى المنفى هذا ويلزم ان يكون لنا الشوق الى وطننا السماوي، فوطننا هذا الأرضي لا نمتلك فيه شيئا “لاتكنزوا لكم كنوزاً على الأرض”، ووطننا هذا ملئ بالمتاعب والـمشقّات والآلام فيجب ان نعمل للوطن الآخر كما يثول القديس بطرس:”أنتم ضيوف غرباء فى هذا العالم”(1بطرس11:2).

– رحلة العائلة المقدسة تعطى لنا درسا كيف يمكن ان نحيا فى هذا العالم فيلزم ان يكون

رجاؤنا فى الرب فيسوع كان معهم طوال الرحلة “فنحن فى العالم مثلما المسيح فى

العالم” (1يوحنا17:4).

– هذه الرحلة اكدت ايمان مريم وبرارة يوسف، فالإيمان هو “الوثوق بما نرجوه وتصديق ما لا نراه”(عبرانيين1:11).

– هذه الرحلة تأكيد للنبوة القائلة “من مصر دعوت إبني” “«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي.” (هوشع 11: 1وكذلك نبوءة إشعياء النبي “هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه” (إش19: 1).

– هذه الرحلة باركت ارض مصر وهى البلد الوحيد الذى زاره يسوع وهذا يعطينا نحن المصريين الثقة ان بركة يسوع مازالت قائمة.

– هذه الرحلة فيها تشابه ما بين 40 يوم عبور ارض سيناء وعبور بنى اسرائيل الى ارض الميعاد فى 40 سنة.

– هذه الرحلة بدأ فيها حياة الألم عند العذراء حسب نبؤة سمعان الشيخ لها فى الهيكل:”وأنتِ

سيجوز سيف فى نفسِك”(لوقا35:2).

– يقول بعض الـمفسرين للكتاب الـمقدس أن حادثـة مجوس المشرق الذين حضروا وسجدوا للطفل وقدّموا لـه “هدايا من ذهب ولُبَان ومُر”(متى12:2)، كان هذا قبل رحيل العائلة الـمقدسة الى أرض مصر وان تلك الكنوز قد ساعدت العائلة الـمقدسة فى مصاريف الرحلة، وهذا يوضح ان العناية الإلهيـة قد دبرّت مجيئ الـمجوس لإحضار مصاريف رحلة الهروب، بالإضافـة الى الـمعانـى الأخرى الروحيـة وأهـمية العطايا للآخريـن والتى قد تحل مشاكل قد لا نراهـا نحن.

– ان مجيئ العائلة المقدسة الي مصر كان سببا ليبارك أهل مصر بوجود يسوع بينهم فتتم النبوة القائلة ” من مصر دعوت ابني ” (هوشع 11: 1) وتتم أيضا النبوة القائلة ” هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر دأخلها ” (اش 19 : 1). ويقال أن أوثان مصر انكفأت عندما حل بها كلمة الله المتجسد كما انكفأ داجون أمام تابوت العهد (1 صم 5 : 3). ويذكر التقليد أنه عند دخول المسيح إلي أرض مصر كانت الأوثان تسقط في كل مدينة يقيمون بها، فكانوا يطردونهم ولذلك إضطروا أن يسيروا 1000كم في أرض مصر.

ان مجيء الرب يسوع المسيح إلى مصر قد هز العبادة الوثنية الجبارة التي عاشت في مصر آلافًا من السنين، ولم يكن من السهل إطلاقًا اقتلاعها من حياة المصريين. كانت الحضارة المصرية عميقة جدًا في جذورها وتعانقت هذه الحضارة مع عبادة ذات فلسفة قوية تداخلت معها الفلسفة الهللينية، بداية من عصر الإسكندر الأكبر وفي عصور البطالمة، وكذلك الفلسفة الرومانية في العصر الروماني. وتكوّنت بذلك مجموعات عجيبة من الآلهة المصرية واليونانية والرومانية جعلت من أرض مصر مرتعًا للعبادة الوثنية في أقوى معانيها. وهكذا ارتجفت أوثان مصر من وجه الرب لأن “كل آلهة الأمم شياطين” (مزمور 96: 5).

لقد امضى العالم الألماني Oscar Meinardus عدة سنوات محاولا اكتشاف رحلة العائلة المقدسة الي مصر ورسم مما جاء في الأناجيل وايضا من علم الأثار واوراق البردي القديمة التى تم اكتشافها حديثا وايضا مما ورد في المراجع القبطية للكنيسة المصرية وجمع نتائجه

ووضعها في كتاب مع دراسة طويلة والذي كان يعيد طباعته بعد اكتشاف دلائل جديدة.

حتى هذه الأيام ان الحجاج الذين يزورون مصر يتبعون خط سير لعدة مواقع من اديرة ومغارات وكنائس قد بنيت على اماكن قيل ان يوسف ومريم قد توقفا في أماكن للراحة او ملجأ اطول. في عام 2001 اتبع احد الصحفيين الأمريكان خط السير هذا في مدة شهران وفيما بعد دونها في كتاب بكل التفاصيل وايضا في فيلم وثائقي وشرح اكثر من 30 موقع قيل ان العائلة المقدسة توقفت فيها.

تلك المسارات لا يمكن التحقق منها بوسائل علمية ولكنها تمثل بكل تأكيد مقياس رحلة العائلة

المقدسة. لا يهم اي مسار قد اتخذه القديس يوسف فهو عليه ان يرحل مئات الأميال مع زوجة ولدت حديثا ومع طفلهما الصغير.

 بعيدا عما جاء في نص انجيل القديس متى عن الرحلة الى مصر والعودة منها فلم يسجل مدة بقاء العائلة المقدسة في مصر فليس لدينا اي مراجع يمكن الوثوق بها سوى ما جاء في بعض الكتب الغير قانونية امثال” انجيل متى الزائف” والذي يعود الى عدة قرون الرابع-الثامن ميلادي، وايضا كتاب طفولة يسوع باللغة العربية وآخر باللغة الارمينية والذي يمكن انه قد كتب في القرن الخامس او الثامن الميلادي وغيرها من الكتابات. ان المسيحيين كانوا دائما فضوليين لمعرفة مدة العائلة المقدسة في مصر وهناك كتاب من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن العشرين انتجوا العديد من التخيلات كلما جمعوا او عرفوا عن اي معجزات تمت في تلك الفترة ومكانها. في كتاب قديم عن “انجيل الطفولة” كما ذكرنا جاء ان الصبي كان يلهو بان يصنع اشكالا من الطين ثم ينفخ فيها فتحيا وتطير وانه اوقع عقابات شديدة على بعض المتنمرين. بالطبع تلك الصورة عن شخص يسوع تختلف كل الاختلاف عن يسوع كما جاءت به الأناجيل المقدسة ولهذا فكل ما جاء في اي من الكتب المنحولة والتى لم تعترف بها الكنيسة تعد خيالات غير حقيقية وغير منطقية.

اما عن مدة بقاء العائلة المقدسة في مصر فبعض شرّاح الكتاب المقدس يعتقدون ان 1260 يوما كما جاء في سفر الرؤيا “وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا.“(رؤيا6:12) هو العدد المظبوط. بعض الشرّاح القدامى اعتمدوا على بعض ما جاء في التقليد الكنسي. ومع ذلك فالكتاب المقدس يظهر ان العائلة المقدسة قد عادت من منفاها مع وفاة هيرودس الكبير والتى حدثت في سنة 4 ماقبل الميلاد. لقد عاش يوسف ومريم ويسوع في مصر كلاجئين ولهذا السبب فانه من الصعب تخيل من يتذكرهم او من ذا الذي يشير الى اماكن تواجدهم. ايضا مدة اقامة العائلة المقدسة في مصر غير معروفة بدقة ولكن طبثا لما جاء في بعض الكتابات القديمة ظلوا في المنفة مدة 4 سنوات وكان يسوع سن سنتان عندما هرب الى مصر وعاد وهو في سن السادسة.

العودة الى الناصرة

 فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ. وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا».“(متى19:2-23)

الأخبار قد تصل سريعا لليهود في مصر ومن المحتمل بعد عدة ايام من وفاة هيرودس وربما عرف يوسف ايضا في لحظتها خاصة انه عرف هذا من ملاك الرب. ان ما جاء في انجيل متى يعطى انطباعا ان يوسف قد جهّز حاجاته على الفور وتوجه عائدا الى بيته:” فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.“(متى19:2-21).

ان عودة العائلة المقدسة ستكون تحدي طبيعي مثل هروبهم الي مصر فكل السفر في العصور

القديمة كان شاقا فالطرق كانت ملآنى بالحفر ومحفوف بالمخاطر للناس والدواب وعلى جانبي الطرق هناك العصابات واللصوص وقاطعي الطرق وحتى اماكن المبيت على الطريق غالبا ما تكون قذرة ولها اخطارها الخاصة. ولكن في تلك الرحلة نجوا من ضغط متابعة هيرودس وجنوده وعلى طول طريق عودتهم من المحتمل انهم استقبلوا اخبارا ان اغسطس قيصر قد تصرف لإضعاف مملكة اليهود بأن قام بتقسيمها الى اربع مقاطعات ثلاثة منهم يحكمهم ابناء هيرودس وواحدة تحكمها اخت هيرودس. كان على يوسف ان يأخذ قرارا اي من تلك المناطق تكون اقل خطرا وايهم الأحسن؟ لقد اختار يوسف منطقة الجليل حيث يوجد بعض من سلالة داود الملك. انجيل متى ذكر هذا قائلا:” وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاَوُسَ يَمْلِكُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ عِوَضًا عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ.“(متى22:2).

بعد الرحلـة الـى مصر عادت العائلة الـمقدسة إلـى الناصرة بعد أن سمع القديس يوسف أن أركيلاوس قد ملك على اليهوديـة مكان هيرودس أبيـه فخاف أن يذهب إلـى هناك “فأتـى وسكن فى مدينـة تُدعى نَاصرة ليتم الـمقول بالأنبياء إنـه يُدعى ناصريـّاً”(متى33:2). بعد عودة العائلة الـمقدسة من مصر عاشت فى مدينة الناصرة حياة منطويـة كلها عمل ولـم يُذكر فى الأناجيل شيئاً عن هذه الفترة سوى ما ذكره لوقا الإنحيلي من حادثـة إختفاء يسوع فى الهيكل وعمره 12 عاما.ويذكر القديس لوقا أن يسوع “كان يتقدم فى الحكمة والسِن والنِعمة عند الله والناس”(لوقا52:2)، وكان “خاضعـا” ليوسف ومريـم(لوقا51:2).

طفولة يسوع

كان القديس يوسف والقديسة مريم مؤمنان وعلى الرغم من ابنهما المسيّا-ابن داود وابن الله- كان واضحا من ميلاده هذه الحقائق التى فازت بها اسرته لكن لم تكن هناك معاملة خاصة على الأرض. بدأت حياة يسوع في صعوبة بالغة فهو يعلم ان ليس هناك اي ميزة وتمت مقاومته ولا يوجد لدي والديه الارضيين اي مكانة اجتماعية.

للبعض قد تكون تلك الحقيقة حجر عثرة ولكن ليس ليوسف ومريم. ضمن اليهود هناك توقع

مبني على وحي اشعيا النبي ان المسيّا هو “مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ”(اشعيا3:53) وايضا “وَلْنَكْمُنْ لِلصِّدِّيقِ؛ فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا يُقَاوِمُ أَعْمَالَنَا، وَيُقَرِّعُنَا عَلَى مُخَالَفَتِنَا لِلْنَّامُوسِ، وَيَفْضَحُ ذُنُوبَ سِيرَتِنَا يَزْعُمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَلِمَ اللهِ، وَيُسَمِّي نَفْسَهُ ابْنَ الرَّبِّ. وَقَدْ صَارَ لَنَا عَذُولًا حَتَّى عَلَى أَفْكَارِنَا. بَلْ مَنْظَرُهُ ثَقِيلٌ عَلَيْنَا، لأَنَّ سِيرَتَهُ تُخَالِفُ سِيرَةَ النَّاسِ، وَسُبُلَهُ تُبَايِنُ سُبُلَهُمْ. قَدْ حَسِبَنَا كَزُيُوفٍ؛ فَهُوَ يُجَانِبُ طُرُقَنَا مُجَانَبَةَ الرِّجْسِ، وَيَغْبِطُ مَوْتَ الصِّدِّيقِينَ، وَيَتَبَاهَى بِأَنَّ اللهَ أَبُوهُ. فَلْنَنْظُرْ هَلْ أَقْوَالُهُ حَقٌّ؟ وَلْنَخْتَبِرْ كَيْفَ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ؟ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الصِّدِّيقُ ابْنَ اللهِ؛ فَهُوَ يَنْصُرُهُ وَيُنْقِذُهُ مِنْ أَيْدِي مُقَاوِمِيهِ. فَلْنَمْتَحِنْهُ بِالشَّتْمِ وَالْعَذَابِ، حَتَّى نَعْلَمَ حِلْمَهُ وَنَخْتَبِرَ صَبْرَهُ، وَلْنَقْضِ عَلَيْهِ بِأَقْبَحِ مِيْتَةٍ؛ فَإِنَّهُ سَيُفْتَقَدُ كَمَا يَزْعُمُ.“( الحكمة12:2-20)

اقد قبِل يوسف ومريم الاهانات والمصاعب التى أتت. بعد المغامرة الكبرى في بدء حياة العائلة

المقدسة عادوا الى وطنهم الأم وايامهم استقرت في نمط حياة القرية الهادئ. في الانجيل المقدس فقط اسبوع واحد تم تسجيله اثناء تلك السنوات وحتى باختصار شديد تاركا لبعض الكتابات التى لم تعترف بها الكنيسة مجالا للخيالات وسرد قصص غيرمنطقية عن فترة حياة العائلة المقدسة الخفيّة.

يسوع ابن يوسف النجار من المحتمل انه تلقى بعض التعليم في مدرسة القرية على يد احد الرابيين، فحتى في قرية صغيرة الاولاد اليهود كانت لديهم الفرص ليتعلموا ان يقرأوا ويكتبوا مستخدمين الكتب المقدسة كمرجع تعليمي مدرسي. القليل بعض الشيئ معلوم عن مثل تلك البرامج التعليمية فنحن لا نعرف كم تتكرر تلك الدروس ولا طولها ولا تفاصيل لمحتواها وفي الغالب كانت تتم في المجمع الذى هو المكان الوحيد في القرية لمواضيع القراءة والكتابة. طبقا لبعض النصوص اليهودية تنصح بالمزيد من التدريب على القراءة والكتابة يلزم ان يبدأ ما بين اعمار 5-7 سنوات وينتهى لأغلب الاطفال قبل سن 12 عام. في قرية مثل الناصرة فعدد الاطفال لسن الدراسة يكون صغير للغاية وقليل لا يتعدى 10.

على اية حال فانه من الواضح ان يسوع تعلم القراءة لأن القديس لوقا وصفه انه قد قرأ بصوت عالي عندما دفع له سفر اشعيا في المجمع:” وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ.“(لوقا16:4-20)، والقديس يوحنا يرينا يسوع يكتب باصبعه على الأرض:” قَالُوا هذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ”، ثُمَّ انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ”(يوحنا6:8و8)

عبر الوقت دروسه انتهت واصبح يسوع قد حقق درجة من الاستقلالية وقد كبر ايضا الى مساهمة محترمة في عمل ابوه يوسف وبدأ بالتدريج ينمو في العلوم الدينية ومراعاة التقاليد التى يمارسها الناس وفي عمر 12 او 13 يكون من المتوقع من الولد ان يتمم كل الواجبات الدينية وحتى انه عليه ان يذهب الى اورشليم ليدفع الضريبة السنوية نصف شاقل للهيكل.  

العثور على يسوع فى الهيكل

وَكَانَ أَبَوَاهُ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ. وَلَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ. وَبَعْدَمَا أَكْمَلُوا الأَيَّامَ بَقِيَ عِنْدَ رُجُوعِهِمَا الصَّبِيُّ يَسُوعُ فِي أُورُشَلِيمَ، وَيُوسُفُ وَأُمُّهُ لَمْ يَعْلَمَا. وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ. وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» فَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟». فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا. ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا. وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ”(لوقا41:2-52)  

على الأقل لمدة 7 قرون كل رجل بالغ كان مطالب بالذهاب الي اورشليم 3 مرات في السنة. ان الرب الاله طلب هذا الامر حتى قبل انشاء اورشليم فموسى قد أمر اسرائيل قائلا:” «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ، فِي عِيدِ الْفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ الْمَظَالِّ. وَلاَ يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ.“(تثنية16:16).

فقط مع بناء الهيكل ايام الملك سليمان كان هذا الأمر يمكن حدوثه، وفقط مع الاصلاحات ايام الملك يوشيا اصبح الأمر إلزاميا. الرحلة الى اورشليم كانت شاقة ولكنها كانت واجب مفرح فالحجاج يحتشدوا على الطرق ذاهبين للأرض المقدسة من كل اركان العالم. اليهود من عدة بلاد يغنون وينشدون التسابيح والمزامير عند اقترابهم من المدينة:” فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: «إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ». تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ.أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا، حَيْثُ صَعِدَتِ الأَسْبَاطُ، أَسْبَاطُ الرَّبِّ، شَهَادَةً لإِسْرَائِيلَ، لِيَحْمَدُوا اسْمَ الرَّبِّ.“(مزمور1:122-4).

من الناصرة تأخذ الرحلة من 4-6 ايام على الأقدام والقافلة تشمل المنازل المتنقلة وبعض العربات ولكن معظم الناس يمشون. كل اسرة تأخذ معها جدي او حمل لتقديمه ذبيحة في الهيكل في ليلة العيد والموكب يمضى مع سرعة المشاركين من اناس ودواب.

النساء والأطفال ليس عليهم اي التزام للقيام بالحج والشيوخ والعجزة كانوا معفيين ايضا. الاطفال عادة لا يذهبون وامهاتهم يبقون في منازلهم للعناية بهم. كان من المعتاد ان الصبية ذو ال 12 عام يحضرون مع اهاليهم لتعريفهم بمناسك الحج والذي سيكون واجب عليهم في السنوات التالية من عمرهم.

عندما بلغ يسوع عمر 12 عام قام بتلك الرحلة مع ابيه يوسف وذهبت امه ايضا حيث لا يوجد اي فرد في المنزل يحتاج للرعاية. لقد ذهبوا مع الحجاج من قريتهم وربما مع آخرين من قرية كوتشيبا القرية الأخرى التى يقطنها أناس من بيت داود. على طول الطريق ربما تقابلوا مع أصدقاء قدامى او معارف. معروف ان مريم لديها عائلة تقطن ما بين الناصرة وأورشليم. عموما كانت الرحلة مبهجة على الرغم من طولها ومشقاتها لكن الشوق للذهاب الى بيت الرب كان يبدد اي خوف او تعب والجميع يرددون بابتهاج:” مَا أَحْلَى مَسَاكِنَكَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ! تَشْتَاقُ بَلْ تَتُوقُ نَفْسِي إِلَى دِيَارِ الرَّبِّ. قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلهِ الْحَيِّ.” و”أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا فِي دِيَارِكَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ. اخْتَرْتُ الْوُقُوفَ عَلَى الْعَتَبَةِ فِي بَيْتِ إِلهِي عَلَى السَّكَنِ فِي خِيَامِ الأَشْرَارِ.لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ.“(مزمور1:84-2 و10-11).

سيكون من المنطقي ان يسوع قد صاحب ابوه يوسف عندما اخذ الحمل للكهنة للذبيحة فهذا هو اليوم ليكتسب مهارة عندما يكبر ويتولى تلك المسؤولية بمفرده كرجل يهودي فيقود اسرته فيما بعد لتنفيذ الوصايا والشرائع وتقديم ذبيحة الفصح. معا يسوع ويوسف قد حملا الحمل للهيكل ومعا ربما اخذاه لكي يتم شويه. وليمة الفصح تكون عادة ليلا على ضوء المصابيح وتقع مسؤولية ترتيبات تلك الوليمة على الأب والذي عليه سرد سبب ذلك العيد كما اوصى الرب:” وَلِكَيْ تُخْبِرَ فِي مَسَامِعِ ابْنِكَ وَابْنِ ابْنِكَ بِمَا فَعَلْتُهُ فِي مِصْرَ، وَبِآيَاتِي الَّتِي صَنَعْتُهَا بَيْنَهُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ».“(خروج2:10) وايضا على الأب تنفيذ كل ما جاءت به الشريعة:” فِي الْعَاشِرِ مِنْ هذَا الشَّهْرِ يَأْخُذُونَ لَهُمْ كُلُّ وَاحِدٍ شَاةً بِحَسَبِ بُيُوتِ الآبَاءِ، شَاةً لِلْبَيْتِ. وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ كُفْوًا لِشَاةٍ، يَأْخُذُ هُوَ وَجَارُهُ الْقَرِيبُ مِنْ بَيْتِهِ بِحَسَبِ عَدَدِ النُّفُوسِ. كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ أُكْلِهِ تَحْسِبُونَ لِلشَّاةِ. تَكُونُ لَكُمْ شَاةً صَحِيحَةً ذَكَرًا ابْنَ سَنَةٍ، تَأْخُذُونَهُ مِنَ الْخِرْفَانِ أَوْ مِنَ الْمَوَاعِزِ. وَيَكُونُ عِنْدَكُمْ تَحْتَ الْحِفْظِ إِلَى الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ. ثُمَّ يَذْبَحُهُ كُلُّ جُمْهُورِ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ فِي الْعَشِيَّةِ. وَيَأْخُذُونَ مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا وَيَأْكُلُونَ اللَّحْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ مَعَ فَطِيرٍ. عَلَى أَعْشَابٍ مُرَّةٍ يَأْكُلُونَهُ. لاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ نِيئًا أَوْ طَبِيخًا مَطْبُوخًا بِالْمَاءِ، بَلْ مَشْوِيًّا بِالنَّارِ. رَأْسَهُ مَعَ أَكَارِعِهِ وَجَوْفِهِ. وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْبَاقِي مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ. وَهكَذَا تَأْكُلُونَهُ: أَحْقَاؤُكُمْ مَشْدُودَةٌ، وَأَحْذِيَتُكُمْ فِي أَرْجُلِكُمْ، وَعِصِيُّكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ. وَتَأْكُلُونَهُ بِعَجَلَةٍ. هُوَ فِصْحٌ لِلرَّبِّ. فَإِنِّي أَجْتَازُ فِي أَرْضِ مِصْرَ هذِهِ اللَّيْلَةَ، وَأَضْرِبُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَأَصْنَعُ أَحْكَامًا بِكُلِّ آلِهَةِ الْمِصْرِيِّينَ. أَنَا الرَّبُّ وَيَكُونُ لَكُمُ الدَّمُ عَلاَمَةً عَلَى الْبُيُوتِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ، فَلاَ يَكُونُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَةٌ لِلْهَلاَكِ حِينَ أَضْرِبُ أَرْضَ مِصْرَ وَيَكُونُ لَكُمْ هذَا الْيَوْمُ تَذْكَارًا فَتُعَيِّدُونَهُ عِيدًا لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً.“(الخروج3:12-14).

في القرن الاول الميلادي كان من المعتاد ان يردد اليهود وهم يحتفلون بعيد الفصح اناشيد وتسابيح تشمل اشعار آرامية يذكر فيها اربع احداث هامة في تاريخ شعب اسرائيل وشعب الله والتى يقال انها كلها قد حدثت في ليلة عيد الفصح اليوم الرابع عشر من شهر نيسان في النتيجة العبرية اولها هو ليلة الخلق عندما كون الله العالم من لاشيئ وثاتنيها كانت الليلة عندما قدم ابراهيم ابنه اسحق كذبيحة وثالثها ليلة الخروج من ارض مصر عندما تحرر الاسرائيليون من العبودية والرابعة هي الليلة التى لم تأت بعد وهي ليلة المسيّا وهي ايضا يجب ان تأتي في الرابع عشر من نيسان. وفي نهاية وليمة الفصح يتم انشاد مزامير 113-118 ويتبعها مزمور

 136.

يسوع يوما ما سيأخذ دور اب الأسرة فيقود تلاميذه لعشاء الفصح، فانه يوسف الذي أظهر

ليسوع كل ما يجب عمله في وليمة الفصح وكيف انه قد تعلم مباركة الخبز والخمر كما فعل

يسوع فيما بعد في العشاء الأخير.

انه من الشيئ الملاحظ ان الحدث الوحيد لطفولة المسيح تم تسجيله في العهد الجديد ويبدو انه شيئ محرج لمريم ويوسف، فحادثة فقد يسوع مثلا تبدو مخيفة فكيف يمكن لمريم ويوسف ان ينسوا صبي ذو ال 12 عام ويتركونه خلفهما في مدينة كبيرة مثل أورشليم؟ واي والدين يمكن ان يفعلا مثل هذا؟ وحتى انه من الأكثر دهشة بعيدا عن أي تفاصيل قد كشفها الأنجيل لنا عن طفولة يسوع فتلك التي تم ذكرها كانت لمحة صغيرة عن السنوات المخفية ليسوع والتي سردها الكتاب المقدس. من تقدمة يسوع في الهيكل كطفل عنده 40 يوما حتى ظهوره عند نهر الأردن وهو رجل ذو 30 عاما لم يقل لنا انجيل لوقا أي شيئ عن حياة يسوع ما عدا حادثة واحدة عندما فقد ثم وُجد في الهيكل وهو صبي ذات ال 12 عام. فلماذا يا ترى ذاك الحدث الوحيد هام عند لوقا؟ وما الذي يمكن ان يقوله لنا عن يسوع وأمه؟

حيث ان اليهود كانوا منتشرين في القرن الأول الميلادي ويقطنون في أماكن بعيدة عن أورشليم فمن المحتمل انهم كانوا لا يقومون بالسفر الي اورشليم إلا مرة واحدة في العام. لا يمكن اذن ان نجزم ان القديس يوسف كان يذهب ثلاث مرات كل عام ولكن حسب ما كتبه القديس لوقا انه كان يذهب مرة واحدة كل عام خاصة في عيد الفصح حسب الشريعة و يقضون هناك ثمانية أيام (عيد الفصح وعيد الفطير معًا). اما الأطفال ما دون سن الثانية عشر عاما فكانوا غير ملزمين بالشريعة ولهذا فليس من المؤكد بين علماء الكتاب المقدس اذا ما كان يسوع وهو دون سن ال 12 عاما كان يصاحب القديس يوسف للعبادة في الهيكل. اما القديسة مريم وكإمرأة يهودية فمن المؤكد انها كانت تصاحب القديس يوسف في رحلته الى اورشليم على الأقل مرة

كل عام.

ان رحلة ال 8 أميال ما بين الناصرة الي أورشليم سوف تأخذ 3-4 أيام والناس عادة يسافرون في تلك الأعياد في جماعات وفي عربات تجرها الركاب ويشترك الأقارب والأصدقاء والجيران عادة في مصروفات تلك الرحلة فالسفر في جماعات كبيرة في الطرق البعيدة تتيح حماية لتلك القوافل من لصوص وقطاع الطرق.

لما بلغ يسوع سن ال 12 عاما صاحب يوسف ومريم. وبالنسبة للصبى يسوع فهذه هي الزيارة

الأولى لبيت أبيه السماوي. كان الهيكل من الضخامة حتى أنه يتسع لمئات الألوف من الذين يصعدون للهيكل في الأعياد.

وسط هذا الهيكل ووسط الشيوخ أساتذة الناموس يجلسون في حلقات الدرس التي يعقدها شيوخ السنهدريم من الصباح حتى وقت التقدمة المسائية للرد على التساؤلات والإستفسارات. وكان على الشعب حضور اليومين الأولين للفصح، وكان يسمح للشعب بالعودة إلى بيوتهم بعد منتصف اليوم الثالث. ولذلك قرر القديس يوسف والعذراء مريم العودة إذ لم يكن هناك داعٍ لبقائهم بقية أسبوع الفصح بعد أن أتموا كل طقوسه، وهكذا فعل الكثيرون وبدأوا رحلة العودة. وكان المسافرون يسيرون على قافلتين، إحداهما للنساء في المقدِّمة والثانية للرجال في المؤخِّرة، وكان الصِبيَّان يسيرون إِما مع الرجال أو النساء. لذلك فإنَّه إذ اِنقضى اليوم الأول في العودة اِقتربت القافلتان واِلتقى يوسف بمريم كل منهما يسأل الآخر عن الصبي، إذ حسب كل منهما أنه مع الآخر، وقد بقيا يومًا كاملًا يسألان عنه بين الرجال والنساء، وإذ لم يجداه قرَّرا العودة إلى أورشليم حيث قضيا يومًا ثالثًا.

ثلاثة أيام يبحث يوسف ومريم عن كنزهما السماوي الذي لا يقاس فكيف لم بيلاحظا اختفاؤه بتلك الصورة؟ لهذا بحثا عن يسوع في شوق شديد. ثلاثة أيام بلا جدوى للبحث عن يسوع وكأن تلك الأيام الثلاث شهورا او سنوات. ترى مالذي دار في قلب وفكر القديسة مريم والقديس يوسف طوال الأيام الثلاثة. كانا يبحثان عنه:” وَإِذْ ظَنَّاهُ بَيْنَ الرُّفْقَةِ، ذَهَبَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَا يَطْلُبَانِهِ بَيْنَ الأَقْرِبَاءِ وَالْمَعَارِفِ. وَلَمَّا لَمْ يَجِدَاهُ رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ يَطْلُبَانِهِ.وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ”(لوقا44:2-46). ثلاثة أيام يبحثان عنه وهما لا يدريا كيف أضاعاه وأين يمكن ان يجداه، انها خسارة عظيمة اصابت قلب يوسف ومريم وشعرا بألم عميق لكونهما قد تقاعسا عن أداء الرسالة المكلفان بها من الله تعالى. ولكن عناية الله كانت هناك فوجد يسوع في الهيكل ” جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ. فَلَمَّا

أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا”(لوقا46:2-48).

لمدة ثلاثة ايام في بحث مستمر عن يسوع وفي الهيكل بكل ما فيه من بشر وجداه جالسا بين

العلماءولكننا لا نستطيع تصور ماذا دار في الحوار بينه وبين الشيوخ، لكن يمكن تصور أن

الحوار دار حول معانى الفصح. فالشيوخ يستغلوا هذه المواسم لشرح معانيها للشعب. وربما أظهر الصبي يسوع المعانى المخفية في رموز الفصح وأنها تدور حول المسيا المخلص حمل الله الذي يرفع خطية العالم. ولكم كانت فرحتهما عندما وجداه وقلقهما قد مضى وظلمة الفقدان قد تلاشت وعاد مجد وجوده في حياتهما.

ان يسوع كصبي له من العمر اثنا عشر عاما لم يكن مسؤلا عن افعاله أمام الرب طبقا للشريعة

والتي تحدث عندما يصل الانسان الى سن 13 سنة. مهما كان الأمر ان يسوع الصبي أدهش شيوخ الهيكل “ جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ” (لوقا46:2-47).لقد استخدم لوقا كلمة ” existanto والتي تصف تعجب مصحوب بمواجهة لحضور الله لذلك شبّه لوقا الشيوخ في الهيكل بأنهم متعجبين من مثل ذلك الصبي الموهوب من الله في اسئلته واجوبته لهم وبهتوا من حكمة الله فيه وهو في عمرال 12 عام.

مريم ويوسف أيضا استجابوا لمثل ذلك المنظر بتعجب ولكن تعجبهم ذو طبيعة مختلفة فلوقا استعمل كلمة مختلفة explagan والتي استخدمت في أماكن أخرى لتصف شخص ممتلء بقوة الله وظاهرة في تعليمه “فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ، لأَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ بِسُلْطَانٍ”0لوقا32:4)، او اخراج الشياطين “ فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ” (لوقا43:9)، اوعندما يصاب بالعمي عدو الإيمان كما فعل به بولس “فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى، آمَنَ مُنْدَهِشًا مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ”(اعمال12:13). يوسف ومريم كانا مملوءان بشعور من القلق العميق لسلامة الطفل بعد ثلاثة أيام وهو بعيد عنهما وهذا الشعور ظل في ذاكرتهما بغض النظر عما شاهداه في الهيكل من مقاطع -ابنهما منهمك تماما ومشغول بأمور أخرى مع معلموا الشريعة في تلك الأيام ويبدو انه غير مدرك لألم الفراق من والديه وما سببه لهما.

يعلّق العلامة أوريجينوس على بحث القدِّيسة مريم والقدِّيس يوسف عن الصبي يسوع، قائلاً:

“وجدوا يسوع فى الهيكل وكان يسأل أحيانًا ويجيب أحيانًا، فكان عظيمًا في أسئلته. ونحن نتضرَّع إليه حتى نسمعه يسألنا ويجيبنا. لنبحث عنه بجهد عظيم مقترنًا بالعذاب، عندئذ نجده، إذ يقول الكتاب: “هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين”. لا تبحث عن يسوع في تراخِ وفتور وتردّد كما يفعل البعض، فإنَّ هؤلاء لا يجدوه. لا اِعتقد أنهما كانا معذَّبين لاِعتقادهم أن الصبي قد فُقد أو مات، فلم يكن ممكنًا لمريم أن تشك هكذا، وهو الذي حُبل به من الروح القدس، وبشَّر به الملاك، وسجد له الرعاة، وحمله سمعان، ولا يمكن أن تنتاب نفس يوسف هذا الفكر، وهو الذي أمره الملاك أن يأخذ الطفل ويهرب به إلى مصر وسمع هذه الكلمات: “لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها من الروح القدس” (مت 1: 20). لا يمكن أن يخَف يوسف على الطفل وهو متيقِّن أنه الله (الكلمة). إذن فعذاب الأبوين وسؤالهما له مغزى آخر قد لا يستشفُّه القارئ العادي. لقد بحثا عن يسوع وذُهلا لمجرَّد التفكير أنه ابتعد عنهما، أو تركهما وذهب إلى موضع آخر، أو ربَّما صعد إلى السماء لينزل في الوقت المناسب.

بعد انتهاء العيد بدأت العائلات والأصدقاء في اعادة التجمع لرحلة العودة لبلادهم ومن المحتمل ان يشترك معهم في رحلة العودة بعض من قابلوهم في العيد. يوسف ومريم افترضا ان ابنهما يسوع موجود في مكان ما وسط جموع المسافرين مع صبيان في نفس عمره.

مر يوم من تلك الرحلة وعلى الرغم منذلك تحققوا انهما لم يشاهدا يسوع منذ ان تركوا اورشليم. وما بدأ يظهر كوخز من القلق اصبح حزن لا يمكن احتماله كلما تيقن يوسف ومريم انهما لم يشاهدا يسوع في اي مكان في قافلة الرجوع ولا يوجد اي شخص متذكر انه قد رآه منذ مغادرتهم لأورشليم. راجع يوسف ومريم بذاكرتهما الي متى آخر مرة شاهدوا يسوع وبدأوا في مراجعة من يمكنه ان يعرف اين يسوع ومن ربما قد رآه وهما يعلمان ان المدينة كانت مكتظة بالغرباء وان الطرق غير آمنة. يوسف قد يكون متذكرا قصة من يحمل نفس اسمه يوسف الصديق والذي أُخذ وهو صغير الى مصر وكان ذلك الفقد سببا في تحطيم قلب ابيه يعقوب. يوسف يمكن ان يصاب ببعض الفزع والألم حتى وهو يعي تماما ان الله لا يمكن ان يصيب الصبي بأي أذى لأنه كان يضع ثقته دائما في الرب. اليوم قد مرّ والليل تبعه ووراءه يوم آخر وليل آخر وبدأ حزن يوسف ومريم يصل لأقصى مدى التحمل البشري:” لَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟ إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ؟”(مزمور1:13-2).

عادا يوسف ومريم الى مدينة اورشليم مرة اخرى وكم كان فرحهما ومدى ارتياحهما واي دموع قد

سكبوها عندما بعد ثلاثة أيام وجدوا يسوع في الهيكل وكان جالسا مع المعلمين بنصت ويسأل، وتجمع الكثيرين من حولهم متعجبين من حكمة الصبي:” وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَجَدَاهُ فِي الْهَيْكَلِ، جَالِسًا فِي وَسْطِ الْمُعَلِّمِينَ، يَسْمَعُهُمْ وَيَسْأَلُهُمْ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ.“(لوقا46:2-47).

هل يستطيع يوسف – حتى يوسف الصامت- بعد ان رأى ابنه يسوع ولا يصرخ؟. انها مريم

التى تكلمت قائلة:” «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ” (لوقا48:2). وجه يسوع كلامه لكلتا والديه قائلا:” «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟».“(لوقا49:2).

اي اب بشري سيشعر بالألم عند تلك الكلمات ومن المؤكد ان يوسف شعر بذلك ولكن الأمر لم يكن غيرة تجاه الله ولم يكن مسألة ان يوسف اراد بعض الاعتراف او الشكر من ابنه، ولكن تلك اللحظة هي علامة فصل والتى تبدو الآن حتمية. ابن يوسف اصبح رجلا ووصل الى نضجه والى سن الاستقلالية وكان واضحا ان لديه مهمة يلزم اتمامها.

سنوات قبل ذلك الأمر قال رجل شيخ عجوز هناك في ذلك الهيكل لمريم:” وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ».“(لوقا35:2). في تلك اللحظة يوسف ايضا شعر بذاك السيف ربما بشدة كأي شيئ آخر قد شعر به أثناء البحث عن الصبي.

يوسف ومريم “فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا”(لوقا50:2). هناك عدم فهم لا مفر منه ما بين

الأجيال وذاك ايضا هو حزن بدأ يشعر به يوسف كأي أب.

لقد وجهت مريم ليسوع هذا السؤال: فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!»(لوقا48:2)، ان الكلمة الأخيرة التي استخدمت في اللغة اليونانية odynomenoi يمكن ان تساعدنا ان نفهم بعض الشيئ عن الصدمة التي تعرضا لها مريم ويوسف في بحثهما خلال الأيام الثلاثة، فالكلمة اليونانية تصف القلق النفسي

والعقلي العميق ومن الغريب انه استخدمت في التقليد اليهودي لتصف خبرة رعب الوالدين من

فقد طفلهم.

فمثلا طوبيا قال لحماه الجديد انه يجب ان يعود الي بيته في الحال لأبيه والذي يُعد الأيام

لعودة ابنه، ويقول:” لأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ أَبِي يَحْسُبُ الأَيَّامَ، فَإِنْ زِدْتُ فِي إِبْطَائِي يَوْمًا وَاحِدًا حَزِنَتْ نَفْسُهُ”(طوبيا4:9)، ويستمر سفر طوبيا في وصف كيف ان غياب طوبيا الإبن سيؤثر على امه وابيه وكيف سيكون قلقهما بعدم رؤية ابنهما سريعا. وكذلك جاء عن ام يهودية في القرن الأول الميلادي وذكرت في سفر المكابيين والتي شاهدت استشهاد أبناؤها السبعة وفرحت من ان زوجها لم يعش تلك اللحظة ليختبر قلقها adynoun وهي ترى كل أبناؤها وهم يموتون

(2مكابيين 7).

ان قلق مريم ويوسف يمكن ان ينظر اليه بنفس الموقف المشابه لوالداي طوبيا وام الشهداء المكابيين فأيضا مريم ويوسف اختبرا قلق عظيم عندما فقدا ابنهما لمدة ثلاثة أيام في أورشليم.

ان أول كلمات نطق بها السيِّد كما جاء في الأناجيل المقدَّسة هي: “لماذا كنتما تطلباني، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟!”. هذه الكلمات تكشف عن طبيعة السيِّد المسيح وعن رسالته كما تحدَّد لنا ملامح السلوك اللائق:

أ. فمن جهة طبيعة السيِّد المسيح، فهو وإن كان لا يتعرَّض على نسبِهِ لمريم ويوسف، إذ قالت

له أُمّه: “هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين”، إذ كان يوسف أبًا له حسب الشريعة من أجل

التبنِّي وان كان ليس من زرعه، وكانت مريم أُمَّه حسب الجسد، لكنه هو الذي العلي، يؤكِّد علاقته بالآب “ينبغي أن أكون فيما لأبي” معلمنا أنه ابن الله الآب!

من جهة ناسوته ينسب للقدِّيسة مريم لأنها حملته، أخذ منها جسدًا، لكنه لا ينسب جسديًا ليوسف إنما من أجل خدمته له وارتباطه المملوء محبَّة.

فلنتخيل كيف كان شعور مريم في ذلك المنظر فهي تبحث عن ابنها المفقود لمدة ثلاثة أيام في قلق خلال مدينة أورشليم وفقط لتجده منهمك مع العلماء في الهيكل ويبدو انه غير مدرك للحزن الذي سببه لوالديه نتيجة اختفاؤه. عندما سألت مريم يسوع سؤال مفهوم “لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟”، وبدلا من يجاوبها على سؤالها، أجاب الصبي ذو ال 12 عام بأسئلة شائكة منه:”

«لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟»(لوقا49:2).

يخبرنا لوقا ان مريم ويوسف: فَلَمْ يَفْهَمَا الْكَلاَمَ الَّذِي قَالَهُ لَهُمَا”(لوقا50:2)، ربما مريم قد تكون

شاكرة لإتحادها مرة أخرى بإبنها ولكنها تركت متحيرة بسر ذلك الحدث الدرامي، ترى ما الذي

حدث؟ ولماذا فقدت يسوع لمدة ثلاثة أيام؟ وما الذي يعنيه الصبي ذو ال 12 عام عن حاجته

الماسة ان يكون “في بيت أبي”؟

دعونا نكتشف معنى إجابة يسوع العجيبة لمريم. أولا لاحظ المقارنة التي صنعها يسوع ما بين

ابوه الأرضي وابوه في السماء، فمريم تكلمه عن “أبوه” بالإشارة الي يوسف بينما يسوع يجيب بالتكلم عن “ابي” والذي يعني ابوه السماوي. بالتأكيد ان يسوع سيكرّم والديه الأرضيين ويطيعهما

– النقطة التي أشار اليها لوقا قائلا:” ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا”

(لوقا51:2)، ولكنه أولا هو ابن الله وأول تعليق يشير له يسوع هو عن ابوه السماوي.

كذلك كلمات يسوع المهمة عن احتياجه ان يكون في بيت ابيه حيث ان الهيكل كان معروف بأنه بيت الله. ان كلمات يسوع أحيانا تفسر انه يشير الي الهيكل في أورشليم حيث وُجد ولكن يوجد هنا اكثر من معنى عن التركيز على المبني المقدس، فالتعبير يمكن أيضا ان يترجم ” شؤون أبي” او “عمل ابي”. حيث ان الفكرة عن “المنزل” في عالم اليوناني-الروماني القديم تشير ليس فقط للمكان ولكن الي سلطة العائلة. ان كلمات يسوع تشير ليس فقط لزيارته الجسدية الي منزل الرب -هيكل أورشليم- ولكن أيضا سوق العمل والإلتزام الذي سيتممه للأب

السماوي فهو يعني شؤؤون ابيه السماوي من هيكل ورسالة وتمجيد.

ان سماع تلك الكلمات جعلت مريم ويوسف يواجهان تحدي عميق بضرورة العمل مع الصبي ذو ال 12 عام الي لذته الفريدة للاتحاد بالأب السماوي وانهما قد دعيا للتعاون مع مهمة ابنهما بأن يتركوه يذهب أينما يريد طبقا لمشيئة وقيادة الأب السماوي حتى لو سبب ذلك لهما أي حزن.

ان تلك المواجهة مع ابنها في الهيكل تمثل خطوة هامة في مسيرة إيمان مريم حتى على الرغم

من انها قد أعطيت لها رؤيا أكثر عن يسوع ورسالته من أي شخص آخر، فربما لم تنتهي مريم

لإستيعاب كامل بعد لما يجري في حياتها وحياة ابنها الإلهي. لقد قال لوقا الأنجيلي لنا ان مريم

تسير بالإيمان وتطلب الفهم العميق وانها “وَكَانَتْ أُمُّهُ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذِهِ الأُمُورِ فِي قَلْبِهَا”

(لوقا51:2). لقد سلّمت مريم حياتها واستسلمت لسر ذلك الحدث والتزامها لتحفظ وتتأمل في

كل هذا في قلبها مما جعل البابا يوحنا بولس الثاني يقول ان ذاك الحدث هو تجديد لأحزان

مريم ولقد وصف ذلك المنظر من انه نقطة تحول في حياة مريم، فحتى تلك اللحظة كانت مريم مرتبطة بيسوع أساسيا كأمه تحمل الطفل في احشائها وتلده في بيت لحم وتقدمه في الهيكل كطفل ذو الأربعين يوما. على مدار الوقت قلبها اختبر حزن من عدة أحداث أحاطت بطفولة ابنها، فمن إحصاء قيصر المفروض على الجميع ومن عدم وجود غرفة للطفل في الخان ومن حالات الفقر والتواضع في ميلاد ابنها ومن نيؤة سمعان الشيخ عن الرفض وعدم القبول والقتل الذي ينتظر وليدها وكل هذا يضع في قلب أي أم حزن وألم لا يمكن وصفه.

ولكن الآن وبعد 12 عام تبدأ مريم في علاقة جديدة مع إبنها بعد أن وُجهت برسالة ومهمة يسوع من ان يعمل إرادة الأب السماوي ولم يكن ذلك من ظروف خارجية ولكن ابنها نفسه هو الذي يسبب حزنها ويواجهها مذّكرا برسالته فهو الذي تجسد ليتمم مشيئة الأب. انها مطالبة الآن بالتعاون في مهمة ابنها لتنفيذ مخطط الأب السماوي من اجل خلاص البشرية بعيدا عن أي مشاعر امومة أرضية. لقد أضاف البابا يوحنا بولس الثاني قائلا ان مريم تأملت في تلك الأحداث والتي تتطلب منها تقديم مشاركتها وتعاونها وتجديد استسلامها للرب ولا تنسى سلسلة

الأحداث التي مرت والتي ستأتي وان تضع نفسها آمة للرب لخدمة مهمة ورسالة ابنها الإلهي.

اعتبر ان كل هذا حدث في هذا النص، يسوع مضى مع والديه للحج من الجليل الي أورشليم للإحتفال بعيد الفصح وبمجرد وجوده في المدينة المقدسة ذهب يسوع الي الهيكل وبينما هو هناك أدهش الناس من فهمه، ولكن النهاية كونه انفصل من أمه لأنه يقوم بعمل إرادة أبيه

السماوي وهذا سبب حزن لأمه حتى اتحدت به مرة أخرة في اليوم الثالث.

في البشارة والزيارة دور مريم هو انها أم المسيّا، ولكن بالتدريج نرى ان الأم قد دُعيت للمشاركة

في صليب ابنها وتساهم في مهمة الخلاص. في ميلاد ابنها في ظروف فقر وتواضع في بيت لحم اختبرت مريم بعض من المعاناة الأولية المصحوبة برفض وليدها. وفي التقدمة في الهيكل تعلمت من سمعان الشسخ كيف انها ستشارك في معاناة يسوع وما سيواجه ابنها من سيف سينغرس في فؤادها هي أيضا ولكن الآن عندما كان يسوع في الثانية عشر من عمره اختبرت مريم بطريقة مباشرة ابتعاد يسوع ابنها منها لمدة ثلاثة أيام وعندئذ تعلمت منه ان كل هذا كان

جزء من خطة ابيه السماوي – يجب ان يقوم بعمل ابيه لهذا جاء ولهذا هي رسالته على

الأرض. لقد علّم البابا يوحنا بولس الثاني ان يسوع ببقاؤه في أورشليم كان يعد مريم الي

تعاونها الفريد في سر الخلاص.

ذهبت الأسرة الي بلدتهم ومن المؤكد تغيير قد حدث بعد تلك المحنة يسوع الآن قد كبر وعن طيب خاطر خضع لسلطة يوسف ومريم:” ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا”(لوقا51:2). خضع الله نفسه ليوسف ومريم في الطاعة. ترى ما أعظم شهادة لبرارة يوسف وعظمة ايمان مريم يمكن أن تكون أكثر من هذا؟

عائلة الناصرة

لنتأمل بعائلة يسوع الأرضية، المتكونة من رب العائلة ” القديس يوسف” ومن ربة العائلة

” العذراء مريم ” ومن الصبي ” يسوع “، وذلك عبر أحداث البشارة للعذراء مريم والبشارة لمار يوسف، وولادة يسوع المسيح في بيت لحم، وتقدمة يسوع في الهيكل، والهروب إلى مصر أمـام الطاغية هيـرودس، والعـودة إلى الوطن والسكن في الناصرة مدة ثلاثين سنة، وذلك لكي تقتدي بها العوائل كافة، فإنها قدوة كل عائلة.

دون شك لهذه العائلة خصوصيتها، التي تميزها عن سائر العائلات، بسبب أصل الطفل”يسـوع” ورسالتـه التي تنتظره ؛ ولكـن هـذه الخصوصية لا تظهر للعيان ؛ لان تجسد إبن الله تحقق في الإطار البشري، لذا كان مواطنو يسوع يقولون ” أليس هذا هو إبن النجار ؟ أليست أُمه تسمى مريم….. ” (متى 55:13).

كانت عائلة يسوع شبيهة بسائر العائلات البشرية، إذ إن يسوع مثل سائر الصبيان ؛ ولد بين زوجين تربطهما محبة طاهرة، يحبان ولدهما محبة غامرة، فترعرع يسوع في جو المحبة العائلية ومحبة الله ومحبة القريب ؛ إن نجاح حياة كل وليد متعلقة بأجواء المحبة العائلية التي يولد فيها ويترعرع ويشب.

لم تكن حياة هذه العائلة خالية من الصعوبات، بل كانت تشبه سائر العائلات البشرية، تخللتها الصعوبات كولادة يسوع في ظروف إستثنائية واللجوء إلى مصر والعودة إلى الوطن وغيرها، ولكن في خضم هذه الصعوبات كلها كانت العائلة المقدسة مؤمنة بالله إيمانًا لا يتزعزع وتغمرها ثقة مطلقة بالعناية الربانية والطاعة البنوية لأوامر الرب.إن دعوة كل عائلة هي أن تكون صورة للعائلة المقدسة، تسودها فضائل الإيمان والرجاء والمحبة.

القديس يوسف مثال لكل أب

لنقترب الي القديس يوسف، مثال لكل أب –إن ما يسترعي إنتباهنا في حياة القديس يوسف

هو صمته العميق والمستمر طيلة فترة ظهوره على مسرح أحداث طفولة يسوع المسيح، لا نجد في الإنجيل عبارة واحدة قالها.

إن المواقف التي إتخذها يوسف ازاء أوامر الله، تعبّر بأسلوب بليغ عن سمو شخصيته. إن الإنجيلي متى والإنجيلي لوقا حينما يضعان شخصية القديس يوسف في قلب أحداث سر التجسد، يريدان أن يعبّرا عن موقف الكنيسة الناشئة، كان المسيحيون الأولون ينظرون إلى يوسف الرجل الأول في روحيته وفضائله وعليهم الإقتداء به.
ان الله الذي ألهم الإنجيل المقدس، يُطلق على يوسف صفة ” البار” قائلاً:” كان يوسف رجلها باراً” (متى 19:1)، إنها شهادة الله ذاته، فيا لها من شهادة خطيرة.

يطلق الكتاب المقدس صفة “البار” على الإنسان الذي همّه الوحيد إتمام مشيئة الله بدون تردد وفي الظروف كلها، خاصة أبّان الظروف الصعبة، منها حالما سمع مار يوسف رغبة الله من الملاك قائلاً:”لا تخف يا يوسف أن تأخذ مريـم… صنــع مــا أمـر بــه، فــأخــذ إمـرأتـه ولم يعـرفها حتى ولـدت إبنها البكـر… ” (متى 20:1-24).

وأستمر طائعًا لأوامر الله طيلة حياته، فحين أمره الملاك أن يغادر الأرض المقدسة ويهرب إلى مصر لإبعاد يسوع الطفل مـن الطاغية هيرودس قائلاً له : ” قم فخذ الطفل وأمه وأهرب إلى مصر وأقم هناك حتى أعلمك، لأن هيرودس سيبحث عن الطفل ليهلكه، قـام فـأخذ الطفـل وأمه ليـلاً ولجأ إلى مصر وأقام فيها إلى وفاة هيرودس ” (متى 13:2-14).
” وما أن توفي هيرودس حتى تراءى ملاك الرب في الحلم ليوسف في مصر وقال له : قم فخذ الطفل وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، فقد مات من كان يريد إهلاك الطفل فقام فأخذ الطفل وأمه ودخل أرض أسرائيل ” (متى 21:2).

يقدم القديس البابا يوحنا بولس الثاني القديس يوسف مثالاً لآباء العائلات كلهم، وذلك في

إرشاده الرسولي : حارس المخلص Redemptoris Custos التي أصدرها بتأريخ 15 اغسطس1989 قائلاً:” في (العائلة المقدسة) يوسف هو أب، لا تأتي أبوته من أصله، إنها ليست ظاهرة، ولكنها تتحلى تحليًا صادقًا بصفات الأبوة البشرية وتعبر عن دوره كأب العائلة”.

إن العذراء مريم التي تعرف أن يسوع حبل به من الروح القدس توجه كلامها ليسوع قائلة:”ها أنا وأبوك كنا نبحث عنك متلهفين ” (لوقا 48:2) ؛ يعلق البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته آنفة الذكر على هذه الآية قائلاً:”إن هذه الآية ليست عبارة مجاملة، إن ما تقوله أم يسوع يعبر عن حقيقة التجسد كلها، الذي يعود إلى عائلة الناصرة”.
لم يتظاهر يسوع بالتجسد، بل أصبح إنسانًا حقيقيًا مثل سائر الناس لذلك ” كان يسوع يتسامى بالحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس ” (لوقا 52:2). أدّى يوسف دوره كمربٍ للصبي يسوع قام بمهمته بتوفير حاجاته المادية كالمأكل والملبس والمسكن ومهنة النجارة وتعلم الشريعة.
هكذا تقدم الكنيسة القديس يوسف مثالاً لكل أب عائلة، في تكميل إرادة الله في الظروف والأوقات كلها.

العذراء مريم مثال كل ربة بيت

تدعونا الكنيسة خلال هذه الأيام أن نتأمل مريم العذراء وهي تؤدي رسالتها كربة بيت. إن القليل الذي تذكره الأسفار المقدسة يكفي لكي يعطينا فكرة عن حبها لعائلتها، هذا الحب الذي كانت الأعمال كافة التي تقوم بها متحلية بها : صبرها، وداعتها، فرحها، وخاصة إندهاشها إزاء طفلها الإلهي المسجود له، لنستعرض الآيات المقدسة التي تساعدنا في اكتشاف دورها الرائد.

” ها أنا أمة الرب “ (لوقا 38:1) : إن عظمة مريـم تكمـن في كونها خادمـة الرب، الدور الذي قامت به، ليس فقط يوم البشارة، ولكن دومًا وفي مفردات حياتها كلها.

– ” إن القدير صنع إليّ أمورًا عظيمة ” (لوقا 49:1) : إن نشيد مريم ” تعظم نفسي الرب…. ” هو نشيد شكر، رفعته السيدة التي ستصبح أمًا. يجب على الزوجات، وعلى مثال مريم، أن يكتشفن أن الأمومة هي أمر رائع، وكل طفل يولد هو هدية من الله ؛ وأمام كل طفل يولد ليُرفع الشكر لله، شكرانًا شبيهًا بشكران مريم ” إن القدير صنع إليَّ أمورًا عظيمة “.
– ” لجأ يوسف إلى ناحية الجليل، وجاء مدينة يقال لها الناصرة، فسكن فيها، ليتم ما قيل على

لسان الأنبياء، إنه يدعى ناصريًا ” (متى 22:2-23) :

إن الناصرة في أيامنا هذه مدينة يبلغ عدد سكانها 30.000 نسمة، ولكن قبل ألفي سنة لم تكن

إلاّ ضيعة صغيرة، كما تظهر التنقيبات التي أُجريت فيها، رابضة بين تلال، تزينها أشجار

الزيتون وبساتين الكروم وحقول الحنطة، يزودها نبعُ ماء.

كانت مريم تقوم بواجباتها كربة عائلة فقيرة بكل تفان، كانت تذهب يوميًا إلى النبع لتنقل الماء

إلى بيتها، حاملة الجرّة على مثال سائر النسوة ؛ كانت تعد الطعام وخاصة الخبز بأساليب بدائية ؛ وزادت صعوباتها ومسؤولياتها عندما توفي القديس يوسف.

– ” هناك عند صليب يسوع، وقفت أمه ” : رافقت مريم إبنها في مراحل حياته التبشيرية كلها، وخاصة في ساعة موته على الصليب، بدون تشكٍّ ولا تذمّر، وذلك طاعة لله لأن دعوتها كانت أن ترافق إبنها وهو يكمل رسالته، فرافقته طيلة حياته الأرضية إلى الأخير.
” هذه أمك ” (يوحنا 27:19) : إن أمومة مريم تتعدى أمومتها البشرية، فلا تنحصر بيسوع، بل تشمل جميع البشر، تهتم بهم بكل حنان وتنزل عليهم غيث النعم السماوية، هذا ما ظهر خاصة خلال ظهوراتها في مدينتي لورد وفاطمة وغيرها ؛ إنها تواصل أمومتها نحونا.

يسوع مثال كل البنين

حياة العائلة المقدسة هي حياة عمل وصلاة. مريم تعمل في البيت ويوسف في النجارة. وينتقل يسوع بين الاثنين بعد أن يكون قد حفظ من الكتاب المقدس ما يلقنونه إياه في مجمع البلدة. علاوة على ذلك تسهر مريم على صحة ابنها وعلى تربيته وفقاً لقواعد السلوك والآداب ويعلمه يوسف وصايا الله ويشرح له معنى الأعياد والممارسات والتقوية التي نصّ عليها الكتاب. هذه الحياة في الناصرة يمكننا أن نسميها سنوات تربية يسوع. لقد اهتم به والداه ليجعلاه ينمو ويترعرع ويتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس (لوقا 2\51-52). فيوسف ومريم هما مثال للوالدين في تربية أولادهم بروح الله. اما يسوع كان مثالا لأي ابن او ابنة ينشأ في بيت مسيحي يعرف الكتب منذ حداثته ومواظبا على الشريعة الإلهية والوصايا. فإذا امتلأ جو العائلة بالمحبة لله وللقريب، تشرّب الولد هذه الروح وتنشقها دون عناء وقدّرها حق قدرها واحترم

القيم التي يعيشها أهله أمامه فتكون لهعوناً ثميناً لينمو نمواً صحيحاً متكاملاً.

ويذكر الإنجيلي لوقا حادثتين هامتين جرتا ليسوع حينما بلغ الثانية عشرة من عمره : صعوده إلى هيكل أورشليم للإشتراك في مراسيم الفصح وبقاؤه في الهيكل بين العلماء دون علم العذراء مريم والقديس يوسف (لوقا 41:2-50)، والعودة إلى مدينة الناصرة ونمط حياته الأسرية في هذه القرية (لوقا 51:2-52).

“يسوع في هيكل أورشليم بين العلماء”:فلما بلغ إثنتي عشرة سنة، صعدوا إلى (أورشليم) جريًا على السنة في العيد، فلما انقضت أيام العيد ورجعا، بقي الصبي يسوع في أورشليم، من غير أن يعلم أبواه. وكانا يظنان أنه في القافلة، فسارا مسيرة يوم. ثم أَخذَا يبحثان عنه عند الأقارب والمعارف. فلما لم يجداه، رجعا إلى أورشليم يبحثان عنه. فوجداه بعد ثلاثة أَيام في الهيكل، جالسًا بين المعلمين يستمع إليهم ويسألهم.

وكان جميع سامعيه معجبين أشد الإعجاب بذكائه وجواباته. فلمّا أَبصراه دُهشا، فقالت له أمه :

” يا بني لِمَ صنعتَ بنا ذلك ؟ فهوذا أبوك وانا كنا نبحث عنك متلهفين “. فقال لهما : ” ولمَ بحثتما عني ؟ ألم تعلما أَنه يجب عليَّ أن أكون عند أَبي ؟ فلم يَفهما ما قال لهما”.
إن بلوغ يسوع الثانية عشرة من عمره يعني بلوغه عمر النضوج الديني في التقليد اليهودي، يؤهله أن يصعد إلى أورشليم للإشتراك في مراسيم العيد ويصبح مسؤولاً لأداء الرسالة الإلهية الموكلة إليـه ؛ بهذا العمر بدأ النبي صموئيل يتنبأ (1 صموئيل 3)، وبهذه السن أصدر النبي دانيال حكمًا حكيمًا (دانيال 45:13-64).

يكشف الحديث الذي دار بين يسوع وبين ذويه ثلاثة أمور هامة جدًا : هويته البشرية، هويته الإلهية، رسالته الخلاصية :

إن قول العذراء : ” فأبوك وأنا كنا نبحث عنك ” يكشف هوية يسوع البشرية وانتسابه إلى العذراء

مريم وإلى القديس يوسف الذي هو بمثابة أبيه البشري حسب السجلات المدنية، فإنه إنسان كامل.
وقول يسوع ” ألم تعلما أنه يجب أن أكون عند أبي ؟ “، مشيرًا بذلك إلى كونه إبن الله الوحيد، فهو إله كامل. وسوف يستمر يسوع يستعمل عبارة ” أبي ” طيلة حياته الأرضية ليبيّن علاقته الفردية مع الآب السماوي، ” أحمدك أيها الآب… ” (متى 25:11)، ” أنا والآب الذي

أرسلني… ” (يوحنا 16:8).

إذن كان يسوع واعيًا لأصله الإلهي منذ هذه المرحلة، قوله ” عليّ أن أكون عند أبي ” هي أول كلمة نقلها الإنجيل المقدس عن فم يسوع.
– ” حياة يسوع في الناصرة ” ” ثم نزل معهما، وعاد إلى الناصرة، وكان طائعًا لهما، وكانت أمه تحفظ تلك الأمور كلها في قلبها، وكان يسوع يتسامى في الحكمة والقامة والحظوة عند الله والناس ” (لوقا 51:2-52).
أبدى يسوع كل الإحترام والطاعة للعذراء مريم وللقديس يوسف، بالرغم من أنه إبن الله المتجسد، فلقد صار إبنًا بشريًا حقيقيًا للأبوية الأرضية. كانت العذراء مريم والقديس يوسف يعرفان كيف يربيان يسوع ويعلمانه مهنة النجارة وسائر الأمور الأخرى.

كما أن كلمة يسوع:” ألم تعلما أنه يجب عليَّ أن أكون عند أبي ” تظهر بجلاء أن يسوع كان عالمًا وواعيًا بالرسالة الخلاصية التي أوكلها إياه الآب السماوي.

على الأولاد أن يأخذوا يسوع مثالاً لهم في تكميل واجباتهم الدينية، إذ يبين هذا النص أن الإحتفال بالمراسيم الفصحية وإقامة الصلاة في الهيكل وفي المجامع كانت مقدسة لدى يسوع، إذ كان مثابرًا على تكميلها. كذلك على الأولاد أن يأخذوا يسوع قدوة لهم بالطاعة للوالدين ومساعدتهم في البيت بالإنقياد إلى توجيهاتهم.

موت القديس يوسف

لا نعرف متى وكيف مات القديس يوسف، فالإنجيل لا يُطلعنا على هذه التفاصيل كما لا يأتي على ذكر موت القديسة العذراء ويُقال انه توفي قبل ان يبدأ يسوع حياته العامة إلا ان التاريخ الدقيق غير معروف علماً ان تسليم يسوع والدته الى عهدة القديس يوحنا، لدليل ان القديس يوسف توفي قبل موت يسوع..

ان الرأي الأغلب بين آباء الكنيسة ان القديس يوسف قد مات بين يدي يسوع ومريم قبل ان يبدأ

يسوع خدمته العلنيةوكان في سن الثلاثين وهذا الرأي يؤيده ان كتبة الأناجيل لم تذكر أي شيئ عن القديس يوسف ولم يأتي ذكره في عرس قانا الجليل (يوحنا 2) وأيضا عندما جاء يسوع الي الناصرة قال اليهود “اليس هذا هو ابن النجار” وهذا يعني ان اليهود كانت ذاكرتهم عن القديس يوسف مازالت حية وهذا يعني انه لم يمت منذ مدة طويلة. وهناك رأي بأن القديس يوسف مات وكان يسوع في سن ال 17 سنة وهو الذي كان يعمل في حانوت الناصرة ليعول والدته القديسة مريم، ولكن هذا الرأي لم يتفق عليه علماء الكتاب المقدس.

يذكر الـمرنم “ عَزِيزٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ مَوْتُ أَتْقِيَائِهِ.“(مزمور15:116) بعد ان خدم القديس

يوسف يسوع ومريم بأمانة ووصل الي نهاية حياته في بيته بالناصرة. فيكون موت القديس

يوسف هو اكرم جداً بسبب مقامه السامي. لقد مات يعقوب بن اسحق بفرح القلب بعدما رأى وجه ابنه يوسف “فقال إسرائيل ليوسف دعنى اموت الآن بعدما رأيت وجهك لأنّك بعد باقِ”(تك30:46)، وسمعان الشيخ قد مات بعد ان حمل على ذراعيه مخلص العالم”الآن تُطلق عبدك ايها الرب على حسب قولك بسلام.فإن عيني قد ابصرتا خلاصك”(لو29:2).

فما كان أشد فرح قلب القديس يوسف فى الساعات الأخيرة من حياتـه فها هو يسوع قدوس الله

عن يمينه ومريم عروسه على يساره وهما ينظران اليه ويشكرانه على ما تحمله من شتى الأتعاب والأحزان لأجلهما ويقدمان له كلمات العزاء والرجاء المبارك والتسليم المطلق ففاضت روح القديس يوسف بهدوء بين ايدي يسوع ومريم. القديس يوسف مات بين يدَي ابنه. فأخذ يسوع يوسف بين ذراعَيه ووضع رأسه على صدره فيا لها من ميتةٍ عذبة ويا لها من فرحة لا تقدر بثمن ومن محبةٍ متقدة!فكانت ذراعَي يسوع التي احتضنت والده في لحظات حياته الأخيرة أكبر كنز وأكبر نعمة. فهو الذي التجأ الى ذراعَي والده مرات ومرات وهو صغير، يُبادل والده بلفتة كلها محبة وعطا،.

وهذا إنعام كبير جعله شفيع الميتة الصالحة فلقد كان موته فى حضور يسوع ومريم وهو موت يرجوه كل مسيحي.

أمـّا متى مات القديس يوسف؟، فغير معلوم تـماما لكن من الـمؤكد انه قد مات قبل ان يـبدأ يسوع

خدمته العَلَنية وهو فى سن الثلاثين”ولـما إبتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة”(لوقا33:3)، ولـم تذكر الأناجيل اي شيئ عنـه بدءاً من أول معجزة صنعها يسوع فى عرس قانا الجليل، ولهذ فقد تكون وفاتـه عن عمر ما بين خمسون الى خمسة وخمسون عامـا.

وذكرت الكتب الـمنحولة الغير قانونيـة ان القديس يوسف قد مات عن سن 111 عاما وذلك فى يوم 20 يوليو عام 18 او 19م، والقديس ابيفانوس اعطى له عمر 90 عاما عندما مات، وهذا كما سبق وان تبين غير مقبول منطقيـاً ولقد قيل ايضا انه قد دُفن فى وادى يهوشافاط، ولكن من المحتمل انه مات ودفن فى الناصرة حيث عاش.

لقد بدأ يسوع خِدمتـه العَلنيـة بعد رحيل القديس يوسف وكان هذا ضمن تدبير الله حتى يـمكن

للسيد الـمسيح أن يعلن جهارة عن محبة الآب السماوي للبشر فلا يتشكك السامعون من أنـه يتكلم عن يوسف أبـيه فى كل مرة يتكلم عن أبيـه كقولـه:”أنا الكرمـة وأبـي الحارِث” (يوحنا1:15)، أو “كما أحبني الآب هكذا أحببتكم”(يوحنا9:15). لقد اعتقد البعض ولهم أسبابهم من ان القديس يوسف كان ضمن القديسين الذين قاموا من الأموات عند موت السيد الـمسيح حيث يُذكر ان “القبور تفتحت وقام كثير من اجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور من بعد قيامته وأتوا الى الـمدينة المقدسة وترآءوا لكثيـرين” (متى52:27-53). ويقول القديس برناردينوس السينائي انه كما عاش يسوع ومريم ويوسف متحدين معا على الأرض متحمّلين نفس الآلام والـمتاعب فلا شك انهم متحدين الآن فى السماء.

بدء حياة يسوع العلنية

لم يذكر الإنجيل عن حياة يسوع قبل بدء خدمته سوى قصة زيارته للهيكل في سن الثانية عشرة. جاء انه قبل بدء يسوع حياتـه العلنيـة “كان لـه نحو ثلاثين سنة”(لوقا23:3)، وهو السن الذي يدخل فيه الاحبار الى خدمتهم، وقد قضى حياته السابقة في الناصرة (متى 2: 23)، وفيها نشأ يسوع وترعرع (لوقا 4: 16) وصرف القسم الأكبر من حياته فيها ولذلك لُقِّب يسوع الناصري نسبة إليها (متى 21: 11) ايضا دعى بالنجار (مرقس 6:3) وبابن النجار (نتى55:13). افتتحت حياة يسوع العلنية بالمعمودية التي تلقاها من يوحنا المعمدان في الاردن. كان يوحنا يكرز “بمعمودية توبة لمغفرة الخطايا” (لوقا 3:3). “حينئذ ظهر يسوع”. فيتردد المعمدان. ويلح يسوع: فينال المعمودية؛ واذا الروح القدس ينزل بشكل حمامة ويحل عليه؛ واذا صوت من السماوات يقول:” هذا ابني الحبيب” (متى 3: 13-17). انه “ظهور” يسوع ليعلن انه تقبل عمله كماسيا اسرائيل وابن الله والمخلص. وبعد هذا أقتيد يسوع إلـى البريـّة حيث صام أربعين يوما (لوقا1:4-13)، وجرب من ابليس ثلاث مرات وانتصر يسوع عليه (متى1:4-11 و مرقس12:1-13 ولوقا1:4-13)، وقد رأى بعض المفسرين في ذكر التجربة في بدء خدمة يسوع الجهارية مقابلة بينها وبين قصة السقوط كما جاءت في سفر التكوين (3) وكيف ان آدم الأول سقط وكيف ان يسوع آدم الثاني خرج منتصرا.

ثم عاد يسوع الى الجليل، وبدأ خدمتة فدعا تلاميذه الأولين (يوحنا35:1-51)، ثم اختار بعد

ذلك اثني عشر ليكونوا من تلاميذه المقربين (لوقا12:6-16).

قانا الجليل

“وفي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلًا، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!».هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُه(يوحنا1:2-11).

اذا ما فرغت المرطبات في حفلة او ليس لديك ما يكفي لتقديمه، فقد تصبح في هذه الأيام لحظة حرجة لصاحب الحفل، ولكن نفاذ النبيذ في حفل زواج يهودي خاصة في أيام المسيح يعتبر كارثة اجتماعية اذ يمكن ان يحطم سمعة عائلة لسنوات قادمة. طبقا للعادات في ذاك الوقت في حفل زفاف يهودي في القرن الأول الميلادي لم يكن احتفال عائلي خاص فقط ولكنه حدث عام فيه يتم التعرف على إتحاد العروس بالعريس وكذلك ارتباط العائلاتان. يأخذ الإحتفال عادة مكانه في منزل العريس والذي يكون مفتوح للضيوف لعدة أيام وبهذا يكون عرضة للتدقيق العام والحكم على أهل العريس وسخاؤهم. انها مسؤولية أهل العريس للتأكد من توافر الطعام والشراب وكفايته لكل من يأت. ولتحقيق هذا الحدث الاجتماعي واستكماله بما يليق، فمعظم العائلات تحتاج ان لا تطلب مساعدة من افراد العائلة فقط بل أيضا من مصادر أخرى كالأصدقاء والجيران والمعارف حتى يتركون انطباعا جيدا في قلوب المدعوون ويحوزوا قبولهم بكل فرح وفخر. ان نفاذ النبيذ كما قلنا في حفل زفاف سيصبح إهانة لعائلة العريس وإشارة تدل على انهم غير قادرين على الإيفاء بمسؤولياتهم كمضيفين بصورة مناسبة وأيضا عن عجزهم عن التواصل الاجتماعي لحفظ كرامتهم ومكانتهم الاجتماعية امام الضيوف وعائلة العروس.

ان هذا التحدي الاجتماعي يلقي بظلاله ولكن بصورة خفيفة في الأزمة التي ستواجه في عرس قانا الجليل العروس والعريس، ولكن تعطينا أيضا بعض الضوء على دور مريم في ذلك المشهد. ان مريم كانت اول من لاحظ الكارثة المنتظرة، هي وحدها كانت مدركة لما سينكشف واحضرت هذه الأزمة لشخص واحد والذي يمكنه ان يحلّ تلك المشكلة، الا وهو ابنها يسوع.

ان التقليد الكنسي الكاثوليكي قد رأى في ذلك المشهد محبة مريم وإنتباهها الشديد لإحتياجات

الآخرين. في وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني Lumen Gentium وصفت مريم في عرس قانا الجليل انها قد “تحركت بشفقة”، والقديس البابا يوحنا بولس الثاني قال ان مريم قد “تحركت بقلبها الرحيم” لتساعد تلك الأسرة بأن تحضر اهتمامها من اجلهم لعناية إبنها يسوع، فلقد استشعرت خيبة الأمل التي ستصيب الزوجان الحديثي الزواج من نقص النبيذ واقترحت القديسة مريم في محبة على ابنها يسوع ان يتدخل بقوته المسيانية. لقد رأت الكنيسة الكاثوليكية في هذا النص من انجيل يوحنا مظهر من شفاعة القديسة مريم. كما لاحظت مريم احتياجات الأسرة في قانا قبل ان يلاحظها أي شخص آخر، فهكذا مريم في السماء تستمر في ان تلاحظ احتياجاتنا قبلنا. وكما فعلت مريم في قانا واحضرت تلك الإحتياجات الي المسيح فهي حتى الآن تستمر ان تحضر جميع احتياجاتنا لإبنها من خلال شفاعتها من أجلنا. ان القديس البابا يوحنا بولس الثاني يصف تدخل القديسة مريم بأن ذلك الإحتياج الصغير “ليس لديهم خمر” ولكنه له دلالة

قيمة انها تأتي دائما لمساعدة الجنس البشري في احتياجاتهم وفي نفس الوقت تحضرها امام قوة

ابنها الخلاصية ومحبته الأبدية نحونا وعنايته الدائمة بإحتياجاتنا ومعاناتنا.

ان مقولة مريم ليسوع:” «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ»(يوحنا3:2) يظهر أيضا ايمانها العظيم. ان يسوع ببساطة ضيف في حفلة العُرس ولم يكن مسؤلا عن ذلك الإحتفال وليس لديه مكان لتخزين النبيذ، لذلك ومن الوجهة البشرية لم يكن يسوع هو الشخص الذي يمكن طلب المساعدة منه. ان الأختيار الطبيعي سيكون طلب المساعدة من الخادم المسؤول عن العُرس وكذلك الخدام او عائلة العريس او العروس. مهما كان الأمر كان لغريزة مريم ان تتجه ليسوع في ذلك المأزق وتقول له:” «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». انها تؤمن ان يسوع يمكنه ان يفعل شيئا في هذا وتترحى انه سيعمل نوع ما من عمل غير عادي لتجنب تلك الكارثة.

ما الذي يجعل إيمان مريم في يسوع يظهر بهذه الصورة هو في الحقيقة انه حتى تلك اللحظة

كما أشار الأنجيل انه لم يصنع اية آية أمام الجموع. انها مازالت مؤمنة في قوة ابنها الفوق الطبيعة وتؤمن انه قادر على المساعدة. بهذه الطريقة توقعت الأيمان الكبير الذي سيتكلم عنه يسوع لتوما الرسول “طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا»(يوحنا29:20). ولقد علّق احد مفسري الكتاب المقدس قائلا:” ان كلمات الرب يسوع لتوما تنطبق تماما على اقتراب مريم في عُرس قانا الجليل فهي لم ترى معجزة ولكنها آمنت”، والبابا يوحنا بولس الثاني علّق بنفس المعنى قائلا:” ان مريم هنا انطلقت بإيمان الرسل الذين سيأتوا ليؤمنوا بيسوع فقط بعد ان يشهدوا معجزة تحويل الماء الي خمر”هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ”(يوحنا11:2). مريم من ناحية أخرى آمنت بقوة ابنها الفوق الطبيعة قبل ان تراها منفذة.

“وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»(يوحنا3:2-5).

بعد ذلك نأتي الى اكبرتوتر محيّر وُجه الي مريم جاء ذكره في الأنجيل، فبعد ان قالت مريم

ليسوع “ليس لهم خمر”، اجابها يسوع قائلا: “ما لي ولكِ يا امرأة لم تأت ساعتي بعد” (يوحنا4:2). من اول وهلة تبدو تلك الكلمات من يسوع قاسية-كما لو ان يسوع يدفع امه بعيدا. تخيل في عالم هذا القرن الـ 21 ام تدعو ابنها على مائدة العشاء والإبن يجيب:” «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». من منظور عالمنا الحديث فتلك الكلمات تشابه الي حد كبير كلمات متوقعة من ابن مراهق متهور وليست كلمات من ابن الله القدوس. ولكن اذا اعتبرنا ما الذي يقوله يسوع على ضوء الثقافة اليهودية القديمة ومن سياق ارحب لحفل عُرس في قانا هناك اربع حقائق تلتقي تجعل الأمر واضح كلية من ان تلك الكلمات لا تعكس معارضة عدوانية بين يسوع ومريم ولكن بدلا من ذلك شيئ إيجابي وفي الحقيقة شيئ جميل عن علاقتهما معا.

أولا، في انجيل يوحنا استعمل يسوع لقب “امرأة” ليوجهه بأدب نحو نساء لهن مكانة إيجابية معهن، وهذا يمكن مشاهدته مثلا عندما ظهر يسوع لمريم المجدلية في صباح احد القيامة:” قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟»(يوحنا15:20)، وعندما غفر يسوع الخطايا لإمراة قد أمسكت في زنا”قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟»(يوحنا10:8)، وعندما وجه المرأة السامرية للإيمان بالمسيّا قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ”(يوحنا21:4).

اذا ما اعتبرنا تلك الطريقة الإيجابية التي يدعو فيها يسوع والتي تظهر في انجيل يوحنا فدعوة يسوع لمريم “امرأة” لا تشير الى نقص في الإحترام او تقليل الشأن.

ثانيا، في الزمن الأنجيلي يمكن للرجل ان يوجه لأنثى لقب “امرأة”، ولكن لا يوجد في أي موقع في العالم اليوناني-الروماني القديم او في اسرئيل القديمة نجد مثال لإبن يوجه لأمه بهذا اللقب. يسوع يوجه لأمه ويناديها “امرأة” يبدو فريدا بكل هذا الغموض، ولكن هذا يمكن ان يقترح بأن يسوع له غرض خاص في فكره عندما ناد امه ب”أمرأة”- غرض يكون ابعد عن طريقة عادية متواضعة يوجهها لنسوة آخرين. عندما يطبق هذا على مريم هذا اللقب “امرأة” على الأرجح له

بعض الأهمية وله معنى رمزي.

ثالثا، لنضع في الإعتبار كيف ان مريم قد فسّرت كلمات يسوع، فهل هي ابتعدت من المشهد شاعرة بالحزن او الأذى او بالرفض بأي طريقة؟ لا ولكن كان العكس فلقد سمعت كلمات يسوع وعلى الفور قالت للخدام :”مهما قال لكم فافعلوه”(يوحنا5:2). ان مريم قد فسّرت رد المسيح بطريقة إيجابية وبإيمان كله ثقة ان يسوع سيحقق طلبها وقالت للخدام ان يكونوا مستعدين ان

يفعلوا مهما ما يأمر به ابنها.

أخيرا، ان الإجراءات اللاحقة التي هي تبدو في صالح طلب مريم وليس فقط ان يسوع قام بالعمل ولكنه اعد كميات كبيرة من النبيذ اكثر مما طلبته أمه منه او أي شخص في العُرس يمكن تصوره. كل من الأجران الستة والمستخدمة في التطهير (يوحنا6:2) ستحمل حوالي 15-24 جالون من الماء، وهكذا عندما سأل يسوع ان تملأ تلك الأجران بالماء ثم يتحول كل هذا الماء الي نبيذ فهو بهذا قد وفّر حوالي 120 جالون من النبيذ لحفل الزواج. اذا ما كان ذلك النبيذ الرائع والأكثر وفرة يعني شيئ فهو قد يعني للبعض رقض لطلب مريم فمن الصعب ان نتخيل ماذا يعني الإنجاز اذا لم يكن تحقيق الطلب وبأكثر مما قد تم طلبه. بعيدا عن رفض الطلب لمريم فإن إجابة يسوع بطريقة فاقت كل التوقعات. 

لذلك مهما كانت كلمات يسوع من ان يلقب أمه ب”امرأة” ويحيبها قائلا بما معناه:”مالذي تنوى عمله معي”، فهي لا تنطوي على تواصل سلبي ما بين يسوع وأمه. ولكن بدلا من هذا فيسوع قد لقّب أمه يكشف انها اهم امرأة في تاريخ الخلاص، فدعونا الآن نعتبر هذا اللقب “امرأة” على ضوء مقدمة انجيل يوحنا:” فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ” (يوحنا1:1-5).

كثير من الصور المستخدمة في تلك الإقتتاحية من انجيل يوحنا تستعيد قصة الخلق كما جاءت

في سفر التكوين، لقد بدأ يوحنا انجيله بكلمات “في البدء” حيث كرر بداية اول خط في الكتاب المقدس:” فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ”(تكوين1:1). الاصحاح الأول من انجيل يوحنا يستمر في هذا النهج من الخلق في الآيات الأربع التالية والتي تتحدث عن “النور” و “الحياة” و “الخلق” وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ. مرة أخرى اخذت تلك الصور من قصة سفر التكوين عن الخلق في الإصحاح الأول من سفر التكوين(يوحنا 2:1-5) ويرسم يوحنا ويقدم لنا يسوع مقارنا بقصة الخلقة وملقيا الضوء على كيف ان يسوع قد أتى ليجدد كل الخليقة.

بعض مفسروا الكتاب المقدس لاحظوا كيف ان انجيل يوحنا استمر في منهج الخلقة وذلك بوضع سلسلة من الأيام والتي تعكس تأسيس أسبوع خلقة جديد. بعد الجملة الأولى “في البدء” رمز اليوم الثاني في يوحنا 29:1 بكلمات “في اليوم التالي، وبعد ذلك استعمل نفس الجملة ليشير الى اليوم الثالث في يوحنا 35:1 و “في اليوم التالي” واليوم الرابع كما جاء في يوحنا 43:1. وفي النهاية بعد تلك الأيام الأربعة جاء بقصة عُرس قانا كمقدمة اخذت مكانها بعد ثلاثة أيام”””وفي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ”(يوحنا1:2). اليوم الثالث ما بعد الأيام الأربعة سوف يمثل اليوم السابع في انجيل يوحنا وتبعا لذلك اخذ عرس قانا مكانه في مناخ أسبوع الخلق الجديد وفي اليوم السابع.

بإلقاء الضوء ان عُرس قانا اخذ مكانه في اليوم السابع من أسبوع الخلق الجديد يقودنا انجيل

يوحنا لأن نرى يسوع ومريم في نور قصة الخليقة وفي ذلك المضمون عندما يدعو يسوع مريم ب “امرأة” ومع خلفية قصة الخليقة فهذا اللقب يحضر لنا “امرأة” سفر التكوين :” فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين23:2) و”وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ”(تكوين20:3).

هذه المرأة قد لعبت جزء هام في النبؤة الأولى التي أعطيت للبشرية فبعد السقوط واجه الله الحيّة وأعلن هزيمته في النهاية بقوله:” وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»(تكوين15:3). هذا الإعلان والمعروف protoevangelium أي اول بشارة تعلن لنا ان امرأة ذات يوم سيكون لها نسل، إبن، وهو الذي سيسحق رأس الحيّة. أجيال وأجيال مرت وجاء عرس قانا ويسوع أشار لتلك النبؤة بدعوة مريم ب”امرأة” مع قصة الخلقة في ذاكرتنا. ان يسوع في سرد انجيل يوحنا يربط مريم مع امرأة سفر التكوين (15:3)، وبعيدا عن رفض أمه او ابعاد نفسه عنها فيسوع بدعوة مريم ب “امرأة” يكرمها بطريقة لم يسبق من قبل ان أي امرأة قد كرّمت من قبلها، فهي حواء الجديدة المرأة التي ابنها المنتظر منذ أجيال

سيهزم الشر ويتمم نبؤة سفر التكوين.

مع الخلفية في فكرنا عن امرأة سفر التكوين نحن الأن على استعداد ان نفهم كل كلمات يسوع والتي تبدو متقلبة لمريم في عُرس قانا:” «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ»(يوحنا4:2). هناك 3 جوانب في كلمات يسوع تحتاج ان نفهما – “الساعة”- السؤال “ما لي ولك”- و”امرأة”.

أولا تكلم يسوع عن شيئ غامض “الساعة” وبالأخص “ساعته” هو وقال انها لم تأت بعد. ان

“ساعة” يسوع في انجيل يوحنا تعود الى الوقت المحدد من الأب ليسوع لإتمام رسالته وهي تشير

في النهاية الى قمة خدمته الجمهورية -آلامه وموته- عندما يتمجد وعندما ينهزم الشرير وعندما يجمع يسوع كل البشر اليه:” «قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ. اَلآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هذِهِ السَّاعَةِ؟. وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَتَيْتُ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ أَيُّهَا الآبُ مَجِّدِ اسْمَكَ!». فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ: «مَجَّدْتُ، وَأُمَجِّدُ أَيْضًا!». فَالْجَمْعُ الَّذِي كَانَ وَاقِفًا وَسَمِعَ، قَالَ: «قَدْ حَدَثَ رَعْدٌ!». وَآخَرُونَ قَالُوا: «قَدْ كَلَّمَهُ مَلاَكٌ!».أَجَابَ يَسُوعُ وقَالَ: «لَيْسَ مِنْ أَجْلِي صَارَ هذَا الصَّوْتُ، بَلْ مِنْ أَجْلِكُمْ. اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ».قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ”(يوحنا23:12-33) و “أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى”(يوحنا1:13) و “تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا”(يوحنا1:17).

في قانا ربط يسوع طلب مريم أمه للخمر مع تلك الساعة التي تعني بدء آلامه وتعجب كيف ان أمه تطلب منه ذلك الطلب حيث ان ساعته لم تأت بعد وخدمته الجهورية لم تكن قد بدأت هي الأخرى بعد.

ثانيا، ان التعبير “مالي ولكِ” يمكن ان يُفهم او يترجم ماذا يكون هذا بالنسبة لي وبالنسبة لكِ.

في العهد القديم يشير هذا التعبير الي نوع من العدواة والخصام او الصراع او الرفض كما جاء مثلا في: “فَأَرْسَلَ يَفْتَاحُ رُسُلًا إِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ أَنَّكَ أَتَيْتَ إِلَيَّ لِلْمُحَارَبَةِ فِي أَرْضِي؟»(قضاة12:11 و “فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلًا يَقُولُ: «مَا لِي وَلَكَ يَا مَلِكَ يَهُوذَا! لَسْتُ عَلَيْكَ أَنْتَ الْيَوْمَ، وَلكِنْ عَلَى بَيْتِ حَرْبِي، وَاللهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي. فَكُفَّ عَنِ اللهِ الَّذِي مَعِي فَلاَ يُهْلِكَكَ»(“2أخبار21:35) و “فَقَالَتْ لإِيلِيَّا: «مَا لِي وَلَكَ يَا رَجُلَ اللهِ! هَلْ جِئْتَ إِلَيَّ لِتَذْكِيرِ إِثْمِي وَإِمَاتَةِ ابْنِي؟»(1ملوك18:17). وفي زمن آخر فكانت تعبر عن قلة في التعاون او فرق في الفهم ما بين شخصان- النظر نحو الشيئ بطريقة مختلفة- ولكن بدون أي عداوة كما جاء في: “َقَالَ أَلِيشَعُ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ: «مَا لِي وَلَكَ! اذْهَبْ إِلَى أَنْبِيَاءِ أَبِيكَ وَإِلَى أَنْبِيَاءِ أُمِّكَ». فَقَالَ لَهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ: «كَلاَّ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَا هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الْمُلُوكِ لِيَدْفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مُوآبَ»(2ملوك13:3) و”يَقُولُ أَفْرَايِمُ: مَا لِي أَيْضًا وَلِلأَصْنَامِ؟ أَنَا قَدْ أَجَبْتُ فَأُلاَحِظُهُ. أَنَا كَسَرْوَةٍ خَضْرَاءَ. مِنْ قِبَلِي يُوجَدُ ثَمَرُكِ»(هوشع8:14). ان ظل ذلك المعنى يعتمد على المحتوى فما استعمله يسوع في التعبير كما جاء في يوحنا4:2 يتماشى مع سياق المعنى الثاني حيث ان الصدام او الخلاف لا يتفق مع الطريقة التي جاءت في الأنجيل الرابع والذي يقدم فيه علاقة يسوع ومريم في قانا. في قانا سألت مريم يسوع في بساطة ان يفعل شيئا نحو نقص النبيذ في عرس قانا بقولها:”ليس لديهم خمر” ان يسوع أشار انه و مريم ينظران لهذا الطلب للخمر بنظرات مختلفة.

في التقليد اليهودي الخمر رمز قوي مرتبط بالحكمة كما جاء:” اَلْحِكْمَةُ بَنَتْ بَيْتَهَا. نَحَتَتْ أَعْمِدَتَهَا السَّبْعَةَ.ذَبَحَتْ ذَبْحَهَا. مَزَجَتْ خَمْرَهَا. أَيْضًا رَتَّبَتْ مَائِدَتَهَا. أَرْسَلَتْ جَوَارِيَهَا تُنَادِي عَلَى ظُهُورِ أَعَالِي الْمَدِينَةِ: «مَنْ هُوَ جَاهِلٌ فَلِيَمِلْ إِلَى هُنَا». وَالنَّاقِصُ الْفَهْمِ قَالَتْ لَهُ: «هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا”(امثال1:9-5) ومرتبط بالشريعة ومع حفلات الزواج:” لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ”(نشيد الانشاد2:1-4) و”مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ!(نشيد الانشاد10:4). ولكن الأكثر وضوحا في ذلك المنظر ان الخمر مرتبط بالفرح في العهد المسياني فالنبي اشعيا مثلا رأى كل الشعوب مجتمعة على جبل الرب في عيد عظيم يرتون من الخمر عندما يأتي الله ليخلصهم:” وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دَرْدِيّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دَرْدِيّ مُصَفًّى. وَيُفْنِي فِي هذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ. النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ، وَالْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ، وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ. وَيُقَالُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هذَا إِلهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ»(اشعيا6:25-9). وعاموس النبي بالمثل تنبأ ان الله ينقذ مملكة داود ويعيدها:” هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، يُدْرِكُ الْحَارِثُ الْحَاصِدَ، وَدَائِسُ الْعِنَبِ بَاذِرَ الزَّرْعِ، وَتَقْطُرُ الْجِبَالُ عَصِيرًا، وَتَسِيلُ جَمِيعُ التِّلاَل، وَأَرُدُّ سَبْيَ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ فَيَبْنُونَ مُدُنًا خَرِبَةً وَيَسْكُنُونَ، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَشْرَبُونَ خَمْرَهَا، وَيَصْنَعُونَ جَنَّاتٍ وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا” (عاموس13:9-14).

هكذا عندما سأل يسوع مريم قائلا: ” مالي ولكِ” هو عبارة عن انه يقول لها:” ما هذا الخمر

بالنسبة لي وبالنسبة لكِ”. ان الخمر بالنسبة الي مريم والذي تطلبه هو ببساطة مشروب احتفالي سيساعد العائلات المسؤولة عن العُرس يحتفظون بالتقليد والعادات عند الإحتفال بالزواج. ولكن يرى يسوع انه لأجل ان يقدم هذا الخمر فانه يحتاج ان يقوم بتأدية معجزة ستكشف عن مجده وتطلق بدء رسالته وخدمته المسيانية الجهورية وان هذا يعني انه سيبدأ سيره نحو ساعة آلامه. وهكذا من وجهة نظر يسوع فان مريم تسأل اكثر مما مجرد تزويد الحفل بالشراب. ان الخمر التي تطلبه هو في الحقيقة الخمر المسياني- الخمر الرمزي الذي تنبأ عنه الأنبياء والمصحوب بمجيئ العصر المسياني. ولهذا نرى ان يسوع ربط طلب مريم لذلك الخمر بساعته-الساعة التي تأتي بآلامه، فهل مريم على استعداد لتلك الساعة لتأتي؟

كل هذا القى بظلال إضافية لماذا في تلك اللحظة ربط يسوع مريم ب “امرأة” سفر التكوين (تكوين15:3)، فإذا قام يسوع بتلك المعجزة فسيبدأ رسالته المسيانية وبهذا يبدأ السير نحو ساعته، واذا ما فعل هذا فإن مريم يقترض ان تبدأ دور جديد وليس فقط ان تكون “ام يسوع” بل سبصبح “امرأة”- المرأة التي تنبأ عنها سفر التكوين- أي بكلمات أخرى المرأة التي سيكون ابنها من سيحطم الشرير.

ضع نفسك في موقف مريم ففي البداية كانت ببساطة تحاول ان تساعد بأخبار عن نقص الخمر في حفل العُرس – وليس لحل كل مشاكل العالم؟ فذهبت الي يسوع بطلب أساسي عن الخمر وابتعدت بعد ذلك بعد ان وُجهت بأشياء اكثر ثقلا تضمنت رسالة ابنها المسيانية والإنتصار على الشرير وحل مشكلة خلاص البشرية من الخطيئة. ولكن هناك اكثر من ذلك، ففي ثلاثون عاما حملت مريم ثفل نبؤة سمعان الشيخ فهي تعلم انه في يوم ما عندما يبدأ ابنها رسالته سوف لا يفهمونه ويرفضونه ويعارضونه. وهي أيضا تعلم ان ابنها سيكون «هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ(لوقا34:2)، وفي النهاية سيقتل وحربة ستنغرس فيه.

في حفل بهيج ومناسبة فرح تسأل مريم ببساطة يسوع لبعض من الخمر، فإذا انتبه يسوع لطلب مريم قسوف يحتاج ان يصنع معجزة والتي ستبدأ مسيرة رسالته الجهورية- وان ذلك يعني بدء تحرك يسوع نحو ساعته للموت. ان ساعة نبؤة سمعان الشيخ تبدو انها ستبدأ، فهل هذا ما

تريده مريم في الحقيقة؟

اذا ما كنا والدان تم مواجهتهما بمثل ذلك الإختيار فالكثير منا سيتراجع ويقول ” لقد فكرت مرة أخرى يا يسوع وهذا يعني انك لست في احتياج ان تحضر خمر ودعهم هم يتصرفون”. ولكن مريم لم تفكر نحو ابنها مثل ذلك التفكير وياترى ما الذي لفت نظرها مما قاله يسوع واجابته العجيبة لها؟ ان انجيل يوحنا لم يعطينا ان مريم قد أدركت ما قد يعنيه يسوع ولكن بطريقة عجيبة كانت كلمات ابنها لها هو نوع من الثقة انه سينفذ ما طلبته ولم تظهر مريم أي علامات التردد فلقد تعلمت عندما كان يسوع في سن الاثناعشر سنة وفقد في الهيكل ان يسوع يجب ان يكون في بيت أبيه منفذا كل ما هو للأب حتى ولو هذا يعني الفراق عنها او المعاناة لها. لذلك ففي قانا استمرت مريم تقول “نعم” لمشيئة الله وان تستسلم لخطة الله الأب ليسوع وهي لم تبتعد عن دعوة الله لها. مريم كخادمة للرب تقول للخدام في العُرس ” «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ»(يوحنا5:2) وأطاع الخدام وتمت الآية وبدأت رسالة يسوع الجهورية، وهكذا ساعدت مريم في وضع بدء مسيرة يسوع والأحداث التي ستقود رحلة ابنها نحو الجلجثة حيث سيموت من اجل خطايانا.

ان آية قانا الجليل حيث لم يرفض لها يسوع طلباً بل قدم ساعة مـجده لما عرضت عليه مريم حاجة الناس وحيرتهم (يوحنا4:2).

قصة عرس قانا الجليل تُلقي ضوءاً على علاقة العذراء مريم بالـمسيح الرب من جهة إمكا

نية تشفعها عن الأخرين ومدى استجابة الرب لشفاعتها.

والكنيسة تؤمن ان عرس قانا لايزال قائما والضيف الإلهي كما كان بالأمس هو هو قائم اليوم

وإلى الأبد، والبشرية هى بعينها عاجزة وقد افرغت خمرها وفى أشد الحاجة الى العون الروحي

والحكمة التى تسلك بها فى ظلمة هذا العالم، وأجران التطهير فارغة ومنسية لفشل الإنسان فى السلوك حسب الناموس والوصايا، والقلوب جافة ومتلهفة وهنا كل العيون تنظر الى الأم فى توسل لكي تنقل كلمة البشرية الى آذان الضيف الإلهي لكى يرحم ضعف البشرية، لا كأنه غافل عن الـمحبة ولا كأنه لا يسمع ولا يرى ولا كأنه كان يريد ان يسمع السؤال واضحاً. ان الرب مشتاق ان تصل الى اذنه كلمة واثقة تعبر عن حاجة الناس، ولكن من شفاه مؤمنة بقدرته السرمدية، وهو يريد قلباً يطلب منه بدالة، دالة البنوة الكاملة أو دالة الأمومة الواثقة. حينما تقدمت العذراء اليه بالسؤال”ليس لهم خمر” (يوحنا 3:2) كانت شفيعة العرس كله وكل الـمتكئين والعالـم، ولا تزال هى الشفيع لـمن ليس لهم عون. إنها لا تلح بالسؤال كمن يتضرع الى إلـه قاس ولكنها بدالة شديدة تضم توسلها الى رحمته وترفع سؤالها بالثقة حتى يـبلغ إلى إستجابة الرب الوديعة.

كـما نرنّم فـى القداس الباسيلي: “ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك يا سيدتنا كلنا

والدة الإله”.

يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: “هنا بدء الكشف عن مفهوم “المجد” في هذا السفر، وهو: “الحضرة الإلهية”. اللَّه يمجدنا حينما يعلن حضوره فينا، ونحن نمجده حينما نعلن حضوره في العالم. ففي هذه الآية أُعلن حضور الآب في ابنه وحيد الجنس، الذي يخبر عنه.

“عندما حول الماء خمرًا ماذا يضيف الإنجيلي؟ “وآمن تلاميذه به” (يوحنا٢: ١١). فهل كان للشيطان أن يؤمن به؟

ويقول القديس أغسطينوس:”إن قال قائل: لا يوجد في هذا القول دلالة كافية على أن هذه الآية

هي بداءة آيات المسيح لأجل إبداعها في قانا الجليل، لأنه من الممكن أن يكون فعل في غير ذلك المكان آيات أخرى غيرها. نقول له: إن يوحنا المعمدان قد قال من قبل عن المسيح: “وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء” (يوحنا 1: 31)، فلو كان المسيح فعل في عمره المبكر عجائب لما كان الإسرائيليون قد احتاجوا إلى آخر يعلن عنه. لأن ذاك (يسوع) الذي جاء بين الناس وبمعجزاته صار معروفًا، ليس فقط للذين في اليهودية وإنما أيضا للذين في سورية وما وراءها، وفعل هذا في ثلاث سنوات فقط، فإنه ما كان محتاجًا إلي هذه السنوات الثلاث لإظهار نفسه (مت 4: 24)، لأنه كان من شهرته السابقة قد عُرف في كل موضع. أقول أن ذاك الذي في وقت قصير أشرق عليكم بالعجائب فصار اسمه معروفًا للكل، لم يكن بأقل من ذلك لو أنه في عمره المبكر صنع عجائب وما كان يبقى غير معروف كل هذا الزمن (حتى بلغ الثلاثين من عمره). فإنه ما كان قد فعله لبدا غريبًا أن يفعله صبي. في الحقيقة لم يفعل شيئا وهو طفل سوى أمرًا واحدًا شهد له لوقا (لو 2: 36) وهو في الثانية عشر من عمره حيث جلس يسمع للمعلمين وقد دهشوا من أسئلته. بجانب هذا فإنه من الأرجح والمعقول انه لم يبدأ آياته في عمره المبكر، لأنه بهذا لبدت أمرًا مخادعًا. إن كان وهو في سن النضوج تشكك كثيرون فيها، كم بالأكثر لو أنه صنع العجائب وهو صغير. فإن ذلك كان قد

أسرع به إلي الصليب قبل الوقت المحدد، خلال سم الحقد، ولما قُبلت حقائق التدبير.

هذه الآية تمّت بمشاركة أمّ يسوع أيضاً. عينها ساهرة لا للانتقاد بل لتلبية حاجة تزيد من سعادة

أهل البيت والمدعوين. وحينما لاحظت نفاد الخمر، تدخلت تدخلاً لطيفاً ولفتت انتباه ابنها بما

لها من دالة عليه وبما عندها من شعور عميق مع العروسين في حيرتهما. وبالرغم من جواب يسوع لها، وجوابه يبدو صعباً، تبقى مريم واثقة من أن ابنها لا يرد لها طلباً يهدف إلى خدمة الإنسان. لذلك تتجه إلى الخدم حتى يأتمروا بأوامر يسوع: “مهما يأمركم به فافعلوه”. وفي كلامها هذا برنامج عمل وحياة لكل مؤمن يتبع يسوع. كم من مرة لا نفهم ما يطلبه يسوع منا وما يأمرنا به فنحاول أن نتملّص منه. كم من مرة تبدو لنا الحياة معه والحلول التي يعرضها علينا صعبة التطبيق، فنتهرب متذرعين بألف حجة وحجة. ولكن كلام مريم لنا يبقى هو هو لا يتغير: “مهما يأمركم به فافعلوه”. فما من إنسان واحد اهتدى بأوامرهوخابت آماله. وهي المثال الحي على صحة ما تقول. إن يسوع يبدو متردداً في قبول طلب أمّه بحجة أن ساعته لم تأت بعد.

وساعة يسوع هي زمن موته وقيامته. فيها يظهر مجده الإلهيّ واتحاده مع الآب وحبه للبشر. وهكذا ينتقل يسوع من الأمور المادية إلى الأمور الروحية، من الخمرة التي نفذت في العرس إلى تلك الساعة التي يعوض فيها عن نقص أهم وأعمق فيخلص البشر بذبيحته ويمنحهم الحياة. لقد فهمت مريم أن جواب يسوع لها لا يدل على أي احتقار بل ينظر إلى المستقبل، إلى ساعة تجلّيه على الصليب. خضعت مريم لسر هذه الساعة وأمرت الخدم أن يصغوا إلى توجيهات يسوع دون تردد.

أن يسوع استبق الأمور ولم يرد طلب أمّه وخلق خمرة جديدة أظهر بها مجده وجعلها عربون

عطايا العهد الجديد بدمه. إن مريم دلّت الناس على ابنها وفتحت لهم طرق الحياة الجديدة بإيمانها واستسلامها التام لمشيئته وبدعوتها إياهم حتى يتبعوه كما يرسم لهم الطريق. وبناء على طلب أمّه صنع يسوع أولى آياته هذه فأظهر مجده وآمن به تلاميذه” هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ”(يوحنا11:2).

حياة مريـم وبدء رسالـة يسوع العلنيـة

بعد أعجوبـة عُرس قانـا الجليل والتى فيهـا صنع يسوع أولـى عجائبـه الزمنيـة (يوحنا1:2-11)، يذكر لنـا القديس يوحنا الإنجيلي: “وبعد هذا انحدر الى كفر ناحوم هو وأمـه واخوتـه وتلاميذه ولبثوا هناك أيامـا غير كثيرة”(يوحنا12:2)، ثم بعد هذا ترك يسوع كفر ناحوم وذهب الى أورشليم “وكان فصح اليهود قد قرب فصعد يسوع الى أورشليم”(يوحنا13:2)، ومن الـمرّجح ان مريم العذراء قد رافقت إبنهـا فى هذه الزيارة فهى تعودت ان تذهب الى اورشليم بمناسبة العيد “وكان أبواه يذهبان الى اورشليم كل سنة فى عيد الفصح”(لوقا41:2). وهنا فى أوؤشليم يظهر يسوع للـمرة الأولـى كـمرسل من الله يتفقد الهيكل وطرد الباعة والصيارفة “لا تجعلوا من بيت أبي بيت تجارة”(يوحنا16:2). وفى فترة العيد “آمن باسمه كثير من الناس لـما رأوا الآيات التى أتـى بهـا”. وبعد هذه الأيام غادرت مريم أورشليم وتركت يسوع يتابع جولاتـه التبشيريـة فى مدن اليهوديـة وقراهـا، امـا مريم فمن الـمحتمل انهـا عادت الى الناصرة موطنها الأول وعاشت فيهـا، على الرغم مما ذكره متى الإنجيلي “ولما سمع يسوع ان يوحنا قد ُسلم انصرف الى الجليل وترك الناصرة وجاء فسكن فى كفر ناحوم التى على شاطئ البحر فى تخوم زبولون ونفتالي”(متى12:4-14) ويذكر ايضا فى موضع آخر:”فركب السفينة وإجتاز العبـر وأتى الى مدينته فى كفر ناحوم”(متى1:9)، وهذا لا يؤكد إذا ما كانت مريم كانت تعيش مع يسوع فى كفر ناحوم أم انها كانت تقيم فى الناصرة حيث قد تركته لرسالتـه التى جاء من أجلهـا للعالـم. وكانت تلتقى بيسوع فى فترات قصيرة للغايـة فكان اللقاء والإفتراق صعب ومؤلـم على الأم، ولكن كانت القديسة مريم تقبل فى أستسلام لـمشيئة اللـه. وهذه اللقاءات تمت فى أعياد الفصح فى أورشليم (ثلاث أعياد مرّت فى حياة يسوع العلنيـة)، وفى كل مرّة كان يـمر يسوع فى الناصرة أو بجوارهـا، وعندما ذهبت مع الأقرباء محاولـة منعهم “فخرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا انه شارد العقل”(مرقس21:3).

وبدأت أخبار يسوع وأخبار العجائب تتناقل وتعاليـمه تنتشر “وسار بعد ذلك فى كل مدينة وقريـة ينادي ويبشر بـملكوت الله ومعه الإثناعشر(لوقا1:8). فكان يسوع يعلّم “كـمن لـه سلطان وليس كالكتبة والفريسيين”(متى28:7)، وكانت الجموع فى بلدته تتعجب قائلة:”من أين له هذه الحكمة والقوات. أليس هذا إبن النجّار”(متى54:13). كانت تعاليـم يسوع تعاليـم بسيطة فى كلمات بسيطة لهذا نفذت الى القلوب.

ووصل يسوع فى جولاتـه التبشيرية الى الناصرة حيث موطنه الذى عاش فيـه وعـمل، والقديسة مريم كانت مقيمة فيهـا و”أتى الناصرة حيث نشأ”(لوقا16:4-30)، وفى مجمع الناصرة أعلن يسوع صراحـة أنـه الـمسيح الـمنتظر بعد أن قرأ نص اشعيا النبي الذى يتنبأ عن الـمسيّا، فقال لهـم: “اليوم تـم هذا الـمكتوب فى مسامعكم”. ولكن كان هجوم أهل الناصرة عليـه شديد :”أليس هذا إبن يوسف” و “اصنع ههنا كل شيئ سمعنا انه جرى فى كفر ناحوم”، وتعجّب يسوع من عدم إيمانهم حتى ان الكتاب الـمقدس يذكر “غير انه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم”(مرقس5:6)

وإمتلأ أهل الناصرة من الغضب “فقاموا وأخرجوه خارج الـمدينة وإقتادوه إلى قمة الجبل الذى

كانت مدينتهم مبنية عليه ليطرحوه عنهـا”(لوقا28:4).

وذكر هذه الواقعة بهذه التفاصيل من القديس لوقا الإنجيلي يؤكد مرة أخرى أن مريم العذراء كانت حاضرة فى مجمع الناصرة ورأت ما حدث وذكرتهـا كأحد شهود العيـان. ويـا للأم الـمسكينة فقد شهدت كل هذا وبكت من قلة الإيمان ومن غلاظة القلوب وعلى شعب لا يبغى الخلاص

والتوبـة، وعلى إخوة يريدون التخلص من أخوهم وها هو سيف آخر ينغمس فى قلب الأم.

وتـمر الأيام وقبل عيد الفصح فى السنة الثالثة لخدمة يسوع العلنيـة، سمعت العذراء مريـم عن

إقامـة لعازر من بين الأموات وهياج رؤساء الهيكل ضده حتى أن يسوع أقام بالقرب من أورشليم. وقبل الفصح أيضاً أتى يسوع الى بيت عنيـا وأخبر تلاميذه بـما سيحدث لـه حتى يجنبهم ضعف الإيمان. وفى أحد الشعانين أراد يسوع زيارة أورشليم وإنتشر خبر مجيئه فإهتزت الـمدينة كلهـا وصرخت الجماهير “هوشعنا إبن داود” و”مبارك الآتـى بإسم الرب”، وربـما قد شهدت مريم العذراء هذا الإستقبال الرهيب لإبنهـا فهى كعادتهـا تذهب للعيد كل عام. وأمضت مريم الأيام الأخيرة مع يسوع وحضرت العشاء الأخيـر فى العليّة ورأت الإسخريوطي خارجـاً ليلاً ليتتم ما قد إتفق عليـه مع رؤساء الهيكل.

وتـم القبض على يسوع فى بستان الزيتون ليلة الخميس وحوكم وأديـن ووقف شهود زور ضده

وفى فجر الجمعة يأخذونـه الى بيلاطس ثم هيرودس ثم بيلاطس مرة أخرى ويُسلّم يسوع للـموت ويُطلق باراباس. وأقتيد يسوع الى الصلب وسار فى أروقة أورشليم، هذه الأروقـة التى شهدت تعاليمه وعجائبه وشهدت أيضاً هتاف الشعب “أنت ملك اسرائيل”.

ومريـم الأم ترى كل هذا، ترى وليدهـا “رجل أوجاع متمرساً بالعاهات محتقر ومرذول…”(اشعيا53)، وتراه يسقط تحت الصليب، وترى نسوة أورشليم يبكين، وترى سمعان القيراونـي، وترى الـمسامير تُدق ويُعلّق حبيبهـا على الصليب، وتسمع كلماتـه السبع الأخيرة، وما يطلبـه منهـا أن تكون أمـاً للحبيب وللجنس البشري كلـه “هوذا إبنكِ”(يوحنا26:19) وبقيت معـه حتى “نكّس رأسـه وأسلم الروح”(يوحنا30:19)، ثم رافقت يوسف الرامي عندما وُضع يسوع فـى القبـر. وفى اليوم الثالث قام يسوع من بين الأموات وظهر للعديد من الشهود لـمدة أربعين يومـا، ولـم تذكر الأناجيل أي شيئ عن ظهوره لـمريم أمـه ولكن لا يُمكن إستبعاد الرأي القائل بأن يسوع إكرامـاً لأمـه قد ظهر لهـا لا ليثبت إيمانهـا بل لكي يعرفهـا بدورهـا الجديد كأم للكنيسة التى هى جسده السري.

مريم تحت الصليب

وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ” (يوحنا25:19-27).

لم يقل لنا الأنجيل في العهد الجديد الكثير عن خبرة مريم العذراء عند جبل الجلجثة، وفي الحقيقة انجيل يوحنا يأتي الينا فقط بتسجيل انجيلي عن وجودها هناك. لم تقل أم يسوع كلمة واحدة والفعل الوحيد التي قامت به هو وقوفها عند صليب إبنها. نعم ان مجرد وقوفها عند صليب يسوع يمكن ان يقول لنا كثيرا عن ان مريم هي تلميذة مؤمنة وآمينة حتى النهاية.

منذ ذلك الحين الذي بدأ يسوع فيه يتكلم خاصة عن موته القادم في أورشليم وقال لتلاميذه عن معاناته ومرافقته حتى الصليب:” حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ»(متى24:16-28) وأيضا في مرقس 34:8-1:9) وأيضا في لوقا23:9-27).ولكن معظم التلاميذ سيخلون يسوع في يوم الجمعة العظيمة بتركه عندما أُخذ لكي يُصلب. عند العشاء الأخير تنبأ يسوع من كل هذا سيحدث وقال كيف ان الرسل سيتركونه:” هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ الآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ،

وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي”(يوحنا32:16).

11 من ال 12 رسول هجروا يسوع يوم الجمعة العظيمة، ولكن فقط التلميذ الذي كان يحبه يسوع كما عرّف نفسه وهو يوحنا ظل مع يسوع حتى النهاية، وأيضا اربع نسوة وقفن عند صليب يسوع عند لحظاته الأخيرة واظهروا ايمان عظيم اكثر من بطرس مثلا والذي قال يوما ما انه سيتبعه مهما ذهب حتى انه اعلن ليسوع قائلا له:” يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ!»(يوحنا37:13). حتى الآن يبرهن على الإيمان بالفعل وليس بالقول وبطرس لم يوجد واقفا عند صليب يسوع، وبدلا من ذلك نرى بطرس واقفا في منظر محاكمة يسوع وتعذيبه كما جاء في انجيل يوحنا مشتبه في انكار معرفته بيسوع وواقفا على باب دار رئيس الكهنة”وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا”(يوحنا16:18)، وكان بطرس واقفا يتدفأ مع العبيد والخدام:”وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي”(يوحنا18:18)، وناكرا معرفته بيسوع ثلاثة مرات”فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!»(يوحنا17:18) و “وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا!». قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟» فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ”(يوحنا25:18-27).

مريم العذراء كانت مع مجموعة النسوة اللواتي برهن على ايمانهن وشجاعتهن بدلا عن بطرس والعشرة الرسل الأخرون والذين تركوا يسوع في ساعته والتي يحتاج فيها الى اكثر من تعضيد. مريم واحدة من قلائل وقفن عند صليب يسوع في يوم الجمعة العظيمة، واكثر من هذا فانجيل يوحنا أيضا يظهر ويشير بأن مريم قد أظهرت ايمانها اثناء الألام بمشاركة ابنها في معاناته

بطريقة فريدة.

لقد تأمل البابا يوحنا بولس الثاني في كيف متعارض الصليب كما يبدو من وجهة النظر البشرية عما سمعته مريم اول مرة من الملاك عند البشارة، ففي ذلك الوقت قيل لها ان إبنها سيكون “عظيما” وان الله سيعطيه “عرش داود أبيه”، وانه” سيملك على بيت يعقوب للأبد” و” ان مملكته لن تزول”:”هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»(لوقا32:1-33).

والآن تقف عند اقدام الصليب وماذا تشهد مريم بعيون بشرية ما يظهر على انه “انكار تام لتلك

الكلمات”. عند الجلجلثة، كل شيئ قاله الملاك جبرائيل لمريم عن ابنها ومملكته التي لا تنقرض يبدو ويثبت انه خطأ. كما قال البابا يوحنا بولس الثاني انه فقط الإيمان القوي يستطيع ان يتحمل ويحملها خلال تلك الساعة المظلمة ويقدر ان تذكرها بأن تظل تلميذة مؤمنة تقف عند صليب ابنها الوحيد. كم هو عظيم وفوق الطبيعة طاعة الإيمان الذي اظهرته مريم امام وجه الله وكيف انها انكرت ذاتها وسلمته لله بدون تحفظ ومقدمة كل إرادتها له هذا الذي تفوق طرقه كل عقل او تصور:”يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ

الاسْتِقْصَاءِ!”(رومية33:11).

خلال حياة القديسة مريم ومنذ دعاها الله لكي تسلّم نفسها لخطة الله الخلاصية للبشر وتخضع كيانها كله وحياتها من أجل أسرار لم تنكشف بعد لها وقادتها تلك الرحلة خلال الفقر والمعاناة ولحظات من عدم التأكد وعدم الفهم. ولكن الآن لقد أُخذت الي جبل الجلجلثة حيث في يوم الجمعة العظيمة تشهد ليس قبول المجد من إبنها كملك بل رفض كامل وتعذيب ثم موت على خشبة. هنا تواجه مريم اختبارها العظيم للإيمان، فمن وجهة النظر البشرية لا يشبه المسيح أي ملك على الإطلاق فهو مضروب ومعرّى ومجروح ومسمّر على صليب. يسوع يشبه انسان فشل بطريقة مأساوية يسخرون منه ويقتل من أعداؤه. صلبه على أيدي الرومان واعداؤه وامام ووسط شعبه يبدو علامة لنهاية ملكوت الله والذي جاء ليعلن عنه ولكي يؤسسه هنا على الأرض. ولكن مريم يتم تحديها بشكل قوي لكي ترى ما أراد ان يظهره انجيل يوحنا – ان صليب يسوع هو في الحقيقة عرشه، فعندما “يُرفع” على الصليب يظهر كملك وان رئيس هذا العالم- الشرير- قد طرح خارجا:” اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ»(يوحنا31:12-32).

في تلك اللحظة الحرجة بينما لا يوجد أي سند بشري يعضد مريم والشيئ الوحيد الذي يمكن ان

تعتمد عليه هو إيمانها بأن المعلّق على الصليب هو في الحقيقة إبن الله والذي سيملك للأبد،

إيمان بأنها في الحقيقة “أم ربي” كما قالت لها اليصابات يوما ما، إيمان بأن ذلك هو “السيف” في حقيقته كجزء من خطة الله كما تنبأ سمعان الشيخ في القديم وان ابنها مرة أخرى يقوم بعمل “أبيه السماوي”. عندما وجدت مريم نفسها واقفة تحت الصليب فهي بلا شك تعاني من حزن عظيم، ولكن كتلميذة مؤمنة حتى النهاية فلن تتزعزع وهي أيضا تقف تحت الصليب مؤمنة وواثقة في خطة الله من اجل إبنها ومتذكرة كل ما كُشف لها من قبِبل الملاك والرعاة ونبؤات العهد القديم ويسوع نفسه. لقد علّم القديس البابا يوحنا بولس الثاني بأن إيمان مريم في تلك اللحظة يشمل الإيمان بكلمات إبنها للرسل والتلاميذ من انه:” أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ” (متى21:16)، وهكذا استخلص البابا يوحنا بولس الثاني من ان رجاء مريم عند وقوفها تحت

الصليب يشمل نور اقوى من الظلمة هذا الذي قد غمر قلوب كثيرة.

مريم بعد القيامة والصعود

تذكر مريم في سفر أعمال الرسل(12:1-14) مع الحاضرين في أورشليم من التلاميذ الاثني عشر بعيد صعود يسوع إلى السماء وفق الكتاب المقدس وهي الوحيدة التي ذكرت باسمها؛ ويذكر السفر: أنهم كانوا جميعًا يداومون على الصلاة بقلب واحد (أعمال14:1) كذلك فقد كانت مريم حاضرة عند اختيار خلف يهوذا الإسخريوطي، وعند حلول الروح القدس، ويعتبر هذا الحدث هامًا إذ إنه وفق المعتقدات المسيحية فهو يمثل ميلاد الكنيسة، وبداية عصر الرسل.

التقليد الكنسي يذكر أن مريم قد انضمت فعلًا إلى بيت يوحنا بن زبدي كما كان يسوع أوصى وهو على الصليب، ويذكر أيضًا أنها سكنت في بيته في أورشليم أحد عشر عامًا، ثم انتقلت وإياه إلى أفسس في آسيا الصغرى، حيث قضت هناك سائر سنواتها، ولا يزال بيت العذراء في أفسس المكان التقليدي الذي عاشت فيه مريم عند انتقالها من فلسطين.

ورغم أن حياتها بشكل عام كانت هادئة إذاك غير أن عددًا من الأحداث الهامة أشرفت عليها: لقاؤها بلوقا الذي نقل عنها أخبار الميلاد والطفولة ووضعها في إنجيله، ومساهمتها في إنشاء كنيسة أفسس، وكذلك رسم أولى الأيقونات، وتأسيس كنيسة فيليبي التي كانت أولى

الكنائس التي تبنى على اسمها في المسيحية.

انتقال مريم العذراء للسماء

عادت مريم إلى أورشليم في سنيها الأخيرة، ومن غير المعروف كيف توفيت أو طريقة وفاتها، هناك بضعة ميامير (قصائد شعبية) تذكر أنها مرضت ومن ثم توفيت، وتجمع الطوائف المسيحية التي تكرم العذراء أنها قد انتقلت من جبل الزيتون بحضور من تبقى حيًا من التلاميذ الاثني عشر إلى السماء مباشرة؛ يأتي هذا الاعتقاد استنادًا إلى عدد من نبوءات العهد القديم، وتختلف الطوائف بتفاصيل الاعتقاد به؛ وبحسب التقليد المسيحي أيضًا فإن الانتقال قد تمّ بعد 13 إلى 15 عامًا من قيامة يسوع وبالتالي يكون قد تمّ بحوالي عام 43، ويسع القول أنها كانت بحدود الستين من عمرها آنذاك.

لا نجد شيئا عن هذا السر في الأناجيل أو الرسائل غير أنه سجلت لنا تقاليد قديمة وقصص

وروايات شعبية عن انتقال مريم العذراء منذ القرن الخامس وقد يكون أقدم تقليد حفظ لنا لقصة الإنتقال في اللغة القبطية، هو ذلك التقليد المعروف في الصعيدية والبحرية.

ومن بعده جاء التقليد اليوناني الذي حفظ لنا في خطبة منسوبة الى يوحنا الإنجيلي من القرن السادس، وكذلك في خطبة ليوحنا التسالونيكي نحو سنة 620.

إن أقدم مخطوطة للتقليد السرياني للإنتقال ترجع الى القرن الخامس، وضمن هذا التقليد في اللغة السريانية القديمة.

والى جانب هذه التقاليد الثلاثة وصلت الينا ترجمات قديمة مهمة في اللغة اللآتينية (ميليطون نحو سنة 550) والأرمنية والجيورجية والعربية والحبشية. ومن الخطباء والواعظين الذين فسروا معنى سر الإنتقال يمكننا أن نذكر يعقوب السروجي (521) في اللغة السريانية، وعند البيزنطيين قسماس الخياط (القرن الثامن) وجرمانوس بطريرك القسطنطينية (733) وأندراوس الكرتوني 740 الذي القى خطبة في كنيسة قبر العذراء في القدس نحو سنة 718، ويوحنا

الدمشقي الذي خطب في نفس المكان سنة 740 ويوحنا المسّاح (القرن الحادي عشر) الذي ربط رؤيا التجلي بالإنتقال السماوي..

تقاليد القصص الشعبية

1 – التقليد القبطي

لقد جاء فى كتاب سنكسار الكنيسة القبطية والمستعمل فى كنائس الكرازة المرقسية وهو الكتاب الجامع لسير الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين لكل يوم من ايام السنة وايضا قراءات الأعياد السيدية والمجامع واعياد الملائكة والرسل والبطاركة والقديسين عامة فى الكنيسة ومشاهير

القديسين فى العالم المسيجي قبل الإنشقاق عن قصة الإنتقال مايلي:

حسب روايـة القديس يوسف الأريوباغى مـا يلي:

انـه بعد رقاد وموت مريم العذراء وكان جميع الرسل مجتمعين فى ذاك الوقت ماعدا تومـا

الرسول الذى كان غائبا فى الهند عند نياحة العذراء، وعند عودتـه سأل عنهـا فأخبروه بكل ما حدث. وتظاهر القديس توما أنه لن يؤمن ان لم يرى الجسد بعينيه فى القبر، لكن عند القبر أخبرهم ان الجسد ليس بداخله، وبالفعل إذ دحرجوا الحجر لم يجدوا الجسد، فلم يعرفوا ماذا يقولون. عندئذ أخبرهم القديس توما أنه رأى جسدها يرتفع الى السماء، وقد أعطته القديسة مريم “طرحتهـا” وأراهم إياهـا، ففرحوا وسألوا الرب أن يروا العذراء. وفى فجر السادس عشر من مسرى حدثت رعود عظيمة وظهرت جوقة من الملائكة وجاء الرب يسوع محمولا من الشاروبيم، ومعه السيدة العذراء وأعطاهـم السلام وقاموا برؤيتها وهي جالسة عن يمين ابنها وإلهها وحولها طغمات الملائكة وتمت بذلك نبوة داود القائلة: “قامت الملكة عن يمين الملك”. وهناك بعض الروايات تذكر أن جسد العذراء لم يصعد حتى السادس عشر من مسرى من يوم نياحتهـا فى 21 طوبـة قبل ذاك اليوم بسبعة أشهر، حيث جاء الرب ومعه نفس أمـه وسأل الجسد أن يصحبهـما فأخذها معه على مركبة تتقدمهما الملائكة.

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى 16 مسرى من كل عام(22 أغسطس) بهذا العيد الـمبارك على حسب التقويم اليوليانـى، أمـا حسب التقويم الغريغورى “الـمصحح” فيقع فى 15 أغسطس وهذا ما تعيد بـه غالبية كنائس العالـم. ولقد بدأ فـى الإحتفال بهذا العيد فـى الشرق منذ

القرن الخامس الـميلادي.

والكنيسة القبطية الأرثوذكسية إذ تحتفل بعيد “رقاد العذراء” يوم 21 طوبـة فى كل عام قبطى والذى يوافق عادة يوم 29 يناير، وتحتفل بعيد ظهور جسدها الـموجود فى السماء للتلاميذ والذى يُطلق عليه عيد صعود جسدهـا للسماء فى يوم 16 مسرى الموافق 22 أغسطس، فيظهر هنا أن هناك فرق بين يوم رقادهـا ويوم إنتقال جسدهـا للسماء، بينما فى الكنيسة الأثيوبيـة الأرثوذكسية فيُحتفل بدفن الجسد يوم 8 أغسطس وصعوده فى 9 أغسطس. لقد تجنبت الكنيسة الكاثوليكية فى إحتفالاتهـا هذا الفرق فيتم الإحتفال للنياحة والصعود معاً فى 15 أغسطس.

  • التقليد السرياني

يقول هذا التقليد أن مريم العذراء كانت تصلي عند قبر المسيح في اورشليم عندما ظهر لها الملاك جبرائيل ليخبرها بموتها القريب. فتذهب مريم الى بيت لحم لتصلي من أجل مجيء الرسل، فيتحقق هذا المجيء حيث يأتي الرسل ويحيطون بفراش مريم حيث يظهر المسيح مع الملائكة، ليأخذ نفس مريم معه، وسط نور عجيب. وعندما تتم مراسيم الدفن يأتي المسيح مع الملائكة، ليحمل جسده أمه مريم الى الفردوس، تحت شجرة الحياة، وهناك يتحد جسد مريم بنفسها مرة أخرى.

منزل العذراء في أفسس

هناك من يذكر انه قد تم إكتشاف المنزل الذي كانت تسكنه مريم العذراء في أفسس بتركيا والذي قيل انها ماتت هناك وتم اكتشافه عام 1800م ويطلق عليه Meryemana Evi وهناك آلالاف الحجاج الذين يذهبون لهذا المكان للتبرك ولكن لا توجد اي وثيقة او كتابات قديمة تؤكد ذلك سوى ما جاء في كتابات بعض الأساقفة في القرن الثالث عشر عن وفاة القديس يوحنا والقديسة مريم معا في أفسس وايضا ما جاء في رؤى الطوباوية كاترين امريتش.

أبعاد انتقال مريم العذراء الى السماء

ما آمنت به الكنيسة منذ القرون الأولى وعبرّت عنه بطرق متنوّعة في الصلوات الليترجيّة ومواعظ الآباء، وتحديد العقيدة في الكنيسة الكاثوليكيّة في موضوع انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى المجد السماوي، هو إعلان للعظائم التي صنعها الله في مريم العذراء، بحسب قولها: “ها منذ الآن تغبّطني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم، واسمه قدّوس، ورحمته الى جيل وجيل للّذين يتّقونه” (لوقا1: 48- 50). إنّ عظائم الله قد رافقت مريم العذراء طوال حياتها، وبما أنّ الله هو إله الحياة التي لا نهاية لها، تؤمن الكنيسة أنّ ما صنعه الله من عظائم لا يتوقّف عند حدود هذه الحياة بل يمتدّ الى ما بعد الموت. ويستطيع كلّ مؤمن أن يقرأ في مسيرة حياة مريم العذراء مسيرة إيمانه، وفي مصير مريم العذراء بعد الموت مصير كيانه ومصير شخصه في نهاية الزمن.

الروح القدس أحيا جسد العذراء فيقول بولس الرسول: “إذا كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح يسوع من بين الأموات يحيي أيضًا أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم” (رومية 8: 11).

انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح القدس الذي حلّ عليها وأحيا جسدها لتصير أمًّا لابن الله هو نفسه يكمّل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي. الروح القدس هو قدرة الله المحيية، وهذه القدرة لا يوقفها شيء: إنّها حركة دائمة، وديناميّتها تفوق ما يستطيع عقلنا البشري تصوّره. بهذه القدرة كان يسوع يشفي المرضى ويخرج الشياطين ويقيم الموتى (راجع لوقا 4: 18- 19؛ مرقس18:12-28). وبهذه القدرة قام هو نفسه من الموت. وبهذه القدرة سيقيم الأموات في الدينونة العامة. ولأنّ مريم العذراء كانت في جسدها ونفسها مستسلمة استسلامًا تامًّا لعمل الروح القدس، آمن المسيحيّون منذ القرون الأولى أنّها حصلت حالاً بعد موتها على قيامة الجسد التي

هي مصير كلّ المؤمنين في نهاية الزمن.

بهاء القيامة

الخلاص في الديانة المسيحيّة ليس إنقاذ الإنسان من الخطايا بقدر ما هو إعادته الى بها الصورة الإلهيّة التي خُلق عليها.. الديانة المسيحيّة هي ديانة البهاء والمجد، وتلك السمة هي التي تبرّر وجودها وتثّبت صحتّها. فإذا كان لله وجود، وإذا كان الله قد ظهر لنا في شخص ابنه وكلمته وصورة مجده يسوع المسيح، فلا بدّ من أن يكون الله إله المجد والبهاء. وهذا ما تعبّر عنه الكنيسة في اعتقادها بانتقال مريم العذراء. تقول الكنيسة البيزنطية في إحدى صلوات عيد رقاد السيّدة: “ما أعجب أسرارك أيّتها السيّدة النقيّة، لأنّك ظهرت عرشًا للعليّ، واليوم قد انتقلت من الأرض الى السماء. فمجدك وافر البهاء، ويعكس أشعّة المواهب الإلهيّة” (صلاة المساء الكبرى). إنّ أشعّة المواهب الإلهيّة التي حصلت عليها مريم العذراء تنعكس في حياتها. فهي السيّدة النقيّة لأنّها “ممتلئة نعمة”، وقد “ظهرت عرشًا للعليّ”، لأنّ ابن الله سكن فيها، وتكلّلت تلك المواهب “بانتقالها من الأرض الى السماء”، وظهر فيها مجد الله الوافر البهاء.
لا يمكننا التنكّر للواقع والتغاضي عن الخطيئة في العالم. ولكنّ قيامة المسيح هي أيضًا جزء من هذا الواقع. من قبر المسيح انبعث نور الله، ومع المسيح القائم من بين الأموات دخل مجد الله العالم، ويعمل كالخمير على تجديده من الداخل. تاريخ العالم ليس تاريخ معركة مجهولة المصير بين الحقّ والباطل، بل تاريخ ولادة جديدة. يقول بولس الرسول: “إنّ الخليقة قد أُخضعت للباطل.. إنّما على رجاء أنّ الخليقة ستُعتَق، هي أيضًا، من عبوديّة الفساد الى حريّة مجد أبناء الله. فنحن نعلم أنّ الخليقة كلّها معًا تئنّ حتى الآن وتتمخَّض، وليس هي فقط، بل نحن أيضًا الذين لهم باكورة الروح، نحن أيضًا نئنّ في أنفسنا منتظرين التبنّي افتداء أجسادنا” (رومية 8: 20-23). نحن من الآن أبناء الله، ولنا باكورة الروح، ولكنَّ ما نحن عليه سيتجلّى على أتمّ وجه في المجد الخالد، فيكون عندئذ للجسد المفتدى، القائم، قسط من السعادة كبير، حسب قول بولس الرسول:” الإنسان الأوّل من الأرض، من التراب، والإنسان الثاني من السماء. فعلى مثال الترابي يكون الترابيّون، وعلى مثال السماوي يكون السماويّون، وكما لبسنا صورة الترابي نلبس أيضًا صورة السماوي” (1 كورنثوس 15: 47- 49). في وسط عالمنا لبس المسيح السماوي جسدنا الترابي، وبهذا الجسد ارتبط بعالمنا. وقيامته الجسديّة لم تفقده ارتباطه بنا، بل بدخوله مجد الآب، صار ارتباطه بنا أكثر اتّساعًا. ارتفع عن الأرض ليجتذب اليه الجميع (يوحنا 12: 32)، ارتفع الى السماوات ليملأ مجده جميع الأرض، بحسب قول المزمور: “ارتفع اللهمّ على السماوات، وليكن مجدك على جميع الأرض” (مزمور 57: 12؛ راجع أيضًا أفسس 4: 8- 10). المسيح لم يتمجّد وحده. “فبعد إذ أميت بالجسد، استردّ الحياة بالروح، وبهذا الروح عينه مضى وبشّر الأرواح المضبوطة في السجن” (1 بطرس 3: 19)، أي إنّه نزل الى “الجحيم” مقرّ الأموات حيث كانت نفوس الصدّيقين تنتظر، كفي سجن، مجيئه الخلاصي وصعودها معه الى السماء، وبشّرها بأنّ عمل الفداء قد تحقّق، وتمّ الانتصار على الموت. وفي الموضوع عينه يتكلّم إنجيل متّى عن عامه كسيرين من الأموات مع المسيح: “القبور تفتّحت، وكثيرون من القدّيسين الراقدة أجسادهم فيها قاموا، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدّسة، وتراءوا لكثيرين” (متّى 27: 52-53).

إنّ ابن الله الذي “له مجد الآب من قبل كون العالم” (يوحنا 17: 5) قد تجسّد في أحشاء مريم العذراء. وبسبب تلك الشركة الروحيّة في المجد والبهاء بين السيّد المسيح وأمّه، آمنت الكنيسة أنّ مريم العذراء، بعد موتها، شاركت ابنها مجد قيامته كما شاركته، في تجسده، مجد ظهوره.

قيامة الأجساد:

جسد الإنسان، في نظر الكتاب المقدّس، ليس سجنًا يجب التخلّص منه للوصول الى العالم الحقيقي، عالم الأرواح. نظرة الكتاب المقدّس الى الإنسان لا تقوم على التناقض بين الجسد والروح، بل على التناقض بين الفرد المنعزل المتقوقع على ذاته والشخص المنفتح في علاقاته على الكون وعلى الآخرين وعلى الله. والجسد هو ما يتيح للإنسان الحيّ أن يرتبط بعلاقات بنّاءة بالكون والآخرين والله. فالجسد هو إذن الإنسان ذاته من حيث ارتباطه بالعالم الخارجي. لذلك أيضًا رأى معظم آباء الكنيسة، ولا سيّمَا في الشرق، أنّ التجسّد كان لا بدّ منه، ولو لم يخطأ الإنسان، وذلك ليكتمل ارتباط الله بالإنسان وارتباط الإنسان بالله، ونعمة الله التي تعمل في الإنسان تعمل فيه حيث يبني ذاته ويحقّق كيانه وعلاقاته، فتجعله في روحه وفي جسده أكثر انفتاحًا على الله وعلى الآخرين. للنعمة قوّة تغيير وانفتاح، وعملها هو عمل الحياة الإلهيّة نفسها. كلّ اتصال بالله لا بدّ له من أن يغيّر الإنسان، وإلاّ كان الله مجرّد وهم ابتكره خيال الإنسان ليكوّن لنفسه ما يتعلّق به في هذه الحياة المتقلّبة. إلهنا شخص حيّ يحوّل كلّ من يتّصل به، يدخل أعماق الإنسان ليملأه بحياته الإلهيّة. وقيامة الأجساد هي امتلاء الإنسان من تلك الحياة الإلهية في كل أبعاد كيانه وفي كل ارتباطاته بالله وبالكون وبالآخرين.
إيمان الكنيسة بانتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو اعتراف بأنّ اتّحادها الصميم بالله بجسدها ونفسها، هذا الاتحاد الذي تحقّق لها بتجسّد ابن الله في أحشائها، كما تحقّق لها أيضًا بأمانتها لمحبّة الله واستسلامها لعلم الله فيها طوال حياتها، هذا الاتّحاد يستمرّ بعد موتها باشتراكها في مجد القيامة. فكما تمجّد ابنها وصار مرتبطًا بدخوله مجد الله بالعالم كلّه، هكذا أيضًا تمجّدت مريم العذراء وصارت مرتبطة بالعالم كلّه. وما سيحدث لجميع المؤمنين في القيامة العامة، أي ارتباطهم الكامل الممجّد بالعالم وبالله، قد حدث لمريم العذراء كما حدث لابنها يسوع المسيح لدى قيامته من بين الأموات.
ثمّ إنّنا في انتقال مريم العذراء الى المجد السماوي نقرأ عمل الروح القدس في الإنسان. وكل مؤمن يعرف أنّ مسيرة حياته هي مسيرة عمل الروح القدس فيه. ومريم هي في الكنيسة رمز عمل الله في كل مؤمن.

إمرأة سفر الرؤيا

وَانْفَتَحَ هَيْكَلُ اللهِ فِي السَّمَاءِ، وَظَهَرَ تَابُوتُ عَهْدِهِ فِي هَيْكَلِهِ، وَحَدَثَتْ بُرُوقٌ وَأَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَزَلْزَلَةٌ وَبَرَدٌ عَظِيمٌ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ السَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى الأَرْضِ. وَالتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ، حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ، وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا قَائِلًا فِي السَّمَاءِ: «الآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا، الَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلهِنَا نَهَارًا وَلَيْلًا. وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ الْخَرُوفِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى الْمَوْتِ. مِنْ أَجْلِ هذَا، افْرَحِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَالسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي الأَرْضِ وَالْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ! عَالِمًا أَنَّ لَهُ زَمَانًا قَلِيلًا». وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ الْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِالنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ

الْمَسِيحِ”(رؤيا19:11و1:12-17).

لقد رأت الكنيسة الكاثوليكية عبر الأجيال في نص سفر الرؤيا هذا لحظة تكليل مريم العذراء، فمن البشارة حتى الصليب رحلة إيمانها قد أخذتها من خلال العديد من التجارب و الضيقات ولكن في كل وقفة في الطريق قد أثبتت انها خادمة مؤمنة للرب. لقد حفظت كل هذا متفكرة به في قلبها حتى ولو لم تفهم. لقد تعلمت ان توافق حياتها أكثر وأكثر لمهمة إبنها والتي هي من مشيئة الأب السماوي، ولقد فعلت هذا حتى وان خطة الأب قد يسبب لها الألم. كنتيجة لذلك

فليست هي فقط ام ليسوع ولكن أيضا تلميذة أمينة بارزة لكل تابعيه حتى الصليب.

في سفر الرؤيا تظهر مريم في السماء بمظهر ملكي رائع “ملتحفة بالشمس” وعلى رأسها اكليل من 12 كوكبا او نجماً. ان رحلتها مع الرب قد قاد مريم لنهايتها السعيدة فلقد عبرت عتبة المجد وشاركت ملك ابنها السماوي “كملكة فوق كل الأشياء” كما تعلّم الكنيسة الكاثوليكية. فمثل القديس بولس، مريم يمكنها أن تقول:” قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا”(2تيموثاوس7:4-8).

في تقليد الكنيسة الكاثوليكية المرأة في هذا النص غالبا ما ترتبط بالقديسة مريم ولكن فسّر الكثيرين بأن المرأة ليست الا رمز لأسرائيل او الكنيسة، ولكي يمكن تعريف بدقة هذه المرأة الغامضة يجب ان نأخذ في الإعتبار ثلاث شخصيات رئيسية في ذلك المشهد: المرأة وطفلها الذكر والتنين. المرأة تضع مولودا ذكرا حيث سيهاجم من التنين والإبن الذكر قد رُفع الي الله وجلس على العرش بينما التنين يُهزم ويُطرح الي أسفل(رؤيا1:12-9).

اثنان من الثلاث شخصيات من السهل التعرف عليهما، التنين قد عُرف بصراحة في الآية 9

حيث جاء عنه “ فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ”(رؤيا9:12)، والمولود الذكر قد وُصف بأنه” عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ”(رؤيا5:12) – إشارة الي الملك المسياني كما جاء في المزمور” «أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي». إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ»(مزمو6:2-9).وعلاوة على ذلك من حيث ان المولود الذكر قد رُفع الي الله ويجلس على عرشه فمعظم مفسروا الكتاب المقدس عرفوا هذا الطفل بأنه المسيح.

ان تعريف “المرأة” ليس واضح ولكي نتعرف على تلك المرأة يجب ان نأخذ في الإعتبار خمس حقائق تعلمناها عنها في سفر الرؤيا اصحاح 12:

أولا – المرأة لها اكليل من 12 نجم والذي يذكرنا بال 12 رسول وال 12 سبط في إسرائيل.

ثانيا – ان المرأة ولدت طفلها بألم الولادة وهذا يذكرنا بنبؤات إبنة صهيون كما جاءت في العهد

القديم، فصهيون هي جبل اورشليم وقد شخّصت كصورة أم تتألم قبل ان تلد طفلا. صورة امرأة صهيون تلد أصبحت رمز قوي كيف ان الشعب اليهودي المؤمن سيعاني من معاناة كثيرة في فترة تقود الى عهد المسيّا:” كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحًا. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصًا فِي الأَرْضِ، وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. تَحْيَا أَمْوَاتُكَ، تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا، تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ”(اشعيا17:26-19) و ” أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَرًا. مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا!(اشعيا7:66-8).

وعامة في العهد القديم تسستخدم عبارة ” ابنة صهيون ” مرادفة ” لابنة أورشليم ” ( 2 ملوك 19 : 21 ) ويستخدم إشعياء عبارة ” بنت صهيون ” ست مرات بهذا المعنى، كما يستخدمها إرميا إحدى عشرة مرة أيضاً، كما يستخدمها ميخا وصفنيا وزكريا بهذا المعنى أيضاً: “ابتهجي يا بنت صهيون واهتفي يا بنت اورشليم هوذا ملكك يأتيك صديقاً مخلّصـاً وديعاً راكبا على آتان وجحش ابن آتان”(زكريا9:9)، و”ترنـمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هآنذا آتـي وأسكن فى وسطك يقول الرب. فأسكن فى وسطك فتعلـمين ان رب الجنود قد ارسلني اليكِ”(زك10:2-11)، و”ترنّمي يا ابنة صهيون، اهتف يا اسرائيل. افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة اورشليم قد نزع الرب الأقضية عليكِ..أزل عدوكِ.مَلَك اسرائيل الرب فى وسطكِ”(صفنيا14:3).

ثالثا- المرأة تلد المسيّا ذاك الذي “ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ”(رؤيا5:12) ومزمور9:2).

رابعا- ابن المرأة يحقق ما قاله الرب في سفر التكوين 15:3 متنبئ ان المرأة سيكون لها نسل وهو الذي سيسحق الشرير. اصحاح 12 من سفر الرؤيا يشبه بطريقة درامية إتمام تلك النبؤة من ان التنين (الشيطان) يطرح الي اسفل الي الأرض مهزوما بينما ابن المرأة الذكر “ وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ”(رؤيا5:12).

خامسا- تختبر المرأة الخروج الجديد فبعد إنتصار ابنها على الشرير طارت المرأة الي البريّة حيث عالها الله وأنقذت على أجنحة الملائكة:” وَالْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ اللهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا” و ” وَلَمَّا رَأَى التِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، اضْطَهَدَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَلَدَتْ الابْنَ الذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ الْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ النَّسْرِ الْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَانًا وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ، مِنْ وَجْهِ الْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ الْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ الْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِالنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ الأَرْضُ الْمَرْأَةَ، وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَمَهَا وَابْتَلَعَتِ النَّهْرَ الَّذِي أَلْقَاهُ التِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ التِّنِّينُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْبًا مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا”<(رؤيا6:12و 13-16) – صور للتذكرة بقصة الخروج والتي فيها قد أحضر إسرائيل الي البريّة حيث اعال الله الشعب بالمن السماوي (الخروج4:16-5) وحفظت بأجحنحة الملائكة حيث قال الله لهم:” أَنْتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُ بِالْمِصْرِيِّينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ”(خروج4:19).

مع كل تلك الخلفية يمكننا ان نفهم لماذا “المرأة” تُرى كرمز للكنيسة فمثل الكنيسة المرأة في اصحاح 12 من سفر الرؤيا قد تم حمايتها وتم اعالتها من الله والصورة كما جاءت في رؤيا13:12-16 تصف ان الله يحمي شعبه في العهد الجديد. ويمكننا أيضا ان نفدّر التفسير بأن “المرأة” هي رمز لشعب إسرائيل في العهد القديم، وتلك النظرة منطقية عن أمرأة متوجة بأثني عشر نجما والتي تذكرنا بأسباط إسرائيل ال 12، وأيضا تشرح صورة الولادة بألم والتي تذكرنا بنبؤات إبنة صهيون وعن الضيقات التي واجهت شعب الله.

هل هناك مكان لنرى مريم العذراء في ذلك المشهد؟ بينما ان “المرأة” قد تظل لها بعض المعنى

الرمزي تشير الى إسرائيل او الكنيسة، يجب ان نحتفظ في فكرنا على انها صورة لأم المسيّا وحيث انها ترجع كونها أماً للمسيّا أفلا سيقودنا هذا الي مريم؟. انه يبدو من المستحيل ان المسيحيون الأوائل لم يروا مريم في كل هذا المشهد للمرأة. لقد كتب احد علماء الكتاب المقدس ” انه من غير الممكن ان آباء الكنيسة في نهاية القرن الأول الميلادي قد تكلموا وكتبوا عن أم المسيح وتغافلوا عن مريم العذراء؟” أكثر من هذا حيث ان الشخصيتان الأخريتان الرئيسية في نص سفر الرؤيا قد تم معرفتهما كشخصيتان مفردتان (مولود ذكر= يسوع، والتنين=الشيطان)، فيبدو انه من غير المحتمل ان الشخصية الرئيسية الثالثة “المرأة”، ليست فرد على الإطلاق ولكن فقط رمز لمجموعة جماعية، بل بالأحرى اذا كان الشيطان والمولود يمثلان شخصيتان فالمرأة من المحتمل ان تمثل هي الأخرى فرد أيضا. علاوة على ذلك، إعطاء فكرة كتابية عن افراد يمثلون مجموعات من الناس فالمرأة في سفر الرؤيا الاصحاح ال 12 يمكن ان تفهم على انها كل من فرد (مريم) وممثلة لشعب الله ككل (إسرائيل و/او الكنيسة). ومريم تصبح بهذا الشخص المناسب يحمل كلا من القديم والجديد لشعب العهد من حيث انها تقف كمعبر ما بين القديم والجديد. اذا ما كانت هناك امرأة واحدة في تاريخ الخلاص من تستطيع ان تمثل احسن تمثيل كلا من وعد وعهد إسرائيل القديم وبداية وعد وعهد جديد لشعب الله فمن المؤكد ان تكون “مريم العذراء أم يسوع”.

تكليل القديسة مريم العذراء

ان المرأة في سفر الرؤيا 12 تم التعرف عليها على انها مريم العذراء يمكننا ان نرى كيف ان النص يكشف اين رحلة مريم مع الله في النهاية قادتها: ان تكلل بالمجد في السماء وان تشارك في ملك المسيح طبقا للوعد الذي اعلنه لكل التلاميذ المؤمنون.

سفر الرؤيا الاصحاح ال 12 قدّم لنا مريم صورة مريم كملكة عظيمة عاكسا حالتها الملكية

الممتازة:” وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي السَّمَاءِ: امْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا”(رؤيا1:12).

هذه الآية تكشف ملك مريم الرائع بثلاثة طرق: أولا، انها ترتدي اكليل يرمز الي مكانتها

الملوكية في السماء. ثانيا، المرأة تحت رجليها القمر وهذا أيضا يشير الي ملوكيتها فالكتاب المقدس اذا ما كان شيئا تحت قدمي يعكس قيادة ملوكية ونصر على أعداء الشخص مثال ما جاء:” قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ» (مزمور1:110). ثالثا، ان الصورة الثلاثية السماوية للمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت رجليها ومتوجة بإكليل من اثنا عشر كوكبا توضح أيضا سلطانها الملكي. صورة مشابهة يمكن ان نجدها في حلم يوسف الصديّق في العهد القديم والذي فيه الشمس والقمر و11 كوكبا سجدوا أمامه رامزا الى السلطة الملوكية والذي ستكون ليوسف الصديق على ابوه وامه (مرموز بالشمس والقمر) وفوق اخوته (يرمز بال 11 نم او كوكب)” ثُمَّ حَلُمَ أَيْضًا حُلْمًا آخَرَ وَقَصَّهُ عَلَى إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: «إِنِّي قَدْ حَلُمْتُ؟ حُلْمًا أَيْضًا، وَإِذَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا سَاجِدَةٌ لِي». وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟»(تكوين9:37-10). وفي سفر الرؤيا اصحاح 12 شبهت مريم العذراء بمثل تلك الصور الثلاثية السمائية وهكذا تظهر سلطتها الملكية متذكر ما جاء عن يوسف الصديق.

لذلك ففي هذا الكتاب الأخير من الأنجيل المقدس تظهر مريم في السماء بمنظر ملكي رائع مشتركة في مملكة ابنها المنتصر. هذا ناتج من ايمانها الثابت خلال حياتها -من البشارة الي اجتماعها مع الكنيسة في الصلاة قبل الخماسين وحلول الروح القدس على الرسل. لقد كوفئت بأكليل البِر و شاركت في ملك ابنها، ولكن كما نلاحظ في نهاية هذا الاصحاح حالتها الملوكية لا يجب ان ترى على انها منفصلة عن كل مسيحي مؤمن تبع المسيح في حياته بأمانة. ان ملك مريم لا يعني أن يُعجب به فقط من بعيد، فإيمانها وخدمتها للرب يجب ان يُحتذى به من كل مؤمن فهي أم لنا ومثال لنا.

ان العهد الجديد يعلمنا ان كل مسيحي مؤمن بالمسيح سيشترك في ملكه، فلقد قال يسوع لرسله

هذا الوعد:” فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ”(متى28:19-30)، وبالمثل وعد تلاميذه الذين سيبقوا معه في تجاربه سيحكمون إسرائيل الجديدة:” أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي، وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا، لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ»(لوقا28:22-30).والقديس بولس عكس ذلك التعليم مشيرا لتلميذه تيموثاوس قائلا:” صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا”(2تيموثاوس11:2-12). في سفر الرؤيا لن تكون مريم الشخص الوحيد الذي يُعطى له الأكليل، فصور الأكليل ترجع للمشاركة في ملكوت المسيح والذي أعطي لكل القديسين كثواب او جائزة لثباتهم في الإيمان للنهاية من خلال التجارب والضيقات والإضطهادات:” كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ”(رؤيا10:2)، “هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ”(رؤيا11:3)، “وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ”(رؤيا4:4)، “فَنَظَرْتُ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ مَعَهُ قَوْسٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ إِكْلِيلًا، وَخَرَجَ غَالِبًا وَلِكَيْ يَغْلِبَ”(رؤيا2:6) و “ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ”(رؤيا14:14).وحيث ان العهد الجديد قد بيّن لنا ان مريم العذراء هي مثال وأنموذج لتلميذ ليسوع ومن يسمع لكلمة الله ويحفظها ويعمل بها:” فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»(لوقا38:1)، “فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ»(لوقا45:1)، “فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أُمِّي وَإِخْوَتِي هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلِمَةَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا»(لوقا21:8) و”أَمَّا هُوَ فَقَالَ: «بَلْ طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ» (لوقا28:11)، وأيضا لشخص ظلّ امينا طوال حياتها:” هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ(اعمال14:1) وحتى ثابتة معه حتى موته على الصليب (يوحنا25:19-27). ان سفر الرؤيا يعكس تماما ان مجدها الملكي ومشاركتها في ملك المسيح ومتوجة بأكليل على رأسها من اثنا عشر كوكبا هو تحقيق لكل الوعود التي اعلنها السيد المسيح.

ومريم العذراء هى أيضاً مثال لشعب العهد الجديد ومُلكه كما جاء عنه:”اما انتم فجيل مختار وكهنوت ملوكي وامة مقدسة وشعب مُقتنى لتخبروا بفضائل الذى دعاكم من الظلمة الى نوره العجيب. وانتم لم تكونوا حيناً شعباً اما الآن فشعب الله” (1بطرس9:2-10)، “وجعلنا ملوكا وكهنة لله ابيه“(رؤيا6:1)، “وجعلتنا لإلهنا ملكوتاً وكهنة ونحن سنملك على الأرض” (رؤيا10:5)، وايضاً حسب وعد الله فى القديم للشعب”وانتم تكونون لي مملكة احبار وشعباً مقدساً”(خروج6:19). وشعب العهد الجديد هذا هم الذين سيملكون مع السيد المسيح كما جاء

“وان صبرنا فسنملك معه“(2تيموثاوس12:2) وهم “يملكون الى دهر الدهور” (رؤيا5:22).

مريم العذراء لأنهـا كانت رسولـة وتلميذة كاملة تبعت تعاليـم السيد الـمسيح وعـملت إرادة الآب

السماوي فإستحقت أن تدخل ملكوت السماوات (متى21:7) وأن تنال إكليل الحياة (رؤ10:2)، وإكليلاً لا يفنى (1كورنثوس25:9)، وأن تجلس معه على عرشه حسب وعد السيد المسيح للمؤمنيـن”أؤتيـه أن يجلس معي على عرشي” (رؤيا21:3) وتحقيقا لما جاء في مزمور داود يُعظّم الـملك والـملكة القائـمة عن يـمينه “قامت الـملكة عن يـمينك بذهب أوفيـر” (مزمور10:44).

ومريم العذراء بعد ان انهت مجرى حياتها على الأرض قد انتقلت الى ملكوت ابنها الحبيب.

ومُلك العذراء مريـم يجب أن يُفهم على انـه فـى الحب والخدمـة وليس للدينونـة والحُكم، ومريم أمضت كل حياتهـا فى الأرض فـى تواضع وخدمـة مستـمرة “هـا أنـا آمـة الرب”(لوقا28:1)، ومع يسوع إبنـها وخضوعهـا التام لـه ولرسالتـه حتى الصليب والقيامـة، وحتـى بعد موتهـا واصلت خدمتهـا نحو أبناءهـا لتساعدهـم للوصول للحياة مع الله وذلك عن طريق ظهوراتها وتجلياتها فى الكثير من بلدان العالم وما ترسله من رسائل روحية لحث المؤمنين للرجوع الى الله.

مع كل تلك الخلفية يمكننا ان نرى ان مريم قد توجت بالمجد تقف كمذّكر ثابت لنا وعلامة ان

الله يريدنا ان نحقق مشيئته في كل حياتنا كما فعلت امنا مريم. إذا ما كنا تلاميذ مؤمنين وأمناء مثل مريم وان كنا ثابتين في طريق حياتنا الإيمانية ونستعمل حياتنا لنخدم خطة الله، نحن أيضا سنشترك في ملك المسيح الإنتصاري. ويجب ان نثق ونؤمن ان ملكتنا السماوية ترشدنا دائما في رحلتنا على الأرض وتتشفع لنا دائما في السماء حتى يمكننا ان نتحد بها وبإبنها وحتى كما قال القديس بولس جاهدنا الجهاد الحسن وأنهينا السباق نتحد بها في سماء ابنها وملكوته وننال اكليل البر والمجد. وكما كانت مريم كإمرأة في رحلة غربتها على الأرض وفي مسيرة إيمانها واجهت الإضطهادات وعدم التأكيد والتجارب والصعوبات لكنها ظلّت قريبة جدا من أبنائها الروحيين وهم مازالوا على الأرض فهي أكثر إلماما بما نعانيه وكأم هي قادرة على توجيهنا وإرشادنا نحو ابنها يسوع فهي ليست ببعيدة عنا فلنلتجئ دائما اليها ملتمسين شفاعتها وصلواتها

من أجلنا.

تذكار عيد تكليل مريم سلطانـة على السموات والأرض – وضع هذا العيد البابا المُكرّم بيوس 12، عام 1954 “السنة المريميّة”. وينفل به يوم 22 أغسطس من كل عام.

إنّ العذراء الطاهرة، بعد أن عَصمها الله مِن كلّ صلةٍ بالخطيئة الأصليّة، وطَوَت شَوْط حياتها الأرضيّة، نُقِلت جسدًا وروحًا الى السماء، وأعلنها الرّب سلطانة الكون لتكون بذلكَ أكثر ما يكون الشّبه بابنها، ربّ الأرباب، وقاهر الخطيئة والموت. فانتقال العذراء اشتراكٌ فريدٌ في قيامة ابنها، واستباق لقيامة المسيحيّين الآخرين.
تعاليم البابا بيوس 12

الهدف مِن هذا العيد هو أن يُدرك الجميع بطريقةٍ أوضحَ ويكرّموا بإيمانٍ أكبر رحمةَ وأمومةَ سيادةِ العذراء مريم التي حَمَلت الله في أحشائها.

إنّ مريم التي تُدير قلبها الأمومي نحونا والتي تهتمّ لأمر خلاصنا، تعتني بالجنس البشري بأسرِه. لقد جعلها الرّب ملِكة السماء والأرض، مُمَجَّدةً فوق أجواق الملائكة وصفوف القديسين في السماء، جالسةً عن يمين يد ابنها الوحيد، ربّنا يسوع المسيح، تلتمسُ بقوةٍ أعظم وتحصل

على ما تطلب، مِن خلال صلواتها الأموميّة.

-هو، ابن الله، يعكُس على أمّه السّماويّة، المَجد والجلال وسُلطان ملوكيّته، فإنّه لم يُشارِك أحدٌ

سلطانَ الشهداء يسوع، في عمل الخلاص كما شاركته “أمّه ومُساعِدَته؛ مريم. فإنّها تبقى أبدًا مُرتبطةً بِه، بقوّةٍ فريدةٍ لامتناهية، لتوزيع النّعم المُتدفّقة مِن الفداء.

إنّ يسوع هو المَلك طَوال الأبديّة، بالطبيعة وبحقّ المُلكيّة: فبِه ومعه وبالتبعيّة له، مريم هي ملكة بالنّعمة، وبإرتباطها الإلهي (أمومتها)، وبحقّ المُلكيّة، وباختيارٍ فريد مِن الله الآب.

فلنُكرّم إذًا سلطانة الملائكة والبشر، غير مُعتقدين البتّة بأنّ أحدً منّا مُعفًى عن تأدية الإشادة

بنفس مريم الأمينة والمُحبّة، صارِخين الى تلك الملِكة الحقّة، الملِكة التي تستحضرُ لنا بركة السلام؛ بأن تُرينا بعد هذا المنفى، يسوع، سلامنا وفرحنا الآتي والدائم.

كلمات مريم

يذكر لنا الكتاب المقدس سبعة كلمات او جمل نطقت بها القديسة مريم العذراء أم يسوع، وكل من هذه الجمل والكلمات مملوءة بمعاني تعكس شخصيتها وحياتها الروحيـة ويمكن التأمل فيها بعمق. لقد قال السيد المسيح:” اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الصَّالِحِ يُخْرِجُ الصَّلاَحَ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ.” (لوقا45:6)، ولهذا فكلمات القديسة مريم مملوءة بالمعاني وتعكس ما قلبها من إيمان قوي وهي تشابه في شهرتها كلمات السيد المسيح على الصليب:

  1. الكلمة الأولى- “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا “(لوقا34:1)- بتوليـة محفوظـة

تكلمت مريم بتلك الكلمات في الناصرة عندما بشّرها رئيس الملائكة جبرائيل بأنها ستصبح أما لله. كان رد فعلها في الحال لذلك الخبر العظيم ليس واحد من الإشادة بالنفس او المجد الشخصي ولكن كان احد الردود المثيرة للدهشة الصادقة. كيف ان دعوة الله للأمومة يمكن تحقيقها حيث انها لا تزال عذراء؟. ان اول جملة او كلمة قالتها مريم تظهر فطريتها الصادقة فعلاقتها بالله لا توجد اي مساحة للتظاهر او إخفاء حقيقة مشاعرها. لقد عبرّت بحرية عن دهشتها وخوفها وبساطتها. لايزال حسب الطريقة الطفولية، مريم بسرعة قبلت دعوة الله فلم تهرب او تختبئ من ذلك التحدي فهي كانت تتطلع الى توضيح فقط لكي يأتي الفعل الصحيح في مكانه.

  • الكلمة الثانية – “هوذا أنا أمة الرب”(لوقا38:1) – خدمـة رائعة

في أقرب واسرع وقت عندما أكد لها رئيس الملائكة ان بتوليتها ستبقى محفوظة ولن تمس وان ذلك الحدث سيأتي بحلول روح الله القدوس فلم يبقى امامها اي مجال للتحفظ، فهي على الفور حددت موقفها وعلاقتها بالله كخادمة مكرسة جاهزة لكي تعطي خدمة بكل حماس. ان الكلمة الثانية تظهر ان مريم منفتحة بكل حرية لمشيئة الله وخاضعة لإرادته القدوسة. ان كلمة “آمة” في اليونانية هي شكل أنثوي كما جاء في العهد القديم لعبد او خادم لله. ان الجملة بكاملها تشهد تأكيد مريم لسمو وعظمة الله وطاعتها التى لا تشوبها شائبة لخطته الخلاصية من اجل البشر، وفي نفس الوقت تظهر تواضع مريم ونكران الذات والتزامها بالفقر الحقيقي.

  • الكلمة الثالثة- “ليكن لي كقولك”(لوقا38:1) – طاعـة إيمانيـة

الآن تذهب مريم ابعد من ذلك بأن تضع مفهومها الى فعل، لقد وافقت ان تأخذ ما كشف لها رئيس الملائكة جبرائيل وان تصبح هي اما لإبن العليّ. في تلك اللحظة التاريخية اصبح ابن الله إنسانا وليبدأ تاريخ خلاص البشرية. هذه الكلمة الثلثة تشرح مدى عمق تفهم مريم ومعرفتها بالله وبمجرد ان عرفت ما يستلزمه دعوة الله لم تتردد لحظة. مثل ذلك الإيمان يمكن أن ينبع فقط من مشاركة فعالة وتأمل في الكتب المقدسة والتى تصف وعود الله وإتمامها في تاريخ الشعب المختار. أنها تشير الى معرفة مريم للتقليد المسياني المسلّم بأمانة عبر الأجيال.

  • الكلمة الرابعة- “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي….” (لوقا46:1-55) – تسبحة فرح

في زيارة لأليصابات نسيبة العذراء مريم في جبال أورشليم ردت على تحية المرأة الأكبر سناً وتسبحتها العجيبة برسالة شعرية تسبح بها الله الذي صنع مع مريم العظائم, هذه هي أنشودة التعظيم واحدة من أجمل الترانيم والتسابيح التى قيلت. أمتلأت أنشودة التعظيم الى إشارات للعديد من الأعمال العظيمة التى قام بها الله لشعبه المختار كما جاءت في العهد القديم، وتشير الى الأشياء العظيمة التى ستأتي مبتدأ بالحدث العظيم والذي فيه مريم شاركت في جزء كبير منه ألا وهو تجسد إبن الله. في أنشودة التعظيم تلك يمكننا ان نلمح الى ذكاء مريم وروح المعرفة والقلب الفرح والإهتمام بالآخرين وحب الله، وتعكس ايمان ثابت ورجاء لا يخيب وحب غير عادي. تلك القطعة الشعرية أيضا تذكرنا بتيسحات العهد القديم أمثال ميريام أخت موسى وحنة أم صموئيل النبي ويهوديت. كلمات المجد والتى قيللت ليهوديت في القديم يمكن تطبيقها على مريم من قِبل الكنيسة:” «أَنْتِ مَجْدُ أُورُشَلِيمَ وَفَرَحُ إِسْرَائِيلَ وَفَخْرُ شَعْبِنَا” (يهوديت10:15).                   الكلمة الخامسة – “يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين” (لوقا48:2) – مسؤوليـة حانية

اثنا عشر عاما بعد مولد يسوع، فقدت مريم عن غير قصد ابنها أثناء رحلة الى أورشليم، وبعد بحث محموم والذي قد يكون تعرضت فيه لبعض الأفكار السلبية وجدت يسوع في اليوم الثالث في الهيكل وأظهرت معاناتها بتلك الكلمات. تلك الجملة الخامسة أبرزت حنان مريم وقبولها للمسؤولية وسلطة الله المعطاة لها، وابنها مازال خاضعا لها وليوسف ولكن المضمون كله لهذا الحدث اتجه الى أبعد. تلك الجملة الخامسة تظهر ان مريم تشارك الغالبية من البشر التى تختبر الصعوبات والقلق، وها هي تواجه بعض الغموض في إيمانها وتتعرض كبشر لما يتعرض له اي إنسان في رحلة الإيمان.

  • الكلمة السادسة – “ليس لهم خمر”(يوحنا3:2) – عطاء المحب

ما يقرب من عشرون عاما بعد حدث زيارة الهيكل هناك حفل زواج في قانا الجليل ولاحظت مريم ان نبيذ حفلة العرس قرب على النفاذ وهو شيئ محرج للغاية في ذلك الزمن، فتدخلت مريم على الفور وتشفعت الى ابنها قائلة له عما حدث. ان تلك الكلمة السادسة تظهر عظمة قلب مريم فهي ملاحظة لكل شيئ وكل التفاصيل وتعرف ما الذي تفعله هذا بالإضافة الى إيمانها بإبنها يسبق ويعد للمعجزة او العلامة التى سيجريها. وهكذا تظهر مريم يقظتها من انها متجهة لأداء دوررها في خلق شعب جديد لله، جماعة مسيانية ستتكون حول يسوع بدءا من اول آية في قانا:” هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ.” (يوحنا11:2). فدور مريم هو ان تشير طريق الشعب الجديد نحو يسوع بأن تعدهم من خلال

تلك المعجزة لقبول آياته وتعايمه.

  • الكلمة السابعة – “مهما قال لكم فافعلوه”(يوحنا5:2) – إيمان راسخ

بعد ان ابلغت مريم يسوع بمشكلة العروسان في عرس قانا التفت مريم الى السقاة طلبت منهم ان يفعلوا كل ما يأمرهم به ابنها مهما قال لهم. ان كلماتها تطابق لكلمات الشعب المختار عندما وعدوا ان يتمسكوا بالعهد مع الرب:” «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ»“(خروج8:19)، وايضا:” تَقَدَّمْ أَنْتَ وَاسْمَعْ كُلَّ مَا يَقُولُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُنَا، وَكَلِّمْنَا بِكُلِّ مَا يُكَلِّمُكَ بِهِ الرَّبُّ إِلهُنَا، فَنَسْمَعَ وَنَعْمَلَ.“(تثنية27:5). بتلك الكلمة السابعة عبّرت مريم عن إيمان كل الشعب المستعد لتلقي الوحي الذي يعلنه يسوع.

بالإضافة الى كشف مريم عن شخصيتها ودورها فكلمات مريم تحمل معنى خاص لنا، فهي

كخادمة لله فهي مثال لكل المسيحيين من حيث اننا جميعا مدعوون ان نكون خداما لله. ان

التأمل في كلمات مريم وفي حياتها سوف يفتح الباب لا محالة لنا فنستطيع ان ننمو في حياة الخدمة. اذا كنا حكماء سوف نتبع تلك النصيحة التى جاءت في سفر الأمثال:” احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ. اُرْبُطْهَا عَلَى قَلْبِكَ دَائِمًا. قَلِّدْ بِهَا عُنُقَكَ. إِذَا ذَهَبْتَ تَهْدِيكَ. إِذَا نِمْتَ تَحْرُسُكَ، وَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَهِيَ تُحَدِّثُكَ. لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ.“(أمثال20:6-23).

رفات وذخائر

الذخائر هي بقايا لقديس سواء كل الجسد او جزء منه او اشياء تلامست مع ذاك القديس، اما الرفات فهي عبارة عن بقاء الجسد بعد موته دون تحلل. والذخائر او رفات القديسين تكرم من المؤمنين بعد موافقة السلطة الكنسية (مجمع ترينت الجلسة 25) وذلك لأن أجساد القديسين بينما هم على الأرض هي هياكل للروح القدس واعضاء حيّة في جسد المسيح. ان الإكرام يمكن ان يأخذ صورة التمثل بفضائل ذلك القديس او اظهار احترام وتقدير خاص لرفاته او ذخائره. اخيرا ان ذلك الاحترام او التقدير لا يقدم للأشياء المادية ولكن لشخص القديس. لهذا فذخائر القديسين تعتبر اشياء مقدسة ويتم وضعها في مكان بجوار مذبح الصلاة في الهيكل او احيانا في دولاب خاص ويتم عرضها للمؤمنين للتبرك بها وذلك في عيد ذلك القديس وذلك من خلال دورة داخل الكنيسة مع التسابيح والترانيم. بدأ الاهتمام بتلك الذحائر والبحث عنها خاصة في بدء المسيحية مع دفن اجساد الشهداء، وزاد الأمر مع الجملات الصليبية للأراضي المقدسة واكتشاف قبر السيد المسيح وصليبه مع مجهودات القديسة هيلانة ثم بدأت عمليات انشاء الكنائس والمغارات وتم تهريب عدد كبير من تلك الذخائر الى روما ومن الى بلاد اوروبا.

بالنسية الى القديسة مريم فنفس الشيئ ولكن هنا المر مختلف فبعد انتقالها للسماء بالنفس والجسد فمن الطبيعي لا يكون هناك اي بقايا او رفات او اشياء متعلقة بها ولكن كان البحث لا يتوقف عن اي شيئ لمسته العذراء او استخدمته اثناء حياتها على الأرض. بالطبع هناك العديد من الكنائس التى تعرف بإحتوائها على صورة او صور للعذراء رسمها القديس لوقا الانجيلي وهناك صور عجائبية مثل صورة جوادالوبي بالمكسيك لكن لا يوجد اي شيئ مادي سوى ما يعرف ب”زنار مريم” او “حزام مريم” والذي قيل ان القديس توما الرسول اخذه من القديسة مريم عندما شاهد موكب الملائكة وهي تنقل جسدها للسماء. وفيما يلي اشهر القطع او الأشياء المقدسة المعروفة والتى يدعى انها تخص القديسة مريم:

  1. قطعة من ملابس العذراء – يزعم ان الامبراطور مارسيان استلمها من المطران جوفينال

مطران اورشليم قي سنة 452م واختفت عام 1453 عندما هزم الأتراك الامبراطورية ويقال ان جزء منه موجود الان في دير vatopedi في جبل آثوس اليوناني.

  • زنار او حزام – وقصة الزنار تعود إلي وجوده مع رفات القديس توما الرسول كدليل

علي رؤيته إصعاد جسد العذراء للسماء حتي تم نقل جسد توما الرسول والزنار لمدينة الرها في شهر اغسطس 394م، وهي مدينة سورية موجودة اليوم تحت السلطة التركية بإسم ” أورفة ” ثم تم نقل الزنار منفرداً إلي كنيسة السيدة العذراء بمدينة ” حمص ” السورية عن طريق أحد الأباء، وتم إكتشاف الزنار في يوليو 1953 وكان ذلك علي يد مار أغناطيوس أفرام الأول برصوم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس في كاتدرائية ” أم الزنار”. و كنيسة أم الزنارشيدت هذه الكنيسة في منطقة بستان الديوان عام 59م وسميت بهذا الإسم ” أم الزنار ” لوجود الزنار بها ويذهب لزيارتها الكثير من المسيحين من جميع الطرائف كل عام، كما تعتبر مقراً لطائفة السريان الأرثوذكس في حمص.

  • شعر العذراء – بعض من شعر العذراء يدعى انه موجود في كاتدرائية Messina في

صقلية بعد ان أحضر اليها اثناء الحملة الصليبية لأورشليم وهناك اماكن اخرى تتدعي نفس الشيئ.

  • منزل العذراء Loreto“منزل العذراء مريم المقدّس” في لوريتو (إيطاليا) وهو ضمّ 3 جدران من بيت العذراء في الناصرة، نُقِلَت إلى لوريتو بطريقة عجائبية
  • 5.    خطاب – من المفترض ان ارسلته القديسة مريم للمسيحيين الوائل في Messina

ولكن بالفحص والتحقيق تبين انه كتب الفعل بمعرفة Constantine Laskaris في القرن الخامس عشر.

  • خاتم الزواج Santo Anello والذي يقال انه محفوظ في كاتدرائية Perugia بايطاليا
  • رسالة للقديس اغناطيوس الإنطاكي لمريم العذراء وردها عليه واكتشف بعدها انه مزور

وكتب في القرن الثاني عشر.

التحليل النهائي والشيئ الأكثر اهمية انه لا يوجد اي شيئ من ذخائر او رفات للقديسة مريم وانها تركت لنا ذخائر روحية لطاعتها وايمانها وفضائلها التى أثرت على المسيحيين في انحاء العالم.

صورة للعذراء مريم

لم تحفظ لنا أي صورة على الشبه الحقيقي لمريم، و أما الصورة البيزنطية، التي يقال

إن القديس لوقا رسمها، تنتمي فقط إلى القرن السادس، ولقد أعيد إنتاجهاو هناك سبع وعشرون نسخة موجودة، عشر منها في روما. وكتب القديس أوغسطينوس يعبر عن رأي مفاده أن المظهر الخارجي الحقيقي لمريم غير معروف لنا، وأننا في هذا الصدد لا نعرف ولا نؤمن بشيءمن هذا القبيل. ان أقدم صورة لمريم هي تلك الموجودة في مقبرة بريسيلا وتمثل العذراء كما لو كانت على وشك إرضاع الطفل يسوع، وبالقرب منها صورة نبي أو إشعياء أو ربما ميخا النبي ونتمي الصورة إلى بداية القرن الثاني، وتقارن بشكل إيجابي مع الأعمال الفنية الموجودة في بومبي. من القرن الثالث لدينا صور للسيدة العذراء حاضرة في عبادة المجوس؛ توجد في مقابر دوميتيلا وكاليكستوس. توجد صور تعود إلى القرن الرابع في مقبرة القديسين بطرس ومارسلينوس؛ في واحدة من هذه تظهر ورأسها مكشوف، وفي أخرى وذراعيها ممدودتان كما لو كانت في الدعاء، ويقف الطفل أمامها. على قبور المسيحيين الأوائل احتلت مريم دائما مكان الشرف

إلى جانب اللوحات على الجدران وعلى التوابيت، تقدم سراديب الموتى أيضا صورا لمريم مرسومة على أقراص زجاجية مذهبة ومختومة عن طريق قرص زجاجي آخر ملحوم بالأول. نتمي هذه الصور بشكل عام إلى القرن الثالث أو الرابع.

التسلسل الزمنى لحياة القديسة مريم العذراء

ان التسلسل الزمني لحياة مريم العذراء يعتمد تماما على التسلسل الزمني لحياة ابنها يسوع المسيح والتى هي في ذاتها حفظت وسجلت في العهد الجديد، ولذلك في احسن الظروف لتسلسل حياة مريم يمكن ان تكون ارشادية بدلا من ان تكون قاطعة. ومع ذلك التسلسل الزمني- حتى ولو كان واحد مؤقت- يكون احتمال ان يساعد في رؤيتنا لشخص كان في القديم حاضرا امامنا. هكذا فالتسلسل الزمني التالي تم رسمه ليعطينا فكرة ما عن حياة أمنا القديسة مريم:

20/23 قبل الميلاد – ولادة مريم ليواقيم وحنة

17/20    – تقديم مريم للهيكل

8/11    – خطبة مريم ليوسف (متى16:1) و (لوقا27:1)

7     – البشارة بميلاد المسيح لمريم (لوقا26:1-38)

    – زيارة مريم لنسيبتها اليصابات (لوقا39:1-56)

6/7 قبل الميلاد – ميلاد يسوع في بيت لحم (لوقا1:2-19)

   – وجدوا مريم مع الطفل (متى18:1-25)

   – ختان يسوع في اليوم الثامن (لوقا21:2)

   – تطهير مريم حسب الشريعة بعد 40 يوما (لوقا22:2-24)

   – نبؤة سمعان الشيخ عن يسوع ومريم (لوقا25:2-35)

   – حنة النبيّة تتكلم عن يسوع (لوقا36:2-38)

   – العودة الى الناصرة (لوقا 39:2)

4/6 قبل الميلاد – زيارة المجوس (متى1:2-11)

   – الهروب الى مصر من هيرودس الملك (متى 13:2-14)

4/؟ قبل الميلاد – العودة الى الناصرة بعد موت هيرودس (متى19:2-23)

6 بعد الميلاد  – وجدوا يسوع في الهيكل في اورشليم (لوقا41:2-50)

6/؟ – 27/28 – حياة مريم ويوسف مع يسوع في الناصرة (لوقا51:2)

30 بعد الميلاد – مريم في عرس قانا الجليل (يوحنا1:2-11)

    مريم مع يسوع أثناء حياته وخدمته العلنية (متى46:12-50، مرقس 31:3، لوقا19:8-21، يوحنا12:2-13)

  • تطويب يسوع الغير مباشر عن مريم لإيمانها (لوقا27:11-28)

33 ميلادية  – مريم عند الصليب (يوحنا25:19-27)

     -مريم مع الرسل في العليّة بعد صعود يسوع (أعمال14:1)

43/48   – موت وانتقال مريم بالنفس والجسد للسماء لتتحد مع ابنها يسوع

  1. والدة الله

العلم المريمي Mariology

لأن مريم تحتل موقعا مميزا في تدبير الله الخلاصي، بأنها أم ابن الله المتجسد وبكر الخليقة

المفتداة، نشأ في الكنيسة ما يسمى “اللاهوت المريمي”، علم كغيره من العلوم، يبحث ليُظهر

الحقيقة ويوضح أمامنا صورة مريم، شارحاً ومثبتاً موقعها الذي أراده الله لها. وهذا اللاهوت له

مرجعيته التي تعطيه حيويته وقوته وتجدده.

الكنيسة الكاثوليكية تعتمد على الكتاب المقدس كمرجع أساسيّ لتعاليمها، وبالتالي كل تعاليمها هي لشرح وتوضيح ما اوحي في الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد وهي تسعى جاهدة لفهم تدبير الله المُعلن من خلال الكتاب المقدس، وهي حريصة الحرص الشديد على أن تبقى أمينة لشهادة المعلم يسوع لأبيه، وشهادة الرسل ليسوع.

لذلك، إذا أردنا التكلم عن مريم، فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، ومنه ننطلق لنفهم سر مريم، الذي هو سر أمومتها ومرافقتها لابنها يسوع كلمة الله “في البدء كان الكلمة… والكلمة صار بشراً” (يوحنا1:1-14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظر الشعوب.

والمصدر الثاني لكل تعليم كنسي هو ما يعرف “بالتقليد المقدس” والذي يتكلم عنه أيضاً المجمع الفاتيكاني الثاني في دستور عقائدي في الوحي الإلهي، الفصل الثاني، الفقرة 8: “…ولذا فالرسل، وقد سلَّموا ما كانوا قد تسلموه، ينبِّهون المؤمنين إلى التمسك بالتقاليد التي تعلموها سواء بالوعظ أو بالرسائل (2تيموثاوس15:2) وإلى الجهاد في سبيل الإيمان. وهكذا فإن الكنيسة بتعليمها وحياتها وطقوسها، تخلِّد وتنقل للأجيال بأسرها كل ما هي عليه وكل ما تؤمن به.هذا التقليد الذي استلمناه من الرسل يتقدّم في الكنيسة بمعونة الروح القدس، فهذا التقليد المقدَّس الذي وصل إلى أباء الكنيسة، تسلَّموه وتأملوا فيه وشرحوه. والمصدر الثالث هو الطقوس الكنسية، فالشعب المقدّس والممسوح بالروح القدس، نظَّم ذاته ونظم إحتفالاته وأعياده، ووضع مواعيد للقاء للصلاة وتمجيد الله وشكره. وبوضع المواعيد والأزمنة نشأ ما يسمى “بالوقت المقدس” و”اليوم المقدس”، وبالتالي نشأت ما تسمى “بالسنة الطقسية”، وهذا ما يسمى بالزمن الليتورجي الذي به تقام الإحتفالات الليتورجية. فهذا الزمن يكون مقدّساً لأنه مخصص للقدوس، ولأن أساس اللقاء وغايته هو الله. فهذا الشعب لكي يحيي هذه الإحتفالات الليتورجية استند إلى المرجعين السابق ذكرهما: فكان الكتاب المقدس والتقليد المقدس مصدر إلهام، فظهر دور الليتورجية بأنها تستند إلى هذين المرجعين وأصبحت بالنسبة لنا مرجعاً مهماً وأساسياً.والليتورجية احتفلت وأظهرت بعض خصائص مريم أو بعض الحقائق المريمية قبل أن تكون هذه الحقائق موضوع بحث لاهوتي أو موضوع إعلان عقائدي. مثلا على ذلك: شفاعة مريم السماوية، فقد نظمت صلوات تطلب شفاعة العذراء قبل أي إعلان كنسي رسمي عن ضرورة تكريم وطلب شفاعة مريم. وبالتالي أصبح رواج إحتفال ليتورجي معين بمثابة عمل الروح في وسط شعبه، فمئلا رواج عيد الحبل بلا دنس وانتشاره قبل إعلان عقيدة الحبل بلا دنس اعتبر بـمثابة برهان على هذه الحقيقة اللاهوتية.

محتوى “العلم المريمي” او “اللاهوت المريمي” يمكن تقسيمه الي جزءان كالتالي:

  • الجزء الأول ويشمل مهمة مريم الفردية وأمومتها والنتيجة الطبيعية لأمومتها الروحية للمؤمنين وفضائلها ومناقشة وتامل في مكانتها الفريدة.
  • الجزء الثاني ويشمل امتيازات مريم مثل الحبل بلا دنس الخطيئة الأصلية والممتلئة نعمة والبرارة والبتولية الدائمة وعدم فساد جسدها وانتقالها بالنفس والجسد للسماء.

الثالوث الأقدس ومريم

اعلن المجمع الفاتيكاني الثاني في الفصل الثامن: دستوره العقائدي عن الطوباوية مريم أم الله في سر المسيح والكنيسة ما يلي:” أمَّا وقد قرَّرَ الله بصلاحِهِ المتسامي وحكمته الفائقة أن يفتدي العالم “لمّا بلغ ملءُ الزمان أرسل ابنه مولوداً من امرأة… لننال التبني” (غلاطية4:4-5) “الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء”. فالعذراء مريم التي قَبِلَت، عند بشارة الملاك، كلمةَ الله في قلبها وفي جسدها، وقدَّمَت الحياة للعالم، هي معروفة ومكرمة كأمّ الله الحقة، وأم المخلص. وقد افْتُدِيَت بطريقةٍ ساميةٍ نظراً إلى استحقاقات ابنها، المرتبطة به برباطٍ وثيقٍ لا ينفصم. اغتنت بهذه المهمّة الفائقة، وهذا الشرف، بأن تكون أم ابن الله، وبالتالي ابنة الآب المفضَّلة، وهيكلَ الروح القدس، بهذه العطية عطية

النعمة غير العادية، تسامَت إلى حدٍ بعيد فوق كلِّ الخلائق في السماء وعلى الأرض”.

مريم والأب السماوي: ان مريم هي نفسها تلك المرأة التي لوَّحَ عنها الله آنذاك بطريقةٍ نبويّة في الكلام على الوعد بالانتصار على الحية، الوعد الذي قطعه الله للأبوين الأولين بعد سقوطهما بالخطيئة (تكوين15:3) وهي كذلك العذراء التي ستحبل وتلد ابناً يُدعى اسمه عمانوئيل (را. إش 7: 14؛ مي 2:5- 3؛ متى 1: 22- 23).

ولقد حَسُن لدى أبي النعم أن يسبق التجسد رضى هذه الأم المختارة، حتى أنه كما ساهمت امرأةٌ في عمل الموت، تساهم أيضاً امرأةٌ في الحياة. وهذا ما يَصحُّ بنوعٍ عجيب في أم يسوع التي أعطت العالم الحياة، حياةً منها تجدَّدَ كلُّ شيء، وقد حَباها الله نِعماً على مستوى مهمة عظمى كهذه. وقد زهت عذراء الناصرة، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، بقداسةٍ وهّاجة وفريدة جداً، فحيَّاها ملاك البشارة المنتدب من الله ممتلئةً نعمة (لوقا28:1). فأجابت البشير السماوي، “هاءنذا أمةُ الربِّ، فليكن لي حسب قولك” (لوقا38:1).

العذراء القديسة مع يسوع الإبن: إنَّ الاتحاد الذي يربط الأم بابنها في عمل الخلاص لظاهرٌ منذُ ساعة الحَمْل البتولي بيسوع حتى موته، ويبدو أول ما يبدو ساعةَ ذهبت مريم مسرعةً لتزورَ أليصابات؛ فحَيَّتها هذه بالمباركة التي آمنت بالخلاص الموعود به، في حين ارتكض السابق في أحشاء أمه (لو 1، 41 – 45) ثم في الميلاد عندما أرت أم الله بفرحٍ إلى الرعاة والمجوس، ابنها البكر الذي كانت ولادته تكريساً لبتوليَّتها الكاملة وليس فقداناً لها (181)، وأيضاً في الهيكل بعدما قدَّمت ذبيحةَ الفقراء، إذ قرَّبَت ابنها للربِّ؛ فسمعت سمعان يتنبأ في الوقت عينه، أن الابن سيكون علامةَ خلافٍ، وإنَّ نفسَ الأمِّ سيَنفذ فيها سيفٌ، وهكذا ستظهر أفكارُ الكثيرين (لو 2، 34- 35). أمَّا وقد ضاعَ الطفل يسوع ففتش عنه والداه حزينين، ووجداه في الهيكل منشغلاً بأعمالِ والده، لكنّهما لَمْ يفهما كلمة الصبي. أمّا أمه فكانت تحفظ كل هذا في قلبها وتتأمل فيه (لو 2، 41– 51).

وفي حياة يسوع العامَّة تظهر أمُّه بكل وضوحٍ منذ البدء عندما حصلت بشفاعتها، وقد حرَّكَتها الشفقة، على أن يبدأ يسوع المسيح عجائبه في عرس قانا الجليل (يوحنا1:2-11). وطيلة كرازة يسوع قَبِلَت الكلام الذي به وَضَعَ الابنُ الملكوتَ فوق كلِّ اعتباراتِ وعلاقاتِ اللحم والدم، وذلك عندما أعطى الطوبى للذين يسمعونَ كلمةَ الله ويحفظونها (مرقس35:3؛ لوقا27:11-28)، كما كانت تعملُ هي بكلِّ أمانةٍ (لوقا19:2 و51). هكذا تقدَّمَت العذراء مريم في غُربة الإيمان مُحافظةً بكلِّ أمانةٍ على الاتحاد مع ابنها حتى الصليب حيث كانت واقفة (يوحنا25:19) -ولم يكن ذلك بدون تصميمٍ إلهي- تتألَّم بقوّةٍ مع ابنها الوحيد، مشتركةً بقلبها الأمومي في ذبيحته، معطيةً إلى تقدمة الذبيح، المولودِ من لحمها، رِضى حبِّها، إلى أن يُعطيها يسوع المسيح بالذات، المُنازع على الصليب، إلى تلميذه أُمَّاً له بهذه الكلمات “يا امرأة هذا ابنك” (يوحنا26:19-27).

الروح القدس ومريم

في مناسبتان في العهد الجديد أظهرت مريم وعلاقتها بالروح القدس. في يوم الخمسين نجد ان مريم كانت حاضرة في العلّية عندما حل الروح القدس:” هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ.“(اعمال14:1) و” وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ”(اعمال1:2-4). ولكن عندما نتكلم عن الحبل المسياني في أحشاء البتول مريم نجد كلا من متى ولوقا يظهران تلك الحقيقة بصورة واضحة. في انجيل القديس متى وجدت مريم حبلى من الروح القدس:” أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.“(متى18:1)، ومن هنا جاء الإخطار ليوسف:” إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.“(متى20:1). في انجيل القديس لوقا اعلن الملاك لمريم ان ابنها سيدعى ابن العليّ:” وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ”(لوقا31:1-32)، ثم يضيف الملاك اجابة لتساؤلات مريم:” «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.“(لوقا35:1).

وبالتالي فهي نتيجة لذلك ان فعل الروح القدس في مريم ان ابنها سيملك على كرسي داود والى الأبد:” وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».“(لوقا33:1)، وانه سيدعى ابن الله وابن العليّ وان مريم في نفس الوقت ان الروح القدس حلّ عليها وقوة العليّ ظللتها(لوقا35:1).

منذ البداية لقب الملوكية في الشعب العبراني “الممسوح من الرب” اي المسيّا (والذي باللغة العبرية مثل “المسيح” في اللغة اليونانية للممسوح” كان مصاحب مع الآتي والمختار من الرب:” فَيَحِلُّ عَلَيْكَ رُوحُ الرَّبِّ”(1صموئيل6:10) و” فَأَخَذَ صَمُوئِيلُ قَرْنَ الدُّهْنِ وَمَسَحَهُ فِي وَسَطِ إِخْوَتِهِ. وَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى دَاوُدَ مِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ فَصَاعِدًا..“(1صموئيل13:16)، أو روح الله” فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ فَتَنَبَّأَ فِي وَسَطِهِمْ.“(1صموئيل10:10). إذا ما أنقذ شاول الإسرائيليين من العمانويين وداود من الفلسطينيين فكان ذلك بسبب انهما قد قبلا قوة من الله والتى دعاها الكتاب المقدس “روح”. بالنسبة لشاول وداود فتلك “الروح” هي قوة من العليّ ضرورية للحياة ولقيادة شعب الله.

في الكتاب المقدس فالروح خاضعة بالكامل للرب فهو قادر ان يأخذها من البشر :” فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ.“(تكوين3:6)، في نهاية فترة من الزمن وبهذا تصبح حياة الإنسان محدودة. طبقا لمزمور داود 104 “ تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ،

وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ.تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ”(مزمور29:104-30).

ان تلك روح الحياة التى أعطاها الرب الى شاول ثم أخذها منهتاركا فيه قوة الروح الشريرة “ وَذَهَبَ رُوحُ الرَّبِّ مِنْ عِنْدِ شَاوُلَ، وَبَغَتَهُ رُوحٌ رَدِيءٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ.“(1صموئيل14:16)، وداود من جهة أخرى حفظها له حتى آخر كلماته:” فَهذِهِ هِيَ كَلِمَاتُ دَاوُدَ الأَخِيرَةُ: «وَحْيُ دَاوُدَ بْنِ يَسَّى، وَوَحْيُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ فِي الْعُلاَ، مَسِيحِ إِلهِ يَعْقُوبَ، وَمُرَنِّمِ إِسْرَائِيلَ الْحُلْوِ رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي.“02صموئيل1:23-2). في بعض قضاة اسرائيل فتلك الروح تصرفت بشكل عابر ولكن بشكل أكثر ديمومة مع يوسف:” فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلًا فِيهِ رُوحُ اللهِ؟»“(تكوين38:41).

بعد سقوط المملكة منح روح الرب للأنبياء مثل حزقيال وبأمر من الله أمر النبي الروح ان تنشط

في اسرائيل(حزقيال 37)، وسوف يتدفق الروج الى كل بيت اسرائيل:” وَلاَ أَحْجُبُ وَجْهِي عَنْهُمْ بَعْدُ، لأَنِّي سَكَبْتُ رُوحِي عَلَى بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».“(حزقيال29:39)، وفيما بعد في كل الأجساد.

ولكن طبقا للنبي اشعيا ومدرسته ما خدث كان بسبب ان روح الرب ستحلّ على جذع يسى بمواهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة والرحمة والخوف من الرب وهي مواهب يستطيع بها الله ان يجغل الإنسان يخاف من الرب:” وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ”(اشعيا1:11-3) و” أَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ.“(اشعيا9:11).

طبقا لما جاء في نبؤة اشعيا:” «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ”(اشعيا1:42)، فالروح على “عبد الرب” الذي سوف يجعل شريعة الرب معلومة للأمم:” لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».“(اشعيا4:42). في النهاية وكما جاء في اشعيا النبي:” أَيْنَ الَّذِي جَعَلَ فِي وَسَطِهِمْ رُوحَ قُدْسِهِ، “(اشعيا11:63) سمي الروح القدس كما ان الله قدوس. احزن الشعب عندما كان هذا الروح في موسى فهو الذي سيقود الشعب للراحة:” الَّذِي سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ، الَّذِي شَقَّ الْمِيَاهَ قُدَّامَهُمْ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ اسْمًا أَبَدِيًّا، الَّذِي سَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ، كَفَرَسٍ فِي الْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَعْثُرُوا؟ كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ، رُوحُ الرَّبِّ أَرَاحَهُمْ”(اشعيا12:63-14)، حيث ان الله يريد شعبه ان يكون مقدس:””كَلِّمْ كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلهُكُمْ.“(لاويين2:19)، وذلك بأن يحبوا اقرباؤهم وجيرانهم كأنفسهم:” بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.“(لاويين18:19) و”كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ.“(لاويين34:19).

لذلك ففي العهد القديم فالمسيّا ورسالته لتقديس الشعب مرتبط كثيرا مع فعل حلول روح الله.

وبخصوص أم المسيّا مهما كان دورها وما سيكون، لم يذكر اي شيئ عن روح الله بالنسبة لذلك

الأمر. أكثر من ذلك كما جاء في العهد القديم ان المسيّ يكون إبن ووارث الله من خلال

 أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا.“(2صموئيل14:7) و “«أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي». إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ.“(مزمور5:2-7) و “الَّذِي تَثْبُتُ يَدِي مَعَهُ. أَيْضًا ذِرَاعِي تُشَدِّدُهُ.” “أَنَا أَيْضًا أَجْعَلُهُ بِكْرًا، دأَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ.“(مزمور21:89 و27)، ومزمور 110 هذه البنوة تكون مصحوبة بالكهنوت كملكي صادق:”أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ”(مزمور4:110) حيث ان الله هو رئيس الكهنة الأعظم:” وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا للهِ الْعَلِيِّ.“(تكوين18:14). في نص انجيل لوقا من جهة أخرى تلك البنوة ترجع الى أمومة مريم.

في وصف فعل روح الله على المسيّا فالتوراة اليهودية غالبا ما تغير الفعل، ففي القضاة مثل شمشون جاء:” فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْيِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ.“(قضاة6:14) وللملوك مثل شاول وداود تكلم الكتاب المقدسعن “حلّ” و”فارق” في كثير من الترجمات، وفي مثال جدعون القاضي جاء “ وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ”(قضاة34:6). فالروح يمكن ايضا “يفارق” النبي او “يسقط” او “يحمله بعيدا” (مثال ايليا- وَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا مَعَ عَبِيدِكَ خَمْسُونَ رَجُلًا ذَوُو بَأْسٍ، فَدَعْهُمْ يَذْهَبُونَ وَيُفَتِّشُونَ عَلَى سَيِّدِكَ، لِئَلاَّ يَكُونَ قَدْ حَمَلَهُ رُوحُ الرَّبِّ وَطَرَحَهُ عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ، أَوْ فِي أَحَدِ الأَوْدِيَةِ»“(2ملوك16:2). في اليشع النبي “وَلَمَّا رَآهُ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي أَرِيحَا قُبَالَتَهُ قَالُوا: «قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ». فَجَاءُوا لِلِقَائِهِ وَسَجَدُوا لَهُ إِلَى الأَرْضِ.“(2صموئيل15:2) ولداود جاء “يحل”” وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.“(اشعيا2:11)، فالكتاب المقدس يشير الى دوام وجود روح الله بقوله “استقر على”فجاء عن يوسف ” فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلًا فِيهِ رُوحُ اللهِ؟»“(تكوين38:41)وفي موسى جاء “ ثُمَّ ذَكَرَ الأَيَّامَ الْقَدِيمَةَ، مُوسَى وَشَعْبَهُ: «أَيْنَ الَّذِي أَصْعَدَهُمْ مِنَ الْبَحْرِ مَعَ رَاعِي غَنَمِهِ؟ أَيْنَ الَّذِي جَعَلَ فِي وَسَطِهِمْ رُوحَ قُدْسِهِ”(اشعيا11:63)، ولكن جاء في سفر العدد عن القاضى عُثْنِيئِيلَ بْنَ قَنَازَ أَخَا كَالِبَ الأَصْغَرَ.فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ”(قضاة10:3)، وفي النهاية اتى روح الله الى العظام الميتة لشعب اسرائيل وأقامها:” فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ الرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدًّا جِدًّا”(حزقيال10:37).

انه ذلك الفعل الذي اختاره القديس لوقا ليصف حلول الروح على مريم «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، “، ربما كطريقة لشرح دوره النشط والحلاصي لذلك التكريس لميلاد المسيّاني.

“قوة العلي” يمكن ان تكون المقصود إشارة لكهنوت ملكيصادق “كاهن الله العلي” والذي هو احد السمات في الرسالة العبرانيين. لقد أشار القديس لوقا الى “سحابة تظللهم” كما جاء:” أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ ظَهَرْتَ لَهُمْ عَيْنًا لِعَيْنٍ، وَسَحَابَتُكَ وَاقِفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ سَائِرٌ أَمَامَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا.“(عدد14:14)، وظهرت في مزمور لداود:” الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ”(مزمور4:121) لكي يصف لطف الحماية الإلهية ويتجنب ان ينظر الى “القوة” للعليّ كفعل عنيف. ان حضور الروح يكون احيانا كريح عنيفة ومخيفة كما حدث لموسى وايليا، ولكن النسل المقدس المولود من مريم قد قدّس شعبه في سلام وهدوء.

ربما كان في فكر القديس لوقا خاصة ما جاء في مزمور داود:” احْفَظْنِي مِثْلَ حَدَقَةِ الْعَيْنِ. بِظِلِّ جَنَاحَيْكَ اسْتُرْنِي”(مزمور8:17)، وكيف ان الأب السماوي عندما اعلن عن ابنه الوحيد ظهر الروح القدس على هيئة حمامة علامة السلام، وايضا يمكن ان يكون الانجيلي متذكرا حماية الله لمؤمنيه كما جاء:” اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ».لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ.بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ.“(مزمور1:91-4).

آباء الكنيسة ومريم

في تقليد الكنيسة الحي والمقدس، المُستمر منذ تأسيس الكنيسة حتى أيامنا هذه، يحتل آباء الكنيسة مكانة خاصة، تجعلهم يتميَّزون عن أي شخصية أخرى في تاريخ الكنيسة. فالآباء هم أول من وضع الخطوط العريضة لبنية الكنيسة، التنظيمية، العقائدية والرعوية، وما قدَّموه يحتفظ بقيمتهِ بشكل دائم. من الآباء حصلنا على قانون الكتاب المقدس، قوانين الإيمان، قوانين الحياة الكنسيّة، الليتورجيا، أوائل الخلاصات اللاهوتية والتعليمية، أضف إلى ذلك التأملات في الحياة الروحية، الزهدية والصوفية. لهذا فإن سلطان تعليمهم في الأمور اللاهوتية يبقى فريداً في تاريخ الكنيسة. على أننا يجب أن نبقى يقظين لئلا نجعل من “لاهوت الآباء” عبارة جامدة، يمكنها أن تختصر كل الخبرات والآراء المتنوّعة في مسيرة واحدة، فالبحث اللاهوتي كان لا يزال في بداياتهِ، كما أن المواقف الرسمية للكنيسة من بعض الأمور العقائدية قد نضجت مع الزمن، لهذا ففي دراسة الآباء علينا أن نحذر تبسيط الأمور، وألا يكون استشهادنا بأقوالهم عفوياً خالياً من الموضوعية والدراسة النقدية للمحيط الزمني والمكاني الذي عاشوا فيهِ. ركزّت الـمؤلفات التى كتبها آباء الكنيسة للدفاع عن مكانـة مريـم العذراء وأمومتهـا وشفاعتهـا وبتوليتهـا الدائـمة وغيرهـا من العقائد. ولقد صدرت مؤلفات من آباء الكنيسة أمثال هيبوليتس الرومانى(130-235)، والقديس ايريناوس(130-202)، والقديس غريغوريوس صانع العجائب (+270) والقديس امبروسيوس اسقف ميلان(339-397)، والقديس يوستين الشهيد(100-163)، وترتليان(160-235)، والقديس افرام السرياني(303-373) والقديس كيرلس الأسكندري(+444)، والقديس أوغستينوس(+480)، والقديس البابا جريجورى الكبير(540-604)، والقديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية(+733)، والقديس يوحنا الدمشقي(675-746)، والقديس غريغوريوس النارغي(+950)، والقديس بطرس دميانوس(1007-1072).

العقائد المريمية

عن أهم الـمعتقدات التى أعلنتهـا وتعلـمها الكنيسة الكاثوليكيـة عن القديسة مريـم العذراء أم يسوع

يرجى الرجوع الى مجلّد “العقائد المريمية حسب تعليم الكنيسة الكاثوليكية[13]“والصادر في 8

سبتمبر 2017 والذي يحوي بعضاً من الأسانيد الكتابيـة وبعضاً مما جاء فى أقوال الآبـاء من الحجج والبراهيـن لكي نتفهـم أصول تلك التعاليـم الكنسية. امام التساؤلات العديدة التي تتعرض لمكانـة العذراء مريم أم يسوع ِوما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكية، فلقد سبق ان تم نشر سلسلة من الكتيبات في الفترة من عام 2003 وحتى 2007 تحت عنوان “الأسانيد الكتابيـة للتعاليـم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع” فى خمسة أجزاء، والتى تحوي محاولة الإجابـة على أهم القضايـا التى تؤمن بها وتعلنهـا الكنيسة الكاثوليكيـة عبر عصورهـا والتى أثارت بعض الجدل فى نفوس البعض عن من هى القديسة مريـم العذراء أم يسوع.

أما مجلّد “العقائد المريمية” فهو تجميع لتلك الكتيبات كمرجع لكل من يحاول البحث عن إجابة او من يريد التعمق عن كل ما يُثار نحو التعاليم الكنسية عن أم يسوع. يحتوي هذا المجلّد على عدة أبواب، ففى الجزء الأول سنتعرّض لبعض النقاط الأساسية للتأمـل وللإلتقـاء قبل الخوض فى العقائد والتعاليـم الكنسية عن مريم العذراء، ثم الباب الثاني يشمل بعض الأسانيد والحجج الخاصـة بالتعليم القائل بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصليـة. وفى الباب الثالث سنتعرّض لقضيـة بتوليـة مريـم الدائـمة، أما الباب الرابع فيتعرض لمعنى لقب مريم أم الله “ثيؤتوكوس”، وأمـا الباب الخامس فسوف يشمل معنى إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد للسماء ثم الباب السادس فهو عبارة عن شرح معنى الإكرام وأسبابه ونتعرض لشفاعة القديسة مريم والقديسين مع محاولة الرد على بعض التساؤلات الأخرى وذلك من خلال ما جاء في الكتاب المقدس والتعاليم الكنسية.

الأمومة الإلهيـة

أبرزت الكنيسة أهمية شخصية العذراء مريم كوالدة الله، بعد انعقاد مجمع أفسس

مباشرة سنة 431م، وذلك لضبط مفهوم التجسد الإلهى ومقاومة بدعة نسطور. وهكذا أضافت مضمون العقيدة التى أقرها هذا المجمع فى مقدمة قانون الإيمان والتى مطلعها: “نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك ايتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا….”.

“والدة الإله” ليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة

حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله فى أعلى صورها.

الحقيقة ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه، وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذى خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد كقول الرسول بولس”عظيم سر التقوى الذى تجّلى فى الجسد”(1تيمو16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال فى سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل فى جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذى اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.

الحبل بلا دنس

تحدد عقيدة الحبل بلا دنس ان مريم العذراء وحدها وُجدت منزهـة عن الخطيئة الأولـى فمريم

دخلت العالم وهى ممتلئة نعمة وذلك منذ لحظة الحبل بها من أبويها. وهذه النعمة الخاصة قد أُعطيت لها بصفة فريدة وإستثنائية نظرا لإستحقاقات إبنها المسيح الفادي فلكي يتجسد ويصير إنسانا كاملا كان لا بد له من طبيعة إنسانية كاملة غير ملوثة بالخطيئة، لذلك وجب أن تكون تلك الأم التى سيأخذ منها طبيعته البشرية طاهرة بريئة من كل دنس الخطيئة ومن هنا نتج ضرورة منح العذراء بالرغم من كونها حُبل بها طبيعيا كأي إنسان بشري، إمتيازا خاصا يحررها من الخطيئة الأصلية التى يتوارثها الجنس البشري وهكذا تكون العذراء قد تمتعت بالنعمة المبررة وهى بعد فى أحشاء أمها وهىحالة النعمة التى تمتع بها الإنسان الأول فى لحظة خروجه من يد

اللـه. ولقد اضاف البابا بيوس التاسع هذا اللقب لطلبة مريم العذراء فى عام 1854.

البتولية الدائمة

بتوليـة مريم العذراء حقيقة مؤكدة، فها هى شهادة الـملاك جبرائيل للقديس يوسف تعلن: “فإن المولود فيهـا إنـما هو من الروح القدس”(متى20:1)، وفـى بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء يُعلن أن “الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تظللكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعـى إبن الله”(لوقا35:1)، وهذا تـتميمـاً لنبؤة اشعيا القائل”هـا أن العذراء تحبل وتلِد إبنـاً ويدعى اسـمه عـمانوئيل”(اش14:7).

وهـذه الكلمة “عذراء”، أو كلمةALMA ألـما باللغة العبرية والتى استخدمها الوحي الإلهي على لسان إشعيا تعني فتاة صغيرة “بنت” عذراء وهي لم تستخدم من قبل لوصف امرأة متزوجة وهذه أول مرة تستخدم لوصف فتاة صغيرة. فسفر التكوين يصف رفقة قبل أن تتزوج بإسحق “بكراً لم يعرفها رجل” (تك16:24)، وكان على اشعيا أن يختار ما بين الكلمتين فقط الـمـتوافرتين فى ذلك الوقت، واحدة تصف امرأة صغيرة قبل زواجها، والأخرى التى ترتبط بالزواج والتى تحمل معنى العذريـة. والجدير بالذكر أن كلمة ألـما جاءت لغويـا بـما يفيد استمرار البتوليـة لهذا لـم تترجـم “عذراء” بل “العذراء” لتصف والدة عمانوئيل كعذراء دائـمة حتى بعد إنجابهـا الطفل. وعند ترجمة النص العبري الى اليونانية استخدمت الكلمة اليونانية “بارثينون” والتى تعني دائما عذراء كما جاء فى انجيل متى.

وبحسب إيماننـا الـمسيحي فإن مريم هـى “الدائـمة البتوليـة” أي ان مريم بتول قبل الولادة وفى

الولادة وبعد الولادة. بتول قبل الولادة إذ حبلت بيسوع المسيح دون معرفة رجل، وبتول فـى الولادة إذ انهـا ولدت يسوع وبقيت بتولا، وبعد أن ولدتـه لـم يكن لها علاقة مع أي رجل فليس من أمر يستحيل على الله، فالذى فى البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيـرها الآن فـى الحبل بـه وولادتـه، جامعـا فـى أمـه العذراء مريم مفخرتيـن تعتـز بهما كل الفتيات والنساء ألا

وهـما البتولية والأمومـة.

عقيدة الإنتقال

أعلـن البابا بيوس الثانــى عـشـر فى 1/11/1950فى رسالته البابوية “إن والـدة الإلـه المنـًزهـة

عـن كـل عيـب,مـريـم الدائـمـة البـتـوليـة, بعـد أن أنهـت مـجـرى حـيـاتـهـا الأرضــيـة, رٌفـعـت بجسـدهـا ونفـسـها إلـى المجـد السمـاوي” وهـكـذا تحتـفـل الكنيـسة الكاثوليكيــة فى أنحـاء العـالـم فى الخامـس عشر من أغسطس من كل عـام بهـذا العيـــد. إن إعـلان هـذه العقيدة يعبـر بشكل واضح عن إيمان الكنيسة منذ القرون الأولـى للمسـيحـية.إن إنتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح الذى حـل عليها وأحيا جسدها لتصير أمـاً لابن الله, هو نفسه يكمـل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي لآن مريم العذراء كانت فى جسدها ونفسها مستسلمة إستسلامـا تــامـا لعمل الروح القدس. فإنـتـقـال مريم حدث سـبـاق لتحرير البشر أجمعين من سلطان الموت وعودتهم الى وضعهـم الفردوسي الآول و هـذا الإنتقال كما يقول المجمع الفاتيكانى الثانى هو “علامة رجاء وطيد”، رجاء فى أن قيامة الأموات بفضل يسوع المسيح ستتم وتحدث, وإنتقال مريم الى السماء بجسدها وروحها علامة لقيامة البشر. أنـه يبدو من المحال إن مريم العذراء التى حبلت بالسيد المسيح وولدتـه وغـذتـه بلبنها وحملته على ذراعيها وضمتـه إلى صدرهـا قد إنفصلت عنه بعد حياتها على هذه الآرض، إن لم نقل بنفسها, فبجسدها. فبما أن فادينا هو إبن مريم، لم يكن بإستطاعته، هو الخاضع خضوعا تاما للشريعة الإلهية, ألاُ يؤدى الإكرام ليس فقط الى الآب الآزلي بل أيضا الى أمـه المحبوبة فحفظها من فساد القبر فرفعت بالجسد والنفس الى المجـد فى أعلى السماوات, لتــتألـق فيهـا كملكـة على يمين ابنها ملك الدهور الآزلي.

فضائل مريم[14]

يوما مـا صرخت إمراءة فى إحدى عِظات يسوع فى الناصرة “طوبى للبطن الذى حملك والثديين

الذين رضعتهمـا.أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه” (لوقـا 27:11-28).

فهـل إستحقت مريم التطويب لأنها ام يسوع وكفى؟، أم لإنها سمعت كلام الله وحفظته متفكرة فيه فى قلبها وعملت بـه (لوقا51:2). ان التأمل فى فضائل مريم وحياتها سوف يعكس لنا مثالاً حياً يشجع كل مؤمن على التقدم فى الفضائل الإنجيلية بفعل نعمة الروح القدس والذى حلّ على البتول وحصلنا نحن عليه فى المعمودية. سوف نتعلم من مريم إيـمانهـا وقبولها لكلمة الله (لوقا26:1-28)، وطاعتها (لوقا38:1)، وتواضعها (لوقا48:1)، ومحبتها (لوقا39:1-56)، وحكمتها (لوقا29:1ولوقا19:2)، وخدمتها للآخرين (لوقا56:1)، وممارستها للشرائع الإلهية(لوقا21:2-41)، فى شكرها لعطايا الله(لوقا46:1-49)، فى تقدمتها فى الهيكل(لوقا22:1-24)، وفى صلاتها مع المؤمنين(اعمال12:1-14)، وغربتها (متى13:2-23)، وآلامها (لوقا34:2-35و 49ويوحنا25:19)، وفقرها وثقتها فى الله (لوقا48:1و24:2)، وفى خدمتها لإبنها من الميلاد وحتى الموت على الصليب (لوقا1:2-7ويوحنا25:19-27)، فى رقة مشاعرها نحو إحتياج الآخرين(يوحنا1:2-11)، فى طهارة بتوليتها(متى18:1-25ولوقا26:1-38). ان التأمل فى فضائل مريم وحياتها سوف يعكس لنا مثالاً حياً يشجع كل مؤمن على التقدم فى الفضائل الإنجيلية بفعل نعمة الروح القدس والذى حلّ على البتول وحصلنا نحن عليه فى المعمودية. هذه الفضائل والتى للأم سوف تنقلها لأبنائها والذى يتأملون فيها ويتمثلون بها فى حياتهم للنمو فى النعمة و التقوى ومحاولـة التشبه بأم يسوع وأم الكنيسة جمعاء “لكي نجعل كل إنسان كاملاً فى المسيح”(كولوسي28:1). 

مـريـم العذراء فـى إيـمانهـــا

نقرأ فى رسالة القديس بولس للعبرانيين تعريفاً عن الإيـمان: “الإيـمان هو الثقة بمـا يرجى والإيقان بأمور لا تُرى” (عبرانيين 1:11). وأيضاً كما يقول الرسول:”وبغيـر إيـمان لا يستطيع أحد أن يُرضي الله لأن الذى يدنو إلى الله عليه أن يؤمن بأنـه كائن وأنـه يُـثيب الذين يـبتغونـه”(عبرانيين6:11).

وهناك عامـة أربعـة أنواع من الإيـمان:

أ- إيـمان ناتج عن كلمات أو نتيجة إستجابة فورية لصياغة لفظية بعد عِظة مثلا أو قراءة كتاب.

ب- إيـمـان يُفهم ويُدرك بالعقل فقط (سليمان رغم حكمته قد بّخر لألهة غريـبة).

ج – إيـمـان كعمل سلوكي كمثل السامري الصالح وهذا يكون ثابت مع أي عقيدة أو مستوى

أخلاقي وليس مع شخص يسوع.

د – إيـمـان مـتكامـل، أي إيـمـان بفهم وإدراك وعمل، وهذا يتطلب إقتناع الفهم وتسليم الإرادة وثقـة القلب.

الإيـمان هو تبعيـة كليـّة للـه ويتطلب فى الأساس معرفـة الله وهذه الـمعرفـة يلزمها قبول هبـة اللـه

لكى تساعد الإنسان على قبول الحقائق الإلهيـة “نحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذى من الله لنعرف الأشياء الـموهوبـة لنـا من اللـه”(1كورنثوس12:2)، وكما يقول الرسول:”فإن كان أحد يظن انـه يعرف شيئاً فإنـه لـم يعرف شيئاً بعد كـما يجب أن يعرف ولكن ان كان احد يحب اللـه فاللـه معروف عنده”(1كورنثوس2:8-3)، ولهذا دعى يوحنا الإنجيلي الـمؤمنون بأنهم صاروا أبناء الله “فأمـّا الذين قبلوه فأعطى لهم سلطاناً أن يكونوا أبناء اللـه اي الذين يؤمنون بإسـمه”(يوحنا13:1).

وكلمة “تؤمن” فى اللغة العِبريـة يُعبـر عنهـا بكلـمتان “Aman” والتى جاء منها كلـمة “آميـن”، وكلمة “batah” والتى ترتكز على الثقة والإستنارة، هـما تـمثلان قطبي فعل الإيمان “نور مُرسل قد أُستقبل” و”إستجابـة”. فالإيمان ليس حالـة أو فعل يظهر مرة ثم يختفى، بل هو ثقـة مطلقـة فى شخص مـا وهذا يعنى الإستعداد لقبول كل الأشياء والأفعال التى تأتـى من الله، حتى فى أصعب وأخطر الـمواقف، وهذا يستلزم أن يتخلّى الإنسان عن كل إعتماده وثقتـه فى إمكانياتـه وقدراتـه الشخصيـة.

والكتاب المقدس مليئ بأنواع عديدة من الإيـمـان فهناك إيـمان الرعاة والتى أُعطيت لهم علامة من السماء، وموسى الذى طلب من الله عدة علامات ليصدقه فرعون والشعب العبراني، واليهود الذين طلبوا من يسوع “أيـّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك”، ونثنائيل الذى صرخ بـمـلك الـمـسيح عندما أخبره بأنه رآه تحت التينة قبل أن يدعوة فيلبس، وإيـمـان إبراهـيم وتركه لأرضه و قبوله تقديم ابنه اسحق ذبيحة لله كأمر الرب له، وايـمـان زكريا الكاهن والذى شك وقال كيف أعلم هـذا وأنا شيخ وإمرأتي متقدمة فى حياتها.

وإيـمـان مــريـم والذى لـم تطلب علامة عن صِدق قول الملاك جبرائيل عندما أخبرها بالميلاد العجيب بل أتت لهـا العلامـة من أن العاقر ستلد. عاشت مريم مع يسوع الطفل وكأي طفل عادي أرضعته وكان محتاجاً لها لتغذيته، فلو كان يسوع يعلن لها عن طبيعته الإلهية بإستمرار لـمـا كان لـمـريم فى إحتياج لحياة الإيـمـان ومـا كانت تتعجب من إجابة إبنها وهو فى الثانية عشر ” لماذا كنتمـا تطلبانني الم تعلما انه ينبغي أن أكون فيمـا لأبي” (لوقا 49:2) أو عند

عرس قانا الجليل ” مـالي ولكِ ياإمراءة لم تأت ساعتي بعد” (يوحنا 2:4).

أحداث البشارة والـميلاد والرعاة والـمجوس وفى الهيكل والهروب الى مصر ثم الحياة فى الناصرة ثم على الصليب لم تنكره بل وقفت بجانبه بشجاعة وثبات ثم اخيرا نجدها مع التلاميذ فى العُليـّة بعد الصعود مباشرة مواظبة على الصلاة والطلبة بنفس واحدة مع التلاميذ.كل تلك الأحداث التى تعكس إيـمان مريم برسالة إبنها وأثبتت أنها حفظت الكلمة وأطاعت الوصية وأكـمـلت مشيئة الله بدقة ومواظبة حتى النهاية.

إيـمان مريم كان بلا فلسفة ولا طلب علامات أو آيات.لـم تفكر فى العار الذى يلحقها بهذا

الحبل.فاقت بإيـمانها قائد الـمئة واللص اليمين والمرأة النازفـة، لهذا قالت “قالت أمه للخدام مهما

قال لكم فإفعلوه” (يوحنا5:2).

آمنت مريم برسالة السماء ولـم تقل انها مازالت صغيرة حتى تتبع الله كـما فعل أرميا فى القديم ذات يوم ” فقلت آه أيها السيد الرب هـآنذا لا أعرف أن أتكلـم لأنـي صبي” (أرميا 6:1).

وعن إيمان مريم يقول القديس أُغسطينوس (مريم صارت مطّوبة بسبب تقبلها الإيـمـان بالمسيح أكثر من تقبلها الحمـل به وتقربها للمسيح بالجسد كأم كان بلا ربح لو لم تحمل المسيح فى قلبها). “من يصنع مشيئة أبي الذى فى السموات هو..أخي وأختي وأمي” (متى 50:12).

عندما أخبر الملاك جبرائيل العذراء مريم قائلا “لا تخافي يا مريم فإنك قد نلت نعمة عند الله وها انت تحبلين وتلدين إبنا وتسمينه يسوع” وشرح لها كيف يكون هذا الحبل الإلهي ” الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللّك” فالـمنطق البشري يقول كيف يحدث هذا؟ وهذا ما أعلنته مريم “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً”.. فمريم قد تقول فى نفسها (انا ناذرة البتولية..أنا كنت أخطط حاجة أخرى لحياتي..أنا كنت أريد..وانا كنت أخطط….) انها كلهـا تخطيطات بشرية. ولكن عندما عرفت مريم ان هذه هي مشيئة الرب، وتذكرت إيـمـان ابراهيم وكيف ترك أرضه وعشيرته وعندما قدّم ابنه ذبيحة حسب إختبار الله لـه.

وتذكرت ايضا إيـمـان موسى وقبوله قيادة شعب الله من أرض العبودية الى أرض الـمـوعد.

وتذكرت معنى حلول الروح القدس ومجد الرب يحل فى مكان ما، فتذكّرت خيمة الإجتماع

“غطت السحابة خيمة الإجتماع وملأ بهاء الرب الـمسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة

الإجتماع” (خروج35:40)، وأن قوة العلي ستظللهـا (لوقا35:1).

إذن “انه ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله” (يوحنا23:2)، انه أمر سماوي، وإرادة سماوية.

لـم تطلب مريم علامة لتؤمن مثل موسى لكي يصدقه فرعون والشعب العبرانـي” انهم لا

يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون لم يتجلّ لك الرب” (خروج7:4).

لـم تطلب علامة مثل جدعون كما جاء فى سفر القضاة “ان كنت قد أصبت حظوة فى عينيك

فأعطيني علامة على انك انت الذى كلمني “(قضاة 17:6) وكان أن الرب أعطاه من جزاز

الصوف فى البيدر وسقوط الندى وغيرها من العلامات.

لـم تطلب علامـة مثل بني اسرائيل عندما طلبوا من يسوع آية لكى يؤمنوا به “أيـّة آيـة تصنع لنراها ونؤمن بك”(يوحنا30:6).

مـريم لم تطلب، ولكن أعطاها الـمـلاك العلامة ان نسيبتها أليصابات العاقر حبلى فى شيخوختها.

مـريم فى إيـمـانها -لم تؤمن نتيجة علامة أو عظة او قراءة كتاب ونحن نريد أكثر من معجزة وآية كل يوم حتى نؤمن بالله.

إستجابت مـريم لدعوة الرب والذى يحترم إرادة البشر.

“فقالت للـمـلاك ها أنذا آمة للرب” (لوقا 38:1)، ولهذا استحقت أول تطويبات العهد الجديد على لسان القديسة اليصابات:”طوبـى للتى أمنت”(لوقا45:1).

موضوع الإيـمـان والعلم ومدى تشكك الناس.

الإيـمـان أعلى من العقل، والعقل أعلى من الغريزة.

عقيدة مثل وجود الله والثالوث الأقدس، أو عقائد مثل الفداء، والقيامة والـموت فإننا لو أدركنا إيـمـاننا بهذه الـمـعتقدات بالعقل أو الغريزة والحواس فلن نؤمن.

مـريم فى إيـمـانـها لم تفكر فى العار الذى سيلحقها بهذا الحبل الإلهي. آمنت بلا فلسفة وتعقيدات

وعلامات.

إن رسالة بولس للعبرانيين تشهد لإيـمـان الـمؤمنين:”الذين بالإيـمـان قهروا الـمـمـالك وعملوا البر ونالوا الـمـواعيد وسدّوا أفواه الأسود” (عب 11).

إن الإيـمـان ليس قولا “أمـا أنا فأريك ايـمـاني بالأعمال، انت تؤمن ان الله واحد حسن والشياطين

ايضا يؤمنون ويرتعدون. الإيـمـان بغير الأعمال ميت” (يعقوب14:2-19و26).

مـريـم فى إيـمـانـها..أعطتنـا الـمثل والقدوة الصالحـة.

فى قبولهـا بالحبل الإلهي، فى خدمتها لأليصابات، فى خدمتها ليسوع، فى خدمتها ليوسف، وفى

خدمة بيتها، فى إحتمال الآلام والضيق والهروب الى أرض مصر وسماعها بقتل أطفال بيت لحم، وفى غربتها وحياتها فى الناصرة التى لا يخرج منها شيئ صالح فعاشت حياة منطوية بلا تذمر.

إيـمـانها فى عرس قانا الجليل بقدرة إبنها الإلهي.إيـمـانها تحت الصليب فلم تيأس وتلعن السماء.

أتعتقدون ان مريم فكرت فى نفسها قائلة (أحقا هذا الطفل الذى ولدته هو مخلص العالم؟..أحقا هذا الذى يعمل بيديه فى حانوت النجارة هو مخلص العالم؟..أحقا هذا الـمـعلّق على الصليب هو مخلص العالم ؟..أحقا هذا الذى قُبر داخل القبر هو مخلص العالم؟..أحقا هذا القائم من الأموات هو يسوع ابنها؟..والعديد من التساؤلات)..

فى الحقيقة انه منذ أن سلّمت مريم نفسها لتكون آمة للرب حتى موتها وبعد موتها وإنتقال جسدها ونفسها للسماء مازالت تشهد بإيـمـانها..موجهة قلب أبنائها الـى يسوع مخلّص العالـم ومازالت تردد وصيتـهـا الوحيـدة لـنـا “مهما قال لكم فافعلوه”(يوحنا 5:2)، وبهذا أعطتنـا مثالاً حيـّا للكنيسة فى العالـم كما علّم القديس أمبروز (340-397م):

“ان أم الله هى مثال للكنيسة فى إيمانهـا ومحبتها واتحادها الكامل مع المسيح”.

كلام يسوع أحيانا صعب..معتقداته أحيانا صعبة على الفهم ” ان كثيرا لـمـا سـمعوا قالوا هذا الكلام صعب من يستطيع سمـاعه” (يوحنا61:6) وتركوه، لأنهم لم يؤمنوا انه الحق والطريق والحياةوالقيامة.

وهنا يدعونـا الرسول بولس قائلاً:”فإمتحـنوا أنفسكم هل أنتم على الإيـمان. اختبـروا أنفسكم. أو مـا

تعرفون أنفسكم إنّ فيكم الـمسيح يسوع إلاّ إذا كنتم فى شيئ غيـر مُـزّكيـن”(2كورنثوس5:13).

مريـم العذراء فـى محبتهـــا

كتب يوحنا الرسول فى رسالتـه عن الـمحبـة فقال:” اللـه محبة، من ثبتَ فى الـمحبة فقد ثبت فـى

اللـه واللـه فيه” (1يوحنا16:4).

عـن معـنى الـمحبـة كـما جاءت فـى العهـد الجديـد والذى قد كُتب باللغة اليونانيـة سوف نجد أنـه جاءت فيـه ثلاث كلمات تحمل معنى الـمحبة وهى:EROS,PHILEO, and AGAPE، ولكن كل كلمة تختلف فى مضمونها. فكلمة EROS تعنى ان الشخص يحب ولكن بشروط معينة ولا يـمكنه الـمساعدة، وكلمة PHILEO تعنى ان الشخص يحب إذا وجد شيئ يجذبـه نحو الشخص الآخر، أما كلمة AGAPE فتعنى ان الشخص يحب بلا شروط وهذا هو نوع حب الله للإنسان والذى لا يعتمد على مشاعر حسية بقدر ما يرتكن الى الفعل ذاتـه، وهى أيضاً تحمل أعلى وأنبل أنواع الحب الذى يتجه نحو غاية كريمة أبديـة. ولهذا كانت المحبة الـمسيحية من نوع “اغابـي” وهو عمل الخير للجميع بلا تمييز وعدم طلب أي شيئ بل عمل الصلاح ولا يهم من هم الناس ولا كيف يقابلون.

وهنالك فرق جوهري بين الـمحبة فى الـمسيحية وبينها فى العلاقات الإنسانيـة، ففى العلاقات هى رد فعل لإنطباعات القلب نحو الآخرين بدون أن يكون هناك أي عمل خاص نعمله نحن، اما الـمحبة الـمسيحية فهى ممارسة كاملة تنبع من أنفسنا من القلب ومن العقل.

واللـه عندما يصف نوع محبته للإنسان وضعها فى رتبة أقوى وأرفع من طبيعة الأمومـة التى تربط الأم برضيعهـا:”هل تنسى الـمرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنهـا حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك”(اشعيا15:49). وفى العهد الجديد إرتفعت محبة الله للإنسان حتى انه بذل إبنـه”هكذا أحب اللـه العالـم حتى إنـّه بذل ابنـه الوحيد”(يوحنا16:3)، و”بهذا تتبيـن محبة الله لنـا أنّ اللـه أرسل ابنـه الوحيد إلى العالـم لنحيا به وإنـما الـمحبة فى هذا أننـا لم نكن نحن أحببنـا الله بل هو أحبنـا فأرسل إبنـه كفّارة عن خطايانـا”(1يوحنا9:4-10).

وهذه الـمحبـة الإلهيـة “قد إنسكبت فى قلوبنـا بالروح القدس الـمعطى لنـا”(رومية5:5)، وبهذه

النعـمة نستطيع كما يقول بولس الرسول:”ان تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول

والعمق والعلو وتعرفوا محبة الـمسيح الفائقـة الـمعرفة لكى تمتلئوا إلى كل ملء الله”(افسس17:3-19).

ولكى نحلل معنى الـمحبة الـمسيحية فلدينا رسائل القديس بولس حيث استخدم فيها كلمة الـمحبة

 60 مرّة. وللتعرف على خواص هذه الـمحبـة يـلزم أن نتعرف:

  • على أصلهـا: هى من الله “لأن محبة الله قد أُفيضت فى قلوبنا بالروح القدس الذى أُعطى لنـا”(رومية5:5)
  • مكانهـا: فى قلب وإرادة الإنسان
  • فعلهـا: فى حب فعل الخير وصداقـة الآخريـن فحب الله يجعل الإنسان يرغب فى تـمجيده وإجلالـه.
  • دوافعهـا: إلهيـة
  • مداهـا: اللـه والبشر “أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قدرتك وكل ذهنك وقريبك كنفسِك”(لوقا27:10).

وفى مثل الـمرأة الخاطئة التى سكبت الطيِب عند قدمي يسوع نجد مثال واضح لخواص الـمحبة المسيحية فلقد قال عنهـا السيد الـمسيح:”إن خطاياها الكثيرة مغفورة لهـا لأنهـا أحبّت كثيراً” (لوقا47:7)

وعـن صفات الـمحبـة فلقد تم وصـفهـا على لسـان القديـس بولس فى رسالته الأولـى الى كورونـثوس : “الـمحـبـة تـتأ نـى وتــرفـــق. المحـبـة لا تحـــسد ولا تتباهــى ولا تنـتـفـــخ. ولا تـأتـي قــباحــة ولا تـلتـمـس مـاهـو لـهـا. ولا تحــتد ولا تـظـن الســوء. ولا تفــرح بالظــلـم , بل تفــرح بالحــق. و تحـتـمـل كـل شـيئ.وتــصــدق كـل شـيئ.وتـرجـو كـل شـيئ.وتـصــبـر على كــل شـيئ. المحــبـة لا تـــســقط أبـداً “(1كورنثوس4:13-8).

ونشـيد الإنـــشـاد يــصـف الـمحبـة بـإنهـا “قــويـة كالـمـوت..مــيــاه كثيرة لا تستطيع ان تـطفئ الـمحـبـة والسـيـول لا تـغـمـرهــا” (نـش 7:8).

لقد قال السيد الـمسيح ان كل الوصايا والشرائع يـمكن ان تتلخص فى كلمة واحدة ألا وهى “الـمحبة “(متى36:22-40).

والرسول بولس يقول ان هناك ثلاث فضائل تثبت “والذى يثبت الآن هو الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة وأعظمهن المحبة”(1كورنثوس13:13).

والرسول يوحنا يعرّف لنا الـمحبة قائلاً:

“انـما الـمحبة فى هذا اننا لم نكن نحن أحببنا الله بل هو الذى أحبنا فأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا”(1يوحنا10:4)، ويقول أيضا “من لا يحب فانه لا يعرف الله لأن الله محبة”(1يوحنا8:4). وهذه الـمحبـة لا يـمكن أي شيئ يفصلنـا عنهـا كقول بولس الرسول: “فـمن يفصلنـا عن محـبّة الـمسيح أشّدة أم ضيـق أم جوع أم عري أم خطر أم إضطهاد أم سيف. كما هو مكتوب اننـا من أجلك نُـمات كل النهار. قد حُسبنـا مثل غنم للذبح ولكننا فى هذه جميعهـا يعظم إنتصارنـا بالذى أحبنـا فإنـي متيقن أنـه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوّات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقـة أخرى تقدر أن تفصلنـا عن محبـة الله التى فى الـمسيح يسوع ربنـا”(رومية35:8-39) وإلاّ لفقدنـا كل شيئ: “إن كان أحد لا يحب الرب يسوع فليكن أناثيما” كما أعلن الرسول بولس (1كورنثوس 22:16).

وكل شيئ يجب أن يبدأ بـمحبة الله لأن اللـه محبـة، والتمحبة الـمسيحية هى إنطباع لـمحبة الله لنـا. وهناك إرتباط وثيق ما بين المحبة والإيمان وهو ما جاء فى رسائل القديس بولس لأهل افسس وكورنثوس وفليمون، فالـمحبة هى علاقة مع الله وشركة مع الآخرين، فالمحبة بدون إيـمان هى مجرد شعور وعواطف، والإيـمان بدون محبة هو أمر أجوف. فعلى الإنسان الـمسيحي أن يصلّى كثيراً طالباً ان تنسكب محبة الله فى القلب فالـمحبة الـمسيحية ليست عملاً بشريـاً، بل هى ثـمر من ثمار الروح القدس وعلى الإنسان أن يُستعلن فيـه الـمسيح ثانيـة فى كل أعماله وسلوكياتـه ولهذا أوصانـا الرسول قائلاً:”لتكن أموركم كلهـا بالـمحبـة”(1كورنثوس14:16)، و”اسلكوا فى الـمحبة كما أحبنا الـمسيح”(افسس2:5)، و”البسوا الـمحبـة التى هى رباط

الكمال”(كولوسي14:3).

أمـا عن الـمحبـة فى حياة مريم العذراء فقد انعكس الى سلوك عملى فنقرأ بدءاً من بشارة الـملاك لهـا وإستجابتهـا لدعوة اللـه لهـا بحب “فقالت مريم ها أنـا آمـة الرب”(لوقا38:1)، ثم نقرأ: “فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت مسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلّمت على اليصابات”(لوقا39:1). محبة مريم محبة عاملة، قويـة، سخية، كاملة عملاً بقول السيد الـمسيح:”هذه وصيتي أن يحب بعضكم بعضا كما انا أحببتكم”. وها هى مريم تحمل الكلمة وتأتي الى بيت العاقر لتخدم وليبارَك يوحنا وهو فى بطن امه اليصابات. وسمعت مريم مديح

اليصابات ولم تفتخر بل أجابت بأنشودة التعظيم والتى تعكس الفكر اللاهوتي عند مريم العذراء.

وفى عرس قانا الجليل عرفت حاجة العرس وأسرعت بطلب معونة ابنها الإلهي والذى صنع أولى عجائبه الزمنية عند طلبها. لقد أحبت العذراء مريم الله وعاشت مكرسـة لـه فى الهيكل منذ طفولتها وسط تسابيح ومزامير وصلوات وذبائح وبخور، وأحبت الله عندمـا أطاعت دعوتها ان تغادر الهيكل لتُخطب للقديس يوسف النجار، وظلّت على حبهـا للـه بأن جعلت بيتهـا هيكلاً آخر، وجاءت لهـا البشرى فعبّرت عن حبهـا للـه بأن قبلت فى تواضع أن تكون أم الكلـمة الـمتجسدة وواظبت على تطبيق وصايا الناموس والشرائع الإلهيـة بكل أمانـة وسلكت فى الـمحبة حتى نهاية رسالة إبنهـا الإلهـي عند الصليب وحتى ما بعد القيامة. وبعد إنتقالهـا بالنفس والجسد للسماء لـم تفقد محبتهـا للكنيسة ولا لأبنائهـا فكانت لظهوراتهـا تشجيعاً للجميع لكي يحبوا اللـه من كل القلب. لقد أحبت مريم العذراء الله إلى الـمنتهى وكان لها الرجاء والصبر والصدق والتفانى والتواضع والـمعرفة والإيمان وعدم التفاخر وعاشت الـمحبة فيها ليست فقط 9 أشهر بل عمرها كله فتحركت وعاشت فى ملء الـمحبة وكانت حياتها نموذجاً حيـّاً للإنسان الـمُحب للـه، فإستحقت أن ندعوها “أم المحبـة الإلهيـة”(يشوع بن سيراخ24:24).

مريـم العذراء فـى رجاءهــا

الرجـاء هو إحدى الفضائل الكبرى-“الإيـمان والرجاء والـمحبة”(1كورنثوس13:13)، وهو فضيلـة تجعلنـا نرجو بـملء الثقـة الخيرات التى وعدنـا بهـا اللـه. والرجاء يعـتمد على الإيـمان بـمحبة الله وبحكـمته وبـمواعيده الإلهيـة، وبدون ذلك لا يكون للإنسان أي رجاء لهذا قال بولس الرسول:” إنكم كنتم فى ذلك الوقت بدون مسيح أجنبييـن عن رعويـة إسرائيل وغرباء عن عهود الـموعد لا رجاء لكم، وبلا إله فى العالـم”(افسس12:2).

والرجاء عطيّة مجانيـة من الله:”وربنا يسوع المسيح نفسه والله أبونا الذى أحبنـا وأعطانا عزاءً

أبديـا، ورجاءً صالحاً بالنعـمة”(2تس16:2). والسيد الـمسيح هو موضوع رجاءنـا

(1تيطس1:1). والرجاء هو سر الفرح فى ضيقات الحياة وسر السلام لهذا دعانا الرسول بولس قائلاً:”ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنـه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، كذلك الراقدون بيسوع سيُحضرهم الله أيضاً

معه”(1تسالونيكى13:4-14).

وبالرجاء نتشوق لـمواعيد الله ومجيئه فيتجاوز الإنسان آلام هذا العالـم ويشتاق للإنطلاق:”لي

الحياة هى الـمسيح والـموت هو ربح..لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع الـمسيح”(فيلبي21:1و23)

و”لأننا بالرجاء خلصنا، ولكن الرجاء الـمنظور ليس رجاءً، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضاً،

ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبـر”(رومية24:8-25).

وبقدر ما ننـمو فى الإيـمان ننـمو فى الرجاء بقوة الروح القدس ولهذا قيل:”وليـملأكم إله الرجاء

كل سرور وسلام فى الإيـمان، لتزدادوا فى الرجاء بقوة الروح القدس”(روميـة 13:15). وإذا كان

رجاءنا فقط فى هذا العالـم “فنحن أشقى الناس”(1كورنثوس19:15)، لهذا قيل:”من أجل

الرجـاء الـمحفوظ لكم فى السماوات”(كولوسي5:1).

لقد قال الرسول بولس “نفتخر فى الضيقات عالـمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس الـمعطى لنا” (رومية3:1-3)، وقال ايضاً:”على حسب إنتظاري ورجائـي لا أخزى فى شيئ بل أتصرف بكل جرأة حتى أن الـمسيح يُعظّم الآن كـما عُظّم كل حين فى صبري”(فيلبي20:1).

ولنـا فى عظة السيد الـمسيح على الجبل والتطويبات (متى3:5-12) والصلاة الربّيـة (متى9:6-13) لأعظم ثقـة ورجاء.

وعن الرجاء فى حياة القديسة مريم العذراء سوف نراه فى محبتها للـه وثقتهـا العظمى فى قدرتـه تعالـى كقول الـمرّنم: “فأنك أنت رجائي أيها السيد الرب أنت متكلي منذ صبائـي”(مزمور5:70)، والتى إنعكست فى تسبحتهـا:”لأن القدير صنع بـي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونـه”(لوقا49:1-50)، وفى تسليـمهـا لـمشيئة الله “ها أنا آمـة الرب فليكن لي بحسب قولك”(لوقا38:1)، وفى فرحهـا الدائـم بعظائـم القديـر فهتفت قائلة:”تعظم نفسي الرب”(لوقا46:1)، وفى حياتهـا وخدمتهـا حتى موت إبنهـا على صليب العار ولم تيأس ويضعف رجاءهـا بل كان رجاءهـا ثابت فى أن إبنهـا يسوع هو “القدوس” و”إبن الله”(لوقا35:1) وانـه هو “الذى يخلّص شعبـه من خطاياهم”(متى21:1) وأنـه “لا يكون لـملكه إنقضاء”(لوقا33:1)، فعاشت فرح القيامة كما “فرح التلاميذ حين أبصروا الرب”(يوحنا20:20)، وظلّ رجاءهـا ثابت وواظبت على الصلاة مع التلاميذ فى العليـّة بعد صعود إبنهـا إلى السماء (أعمال14:1)، و حتى موتها وإنتقال جسدها ونفسها للسماء.

لهذا “فلنصحُ لا بسين درع الإيـمان والـمحبـة وخوذة رجاء الخلاص لأن اللـه لم يجعلنـا للغضب

بل لإقتنـاء الخلاص بربنـا يسوع الـمسيح الذى مات لأجلنـا”(1تسالونيكى8:5-9)، ولنكن “مستعدين دائماً للإحتجاج لكل من يسألكم حجج الرجاء الذى فيكم”(1بطرس15:3).

مريـم العذراء فـى حِكـمتهــا

الحِكمة أو الفطنـة هـى فضيلـة من شأنهـا أن تؤهـل من اتصف بها أن يحسن إختيار الطرق

الـموصلة للخلاص.

وجاء فى الكتاب الـمقدس أن يوسف قد أتاه الله “نعمة وحكمة”(أعمال10:7)، وموسى تعلّم حكمة الـمصريين، وسليـمان قد صلّى طالباً الحكمة(1ملوك9:3)، ودانيال كان مملوء من حكمة الله(دانيال14:5). ويصف الكتاب الـمقدس يسوع المسيح بأنه حكمة اللـه “حكمة الله وقوة الله”(1كورنثوس24:1)، ويقول ايضاً إنـه: “الـمدخر فيه جميع كنوز الحكمة”(كولوسي3:2). وإن الذى يسكن فيـه روح الله لا بد أن تسكن فيـه الحكمة فقد قيل عن الروح القدس إنه روح الرب “روح الحكمة والفهم، روح الـمشورة، روح الـمعرفـة”(اشعيا2:11)، وذكر الرسول بولس أن الحكمة هى من مواهب الروح القدس “فيعطى واحد بالروح كلام الحكمة”(1كورنثوس8:12). وهذه الحكمة التى من الله قال عنها القديس يعقوب الرسول:”أما الحكمة التى من فوق فإنهـا عفيفة ثم مسالـمة حليـمة سهلة الإنقياد مـملوءة رحمة وأعمال صالحة لا تدين ولا

تراءى”(يعقوب17:3).

ومريم أم يسوع قد إمتلأت من الروح القدس:”إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تظللكِ”(لوقا35:1)، فكانت فى كل أدوار حياتهـا فـى غايـة الحِكمة بل كانت مثال الحِكمة ولهذا فيـمكنهـا بـمثال حياتهـا أن تكون نموذجـا للـمشورة والحِكمة الصالحة والتى تقود الإنسان للخلاص والحياة مع الله “فإبتغاء الحكمـة يُبلغ إلى الـملكوت”(حكمة21:6). ولقد جاء عنهـا:”لما رأته أضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية” (لوقا29:1)، “وقالت للملاك كيف يكون هذا وانا لست أعرف رجلاً” (لوقا34:1)، “وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها” (لوقا19:2).بادرت مريم بالإستفهام وبدا ينضج إيمـانها بالإستنارة”قوة العلي تظلك”وتحقق ذلك بطاعتها وتسليمها “لأن الرب يعطي حكمة ومن فمه المعرفة والفهم” (أمثال1:2) ومريم إمتلأت من نعمة الله فأعطاها الحكمة والفهم والمـعرفة والعدل والقوة

(حكمة7:8).

فلنطلب من اللـه أولاً هذه الحكـمة التى “من فوق” بالصلاة وفى ذلك يقول يعقوب الرسول:”إن

كان أحدكم تعوزه حكـمة فليطلب من الله…وليطلب بإيـمان غير مرتاب البتـة”(يعقوب5:1-6)، فكما صلّى دانيال للـه طالباً الحكـمة لأنـه “واهب الحكمة للحكماء والعِلـم لعارفي الفِطنـة” (دانيال20:2-22).

لنلتجئ إذن إلى أمنـا مريم العذراء والتى تُعطى من يلتجئ إليهـا يسوع الِحكمة الأزليـة وتسأل الروح القدس أن يهب الإنسان أن ” يعلم كل شئ” حسب وعد السيد الـمسيح لتلاميذه “وأما الـمعزّى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يُعلّمكم كل شئ ويُذّكركم كل ما قلته لكم”

(يوحنا26:14).

مريـم العذراء فـى تقواهـــا

التقوى أو البرارة تعنى القداسة والعيش فى الحق والعدل والعمل بوصايا الله أي تعنـى الحيـاة مع اللـه وكما يقول الـمرّنم:”فى شريعة الرب هواه وفى شريعتـه يهُذّ نهاراً وليلاً”(مزمور2:1). التقوى هى أيضاً عبادة الله وحبه من كل القلب والنفس والقدرة”أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قدرتك وكل ذِهنك”(لوقا27:10).

لقد وصف الكتاب الـمقدس البعض بتلك الصِفـة مثال القديس يوسف خطيب العذراء مريم “بالبار” (متى 19:1)، كما دعى من قبل نوح البار (تكوين 9:6) وأيوب الصديق (أيوب1:1)، وطوبيـا البار(طوبيا8:1).

إن للرجل البار مكانة فى قلب الله حتى أنه قال لإبراهيم” إن وجدت فى سدوم خمسين باراً فى

الـمدينة فإني أصفح عن الـمكان كله من أجلهم” (تك 26:18)، ويذكر الـمرنّم ذلك قائلاً:”لأنك تبارك الصديق يارب كأنه بترس تحيطه بالرضا”(مزمور12:5)، “القليل الذى للصِدّيق خير من ثروة أشرار كثيرين”(مزمور 16:37)، و”ينصرهم الرب وينجّيهم”(مزمور29:36)

فمـاذا تعـنى التقوى او البرارة او الحـيـاة مـع اللـه؟

ومـا هـى فـائدتـهـا للإنسان الـمؤمـن؟

الـحـيـاة مـع اللـه تعطـى الإنسان:

1. قـوة وثـقـة “إن سرت فـى وادى ظلّ الموت لا أخاف شراً لأنك معـى” (مز4:23)..

وبنفس القـوّة يقول الـمرنّم “الرب نوري وخلاصـى مـمن أخاف” (مزمور1:27)، وكذا كانت ثقـة العذراء فى الرب القدير.

2. قـوة أن لا يخطئ هكذا كان يوسف الصّديق يشعر دائـما إنـه واقف أمام الرب واللـه يراه فكيف يخطئ فصرخ صرختـه الـمعروفـة عند محاولـة زوجـة فوطيفار إغراءه بالشر “كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله”(تكوين 9:39).

3. الإيـمان بأن اللـه موجود معـنا وجود دائـم للـه فـى حياة الـمؤمن وليس وجوداً مؤقـتـا “كل الأيام وإلـى إنقضاء الدهـر”(متى20:28).

4. الـفـرح بالأبـديـةلـهـذا أعلـن القديس بولس “لـي إشتهـاء أن أنطلق وأكون مع الـمسيح فذاك أفضل جداً” (فيليبى 23:1)

5. أن يـدعـو الآخـريـن فالإنسان الـمؤمن يدعو الكل إلـى العِشـرة مع اللـه ويقول لهـم ما قالـه الـمرّنم:”ذوقـوا وأنظروا ما أطيب الرّب”… أو عندمـا عرف فيلبس يسوع دعا نثنائيل قائلا:” وجدنـا الذى كتب عنـه موسى فـى الناموس والذى كتب عنه الأنبياء”(يو45:1).

6. الشعور بوجود اللـه فـى الأماكن الـمقّدسة كـما قال يعقوب عن بيت إيـل “إن اللـه فـى هـذا

الـمكان” (تكوين 16:28).

7. حب الصلاة الدائـمة والحديث مع اللـه كـما كان يفعل أباءنا القديسين “صلوا بكل صلاة ودعاء كل حين فـى الروح” (أف18:6)..وكـما طلب الـمرّنم “واحدة طلبت من الرّب وإياها ألتـمس أن أسكن فـى بيت الرب كل أيام حياتـى لكى أعاين نعيم الرّب وأتأمـل فـى هيكله” (مز4:26).

8. حـب الوجـود مـع اللـه“إلـى مـن نذهب وكلام الحياة الأبديّة هـو عندك” (يو68:6)

9. حـب تـنفيذ وصايـا الرب” مـا أشّد حبّي لشريعتك. هـى تأملي النهار كلـه” (مز97:118)     

لهـذا فبـالـخطيّة يزول الإحساس بالوجـود والحياة مع اللـه..ويشعر الـخاطئ بإنفصال عن اللـه. وقـد ظهـر هـذا الإنفصال فـى عـمقه حيـنما صرخ قايـين قائلا للرب ” ذنبى أعظم من أن يُـحتـمل إنك طردتنى اليوم عن وجه الأرض ومن وجهك أختفـى” (تك13:4)

والعذراء مريم إمتازت بعبادتهـا لله الكاملة بإيمانهـا ورجاءهـا وطهارتهـا وكانت كل أفكارها ونياتها وحواسها كلها متجهة نحو الله. لقد أتـممت رسالتها على الأرض مشابهة فى ذلك إبنهـا الإلهي القائل لأبيه السماوي:”أنا قد مجّدتك على الأرض وأتـممت الـعمل الذى أعطيتنى لأعمله”(يوحنا4:17). لقد أضافت لها الكنيسة لقب “يا إناء العبادة أو التقوى الجليلة أو السامية” لأن مريم العذراء تعطى صورة صادقـة وصحيحة للعبادة الحقّة لله.

وعن حيـاة التقوى عند مريـم العذراء نجد حرصهـا على تنفيذ وصايا الله: “لـمـا تمت ثـمـانية أيام ليختتنوا الصبي سُمي يسوع كـمـا تسمـى من الـمـلاك قبل أن حبل به فى البطن” (لوقا21:2)، “ولـمـا تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى أورشليم ليقدموه للرب”(لوقا22:2)، “وكان أبواه يذهبان فى كل سنة الى أورشليم فى عيد الفصح”. لقد أعطت مريم نمـوذجا للإعتراف بسلطة الكنيسة وتعاليمها ووصاياها وتقديم أبنائنا لله. السير مسافات لتنفيذ الواجبات الدينية. تقديم كل مـا نمـلك للرب حتى أعز ما نمـلك وهم أولادنا.

 مريـم العذراء فى وداعتهـــا

ان السيد الـمسيح فى عظتـه على الجبل قد طوّب الودعاء قائلاً:”طوبـى للودعاء فإنهم يرثـون الأرض”(متى4:5)، ويقول الـمرّنم:”إن الرب يرضى من شعبـه. يُجـّمل الودعاء بخلاصـه”(مزمور4:149)، ويُطالبنا بولس الرسول أن نسلك فى دعوتنـا “بكل تواضع ووداعـة وأناة”(افسس2:4)، وقال أيضاً:”وأنتم الذين اختارهم الله فقدّسهم وأحبهم إلبسوا عواطف الحنان والرأفـة والتواضع والوداعـة والصبـر”(كولوسي12:3)، وأوصى تلميذه تيموثاوس أن يقتفى”البِر والتقوى والإيمان والـمحبة والصبر والوداعـة”(1تيموثاوس11:6). والعذراء مريم الوديعـة هى أكثر من عرفت الـمسيح الوديع والـمتواضع القلب:”تعلّموا منّي أنـّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحـة

لأنفسكم”(متى29:11).

فمريم هى أم الوديع والـمتواضع القلب ولذا كانت متزينـة “زينـة إنسان القلب الـمُستتـر أي زكاء

الروح الوديع الساكن الذى هو كثير الثـمن أمام الله”(1بطرس4:3) وتحلّت بثمر الروح “الوداعـة”(غلاطية23:5)

ولو لـم تكن مريم وديعة لـما تجسّد فيهـا الله الكلـمة ولـما رأى انهـا الـمختارة “قد نلتِ نعـمة عند الله”(لوقا30:1)، وولدت يسوع “الوديع”.

 مريـم العذراء فى صبرهــا

الصبـر هو إحدى الفضائل الأخلاقيـة، والكلمة تعنـي “الثبات او التجلّد أو قوة العزيـمة”، وهى فضيلـة تساعد الفرد على التغلب على اليأس والإحباط والـمعارضـة وفقدان شخص عزيز وعلى تحـمل آلام الـمرض وتخطى الصعاب وكل شيئ يسبب ألـم للإنسان، وذلك دون أن يفقد هدوءه أو يسخط على ما يواجهـه. والصبـر يقترن عادة بإيـمان قوي كما يقول القديس يعقوب:”إحتسبوا كل سرور أيهـا الإخوة أن تقعوا فى تجارب مختلفة عالـمين أنّ إنتحان إيـمانكم يُنشئ الصبـر. حتى يكون العـمل الكامل للصبـر بحيث تكونون كاملين موفّريـن غير ناقصين فى شيئ”(يعقوب2:1-4).

ولهذا فلقد قال بولس الرسول:”انكم محتاجون إلى الصبـر لتعـملوا إرادة اللـه فتنالوا البركـة التى وُعدتم بها”(عبرانيين35:10)

وعن الصبـر والإحتمال فى حياة مريم العذراء فسوف نجد انـه قد تنبأ سمعان الشيخ عن سيف الأوجاع والألم الذى سيجوز فى نفس مريم فقال لها:”وأنت أيضا سيجوز فى نفسكِ سيف لتُعلن أفكار من قلوب كثيـرة”(لوقا35:1). ومريم تحملت سيف التغرب ( هروبها بالطفل الى ارض مصر وحياتها فى مدينة الناصرة)، وتحملت سيف الإذدراء، وسيف الهروب، وسيف اليتم، وسيف الترمل، وسيف فقد وحيدها على الصليب فصدقت فيهـا نبؤة ارميا النبي القائلة: ” ماذا أُشبّـه بكِ يا بنت أورشليم ماذا أساوي بك فأُعزّيكِ أيتهـا العذراء بنت صهيون”(مراثـى ارميا 13:2)

ومع هذا ظلّت مواظبة على الصلاة والإيـمان والمحبة والرجاء.

ومشكلة الألـم فـى حياة مـريم وحياة البشـر عـمومـا هـو من الأمور التى تستحق التأمل.

ويـمكننا على ضوء السيد الـمسيح وحياته وموته وقيامته أن نرى أن الألـم والشر والـموت لـم يعد ذلك اللغـز الذى حيًر الإنسان منذ القديـم ففـى الـمسيح سُحق الـموت وحررنا من عبودية الخطيّة

 “كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة”، و لكن جاء الـمسيح ليحررنا من تلك العبودية “فإن حرركم الإبن كنتم فى الحقيقة أحراراً (يوحنا34:8-36)

“أين غلبتك أيها الـموت؟!.أين شوكتك يا موت؟!

الشكر لله الذى يؤتينا الغلبـة بربنا يسوع الـمسيح”(1كور54:15-57).

لقد قضى الـمسيح على الشر والخطيئة دون القضاء على حريّة الإنسان ولكنه جدّد الإنسان من الداخل وقّوم طبيعته البشرية الـمحدودة مظهراً وجه اللـه الحقيقى ومبيناً للإنسان الطريق الوحيد الذى لا بد للإنسان أن يسلكه إذا أراد الحياة الأبديـة.

إن مريـم عرفت ما سر الألـم وشاركت إبنهـا فـى تحـمله حتى تعطى للإنسان الجديد قوة ويسهم مع الـمسيح فـى تجسيد الفداء فـى ذاته وفـى الأخرين وفـى الكون حتى يزول الشر وتزول الخطيئة ” ويصير اللـه كلاً فـى الكلّ” (1كورنثوس28:15).

لقد دعانا السيد الـمسيح:”وفيما أنتم ذاهبون إكرزوا قائلين إنه قد إقترب ملكوت السموات، إشفوا

مرضى، طهروا برصا، أقيموا موتـى، أخرجـوا شياطين.مـجانا أخذتـم ومـجانا أعطوا”

(متى 7:10-8)…

لقد قال الرسول بولس “نفتخر فى الضيقات عالـمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية

والتزكية رجاء والرجاء لا يخزى لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس الـمعطى لنا”(رومية3:1-3).

إن مواعيد اللـه عظيـمة، فلنأخذ الألـم بشكر ونحمـل الصليب برجاء ثابت فكما قال بطرس الرسول:”فإن من النعـمة أن تكابد الـمشّقات ويتحمل الظلم لأجل ضمير مُطيع لله. وبالحقيقة أيـّة مفخرة لكم إن كنتم تُلطمون وأنتم خاطئون فصبرتم ولكن إن كنتم تتألـمون وأنتم فاعلو خير فهذا نعـمة لدى الله. ولهذا دُعيتم لأن الـمسيح أيضاً تألّـم لأجلنـا وأبقـى لكم قدوة لتقتفوا آثاره”(1بطرس18:2-21). إذن كما قال بولس الرسول:” فلا شدة ولا ضيق ولا جوع ولا عري ولا خطر ولا إضطهاد أو سيف يـمكن أن يفصلنـا عن محبـة الـمسيح” (روميـة 55:8)، ولنطلب من إلـه الصبـر والتعزيـة أن يهبنـا الصبر لكى “نّمجد الله أبا ربنـا يسوع الـمسيح بنفس واحدة وفم واحد(رومية5:15-6)، ولنقرأ الكتاب الـمقدس كلمة الله “لأن كل ما كتب من قبل إنـما كُتب لتعليـمنا ليكون لنا الرجـاء بالصبـر وبتعزيـة الكُتب”(رومية4:15)، وعلينـا أن نؤمـن بأن لنا مـجد عتيد أن يظهـر عند مجئ السيد فـى مجده “هـا أنذا آت سريعا وجزائـي معى لأكافـئ كل واحد حسب اعـمالـه” (رؤيا 12:22).

مريـم العذراء فـى طاعتهـــا

فضيلة الطاعـة فضيلة عظيـمة إذ قال الكتاب الـمقدس:”أيها الأبناء أطيعوا أباءكم فى الرب فإن هذا هو العدل”(افسس1:6)، كما قال أيضاً:”أطيعوا مرشديكم”(عبرانيين17:13).

ويذخر الكتاب المقدس بأمثلـة من أطاعوا الله كإبراهيـم الذى “إنطلق كما قال له الرب”(تكوين1:12-4) وطاعـة موسى وهارون (خروج6:7)، وطاعـة يشوع بن نون (يشوع40:10)، وطاعة عزرا الكاهن(عزرا10:7)، وطاعـة يونان النبي(يونان3:3)، وطاعـة يوسف خطيب مريـم العذراء (متى24:1)، وطاعـة السيد الـمسيح :”إن طعامي أن أعـمل مشيئة من أرسلني وأتـمم عـمله”(يوحنا34:4).

ان الطاعـة هـى الخضوع للوصايـا الإلهيـة فالله “يصنع رحـمة إلى ألوف من محبيّ وحافظى

وصاياه”(تثنية10:5)، و”حافظ الوصيّة يحفظ نفسه والـمتهاون بطرقـه يـموت”(امثال16:19) وكما يقول يوحنا الرسول:”لأن هذه هى محبـة الله أن نحفظ وصاياه”(1يوحنا3:5)، ولهذا أوصـى تلـميذه تيموثاوس قائلاً:”أن تحفظ الوصيّة بغير كلف ولا عيب إلى تجلّي ربنـا يسوع الـمسيح”(1تيموثاوس14:6). ولقد أوصانـا السيد الـمسيح قائلاً:”إنّ خرافي تسمع صوتـي وأنا أعرفهـا وهى تتـبعني وأنا أعطيهـا الحياة الأبديـة فلا تهلك إلى الأبد ولا يختطفهـا أحد من يدي”(يوحنا27:10-28) وايضاً طوّب من “يسمع كلـمة الله ويحفظهـا”(لوقا28:11) لأن الذى يعـمل ويعلّم الناس الوصايا “فهذا يُدعى عظيـماً فى ملكوت السموات”(متى19:5). ولقد وصف القديس بطرس الـمؤمنيـن بأنهـم”أبنـاء الطاعـة”(1بط14:1).

 وعـن مـريـم فلقد أطاعت إرادة السماء عندما بشرّها الـملاك “بأن القدوس الـمولود منهـا يُدعى إبن الله” فأجابت على الفور “هاأنذا آمـة الرب”.وأيضا قبولها الترحال مع يوسف وهى حبلى بيسوع الى بيت لحم اليهودية وخضوعها للرحيل الى مصر او الحياة فى مدينة الناصرة طاعـة للقديس يوسف كـما أمره ملاك الرب (متى13:2و19).

ولـم تخضع مـريم للسـماء ولزوجهـا فقط، بل كانت خاضعة أيضا لإبنها فأطاعته وعاشت بعيدة فى فترة رسالته الـعلنية، وعند الصليب ذهبت مع يوحنا الحبيب الى بيته حسب أمر إبنها وأيضا بعد القيامة ذهبت الى الجليل مع باقي الرسل حسب طلب يسوع (متى 16:28) وبقيت مع الرسل فى أورشليم عند حلول الروح القدس فى الخماسين (أعمال 14:1).

مريـم العذراء و حياة الشكر للرب

يطالبنـا الله أن نشكره كل صباح وكل مساء “وللقيام كل صباح لحـمد الرب وتسبيحه وكذلك كل مساء”(1أخبار30:23)، ولهذا يقول الـمرّنم: نُبادر إلى وجهه بالإعتراف ونهتف له بالنشائد”(مزمور2:94)، وايضاً:”ادخلوا أبوابـه بالإعتراف. دياره بالتسبيح. إعترفوا لـه وباركوا إسمه”(مزمور4:99). ويدعونا بولس الرسول قائلاً:”أشكروا على كل شيئ”(1تسالونيكى18:5)، و”اشكروا فى كل حين على كل شيئ”(افسس20:5) وأيضاً يُطالبنـا قائلاً:”مهما أخذتم فيه من قول أو فعل فليكن الكل بإسم الرب يسوع الـمسيح شاكرين به لله الآب”(كولوسي17:3).

وفضيلة الشكر ترتبط عادة بالفضائل الأخرى كالقناعة والتواضع والإيمـان وبالفرح والسلام.

والسيد الـمسيح أعطانـا مثالاً:”ثم أخذ السبعة الأرغفة والسمك وشكر”(متى36:15) و “وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم”(متى26:26).

ومريـم العذراء فى تسبحتهـا الرائعـة هتفت قائلـة:” فقالت مريم تعظم نفسي الرب” (لوقا46:1) وهنا تعترف مريم وترجع كل شيئ للرب القدير والقدوس.

مريـم العذراء و حيـاة الصلاة

الصلاة هى لقاء شركة وإتحاد بين الله والإنسان، ومخاطبة النفس للرب، وحديث القلب معـه، وسكب الروح أمـامـه، وتقديم ذبيحة التسبيح الشفهيـة لجلالـه وعظـمته اللانهائيـة. والصلاة هـى طلب لـمواهب او نِعم خاصـة من الله من أجل تـمجيد إسم الرب، وبواسطتهـا ننال منـه النعـم الضروريـة لحياتنـا الروحيـة والزمنيـة. تتطلب الصلاة أن يتطابق فكر وإرادة الإنسان الـمصلّي مع الله والإتحـاد بـه، ويجب أن تكون حارة وصادقـة ونابعة من قلب مؤمن وواثق وخاشع ومتواضع،

كما يجب أن تصاحبهـا الأعمال الصالحـة وبأفعال للشكر والتسبيح ومساعدة الآخريـن.

إن الصلاة هـى صـِلـة.. صلة الإنسان باللـه قلبا وفِكراً..

هـى الإحساس بالوجود فـى الحضرة الإلهية كـما كان إيليا النبـي:”حي هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامـه” (1ملوك15:18).

هـى عاطفـة حب نعبّـر عنهـا سواء بالصلاة الصوتية التى تستعمل فيها الألفاظ والجـمل سواء أكانت محفوظـة أو مرتجلـة، أو بالصلاة العقلية التى تكون من عـمق القلب كـما كان يرنم داود”توهج قلبى فـى داخلي فـى هذيذي أتقدت فـّي نار” (مزمور1:42).

هــى تواضع من اللـه أن يسمح لـنا بأن نتحدث إليـه وأن نكلـمه. لذلك عار وخطيّة أن نقول ليس لدينا وقت للصلاة.

هل يجرؤ العبد أن يقول انه ليس لديه وقت للكلام مع سيّده؟!.

واللـه غيـر محتاج إلـى صلاتنـا بل نحن الذين نحتاج للصلاة التى نأخذ منها قوة ومعونـة وبـركـة.

ومثل أى فعل من أجل الخلاص، فالنعـمة مطلوبـة ليس فقط من أجل أن تقودنـا للصلاة، بل

ايضاً من أجل أن نعرف ما الذى نصلّي من أجلـه كما يعلن لنـا القديس بولس الرسول: “الروح

أيضاً يُعضد ضعفنـا فإنـّا لا نعلـم ماذا نصلّي كـما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع لنـا بأنـّات لا

تُوصف”(رومية26:8).

أمـا عن حياة الصلاة مع مريم العذراء فنقرأ: ” هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع” (أعمال 12:1-14).

إن مـريم كانت ثمرة من ثـمار الصلاة فلقد كانا أبواها حنة ويواقيم عاقران ودخولها الهيكل منذ طفولتها، وخطبتها ليوسف بعد صلاة الكهنة كما يخبـرنـا التقليد الكنسي.

وصفات الـمـصلي هـى أن يكون متواضعاً-واثقاً بالله-مـواظباً.

ونجد أن القديسة مريم العذراء كانت واثقة ومواظبة ومتواضعة.

وأيضا عندما هتفت مريم بأنشودة التعظيم فهذا دليل على أن نفسها كانت متشبعة بترانيم

وتسابيح وكلمات الله.

والسيد الـمسيح لم يترك فرصة إلا وانفرد وصلى لأبيه السماوي”وفـى أيام بشريته قرّب تضرعات

وتوسلات بصراخ شديد ودموع” (عبرانيين7:5)

مريـم العذراء فـى فقـرهـا

فى الكتاب الـمقدس هناك العديد من الآيات التى تحث الـمؤمنيـن على التجرد والكفاف والفقـر وعدم حب الـمال ولقد قال السيد الـمسيح:”لا يستطيع أحد أن يعبد ربّيـن لأنـه إمـّا أن يبغض الواحد ويُحب الآخر أو يُلازم الواحد ويرذُل الآخر. لا تقدرون أن تعبدوا الله والـمال”(متى24:6)، وأيضاً قال للشاب الغني:”إن كنت تريد أن تكون كاملاً فإذهب بع كل شيئ لك وأعطـه للـمساكين فيكون لك كنز فى السماء وتعال وإتبعنـي”(متى21:19).

وهـا هو معلـمنا بولس الرسول يقول لنـا:”فأنكم تعرفون نعـمة ربنـا يسوع الـمسيح كيف افتقـر من أجلكم وهو الغنـي لكي تستغنوا أنتم بفقـره”(2كورنثوس9:8)، ويُطالبنـا قائلاً:”نزّهوا سيرتكم عن حب الـمال وأقنعـوا بـما عندكم فإنـه قال لا أخذلك ولا أهـملك”(عبرانيين5:13)، ولهذا أوصي تلـميذه تيموثاوس قائلاً:”ان حب الـمال أصل كل شر وهو الذى رغب فيـه قوم فضلّوا عن الإيـمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. أمـا أنت يا رجل الله فأهرب من ذلك وأقتف البِرّ والتقوى

والإيمان والمحبة والصبر والوداعـة”(1تيمو10:6-11).

وعن التجرّد وحياة الكفاف عند القديسة مريم العذراء فنقرأ أن مريم ويوسف قد قدمـا فى الهيكل

“ذبيحة كما قيل فى ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام”(لوقا34:2)، وهى تقدمة الفقراء.

ان الله لا يحتاج الى فضة وذهب بل يحتاج الى النفوس والى قلوب حية ولنا فى مثل فلس

الأرملة وكلام يسوع عن طيور السماء وزنابق الحقل دليلا على ان الله ينظر الى القلوب

المحبة وليس لعطايانا التى تعطى للمباهاة والإفتخار.

مريم الـمـكتفية فى الرب، كقول الـمرنم “الرب راعي فلا يعوزني شيئ” (مزمور22).

نقرأ سليمان فى أمثاله ” شيئين سألتك فلا تمنعنيهما قبل أن أموت أبعد عني الباطل وكلام

الكذب، لا تجعل حظي الفاقة ولا الغنى بل أرزقني من الطعام ما يكفيني لئلا أشبع فأجحد وأقول مَن الرب أو أفتقر فأسرق وأتخذ اسم إلهي بالباطل” (أمثال 7:30-9).

وأيضا ” لقمة يابسة معها طـمـأنينة خير من بيت مـمـلوء ذبائح ومعها خصام” (أمثال 1:17).

ومريم فى تسبحتها تقول:”رفع الـمـتواضعين وأشبع الجياع خيراً” (لو 51:1-53) فهـا هـى تعلن

فرحتها وإتضاعها وان الخير الذى لها هو من الله. والتسبيح دليل ايضا للسرور والقناعة كـما

جاء فى رسالة يعقوب “أمسرور أحد فليـرتل” (يعقوب 13:5).

مـريم وحياتها القانعة من الوجهة الـمـادية، فرجلها يوسف نجار مكتفي بـمـا أعطاه له الله. لم تطلب مريم من رجلها مسكن لائق بأم المسيح، ولم تطلب من رجلها أشياء لا يقدر عليها فكما جاء “الـمرأة الصالحة نصيب صالح تُمنح حظاً لـمن يتقي الرب فيكون قلبه جذلاً ووجهه بهجاً كل حين غنيا كان أم فقيراً”(يشوع بن سيراخ3:26-4).

وفى صلاتنا “خبزنا كفافنا أعطنا اليوم” هـل حقا نعني ما نطلب؟

ان الإنسان دائم التطلع للإقتـتناء، إقتناء كل الأشياء، فالقلب معلّق بالأرضيات وليس بالإلهيات، لهذا قال السيد الـمسيح:”لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والآكلـة وينقب السارقون ويسرقون. لأنـه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك”(متى19:6و21).

إن بركة الرب كبيرة وعظيمة.انظروا الى بركة ابراهيم وبركة نوح وبركة يعقوب وبركة يوسف وبركة شعب اسرائيل نفسه فقد دخلوا مصر 70 فرداً فخرجوا مع موسى 600 ألف.

فلنحيا حياة وبركة الرب كـما عاشتهـا أمنـا مريـم العذراء فهى كل ثروتنا فى هذه الأرض وكما

يقول بولس الرسول:”بل نُظهر أنفسنا كخدّام اللـه كأنـا فقراء ونحن نُغنـي كثيرين. كأنـا لا شيئ

لنا ونحن نملك كل شيئ”(2كورنثوس10:6).

مريـم العذراء فى طهارتهـــا

الطهارة أو النقاوة هـى صِفـة لكل مادة مفردة وغيـر مـمتزجـة بشئ آخـر، والنقاوة فـى الحياة

الروحيـة هـى فضيلة تجعل عقل الإنسان وقلبـه وتصوراتـه وذاكرتـه خاليـة من كل شئ يـمكن أن يعكـرهـا، وللنقاوة مـيزات لا تحصـى لهذا صرخ داود قائلا: “قلبـاً نقيـّا أخلق فـيّ يـا الله”(مز12:50)، وجاءت كإحدى التطويبات التى أعلنها السيد الـمسيح فى موعظتـه على الجبل

“طوبـى لأنقيـاء القلوب فإنـهم يعاينون الله”(متى8:5).

الطهارة هـى الفضيلة الساميـة أو الفضيلة الـملائكيـة لأنهـا من صِفات الـملائكة.والطهارة هـى من

صميم جوهـر قداسـة الله. كـما أن الحياة فى الطهـارة والقداسة هى شرط ضروري للحياة مع الرب، ففي سفر الرؤيا نرى 144 ألف قال عنهم الوحي الالهي:”افتدوا من الأرض هؤلاء الذين لـم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار هم التابعون للحمل حيثما يذهب ولم يوجد فى أفواههم غش لأنهم بلا عيب قدام عرش الله”(رؤ 4:14-5). ويعلن لنا الـمرنم ” من يصعد الى جبل الرب ومن يقوم فى موضع قدسه النقي الكفين والطاهر القلب الذى لا يحمل نفسه الى الباطل ولم يحلف بالغش” (مزمور 3:23-4) و”النفس العفيفـة لا قيـمة توازنهـا”(يشوع بن سيراخ20:26).

والقديس بولس فى رسالته الأولى الى تسالونيكي يعلن: “فإن مشيئة الله انـما هي تقديس أنفسكم وان يعرف كل واحد منكم كيف يصون أناءة فى القداسة والكرامة لا فى فجور الشهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله” (1تس 3:4-5)، ويوصي تلميذه تيموثاوس: “احفظ نفسك عفيفا” (1تيمو 22:5). وفى رسالته الى كولوسي ” اهتموا لـما هو فوق لا لـما هو على الأرض” (كولوسي 2:3).

الطهـارة بنحصل عليها فى سر الـمصالحة بالإعتراف والصلاة وأعمال الرحـمة، واللـه يطلب طهارة القلب لكي يستطيع أن يسكن فينـا ونتحد بـه.

 ومريـم العذراء حائـزة على كل هذه الصِفات من نقاوة القلب والفكر والإرادة، فنقرأ ان الله أرسل

ملاكه جبرائيل الى عذراء من الناصرة مخطوبة لرجل وعلى الرغم من أن العذراء كانت مخطوبة الى أنها تسآلت “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً” لأن مريم كانت قد نذرت نفسها بتولا وكرست ذاتها بكليتها للرب. ان بتوليتها وقداستها نتيجة إمتلائها بالنعمة “يا ممتلئة نعمة” ولهذا فتلقب مريم “بالعذراء القديسة” او بـ “العذراء كل حين”، أو بـ “العذراء مريم”.

مريـم العذراء فى أمـانتهـــا

لقد دعانـا السيد الـمسيح إلى هذه الأمـانـة فتحدث عن العبد الأمين قائلاً:” فمن هو هذا العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام فى حينه طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل ذلك” (متى 45:24).

والأمانـة هـى مقياس الدينونـة فالله سيقول للعبد الأمين:”نعـما أيهـا العبد الصالح الأمين كنت أمينا فى القليل، فأقيمك على الكثيـر. أدخل إلى فرح سيدك”(متى21:25و23).

والأمانـة يلزم أن تكون بلا حدود فيقول الرب:”كن أمينـا إلى الـموت. فسأعطيك إكليل الحيـاة”(رؤيا10:2).

الأمـانـة تجاه اللـه حافظاً وصايـاه وإتـمام خدمتـه تعالـى كما قال الرسول بولس:”أنا أشكر الـمسيح

يسوع ربنـا الذى قوّانـي لأنـّه عدّنـي أمينـا فنصبنـي للخدمـة”(1 تيموثاوس12:1).

الأمـانـة نحو الآخريـن وخلاص نفوسهم كقول بطرس الرسول:”حين تفوزون بعاقبـة الإيـمان بخلاص النفوس”(1بطرس9:1).

ومريم كانت أمينة فى خدمتها بالهيكل وخدمة المسيح طفلا وشابا ورجلا وحفظ الشريعة والأمانة فى تربية الأبناء، والأمانة فى العمل والوقت والخدمة.

كانت مـريـم متفانية فى إنجاز الواجبات الدينية “لـمـا تمت ثـمـانية أيام ليختتنوا الصبي سُمي يسوع كـمـا تسمـى من الـمـلاك قبل أن حبل به فى البطن” (لو21:2)، “ولـمـا تـمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى أورشليم ليقدموه للرب” (لو22:2)، “وكان أبواه يذهبان فى كل سنة الى أورشليم فى عيد الفصح”. فأعطت مريم بذلك نمـوذجا للإعتراف بسلطة الكنيسة وتعاليمها ووصاياها وتقديم أبنائنا لله.

كانت مريـم فى كل حياتهـا خاضعة لإرادة اللـه، وفى تسليم كامل للـه بحيث كانت كل أفعالهـا

وتصرفاتـها وأفكارهـا وأقوالـها مطابقـة لـمشيئة اللـه لأنهـا كانت “أَمـة للرب”(لوقـا38:1)، ووصيتهـا الوحيدة الـمدونـة كانت “مهـما قال لكم فإفعلوه” (يوحنـا5:2).

فالإنسان الأميـن للـه يسّلـم مشيئـته للرب فلا يكتئب ولا ينفعل بل يتقبّل كل الأمور برضى وشكر وذلـك لأنــه “منـه وبـه ولـه كل الأشياء” (روميـة36:11).

مريـم العذراء فى تواضعهــا

الإتضاع فى الـمسيحية سر من أسرار الـمسيح نفسه الذى مارسه فى ذاتـه وأعطاه لنـا نحن الـمؤمنين كقوة بها نتنازل راضيـن طائعيـن عن كل حق بشري مادي أو كرامـة أو مكافأة أو إمتياز تشبهـا بالـمسيح وتـمسكاً بحق الله وكرامتـه ونعـمته.

فالسيد الـمسيح هو أعظم مثال لفضيلـة التواضع:

  • “تعلّموا منـي لأنـي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحـة لنفوسكم”(متى29:11).
  • “فإن كنتُ وأنـا السيد والـمعلّم قد غسلت أرجلكم فأنتم أيضاً عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض”(يوحنا14:13-15).
  • –       “فإنكم تعرفون نعمة ربنـا يسوع الـمسيح كيف افتقـر من أجلكم وهو الغنـي لكي تستغنوا

أنتم بفقره”(2كورنثوس9:8).

  • –       “لكنـه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه البشر وموجوداً كبشر فى الهيئة فوضع نفسه وصار يُطيع حتى الـموت موت الصليب”(فيلبي7:2-8).
  • –       “ان إبن البشر لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فداءً عن كثيرين”(متى28:20).

ومنشأ هذه الفضيلـة هو الإحساس بعظمة اللـه القديـر”الرب يُميت ويُحيي يهبط غلى الهاويـة ويصعد. الرب يُفقر ويُغني يضع ويرفع. يقيم الـمسكين من التراب ويرفع الفقير من الـمزبلة”(1ملوك6:2و9).

والتواضع هو ضرورة لخدمـة اللـه “قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك” (ميخا 8:6).

لهذا قال بولس الرسول:”فأنه إن ظنّ أحد أنـه شيئ وهو ليس بشيئ فقد غرّ نفسه”(غلاطية3:6)، وايضا قال:”من الذى يـميزك يا هذا وأي شيئ لك لم تنلـه. فإن كنت قد

نلتـه فلـماذا تفتخر كأنك لـم تنلـه”(1كورنثوس7:4).

ومريم العذراء وسط النعم هتفت بالشكر “تعظم نفسي الرب” معلنة ان كل النعم هى من الرب

“لأنه صنع بى عظائم” وتعلن “هوذا أنا آمة للرب”، ورغم سماعها مديح اليصابات “كيف تأتي أم ربي الي” لكنها صرخت “لأنه نظر الى تواضع آمته” (لوقا 48:1).

إن الكبرياء والغنى البشري هى أمور تحجب عظمة الله وتتعارض مع حبه. إن الله إختار أماً لإبنه من بين تلك الفئة التى يدعوها الكتاب فقراء يهوة أي اولئك الذين ترقبوا الخلاص.

وكلنا يعلم أن سقطة الإنسان الأولى كان سببها الكبرياء (سقطة الشيطان -أش 13:14-14، سقطة آدم -تك5:3)، ونقرأ فى سفر الرؤيـا مـا جـاء لـملاك كنيسة اللاذقية: ” وبـما انك تقول أنا غني وقد استغنيت ولا حاجة بـي الى شيئ ولست تعلم انك شقي وبائس ومسكين وأعمى وعريان” (رؤيا17:3).

ان مريم العذراء “قالت هـا أنذا آمة الرب”..فلم تفكر كيف ستنفذ أمر الرب..أو كيف

سيستخدمها الرب..فقدمت ذاتها بكليتها طائعة.

بعد أن أخبر الملاك مريم بالسر الإلهي والحبل بـمخلّص العالم..يقول لنا الكتاب انها أسرعت

الى بيت أليصابات وهناك سمعت مديحاً وتطويباً على لسان أليصابات بعد ان إمتلأت من الروح القدس (لو 42:1-45).

كان يـمـكنها أن تتفاخر. ملاك يُبشر ولسان يهتف وجنين يركض بإبتهاج!

كان يـمـكنها أن تعلن هذه البشرى للعالم أجمع والذى كان فى شوق وإنتظار للـمـسيا.

كان يمكنها أن تصيح (تعالوا وانظروا..هاتو تقدماتكم وبخوركم فأنا أم الـمسيا…!!).

ولكنها أعلنت إتضاعها العجيب ” تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر الى تواضع آمته” (لو 48:1).

وعند زيارة الـمجوس باحثين عن الـمـولود ملك اليهود..لم تقل مريم أنا أم الـملك وقدموا لي الهدايا والإكرام والسجود..

لقد كانت السقطة الأولى للإنسان هى خطيئة الكبرياء..

“تصيران آلهة عارفي الخير والشر” (تك 5:3) وسقطة الشيطان كانت ايضا بسبب الكبـرياء كما

جاء فى سفر اشعياء (أش 13:14-14).       

“فـمن رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع”(متى12:23)، وكما يوصينا معلّمنا بولس

الرسول قائلاً:”فالبسوا كمختاري اللـه القديسين الـمحبوبيـن أحشاء الرحـمة واللطف والتواضع والوداعـة والآنـاة”(كولوسي12:3).    

مـريـم العذراء فـى صـمتهـا

السكوت التام ليس فضيلة كاملة ولا كثرة الكلام فضيلة “فللسكوت وقت وللتكلم وقت”(جامعة7:3)، وقال سليـمان الحكيم ان “كثرة الكلام لا تخلو من الـمعصيـة”(امثال19:10)، ولهذا أوصانا بطرس الرسول قائلاً:”إن أراد أحد أن يحب الحياة ويرى أيامـاً صالحـة فليكفف لسانـه عن الشر وشفتيـه أن تتكلـما بالـمكر”(1بطرس10:3)، ولهذا قال السيد الـمسيح:”ان كل كلـمة بطالـة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين، لأن بكلامك تتبرر وبكلامك

تُدان”(متى36:12).

والصمت دلالة على نوع من الكمال الروحي الذى يحقق الإنسان كقول يعقوب الرسول:”إن كان

أحد لا يعثر فى الكلام فذاك رجل كامل”(يع2:3)، وأيضا دلالة على التديّن”إن كان أحد فيكم

يظن أنـه ديّن وهو ليس يلجم لسانه بل يخدع قلبه فديانته باطلة”(يعقوب26:1).

وأعطتنـا القديسة مريم العذراء مثالاً صالحاً فى حياة الصمت:”أما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بـه فى قلبهـا”(لوقا19:2)، فهى لـم تكن تحفظ الكلام فقط بل كانت تتفكر به فى قلبها. لقد رأت مريم العذراء أموراً عجيبـة فى حياتهـا كبشارة الـملاك جبرائيل وتسبحة اليصابات لها وإرتكاض الجنين فى أحشائهـا، ورأت زكريا الكاهن الذى صار صامتـاً، وتحيـة الرعاة وزيارة الـمجوس ونبؤة سمعان الشيخ فى الهيكل وجلوس الطفل يسوع بين الـمعلـمين، وغيرها من الأحداث ولكنهـا كانت صامتـة “متأملـة فى قلبهـا”. صمتت أمام يوسف النجار وقت أن ساوره الشك ولم تدافع عن نفسها، وصمتت أمام أحداث الهروب وشكوك اهل الناصرة، وتحت الصليب، ولكنهـا تكلـمت واخبرت الرسل وفأخبرتهـم بـما لـم يُخبروا عنـه فكتبوا الأناجيل فى ضوء ما تكلـمت به إليهـم. وبـمراجعة الأناجيل نجد انهـا لـم تسجل إلاّ القليل من كلـمات مريـم العذراء، فـمثلاً فى حديثهـا مع الـملاك قالت عبارتين:

+ “فقالت مريم كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلا”(لوقا34:1).

+ “فقالت مريم هوذا أنا آمـة الرب فليكن لي بحسب قولك”(لوقا38:1)

وعند فقد يسوع فى الهيكل قالت لـه:

+ “فقالت له أمـه يا إبني لِم صنعت بنا هكذا ها إننـا أنا وأباك كنّا نطلبك متوجعين”(لوقا48:2).

وفى عرس قانا الجليل قالت عبارتيـن:

+ قالت للسيد الـمسيح”ليس لهم خـمر”(يوحنا3:2)

+ قالت للخدام”مهما قال لكم فإفعلوه”(يوحنا5:2).

وحينما أرادت أن تتكلم نطقت بتسبحتها الـمعروفـة مسبحة الله على قدرتـه ورحمته ووداعتـه

وقدسيتـه (لوقا46:1-55).

فالصمت يساعدنا على الصلاة وعلى سماع صوت الله داخلنا ويحفظنا من زلاّت اللسان

ويساعدنا على الإحتفاظ بالحرارة الروحيـة الداخلية.فلنتعلـم فضيلة السكوت أو الصـمت فنستطيع أن نُلجم الجسد كلـه(يعقوب3).

مـريـم العذراء وحيـاة السلام

يتلهف الإنسان على السلام فى وسط عالم ملؤه الضجيج والفوضى والضغوط الـمتواصلة. والكثيرون منهم يكّفون عن السعي للسلام إذ يعتبرون الوصول إليـه مستحيلاً، ولكن السلام الحقيقي، سلام القلب والفكر هو أقرب ما يـمكن بالإيمان بيسوع الـمسيح كما يُعلـمنا القديس بولس:”لتكن لكم النعمة والسلام من اللـه أبينا والرب يسوع الـمسيح”(1كورنثوس3:1).

فالسلام هو بركـة وعطية من السيد الـمسيح للقلب والنفس وهو “ليس كسلام العالم” كما قال الـمسيح يسوع: “قد كلـمتكم بهذا ليكون لكم فـيّ سلام”(يوحنا33:16)، وهو ثـمرة للروح القدس (غلاطية22:5)، “فإن ملكوت الله هو برّ وسلام وفرح فى الروح القدس”(رومية17:14) ويُدعـى صانعـو السلام بأبنـاء الله (مت9:5).

ولهذا ينصحنـا الرسول بولس قائلاً:”وليتغلّب فى قلوبكم سلام الـمسيح الذى إليـه دُعيتم فى جسد واحد”(كولوسي15:3)، وأيضاً:”وليحفظ سلام الله الذى يفوق كل فهم قلوبكم وبصائركم فى يسوع الـمسيح”(في7:4).

ان الخطيّة والخوف والشك والريبة وعدم اليقين وقوى اخرى كثيرة تحاربنا من الداخل لكن يتحرك سلام اللـه إلى داخل قلوبنـا ويحيا ليحِد من هذه القوى الـمعاديـة ويقدم العزاء والراحـة عوض الصراع والحرب. لقد قال الرب يسوع إنـه سيعطينـا هذا السلام إن كنا مستعديـن لقبولـه لهذا يُطمئنـا قائلاً:”لا تضطرب قلوبكم ولاتجزع”(يوحنا27:14).

لقد استجابت مريـم العذراء للعديد من الصلوات من اجل ان يحل السلام على الأرض وخاصة بعد الحرب العالـمية الأولـى ولهذا أُطلق عليهـا “ملكة السلام”. ومريم كملكة تعطى العالم حضوراً لعدل ومحبة ورحـمة السيد الـمسيح. مريم أعطت العالـم “رئيس السلام”(اش 6:9) الذى سبّحت لـه الـملائكة “وعلى الأرض السلام” (لو14:2). ومريم الطاهـرة والـمـمتلئة نِعـمة تعطى مكرميهـا السلام الداخلي الذى تزينت بـه، وتشترك معهم فـى الصلاة لإبنهـا يسوع معطـى السلام

“سلامى أعطيكم، سلامى أترك لكم”(يوحنا27:14).

مـريـم العذراء وحيـاة الفرح

“الفرح” هو من ثمار الروح القدس (غلاطية23:5)، لهذا دعانا بولس الرسول إلى الفرح

دائماً:”افرحوا فى الرب كل حين وأقول أيضاً إفرحوا”(فيلبي4:4).

ولـِم لا نفرح وقد أوصانـا السيد الـمسيح قائلاً:”كلّمتكم بهذا ليكون فرحي فيكم ويتم فرحكم”(يوحنا11:15)، ووعدنـا قائلاً:”لا ينزع أحد فرحكم منكم”(يوحنا23:16)، وكلـما طلبنـا شيئـاً من الآب السماوي بإسم يسوع يزداد هذا الفرح”إسألوا تُعطوا ليكون فرحكم كاملاً”(يوحنا24:16). والفرح هو هِبـة الله كما يقول بولس الرسول لأهل روميـة:”ملكوت الله هو بـر وسلام وفرح فى الروح القدس”(رومية17:14)، ويتبع حضور الله كما يقول الـمرّنم:”قد عرّفتنـي سبُل الحياة وستملأني فرحاً مع وجهك ولـي من يـمينك لذّات على الدوام”(مزمور11:15)، فالرب هو الذى يحوّل النوح إلى طرب ويُعزّي ويُفرّح من الحزن(ارميا13:31). ومريـم العذراء عبّرت عن فرحهـا بالتسبيح والترانيـم كقول يعقوب الرسول:”هل فيكم مسرور فليُرّتل”(يع13:5)، وأنشدت تسبحتهـا العجيبة:”فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باللـه مخلّصي..”(لو46:1).

لقد أتـى الفرح فى حياة مريم العذراء بتجسد الـمسيح فى أحشائهـا فها هو يوحنا الـمعمدان

“يرتكض بفرح”(لوقا44:1) فى أحشاء اليصابات ورنّـمت مريـم. وبعدهـا هتفت الـملائكة بـميلاد يسوع إبن مريـم “ها آنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب”(لوقا10:2-11).

بـمريم العذراء تحققت نبؤات الفرح التى وعد بهـا اللـه فى القديم إبنـة صهيون: “ترّنـمي يا ابنة صهيون. افرحي وتهللّي بكل قلبك يا ابنة اورشليم” (صفنيـا14:3)، “ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يابنت اورشليم”(زكريا9:9)، و”إستيقظي استيقظي البسي عزّك يا صهيون البسي فخرك يا أورشليم”(اشعيا1:54). فرح البشارة وفرح الزيارة وفرح الـميلاد وفرح القيامـة مع التلاميذ(لوقا41:24و52).

منذ القرن الثانـى عشر مع بدء إنتشار تلاوة صلوات الـمسبحة الوردية يتم التأمل فى خمسة أسرار الفرح وعادة يتم تلاوتهـا يومي الإثنين والسبت وهـى تأمـل فـى طفولـة السيد الـمسيح كـما جاءت فـى إنجيلي متى ولوقـا، وسُميّت بأسرار الفرح بسبب الفرح الذى أعطتـه للعالـم أجمع. فالـملاك جبرائيل والقديسة مريم العذراء كانـا فـى شدة الفرح بالحدث العظيم للتجسد، والقديسة اليصابات والقديس يوحنـا الـمعمدان إمتلأ من الفرح عند زيارة القديسة مريم ويسوع بعد بشارة

الـملاك، والسماء فرحت لـميلاد الـمخلّص، وسمعان الشيخ إمتلأ بالتعزية

والفرح عندما أخذ الطفل يسوع بين يديـة، ولا أحد يمكن أن يخفى فرحـة يوسف ومريـم عندما وجدا يسوع بالهيكل بعد ثلاثـة أيام من البحث عنـه.

ونشأت بعد ذلك صلوات أخرى يتم التأمل فيهـا فى سبعة أحداث كالبشارة-زيارة اليصابات-ميلاد يسوع-زيارة الـمجوس-وجود الطفل يسوع فى الهيكل-القيامـة-ثم صعودها بالنفس والجسد للسماء. وإزداد عدد تلك الأحداث فى إكرام آخـر حتى وصل إلى 12 حدث من أحداث الفرح فى حياة العذراء.

فلنفرح كل حين “هللويـا فإنـه قد ملكَ الرب الإلـه القادر على كل شيئ. لنفرح ونتهلل”(رؤيا7:19).

التعليم المسيحي ومريم العذراء[15]

مريم العذراء كما جاءت فى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية

1. فى قانون الإيمان

 أبرزت الكنيسة أهمية شخصية العذراء مريم كوالدة الله، بعد انعقاد مجمع أفسس مباشرة سنة

431م، وذلك لضبط مفهوم التجسد الإلهى ومقاومة بدعة نسطور. وهكذا أضافت مضمون العقيدة التى أقرها هذا المجمع فى مقدمة قانون الإيمان والتى مطلعها: “نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك ايتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا….”.

قانون الايمان الرسولي

أؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض.

وبيسوع المسيح ابنه الوحيد، ربنا الذي حُبل به من الروح القدس وولد من مريم العذراء.

تألم في عهد بيلاطس البطي، صُلب، ومات وقُبر؛ نزل الى الجحيم؛

وقام من الموت في اليوم الثالث. صعد الى السماء، وهو جالس عن يمين الآب القادر على كل شيء.

سيأتي لكي يحكم الأحياء والأموات.

أؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة الكاثوليكية، وبركة القديسين،

وبغفران الخطايا، وقيامة الجسد، وبالحياة الأبدية. آمين

قانون إيمان نيقيا والقسطنطينية

أؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض،

كلّ ما يُرى وكلّ ما لا يرى.

أؤمن بربّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد،

ولد من الآب قبل كل الدهور؛ إله من إله، نور من نور، أله حق من اله حق،

مولود غير مخلوق، مساوٍٍ للآب في الجوهر؛ وبه خلق كل شيء.

من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء

وتجسد من الروح القدس وولد من مريم العذراء، وصار انساناً.

صلب من أجلنا في عهد بيلاطي البنطي، ومات وقبر.

وقام في اليوم الثالث، كما جاء في الكتب،

وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الآب.

وسياتي بالمجد لكي يحكم الأحياء والأموات، وليس لملكه انقضاء.

أؤمن بالروح القدس، الرب المحي، المنبثق من الآب والابن،

مع الآب والابن يسجد له ويمجّد، وقد تكلّم بالأنبياء.

نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية،

أعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.

انتظر قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي آمين.

مريم العذراء والمجامع الكنسية المسكونية

“من هو الـمسيح؟”، على إجابة هذا السؤال الهام قامت الكنيسة منذ نشأتها بالرد على كل

الهرطقات والبِدع التى تمس سر الـمسيح وسر التجسد ومن أجل هذا إنعقدت الـمجامع الـمسكونية فى نيقية و القسطنطينية وأفسس وخلقيدونية وأعلنت الكنيسة مبدأ إيمانها والـموجود فى قانون الإيمان والذى تؤمن بـه جميع الطوائف الـمسيحية فى هذه الأيـام والذى جاء فيـه أن السيد الـمسيح “تجسّد من الروح القدّس ومن مريم العذراء وصار إنسانا”. ففى مجمع نيقية (325م) تم تحديد عقيدة بتولية مريم الدائـمة، وفى مجمع افسس (451م) تم إعلان حقيقة ان مريـم هـى أم الله “ثيئوتوكوس”.

رسائل باباويـة ونشرات

لقد صدرت مئات الرسائل البابويـة لحث الـمؤمنين على الصلاة وحوت العديد من التعاليـم العقائديـة. ومن أمثال تلك الرسائل ما نشره كلا من:

البابا بيوس الخامس (1854)، و البابا لاون الثالث عشر Pope Leo XIII

(1878-1903)، والبابا بيوس الحادى عشرPope Pius XI (1922-1939) والبابا بيوس الثانى عشرPope Pius XII (1939-1958)، والبابا يوحنا الثالث والعشرونPope John XXIII (1958-1963)، والبابا بولس السادس Pope Paul VI(1963-1978) وحتى البابا الحالي يوحنا بولس الثانـي Pope John Paul II (1978-2013 ). وفى تلك النشرات بعض من جوانب عن حياة مريم العذراء ودورهـا فى الكنيسة.      

تعرّف “العقيدة” بأنها إعلان الإيمان الـمسيحي فى كلمات وعبارات محددة، تعبر عن حقائقه الجوهرية، وتجمع الـمؤمنين فى إيمان واحد مشترك، أساسه الوحي الإلهي الذى تسلّمته الكنيسة فى الكتاب الـمقدس والتقليد الـمقدس. والكنيسة الكاثوليكية اعلنت العقائد فى مجامع عامة مثل المجمع التريينتي (1545-1563) أعلن فى جلسته رقم 25 والتى كانت فى 4 ديسمبر 1563:”ان القديسين الـمالكين مع السيد المسيح يقدمون صلواتهم لأجل البشر وانه حميد ومفيد ان نطلب صلواتهم بخشوع ونلتجئ الى عونهم ومساعدتهم لنوال عطايا الله ونعمه بواسطة ابنه سيدنا يسوع المسيح الذى هو وحده مخلصنا وفادينا”.

إن إعلان ان مريم العذراء هى الشفيعة للمؤمنين يرجع تاريخه الى القرون الأولى للمسيحية وجاء ان وساطتها إما (1) لأنها أم الله المملؤة نعمة فهي تحتل مكان وسيط ما بين الله ومخلوقاته، (2) او لأنها مع المسيح وبعده مباشرة تعاونت فى مصالحة الله مع البشر عندما كانت على الأرض، او (3) لأنها موزعة للنعم التى يهبها الله لعبيده المخلصين. لأي سبب من الأسباب السالفة الذكر يلزم ان يكون المفهوم ان وساطة مريم انما هي ثانوية وتعتمد أساساً على وساطة المسيح الأساسية فيعتبرها البعض (امين الخزانة) أو المتصرف للنعم السماوية. ولابد ان نفهم جيدا انها ليست هى المعطية للموهبة او النعمة السماوية وان دورها فقط هو طريقة الإنتقال. وعندما ندعوها كأم تعرف من هم البنين وحاجاتهم فهى تقدم لنا المعونة

بالصلاة معنا امام الله.

أعلن البابا بيوس الثالث عشر سنة 1891 ان كل النعم والبركات انما تأتي لنا من الله عن طريق مريم، وقد تبعه بعد ذلك فى نفس الإيمان ما تبعه من الباباوات.

المـجــمــع الفـاتـيكـانـي الـثـانـــي

لقد تم دراسة دور مريم ووساطتها فى المجمع الفاتيكانى الثاني (1964) ولقد خاف البعض من إعلان انها وسيطة خوفاً من تبلبل ذلك الفكر عند غير المسيحين او غير الكاثوليك لأن الوسيط الوحيد هو المسيح يسوع كما جاء فى 1تيمو 5:2 وغافلين ان بولس الرسول نفسه ذكر فى موضع آخر ان موسى ايضا وسيط كما جاء فى غلاطية 19:3. وعليه أعلنوا بعد مداولة طويلة ان العذراء مريم تعترف بها الكنيسة بإنها المحامية Auxiliatrix, Adjutrix, Mediatrix وأعلنوا بوضوح ان هذا ليس معناه انه يوجد وسيط آخر غير السيد المسيح.

المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 – 1965) هو المجمع المسكوني الحادي والعشرون. دعا إليه البابا يوحنا الثالث والعشرون. أصدر عدداً من الدساتير والمراسيم والقرارات والبيانات والتصريحات. وهو يكمل ما لم يستطع المجمع الفاتيكاني الأول أن ينجزه، ولا سيما ما يختص بجماعية الأساقفة.

انعقد المجمع من 11 تشرين الأوّل 1962 إلى 8 كانون الأوّل 1965. وها هي مراحل انعقاده:

– المرحلة الأولى: الجلسة الأولى، 11 تشرين الأول 1962-8 كانون الأول 1962.

افتتح البابا يوحنا الثالث والعشرون المجمع الفاتيكاني الثاني في 11 تشرين الأوّل 1962،

وأوضح الغرض منه – كما أوضحه أيضاً آباء المجمع أنفسهم في بدء الأعمال – وهو “تحديث” الحياة الكنسيّة، أيّ تعميق الحياة المسيحية، وتطوير المؤسّسات الكنسية بالنظر إلى ضرورات العصر ومقتضيات الزمان. وتعزيز وحدة المسيحيين، ومساندة العمل الرسوليّ في الكنيسة.

البابا بولس السادس: 21 حزيران 1963- 6 آب 1978

– المرحلة الثانية: الجلسة الثانية والثالثة، 29 أيلول 1963-4 كانون الأول 1963

– المرحلة الثالثة: الجلسة الرابعة والخامسة، 14 أيلول 1964-21 تشرين الثاني 1964

– المرحلة الرابعة: الجلسة السادسة حتّى التاسعة، 14 أيلول 1965-7 كانون الأول 1965

– الاحتفال بختام المجمع: 8 كانون الأول 1965.

ملخص ما جاء في دستور المجمع الفاتيكاني الثاني ما يلي:

أولاً، مقدمة

العذراء القديسة في سر المسيح

52-أمَّا وقد قرَّرَ الله بصلاحِهِ المتسامي وحكمته الفائقة أن يفتدي العالم “لمّا بلغ ملءُ الزمان

أرسل ابنه مولوداً من امرأة… لننال التبني” (غل 4، 4- 5) “الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء”. فَسِرُّ الخلاص الإلهي هذا يَظهر لنا ويستمر في الكنيسة، التي أقامها الرب بمثابة جسده، وفيها يجب على المؤمنين المنضمّين إلى المسيح الرأس، والمتَّحدين في الشَرِكَة عينها مع كل قديسيه أن يُكَرِّموا “في الطليعة ذكر المجيدة مريم الدائمة بتوليتها، والدة إلهنا وربنا يسوع المسيح”.

العذراء القديسة والكنيسة

53- فالعذراء مريم التي قَبِلَت، عند بشارة الملاك، كلمةَ الله في قلبها وفي جسدها، وقدَّمَت الحياة للعالم، هي معروفة ومكرمة كأمّ الله الحقة، وأم المخلص. وقد افْتُدِيَت بطريقةٍ ساميةٍ نظراً إلى استحقاقات ابنها، المرتبطة به برباطٍ وثيقٍ لا ينفصم. اغتنت بهذه المهمّة الفائقة، وهذا الشرف، بأن تكون أم ابن الله، وبالتالي ابنة الآب المفضَّلة، وهيكلَ الروح القدس، بهذه العطية عطية النعمة غير العادية، تسامَت إلى حدٍ بعيد فوق كلِّ الخلائق في السماء وعلى الأرض. ولكنها في الوقت عينه متحدة مع كل الناس الذين هم بحاجةٍ إلى الخلاص، لأنها من ذرية آدم، بل بالأكثر هي بالتمام “أم لأعضاء المسيح، لأنها ساهمت بمحبتها كي يولد في الكنيسة المؤمنون الذين هم أعضاء ذلك الرأس”. لهذا أيضاً هي مُحيَّاة كعضوٍ فائقٍ وفريدٍ لا مثيل له في الكنيسة، وصورة ومثالاً باهراً في الإيمان والمحبة، وهي موضوعَ عاطفةٍ بنويَّةٍ تُكرِّمها

الكنيسة الكاثوليكية، بإلهام من الروح القدس، كما يليق بأم حبيبة.

نية المجمع

54- لهذا يتوخى المجمع المقدس، وهو يقدّم تعليم الكنيسة التي فيها يتم الفادي خلاصنا، أن يوضح بعناية، من جهة، دور الطوباوية العذراء في سر الكلمة المتجسد، والجسد السري؛ ومن جهة أخرى واجبات المفتدين نحو أم الله، أم المسيح، وأم البشر وفي طليعتهم المؤمنين. ودون أن يهدف المجمع إلى أن يُقدم عن مريم تعليماً كاملاً، وإلى أن يقول الكلمة النهائية في المسائل التي لم يوضحها اللاهوتيون إيضاحاً تاماً، فمن حق المدارس الكاثوليكية أن تحافظ على الآراء التي تُعلِّمها بحرية حول من تحتل في الكنيسة المقدسة المنزلة الرفيعة بعد المسيح مع كونها قريبة منا جداً.

ثانياً، دور الطوباوية العذراء في تدبير الخلاص

أم المسيح في العهد القديم

55- تُظهر الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد، والتقليد المكرَّم، بطريقةٍ تزداد وضوحاً

يوماً بعد يوم، دورَ أمِّ المخلص في تدبير الخلاص، وتعرضها أمام ناظرينا. فكتب العهد القديم تصف تاريخ الخلاص الذي فيه تَهيأ تدريجياً مجيء المسيح إلى العالم. وهذه الوثائق القديمة كما تقرأها الكنيسة وتفهمها على نور الوحي اللاحق والتام، تُظهر شيئاً فشيئاً وفي ضياءٍ زائد وجهَ المرأة، أم المخلص. في هذا الضوء، هي نفسها التي لوَّحَ عنها آنذاك بطريقةٍ نبويّة في الكلام على الوعد بالانتصار على الحية، الوعد الذي قطعه الله للأبوين الأولين بعد سقوطهما بالخطيئة (تك 3، 15). وهي كذلك العذراء التي ستحبل وتلد ابناً يُدعى اسمه عمانوئيل (را. إش 7، 14؛ مي 5، 2- 3؛ متى 1، 22- 23). وهي نفسها التي تحتلُّ المنزلة الأولى بين وُدعاء الرب ومساكينه، الذين كانوا يرجون منه بثقةٍ الخلاص وينالونه. أخيراً مع ابنة صهيون الفريدة نفسها تَمَّت الأزمنة، بعد انتظار للوعدِ طويل، وابتدأ التدبير الجديد عندما أخذ منها ابن الله الطبيعة الإنسانية، ليحرِّرَ إنسان الخطيئة بأسرار جسده.

مريم في البشارة

56- ولقد حَسُن لدى أبي النعم أن يسبق التجسد رضى هذه الأم المختارة، حتى أنه كما

ساهمت امرأةٌ في عمل الموت، تساهم أيضاً امرأةٌ في الحياة. وهذا ما يَصحُّ بنوعٍ عجيب في أم يسوع التي أعطت العالم الحياة، حياةً منها تجدَّدَ كلُّ شيء، وقد حَباها الله نِعماً على مستوى مهمة عظمى كهذه. وبالتالي فليس من الغرابة بأمر، أن تكون راسخةٌ العادةُ المتَّبَعة عند الآباء القديسين أن يَدعوا أمَّ الله كليَّة القداسة وبريئةً من كلِّ دنسِ الخطيئة، وكأنَّ الروح القدس قد جَبَلَها وجعل منها خليقة جديدة. وقد زهت عذراء الناصرة، منذ اللحظة الأولى للحبل بها، بقداسةٍ وهّاجة وفريدة جداً، فحيَّاها ملاك البشارة المنتدب من الله ممتلئةً نعمة (لو 1، 28). فأجابت البشير السماوي، “هاءنذا أمةُ الربِّ، فليكن لي حسب قولك” (لو 1، 38). وهكذا قد أعربت مريم، بنت آدم، عن قبولها كلمة الله، فأصبحت بذلك أم يسوع وقد تجاوبت بملء رضاها وإرادة الله الخلاصية دون أن تُعيقها أيةُ وصمةِ خطيئةٍ، بتقديم ذاتها كلياً أمةً للربِّ لشخصِ ابنها وعمله، لتُسهِم معه وتحت أمره في سرِّ الخلاص وذلك بنعمة الله القدير. وهكذا يَعتبر الآباء القديسون بحقٍّ أنَّ مريم لم تسهم في خلاص البشر كأداةٍ سلبية بين يدي الله فقط، وإنّما بحرَّيةِ إيمانها وطاعتها. وبالفعل هي نفسها بطاعتها، على حسب قول القديس إيريناوس “قد غدت سبب خلاصٍ لِذاتها وللجنس البشري بأجمعه” ولقد عبَّرَ عن ذلك معه وبرضى عددٌ غفيرٌ من آباءِ الكنيسة الأولين في مواعظهم إذ قالوا، “إن العقدة التي سبَّبَها عصيان حواء، حُلَّت بطاعةِ مريم؛ وما ربطته العذراء حواء بقلَّة إيمانها، حلَّته مريم العذراء بإيمانها”، وبمقارنتهم مريم بحواء، يسمون مريم “أمَّ الأحياء” ويصرِّحون مِراراً “على يد حواء كان الموت، وبمريم كانت الحياة”.

العذراء القديسة وطفولة يسوع

57- إنَّ الاتحاد الذي يربط الأم بابنها في عمل الخلاص لظاهرٌ منذُ ساعة الحَمْل البتولي بيسوع حتى موته، ويبدو أول ما يبدو ساعةَ ذهبت مريم مسرعةً لتزورَ أليصابات؛ فحَيَّتها هذه بالمباركة التي آمنت بالخلاص الموعود به، في حين ارتكض السابق في أحشاء أمه (لو 1، 41 – 45) ثم في الميلاد عندما أرت أم الله بفرحٍ إلى الرعاة والمجوس، ابنها البكر الذي كانت ولادته تكريساً لبتوليَّتها الكاملة وليس فقداناً لها، وأيضاً في الهيكل بعدما قدَّمت ذبيحةَ الفقراء، إذ قرَّبَت ابنها للربِّ؛ فسمعت سمعان يتنبأ في الوقت عينه، أن الابن سيكون علامةَ خلافٍ، وإنَّ نفسَ الأمِّ سيَنفذ فيها سيفٌ، وهكذا ستظهر أفكارُ الكثيرين (لو 2، 34- 35). أمَّا وقد ضاعَ الطفل يسوع ففتش عنه والداه حزينين، ووجداه في الهيكل منشغلاً بأعمالِ والده، لكنّهما لَمْ يفهما كلمة الصبي. أمّا أمه فكانت تحفظ كل هذا في قلبها وتتأمل فيه (لو 2، 41– 51).

العذراء القديسة في حياة يسوع العامة

58- في حياة يسوع العامَّة تظهر أمُّه بكل وضوحٍ منذ البدء عندما حصلت بشفاعتها، وقد حرَّكَتها الشفقة، على أن يبدأ يسوع المسيح عجائبه في عرس قانا الجليل (يو 2، 1- 11). وطيلة كرازة يسوع قَبِلَت الكلام الذي به وَضَعَ الابنُ الملكوتَ فوق كلِّ اعتباراتِ وعلاقاتِ اللحم والدم، وذلك عندما أعطى الطوبى للذين يسمعونَ كلمةَ الله ويحفظونها (را. مر 3، 35؛ لو 11، 27- 28)، كما كانت تعملُ هي بكلِّ أمانةٍ (لو 2، 19 و51). هكذا تقدَّمَت العذراء مريم في غُربة الإيمان مُحافظةً بكلِّ أمانةٍ على الاتحاد مع ابنها حتى الصليب حيث كانت واقفة (يو 19، 25) -ولم يكن ذلك بدون تصميمٍ إلهي- تتألَّم بقوّةٍ مع ابنها الوحيد، مشتركةً بقلبها الأمومي في ذبيحته، معطيةً إلى تقدمة الذبيح، المولودِ من لحمها، رِضى حبِّها، إلى أن يُعطيها يسوع المسيح بالذات، المُنازع على الصليب، إلى تلميذه أُمَّاً له بهذه الكلمات “يا امرأة هذا ابنك”

(يو 19، 26– 27).

العذراء القديسة بعد الصعود

59- ولكنَّ الله الذي أراد ألا يظهر سرَّ خلاص البشر بجلاءٍ إلا في الساعة التي يُرسل الروح الذي وَعَدَ به المسيح، نرى الرسلَ قبل يوم العنصرة “مثابرين بقلبٍ واحدٍ على الصلاة مع النساء ومريم أم يسوع ومع أخوته” (رسل 1، 14). ونرى مريم تطلب هي بصلواتِها عطيَّةَ الروح الذي كان حلَّ عليها يومَ البشارة. أخيراً إنَّ العذراء البريئة وقد وقاها الله من كلِّ دنسِ الخطيئةِ الأصلية، بعد أن كَمَّلت مجرى حياتها الزمنية، صَعِدت بالنفس والجسد إلى مجدِ السماء، وعظَّمها الرب كملكةَ العالمين حتى تكون أكثرَ مشابهة لابنها ربِّ الأرباب (رؤ 19، 16) المنتصر على الخطيئة والموت.

ثالثاً، العذراء الطوباوية والكنيسة

مريم أمة الرب، والمسيح الوسيط الأوحد

60- إنَّ وسيطَنا وحيدٌ وفقاً لكلمات الرسول القائل، “لأنَّ الله واحد، والوسيط بين الله والناس

واحد، الإنسان، المسيح يسوع، الذي بَذل نفسه فداءً عن الجميع” (1 طيم 2، 5- 6). لكنَّ دورَ مريم الأمومي نحو البشر لا يَحجُب ولا يُنقِص بشيءٍ وساطة المسيحِ الوحيدة هذه بل يُظهر قوَّتَها. لأنَّ كلَّ تأثيرٍ خلاصيٍّ للطوباويةِ مريم في خلاص البشر، لا يُولد عن حتميَّةٍ ما، بل يَنبع عن رضى الله ويَصدر عن فيضِ استحقاقات المسيح. إنه يرتكز على وساطته، ويتعلق بها تماماً، ويستمدُّ كلَّ قوته منها؛ ولا يعيق اتحاد المؤمنين المباشر مع المسيح بطريقةٍ ما، بل بالعكس يعززه.

إشتراك مريم في سر الفداء

61- إنَّ العذراء الطوباوية التي أُعِدَّتْ منذُ الأزل، في تصميم تجسُّد الكلمة كي تكون أمَّ الله،

غَدَتْ على الأرض، بتدبيرِ العناية الإلهية، أُمّاً حبيبةً للمخلِّص الإلهي، وشريكةً سخية في عمله بصفةٍ فريدةٍ أبداً، وأَمَةً للرب وديعة. بالحبلِ بالمسيح، وبوضعها إياه في العالم، وبتغذيتها له، وبتقدمته في الهيكل إلى أبيه، وبتألمها مع ابنها الذي مات على الصليب، ساهمت في عَمَل المخلص مساهمةً لا مثيل لها بخضوعها وإيمانها، برجائها ومحبَّتها الحارة كي تعود الحياة

الفائقة الطبيعة إلى النفوس. لهذا كانت لنا أُمَّاً في نطاقِ نظامِ النعمة.

دور مريم الخلاصي يربط بابنها وإلهها

62- إنطلاقاً من الرضى الذي حَمَلَته بإيمانها يوم البشارة وحافظت عليه دون ترددٍّ تحت الصليب، تستمرُّ أمومة مريم في تدبير النعمة دون ما انقطاع حتى يبلغ المختارون الكمال الأبدي. وفعلاً إن دورها في الخلاص لم يتوقف بعد صعودها إلى السماء، إنها لا تزال تحصل لنا بشفاعتها على النِعَمِ التي تُؤكِّدُ خلاصَنا الأبدي. إنَّ حبَّها الأمومي يجعلها تصغي إلى إخوةِ ابنها الذين لم يُكملوا غربتهم، أو إنهم لا يزالون عرضةً للمخاطر والضيقات حتى يصلوا إلى الوطن السعيد. لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بألقابٍ عدّة منها الحامية، والمُعينة، والمساعدة، والوسيطة ؛ إنما يُفهم كلُّ هذا بنوعٍ أنه لا ينتج عنه أيُّ نقصان أو زيادة في شرفِ المسيح الوسيط الأوحد وفعاليته.

وبالفعل لا يمكن لخليقةٍ أبداً، أن تُوضع على قدم المساواة مع الكلمة المتأنِّس والمخلص. ولكن كما أنه في كهنوتِ المسيح يشتركُ تحت أشكالٍ شتّى الخَدَمَةُ والشعب المؤمن، وكما أنَّ صلاحَ الله الواحد يفيض فعلاً على الخلائق بأنواعٍ مختلفة، كذلك وساطة المُخلِّص الفريدة لا تمنع، بل بالأحرى تَحثُّ الخلائق على التعاون المتنوِّع المشترَك، النابع من مصدرٍ واحد. وإنَّ الكنيسةَ لتعترف دون تردُّدٍ بمثلِ هذا الدور الذي تقوم به مريم مرتبطةً بابنها، وإنها لا تبرح تختبره، كما أنها لتنصح قلوب المؤمنين، حتى إذا ما ساعدهم هذا العون الأمومي، أن يتمسَّكوا تمسكاً أوثق بالوسيط المخلِّص.

مريم البتول والأمّ، مثال الكنيسة

63- إنَّ الطوباوية مريم لتتَّحدُ أيضاً اتحاداً وثيقاً بالكنيسة وذلك بنعمةِ الأمومة ودورها اللذين يوحدانها بابنها المخلص، وبفضل مهماتها الفريدة. وحسب تعليم القديس أمبروسيوس، إنَّ أمَّ الله هي صورة الكنيسة أعني في الإيمان، والمحبة، والاتحاد الكامل بالمسيح. وبما أن العذراء مريم تَظهر بصورة ساميةٍ وفريدةٍ مثلاً للبتولية والأمومة، فلها المكان الأول في سرِّ الكنيسة التي تُدعى بحقٍ أُمَّاً وعذراء. بإيمانها وطاعتها وَلدت على الأرض ابن الآب، يُظلِّلها الروح القدس، دون أن تخسرَ بتوليتها فكانت بمثابةِ حواءً جديدة تعطي لا للحية القديمة، بل لبشير الله، إيماناً لا يخامره شك. أمّا الابن الذي ولدت فقد أقامه الله بكراً بين إخوةٍ كثيرين (روم 8، 29) أي

المؤمنين الذين تُسهم العذراء مريم بحبها الوالدي في ولادتهم وتربيتهم.

الكنيسة بتول وأمّ

64- لكن إذا ما تأمَّلت الكنيسةُ بقداسةِ العذراء الخفيّة، وتشبَّهت بمحبّتها بتتميمها إرادة الآب بكلّ أمانةٍ، تصبح نفسها أُمّاً بفضلِ كلمةِ الله التي قَبِلَت بالإيمان. فبالوعظِ والعِماد تلدُ لحياةٍ جديدةٍ غير فانية أبناءً حُبِلَ بهم من الروح القدس ومولودين من الله. هي أيضاً عذراء، إذ قطعت عهداً لعريسها، عهداً تحفظه صافياً وتاماً، محافظةً بقوة الروح القدس في الصفاء

العُذري، متشبهة بأم ربّها، على إيمانٍ تامّ، ورجاءٍ ثابت، ومحبةٍ مخلصة.

فضائل مريم، مثال الكنيسة

65- لمَّا كانت الكنيسة، بشخصِ العذراء الكلّية الطوبى، قد بلغت الكمالَ بلا كلف ولا غضن (أف 5، 27)، فإنَّ المؤمنين لا يزالون يجدِّون لينعموا في القداسة بانتصارهم على الخطيئة، لهذا فإنهم يرفعون عيونهم إلى مريم التي تتلألأ مثالاً للفضائل، أمام جماعة المختارين. وإذا ما فكَّرَت الكنيسة بتقوى في مريم وتأمَّلت فيها على ضوءِ الكلمة المتجسِّد، فإنها تُدخلها بكلِّ احترامٍ وتَعَمُّقٍ إلى صميمِ سرِّ التجسُّد وتتمثل أكثر فأكثر بعريسها. فمريم هي الحاضرة فعلاً في الحميم من تاريخ الخلاص، لتُجمَعَ فيها وتُعْكَسَ بطريقةٍ ما متطلبات الإيمان العظمى؛ وإذا ما كانت بالنسبة إلى المؤمنين موضوعَ مديحٍ وتكريمٍ، فإنَّها توجِّههم إلى ابنها وذبيحته، وإلى محبة الآب. وإنَّ الكنيسة إذ تسعى لتمجيد المسيح، تصيرُ شبيهةً بمثالها الأكبر، متقدمةً تقدماً مُضطرداً في الإيمان، والرجاء، والمحبة، مبتغيةً الإرادة الإلهية في كلِّ شيء، ومتمِّمةً إياها. لهذا تنظر الكنيسة في عملها الرسولي بعينِ الصواب إلى تلك التي وَلَدَت المسيح، الذي حُبِلَ به من الروح القدس، ووُلِدَ من البتول، كي يولد وينمو أيضاً بواسطةِ الكنيسة في قلوب المؤمنين. والبتول

كانت في حياتها مثالاً لذلك الحبِّ الأمومي الذي ينبغي أن ينتعشَ

به كلُّ الذين، وقد انضمّوا إلى خدمةٍ رسوليةٍ في الكنيسة، يعملون على ولادة الناس من الروح.

رابعاً، إكرام العذراء الطوباوية في الكنيسة

طبيعة إكرام العذراء القديسة وأساسه

66- إنَّ مريمَ التي رَفِعَت بنعمةِ الله، بعد ابنها، فوقَ كلِّ الملائكةِ وكلِّ البشر أُمَّاً لله كلّيةَ

القداسةِ وعاشت أسرار المسيح، لتكرِّمَها الكنيسة بحقٍ، إكراماً خاصاً. وبالواقع قد كُرِّمَت العذراء مريم بلقبِ أمِّ الله منذ أقدم الأجيال، والمؤمنون يلجأون إلى حمايتها ضارعين إليها في كلِّ مخاطرهم وحاجاتهم. لا سيما منذ المجمع الأفسسي حيث عَرَفَ تكريم شعب الله لمريم نمواً غريباً تحت أشكال الإكرام والمحبة والتوسُّل إليها والتشبُّه بها حسب كلماتها النبوية “جميع الأجيال تطوّبني، لأن القدير صنع بي العظائم” (لو 1، 48). وإنْ كان هذا الإكرامُ، كما وُجِدَ دوماً في الكنيسة، يحملُ سِمةً فريدةً جداً في نوعه، فإنه يختلف اختلافاً جوهرياً عن السجود الذي يُؤدَّى بالتساوي للكلمةِ المتجسد، وللآب، وللروح القدس. والأشكالُ التقويَّة المختلفة نحوَ أم الله التي وافقت عليها الكنيسة ضمن حدود تعليمٍ صحيحٍ ومستقيم، مراعيةً ظروف الزمان والمكان، وميولَ الشعوب المؤمنة ومناقبهم، حملت على أن الابن يُعرَفُ بحقٍّ، ويُحَبُّ، ويُمَجَّدُ، وتُحفَظُ وصاياهُ عبر إكرامِ أمِّه، الابن الذي لأجله خُلِقَ الجميع (را. قول 1، 15- 16)، ورضي الآب الأزلي أن يَحلَّ فيه الملء كله (قول 1، 19).

قوانين راعوية

67- إنَّ المجمع المقدس يُعلِّمُ هذا التعليم الكاثوليكي بصراحة. ويحثُّ في الوقت نفسه كلَّ أبناء

الكنيسة على أن يُعزِّزوا بسخاءٍ إكرامَ الطوباويةِ مريم لا سيما الليتورجيّ منه؛ وأن يُقدِّروا الممارسات والأعمال التقويّة نحوها، تلك التي نَصَحَت بها السُلطة التعليمية عبر الأجيال، كما أنَّهُ يَنصح أن تُحفظ بكلِّ تديُّنٍ تلك المراسيم التي أُقِرَّتْ في الماضي حولَ إكرامِ صُوَرِ المسيح، والعذراء الطوباوية، والقديسين. إنَّهُ يحثُّ بحرارةٍ اللاهوتيين والذين ينشرون كلمةَ الله على أن يمتنعوا أيضاً بالتأنّي الشديد، عن كلِّ مغالاةٍ مضادةٍ للحقيقة، وعن قصرٍ في النظر غير مبرر، وعندما يتكلمون على كرامةِ أم الله الفريدة. ففي دروسهم الكتاب المقدس، والآباء القديسين، والمعلّمين، وطقسيات الكنيسة بقيادة السلطة التعليمية، يجب أن يُظهروا بجلاءٍ دور الطوباوية العذراء وإنعاماتها الموجهة دوماً إلى المسيح، ينبوع الحقيقة الكاملة، والقداسة والتقوى. وليَحرصوا كلَّ الحرص، على أن يُبعدوا في كلامهم وأعمالهم، كلَّ ما من شأنه أن يقودَ إلى الضلال، في تعليم الكنيسة الحق، إخوتنا المنشقّين أو أي شخص آخر. وليَذكر المؤمنون أن الإكرامَ الحقَّ لا يقومُ أبداً بالعواطف العقيمة العابرة، ولا في سذاجةِ إيمانٍ فارغة، ولكنه ينبع من إيمانٍ حقيقي يقودنا إلى أن نفقه الكرامةَ السامية التي لأمِّ الله ويدفعنا إلى محبةِ أمِّنا حُباً بنوياً، ويحثنا على الاقتداء بفضائلها.

خامساً، مريم علامة عزاء ورجاء أكيد لشعب الله في غربته على الأرض

مريم صورة شعب الله

68- كما أنَّ أمَّ يسوع في تمجيدها الآن في السماء بجسدها وروحها هي صورةُ وبَدءُ الكنيسة

التي ستبلغ كمالها في العصر الآتي، هكذا إنَّها تزهو على هذه الأرض علامةَ العزاءِ والرجاء

الأكيد لشعبِ الله في غربته إلى أن يأتي يوم الرب.

لتتشفّع مريم العذراء من أجل وحدة المسيحيين

69- إنَّ هذا المجمع المقدس ليفرحُ فرحاً عظيماً ويتعزّى، إذ يَجِدُ بين الأخوةِ المنفصلين من يُقدِّمُ التكريم الواجب لأم الرب والمخلص، لا سيما عند الشرقيين الذين يُساهمون في إكرامِ أمِّ الله الدائمة بتوليتها باندفاعٍ حارٍّ ونفس متعبدة. وليُصعِد المسيحيون كلّهم إلى أم الله وأم البشر توسُّلات ملحّةٍ كي تشفع الآن أيضاً أمام ابنها في السماء، في شركة القديسين كلهم؛ هي التي ارتفعت فوق الملائكة والقديسين، وعَضَدَت بصلواتها الكنيسة في مَهدها حتى تجتمع بفرحٍ كلُّ عائلاتِ الشعوب سواء تلك التي تتشرف بحمل الاسم المسيحي، أو تلك التي تجهل بعدُ مخلّصَها، في سلامٍ ووفاقٍ في شعبِ الله الواحد لمجد الثالوث المقدس وغير المنقسم.

  1. “هوَذَا أُمُّكَ”

شفاعة القديسة مريم التي لا تقاس

فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم فى درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر

من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس فى الذهن

والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له..

شفاعة العذراء.. وشفاعة القديسين عموماً هو موضوع حيوي يلزم لنا التأمل فيه بكل وضوح

بإرشاد الروح القدس الذى حلٌ على أم الكلمة..ودعونا نقسم موضوعنا للنقاط التالية:-

ما معنى الشفاعة..وما هو الغرض منهـا؟

ومن هو الشفيع؟؟.. ولمن تُرفع الشفاعة؟؟

وهل هناك أنواع للشـــفاعة؟؟. ومــاهــي ؟؟

مـاهو الفرق ما بين شفاعة السيد المسيح وشفاعة العذراء مريم أو أي قديس آخر ؟؟.

وهل هناك دليل أو آدلة من الكتاب المقدس عن وجود الشفاعة وخاصة شفاعة المنتقلين؟

وهـل هذه العقيدة حديثة ام كانت تؤمن بها الكنيسة منذ نشأتها؟؟

وما هو موقفنا نحن إزاء شفاعة العذراء وشفاعة القديسين ؟؟.

+ الشفاعــــة

شفع- شفيع-شفاعة : هى التوسط بين شخص وآخر أو التدخل فى أمر مـا. وهى دليل لمحبة

الإنسان لأخيه الإنسان وهى مؤسسة على المحبة ومن غيرها لا تنجح عملية التوسط. إذن معنى

الشفاعة هو التوسط بين اثنين، وتعني أيضاً المحاماة عن الغير، وتشمل أيضاً معنى التوسل

لأجل الآخرين.

والوسيط MEDIATOR أو الشفيع هو شخص يجمع بين الأشخاص المتنازعين بقصد حسم

الخلاف أو إصلاح ذات البين.

والشفاعــة تعني بمعناها الديني شخصاً يمثل الله أمام الناس ويمثل الناس أمام الله. شخص

يعمل بإسم الإثنين معاً مقدماً لله الدليل على توبة الإنسان ضماناً لنعمة الله الغافرة.

والصلاة الشفاعية قديمة قِدم نوح “ وبنى نوح مذبحا للرب…فتنسم الرب رائحة الرضى وقال فى نفسه لا أعيد لعن الأرض بسبب الإنسان” (تك 20:8، 22)..

وإبراهيم “فقال ابراهيم لله لو ان اسماعيل يحيا بين يديك…وأما اسماعيل فقد سمعت قولك فيه

وهأنذا أباركه” (تك 18:17، 23)..

وموسى، وصموئيل كما جاء فى الكتاب المقدس “ فأصلي لأجلكم الى الرب..فقال بنو اسرائيل لا تكف عن الصراخ لأجلنا الى الرب الهنا ليخلصنا من أيدي الفلسطينين” (1ملو 5:7، 8).

وحياة يسوع كانت مليئة بالصلوات الشفاعية، بل ان الصلاة الربانية نفسها تحمل روح الشفاعة فى طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الأخرين.

والصلاة الشفاعـيـة يرفعـها الإنسان لأجـل صديق أو لأجـل عدو:“ وصلوا لأجل من يعنـتكم ويضطهدكم” (مت 44:5).

وهناك أمثلة:

– صلاة ابراهيم من أجل سدوم : “ فتقدم ابراهيم وقال أفتهلك البار مع الأثيم…إن وُجد خمسون باراً فى المدينة أفتهلكها ولا تصفح عنها من أجل الخمسين باراً الذين فيها”..فيجيب الرب ابراهيم إن وجدت فى سدوم خمسين باراً فى المدينة فإنى أصفح عن المكان كله من أجلهم” وتحاور ابراهيم مع الرب وهبط هذا العدد من الأبرار حتى وصل الى عشرة وكان الرب سيصفح من أجلهم كطِلبة ابراهيم ( تك 22:18-32).

-وصلاة موسى من أجل شعبه الـمتمرد “يارب لـِم يضطرب غضبك على شعبك..أرجع عن شِدة غضبك..وأذكر إبراهيم واسحق عبيدك..فعدَّى الرب عن الـمسآءة التى قال إنه يُحلّها بشعبه” (خر11:32-14) وأيضا “ثم جثوت أمام الرب كالـمرّة الأولـى أربعين يوما وأربعين ليلة لم آكل خُبزاً ولم أشرب ماءً بسبب خطيئتكم..فأستجابنى الرب هذه الـمرّة أيضاً” ( تث 18:9-20).

– وصلاة سليمان عند تدشين الهيكل (3ملوك 22:8-53).

– وصلاة أرميا من أجل يهوذا (أر 1:14-9).

– وصلاة دانيال (دا 25:3-46).

– وصلاة إيليا أمام أنبياء البعـل (3ملو 36:18)

– وصـلاة يسوع الشفاعية (يو 17)

– وصلاة الإيمان التى تبرئ كل مريض (يع 16:5).

إذاً.. فالغرض من الشفـاعـة أو الوساطة هو الـمصالـحـة. والوسيط أو الشفيع هو من يقوم بالمصالحة.وتُرفـع الشفاعـة عمومـاً الى الله.

+ أنــواع الوساطة أو الشفاعـة:إن القارئ المدقق في الكتاب المقدس يعرف جيداً أن هناك

ثلاث أنواع للشفاعة سنوضحها بالآيات فيما يلي:

أولا: الشفاعة الكفارية او الخلاصية:

وهي الشفاعة التي يقوم بها الإنسان يسوع المسيح وحده لأنه الشخص الوحيد الذي سُفك دمه على الصليب ليكفر عن خطايانا إذ يقول معلمنا بولس الرسول: “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تي5: 2) وأيضاً يقول معلمنا يوحنا الرسول: “إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا” (1يو1: 2، 2)، “من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا” (رو34: 8)، “فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عبر25: 7)، “لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو حملخطية كثيرين وشفع في المذنبين”(أش12: 53)، “فرأى أنه ليس إنسان وتحيّر من أنه ليس شفيع. فخلّصت

ذراعه لنفسه وبره هو عضده” (أش16: 59).

شفاعة الخلاص وهى الشفاعة الوحيدة الغير مستمدة والكنيسة تعترف ان “الوسيط بين الله والناس واحد وهو الإنسان يسوع المسيح” (1تي 5:2).

فبين عالم الأرض والسماء يحتاج الى وسيط، ويسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر ويصالح كليهما لأنه إله وإنسان فى وقت واحد وقد ربط بين الله والإنسان وقرب الناس الى الله، ففى شخصة الإلهي والإنساني وفى عمله الخلاصي تجلى الله فكشف لنا عن ذاته وغمرنا بنعمته وهيأ لنا المجد الأبدي. والسيد الـمسيح له عدة وظائف منها انه ملك وكاهن ونبي:

ملك :”وهذا يكون عظيما وابن العلي يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويـملك على

آل يعقوب إلى الأبد ولا يكون لـملكه إنقضاء” (لوقا 32:1، 33) و “ومن يسوع المسيح الشاهد

الأمين وبِكر الأموات ورئيس ملوك الأرض” (رؤ 5:1 ).

كاهـن: ” لأنّه يشهد أنّ أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق”(عبرانيين17:7، 26).

” أنّ لنا حبْراً هذه صفته أي قد جلس عن يمين عرش الجلال فى السماوات”(عب1:8).

نبـي: “فإن موسى قد قال سيُقيم لكم الرّب إلهكم نبيّاً ممن بين اخوتكم مثلي فله تسمعون”(أع

 22:3-26).

ومن أعمال كهنوته انه شفيع بتقديم ذاته عنا ” إن خطئ أحدكم فلنا شفيع عند الأب يسوع الـمسيح البار”(1يو 1:2) و ” لا حاجة له أن يقّرب كل يوم مثل الأحبار ذبائح عن خطاياه أولا ثم عن خطايا الشعب لأنه قضى هذا مرّة واحدة حين قرّب نفسه” (عب 27:7).

فشفاعته أو خلاصه هو قيامه بالفداء الأبدي الذى صنعه مرة واحدة على الصليب ” كذلك

الـمسيح قُرّب مرّة ليتحمل خطايا الكثيرين” (عب 25:9-28 ) و “وبهذه الـمشيئة قد قُدّسنا نحن

بتقدمة جسد يسوع الـمسيح مرّة واحدةً”(عبرانيين10:10).

ولم يعد الأن فى السماء شفيعاً بـمعنى انه مازال يقوم بعمل الشفاعة نفسه اذ دُفع اليه كل سلطان مما فى السماء وعلى الأرض “إنـي قد أُعطيتُ كلّ سلطان فى السماء والأرض” (مت 18:28)

فإلـى من يشفع والأمر بيده وهو معبود من كل الخليقة الـمنظورة وغيـر الـمنظورة مع ابيه وروح

قدسه “لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة مما فى السماوات وعلى الأرض وتحت الأرض”

(فليـيبى 10:2).

وإطلاق اسم الشفيع عليه الأن فهو بإعتبار كفارته الدائمة الآثار. وقد ذكر الكتاب المقدس فى العديد من الآيات اسم المسيح كشفيع أو وسيط بعد إتمام الفداء: ” هو قادر أن يُخلّص على الدوام الذّين يتقرّبون به إلـى الله إذ هو حـي كلّ حين ليشفع فيهم”(عب 21:7-27). ” أيها الأبناء إني أكتب إليكم بهذه لئلا تَخطأوا وإن خطئ أحدكم فلنا شفيع عند الأب يسوع الـمسيح البار وهو كفّارة عن خطايانا وليس عن خطايانا فقط بل عن خطايا العالم كله أيضاً” (1يو1:2، 2). “لأن الله واحد والوسيط بين الله والناس واحد وهو الإنسان يسوع الـمسيح الذى بذل نفسه فِداءً عن الجميع” (1تـيمو 5:2، 6). “ولذلك هو وسيط لوصيّة جديدة حتى إنّه بواسطة الموت لفداء الـمعاصي التى جرت فى عهد الوصيّة الأولـى ينال الـمدعوون موعد الـميراث الأبدي” (عب 15:9).

ثانيا: شفاعة الرجاء والطلب أي رفع صلوات عن المستشفع لأجلهم:

هي توسلات وتضرعات وصلوات المؤمنين بعضهم لأجل بعض من منطلق المحبة وعضوية

جسد المسيح.

مثال شفاعة موسى“ ارجع عن شدة غضبك وعن مساءة شعبك..فعدى الرب عن المساءة” (خر11:32) و “ فصرخ الشعب الى موسى فدعا موسى الى الرب فخمدت النار” (عد 20:11).

وقد طلبها وعملها شعب الله قديـما ” وقال جميع الشعب لصموئيل صَلِّ لأجل عبيدك إلـى الرب إلهك لئلا نـموت لأنـّا قد زِدنا على جميع خطايانا سوءًا” (1ملوك19:12)

و الملك يارُبعام الذى يبُست يده عندما مدّها نحو الـمذبح “فأجاب الملك و قال لرجل الله

استعطف وجه الرب إلهك وصَلِّ لأجلي حتى ترتد إليّ. فاستعطف رجل الله وجه الرب فارتدت يد الـملك إليه” (3ملوك 6:13).

وكذلك فى العهد الجديد نجد “فإن صلاة الإيمان تُخلّص الـمريض والرب يُنهضه وإن كان قد ارتكب خطايا تُغفر له” (يع 16:5).

 ” فأسأل قبل كل شيئ أن تُقام تضرعات وصلوات وتوّسلات وتشكّرات من أجل جميع الناس”

(1تيـموثاوس1:2-3) و “فأسألكم أيها الإخوة بربنا يسوع الـمسيح وبمحبة الروح أن تُجاهدوا معي فى الصلوات إلى الله من أجلي” (رو 30:15-32) و أيضا “بـمعونة صلواتكم لنا حتّى إن كثيرين يؤدون الشكر على الموهبة التى لنا بواسطة كثيرين” (2كو 11:1).

وهذه الوساطة هى وساطة مستمدة أي انها تعتمد على برارة الطالب أو رحمة الرب. وهى تفيد

إلتماس الطلب من الله مراعاة لشفاعة أوليائه الأعزاء نظرا لصلاحهم وقداستهم.

أنواع الشفاعة التوسلية:

أ – شفاعة القديسين فى السماء للبشر وكذا شفاعة الملائكة للبشر«وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ

أَحْيَاءٍ، لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ».(لوقا20 :38) يُظهر الرب يسوع أن إبراهيم واسحق ويعقوب

هم أحياء عند الله ولسيوا أمواتاً.

ومثل الغني ولعازر (لو 16: 19-31) الغني لم ينسَ إخوته حتى بعد موته.
وفي تجلّي الرب على الجبل (متى17: 1-9) ظهر موسى حياً وتحدث إلى يسوع.
وفي رسالة بولس إلى أهل فيلبي1: 23-24 يقول: ” لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا. 24 ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم “. فلو كان الإنسان بعد موته يدخل في حالة غير واعية مثل الرقاد أوالنوم، لما فضّل بولس أن يموت و”ينام” ويصير “غير واعٍ”، بل حتماً لكان قد فضّل أن يظلّ حياً في شركة واعية مع المسيح.

وفي سفر الرؤيا رأى يوحنا أربعة وعشرين شيخاً “يخرّون ويسجدون للحي إلى الأبد” (رؤ4: 4-10). هؤلاء الشيوخ هم الذين قد اشتراهم الخروف بدمه من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤ5: 9). لهذا فهؤلاء الشيوخ ليسوا ملائكة بل بشراً قديسين، يقدمون بخوراً الذي هو صلوات القديسين

(رؤ 5: 8 ).

أيضاً رأى يوحنا ” نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم ”

(رؤ6: 9). فهل كانت هذه النفوس في حالة رقاد وغير واعية؟ طبعاً لا. لأن النص يقول: ” وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟ ” (رؤ6: 10)؟.إذاً كل القديسين الراقدين في المسيح هم “أمام عرش

الله”، أحياءً، يسجدون له ويصرخون له، ولا ينسون الذين على الأرض” (رؤ6: 10).

أين هي صلوات القديسين هنا؟ إنها مقدمة من ملاك مع البخور “على مذبح الذهب الذي أمام العرش” (رؤ8: 3-4).لكن المعارضون يقولون: إن القديس بولس يتكلم عن الموتى كراقدين (اتس4: 13)، وبالتالي لا يستطيع الراقدون أن يسمعونا. في النص المقتبس هنا يتحدث بولس إلى الذين فقدوا أحداً بالموت لكي يعزّيهم لكي لا يحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس4: 13). فالموتى بالنسبة لنا نحن الأحياء هنا يبجون راقدين، لا حياة فيهم، ولا يسمعون ولا يتحركون. هذا بالنسبة للناحية الجسدية، لكنهم أحياء روحياً عند الله.

وقد يتسآل البعض: كيف نعرف أنهم أحياء عند الله؟

يقول يسوع: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي وإن مات فسيحيا” (يو11: 25). بل قد انتقل

من الموت إلى الحياة” (يو5: 24). والرقاد هو النوم كما فهمه الرسل لمّا قال لهم يسوع إنّ لعازر رقد. وبما أنّ روحه ستعود إليه مثل ابنة يايروس (لو8: 55). فالموت هنا رقاد لأن لعازر سيقوم. فهو حيّ لم يمت. لكن إن كان الله إله أحياء لا إله أموات، فكيف يموت من آمن بالمسيح؟ من الواضح هنا أن الموت ليس بعد موتاً. كل المسيحيين سيموتون جسدياً. لكنهم لا يموتون روحياً. فالموت يفصلهم جسدياً عن الأحياء هنا ولكنه لا يفصلهم روحياً عن الله. الخطيئة وحدها تفصلنا عن الله. أيضاً بما أن كل المسيحيين هم أعضاءٌ في الكنيسة، جسد المسيح الواحد، إذ، “لا موت ولا حياة.. نقدر أن تفصلنا عن محبة الله” (رو8: 38-39). وبما “أن المحبة لا تسقط أبداً” (1كور 13: 8 )، فلا توجد قوة للموت علينا. فالمسيح قد قهر الموت بموته.

السؤال هنا: حتى لو كان الراقدون بالمسيح أحياء عند الله، فعلى أي أساس نصلي إلى القديسين

طالبين شفاعتهم؟

يقول القديس بولس: “فاطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات و تشكرات لأجل جميع الناس ” (1تيمو2: 1). إذاً كان بولس يطلب من كل المسيحيين أن يصلّوا لأجل جميع الناس، فكم بالأحرى أن يطلب من القديسين الذين سبقونا، خاصة أنهم أقرب إلى المسيح لهذا إذا طلبنا من القديسين أن يصلّوا من أجلنا فإننا نحقق وصية الرسول، ونحن على ثقة بأن

المسيح سيسمع هذه الصلوات لأنها مقدمة أمام عرشه السماوي (رؤ8: 3).

هنا قد يقول المعارضون: ألم يقل الكتاب: “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ” (1تيمو2: 5). لماذا نطلب وسيطاً آخر ولدينا وساطة يسوع؟
ونحن نسأل بدورنا: ماذا يعني بولس هنا بكلمة “وسيط”؟ إنه لا يتكلم عن وساطة الصلاة، بل عن المصالحة بين الإنسان الساقط والله بيسوع المسيح الذي وهو الله قد صار إنساناً ليتمّم هذه المصالحة. لو كان بولس يقصد أنه لا يوجد شفيع بالصلاة سوى يسوع فلماذا يطلب أن تُقام صلوات لأجل جميع الناس (1تيمو2: 5)؟ لماذا يطلب بولس مني أن أصلي للآخرين؟ ألا يستطيع الآخرون أن يصلوا من أجل أنفسهم؟ طبعاً يستطيعون، ولكن الله يريدنا أن نكون لحمة واحدة بالصلاة، لهذا نطلب من القديسين، الأحياء والذين سبقونا أن يصلوا من أجلنا. وفي

الحقيقة فالذين هم في السماء يستطيعون أن يصلوا لنا أكثر بدون انقطاع.

لكن لماذا يجب أن أطلب شفاعة القديسين وأن يصلوا من أجلي؟ ألا يقول الكتاب إن

المسيح وحده هو المخلّص، وبالتالي لماذا لا أصلي له وحده، لأنه سيسمعني حتماً؟ أنا سأوجه

هذا السؤال لبولس نفسه، وأسأل، لماذا يا بولس تريديني أن أصلي لأجل جميع الناس

 (1تيمو2: 5)؟ ألا يستطيع الناس أن يصلّوا لأجل أنفسهم؟

أولاً بالطبع إن المسيح هو المخلص وحده. لكننا لا يمكننا أن نهمل شركة القديسين وشفاعتهم، لأن المسيح نفسه يريدنا أن نفعل هذا. فالمسيح من جهة هو المخلص، لكن الكتاب يقول: المسيحي يخلّص أيضاً (يع5: 20 ؛ يهو22: 23)؛ القديس بولس يخلّص (رو11: 14)؛ الكرازة تخلّص (1كور1: 21؛ 1تيمو4: 16)؛ المعمودية تخلّص (1بط3: 21)؛ الصلاة تخلّص (يع5: 15)؛ الملائكة تخلّص (أشعيا63: 9).

كيف يخلّص هؤلاء جميعاً؟ أبقوتهم؟ أم بتقواهم؟ بالطبع بالمسيح، وفي المسيح ومع المسيح،

وبدون المسيح لا يوجد خلاص.

بالطريقة نفسها تخلّصنا صلوات القديسين بالمسيح فقط، لأن المسيح نفسه قال: “إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم ” (يو15: 7).
أي إذا طلب القديسون من أجلنا في الصلاة إلى الرب سيستجيب الرب لهم. إذاً شفاعة القديسين لنا تحقق وصية الرب أن نحب بعضنا بعضا (يو15: 12)، وأن نصلي معاَ (متى18: 19؛ 1تيمو2: 1؛ كولوسي4: 2-4؛ أفسس6: 18). فلا أحد يُخلَّص وحيداً في كنيستنا الرسولية. لأننا كلنا جسدٌ واحدٌ، إيمانٌ واحد، وصلاة واحدة، ولا أحد يكمل بدون الآخرين (عبرانيين11: 39-40). إن الإيمان بالمسيح يقودنا إلى المعمودية فنصير أعضاء في جسد المسيح، الكنيسة، فنصلّي من جهة إلى الله، ومن جهة أخرى نطلب من المسيحيين على الأرض وفي السماء، أن يصلّوا من أجلنا (أن يتشفّعوا) إلى المسيح في خلاص نفوسنا. هكذا نحقق كوننا واحداً في المسيح كما طلب المسيح نفسه إلى الله الآب (يوحنا17: 21) ….

ب – إستشفاع الأحياء على الأرض لأجل إخوانهم فى جهاد الحياة مثال صلاة ابراهيم

لأبيمالك “فدعـا ابراهيم إلى الله فعافـى أبيمالك وامرأته وإماءه فولدن”(تك 7:20-17).

وصلاة أيوب لأصحابه ” قال الرب..والآن فخذوا لكم سبعة ثيران وسبعة كِباش وانطلقوا إلى عبدي أيوب وأصعدوا مُحرقة عنكم وعبدي أيوب يصلّي من أجلكم “(أيوب 7:42-8).

ثالثا:.شفاعة التعضيد والإرشاد وهى شفاعة الروح القدس كما جاء فى رسالة القديس بولس “ولكن الروح يشفع فينـا بأنّات لا توصف”(رو 26:8).

 وهذا النوع من شفاعة الإعانة والتعضيد والتقوية والإرشاد والتذكير ” وأنا أسأل الأب فيعطيكم مُعزيـّاً آخـر ليُقيم معكم إلـى الأبد” (يو16:14) و ” وأمّا الـمعزّي الروح القدس الذى سيرسله الأب بإسمي فهو يعلمكم كل شيئ ويذّكركم كل ما قلته لكم” (يوحنا 26:14)، فليس معناه ان الروح جل جلاله يقل عن الأب والإبن حتى يشفع لديهما.

انها الشفاعة التي يقوم بها الروح القدس في قلوبنا كما يقول معلمنا بولس الرسول: “وكذلك

الروح أيضا يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع

فينا بأنّات لا ينطق بها” (رو26: 8).

يلاحظ أن النيابية هي في قلوبنا. وبالأنّات التي لا يُنطق بها بينما شفاعة المسيح الكفارية هي أمام الآب في السماء وهي شفاعة بالدم المسفوك على الصليب

مرة اخرى هل هناك أدلة من الكتاب المقدس تؤيد “شفاعة القديسين” عموما؟

+ تذكر كلمة الشفاعة مرات عديدة في العهدين القديم والجديد، وقد ترجمت الكلمات

العبرية واليونانية الدالة عليها إلى العديد من الكلمات التي توضح المعنى ففي العهد القديم تدل

عليها كلمة egp (بغى) العبرية والتي تعطى معنى قريب من المعنى العربي للكلمة بمعنى: “أراد الشيء وطلبه وألح فيه”، “يقدم التماسا بغرض قبوله”، “يتوسط” وقد ترجمت هذه الكلمة إلى “يلح” في (راعوث 1: 16، إرميا 7: 16)، و”يلتمس” في (تك 23: 8، أي 21: 15)، و”يتوسل” في (إرميا 27: 18)، و”يتضرع” (إرميا 15: 11).

أما في العهد الجديد فقد دلت عليها الكلمة اليونانية entugcanw (انتيجخانو) بمعنى “يلتمس أو يتوسل” (أع 25: 24، رو 8: 26 و27 و34، 11: 2، عب 7: 25)، كما ترجمت إلى كلمة صلاة في (1 تي 4: 5)، ابتهالات في ( 1 تي 2: 1).ويتضح في العديد من هذه المواقع السابقة أن الشفاعة مقبولة بل مطلوبة من رجال الله الأنبياء والقديسين من أجل سكان الشعوب التي يعيشون بينهم ومن أجل شفاء آخرين أو التوسل من أجل عدم هلاكهم.

+ من الضروري حينما نتحدث عن الكنيسة أن لا نتحدث عنها بصورة أحياء وأموات، فمن الخطأ أن نعتقد أن الذين يعيشون الآن من أعضاء الكنيسة هم الأحياء بينما المنتقلين من الآباء والقديسين هم أموات حيث أن هذا مخالف لتعاليم السيد المسيح نفسه حينما يقول:” أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء” (متى 22: 32). “ليس هو اله أموات بل اله أحياء. فأنتم إذا تضلون كثيراً” (مرقس 12: 27)، “وليس هو اله أموات بل اله أحياء لأن الجميع عنده أحياء” (لوقا 20: 38). فمن الضروري أن نتحدث عن الكنيسة باعتبارها كنيسة واحدة، جسد المسيح الحي، بقسميها الكنيسة المنتصرة وتشمل المنتقلين الذين أكملوا جهادهم على الأرض وهم الآن أحياء بأرواحهم في الفردوس، والكنيسة المجاهدة وتشملنا نحن الذين نجاهد من أجل أن نكمل سعينا بخوف ورعدة. إذن فالقديسون أحياء في السموات وليسوا أمواتا، فعلاقتنا إذن ليست بأموات بل بأحياء وإن كانوا غير مرئيين لأنهم ليسوا في الجسد. ويحتوي العهدين القديم والجديد على العشرات من المواضع التي تتحدث عن قبول الله لشفاعة قديسيه وأنبيائه: (دانيال35:3)، (اشعيا 17:63)، (3ملوك13:11)، (رؤيا 8:5-9)، (رؤبا 3:8).

+جاء “عندما الحمل فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس المقتولين لأجل كلمة الله

ولأجل الشهادة التى شهدوا بها فصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس الحق

لا تقضي لدمائنا من سكان الأرض فاعطى كل واحد منهم حلة بيضاء وأُمروا أن يستريحوا مدة يسيرة بعد إلى أن يكمل عدد شركائهم فى الخدمة وأخوتهم الذى سيقتلون مثلهم” (رؤيا 9:9-11) فها أن أرواح الشهداء تلتمس من الله وهى فى السماء أن ينتقم عدله لدمائهم المسفوكة ظلماً وإعتداءاً، فأجاب الله طلبهم مؤجلاً نفاذه حتى يكمل عدد اخوتهم. وفعلا عندما آن الآوان لحلول غضب الله على روما الوثنية وحلت بها الضربات السماوية دوى صوت فى السماء “إشمتي ايتها السماء وأيها القديسون والرسل والأنبياء فإن الله قد إنتقم لكم منها” (رؤيا 20:18).

+”ويكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين” (لوقا 7:5) وهنا يؤكد السيد المسيح ان سكان السماء يفرحون بتوبة الخاطئ، فكيف علموا بهذه التوبة؟..وأليس هذا دليل على انه توجد صلة بين السماويين ونحن البشر.

قول يسوع” احذروا ان تحتقروا أحد هـؤلاء الصغار فإني أقول لكم ام ملائكتهم فى السموات كل

حين يعاينون وجه أبي الذى فى السماوات” (مت 10:18). وهـذا برهان على ان الملائكة فى

السماوات يعرفون ما يحدث على الأرض كإحتقار أحد الصغار الذين يحرسونهـم.

+ ان القول بعدم معرفة سكان السماء لصلوات الأرضيين مردود عليها بما هو مدون فى سفر الرؤيا (رؤ 3:8-4) ” وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مـجمـرة من ذهب فأُعطي بخوراً كثيراً ليقدم صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذى أمام العرش فصعد دخان البخور من صلوات القديسين من يد ملاك الله” وهذه عن الملاك الذى يقدم لله صلوات القديسين كلهم وكما جاء فى( رؤ8:5 )، فهل من الجائز ان خلائق مثل الملائكة والقديسين يرفعون صلوات الأرضيين ولا يدرون أمرها.

+جاء فى رسالة بولس الرسول “أليس جميعهم أرواح خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص” (عب 14:1) وهنا نجد ملائكة منتدبة للخدمة فهل لاتعرف من تخدم وتقف على احتياجة.

+”اذا كنت تصلي بالدموع وتدفن الموتى فأنا الملاك روفائيل كنت أقدم صلاتك الى الله”

(طوبيا 12:12).

+”دنوتتم الى جبل صهيون ومدينة الله الحي أورشليم السماوية والى محفل ربوات من

الملائكة والى كنيسة الأبكار المكتوبين فى السماوات والى الله ديان الجميع والى أرواح الصديقين المكملين والى يسوع وسيط العهد الجديد” (عب 22:12-24). فالقدّيس بولس يُدخِلُ في شركة القدّيسين لا الملائكة فحسب، بل أيضاً “أرواح الصدّيقين”، ولم يكُن القدّيس بولس ليقول “دنوتم إلى أرواح الصدّيقين” لو كان هؤلاء، بطريقة ما، ليس بإمكانهم فعل الخير، أي مُباركتنا ومساعدتنا، ولكي يكون كلامي صحيحاً أول بكلمة واحدة: إنّهم يُصلّون من أجلنا، لأنَّهُ بالصلاة وحدها يُمكن لسُكان السماء أن يُساعدوا سُكّان الأرض.

+ أن الله بارك اسحق وأكثر نسله إكراماً لأبيه الراقد اذ قال له ” أُكثر نسلك من أجل ان ابراهيم سمع قولي، فإني معك أباركك من أجل عبدي ابراهيم” (تك 24:26) وهذا ايضا دليل على ان الله يكرم قديسيه الراقدين.

+ ان أرميا النبي لما تشفع الى الله ان يرحم الشعب على ما حـل به من شدة القجط لم يقبل شفاعته نظراً لعظم خطيئة الشعب بل أجابه قائلاً “ وقال الرب لو أن موسى وصموئيل وقفا أمامي لما توجهت نفسي الى هذا الشعب فأطرحهم عن وجهي وليخرجوا “ (أر 1:15). وهـذا برهان من فم القدوس على ان قديسيه الراقدين كموسى وصموئيل يقفون امامه ويتشفعون فينا ويقبل شفاعتهتم.

+ الملاك الذى بشر منوح وزوجته بأمر شمشون “إن صنعت محرقة فللرب أصعدها… فكان

عند إرتفاع اللهيب عن المذبح نحو السماء ان ملاك الرب صعد فى لهيب المذبح”

 (قضاة 16:13، 20).

+ “فقالت المرأة لشاول رأيت آلهة تصعد من الأرض فقال لها ما هي هيئته قالت رجل شيخ

صاعد مرتديا برداء” وكان ان أخبر روح صموئيل النبي شاول عن موته (1صمو 15:28) وهذا يدل على معرفة السماويين بأمورنا نحن البشر.

+ “فنحن أيضا إذ يحدق بنا مثل هذا السحاب من الشهود فلنلق عنا كل ثقل وما يشتمل علينا من الخطيئة ولنسابق بالصبر فى الجهاد الذى امامنا” (عبرانيين 1:12).

+ “لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أناسا أضافوا ملائكة وهم لا يدرون” (عب 2:13).

+ رؤيا يهوذا المكابي “ رأيت أونيا الكاهن الأعظم رجل الخير والصلاح المهيب المنظر الحليم الأخلاق صاحب الأقوال الرائعة المواظب منذ صبائه على جميع ضروب الفضائل باسطاً يديه ومُصلياً لأجل جماعة اليهود بأسرها. ثم تراءى لي رجل كريم الشيبة أغر البهاء عليه جلالة عجيبة سامية. فأجاب أونيا وقال هذا مُحب الإخوة المكثر الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة إرميا نبي الله. ثم إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفا من ذهب وقال خذ هذا السيف المقدس هِبة من عند الله به تحطم الأعداء “ (2مكا 12:15-16).

+ان أليشع النبي بعد موته أقام الميت الذى مس عظامه اذ طرح فى قبر اليشع خوفا من غزاة

موآب (2ملوك 20:13-21) وهـذا يدل كيف ان الرب يكرم حتى رفات قديسيه ويصنع بها المعجزات.

+ ان أيليا النبي بعد إنتقاله من العالم للسماء علم ان يورام بن يوشافاط ملك يهوذا لم يسر فى طريق ابيه البار وعمل الشر فى عيني الرب فأرسل اليه ايليا كتابة يذكر له فيها هـذا الأمر ويتنبأ عليه ان الرب سيضربه هـو وشعبه ضربة عظيمة، وتمت نبؤة ايليا (2أي12:21-16) وهـذه آية صريحة توضح ان القديسين بعد إنتقالهم عنا إلى السماء يعلمون عن أحوالنا على الأرض.

ولكننا ينبغي أن نعلم أننا حينما نطلب شفاعة العذراء والملائكة وتوسلات وصلوات القديسين من أجلنا فإننا لا نقدم لهم الصلاة أو العبادة، فالعبادة والصلاة لا تقدم إلا لله الواحد المثلث الأقانيم. وإنما نحن نطلب منهم كأحباء لنا، مثلما يطلب الطفل الصغير من أمه أن تطلب من

أبيه من أجله، رغم أن الأب يحب الابن ويفرح بتلبية جميع طلباته إن كانت في صالحه.

ولا يعني طلبنا لتوسلات القديسين من أجلنا أن نمتنع نحن عن الصلاة أمام الله من أجل أن

يستجيب طلباتنا، فلابد أن نصلي بلجاجة، ويدعمنا في هذه الصلاة أعضاء جسد المسيح من القديسين الذين ارضوا الله بمحبتهم. فالله يحبنا ويريد أن نقرع ونطلب ونسأل، ليفتح ويعطي ويجيب جميع ما نطلب، بل واكثر مما نطلب حسب غناه، حسب مشيئته الصالحة.

شفاعة العذراء مريم – شهادة بعض القديسين.

  1. كل من يرغب أن يحصل على نعمةٍ من عند الله، عليه أن يقترب من هذه الشفيعة، أن

يقترب منها بكل إخلاص، كونها أم الرحمة، وتملك كل شيء في ملكوت عدل الله، فلا يمكنها أن ترفض توسّلك. -كالبحّارة الذين يهتدون بنجمةٍ مضيئةٍ لتقودهم صوب المرفأ، كذلك المسيحيّون يهتدون بمريم صوب السماء” (القديس توما الأكويني)- معلّم الكنيسة.
2- “إننا لا نكرّم يسوع بالأكثر، الا عندما نكرّم أمّه مريم. ونكرّمها ببساطة لتكريم يسوع إن مريم تصوّر فينا ابنها يسوع وتجعلنا شبيهين به عندما نصلي لها بشكل دائم إن ابن الله صار انساناً لخلاصنا، فقط في مريم وعبر مريم لا يتأمّل ذلك الانسان نظرة رحمةٍ من الله، الذي يهين والدته القدّيسة”-القديس لويس-ماري دو مونفور.

3- “نتحد مع أمك الطاهرة، كي نرفع تمجيداً يليق برحمة الرّب فيصبح نشيداً أكثر ارضاءاً لك، لأنّك اخترتها من بين البشر والملائكة لقد مرّت رحمتك الينا من خلاله كما من خلال البلور من خلالها أصبح الانسان مرضيّا لله من خلالها فاضت علينا ينابيع الرحمة” -القديسة فوستين للرحمة الالهيّة.

4- “كل النعم التي يعطيها الله، تمرّ عبر مريم.بعض الناس مجانين، عندما يعتقدون أن

باستطاعتهم المضيّ في حياتهم دون مساعدة الأم المباركة. عندما، ندرك أهميّة دور مريم في حبلها الالهي، نكون خَطونا أوّل خطوة في مسيرة خلاصنا. مريم، هي أمّ كلّ الأمّهات. إبقوا دائماً بالقرب من هذه الأم السماويّة، لأنها ذلك البحر الذي علينا عبوره لنلمس شواطئ الفردوس الأبديّ”-بادري بيو.

5- “إننا لا نستطيع أن نكون مسيحيين إن لم نكن مريميين لقد أتى يسوع إلينا عبر مريم و

يريدنا الذهاب إليه على الدرب عينه”-القديسة فيرونيكا جولياني.

6- “من لا يرغب بأن يتّخذ مريم العذراء أماً له، لن يحظَ بالمسيح أخاً له !

لا تخف أبداً من أن تحبّ العذراء القديسة جداً جدًا. فإنك لا يمكنك أن تحبّها كما أحبّها يسوع -العذراء وحدها تسلّمت من الله وعد الانتصار على الشيطان. هي تطلب نفوساً تتكرّس كليّاً لها، لتصبح بين يديها أسلحةً قويّةً تستخدمها لهزم الشيطان ولنشر ملكوت الله” -القديس

ماكسيليمان كولبي- (معلّم وشهيد في الكنيسة)

7- ان مريم هي عالم الله الحيّ … إن المُخلَّصين المُعدّين لوارثة الملكوت السماوي هم

مقيمون طيلة حياتهم في العالم في أحشاء مريم، ولا يرون النّور الّا عندما تلدهم هذه

الأم الصالحة للحياة الأبديّة.-القديس أوغسطينوس.

8- لنضع ذواتنا إذاً عند قَدَم مريم، ولنغمرها. ولا ننهض إلّا وقت تباركنا، وتقبلنا كأولادٍ لها.

“إذا تنهّدت العذراء أمام بنها فإنه يستجيب لها أكثر من صلوات القديسين جميعاً مجتمعين”-

القديس برنار من كليرفو- (معلّم الكنيسة)

9- من خلال الاتّحاد المشترك للآلام وللارادة بين يسوع ومريم، استحقت هي أن تصبح، بتمام

الاستحقاق، مصلّحة العالم الضائع، ولهذا فهي موزّعة كلّ النّعم
-البابا القديس بيوس العاشر-

10- “إذا أردتم أن تخلصوا بسهولة صلّوا للعذراء مريم فهي تسهّل خلاصكم”.
-القديس شربل.

الأعياد المريمية[16]

إن الإلتجاء الى مريم وطلب شفاعتها إيـمان راسخ منذ الأجيال الأولى فى الكنيسة وتـمتلئ الطقوس الكنسية بالـمدائح والطلبات والصلوات والتسابيح لـمريم العذراء والتى بهـا يلجأ الـمؤمنون الى العذراء الطوباويـّة مبتهلين إليهـا فـى كل الأوقات الصعبة التى تقابلهم، طلبين

معونتهـا فى إحتياجاتهـم لأنهـا والدة الإلـه الفائقـة القداسـة، ولأنهـا أمنـا جميعاً.

وبنوع خاص تكرّم الكنيسة مريم العذراء بالإحتفال بأعيادهـا، ومـا تلك الأعياد إلاّ مناسبات لتعبر الكنيسة عن فرحهـا بالخلاص الذى حصلت عليـه بتجسد إبن الله فـى أحشاء مريم العذراء. وفـى تلك الأعياد والتذكارات الـمريـمية تتسم معظم صلواتهـا بأنهـا تدعو الى الفرح والى تسبيح الله للعمل الذى حققه الله فيها والذى يقودنا دوماً الى إبنها الـمسيح مخلّص العالـم ولهذا يُقترن دائـما الإحتفال بتقديم الذبيحة الإلهيـة. وفـى أعياد القديسة مريم العذراء تختار الكنيسة أيضاً نصوصاُ من الكتاب الـمقدس تتحدث عن علاقـة الله الخلاصيـة بالإنسان والتى ظهرت فـى العهد القديم فى العديد من النبؤات والرموز التى وصلت إلـى كـمالهـا فى تجسد ابن الله فى أحشاء مريم العذراء. فـمريم العذراء هـى مسكن الله الذى حلّ فيـه ابن الله ليتحد من خلالـه بالبشر ويـمنحهم الخلاص والحيـاة الأبديـة، ولهذا نرى كتب العهد الجديـد وقد روت نصوص بعض تلك الأحداث كالبشارة والميلاد والصلب والقيامة. والكنيسة الـمقدسة إذ تحتفل بأسرار السيد الـمسيح فـى دورتهـا السنويـة، تكرّم بمحبة خاصة مريم والدة الله الـمتحدة مع إبنهـا فـى العـمل الخلاصي، ففى العذراء تتأمل الكنيسة بإعجاب ثمرة العذراء الـمباركـة وتمجدهـا، كما تتأمل فيهـا بإبتهاج ما تشتهى وترجو أن تكون عليه هـى ذاتهـا وبأكملهـا.

والأعيادالدينية المقدسة عامـة هـى أيام يتم الإحتفال فيهـا بتذكار لأحداث وأسرار مقدسة تم تسجيلهـا فـى تاريخ خلاصنـا، وأيضاً لتذكار مريم العذراء أم الـمسيح، أو للرسل، والشهداء والقديسين وذلك بتقديـم صلوات وخدمات خاصـة مع راحـة من العـمل فى بعض الأحيان. والعيد ليس فقط لتذكار حدث أو شخص، بل هو أيضاً فرصة لتنشيط الحياة الروحيـة وذلك بالتذكرة بـما حدث، ففى الـميلاد يولد الـمسيح فى قلوبنـا، وفى يوم الجمعة العظيمة نصلب أنفسنـا على الصليب معه، وفى القيامـة نقوم من قبر الخطيئة، وفى يوم العنصرة نحصل على مواهب الروح القدس.

والأعياد الـمقدسة فـى العهد القديـم إمـا قد أعطى الله شريعتهـا لشعبه “هذه هى أعياد الرب الـمحافل الـمقدسة التى تنادون بهـا فى أوقاتهـا”(أحبار2:23):مثل عيد الفصح (يُحتفل فيـه بأكل حمل الفِصح تذكاراً لخروج الشعب العبرانى من ارض مصر ويحتفل به فى اليوم الرابع عشر من أول شهور السنة فى التقويم اليهودى-خروج2:12-14)، وعيد الفطير (يحتفل فيـه بأكل الفطير الغير مختمر فى اليوم الخامس عشر من أول شهور السنة وأيضاً تذكاراً لخروج بنى اسرائيل من مصر-خروج15:12-20)، وعيد الأسابيع أوعيد الكفّارة (وفيه يُحتفل بباكورة حصاد الأرض (أحبار23)، أو قد رتبّهـا الشعب بإرشاد من الله مثل عيد تدشين هيكل سليمان (3ملوك2:8) وعيد تذكار ترميمه على يد زربابل (عزرا14:6-16). وكل تلك الأعياد كما ذُكرت فى العهد القديم ما هـى إلاّ رمزاً وظلاً للحقيقة والتى هـى فى الـمسيح يسوع ولهذا فليس غريبـاً أن تحتفل الكنيسة فى العهد الجديد بفرح وإبتهاج بـما تحقق بتجسد وموت وقيامـة السيد الـمسيح فتقوم بتذكار كل تلك الأحداث من حضور جماعى أمام الرب وتقديم تقدمات روحيـة تُفرح قلب الله، بما فى ذلك الأعياد الـمريمية أو تذكارات القديسين.

والأعياد التى نظمتهـا الكنيسة على مدار السنة يمكن ترتيبهـا كالتالـى:

أ – الأعياد السيديـة:

يقصد بالأعياد السيديـة أي الخاصـة بالسيد الـمسيح وهـى أربعة عشرا منها سبعة أعياد كبار،

وسبعة صغار وترتيبهـا كالتالـى:

الأعياد السيديـة الكبرى

1. عيد البشارة    2- عيد الميلاد

3-عيد الغطاس      4– أحد الشعانين (الأحد السابق لأحد القيامة)

5- عيد القيامـة   6-عيد الصعود (يقع بعد عيد القيامة بأربعين يوما)

7-عيد العنصرة (يقع بعد عيد القيامة بخمسين يومـا)

الأعياد السيديـة الصغرى

1. عيد الختان     2. دخول السيد المسيح الى الهيكل

3. دخول السيد المسيح مصر 4. عرس قانـا الجليل

5. التجلـيّ    6. خميس العهد (الخميس الواقع فى أسبوع الآلام)

7. أحـد تومـا (الأحد التالى لأحد القيامـة)

ب- أعيـاد مريـميـة

لـم تنسى الكنيسة أن تجعل لأمنـا مريم العذراء أعيادهـا الخاصـة فلهـا العديد من الأعياد

والتذكارات التى حددتهـا الكنيسة للإحتفال بهـا شرقـاً وغربـاً.

أعياد العذراء مريم هي قائمة أو سجل تظهر الأعياد والتذكارات التي يحتفل

بها المسيحيون حول العالم وفق المنشورات الكنيسة بأعياد متعلّقة بمريم العذراء، هذه الأعياد متنوعة وكثيرة للغاية ويمكن تقسيمها إلى ثلاث أقسام: الأعياد المريمية الكبرى ويبلغ عددها سبعة أعياد وتأتي أهميتها من كون جميع الكنائس في العالم تحتفل بها، القسم الثاني هو الأعياد المرتبطة بمراحل من حياتها، كالزيارة إلى أليصابات أو تقدمتها إلى هيكل سليمان، ويختلف الاحتفال بها حسب الرعايا والطوائف وحسب البلدان أيضًا؛ القسم الثالث هو الأعياد الخاصة بذكرى ظهورها أو طلب شفاعتها لبلد أو منطقة وتتميز بكونها محصورة في البلد والمنطقة وأحيانًا بالطائفة الخاصة بذلك أو الكنيسة المشادة على اسمها.

الأعيـاد الـمريمية فـى الكنيسة الكاثوليكية الغربيـة حسب أخر تعديل 1989:

  1. عيد مريم أم الله (1 يناير)
  2. تذكار تقديم الطفل يسوع فى الهيكل (2 فبراير)
  3. تذكار سيدة لورد (11 فبراير)
  4. عيد البشارة (25 مارس)
  5. تذكار زيارة العذراء لبيت زكريا الكاهن (31 مايو)
  6. عيد قلب مريم الطاهر(السبت الواقع بعد الأحد الثانى بعد عيد العنصرة)
  7. تذكار سيدة الكرمـل (16 يوليو)
  8. عيد إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد (15 أغسطس)
  9. عيد مريم سلطانة السموات والأرض (22 أغسطس)
  10. تذكار ميلاد مريم العذراء (8 سبتمبر)
  11. تذكار مريم سيدة الأحزان (15 سبتمبر)
  12. عيد سيدة الورديـة (7 أكتوبر)
  13. تذكار دخول مريم العذراء وهى طفلة للهيكل (21 نوفمبر)
  14. عيد الحبل بلا دنس (8 ديسمبر)
  15. تذكار سيدة جوادالوب Guadalupe(فى أمريكا والمكسيك).

أعياد القديسة مريم فى الكنيسة القبطيـة الكاثوليكية

  1. عيد ميلادهـا (أول بشنس فى التقويم القبطي-مايو)
  2. عيد دخولها الهيكل (3 كيهك-ديسمبر)
  3. عيد إنتقالهـا بالنفس والجسد الى السماء (16 مسرى-15 أغسطس)
  4. عيد بناء أول كنيسة على اسمها (21 بؤونة -يونيو)

 أعياد القديسة مريم فى الكنيسة القبطيـة الأرثوذكسية

بالإضافـة الـى الأعياد التى تحتفل بهـا الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر فهناك ثلاث أعياد أخرى إضافية يُحتفل بهـا فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:

1. البشارة بميلادهـا (7 مسرى فى التقويم القبطي-أغسطس)

  • نياحتهـا (21 طوبـة -يناير)
  • صعود جسدهـا وظهوره فى السماء (22 أغسطس)
  • تكريس كنيسة باسمهـا فى فيليبي وأخرى فى أتريب بمصر (21 بؤونة)
  • عيد ظهورهـا فى كنيستهـا بالزيتون فى عام 1968 (2 أبريل)
  • 6.    تذكارات والدة الإلـه –( يوم 21 من كل شهر قبطي طوال العام).

ج- أعيـاد وتذكارات القديسين.

تحتفل الكنيسة عامـة بعيد واحد لكل قديس يتم فيـه تذكار يوم إنتقالـه أو إستشهاده، بالإضافـة

الى أن هناك أعياد أخرى نتيجة إكتشاف رفات لقديس أو إتمام معجزة لـه أو تدشين كنيسة على

اسمه.

إن أقدم الأعياد التى كانت الكنيسة تحتفل بهـا- بالإضافـة الى “يوم الرب” الذى يُحتفل بـه أسبوعيـاً – كانـا عيدي القيامـة والعنصرة وذلك حتى القرن الثالث الميلادي. وتم إضافـة عيدين فى القرن الرابع هـما عيد الميلاد وعيد الظهور الإلهـي (الإبيفانيـا). وتم إضافـة أعياد للقديسة مريم العذراء من بدء القرن الخامس الميلادي. ثـم بدء فـى زيادة الأعياد حيث كان ذلك فـى سلطة الأساقفة الـمحلييـن لدرجـة أنـه مع القرن الحادى عشر وفى ظل الإمبراطوريـة البيزنطيـة كان هناك أكثـر من 66 عيداً يتم الإحتفال بهـم. ومع بدء القرن السابع عشر تم تحديد الأعياد الدينيـة عامـة بـما فيهـا الأعياد الـمريمية بقرار من السلطات الكنسية وفيهـا تم تحديد إذا ما كان العيد يتم الإحتفال بـه محليـاً فى منطقة أو إقليم مـا أو فى الكنيسة الكاثوليكية جمعاء فى العالـم كله، وأيضاً تحدد درجـة أهـمية ذلك العيـد.

الأعياد الـمريـمية:

يمكن تقسيمهـا عامـة كالتالـى:

  1. تذكارات لأحداث تاريخية ورد ذكرهـا فـى الإنجيل الـمقدس (كعيد البشارة).
  2. أعياد لذكرى إعلان الكنيسة لحقيقة إيـمانيـة عن مريم العذراء (كعيد الحبل بلا دنس من الخطيئة الأصليـة).
  3. أعياد لذكرى أحداث مستقاة من التقليد الشفوي (كعيد دخول مريم العذراء للهيكل).
  4. أعياد لذكرى ظهور العذراء فـى بلدة مـا(لورد أو فاطيمـا).
  5. وتضيف الكنيسة إلـى هذه الأعياد أعياداً أخرى أُدخلت بـمناسبة تدشين كنيسة أو تكريس إيقونة للعذراء، أو تقديم إكرام خاص للعذراء (الـمسبحة الورديـة).

ومعظم هذه الأعياد يرافق مراحل حياة العذراء منذ البشارة بميلادهـا ثم الحبل بهـا ومولدهـا ودخولهـا الى الهيكل، ثم بشارة الملاك جبرائيل لها، وزيارتهـا للقديسة أليصابات، ثم ميلادهـا الـمسيح وتهنئتهـا بهذا الـميلاد والإحتفال بأمومتها الإلهية، ثم تقدمة إبنهـا إلـى الهيكل ثم وجودهـا فى عرس قانا الجليل ووقوفهـا عند الصليب ورقادهـا ثم إنتقال جسدهـا للسماء.

والأعياد الـمريمية يمكن أيضاً تقسيمـهـا إلـى أربع أنواع حسب درجـة أهـميتهـا:

1. أعياد مقدسة كبرى

وهـى التى يلزم فيهـا حضور القداس الإلهـي والتناول، وكما أعلنهـا البابا بولس السادس هـى أعياد هامـة:عيد الأمومـة الإلهية( اول يناير)، عيد الحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية (8 ديسمبر)، عيد إنتقالهـا بالنفس والجسد الى السماء (15 أغسطس)، وعيد بشارتها بميلاد السيد المسيح (25 مارس).

2. أعيـاد إحتفاليـة

مثل عيد ميلادهـا (أول بشنس فى الكنيسة القبطية و 8سبتمبر فى الكنيسة الكاثوليكية)، وعيد

دخولهـا الهيكل (3 كيهك فى الكنيسة القبطية و21 نوفمبر فى الكنيسة الكاثوليكية).

3. أعيـاد تذكاريـة:

مثل ذكرى دخول العائلة المقدسة لأرض مصر (24 بشنس فى الكنيسة القبطية).

4. تذكارات إختياريـة:

مثل ذكرى تدشين أول كنيسة بإسم العذراء.

والإحتفال بالأعياد الـمريـمية يتم عمومـاً فـى جميع الكنائس الكاثوليكية سواء فى الشرق أو الغرب وأيضاً فى الكنائس الأرثوذكسية والبيزنطية و أيضاً فى بعض الطوائف الأخرى الـمسيحية كالكنيسة الأسقفية. ولكل كنيسة طقسهـا الخاص فى الأعياد الطقسية: الأقباط الكاثوليك غير الروم الملكيين، وغير السريان، وغير الكلدان، وغير الأرمن، وغير اللاتين وهكذا. والكنائس الكاثوليكية غير الكنائس الأرثوذكسية. وفى الكنائس الأرثوذكسية: الأقباط الأرثوكس غير الروم

الأرثوذكس، وغير السريان الأرثوذكس.

وقائـمة الأعيـاد والتذكارات الـمريـمية فى الكنيسة الكاثوليكية تم تغييرهـا بعد المجمع الفاتيكانـى الثانـي (1964) فتم إضافـة أو حذف أو إدماج البعض حتى انـه وصل عددهـا الآن إلـى 14 عيداً إحتفاليـاً فقط بعد أن كانت 21 عيداً قبل عام 1969وتلك هـى التى قررت فيهـا الكنيسة ضرورة أن يتم الإحتفال بهـا فى جميع الكنائس الكاثوليكية فـى العالـم. وقد تزداد الأعياد الـمريمية فى بعض الكنائس الشرقية أو الغربيـة كما سبق شرحه نتيجة لإضافـة بعض التذكارات

والأعياد التى يتم الإحتفال بهـا محليـاً.

وما يلي قائمة بأهـم تلك الأعياد والتذكارات الـمريـمية على مدار العام وهـى كالآتـي:

  1. عيد مريم أم الله أو عيد الأمومة الإلهية –1 ينايـر
  2. عيد الظهور الإلهـى أو تذكار زيارة الـمجوس –6 ينايـر
  3. تذكار خطوبـة مريم العذراء للقديس يوسف –23 يناير
  4. عيد تقديم الطفل يسوع فى الهيكل – 2 فبرايـر
  5. تذكار ظهور مريم العذراء فى مدينة لورد –11 فبراير
  6. عيد البشارة – 25 مارس
  7. عيد مريم أم الـمشورة الصالحة – 26 أبريل
  8. عيد مريم وسيطـة كل النِعمْ – 8 مايو
  9. تذكار ظهور العذراء فى بلدة فاطيما –13 مايو
  10. عيد مريم معونة الـمسيحيين –24 مايو
  11. تذكار زيارة مريم العذراء للقديسة أليصابات –31 مايـو
  12. تذكار زيارة العائلة الـمقدسة لـمصر – 1 يونيو
  13. عيد مريم العذراء أم الرحمة أو عيد قلب مريم الطاهر – 9 يونيو
  14. عيد مريم سيدة المعونـة الدائـمة –27 يونيو
  15. تذكار مريم العذراء حالة الحديد – 28 يونيو
  16. عيد قلب مريم الطاهـر (السبت التالـي لعيد قلب يسوع الأقدس وهو أول سبت في يوليو)
  17. عيد سيدة الكـرمـل –16 يوليو
  18. عيد مريم سلطانـة الملائكة –2 أغسطس
  19. عيد البشارة بميلاد مريم العذراء –12 أغسطس
  20. عيد مريم ملجـأ الخطـأة – 13 أغسطس
  21. عيد إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد للسماء– 15 أغسطس
  22. عيد تكليل مريم سلطانة على السموات والأرض–22 أغسطس
  23. عيد ميلاد مريم العذراء – 8 سبتمبر
  24. عيد اسم مريم الـمقدس – 12 سبتمبر
  25. عيد مريم سيدة الأحزان – 15 سبتمبر
  26. عيد مريـم سيدة الورديـة- 7 أكتوبـر
  27. عيد مريـم أم الكنيسة – 11 أكتوبـر
  28. عيد تقديم او دخول مريم العذراء للهيكل – 21نوفمبر
  29. تذكار الأيقونـة العجائبيـة – 27 نوفمبر
  30. عيد الحبل بالعذراء بلا دنس – 8 ديسـمبر
  31. تذكار سيدة جوادالوبGuadalupe بالـمكسيك – 12 ديسمبر
  32. عيد العائلة المقدسة – 28 ديسمبر
  33. عيد ميلاد السيد الـمسيح – 25 ديسمبـر

ألقديسة مريم وألقابها[17]

عبر السنوات منذ فجر المسيحية وحتى أيامنا هذه وهناك العديد من الألقاب والصفات والتى أُطلقت على القديسة مريم العذراء أم يسوع، حتى انه قيل ان هناك أكثر من ستة ألاف إسم ولقب أو صفة قد أُطلقت عليها. أن هذا الكم الهائل من الألقاب لهو ثمر الإكرام الذى تناقل عبر الأجيال والمرتبط عادة بالظهورات التى تمت فى دول العالم المختلفة، وبالإحتياجات والأنشطة البشرية وأحداث صاحبت تاريخ الخلاص، والألقاب المرتبطة بالتعاليم اللاهوتية وغيرها. وإذا ما إستعرضنا مثلاً صلوات الكنيسه فنجد انها زاخرة بألقاب وأوصاف السيدة العذراء تحتاج منا الى بحث طويل لتظهر منها بعض أبعاد علاقة المؤمنين بالعذراء ومكانتها في الكنيسة.

ويمكن تقسيم الألقاب حسب ما يلي:

  1. ألقاب تعود الى ما ذُكر عنها فى الكتاب المقدس مثل آمة الرب وإبنة صهيون..الخ.
  2. ألقاب تعكس ما أعلنته الكنيسة الكاثوليكية من حقائق وعقائد إيمانية مثل أم الله والبتولية الدائمة..الخ.
  3. ألقاب تعكس رموز لاهوتيـة كحواء الجديد والعذراء..الخ.
  4. ألقاب تحمل ما تحتفل به الكنيسة فى طقوسها من أعياد للقديسة مريم كعيد الشارة وعيد دخولها الهيكل وزيارة العائلة المقدسة لمصر..الخ.
  5. ألقاب تحمل فى أصلها ما وضعته بعض الكنائس المحلية فى صلواتها كسيدة الرحمة وسيدة المعونـة..الخ.
  6. ألقاب تعود الى بعض الإكرامات التى وافقت عليها السطة الكنسية كطلبة العذراء مريم

المجيدة والتى تحمل العديد من الألقاب والصفات.

  • ألقاب تعود الى أماكن ظهورات مريم العذراء وما صاحبه من معجزات والتى وافقت عليها السلطات الكنسية سواء مباشرة او غير مباشرة كسيدة لورد وسيدة جبل الكرمل..الخ.
  • ألقاب كنتيجة الى تقليد تناقلته الأجيال ولم يحظ بإهتمام خاص من الكنيسة مثل سيدتنا Our Lady…الخ.

ويمكن تقسيم تلك الألقاب بطريقة اخرى على النحو التالي:

  1. علاقة مريم العذراء بالله مثل لقب أم الله..الخ.
  2. علاقة مريم العذراء بالله الإبن مثل لقب أم يسوع، أم الإبن، أم القدوس..الخ.
  3. علاقة مريم العذراء بالروح القدس مثل لقب “العروس”..الخ.
  4. علاقة مريم العذراء بالكنيسة والمؤمنين مثل “الشفيعة”، “أمنا”..الخ.

ومهما كانت التقسيمات لتلك الألقاب فأسبابها يرجع الى مايلي:

  1. بسبب طبيعة شخصية مريم العذراء الفائقة، فهى آمة للرب وفتاة يهودية مؤمنة يصعب أن تُوصف فيكفي أنها أختيرت لتكون أما لله بالجسد، وبالتالي فوصف روعة شخصيتها يرتبط بالعديد بالألقاب.
  2. بسبب علاقتها الفريدة بإبنها كأم والذى يعكس مقدار شفاعتها عند إبنها وحيث ان

إحتياجات البشر لا حصر لها فلهذا إلتجأ اليها الجميع طلباً لشفاعتها القوية وأدى هذا

لإطلاق العديد من الألقاب مثل “شفاء المرضى”، “ملجأ الخطأة”، “أم الكنيسة المتألـمة”، “الشفيعة المؤتمنة لدى إبنها”، و”معونـة النصارى”..الخ.

  • الكثير من الألقاب يرجع الى أسباب جغرافية وثقافية، فلا يخفى انه ليس فقط كل قطر بل كل مدينة أو قرية بها مزار للعذراء مريم وتتخذها شفيعة للبلدة او القطر، ولدرجة انهم صوروها بصورة تتناسب مع بلدتهم ولهذا تعددت الألقاب مثل سيدة شيستوهوفا وسيدة مصر وسيدة أمريكا..الخ.

مريم فى الطقوس الكنسية

احتفظت الكنيسة بنصوص وعقائد إيمـانية لتكريم مريم العذراء كما تسلمته من الرسل والأباء الأوائل (التقليد). وهذا التقليد (اي انها غير منصوص عنها فى الكتاب المقدس) حفظته الكنيسة كميراث روحي عن أباء العصور الأولـى. والتقليد فى المفهوم الروحي واللاهوتي لا يفيد مجرد عمل من الأعمال القديمة فى الكنيسة أو عادة من العادات التى وضعها القدماء، ولكن التقليد يفيد بالدرجة الأولى خبرة روحية عاشها أناس روحيون أتقياء مشهود لهم، ثم حافظ عليها أبناؤهم والأجيال التالية نتيجة إقتناع وإختبار أيضا.

كنيستنا القبطية تقدم للعذراء مريم تطوبيا وافراً وتمجيداً لائقاً بكرامتها السامية. وإذ نتتبع صلوات التسبحة اليومية ومزامير السواعى والقداس الإلهى نجد تراثاً غنياً من التعبيرات والجمل التى تشرح طوباويتها وتذكر جميع الأوصاف التى خلعتها عليها الكنيسة، وهى مأخوذة عن أصالة لاهوتية، وكلها من وضع آباء قديسين ولاهوتيين، استوحوها من الله، ومن رموز ونبوات العهد

القديم، التى تحققت فى شخصية العذراء.

ويمكننا القول بأن العذراء مريم تظهر فى القداس الإلهي عن طريق طقس القداس، وكلماته،

وألحانـه.

  • فى طقوس وصلوات وألحان القداس الإلهـي:

القداس الإلهي يزخر بالعديد من المردات والألحان تختص بالعذراء مريم. هنا يجرى ذكرى تطويب العذراء فى حوالى عشر أجزاء مثل:

 فى لحن البركة: وقبل رفع الحمل يقال النشيد الكنسى للعذراء ومطلعة: “السلام لمريم الملكة ونبع الكرمة والتى لم تشخ…”.

 بعد صلاة الشكر: ترتل فى الصوم المقدس إعداد من (مزمور 87) الذى يشير إلى العذراء باعتبارها مدينة الله المقدسة وهى: “أساساته فى الجبال المقدسة..”.
 عند رفع بخور البولس: يقال فى الأعياد وأيام الفطر لحن: “المجمرة الذهب هى العذراء

وعنبرها هو مخلصنا. ولدته وخلصنا وغفر لنا خطايانا…”.

وفى أيام الصوم يستبدل هذا اللحن بالآتي:”أنتِ هى المجمرة الذهب النقي الحاملة جمر النار

الـمبارك..”.

-المرد الذى يقال على رأس طلب شفاعات وطلبات الملائكة والرسل والشهداء والقديسين (الهـيتينيات)

– ترنيمة “إفرحي يا مريم العبدة والأم لأن الذى فى حجرك الملائكة تسبحه والشاروبيم يسجدون له بإستحقاق والسارافيم بغير فتور…ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك وشفاعتك يا سيدتنا كلنا والدة الإله..” ويسمى هذا اللحن اسبسموس ومعناه تحية حارة.

مرد الإبركسيس (سفر أعمال الرسل) السنوي:”السلام لكِ يا مريم الحمامة الحسنة التى ولدت لنا الله الكلمة..”.

 مردات الإنجيل: وهذه تختلف فى الأحدين الأولين من شهر كيهك عنها فى الأحدين الآخرين فضلاً عن طلب شفاعتها فى أيام السنة العادية بعد تطويب قديس كل يوم.

ترنيمة الشعب بعد صلاة الصلح فى القداس الباسيلي : “بشفاعة والدة الإله القديسة مريم، يارب

أنعم علينا بمغفرة خطايانا”.

ترنيم الشعب فى القداس الغريغوري بعد صلاة الصلح “ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح

سوى طلباتك يا سيدتنا كلنا والدة الإله”

 فى قانون الإيمان: أبرزت الكنيسة أهمية شخصية العذراء مريم كوالدة الآلة فى التقليد الكنسى، بعد انعقاد مجمع أفسس مباشرة سنة 431م، وذلك لضبط مفهوم التجسد الإلهى ومقاومة بدعة نسطور. وهكذا أضافت مضمون العقيدة التى أقرها هذا المجمع فى مقدمة قانون الإيمان والتى

مطلعها: “نعظمك يا أم النور الحقيقى…”.

فى مجمع القديسين طبقاً لمركز العذراء فى الطقس الكنسى يطلب الكاهن شفاعتها على رأس قائمة أعضاء الكنيسة المنتصرة فى صلاة المجمع عند طلب شفاعة القديسين نقول:” أذكر يارب جميع القديسين الذين أرضوك منذ البدء..وبالأكثر القديسة الـمملوءة مـجداً كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم التى ولدت لنا الله الكلمة..وجميع القديسين بصلواتهم وطلباتهم

ارحمنا كلنا معاً من أجل ابنك الحبيب يسوع المسيح الذى نحمل اسمه القدوس”.

فى خِتام القداس يقول الكاهن عند إعطاء بركة التسريح:”بالسؤلات والطلبات التى تلافعها عنا

كل حين والدة الإله مريم وصفوف القديسين”.

ويمكن القول بأن فى كل كلمة أو لحن وردت فى القداس الإلهي ذكر فيها العذرا ء مريم، انـما تنم عن الأمور الأتية:طلب شفاعتها، وإبراز علاقتها بسر التجسد، وتكريمـها كأم المسيح الفادي.

ب. طقس القداس وأدواتـه مثل مجمرة البخور حيث تحوي فى داخلها النار والعذراء حوت فى داخلها النار الآكلة (تثنية24:4)، وايضا الصينية الـمقدسة التى يوضع فيها الجسد الكريم حيث تمثل بطن العذراء حيث وضع جسد المسيح، وفوق حامل الأيقونات حيث يوضع صورة العذراء على الجانب الأيمن عملا بالقول الإلهي “جعلت الملكة عن يمينك”(مزمو ر 45)، وغيرها من الرموز.

والعذراء مريم إذ توجد فى القداس الإلهي فهذا ليس معناه اننا نقدم العبادة لها، ولكن نشركها معنا فى الصلاة ونطلب من الـمسيح بشفاعتها.

ت. فى صلوات الأسرار الطقسية

نجد فى كل الممارسات الطقسية سواء فى سر الـمعمودية المقدسة، وسر الـميرون الـمقدس، و سر

الزواج الـمقدس، وسر الكهنوت، وسر مسحة المرضى نداء وتشفع للعذراء مريم أم يسوع

المخلّص لينال الـمؤمن النعمة الإلهية الكامنة فى تلك الأسرار.

ث. فـى صلوات الأجبيـة

صلوات الأجبية: وهى تشمل صلوات الساعات كالتالي:صلاة باكر-صلاة الساعة الثالثة-

السادسة-التاسعة-الغروب-النوم-ثم صلاة الستار (خاصة بالرهبان)- وصلاة نصف الليل. ولقد رتبت الكنيسة القبطية تلك صلوات لمساعدة المؤمنين على الصلاة ويقول التقليد الكنسي ان الصلوات قد تسلمتها الكنيسة من الرسل أنفسهم حيث كانوا يمارسون هذه الصلوات فى مواعيدها كما جاء فى سفر اعمال الرسل.

فى صلاة باكر وفى القطعة الثالثة نقول:”أنت هى أم النور المكرمة من مشارق الشمس الى

مغاربها يقدمون لك تمجيدات ياوالدة الإله السماء الثانية لأنك هى الزهرة المنيرة غير المتغيرة والأم الباقية عذراء لأن الأب اختارك والروح القدس ظللك والإبن تنازل وتجسد منك فإسأليه أن يعطي الخلاص للعالم الذى خلقه وأن ينجيه من التجارب ولنسبحه تسبيحاً جديداً ونباركه الآن وكل آوان…”.

وفى مقدمة قانون الإيمان نقول:”نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك ايتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا”. وأُضيف هذا النص كنتيجة لمضمون العقيدة التى أقرهـا مجمع أفسس عام 431 فيما يختص بكرامة مريم العذراء والتى لُقبت “حاملة الإله” او “والدة الإله” أو “ثيؤتوكوس”. وهذا القانون يتلى فى صلوات الكنيسة الجامعة وفى رفع بخور عشية وباكر وفى خدمة القداس الإلهي قبل تقديم الحمـل وفى صلوات مزامير باكر والنوم ونصف الليل.

وفى صلاة باكر نقول:”السلام لك ايتها العذراء الملكة الحقيقية، السلام لفخر جنسنا ولدت لنا عمانوئيل، نسألك ايتها الشفيعة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح ليغفر لنا خطايانا”.

وفى ختام صلاة باكر نقول أيضا:”السلام لكِ نسألك ايتها القديسة الممتلئة مجداً العذراء كل

حين والدة الإله أم المسيح أصعدي صلواتنا الى إبنك الحبيب ليغفر لنا خطايانا، السلام للتي ولدت لنا النور الحقيقي المسيح إلهنا العذراء القديسة سلي الرب ليصنع رحمة مع نفوسنا ويغفر لنا خطايانا أيتها العذراء مريم ووالدة الإله القديسة الشفيعة الأمينة لجنس البشر إشفعي فينا لدى المسيح الذى ولدتيه لكي يُنعم لنا بغفران خطايانا. السلام لكِ ايتها العذراء الملكة الحقيقية. السلام لفخر جنسنا ولدت لنا عمانوئيل، نسألكِ أذكرينا ايتها الشفيعة المؤتمنة أمام ربنا يسوع المسيح ليغفر لنا خطايانا”.

وفى صلاة الغروب نقول:”هيئي لـي أسباب التوبة ايتها العذراء فإليك أتضرع وبك أستشفع لئلا أخزى وعند مفارقة نفسي من جسدي أحضري عندي ولمؤامرة الأعداء إهزمي ولأبواب الجحيم أغلقي لئلا يبتلعوا نفسي ياعروس بلا عيب”.

وفى صلاة النوم نقول:”أيتها العذراء الطاهرة أسبلي ظلك السريع المعونة على عبدك وابعدي

أمواج الأفكار الرديئة عني وأنهضي نفسي المريضة للصلاة والسهر، لأنها استغرقت فى سبات

عميقة فإنكِ أم قادرة رحيمة مُعينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع”.

مريم العذراء فى طقوس الكنائس الأخــرى

تمتلئ فى الطقس البيزنطي والقبطي والسرياني والأرميني والكلداني والحبشي

والمارونـي بالنصوص عن دور العذراء وشفاعتها. وفى عام 1921 أدخل فىالطقس اللاتيني خدمة قداس خاص عن مريم.

مريم فى التسابيح والترانيم

ترانيم العذراء والتى تتغنى بها الكنائس كلها فى مديح العذراء منذ قديم الزمن تحمل فى كلماتها وأبياتها فحوى إيمان الكنيسة عبر الأجيال بمكانة مريم وقوة شفاعتها. فالألحـان والتسابيح و”الثيؤتوكيات” حوت العديد من المبادئ للعقائد التى كانت الكنيسة تختزنها فى تقاليدها من العصور الأولى للمسيحية.

1. التسبيح : هو الصلوات المنغومة الخالية من الطلب إلاَّ من طلب غفران الخطايا والرحمة. ويشمل صلوات الشكر والتمجيد والبركة. وهو إعلان لحالة الفرح الداخلي التي يعيشها المؤمن حتى في أيام الحزن. وهذا يفسر لماذا تصلي الكنيسة بالتسابيح حتى في البصخة والجنازات.

2. الإبصالية: “إبصالية” كلمة مأخوذة من الكلمة القبطية “إبساليموس” أي مزمور وهى ترانيم زجلية موزونة ومرتبة فى الغالب حسب الحروف الأبجديـة فى اللغة القبطية، وهناك إبصالية ( ترتيلة) لكل يوم من أيام الأسبوع. وهي تُقال لاسم ربي يسوع، ونلاحظ تكرار اسم الرب يسوع في كل الأرباع تقريباً. وهناك أيضاً إبصاليات للقديسين، وإبصالية خاصة بالسيدة العذراء تُقال يوم الأحد، وأيضاً إبصاليات خاصة بكل عيد أو صوم أو مناسبة كنسية.

3. الثيئوتوكيات: وهى مأخوذة من الكلمة اليونانية “ثيئوطوكية”، وهى تعنى “ما يخص والدة

الإله، وهى قطع للتسبيح الروحي ورفع القلب لله من خلال تطويب العذراء. وهى عبارة عن أوصاف ومشابهات رمزية بين العذراء مريم وبين رموز العهد القديم فيما يتعلق بصلتها بحلول الله الكلمة فيها.وتستخدم ايضاً كلمة “تذاكية” وهى كلمة يونانية ومعناها لوالدة الإلـه.

4. الهوسات: وهى مأخوذة من الكلمة القبطية “هوس” وتعنى “سبحوا” أو “تسبحة” ومن أمثلتها

تسبحة موسى النبي التى رنمها مع الشعب بعد إجتيازه البحر الأحمر (خروج1:15-21)،

وتسبحة داود النبي (مزمور 135)، وتسبحة الثلاثة فتية التى ترنموا بها وهو فى وسط آتون

النار (دانيال)، ومزامير الشكر والتعظيم لله (مزمور148و 149و 150)، ففي المزمور 148 تُسبِّح الطبيعة كلها وكافة المخلوقات رب القوات، وفي المزمورين 149، 150 تحث الإنسان أشرف مخلوقات اللـه على التسبيح..ويوجد في الكنيسة أربعة هوسات سنوية، كما يوجد هوسات خاصة بشهر كيهك، وبأعياد الميلاد والغطاس والشعانين والقيامة. وما يُطلق عليه الهوس الكبير ما هو إلا عبارة عن مزامير تتحدث عن المناسبات، تبدأ بلحن طويل وتكمل بطريقة سريعة.

5. ذكصولوجيا: وهى كلمة يونانية معناها تمجيد. وفيما يلي بعض من القطع الواردة فى طقس الكنيسة القبطيـة:

– “طوباكِ أنتِ يا مريم الحكيمة العفيفة القبة الثانية الكنز الروحي. اليمامة النقية التي نادت في أرضنا وأينعت لنا ثمرة الروح” من ذكصولوجية العذراء .
 كل الأجيال فرحت ومازالت تفرح بالقديسة مريم لأنها ولدت المُخلِّص. ونحن نقول في ثيؤطوكية الخميس : لأنها مُـكرمة جداً عند جميع القديسين ورؤساء الآباء لأنها أتت لهم بمن كانوا ينتظرونه. كذلك الأنبياء الذين تنبأوا من أجله بأنواع كثيرة وأشباه شتى بأنه يأتي ويُخلِّصنا. السلام لكِ يا مريم ابنة الملك داود : لما بشر الملاك العذراء بالحبل الإلهي قال لها : ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً، وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية. ودُعيَ داود أبـو المسـيح لأن العـذراء مريـم هـيَ ابنـة داود. أي مـن نسـله.

 السلام لكِ يا مريم نعمة إبراهيم: كما آمن إبراهيم بأن اللَّـه سيعطيه نسلاً كنجوم السماء بالرغم من شيخوخته وموت مستودع سارة. هكذا العذراء مريم آمنت بقول الملاك لها: ها أنتِ ستحبلين و تلدين ابناً وتسمينه يسوع، وبقوله: الروح القدس يحل عليكِ، وقوة العلي تظللكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعَى ابن اللَّـه. فقالت له: هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك.

السلام لكِ يا مريم فخر يهوذا :السيد المسيح هو الأسد الخارج من سبط يهوذا، والعذراء مريم

مِن نسل يهوذا وبسبب ولادتها العجيبة للمسيح ـ الإله المتجسد لخلاص العالم ـ طوَّبتها جميع

الأجيــال. فكــانت ســبب فخــر يهــوذا أبيهــا.

السلام لكِ يا مريم نعمة إبراهيم : كما آمن إبراهيم بأن اللَّـه سيعطيه نسلاً كنجوم السماء بالرغم من شيخوخته وموت مستودع سارة. هكذا العذراء مريم آمنت بقول الملاك لها: ها أنتِ ستحبلين و تلدين ابناً وتسمينه يسوع، وبقوله: الروح القدس يحل عليكِ، وقوة العلي تظللكِ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منكِ يُدعَى ابن اللَّـه. فقالت له: هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك.
 ترتيب تسبحة نصف الليل اليومية ثيؤطوكية الجمعة :

 تتحدث عن كرامة السيدة العذراء مريم، التي فاقت السماء والأرض. لأنها استحقت أن تحمل داخلها الذي أنعم على البشرية بالفداء، ونتأمل في فضائلها التي أعطتها الاستحقاق أن تكون أم اللـه

 ترتيب تسبحة نصف الليل اليومية ثيؤطوكية السبت :

 هيَ عبارة عن تطويب للسيدة العذراء العفيفة التي قدَّمت لنا اللـه محمولاً على ذراعيها. لذا

نرتل : السلام لكِ يا ممتلئة نعمة، السلام لكِ يا من وجدت نعمة، السلام لكِ يا مَن ولدتِ

المسيح، الرب معكِ.

 ترتيب تسبحة نصف الليل اليومية :

 الهوس الثالث : هو تسبحة الثلاثة فتية القديسين وهم في أتون النار ومعهم السيد المسيح،

وهو جزء من سفر دانيال. وهنا تصل الكنيسة إلى قمة إستعلان ابن اللَّـه فيها، فتشعر بالتعزية لعناية اللَّـه بأولاده وهو يتمشى معهم وسط نار هذا العالم ويحولها إلى ندى بارد.

 السلام لكِ يا مريم تهليل يعقوب :

رأى يعقوب حلماً وهو هارب من وجه أخيه عيسو : إذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس

السماء وهوذا ملائكة اللـه صاعدة ونازلة عليها. فالسلم يرمز إلى السيدة العذراء مريم التي حلّ

الرب في بطنها. فقد كان التجسد بداية الصلح بين السماء والأرض.

 السلام لكِ يا مريم كرامة صموئيل : ولادة صموئيل النبي وولادة العذراء متشابهتين. كانت حنة أم صموئيل عاقراً، وتضرعت للرب أن يعطيها نسلاً فتجعله نذيراً له. فأعطاها الرب صموئيل. فخدم الرب في الهيكل. نفس الأمر تكرر مع العذراء مريم. فقد كانت أمها حنة عاقراً، وتضرعت للرب ونذرت نسلها له. فأعطاها الرب العذراء مريم، التي خدمت في الهيكل قبل أن يعطوها ليوسف النجار.

 السلام لكِ يا مريم خلاص أبينا آدم : لقد مات آدم مطمئناً بعد سماع الوعد بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية (الشيطان). وفي ملء الزمان جاء السيد المسيح مولوداً من امرأة( مريم العذراء) ومات على الصليب ليخلص آدم وجميع الصديقين الذين ماتوا، وأدخلهم الفردوس.

من بعد هذا العرض السريع للترتيب الكنسى الخاص بالسيدة العذراء، نلاحظ مقدار الغنى والوفرة فى الصلوات والتسابيح المخصصة لتطويب وتمجيد العذراء مريم، كما تقضى الكنيسة يوميا عدة ساعات فى تكريم العذراء بالتسابيح الرائعة والألحان الرقيقة والمردات التشفعية المنسكبة.

أمـا عن التراتيل والترانيم والتمجيدات فيوجد العديد منها فى جميع الكنائس التقليديـة (الكاثوليكية

والأرثوذكسية) وهى تحمل تعابير الحب يرفعها المؤمنون للعذراء مريم ام يسوع وامنا طالبين

شفاعتها وصلواتها معنا.

مريم العذراء والصور والأيقونات[18]

ينكر البعض ما فى الكنيسة من صور وأيقونات ومن تماثيل ويعتبرون كل ذلك ضد الوصية الثانية القائلة : ” لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. ولا تسجد لهن ولا تعبدهن ( حزوج20 : 4، 5، تثنية الإشتراع 5 : 8، 9). وقد قامت حرب ضد اليقونات في القرن الثامن الميلادى سنة 726م أيام الأمبراطور ليو الثالث، واستمرت بضعة قرون وهدأت. ثم عادت مرة أخرى في البروتستانتية منذ القرنين الخامس عشر والسادس عشر واستمرت في معتقداهم حتى الآن. وللرد على ذلك نبين فيما يلي حكمة الكنيسة في وجود الأيقونات وما فيها من الفوائد الروحية:

لقد منع شعب العهد القديم من صنع الأصنام والصور وعبادتها : “لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة مما فى السماء من فوق وما فى الأرض من تحت وما فى الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهم” (خر 20: 4، 5). إن المعنى الحقيقى لهذه الوصية واضح فيما قبله من آيات : “أنا الرب إلهك الذى أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية. لا يكن آلهة أخرى أمامى” (خر 20: 2، 3)، فالغرض من الوصية ألا ينقاد الشعب إلى عبادة غريبة عن الله، خاصة وأنهم كانوا قد خرجوا للتو من أرض مصر التى تلوثت بعبادات وثنية عديدة وآلهة كثيرة وكانوا – وقتئذ وحتى مجئ المسيح – محاطه بأمم كثيرة تعبد آلهة عديدة مصورة فى تماثيل وأحجار وألواح… لذلك كان يؤكد الله عليهم دائماً آلا يختلطوا بالأمم وألا يتنجسوا بعباداتهم الرديئة “أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى” (اش 6:44) ومع ذلك فقد سقط الشعب الإسرائيلى مراراً عديدة فى العصيان وعبادة الأوثان لذلك كان من المنطقى أن يشدد الله عليهم آلا يلتفتوا إلى النحوتات ومصنوعات الأيادى والصور وأن يعبدوا فقط الله غير المنظور

ومع وجود هذا المنع القاطع إلا أن الله قد أوص شعبه فى العهد القديم أن يصنع بعض الأدوات

المادية التى تساعد فى العبادة وأن تنال هذه الأدوات كرامة وتقديساً يليق بالله الحاضر فيها

والمعلن عنه بواسطتها مثل:

لوحى العهد : “ثم قال الرب لموسى أنحت لك الوصية من حجر مثل الأولين. فأكتب أنا على اللوحين الكلمات…” (خر 1:34) ولا شك أن هذين الوصية قد نالا كرامة ومجداً واحتراماً من بنى إسرائيل ولم يكن أحد يجرؤ أن يلمسها أو حتى أن ينظر إليهما إذ قد حفظا فى التابوت الذى لا يلمسه أحد به يحمله اللاويون بطقس خاص دون أن يلمسوه ومع كل هذا التوقـير الزائد للالواح لم يكن يعتبر هذا انحراف أو عيادة ألواح.

 محتويات خيمة الاجتماع : وقد شرح الرب لموسى أدق تفاصيل صناعة التابوت والمائدة والمذبح مرحضة النحاس والمسكن وكل هذه كانت تعامل بوقار وهيبة ولا يقترب إليها إلا اللايون باستعدادات خاصة وبطرق خاصة حتى أنه عندما “مد عزة يده إلى تابوت الله وأمكن لأن الثيرات انشمصت، محمى غضب الرب على عزة وضربه الله هناك لأجل غفلة فما، هناك لدى تابوت الله”(2صم6:6-7).

 تماثيل أخرى : فقد أوصى الله بعمل تمثالين من الذهب للكاروبيم “وتصنع كروبين من ذهب. صنعة خراطة تصنعهما على طرفى الغطاء. فاصنع كروبا واحداً على الطرق من هنا. وكروبا آخر على الطرق من هناك. من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفين. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتها على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر. نحو الغطاء يكون وجهاً الكروبين” (خروج 25: 18-20) وهذا الكاروبان اسماها معلمنا بولس”كاروبا المجد” (عبرانيين5:9)

 فى هيكل سليمان : “وعمل فى لامحراب كروبين من خشب الزيتون على الواحد عشر أذرع… وشكل واحد الكروبين… وغشى الكروبين بذهب. وجميع حيطان البيت فى مستديرها رسمها نقشاً بنقر كروبيم ونخيل وبراعم زهور من داخل ومن خارج… ورسم عليها نقش كروبيم ونخيل وبراعم زهور… وبنى الدار الداخلية ثلاثة صفوف منحوته وصفاً من جوائز الأرز” (1مل 6: 23-36) وأشكال أخرى كثيرة عملها الملك سليمان نعمل تماثيل لأثنى عشر ثوراً يحملون حوضاً كبيراً للمياه له شفة منقوشة بمنظر قثاء مستديراً صغير والشفة نفسها كمثل شفى كأس بزهر سوسن (راجع 1مل 7: 23-26)، ومناظر أسود وثيران وقلائد زهور وأكاليل أعمده مزينة برمانات… الخ(راجع1ملوك7: 29-50). هذا يدلنا على أن الله عندما أوصى بعدم عمل صور وتماثيل لم يخطر استعمال أدوات للعبادة ولكنه منعاً قاطع عبادة الأوثان وتألين المادة.

أما فى عهد النعمة فلقد تغير الوضع بسبب التجسد:

– التجسد قدس المادة وأعاد إليها بهاءها الأول وإمكانية اتحاد الله بالإنسان وتجليه فى المادة

 – صار الله حاضراً فينا ورأيناه وتلامسنا معه فلم يعد قريباً لذهن الإنسان أن يتخيل الله فى شكل وثن كما حدث قديماً بسبب احتجاب الله وانحجاب موفته
– ترقت البشرية وصار الله يعاملها كالبنين الناضجين “سمعتم أن قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم…” فلم تعد هناك رعبة انحراف العبادة إلى الأوثان.
 – الله بتجسده قد جدد طبيعتنا الساقطة الفاسدة وجعلنا مشابهة صورته “لأن الذين سبق نعرفهم سبق نعينهم ليكونوا مشبها ينه صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين” (رو 29:8)، “الذى سينير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده” (فى 21:3)، لذلك صار فى إمكاننا أن نعاين الصورة الأصلية للإنسان التى قصدها الله فى أدم… نراها فى أولئك الذين جددهم المسيح بتجسده وحفظوا بطهارتهم نقاوة الصورة فلبسوا “صورة السماوى” 1كورنثوس 49:15)، “ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما فى مرأة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح” (2كو 18:3). فالأيقونة الكنسية لا ترسم شخصياً عادياً (كالفوتوغرافى) ولكنها ترسم “الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق” (أفسس 24:4).

طقس تدشين الأيقونات:

– التدشين هو التكريس أى التقديس والتخصيص لله… فتصير الأيقونة بعد تدشينها أداة مقدسة لإعلان حضور الله بفعل الروح القدس ؛ لذلك وجب تكريمها والتبخير أمامها وتقبيلها بكل وقار – يقوم بطقس التدشين الأب الأسقف وليس غيره… والأصل فى ذلك أن كل أعمال الكهنوت كالمعمودية والأفخارستيا وسيامات الكهنوت والشمامسة والتدشين والزواج وغيره كان يقوم بها الأب الأسقف ويعاونه فى ذلك الأباء الكهنة… وعندما اتسعت المسيحية وكثر المؤمنون وظهرت الحاجة ملحة إلى ممارسات كهنوتيه فى كل مكان وفى أطراف الإيبارشيات، سمح للكاهن بأن يمارس الممارسات المتكررة كالمعمودية والافخارستيا والزواج ومسحة المرضى وغيره… أما الطقوس التى قد تمارس مرة واحدة فى العمر وفى مناسبات نادرة مثل تدشين الكنائس والمعموديات والأيقونات وإدارة المذبح فطلب من اختصاص الأسقف بالإضافة إلى سيامات الكهنوت والشمامسة

– فى الصلاة التى يصليها الأب الأسقف لتدشين الأيقونة يذكر الأساس الكتابى واللاهوتى لعمل الأيقونات

أ- الأساس الكتابى : “أيها السيد الرب الله ضابط الكل أبا ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى من قبل عبده موسى أعطانا الناموس منذ البدء أن يضع فى قبة الشهادة (خيمة الاجتماع) نماذج للشاروبيم (تماثيل) هؤلاء الذين يغطون بأجنحتهم على المذبح. وأعطيت كلمة لسليمان من جهة البيت الذى بناه لك فى أورشليم” وهنا فى ايجاز تذكر الكنيسة مرجعها الكتابى فى عمل الأيقونة.. وكأنها ترفع أذهان المؤمنين وأن يرجعوا فى الكتاب كل الزينة والنقوش والصور والمثالات التى صنعها كل من موسى وسليمان عند بناء بيت الله سواء أيام أن كان خيمة أو عندما بنى كحجارة

ب- الأساس اللاهوتى : “وظهرت لاصفيائك الرسل بتجسد ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ليبنوا لك كنائس وأديرة على اسم قديسيك وشهدائك” وهنا تبرز الكنيسة إن الأساس الخريستولوجى الذى تبنى عليه الكنائس وما فيها هو ظهور الابن الوحيد وتجسده
ج- عمل الروح القدس : “من أجل هذا نسأل ونطلب منك يا محب البشر أرسل روحك القدوس على هذه الصور التى للقديسين أو (للشهداء) (الفلانيين)” إننا نؤمن إيماناً قاطعاً أن الروح القدس يحل على الأيقونات بالصلاة وبالدهن بالميرون فيقدسها ويؤهلنا للكرامة والتوقير الذين تستحقها فيرشم الأسقف الأيقونات بالميرون وينفخ فيها نفخة الروح القدس قائلاً : “فليكونوا ميناء خلاص. ميناء ثبات.. لكى من يتقدم إليهم بأمانة (بإيمان صادق) ينال نعمة من الله بواسطتهم لمغفرة الخطايا”

انه تعبير رائع تطلقة الكنيسة على الأيقونة إنها ميناء خلاص وميناء ثبات لكل نفس متعبة فى بحر العالم المتلاطمة الذى يزعج سلامنا وأمننا ويهددنا بالفرق فى الخطية والمشاكل والهموم الدينونة.. فتلجأ النفس إلى أيقونات القديسين لدى فيهم إشعاعات النور الإلهى.. وترى فيها إلهام النصرة والطهارة فتتشجع النفس وترتقى إلى السماويات ماسكة برجاء المجد… ناظرة إلى رئيس الإيمان ومكملة الرب يسوع

د- خاتمة الصلاة : “لأنه مبارك ومملوء مجداً اسم القدوس أيها الأب والابن والروح القدس الأن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين” حقاً القديسون يمجدونك يارب وبمجد ملكك ينطقون.. ووجودهم بيننا فى الكنيسة هو برهان مجد الله “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات” (مت 16:5).
لذلك تعتبر الكنيسة أن تدشين الأيقونة هو مباركة وتمجيد لاسم الله القدوس لذا عندما يلتفت المؤمنون إلى كرامة القديسين ومجدهم ترتفع أنظارهم إلى السماء ليمجدوا اسم الله ويباركوه. لك المجد فى جميع القديسين الله

7 – ويذكر لنا الكتاب المقدس أن يشوع بن نون سجد امام تابوت العهد حينما انهزم الشعب في عاى ( يش7 : 6 )، ولم يخطئ يشوع في ذلك لأنه لم يكن يعبد التابوت بل الرب الذى يحل عليه ويكلنه من بين الكاروبين على التابوت. وهكذا لم يخطئ داود عندما احتفل برجوع التابوا بكل إكرام ورقص قدامه ( 2صم6 : 12 – 15 ).

9 – ونفس الكلام نقوله عن الصليب ورسمه وصورته وخشبته، كما قال ماربولس الرسول : ” أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع المسيح بينكم مصلوباً ( غل3 :1 )

10 – ونحن نشكر الله أن اخوتنا البروتستانت يرفعون الصليب حالياً فوق كنائسهم ويرسموه ويصوروه ويبرزوه على منابرهم دون أن يعتبروه تمثالاً منحوتاً 11 – وكذلك يوزعون صوراً في مدارس الأحد ويكونوا بذلك قد كثرو الوصية الثانية.

12 – فللصور تأثير كثير في الشرح والأيضاح وتترك أثراً عميقاً في النفس اكثر من العظة أو القراءة أو مجرد الاستماع لا سيما عند الأطفال والعامة من المؤمنين

13 – ونحن في أكرام الصور، إنكرم اصحابها وحينما نقبل الأنجيل أنما نظهر حبنا لكلمة الله ولله الذى اعطانا وصايا لارشادنا وحينما نسجد للصليب فأنما نسجد للمصلوب عليه.

14 – والصور والآيقونات يرجع استعمالها أيضاً للعصر الرسولى نفسه فالقديس لوقا الأنجيلى

كان رسماً وقد رسم صوره أو اكثر للسيدة العذراء القديسه مريم ويروى التقليد كيف ألأن صورة السيد المسيح قد انطبعت فوق منديل وأقوى عصور الإيمان كانت حافلا بأيقونات يوقرها الناس دون ان تضعف إيمانهم بل كانت على العكس تقويه.

15 – وفي عمل الصور والآيقونات فرصة لرجال الفن في المساهمة لتنشيط الحياة الروحية للناس بما تتركه الصور والأيقونات من اثر في النفوس والمشاعر وما تقدمه لهم من حياة القديسين وتأثيرها.

عاش العالم العبراني في جو يعبق بالوثنية وتعدّد الآلهة. فكان لمدينة صور الهها، وكذلك لصيدون. وكان لقبائل عمون الاله “ملكوم” الذي بنى له سليمان معبداً. ولقبائل موآب كموش. كان للكنعانيين إجمالاً إيل وبعل، وللأراميين هدد. وكانت القبيلة تتحالف مع القبيلة الأخرى فتتبنّى آلهتها وتتعبّد لها. وتُحالف المدينةُ المدينة والمملكةُ المملكة. وهكذا كثرت الأصنام في العالم القديم، وامتلأت المدن من المعابد. فالصنم يمثّل الهاً نقدّم له ذبائح لئلا يغضب علينا ويضربنا. نقدّم له ذبائح فنتّقي شره. والصنم يمثّل الملك صاحب هذه العبادة. فالبلاد التي تخضع لملك تخضع للاله الذي يتعبد له هذا الملك. هذا ما فعل أحاز، ملك يهوذا. رأى مذبح ملك أشور في دمشق، فبعث إلى أوريا الكاهن رسمة المذبح وتصميمه (2 مل 16: 10 ي).
في هذا الاطار، سمع الشعب من فم موسى المتكلّم باسم الرب وصيتين. الأولى: لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي. أي لا تعبد آلهة أخرى معي. فأنا وحدي الرب الهك. ومن تعبَّد لغير الاله الواحد استحق القتل. والثانية: لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة. فقد اعتاد الأقدمون أن يصوّروا الهتهم مستعينين بما في السماء وعلى الأرض. الاله القمر والشمس والكواكب. النار والنهر والبحر والجبل. جبل حرمون هو جبل مقدّس ويحرّم الصعود إليه. ونهر النيل هو الله يعطي الخصب لأرض مصر. هذا عدا عن صور الحيوانات من ثور وحمار ونسر وكلب وحيّة. كل هذا يُمنع منعاً باتاً.

خُلق الانسانُ وحده على صورة الله. ومع ذلك لم يعرف العبرانيون اين دفن موسى، ولا أين مات إيليا. لا عبادة للبشر إطلاقاً. والملك نفسه الذي يُعبد في بعض البلدان، هو في أرض اسرائيل وكيل الله وخادمه والمتعبّد له. وبالأحرى لا يصور المؤمن الله بصورة حيوان. مثلاً، صوّر العبرانيون الثور ليدلّوا على قدرة الله. ولكن هذا العمل جرَّ عليهم غضب الله وعقابه. قال هوشع (8: 5): يا أهل السامرة، عجلكم سمج وقبيح، أبعدوه عنكم، اضطرم غضبي عليكم، فماذا تنتظرون لتعودوا إلى النقاوة؟ وقال أيضاً عن أهل السامرة: يتشبّثون بخطاياهم ويصنعون لهم تمثالاً من فضة. صانعٌ ماهر صنعه، ومع هذا يقولون: تعالوا نقدّم له الذبائح. ويأتون يقبّلون العجول. فالعبادة يعبّر عنها بالسجود وأيضاً بالقبلة على التمثال أو الصورة.
ما من أحد رأى الله على الأرض، ولا يستطيع أحد أن يراه. لهذا، لا يحقّ للعبراني أن يعمل له صورة ولا تمثالاً. حين ظهر الرب لموسى في العليقة، خاف وستر وجهه لئلا يرى “وجه الله”. وظهر الرب لمنوح، والد شمشون، ولزوجته. قالا سوف نموت لأنّا عاينّا الله. وظهر الرب لأشعيا وهو في الهيكل فقال: ويل لي قد هلكت. رأت عيناي الملك رب الأكوان.
لا يحقّ لأحد أن يرى وجه الله. ومع ذلك يتمنّى كل مؤمن أن يعيش من حضوره. متى آتي وأحضر أمام الله. حضور خفيّ ولكنه فاعل وخاصة بواسطة روحه. يهتف صاحب المزامير: أنا معك كل حين. أمسكت بيدك اليمنى ووجّهتني حسب قصدك. ثمّ تأخذني إلى مجدك. من لي في السماء إلاّك؟ وعلى الأرض لا أبغي أحداً سواك.
هتف الانسان: ليتك تشق السماء وتنزل. فشق الله السماء. انفتحت السماء، ونزل الله، وحلَّ في أحشاء مريم البتول. أعلن يوحنا: الله لم يره أحد قط. ولكن الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو أخبر عنه. وأخبر عنه لا بالرؤية والكلمات، لا في البروق والرعود والنار. أخبر عنه حين اتّخذ جسداً وسكن بيننا. وحين صار الكلمة بشراً رأينا مجده، رأينا مجد الله يحلّ في أرض البشر. حينئذ رأيناه بعيوننا، سمعناه بآذاننا، لمسته أيدينا.
أجل صار الله منظوراً في يسوع المسيح. فلماذا لا نصوّره، لماذا لا نرسم ملامحه في صورة أو تمثال. ذاك كان الصراع المرير في تاريخ الكنيسة مع بدعة تحطيم الأيقونات خلال القرن الثامن والتاسع. قام أباطرة بيزنطية بحملة قاسية ضد استعمال الصور المقدسة واكرامها. وامتد الصراع طويلاً بين المدافعين عن الايقونات والرافضين لها متذرّعين بما قاله العهد القديم.
ولكن الوضع تغيّر في العهد الجديد، بعد أن رأينا يسوع بعيوننا. وتبدّل ونحن العالمون أن المؤمن لا يعبد القديسين ولا صورهم، بل يعبد الله الذي كرّمهم وعظّمهم. قالت مريم العذراء في نشيد التعظيم: إن القدير صنع بي عظائم. لهذا تطوّبني جميع الأجيال، تقول لي: هنيئاً لك بالاله المخلّص الذي حملته في أحشائك.
وأعلن مجمع نيقية الثاني (13 ف 1، 787): إن تمثّل الصليب والصور المقدسة أكانت مرسومة أم منحوتة، ومصنوعة من أية مادة كانت، نستطيع أن نضعها على إناء أو ثياب أو حائط أو بيت أو على طريق. نعني بهذه الصور، صور يسوع المسيح وأمه والملائكة القديسين وكل الأشخاص القديسين. وحين ننظر إلى هذه الصور نتذكّر ذلك الذي تمثّله الصورة. فنسعى إلى الاقتداء به، وتحرّكنا نحوه عاطفةُ احترام واكرام، لا عبادة بالمعنى الحصري. فهذه العبادة لا تليق إلاّ بالله وحده. وقد نعبّر عن اكرامنا لهذه الصور بالبخور والأنوار، كما نفعل للصليب والأناجيل المقدسة والأواني المقدسة (كالكأس والصينية). تلك هي عادة الأقدمين. فالإكرام الذي نقدّمه إلى صورة يعود إلى صاحب الصورة. وكل من يكرّم صورة يكرّم الشخص الذي تمثّله هذه الصورة.
هذا هو كلام الكنيسة في مجمع نيقية الثاني. لا نخاف بأن نحافظ على اكرامنا للصور ولكن نتحاشى كل ما يُشتمّ منه عبادة أوثان أو ممارسات سحرية. ولا ننسى أن الله وحده يُعبَد. وأنه الأوّل في كنائسنا. فلا نكرمه بعد أن نكون قد زرنا كل الصور في الكنيسة. الله هو الأوّل، والقديسون أناس خدموه بمحبة. ونحن نتعلّم منهم كيف نخدم الله ونكرمه ونحبّه بكل قلبنا، بكل نفسنا، بكل حياتنا.  

مريم العذراء والأصوام

رتبت الكنيسة أزمنة للصوم حتى يحيا المؤمنون فى شركة مقدسة ومن تلك الأصوام صوم السيدة العذراء والذى يسبق عيد إنتقالها بالنفس والجسد الى ملكوت السموات والذى يقع فى 15 اغسطس من كل عام ومدة هذا الصوم خمسة عشر يوماً.

وزمن الصوم هو زمن توبة ومصالحة وتجديد قلبي للنمو فى محبة الله والقريب.

وهذا الصوم له شأن كبير عند المسيحيين و قيل أن القديس توما الرسول كان يخدم فى الهند وقت نياحة السيدة العذراء فى أورشليم فعند رجوعه إلى فلسطين رأى الملائكة تحمل جسد العذراء مريم إلى السماء فلما عاد إلى الرسل واخبرهم بما رآه اشتهوا أن يروا نفس المنظر المقدس فصاموا هذا الصوم حتى اظهر الله لهم فى نهايته جسد أمه البتول لذلك فالكنيسة تصوم هذا الصوم لكى تتمثل بالسيدة العذراء و تخليدا لذكراها” هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى ” (لو48:2).
أما عن تسمية الصوم بإسم العذراء يرجع ذلك إل أن صوم السيدة العذراء ينتهى بعيد ظهور جسد السيدة العذراء.

وفى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية جاء بأن هذا العيد سابقاً بزمن طويل للصوم الذى ألحق بها بعد ذلك بعدة قرون وأول إشارة عنه في الكنيسة القبطية نجدها عند القديس أنبا ساويرس ابن المقفغ أسقف الأشمونين في كتابه “مصباح العقل” حيث يقول : ” والصيام الذى يصومه أهل المشرق ونسميه صيام البتول مريم، وهو في خمسة عشر مسرى وبرغم أنها إشارة مبهمة إلا أنه يتضح لنا منها أنه صوم معروف فى الشرق المسيحي، ولكن يبدو أن الأنبا ساويرس يتحدث هنا عن صوم يوم واحد في 15 مسرى يعقبه عيد العذراء في 16 مسرى. وفي القرن الثانى عشر يأتي ذكر صوم العذراء في مصر صراحة لأول مرة ولمدة ثلاثة أسابيع، ولكنه صوم كان قاصراً على العذارىفي البداية. وهو ما نقرأه في كتاب الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود (1209 م) فيقول: “صوم العذارى بمصر من أول مسرى إلى الحادى والعشرين منه. ويتلوه فصحهم في الثانى والعشرين منه. وفي خلال نصف القرن بدأ هذا الصوم يزداد شيوعاً بين الناس، ولكنةكان بالأكثر قاصراً على المتنسكين والراهبات. فيذكر ابن العسال (1260 م) في كتابة “المجموع الصفوى” عن هذا الصوم فيقول ” صوم السيدة العذراء، وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات، وأوله أول مسرى وعيد السيدة فصحه (أى فطره).

ومع حلول القرن الرابع عشر نجد أن هذا الصوم قد صار شائعاً بين الناس كلهم، لأن ابن كبر

(1324 م) في الباب الثامن عشر من كتابه “مصباح الظلمةوإيضاح الخدمة” ينقل ما سبق ذكره عن ابن العسال، ولكنه حذف عبارة “وأكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات “
ولازال صوم السيدة العذراء حتى اليوم هو أحب الأصوام إلى قلوب الناس قاطبة في الشرق المسيحى، الذى اختصته العذراء القديسة بظهوراتها الكثيرة المتعاقبة
+ صوم السيدة العذراء عند الروم الأرثوذكس هو أيضاً خمسة عشر يوماً كما في الكنيسة القبطية، وهو خمسة أيام عند كل من السريان الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس. أما عند الروم الكاثوليك يوما الجمعة اللذان يقعان بين يوم 14، 1 من شهر أغسطس. ويصومه الكلدان يوماً واحدا.

مريم العذراء وتشييد الكنائس

ما أكثر الكنائس والأديرة التى بنيت على إسم العذراء مريم فى أنحاء العالـم، وتسمية الكنائس على إسم العذراء يتفق مع إرادة الله، فالكنائس كلها بيوت لله وقد دعي اسمه عليها (تثنية 11:12، مزمور8:26، وخروج8:25، ولاويين30:19). والكنائس تبنى لعبادة الله كغرض اساسي، وهذا لا يمنع ان يطلق عليها اسماء مختلفة لتمييزها عن بعضها البعض. وفى عهد الرسل سميت الكنائس بإسم البلاج ككنائس آسيا (1كورنثوس19:16)، أو بأسماء الشعوب ككنيسة اللاؤدوكيون(كولوسي15:4). وعندما تدعى كنيسة بإسم العذراء مريم او الرسل او القديسين فليس هذا على أساس ان الكنائس قد أقيمت خصيصا للقديسين بل هى تقام لعبادة الله. وإذا كان الله قد سمى نفسه بإسم قديسيه العديد من الـمرات “انا إله ابراهيم واسحق ويعقوب”(خروج6:3)، أفلا تسمى كنائس الله بأسماء قديسيه؟، وإذا كانت الشريعة سميت بشريعة موسى (ملاخى4:4)، وكذلك يُطلق رؤيا اشعيا النبي (اشعيا1:1)، ومزامير داود، مع انها ليست من كلام الأنبياء إلاّ انها سميت بأسماء كاتبيها لتمييزها. وأيضا تم ذِكر أن أسماء الإثنا عشر رسولا دونت على أسس الكنيسة السماوية (رؤيا13:21)، أفلا تدون على الكنيسة التى فى الأرض؟. وفى إطلاق اسم العذراء على الكنائس ما هو إلاّ إظهاراً لتكريم الـمؤمنين لأم الله.

 مريم العذراء وتخصيص يوم أو شهر

يوجد العديد من الصلوات والتمجيدات التى يتم ممارستها بصورة يشترك فيها كافة المؤمنين

داخل الكنائس أو فى المنازل بصورة خاصة، ومن بينها صلوات المسبحة، والطِلبات والتسعاويات، أوتخصيص ايام معينة فى الأسبوع لإكرام أحد القديسين، أو تلاوة أسرار تأمليـة يوميا أو أسبوعيا، أو تخصيص شهر ما بأكمله. فمثلا نجد شهر مايو مخصص بكامله لتقديم الإكرام للقديسة مريم العذراء، وشهر سبتمبر مخصص للتأمل فى سبعة لألئ للقديسة مريم العذراء (العيد يقع فى الأحد الثالث من الشهر)، وشهر اكتوبر هو شهر المسبحة الوردية (عيد المسبحة يقع فى الأحد الأول)، وشهر كيهك فى السنة القبطية مخصص ايضا لتقديم الإكرام لمريم العذراء.

شهر مايو:

ان شهر مايو هو الشهر الذي خصصته الكنيسة المقدسة الغربيـة لإكرام امنا العذراء مريم. شهر مايو هو شهر الورود والجمال والحياة والتجدد، فكما ان الورد في شهر مايو يملأ الدنيا عطرا وجمالا، كذلك امنا العذراء يفوح منها عطر قداستها وشفاعتها سماء الكنيسة المقدسة والعالم اجمع.
في هذا الشهر يظهر المؤمنين عاطفتهم البنوية للبتول مريم، وهي بدورها تظهر عاطفة الامومة لكل من اتخذها شفيعة واحتمى بكنفها فهي ملجأ الجميع.
في شهر مايو وفي كل مساء تدعو الكنيسة المؤمنين للقاء العذراء، ام المؤمنين لكي يرتلوا لها اناشيد الفرح وصلاة الوردية وطلبة العذراء والقراءات المخصصة لشهر العذراء مريم.

ان اكرام العذراء مريم في شهر مايو هو تقليد غربي ومن ثم انتقل الى الشرق، فبعض المؤرخين ينسبون نشأته الى الطوباوي هنري (+1365)، غير ان ممارسة شهر مايو كما يعرفها العالم اليوم نشأت في ايطالية في عام 1784 علي يد الكاهن لويس ريشولي. ومن ثم انتشرت ممارسة الشهر المريمي في كل دول اوربا وامريكا والعالم اجمع.

لا يذكر التراث الكنسي مايو شهرا مريميا قبل القرن الثامن عشر، ومن المرجح انه انطلق بداية من روما، ثم انتشر في ايطاليا ولاحقا في العالم المسيحي.

تعود فكرة تكريس ايار شهرا مريميا الى الآباء اليسوعيين في ايطاليا، وتحديدا الى الاب جاكولية الذي نشر كتيبا حول الموضوع في العام، 1724 والى الاب لالوميا الذي نشر بدوره كتيبا مماثلا في العام.1725 وتطورت الفكرة مع الاب اليسوعي الفونس موتزا ريللي الذي نشر في العام 1785 كتيبا يحث على التأمل في حياة العذراء وفضائلها والتأثر بها لتقديس الحياة اليومية، فكان المؤمنون يتأملون طوال شهر ايار بواحدة من حقائق الحياة المسيحية ويرتلون ترتيلة مريمية. وصل كتيب الاب لالوميا الى فرنسا مع بداية الثورة فنقلته لويز، ابنة الملك لويس الخامس عشر، الى الفرنسية، وهو كتيب كرسته روما في 21 تشرين الاول 1815 في

عهد البابا بيوس السابع.

في العام 1784 طبق الآباء الكرمليون “شهر مريم” في ايطاليا، ويُروى انهم طلبوا ان يكرّس مذبح للسيدة العذراء في الليلة الاولى من ايار في كل منزل، ويزيّن بالزهور والاضواء، على ان تجتمع العائلة، كل ليلة من هذا الشهر لتلاوة الصلاة على شرف السيدة.

الى ذلك، ثمة من يقول ان الملك الفونس العاشر (1239- 1284) ذكر في احدى كتاباته

جمال مريم وشهر ايار. وفي القرن الرابع عشر، اعتاد الطوباوي الدومينيكاني هنري سوزو ان يقدم الى السيدة اكاليل من ورد في اليوم الاول من ايار. وفي العام، 1549 نشر الاب سيدل كتيبا بعنوان “شهر ايار الروحي”. كما ان القديس فيليب نيري كان يجمع الشبان خلال شهر ايار للصلاة حول مذبح السيدة. وفي كولونيا، كان التلامذة اليسوعيون في العام 1664 يرفعون الصلوات في ايار للسيدة العذراء. وفي الالزاس، كانت الفتيات يقرعن الابواب ويقدمن زهرة لتزيين مذبح السيّدة. لكن في مطلع القرن الثامن عشر، قرر الرهبان الدومينيكان تكريم السيدة طوال شهر مايوبشكل رسمي.

شهر كيهك

يحتفل الشعب القبطي فى مصر خلال شهر كيهك بتقديم الـمدايح والتسابيح إبتهاجا بإستقبال ميلاد السيد الـمسيح والذى يقع يوم 28 او 29منه فيجتمعون فى الكنيسة فى ليالي هذا الشهر يسبحون الله ومتذكرين ميلاد المسيح العجيب بترديد كل ما جاء عنه فى رموز ونبؤات وإشارات ومعان العهد القديم بتسبيحات تسمى عادة “بسبعة وأربعة” وذلك لأن فيها تسبح الكنيسة الأربعة هوسات أي الأربعة تسبيحات، والسبعة الإبصاليات والتذاكيات أي السبعة ترنيمات أو السبعة تمجيدات التى تخص أم الله العذراء مريم.

الـمسبحة الورديـة

“صلاة الورديـة” مـا هـى إلاّ إكليل من الصلاة الخاصة لإكرام القديسة مريم العذراء مع التأمـل فـى حياة وآلام وموت وقيامـة ومجد السيد الـمسيح وحياة أمـه. و”الـمسبحة الورديـة” تتكون من شيئـان هـما الصلاة اللفظيـة أي الـمنطوقـة والتى تشمل صلوات مثل السلام الـملائكي و”الأبانـا”، و تأملات عقليـة وقلبيـة فـى الأسرار الأساسيـة لحياة وموت ومجد السيد الـمسيح وأمـه القديسة مريم.

والورديـة الـمقدسة كما وصلت إلينـا مقسمة إلى ثلاثة أقسام أو مسابح وكل قسم أو كل مسبحة مقسّم بدوره من خمسة أسرار أو يُسمّى “خمسة أبيات”، وكل بيت مؤلف من عشرحبات، وبين كل بيت وآخـر، يُضاف حبّة كبيرة منفردة مخصصة لتلاوة الصلاة الربّيـة. والـمسبحة الأولـى أو القسم الأول من صلاة الورديـة يحوى أسرار تسمى بأسرار الفرح، والـمسبحة الثانيـة أو القسم الثانـى يحوى أسرار الحزن، والـمسبحة الثالثة أو القسم الثالث يحوى أسرار الـمجد، وهذا التقسيم على إعتبار أن حياة السيد الـمسيح وحياة أمـه العذراء مريـم قد مرّت بثلاث مراحل هـى الفرح والحزن والـمجد. ولقد تم إضافـة الصليب للـمسبحة لأن كل مسيحي يـبدأ أعمالـه وصلاتـه بإشارة الصليب، وقرب الصليب يوجد حبـّة منفردة مخصصة لتلاوة قانون الإيـمان (نؤمن بإله واحد..)، ثم هناك ثلاث حبّات يُتلى عليهـا السلام الـملائكي مع التأمـل فـى الصِفات الثلاث التى تتمتع بهـا العذراء مريم دون سواهـا فهى إبنـة الآب السماوي، وأم الإبن، وعروسة الروح القدس. وأخيـراً تم إضافـة الأيقونـة الـمثلثـة الزوايـا التى كانت تحملهـا العذراء فى ظهورهـا للقديس عبد الأحد.

وبـما انـه قد يتعذّر على الكثيرين تلاوة الـمسبحة الورديـة بأسرارهـا الثلاث، أي خمسة عشر بيتاً كل يوم، رأت الكنيسة فيما بعد الإكتفاء بتلاوة ثلث هذه الورديـة، أي خمسة أبيات فقط فخصصت بعض الأيام للتأمـل فـى أسرار الورديـة، فخصصّت يومي الإثنيـن والخميس لأسرار الفرح، ويومي الثلاثاء والـجمعة لأسرار الحزن، وأيام الأربعاء والسبت لأسرار الـمجد، مع تخصيص يوم الأحد لأسرار الفرح من بدء زمن الـمجئ إلـى بدء زمن الصوم، ولأسرار الحزن من بدء زمن الصوم إلـى عيد القيامـة، ولأسرار الـمجد من الفصح إلـى زمن الـمجئ.

ولقد أضاف قداسة البابا يوحنـا الثانـى فى رسالتـه الباباويـة الصادرة يوم 16 أكتوبر عام 2002 تحت عنوان“Rosarium Virginis Maria سراً جديداً (خمسة أبيات) للـمسبحة الورديـة فأصبحت أربع أسرار بهـا عشرون بيتـاً (بدلاً من خمسة عشر)، وذلك بالتأمـل فـى أسرار النور والتى تشمل تلك الحوادث التى أُظهـر فيهـا أن السيد الـمسيح هو نور العالـم.

فحسب التقسيم الجديد الذى وضعتـه الكنيسة فأنـه قد خُصص يومي الاثنين والسبت للتأمل فى

أسرار الفرح، ويوم الخميس للتأمل فـى أسرار النور، ويومي الثلاثاء والجمعـة للتأمل فـى أسرار الحزن، ويومي الأربعاء والأحد لأسرار الـمجد.

ان عـظمة صلاة الورديـة تأتـى فـى كونهـا تحوى فـى أسرارهـا الأربعة (الفرح والنور والحزن والـمجد) على حياة وموت وقيامة ومجد السيد الـمسيح لكى نسعى للإتحاد بـه، ونقتدي بـحياتـه فنسير على طريق الكمال الذى مهّده لنـا بتجسدّه وموتـه وقيامتـه.

يـتم الإحتفال بالكثيـر من ذكرى الأحداث التى مرّت فـى حياة مريم العذراء أثناء حياتهـا على الأرض أو بعد إنتقالهـا للسـماء فـى الكنائس الكاثوليكية وأيضاً الأرثوذكسية و بعض الكنائس الأخرى الـمسيحية. وفـى تلك الأعيـاد تتأمـل الكنيسة بإعجاب فـى ثـمرة العذراء الـمباركـة وتحرص على تـمجيدهـا كأم لـله ومن أجل ما قدمتـه القديسة مريـم طوال حياتهـا للبشر كشريكة

فـى عـمل الله الخلاصـي.

ان يسوع فى صلاتـه الأخيرة قبل أن يُصلب ويـموت ويقوم من بين الأموات قال:” أنـا قد مجدّتك على الأرض وأتممتُ العـمل الذى أعطيتني لأعمله”(يوحنا4:17)، ومريم العذراء أم يسوع هتفت عندمـا حيّتهـا وكرّمتهـا اليصابات وهى ممتلئة بالروح القدس قائلـة:”تعظم نفسي الرب”(لوقا 46:1).

ففى كل مرّة يُقدم الإكرام للعذراء مريـم ترفعـه هـى للـه تعالـى(لوقا46:1-55)، فلا مـجال لذلك الـمنطق العجيب من أنـه لا يُـمكن تقديـم الـتمجيد للـه إذا مـا أطعنـا تعاليـم الكنيسة.

الطلبات[19]

الطلبـة هـى عبارة عن صلاة تستخدم فى العِـبادة وهى منتشرة فـى الطقوس الكنسيـة وفـى الإكرامـات الخاصـة بالقديسين أو لأجل الحصول على نِعمة مـا أو لإستعطاف رحمة اللـه. وهذه الصلاة تُـمارس فـى الكنائس أو فـى الـمنازل أو فـى الرهبانيات الـمختلفة.

والطلبـة تـتكون عادة من عدد من الصلوات أو الطلبات متجمعة حول موضوع رئيسي، أو

موضوعات مختلفة، أو شخصيـة مقدسـة وتكون مصحوبـة بلازمـة معيـنة تتكرر مراراً. وتختلف

الطلبـات عادة من حيث الشكل أو الغرض.

وهـذه الصورة من العبادة نجد لهـا مثيلها فـى مزمور داود 135 والذى فيـه نجد لازمـة “فإن إلـى الأبـد رحـمتـه” يرددهـا ويكررهـا الـمرّنم 26 مرة فـى كل مرّة يعلن فيهـا عن قدرة الله وأعـمـالـه. وأيضـاً لهـا مثال آخـر نجده فـى تسبحـة الفتيـة الثلاثـة وهم فـى آتـون النـار مردديـن اللازمـة: “سبّحوه وارفعُـوه إلـى الدهـور” ويكررونـها أربعين مرة، في كل مرّة يسبحون ويذكرون فيهـا أعـمال الله (دانيال52:3-90).

وفـى القداس الباسيلي نجد طِلبات عديدة والـمعروفـة بالأواشي يرددهـا الكاهـن من أجل الـمرضى والـمسافرين والكنيسة والإكليروس والرئيس والأرامل والأيتام وثِمار الأرض والأنهار وغيرهـا، ويجيب الشعب عليهـا فـى كل مرة “يـارب إرحـم” أو “كيرياليسون”.

وفـى طقوس الكنيسة الشرقيـة أوالكنيسة الغربيـة نجد العديـد من الـمناسبات التى يتم فيهـا ترديـد

إبتهال أو دعـاء إلـى الله ويجيب الشعب فـى كل مرة بلازمـة معينـة مثال “يارب إرحم”، “إرحـمـنا يارب”، “إسمعنـا وإرحـمنـا يارب” وغيرهـا. أمـا عدد الـمرات فيعتـمد على نوع الإحتفال أو الطقس الـمستخدم.

هناك أكثـر من 100 طَلبـة منشورة ومستخدمـة إمـا للصلوات الفرديـة أو الـجماعية، وعن مريم العذراء فهناك أكثرمن 16 نوعاً من الطِلبات وهى: طلبـة مريـم العذراء والـمعروفـة بـ Loreto تحوى قائـمة بتسبيحات للعذراء مريـم( أكثر من خمسين إسمـاً أولقبـاً). وهناك

طلبة لإسم مريـم، ولحيـاة مريـم، ولقلب مريـم الطاهـر(2)، ولـمريـم العذراء وسيطة كل النِعـم، ولسيدة الـمعونـة، ولسيدة الحِمايـة، وللأم الحزينـة، ولسيدة الأحزان، وللأحزان السبعة لـمريم العذراء، ولسيدة القلب الأقدس، ولسيدة جبل الكرمـل لإهتداء الخطـاة، ولسيدة فاطيـما، ولسيدة بلاد الغـال (فرنسا).

طلبة مــريـم العـــذراء الـمـجيدة

1. مـا هـى الطلبـة:

الطلبـة هـى عبارة عن صلاة تستخدم فى العِـبادة وهى منتشرة فـى الطقوس الكنسيـة وفـى

الإكرامـات الخاصـة بالقديسين أو لأجل الحصول على نِعمة مـا أو لإستعطاف رحمة اللـه. وهذه

الصلاة تُـمارس فـى الكنائس أو فـى الـمنازل أو فـى الرهبانيات الـمختلفة.

والطلبـة تـتكون عادة من عدد من الصلوات أو الطلبات متجمعة حول موضوع رئيسي، أو موضوعات مختلفة، أو شخصيـة مقدسـة وتكون مصحوبـة بلازمـة معيـنة تتكرر مراراً. وتختلف الطلبـات عادة من حيث الشكل أو الغرض.

وهـذه الصورة من العبادة نجد لهـا مثيلها فـى مزمور داود 135 والذى فيـه نجد لازمـة “فإن إلـى الأبـد رحـمتـه” يرددهـا ويكررهـا الـمرّنم 26 مرة فـى كل مرّة يعلن فيهـا عن قدرة الله وأعـمـالـه. وأيضـاً لهـا مثال آخـر نجده فـى تسبحـة الفتيـة الثلاثـة وهم فـى آتـون النـار مردديـن اللازمـة: “سبّحوه وارفعُـوه إلـى الدهـور” ويكررونـها أربعين مرة، في كل مرّة يسبحون ويذكرون فيهـا أعـمال الله (دانيال52:3-90).

وفـى القداس الباسيلي نجد طِلبات عديدة والـمعروفـة بالأواشي يرددهـا الكاهـن من أجل

الـمرضى والـمسافرين والكنيسة والإكليروس والرئيس والأرامل والأيتام وثِمار الأرض والأنهار وغيرهـا، ويجيب الشعب عليهـا فـى كل مرة “يـارب إرحـم” أو “كيرياليسون”.

وفـى طقوس الكنيسة الشرقيـة أوالكنيسة الغربيـة نجد العديـد من الـمناسبات التى يتم فيهـا ترديـد إبتهال أو دعـاء إلـى الله ويجيب الشعب فـى كل مرة بلازمـة معينـة مثال “يارب إرحم”، “إرحـمـنا يارب”، “إسمعنـا وإرحـمنـا يارب” وغيرهـا. أمـا عدد الـمرات فيعتـمد على نوع الإحتفال أو الطقس الـمستخدم.

وفـى طقس الكنيسة القبطيـة نجد مدائح وتسابيح وترانيم للعذراء مريـم تحوى العديد من الصلوات الـموجهـة إلـى مريم العذراء وتبرز من خلالهـا علاقتهـا بإبنهـا الإلهـى مخلّص العالـم. ولقد استخدمت الكنيسة كثيـراً من تلك التسابيح والألحان الطويلة والـمردّات القصيرة فـى خدماتهـا الطقسية اليومية وفـى مناسباتهـا وأعيادهـا الرسـمية، وفـى هذه الألحـان والتسابيح تركزت جميع الأوصاف التى أعطتهـا الكنيسة للعذراء القديسة مريـم.

و“الثيؤتوكيات” هـى نوع من تلك التسبيحات وإختارت الكنيسة لها هذا العنوان “ثيئوتوكيـة” أي

“لحاملة الإلـه” وهى عبارة عن أوصاف وتشبيهات رمزية بين العذراء مريم وبين رموز العهد

القديم فيما يتعلق بصلتها بحلول الله الكلمة فيها.

 2.تاريخ إستخدام طريقة الطلبة فى الصلوات

منذ نشأة الكنيسة فـى أيام الرسل انتشر تكرار لازمة معينة مثل “ارحمـنـا”، أو “ارحمنا يا اللـه” بعد كل إبتهال أو صلاة، حتى أصبحت من الثوابت فى الصلوات الـمختلفة فى الكنيسة. وعلى هذا النهج وضعت الكنيسة لكل مناسبة صلواتها وطلباتها والتى أخذت أشكالاً مختلفة، سواء ما يقال منه مرنّـماً أو يتلى بطريقة عاديـة، أو ما يقولـه شخص واحد من مقاطع وأبيات وترد عليه الجماعة بلازمـة معينة وهكذا.

3. أنـواع الطلبـات

هناك أكثـر من 100 طَلبـة منشورة ومستخدمـة إمـا للصلوات الفرديـة أو الـجماعية، ويـمكن تقسيمها كالآتـى:

+ طِلبـات لإكرام اللـه القديـر: وتشمل أربع طَلَبات هـى: للثالوث الأقدس، ولـمحبة اللـه، وللعنايـة

الإلهيـة، وللتسليم لــمشيئة اللـه.

+ طِلبـات مخصصـة لربـنـا يسوع الـمسيح: وتشمل سبع طِلبات هـى: إسم يسوع الأقدس، قلب يسوع الأقدس، الدم الثـمين ليسوع، وجـه يسوع الأقدس، ألآمـه، الصليب الـمقدس، ويسوع الـملك.

+ طِلبـات لسـر التنـاول الـمقدس: وتشمل ثلاث طِلبات وهـى: للعشاء الربـّانـي، للتناول الـمقدس، ولتواجد السيد الـمسيح فـى سر القربـان الـمقدس.

+ طِلبـات للطفـل يسوع: وتشمل ثلاث طلبات هـى: لـمعجزة ميلاده، ليسوع الطفل، للطفولة الـمقدسة ليسوع القدوس.

+ طِلبـات لـمريـم العذراء الـمباركـة: هناك 16 نوعاً من الطِلبات تـم تأليفهـا للعذراء مريـم وهى:

لـمريم العذراء الـمباركـة(الـمعروفـة بـ Loreto)، لإسم مريـم، لحيـاة مريـم، لقلب مريـم الطاهـر(2)، لـمريـم العذراء وسيطة كل النِعـم، لسيدة الـمعونـة، لسيدة الحِمايـة، للأم الحزينـة، لسيدة الأحزان، للأحزان السبعة لـمريم العذراء، لسيدة القلب الأقدس، لسيدة جبل الكرمـل لإهتداء الخطـاة، لسيدة فاطيـما، وسيدة بلاد الغـال (فرنسا).

+ طِلبـات لرؤساء الـملائكـة والـملائكـة: وتشمل ثـمانـى طِلبات وهـى: للـملائكة القديسين، للـملاك

ميخائيل(2)، للملاك روفائيـل، وللـملاك الحارس (3).

+ طِلبـات للقديسـين: وتشمل 48 طلبة لكل القديسـين منهـا: لجميع القديسين، للقديس

يوسف(2)، للقديسة حنـة، للقديس يوحنا الـمعمدان، للقديس بطرس، للقديس بولس، للقديس يهوذا تداوس(2)، للقديسة مريم المجدليـة، للشفعاء الثلاثة مريم العذراء والقديس أوغسطينوس وأمـه القديسة مونيكا، للقديس أوغسطينوس، للقديس فرنسيس الأسيزي، وللقديس أنطونيوس البادوي(2)، وللقديسة ريتـا(2) وغيرهـم من القديسين.

+ طِلبـات للإحتياجات والنيـّات الخاصـة: وتشمل عشر طِلبات هـى: لطلب رحـمة الله، لطلب الـميتة الصالحة، للأنفس الـمطهريـة(2)، للكهنـة، لطلب الإتضاع، لطلب السلام الداخلي، لـحَمل الله فـى أيام الحرب، ليوم الأحـد، وللكنيسة.ويلزم تلاوة أيـة من الطِلبات السابقـة بكل إنتبـاه وليس بطريقـة إرتجاليـة.

الطِلبات التى تُقال فـى الإجتماعات الجمهوريـة:

منذ القرن الثانـى عشر هناك العديد من الطلبات التى تم تـأليفهـا وإستخدامهـا، كـما سبق وأن أوضحـنـا، مـما دعـا البابا كليمنـضوس الثامن فـى عام 1601م من حرمان نشر أي طلبة جديدة عدا تلك التى وافقت عليها الكنيسة. وفـى هذه الأيـام، على الرغـم من وجود العديد من الِطلبات التـى تستخدم فـى العبادات الخاصـة، فلا يوجد إلا 6 طلبات فقط وافقت الكنيسة على تلاوتهـا فـى الإجتماعات الجمهوريـة بالكنيسـة، أمـا باقـى الطلبـات فتستخدم فـى الصلوات الخـاصـة وهذه الطلبات الستة هى كالتالي:

  1. طلبة إسم يسوع الـمقدس ولقد وافق عليها البابا سكتيوس الخامس عام 1587، ثـم البابا

بيوس التاسع عام 1862لتلاوتهـا فـى بعض الإيبارشيات، ثـم طلب البابا لاون الثالث عشر عام

1886 تعميمهـا فى كل العالـم.

2. طلبة قلب يسوع الأقدس وقد وافق عليهـا البابا لاون الثالث عشر عام 1899.

3. طلبة دم يسوع الثمين وقد وافق عليها البابا يوحنا الثالث والعشرون عام 1960.

4. طلبة مريم العذراء الـمباركـة (والـمعروفـة بـ Loreto) وقد وافق عليها البابا سكتيوس الخامس عام 1587 ثـم تـمت إضافـة بعض الألقاب للسيدة العذراء مثل: “سلطانة جميع القديسين” بـمعرفة البابا بيوس السابع، و”سلطانة الوردية الـمقدسة” و ” سلطانة حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية” و” أم الـمشورة الصالحة” بـمعرفـة البابا لاون الثالث عشر، ولقب “سلطانة السلام” بـمعرفة البابا بندكيت الخامس عشر بعد الحرب العالمية الأولـى. وتـمت إضافـة لقب “سلطانة إنتقلت للسماء بالنفس والجسد”، ولقب “ملكة العالـم” بـمعرفـة البابا بيوس الثانى عشر فـى عام 1950، وعام 1954، ثـم تـمت إضافـة لقب “أم الكنيسة” بـمعرفـة البابا يوحنا بولس الثانـى فـى عام 1980 ثم لقب “سلطانـة العائلات” فى عام 1995.

5. طلبة القديس يوسف وقد وافق عليها البابا بيوس العاشر عام 1909.

6. طلبة جميع القديسين وقد وافق عليها البابا بيوس الخامس عام 1571

إن كل لقب أو إسم تردده شفاهـنـا عند تلاوتنـا لطِلبـة العذراء يلزم أن نطيـل التأمـل فيه ونعنـى تـمامـا كل كلمة أو طلبـة نصرخ فيهـا لـمريـم العذراء طالبيـن منهـا الصلاة معنـا ومن أجلنـا للـه القديـر ليـرحمـنـا ويعيـنـنا حتى النفس الأخيـر. فـى أوقات الإحتيـاج الشديـد والضيقـة التـى قد تـمر عليـنـا أو فـى الكنيسة أو فـى العالـم وعندمـا نواجـه بالكوارث العظيـمة مثل الحرب أو العواصف أو الأعاصيـر أو الـمجاعات والأوبئـة، فيلزم علينـا صلاة الطِلبات سواء الستة التى وافقت عليهـا الكنيسة كـممارسات عامـة أو تلك الـمخصصـة للعِبادات الخاصـة من أجـل الصالح العام وذلك لإستـمطار رحـمة الله. وغالبـا ما يتبع تلاوة الطِلبـات التـوبـة والندامـة ثـم الإعتراف والتناول الـمقدس.

   4.طلبةالعذراء مريم الـمجيدة

يوجد أكثـر من نوع لطلبـة العذراء وأشهرهـا تلك الـمستخدمـة حاليـا والـمعروفـة بطلبة العذراء الـمجيدة، والتى لا نعرف بالتحديد متى تم تأليفهـا وإستخدامهـا لأول مرة، على الرغم من الإضافات والتى تحوى بعض من مدائح عن مريم العذراء تم إدخالهـا على النص الأصلي. ولقد اختلف الـمؤرخون حول مؤلفهـا الأصلي قبل أن تصل إلينـا بالصورة الحاليـة، فمن قائل انـه البابا سرجيوس الأول (687م)، وآخرون انه القديس جريجورى الكبير فى اول القرن الخامس الـميلادي، ولكن أقدم طِلبة مكتوبـة بالإيطاليـة هـى تلك الـموجودة من عام 1576م وغير محدد تماما من هـو مؤلفهـا الحقيقـي، ويُقال غالبـا أن أصولهـا ترجع إلـى صلوات الكنيسة اليونانيـة وقد تم ترجمتهـا إلـى اللغة اللاتينية فى حوالى عام 800م وذاع إنتشارهـا بعد ذلك.

غيـر أن التى تم التصريح بهـا بـمعرفـة البابا سكتيوس الخامس كانت عام 1587م وهـى الـمعروفـة بطِلبـة Loreto نسبة إلـى البلدة الإيطالية Loreto.

طلبـة مريـم العذراء والـمعروفـة بـ Loreto تحوى قائـمة بتسبيحات للعذراء مريـم( أكثر من خمسين إسمـاً أولقبـاً).

أقسـام طِلبـة العذراء:

الجزء الأول:

طلب الرحـمة “كيرياليسون” من الله الآب، والله الإبن، والله الروح القدس، والثالوث الأقدس الإلـه الواحـد.

الجـزء الثانـى:

يبدأ بالإبتهال للسيدة العذراء بإعلان لأحد أسمائهـا أو ألقابهـا أو صفاتهـا ومتبوعـة بتكرار “صلي

لأجلنـا”.

ويمكن تقسيم تلك القائـمة من الإبتهالات الى أربعـة أقسام:

  – إلـى مريـم كأم وهو مكرر 12مرّة.

  – إلـى مريـم كعذراء أو بتول وهو مكرر 6 مرات.

  – ألقاب خاصـة بالعذراء

  – إلـى مريـم كسلطانـة أو ملكـة مكرر 11 مرّة

الجزء الثالث: تُختم الطلبـة بطلب رحمة الله.

إن تكرار الإبتهال بتلاوتنـا لطلبة العذراء فنصرخ كأبنـاء للأم للصلاة من أجلنـا ومعنـا الى الله، وبتكرارنـا لأسـمائهـا وألقابهـا كأننـا ندعوهـا أن تنصت إلينـا كصراخ سليمان إلـى الله بعد بنـاء الهيكل قائلاً: “فأسمع أنت من السـماء”( 3ملوك 23:8-49).

5. معانـي الألقاب والصِفات

يـا قديسـة مريـم: تعتقد الكنيسة فـى قداسة مريم الفريدة فـى نوعهـا والتى تفوق الخليقة السماوية،

حتى الشاروبيم والسيرافيم، فلقد أمضت حياتهـا فـى قداسة واقتنت كمالاً للروح والجسد وصيرتهـا نعمة الله قدس أقداس حقيقياً يسكنه الله لهذا صارت قديسة فى كل شيئ. والقداسة هـى أن يُفرز الإنسان نفسه عن الـمسيرة الطبيعية لأهل العالـم ويُخصص القلب للرب، ومريم العذراء قـد إستحقت هذا اللقب أن تكون قديسة لأنهـا إمتلأت من النعـمة الإلهيـة وإتحدت إرادتهـا مع إرادة الآب السماوي فأتـمت مشيئة الله فيهـا “هاآنذا آمـة للرب”، “فليكن لـي حسب قولك”.

يـا والدة اللـه: “والدة الإله” ليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله فى أعلى صورها. الحقيقة ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه، وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذى خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد كقول الرسول بولس”عظيم سر التقوى الذى تجّلى فى الجسد”(1تيمو16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله

وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله.

 يـا عذراء العـذارى: تعددت أقوال آباء الكنيسة فى القرون الأولـى للمسيحية أمثال القديس جيروم والقديس أغسطينوس معلنة عن إيمانهم ببتوليـة العذراء الدائـمة، ولهذا تؤمن الكنيسة دائـما ببتولية العذراء. ولقد كان لهذه البتولية من التأثير على الحياة الروحية فى الكنيسة جمعاء وخلال تاريخ الكنيسة عبر الأجيال كثير من الرجال والنساء كرّسوا ذواتهم للـه وعاشوا حياة بتوليـة وفى عفـة وطهارة كتعبـير عن حبهم للقديسة مريم وإبنهـا يسوع. بهذا قدمت القديسة مريـم للفتيات والفتيان العذارى مثالاً يحتذى بـه فهى قدمت نـموذجا للحياة اللائقـة بالسماء (البتوليـة) فنذرت نفسها للرب وكانت عذراء فى جسدها وروحـها وصورة لهـا بطاعتـها وخضوعهـا لـمشيئة الله وإلتصاقهـا بـه، فإستحقت أن تكون شفيعة للعذارى والرهبان والراهبات والـمكرّسات فى كل عصر وآوان ومثالا لهم فى إنكار الذات والعِفـة والتكريس ومحبـة الله.

 يـا أم سيدنـا يسوع الـمسيح: يحوى العهد الجديد العديد من الآيات التى تشير بأن مريم هـى أم

يسوع: – جاء فـى بشارة الـملاك لـمريم:”هـا أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسـمينه يسوع”

(لوقا31:1-33).

– “يايوسف يا ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك لأن الذى حبل بـه فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنـه يخلص شعبه من خطاياهم”(متى20:1-21).

– ” ولـما تمت ثمانيـة ايام ليختتنوا الصبي سمى يسوع كما تسمى به من الـملاك قبل أن حبل به فى البطن”(لوقا21:2).

– “كان عُرس فى قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك”(يوحنا1:2).

– وكانت واقفات عند صليب يسوع امـه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم الـمجدلية، فلما رأى يسوع امـه والتلميذ الذى كان يحبه واقفا قال لأمـه يا امرأة هوذا ابنك”(يوحنا25:19-26).

فمريم إذن هى أم يسوع.

ولقب “أم سيدنا يسوع الـمسيح” يساعدنـا أكثـر على التعرف على يسوع إبن الله والكلمة الـمتجسد. إن الإسم الذى أعطى لـه “يسوع” يشير الى كونـه الـمخلص كما أعلن ملاك الرب ليوسف”لأنه هو الذى يخلّص شعبـه من خطاياهم”(متى21:1)، وهو الذى جاء عنه فى كتب الأنبيـاء، الـمسيّا الـمنتظر، الـممسوح، ومتمم جميع النبؤات التى قيلت عنه فى العهد القديـم. وعندما نقول “يسوع الـمسيح” فهذا إعلان واضح وإيـمان قوي بأن من ولدتـه مريـم العذراء هو هو الـمسيح رجاء الأجيال وحكمة الله الـمعلنـة، وسلامـنـا ورئيس كهنـتـا ومخلصنـا الحبيب.

يـا أم النعـمة الإلهيـة: النعـمة هى عطيـّة سماويـة بل هِبـة إلهـية يـمنحهـا الله للنفس، فيقدسها ويجعلهــا وارثـة لـمجده. بهذه النعـمة يرتقـى الإنسان إلـى مقام يفوق مقام طبعه الإنسانـى، ويصيـر كفؤاً لأن يشاهد الله. يسوع هو ينبوع ومصدر كل النِعم، بل هو النِعمة السماويـة بذاتهـا، وكل نِعمة نحصل عليهـا نحن البشر فهى صادرة منـه وحده. مريم العذراء قد نالت هذه النعمة حتى ان ملاك الله دعاها” يا ممتلئة نعمة”(لوقا28:1).

هى ام السيد الـمسيح وباتحادها بـه تصبح امـاً للنعمة الإلهية، وأي نعمة قد نالتهـا فمصدرهـا إبنهـا، ومثال لذلك هو عند زيارة العذراء الى بيت زكريا الكاهن فلقد حملت الى نسيبتها القديسة اليصابات النِعمة السماوية كلهـا “يسوع” “فإرتكض الجنين”و”امتلأت اليصابـات من الروح القدس”(لو41:1). إن مريم هـى أم يسوع، ومهـمة الأم أن توزع من النعـم الإلهيـة على أولادهـا

لكي تشجعهم على الإقتراب والحيـاة مع إبنهـا يسوع.

يـا أمـاً طاهـرة: الطهارة أو النقاوة هـى صِفـة لكل مادة مفردة وغيـر مـمتزجـة بشئ آخـر، والنقاوة فـى الحياة الروحيـة هـى فضيلة تجعل عقل الإنسان وقلبـه وتصوراتـه وذاكرتـه خاليـة من كل شئ يـمكن أن يعكـرهـا، وللنقاوة مـيزات لا تحصـى لهذا صرخ داود قائلا: “قلبـاً نقيـّا أخلق فـيّ يـا الله”(مزمور12:50)، وجاءت كإحدى التطويبات التى أعلنها السيد الـمسيح فى موعظتـه على الجبل “طوبـى لأنقيـاء القلوب فإنـهم يعاينون الله”(متى8:5). الطهارة هـى الفضيلة الساميـة أو الفضيلة الـملائكيـة لأنهـا من صِفات الـملائكة.والطهارة هـى من صميم جوهـر قداسـة الله. كـما أن الحياة فى الطهـارة والقداسة هى شرط ضروري للحياة مع الرب، ففي سفر الرؤيا نرى 144 ألف قال عنهم الوحي الالهي:”افتدوا من الأرض هؤلاء الذين لـم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار هم التابعون للحمل حيثما يذهب ولـم يوجد فى أفواههم غش لأنهم بلا عيب قدام عرش الله”(رؤيا4:14-5). ويعلن لنا الـمرنم ” من يصعد الى جبل الرب ومن يقوم فى موضع قدسه النقي الكفين والطاهر القلب الذى لا يحمل نفسه الى الباطل ولم يحلف بالغش” (مزمور 3:23

-4). ومريـم العذراء حائـزة على كل هذه الصِفات من نقاوة القلب والفكر والإرادة.

يـا أمـاً عفيـفـة: العِفّـة فضيلة من شأنهـا أن تجعل جسد الإنسان وحواسـه فـى حالـة ساميـة وهـى أثـمن الكنوز ولذا فقد امتدحـهـا جميع القديسـين وقالوا عنهـا انهـا فضيلة ترفع الإنسان الـى مستوى أعلـى من الـملائكـة. ومريم العذراء تلك التـى “لـم تعرف رجلاً”(لوقا34:1) ترتفع أعـلى مكانـة من الـملائكة وقد حملت القدوس كلـمة الله بالروح القدس”لإن الروح القدس يحلّ عليك وقوة العلي تظلك”(لوقا35:1) فهـى بهذا قد إحتفظت ببتوليتهـا وعِفتهـا طوال حياتها على الأرض.

يـا أمـاً غيـر مدنسـة: “إن البتولية مع الفضيلة أجمل فإن معهـا ذِكراً خالداً لأنهـا تبقـى معلومـة عند الله والناس” (حكمة 1:4). ومريـم البتول كانت بلا دنس وظلت جميلة بلا عيب فى نظر الله ” كلّكِ جميلة ياخليلتى ولا عيب فيكِ”(نش7:4). مريـم العذراء أحبت الله بكل قلبها وكل نفسهـا وكل قوتهـا وكل قدرتـهـا (لوقا27:10)، لهذا سلّمت لـه نفسهـا وجسدهـا قائلة “هاآنذا آمـة للرب” (لوقا38:1).

يـا أمـاً بغيـر عيب: مريم العذراء هى التى قيل عنهـا “كالسوسنـة بين الشوك كذلك خليلتى بين البنات”(نش2:2)، ومريم كانت كل أفعالهـا بحب لهذا طوبتهـا الأجيـال. وهى التى كرّست حياتها للرب فأفاض عليها من النِعم حتى قد وصفهـا الكتاب الـمقدس قائلاًً:”جميلة أنتِ يا خليلتي “(نش 1:4) و”يـا حمامتـى يا كاملتـي” (نش3:5)، ولهذا جاء الـملاك محييـا إياهـا قائلا:” يا ممتلئة نِعـمة..مباركة أنتِ فـى النساء..إنكِ قد نِلتِ نعمة عند الله” (لوقا28:1و30). والكتاب المقدس يصف على لسان القديس يعقوب قائلاً:”إن الديانـة الطاهرة التى بلا عيب عند الله الآب هى إفتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقهم وحفظ الإنسان نفسه بغير دنس من العالم” (يعقوب27:1). وعندما يصف القديس بولس السيد الـمسيح فى رسالته للعبرانين فيقول عنـه: “إنـّا ليلائـمنـا حَبـرُ مثل هذا قدوس برئ زكىُّ متنـزه عن الخطـأ قد صار أعلى من السماوات”(عبرانيين26:7).

ان القديس برناردوس (1090-1153) يقول فـى عِظة له عن العذراء:”شاء الله أن يولد على الأرض فاقتضى اذن ان لا يولد إلا من عذراء واقتضى ايضاً اذا ولدت عذراء ان لا تلد إلا إلهاً، لذلك فلكى يصير خالق الانسان انساناً وجب عليه ان يخـتار، بل وان يصنع هو لنفسه اماًتكون لائقة به اليها ينظر برضـى، فكما هو نقي لاعيب فيه وجب ان يجعلها هى ايضاً نقيـةًلاعيب فيها”. ومريم العذراء عاشت دائماً بعيدة عن دنس العالم فإستحقت ان ندعوهـا “يـا أمـاً بغير عيب”.

يـا أمـاً حبيـبة: الـمحبة من حيث إنها فضيلة، لا لأنها تتناول فقط صفة العطف نحو الغيـر ومجاملته ومواساته حسب الظروف، بل انها صفة خاصة بقلب الإنسان بحيث تجعله يحب غيره فـى كل الأحوال لدرجة انه يفضله على نفسه. ومريم هـى الأم الحبيبة بكل معانى الكلمة فهى جميلة الخلق وطيـبة النفس وتتحلى بجميع الفضائل التى جعلت جميع المؤمنين يحملون لها الحب فهى امـاً حبيبـة لكل البشر. نحبهـا لأنهـا أم، ولأنهـا حائزة على جميع الفضائـل. ولكى يكون الإنسان محبوبـاً يلزم أولا أن يُحب، أي تكون لـه من الصفات التى تجعل الآخريـن تحبـه. ومريم تقدم الحب كل يوم للبشر وتستمع لطلباتهم وتتشفع لهم أمام إبنها الإلهي وتصنع العديد من معجزات الشفاء لهم فى كل مكان ولا ترد احد خائبـاً لأنها أم البشر ممتلئة بكل الحب

لأبناءهـا.

ومريم تستحق الحب لأن الله أحبهـا وغـمرهـا الروح القدس بجميع ثـماره “المحبة والفرح والسلام والأناة واللطف والصلاح والإيمان والوداعـة والعَفاف”(غلاطية22:5-23)، لهذا أحبهـا الـمسيحيون فى كل عصر وآوان وشُـيّدت الكنائس على إسمهـا ونُظمت الترانيـم والتسابيح والقصائـد عنهـا وأنشئت الجمعيات والرهبانيات والـمؤسسات الخيـريـة تـمجيداً وتعبيـراً عن حب الـمؤمنين لأمهم السماويـة.

يـا أمـاً عجيبـة: لا يـمكن أن يتولد العجب إلا إذ كانت هناك أعمال عظيمة ونادرة، فمثلاً عندما رأى موسى العلّيقة تتوقد بالنار وهى لا تحترق قال”أميل وأنظر هذا الـمنظر العظيم”(خروج3:3)، ومريم العذراء خصّهـا الله بـمزايا عجيبة فإنه جعلها أم الـمخلص وبقيت بتولا حتى موتهـا. وكانت عجيبة فـى إيـمانهـا وتواضعهـا وحبهـا لله الذى منحها إمتيازات خاصة جعلتها بحق أمـاً عجيبـة.

يـا أم الكنيسة: إن يسوع بوعده لنا ” لن أترككم يتامى” (يوحنا28:18 ) فأرسل لنا روحه

الـمعزي بعد قيامته وصعوده للسماوات. وأعطى الـمجد أن يحل الروح القدس على الكنيسة بوجود العذراء(اعمال14:1), فولدت الكنيسة فى ذلك اليوم وصارت العذراء أمــاً للكنيسـة(أعمال4:2).

فالعذراء مريم كانت موجودة فى البشارة وقبلت أن يتجسد إبن الله فى أحشائها البتول وسلّمت ذاتهـا بكليتهـا فى تواضع عجيب. وكانت موجودة عند الصليب عند أقدام إبنهـا الوحيد الذى بذل ذاتـه من أجل خلاص العالـم (يوحنا19:26-27). وها هى تتواجد عند حلول الروح القدس على

الرسل والتلاميذ يوم الخمسين.

وعن دور العذراء فى الكنيسة نجده مبينا اولا فى سفر الرؤيـا:”وظهرت آيـة عظيمة فى السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها اكليل من اثنى عشر كوكبا وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد، فولدت ابنا ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد”(رؤيا1:12-5) ان هذه الصورة ترينا العذراء على رأس الكنيسة –القمر- ومزانـة بشمس البر (يسوع) ومتوجة بالإثنى عشر تلميذا، وهى بهذا تربط ما بين الشمس والقمر او بين المسيح

والكنيسة.

لهذا دعاها البابا ليون الثالث عشر (مات 1903) فى رسالتـه البابويـة (سبتمبر 1895):” ان مريم هى أم الكنيسة ومعلّمة وسلطانة للرسل”. والبابا يوحنا الثالث والعشرين (مات1963) يدعو مريم قائلاً:”أم الكنيسة وأمنـا الأكثـر حباً”.

ان لقب “ام الكنيسة” أستخدم اول مرة بمعرفة اسقف ترافس فالأم التى أرادت مـجداً للكنيسة لا تزال تعود الى أبناء الكنيسة لتحقيق ومواصلة هذا الـمجد. إن يسوع لم يتركنا يتامى بل أرسل روحه القدوس وأرسل ايضا مريم أمــنـا.. إن عمل العذراء فى السماء هو إمتداداً لعملها على الأرض، فلقد لعبت دوراً كبيراً فى سر الفداء وفى ذبيحة الـمسيح الخلاصية وهذا الدور الفريد جعل وساطتها تختلف عن وساطة القديسين وشفاعتهم لتشمل الكنيسة بكاملها. “ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك وشفاعتكِ يا سيدتنا كلنا العذراء والدة الإلـه”(من صلاة الليتورجيا).

يـا أم الـمشورة الصالحـة: الحِكمة أو الفطنـة هـى فضيلـة من شأنهـا أن تؤهـل من اتصف بها أن

يحسن إختيار الطرق الـموصلة للخلاص. ان مريم فـى كل أدوار حياتهـا كانت فـى غايـة الحِكمة بل كانت مثال الحِكمة ولهذا فيـمكنهـا بـمثال حياتهـا أن تكون نموذجـا للـمشورة والحِكمة الصالحة والتى تقود الإنسان للخلاص والحياة مع الله. ويصف الكتاب الـمقدس يسوع المسيح بأنه حكمة اللـه، ومريم أم يسوع تُعطى من يلتجئ إليهـا يسوع الِحكمة الأزليـة وتسأل الروح القدس أن يهب الإنسان أن ” يعلم كل شئ” حسب وعد السيد الـمسيح لتلاميذه “وأما الـمعزّى الروح القدس الذى سيرسله الآب بإسمى فهو يُعلّمكم كل شئ ويُذّكركم كل ما قلتـه لكم”(يوحنا26:14). لقد أُضيف هذا اللقب لطلبة مريم العذراء بمعرفة البابا ليون الثالث عشر فى عام 1903.

يـا أم الخـالـق: ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، فى شخص الإبن يسوع الـمسيح وهكذا تدعى القديسة مريم والدة الإلـه. وإذا كان يـمكن أن نطلق على مريم لقب “والدة الإله” حسب ما أجمع عليه آبـاء الكنيسة فـى مجمعي افسس (431م) وخلقيدونية (451م)، فيمكن أن ندعوهـا بالتالى بأم الخالق.

يـا أم الـمخلّص: بولادة مريم لسيدنـا يسوع الـمسيح قد قدّمت الـمخلّص للعالـم. وعندما جاء

الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها “ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى” (لوقا32:1)، فالذى ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلص) وهو ابن العلي، الله الكلمة الـمتجسد، وعند ظهور الـملائكة للرعاة فى بيت لحم قالوا: “أنـه قد وُلد لكم اليوم مُخلص وهو الـمسيح الرب فـى مدينة داود”(لو11:2)- فتكون مريم هـى أم الـمخلّص.

يـا بتولا حكيـمة: الحكمة فهى فضيلة من شأنها أن تؤهل من إتصف بها أن يحسن إختيار الطرق الى الحياة الكاملة، ومريم فى كل أدوار حياتها كانت فى مثالاً للحكمة، فامـتثلت لإرادة الله وتحقق ذلك بطاعتها وتسليمها “لأن الرب يعطي حكمة ومن فـمـه الـمـعرفة والفهم” (أمثال1:2) ومريم إمتلأت من نعمة الله فأعطاها الحكمة والفهم والـمـعرفة فلقد قيل عنهـا”وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها” (لوقا 19:2).

يـا بتولا مكرّمــة: إن الـمـجمع الفاتيكاني الثاني يحث المؤمنين على تكريم مريم العذراء تكريما خاصاً، موضحا طبيعة هذا التكريم وإختلافه عن عبادة الله فيقول: “إن مريم قد رُفعت بنعمة الله، وإنـمـا دون ابنها، فوق جميع الـمـلائكة وجميع البشر بكونها والدة الإله الكلية القداسة الحاضرة فى أسرار الـمـسيح. لذلك تكرمها الكنيسة بحق بشعائر خاصة. وقد ازداد تكريم شعب الله لمـريم ازديادا عجيباً، خصوصا منذ مجمع أفسس، محققا بذلك كلماتها النبوية:جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع في عظائم (لو 48:1). فالكنيسة تقدم السلام للعذراء بخشوع واحترام كما قدمه لها الـملاك ولكن بغير عبادة فهي كأم الإله نكرّمها ونعظّمها جدا ونتشفع بها بينما نقدم العِبادة لإبنهـا الأزلـي”.

يـا بتولا مـمدوحـة: لقد مدحهـا الرب على لسان الـملاك جبرائيل: “مباركة أنتِ فـى النساء”(لوقا28:1)، ثـم على لسان أليصابات “مباركة أنتِ فـى النساء” (لوقا41:1) وحتى الآن لا ينقطع مديحهـا, ولقد احتفظت الكنيسة بنصوص ومدائح تكريـماً لـمريم العذراء كما تسلمتها من الرسل والآباء الأوائل وقد حفظت الكنيسة هذا التكريم كميراث روحي لفائدة الـمؤمنين.

يـا بتولا قـادرة: القدرة للـه وحده فهو ينبوع القدرة وهو الذى أعطى القدرة لإبنـتـه مريـم عروس الروح القدس وأم الإبـن الإلهـي. وهذه القدرة التى أعطاهـا الله للعذراء ظاهرة فى كيفية تكوينهـا وفى مدى إستجابـة الله لشفاعتهـا، ومن مِن القديسيـن أكثـر قدرة فـى الشفاعـة لله تعالـى من مريم أم القدوس؟.

يـا بتولا حنـونـة: الحنان والرحـمة هـى من صفات اللـه تعالـى ومـريـم أم الله وأم البشر يفيض قلبها بالحنان والرحمة. إن مــريم الأم لا تـتحمل أن ترى أبناءها فى خطر دون أن تحن عليهم وتسرع لحمايتهم وإنقاذهم. لم تترك مريم أبناءها لحظة واحدة، فبصلواتها وشفاعتها الدائمة أمام عرش إبنها الإلهي تحمي الأبناء وترعاهم، ولكن فى بعض الحالات تجد مريم نفسها مـجبـرة ومضطرة كأم الى التدخل الـمباشر فى عالـمنا وحياتنا، فتظهر لنا نفسها لتحمل رسالة تحذير لخطر لا نراه وهناك العديد من الظهورات للعذراء فى كل أنحاء العالـم تحمل كلها معنى واحد: “أنـــا مـريـم أمـكـم، توبوا وصلّوا، ولأنـي أفرح بخلاصكم”.

يـا بتولا أمـينـة: الأمانـة هـى القيام بواجباتنا نحو الله ونحو القريب ونحو أنفسنـا” فمن هو هذا العبد الأمين الحكيم الذى أقامه سيده على خدمه ليعطيهم الطعام فى حينه طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل ذلك”(متى 45:24) ومريم كانت أمينة على النعم الـموهوبـة لهـا فى خدمتها بالهيكل وخدمة المسيح طفلا وشابا ورجلا وأيضاً كانت دائمـاً أمينة فى حفظها للشريعة وفى العمل والوقت والخدمة.

يـا مرآة العـدل: الـمِرآة تعكس الصورة طبق الأصل ومريم تعكس بصورة أمينة طبق الأصل فضائل السيد الـمسيح، شمس العدل كـما يصفه ملاخـي النبي “وتُشرق لكم أيهـا الـمُتقون لإسمـى شمس البـِر”(ملا3:4). فلاغرابـة إذن من أن يصف القديس الفونس دى ليجورى مريم بأنهـا كالقـمر الذى يعكس أشعـة الشمس على الأرض، وهى أيضا لا تعكس إلاّ صورة حقيقيـة للإنسان الـمخلوق على صورة الله ومثالـه “خلق الله الإنسان على مثال الله عَمِلَـه” (تكوين 1:5).

 يـا كرسي الحكـمة: الكنيسة دعتها بكرسي الحِكـمة لأن الحكمة الإلهية يسوع المسيح قد حل فيها ومنها تدفق نهر الحكمة الإلهية الذى يحمل مياه التعليم الـمستقيم ويجرف أمامه كل الأباطيل. ولأنها مقر الحِكمة، أي يسوع، فهى مقر طاهر نقي، ولهذا طبـّقت الكنيسة وصف الكتاب الـمقدس للِحكمة على القديسة مريم” لأنهـا ضياء النور الأزلي ومِرآة عمل الله النقيـّة وصورة جودتـه”(حكمة 26:7).

يـا سبب سرورنـا: السرور الحقيقي يأتـى من السلام الداخلي. والسعادة بمعنى الكلمة لا يمكن وجودهـا إلاّ عند من كان متحداً برب الفرح الحقيقي يسوع المسيح. فإذا كان يسوع هو سعادتنـا الحقيقية، فمريم هي سبب هذه السعادة لأنها ولدت لنا يسوع الـمسيح. آدم وحواء طردا من الفردوس فتوالت عليهما الأحزان، ولكن كان وعد الله بـمجئ الـمخلص يوما ما عن طريق إمرأة وهو الذى يسحق رأس الحيـّة، وهذه السيدة هى مريم التى أعادت للإنسان فرحـه بمجئ المخلص. وهـى ايضا سبب سرورنا بتشجيعها للخطأة على التوبـة، وشفائها الـمرضى بقوة الرب وبتعزيتهـا للحزانـى.

يــا إنـاءاً روحيـاً: الكنيسة دعتها “إنـاء روحياً” لأنها مـمتلئة من كل النعم الإلهية وكما كان بولس الرسول إناءاً مختاراً من الله للخدمة والتبشير (اعمال 15:9)، كانت مريم العذراء إناءاً مختاراً من الله لحمل القدوس الذى بلا خطيئة فصارت بهذه النِعمة إناءاً روحيـاً يستقي منه الـمؤمنون فى كل مكان وفى كل زمان.

يـا إنـاءاً مكرمـا: كان هناك إنـاء موجود فى هيكل سليمان معد لحرق البخور تمجيداً للـه وإنـاء

آخـر موجود داخل تابوت العهد به جزء من الـمن السماوي، وكان للهيكل ولتابوت العهد مكانـة مقدسـة عند جميع الشعب ويحظـى بكل إكرام وتبجيـل لأنـه كان يعنـى حضور اللـه وسط شعبـه، ومريـم هو هذا الإنـاء الـمقدس الذى حمل يسوع الله الكلـمة ولهذا فإستحقت التطويب والإكرام. ويُعلن الروح القدس على لسان أليصابات هذا التكريـم للعذراء مريـم وإبنهـا يسوع فتنطلق من فـمها هذه التحيـّة:” مباركـة أنتِ فـى النساء ومبارك ثـمرة بطنك” (لوقا42:1).

يـا إنـاء العبادة الجليلـة: التقوى هى عبادة الله وحبه من كل القلب والنفس والقدرة”أحبب الرب إلهك بكل قلبِك وكل نفسِك وكل قدرتك وكل ذِهنك”(لو27:10). والعذراء مريم إمتازت بعبادتهـا لله الكاملة بإيمانهـا ورجاءهـا وطهارتهـا وكانت كل أفكارها ونياتها وحواسها كلها متجهة نحو الله. لقد أتـممت رسالتها على الأرض مشابهة فى ذلك إبنهـا الإلهي القائل لأبيه السماوي:”أنا قد مجّدتك على الأرض وأتـممت الـعمل الذى أعطيتنى لأعمله”(يوحنا4:17). لقد أضافت لها الكنيسة هذا اللقب “يا إناء العبادة أو التقوى الجليلة أو السامية” لأن مريم العذراء تعطى صورة صادقـة وصحيحة للعبادة الحقّة لله.

يا وردة سريـة: فى كتاب نشيد الأنشاد نقرأ “أختى العروس جنّة مقفلة”(نش12:4) و”كالسوسنة بين الشوك كذلك خليلتى بين البنات”(نش2:2)و “أنا لحبيبي وحبيبي لي. هو الذى يرعى بين السوسن”(نش3:6). وفى كتاب ابن سيراخ نجد:”فاح عطري.. وانتشرت رائحتي”(ابن سيراخ20:24)، “أنا كالكرمة الـمنبتة النعِمة وأزهاري ثـمار مجد وغِنى”(ابن سيراخ23:24)و “أنبتوا كورد مغروس على نهر الصحراء..أزهروا كالزنبق.أنشروا عرفكم وسبّحوا بترنيمكم. باركوا الرب على جميع أعماله”(ابن سيراخ17:39و19)، “كالنخل فى السواحل وكغِراس الورد فى أريحا”(ابن سيراخ18:24). كما قال القديس برناردس: ان الرب قد غرس كل الزهور فى جنّتـه زنبق الطهارة، وبنفسج التواضع، ووردة العِفة فى مريم العذراء. والقديس الفونس دى ليجورى قال: كـما ان الوردة البيضاء هى رمز للطهارة والوردة الحمراء هى رمز للمحبة والتضحية فلهذا تصبح مريم فى الحقيقة “الوردة”. وكما أن الوردة تنمو وسط الشوك ولكنها هى فى ذاتها خالية من الشوك، ومع هذا فرائحتها الذكية تنتشر كذلك العذراء ولدت وسط أشواك العالم وهى خالية من شوكة الخطيئة وأفاضت برائحتها الذكيّة وفضائلها على كل من يقترب منها. وفى بعض الظهورات لـمريم العذراء فى المكسيك (1531) او لورد كانت تصحبها ظهور ورود كعلامـة لغير الـمؤمنين.

أما كلمة “سريـّة” فتعنى مختفية او غير علنيـة. فأسرار الكنيسة كالعِماد والزواج والإفخارستيا يطلق عليها كذلك لأنها تحمل قوى روحيـة ولأنها نعمة غير منظورة تتخطى العلامات الـمحسوسة كالـماء أو الخبز وثمار الكرم. وهكذا فجمال نفس مريم وقوة شفاعتهـا يرمز لهـا بالوردة التى تتخطى كل ما يمكن أن نراه ونلمسه او نتصوره.

يـا أرزة لبنـان: لقِدم شجرة الأرز وثباتها وقوة تحملهـا إستخدم الـملك سليمان خشب الأرز الذى جلبـه من لبنان لبناء بيت الرب “فبنى البيت وأكمله وسقفـه بجذوع وألواح من الأرز”(3ملوك9:6)، وقد ملأ مجد الرب البيت بعد اكتمالـه (3ملوك11:8). ومريم العذراء لأنهـا أستخدمت لبناء هيكل الرب فقد شبهتها الكنيسة بالأرز لأن مريم هـى بيت الرب الـمُختارة منذ الأزل ليحلّ فيهـا عـمانوئيل.

يـا برج داود: هذا اللقب النبوي يعود أصله الى نشيد الأناشيد: “عُنقك كبرج داود الـمبنى للسلاح

الذى علّق فيـه ألف مِجن جميع تروس الجبابـرة” (نشيد الأناشيد 4:4). ولقد كان قديـماً برج الـمدينة هو خط الدفاع الأول، ومكان الـمراقبة والإنذار لأي خطر قادم. وبرج داود هو عبارة عن قلعة بناها داود الملك على جبل مرتفع مملوءة بالجنود والأسلحة وبها تكون أورشليم محصّنـة. ومريـم يمكن تشبيهها بالبرج القوى الذى يدافع عن الإيمان ويقاوم الشيطان ويرده عن أورشليم الكنيسة الجامعة. وكـما أن هذا البـرج كان مرتفعا يرى جميع الأعداء فمريم أم يقظة ترشد أبناءهـا وتحميهم ضد حرب الشيطان.

يـا برج العـاج: برج يحـمى الأبنـاء ومصنوع من العاج وهو شئ ثـمين ونادر، ومـريـم إمرأة نادرة فلا يوجد سوى أم للإلـه واحدة وملكة واحدة للـمخلوقات والـملائكة، وكـما أن العاج متين فـمريم بلا شك قويـة وتقاوم أعداء الكنيسـة. وفى كتاب نشيد الأناشيد نجد وصف للعنق الذى يحمل رأس الجسد من انـه “عُنقكِ كبرج من العاج” (نش 4:7)، ورأس الجسد هذا هو السيد الـمسيح كما جاء فـى رسالة القديس بولس:”وجعله رأساً فوق الجميع للكنيسة التى هـى جسده”(افسس22:1)، ورأى آبـاء الكنيسة فـى هذا العنق مريم العذراء التى حملت السيد

الـمسيح.

يا بيت الذهـب: الكنيسة دعتها ببيت الذهب لأنها جمعت من هبات النعمة وإمتيازات الـمجد ما جعلها تفوق الذهب فى مكانته. بيت الذهب هو هيكل سليمان والذى بناه 1500 عامل مدة سبع سنوات وكان من الداخل مرصعا بالذهب وكان يسمى وقتئذ ببيت الذهب (2أخبار5:3-10). هيكل سليـمان كان يُعبد فيه الله ومريم هى التى حملت الإله فى أحشائها وهى بذلك تشبه هيكل سليمان.

يـا تابوت العهـد: صنع موسى تابوت العهد بأمـر الله(خروج10:25-21)، ومريـم مختارة ومُعدّة منذ الأزل للخلاص. وكان التابوت يحوى إنـاء ذهبـي بـه قليل من الـمنْ السماوي وعصا هارون ولوحـي الوصايـا، ومـريـم حوت كل هذه الكنوز فهـى حملت الخبـز الحقيقـي النازل من السماء، والكاهـن والـمشرّع الأعظـم يسوع الـملك. وبعد خراب أورشليم الأول سنة 596ق.م. إختفـى تابوت العهد، وعندمـا أعيد بناء الهيكل سنة 520ق م، تُرك “الـمكان الـمقدس” فارغـاً وكان هذا الفراغ علامـة رجاء وإنتظار لمجئ الله من جديد فـى الأزمنة الأخيرة، حتى جاء يسوع الـمسيح الـمخلّص ليسكن فـى بطن العذراء فجعلهـا تابوت العهد الجديد الـمقدّس.

 يـا باب السـماء: “الباب” يـمثل الـمدخل لـمكان ذى أسوار أو لـمكان يصعب الدخول إليـه إلاّ عن طريقـه. والكتاب الـمقدس يذخر بأمثلة عديدة عن “الباب”:”إرفعن رؤوسكن أيتها الأبواب وإرتفعن أيتها الـمداخل الأبديـة فيدخل ملك الـمجد”(مز7:23)، و”هذا باب الرب فيه يدخل الصدِيقّون”(مز20:117)، “أنا الباب. إن دخل بـى أحد يخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعـى” (يوحنا9:10). وفى رؤيـا يعقوب عندما رأى فى حُلم كأن سلـماً منتصبة على الأرض ورأسها إلـى السماء وملائكة الله تصعد وتنزل عليها (تكوين12:28) وبعد أن استيقظ يعقوب من نومـه خاف وقال: “ما أهول هذا الموضع ما هذا إلاّ بيت الله هذا باب السماء”(تكوين17:28)، ورأى مفسرو الكتاب الـمقدس فـى هذا السلّم رمزاً عن مريم العذراء التى نزل الله الكلمة عليه للأرض وتُصبح بهذا مريم “سلّم السماء”. ورأى الآباء فى وصف رؤيـا حزقيال النبي من انـه “دخل مجد الرب إلـى البيت من طريق الباب الذى وجهه نحو طريق الشرق”، ومن أن “هذا الباب يكون مُغلقـاً لا يُفتح ولا يدخل منه رجل لأن الرب إلـه إسرائيل قد دخل منه فيكون مُغلقا” (حز4:43، 2:44) من أن هذا الباب الـمغلق هو مريم. وفى وصف يوحنا الإنجيلي عن أبواب أورشليم السمائيـة ومن أنهـا من اللؤلؤ ما هو إلاّ صورة لبهاء وطهارة مريم (رؤيا21:21). ومريم فتحت لنـا باب السماء لأنهـا ولدت يسوع الذى فتح لنـا السماء بعد غلقهـا بخطيئـة آدم وحواء.

يـا نجمـة الصـبح: الكنيسة دعتها بنجـمـة الصبح لأن هذه النجمة تحمل النجاة والخلاص للتائهين فى البحار ولأن هذا النجم يـبشر بظهور الشمس. ومريم بأشعة قداستها وظهورها بشرت الـمتألـمين والجياع والأرامل والحزانى بقدوم شمس العدل الـمضيئة لكل إنسان على الأرض “يسوع الذى يخلص”، ولهذا ترنم الكنيسة قائلة:”من هذه الـمشرقة كالصبح اجميلة كالقمر الـمختارة كالشمس الـمرهوبة كصفوف تحت الرايات”(نش10:6). وكما يقول القديس برنارد:”كما يعطى النجم ضوءه بدون ان يفقد اي شيئ من طبيعته، هكذا مريم اعطتنا إبنها بدون ان تفقد اي شيئ من بتوليتها. والأشعة الـمضيئة للنجم لا يفقد أي شيئ من جماله، هكذا لم يأخذ إبنها أي شيئ قد يفقد طهارة أمـه”. والقديس افرام يدعو مريم قائلاً:”ميناء الخلاص لكل من يـبحر فى بحر العالم”، والقديس توما الإكويني يقول: “كما يوجه البحارة سفينتهم للميناء مسترشدين بالنجوم هكذا المسيحيون بمعونة مريم العذراء تقودهم لـميناء الـمجد الأزلي”. أما القديس برناردس فلقد قال فى إحدى عظاته:”عندما تجد نفسك تتخبط وسط عواصف بحر هذا العالم وبعيدا عن أرض النجاة، فوجـه نظرك لهذه النجمة لتتجنب الكارثة. وعندما تجتاحك رياح التجارب او صخور الضيق والشقاء، أنظر الى أعلى للنجمة وإدعوا مريـم”.

يـا شـفاء الـمرضـى: كـم صنعت أيقونـات مريم العذراء وصورهـا من العجائب وشفت الألآف من الـمرضـى، لهذا تُدعـى بـ “دواء الخطـأة” ويدعوهـا القديس إفرام بـ “صحة الخطأة”، ولهذا فكل من يلتجئ الى مريم ليس فقط يجد لديها العلاج بل الصحة ايضا ولقد وعدت مريم فى احدى ظهوراتهـا قائلة: من يجدنـى سيجد الحياة وينال الخلاص من الله كـما جاء على لسان الوحـى الإلهـى ” من وجدنـى وجد الحياة ونال مرضاة من الرب” (أمثال35:8). فمريم كأم سوف تضمد جراحاتنـا وتخفف الآلامنـا وتقودنـا للتوبـة والشفاء من أمراض النفس والجسد.

يـا ملجـأ الخطـأة: نلتجئ لـمريم لأنهـا أم مثلنـا وعليه فنحن نشعر بجاذبية خاصة نحوها لتشفع لنا عند ابنها الإلهـي. ففى الواقع لا يتجاسر الخاطئ فى كثير من الظروف أن يذهب رأساً إلـى يسوع لإستغفاره، وذلك لأنـه يعلم كل العِلم إن يسوع هو إلهـه وخالقـه، الرب العظيم الذى أهانـه وأغضبـه وداس وصايـاه، ولكنـه لا يخشى التقرب إلـى والدة يسوع ويطلب شفاعتهـا، لأنهـا ليست إلهه وخالقه، وليست ربـه وديـّانـه، إنـما هـى أم حنون ترثـى لشقاء إبنهـا الضال الخاطئ، فتقوده إلـى إبنهـا الإلهـى، طالبـة العفو والغفران.

يـا معزيـة الحزانـى: إختبرت مريـم الألـم والحزن فهى التى جاز سيف من الأوجاع فى نفسها(لوقا35:2) فقد فقدت رجلهـا يوسف النجار ثـم فقدت إبنهـا وذاقت مرارة الألـم ولا يجد الإنسان أحسن من شخص قد تألـم ليعزيـه، كما جاء عن السيد الـمسيح “لأنـه إذ كان قد تألـم وابتلـى فهو قادر على أن يُغيث الـمُبتليـن”(عبرانيين18:2).

يـا معونـة المسحيين: يوجد فى التقليد الكنسي صلوات وتضرعات لـمريم العذراء يرجع تاريخها للقرن الثالث الـميلادي ومرفوعة لـمريم طالبة حمايتها وشفاعتها للإنقاذ من كل خطر. وطوال تاريخ الـمسيحية حتى يومنا هذا تمتلئ الكنيسة بالـمدائح والتضرعات والتسابيح والترانيم لـمريم العذراء لتشترك معنا فى شركة الصلاة إلى الله. ولقد أدخل لقب “معونـة النصارى” فى طلبة العذراء بـمعرفة البابا بيوس الخامس فى عام 1571 وذلك لأنه فى ذلك الوقت هاجمت الجيوش العثمانية دول شرق البحر الأبيض الـمتوسط حتى حدود شبه الجزيرة الإيطالية، وهنا كونت الدول الأوربية التى كانت خاضعة لسلطة بابا روما تحالفاً لصد هذا الهجوم الزاحف. وفى موقعة بحرية كبيرة يوم 7 سبتمبر من عام 1571 إنهزم اسطول الجيش العثماني وتقهقر أمام أسطول الدول الـمسيحية وفى إثناء تلك الحرب طلب البابا إقامة الصلوات وتلاوة الـمسبحة الوردية للتوسل لله بأن يحفظ الكنيسة فى أوربـا، وأعلن بعدها البابا إضافة هذا اللقب لأنهـا دائـمـا معينـة للـمسيحيين فى كل عصر وآوان.

يـا سلطانـة الـملائكة: مريـم هـى أم الـملك و السلطـانـة لأن يسوع إبنهـا هو الـملك و السلطان الذى تسجد له جميع ملائكة الله (عبرانيين6:1). ومريـم العذراء إرتفعت بالطبيعة البشريـة الى حالة من الـمجد تأهلت أن يتخذ منها ابن الله جسداً لـه. من أجل هذا يرفع التقليد الكنسي كرامـة العذراء فوق الـملائكة وكل الرئاسات الملائكية ويطلق على مريم “سلطانـة الملائكة”، فالـملائكة بالرغم من كونهم أرواحاً ناريـة إلاّ انهم لم يـبلغوا من اللياقـة ما يؤهلهم لقبول طبيعة الله الناريـة، أما مريم الفتاة الـمباركة فقد احتوت فى لحمها ودمها طبيعة الله الناريـة تلك التى ترتعب منها الـملائكة وبذلك استحقت هذه الـمكانـة بأن تكون “سلطانة الـملائكة”.

 يـا سلطانـة الآبــاء: الآبـاء هـم ابراهيم واسحق ويعقوب، والله هو “إلـه ابراهيم وإله اسحق وإلـه يعقوب”(خروج6:3)، ومكانـة مريم العذراء كسلطانة وكـملكة تعلوا مكانـة الآبـاء لأنهـا هـى التى ولدت “ابن الله”(لوقا35:1). فمريـم فاقت إيـمان ابراهيم وعظمة داود وحكمة يوسف، فلقد مارست طوال حياتها الإيـمان والصبر والحكمة وكل أنواع الفضائل فإستحقت ان تلقب بـ”سلطانة الآبـاء”.

يـا سلطانـة الأنبيـاء: فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم فى درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس فى الذهن والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له. ولقد أرسل اللـه الأنبياء فـى القديـم للشعب العِبـرانـى ليعلنوا مشيئـته ويخبروا الشعب عن الـمسيح الآتـى لخلاص العالـم، ومريـم هـى التى حققت جميع تلك النبوات وولدت مخلص العالـم.

والعذراء أعلى من الأنبياء لأنهـا أولا نبيّة وأتت بنبوة أعلى مما أتـى به الأنبياء فلقد نطقت مريم بعظائم الله “فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحـي بالله مخلّصي لأنـه نظر الى تواضع آمتـه فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنـى لأن القديـر صنع بـي عظائـم وإسمه قدوس” (لوقا46:1). ولقد تحققت بالفعل تلك النبوة وكل الأجيال تطوب مريم العذراء وتكرّمهـا. إذن فنحن أمام نبوة فائقة تلقى ضوءا باهرا على شخصية العذراء وتضعها فى مستوى أعلى من كل ما عداهـا من الأنبيـاء وكل بشر.

يـا سلطانـة الرسل: الرسل هـم الإثنـا عشر تلميذا الذين اختارهم الرب يسوع الـمسيح ليعاينوا حوادث حياتـه على الأرض ويشهدوا لـه أمـام العالـم بعد حلول الروح القدس عليهم، ومريـم أم يسوع أي أم الـمعلّم والرب والقدوس فمكانتهـا تعلوا مكانـة الرسل لكونـهـا أم الله ونجد فـى كتاب الرؤيـا شاهداً لـمكانـة مريـم العظيـمة: ” وظهرت فـى السماء آيـة عظيـمة امرأة ملتحفـة بالشمس وتحت قدميهـا القمر وعلى رأسهـا إكليل من اثنـى عشر كوكباً”(رؤ1:12) وأجمع اللاهوتيون أن هذه الـمرأة هـى مريـم التى أشرق منها شمس البِر، فالشمس الـمتسربلة بها هو ربنا يسوع المسيح، والقـمر الذى تحت رجليهـا هو يوحنا المعمدان أمـا الكواكب الإثنا عشر التى على رأسهـا فهم رمز للإثنـى عشر رسولاً محيطين بهـا يكرمونهـا. وهـى أيضـا سلطانة الرسل لأنهـا قد رافقتهـم فى حمل الرسالة الخلاصيـة للعالـم حتى بعد موتهـا وإنتقالهـا وجلوسها عن يمين إبنهـا الإلهـى فهى تواصل عملها الرسولي بنشر رسالة إبنهـا الإلهـى فـى جميع ظهوراتهـا فـى العالـم.

يـا سلطانـة الشهداء: شهداء الـمسيحية كانت لهم حماسة وشجاعة وإيـمان ووداعـة وصبـر وإحتمال وفرح الإستشهاد، ومريـم تفوق مكانـتهـا هؤلاء الشهداء فلقد تحملت سيف التغرب ( هروبها بالطفل الى ارض مصر وحياتها فى مدينة الناصرة)، وتحملت سيف الإذدراء، وسيف الهروب، وسيف اليتم، وسيف الترمل، وسيف فقد وحيدها على الصليب فصدقت فيهـا نبؤة ارميا النبي القائلة: ” ماذا أُشبّـه بكِ يا بنت أورشليم ماذا أساوي بك فأُعزّيكِ أيتهـا العذراء بنت صهيون”(مراثـى ارميا 13:2) لأن سيف الألـم غُرس فـى نفسهـا كنبؤة سمعان الشيخ “:وأنتِ سيجوز سيف فـى نفسِك حتى تُكشف أفكار من قلوب كثيرة” (لوقا35:2) منذ أن قبلت بإستسلام أن تكون آمـة للرب (لوقا35:1). ومريم هى أم الشهيد الأعظم يسوع الـمسيح فتصبح بذلك أم وسلطانـة لجميع الشهداء.

يـا سلطانـة الـمعترفيـن: الـمعترفـون هـم الـمسيحيون الذين جاهدوا فـى سبيل الإيـمان فـى أزمنـة الإضطهاد وذاقوا ألوان العذاب ولكن اللـه لـم يسمح بأن يسفكوا دمهم من أجلـه فـى الوقت الذى كانوا فيـه على أتم إستعداد لذلك ولقد أعلنوا قوة إيـمانهم بسيرتهم الحسنة. وللـمعترفين مكانـة خاصة فـى الكنيسة فهى تذكرهم عقب الشهداء مباشرة فى تسابيحها وفى مجمع القديسين فى القداس الإلهـي. وعندما يطلق على مريم انها سلطانة للـمعترفين فهذا يعنى ان إيـمانها يفوق كل الـمسيحين وانها أم لكل الـمؤمنين أعضاء كنيسة إبنها الإلهي وحياتهـا وإيمانهـا كانت القوة الدافعة لكثير من القديسين وغيرهم لتعلن حياتهم عن قوة إيمانهم تشبهاً بأمهم مريم.

يـا سلطانـة العذارى: لأن مريـم هـى مثال للعذارى فـى كل مكان وزمـان فهى لـم تفقد بتوليتهـا حتى وهـى أم، لهذا فهى تفوق جميع العذارى فى كونهـا إحتفظت ببتولية القلب والفكر والروح وحتى الجسد طوال حياتهـا على الأرض.

وجميع الـمدائح والتطويبات والترانيم والتسابيح تعكس فِكر الكنيسة منذ الأجيال الأولـى وحتى اليوم عن العذراء دائـمة البتوليـة. ونطلق على مريم انها سلطانـة للعذارى لأن كل من وهب نفسه لله تعالـى يرى فى بتوليتهـا القوة والرجـاء والـمعونـة والقدوة.والقديس بولس يعلن قائلا: “الـمرأة الغير الـمتزوجـة والعذراء تهتم فيـما للرب لتكون مقدسة فى الجسد وفى الروح”(1كورنثوس24:7). لهذا وجد العذارى فـى مريـم كل العون والقوة لتقديس النفس والجسد من أجل الـملكوت.  

 يـا سلطانـة جميع القديسـين: فـى رؤيـا القديس يوحنـا نجد “جمع كثيـر لايستطيع أحد أن يُحصيـه من كل أمـة وقبيلة وشعب ولِسان واقفين أمام العرش وأمام الحَمل لابسين حللا بيضا وبأيديهم سعف نخل..هؤلاء هم الذين أتوا من الضيق الشديد وقد غسلوا حُللهم وبيضوهـا بدم الحَمل لذلك هم أمام عرش الله”(رؤ9:7) وهؤلاء هـم القديسون. الكنيسة تضع السيدة العذراء مريم فى هؤلاء مقدمة القديسين لأن السمائيين ما هم إلا أرواح خادمة مرسلة لخدمة العتيدين ان يرثوا الخلاص (عبرانيين14:1)، أما العذراء مريم فهى أم الله، والفرق طبعا شاسع بين الأم والخادم.

يـا سلطانـة السموات والأرض: سلطانة السموات لأنهـا متوجـة بتاج العظمة والمجد لأنهـا والدة الكلمة المتجسد وهى تتطلع من عليائها بالرحمة والحنان على أبناء البشريـة، وسلطانة الأرض لأن لها مملكة واسعة النطاق حيث لها العديد من الكنائس والإيبارشيات الـمشيّدة على إسمهـا فـى جميع أنحاء الأرض بالإضافة إلـى كثير من الدول والـممالك التى اتخذت العذراء شفيعة ولها أبناء عديدون يدينون لهـا بالخضوع والحب والولاء لأنهـا أم يسوع وأمهـم. إن مريم صارت حقاً سلطانـة السموات والأرض فـى الوقت الذى أصبحت فيـه أم الله صانع السموات والأرض (مزمور2:120).

 يـا سلطانـة حُبـل بهـا بلا دنس الخطيئة الأصلية: تحدد عقيدة الحبل بلا دنس ان مريم العذراء وحدها وُجدت منزهـة عن الخطيئة الأولـى فمريم دخلت العالم وهى ممتلئة نعمة وذلك منذ لحظة الحبل بها من أبويها. وهذه النعمة الخاصة قد أُعطيت لها بصفة فريدة وإستثنائية نظرا لاستحقاقات ابنها المسيح الفادي فلكي يتجسد ويصير إنسانا كاملا كان لا بد له من طبيعة إنسانية كاملة غير ملوثة بالخطيئة، لذلك وجب أن تكون تلك الأم التى سيأخذ منها طبيعته البشرية طاهرة بريئة من كل دنس الخطيئة ومن هنا نتج ضرورة منح العذراء بالرغم من كونها حُبل بها طبيعيا كأي إنسان بشري، إمتيازا خاصا يحررها من الخطيئة الأصلية التى يتوارثها الجنس البشري وهكذا تكون العذراء قد تمتعت بالنعمة المبررة وهى بعد فى أحشاء أمها وهىحالة النعمة التى تمتع بها الإنسان الأول فى لحظة خروجه من يد اللـه. لقد اضاف البابا بيوس التاسع هذا اللقب لطلبة مريم العذراء فى عام 1854.

يـا سلطانـة إنتقلت للسماء بالنفس والجسد: أعلـن البابا بيوس الثانــى عـشـر فى 1/11/1950فى رسالته البابوية “إن والـدة الإلـه المنـًزهـة عـن كـل عيـب,مـريـم الدائـمـة البـتـوليـة, بعـد أن أنهـت مـجـرى حـيـاتـهـا الأرضــيـة, رٌفـعـت بجسـدهـا ونفـسـها إلـى المجـد السمـاوي” وهـكـذا تحتـفـل الكنيـسة الكاثوليكيــة فى أنحـاء العـالـم فى الخامـس عشر من أغسطس من كل عـام بهـذا العيـــد. إن إعـلان هـذه العقيدة يعبـر بشكل واضح عن إيمان الكنيسة منذ القرون الأولـى

للمسـيحـية.

إن إنتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح الذى حـل عليها وأحيا جسدها لتصير أمـاً لابن الله, هو نفسه يكمـل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي لأن مريم العذراء كانت فى جسدها ونفسها مستسلمة إستسلامـا تــامـا لعمل الروح القدس. ولقد أضاف هذا اللقب لطلبة مريم العذراء البابا بيوس الثانى عشر فى عام 1950.

يـا سلطانـة الورديـة الـمقدسـة: فى سنة 1883 أصدر البابا لاون الثالث عشر منشوراً للعالم الكاثوليكى يحثـه فيـه على ممارسة تلاوة الـمسبحة طلبـا لمعونـة السيدة العذراء وأمر بدرج لقب “سلطانة الورديـة الـمقدسة” فى طلبة العذراء الـمجيدة. عُرفت الـمسبحة منذ الجيل السابع وكانت قاصرة على تلاوة السلام الـملائكى.

كلـمة “الورديـة” تعنـى فـى معناها الأصلي تاج من الورد، وكانت العادة الـمتبعة عند الـمسيحيين فى أوائل الـمسيحية هو وضع أكاليل من الزهور تحت قدمي تـمثال العذراء مريم كنوع من الإكرام. و”صلاة الورديـة” مـا هـى إلاّ إكليل من الصلاة الخاصة لإكرام القديسة مريم العذراء مع التأمـل فـى حياة وآلام وموت وقيامـة ومجد السيد الـمسيح وحياة أمـه. و”الـمسبحة الورديـة” تتكون من شيئـان هـما الصلاة اللفظيـة أي الـمنطوقـة والتى تشمل صلوات مثل السلام الـملائكي و”الأبانـا”، و تأملات عقليـة وقلبيـة فـى الأسرار الأساسيـة لحياة وموت ومجد السيد الـمسيح وأمـه القديسة مريم.

ان عـظمة صلاة الورديـة تأتـى فـى كونهـا تحوى فـى أسرارهـا الأربعة (الفرح والنور والحزن والـمجد) على حياة وموت وقيامة ومجد السيد الـمسيح لكى نسعى للإتحاد بـه، ونقتدي بـحياتـه فنسير على طريق الكمال الذى مهّده لنـا بتجسدّه وموتـه وقيامتـه. ان حياة الإنسان تتلخص فى ثلاث أمور جوهريـة هـى:الجهاد فى الحصول على الرزق وهو شيئ مفرح، والـمشقّات التى تعترى الإنسان فى هذه الدنـيا وهى مُحزنـة، وأخيراً نتيجة هذا الفرح وهذه الأحزان الراحة والـمجد.وبتلاوتنـا لصلاة الورديـة بـما تحتويـه على مختصر حياة السيد الـمسيح فإنـما نتلوا عقيدة نؤمـن بهـا ونتعظ بهـا ونعـمل جاهدين على الحصول على الفضائل التى تحتويهـا للوصول

للسعادة الدائمة.

يا سلطانة العائلات: أضاف البابا يوحنا بولس الثانى فى 31 ديسمبر 1995 لقب “سلطانة العائلات” لطلبة العذراء مريم، على أن تضاف بعد “يا سلطانة الوردية المقدسة” وقبل “سلطانة السلام”. وهذا اللقب او الدعاء “يا سلطانة العائلات” يتماشى فى الحقيقة مع كون مريم العذراء هى “ام الكنيسة”. فالأسرة هى عبارة عن “كنيسة صغيرة” تكونت ببذرة إيمان الزوج والزوجـة وحصولهما على أسرار العماد المقدس والميرون والتناول والزواج، وبهذا أصبحت الأسرة خلية فى جسد السيد الـمسيح السري أي الكنيسة. ففى الأسرة نتعلم الصلاة والأخلاق والفضائل المسيحية والسلوك المسيحي العامل والتى على أساسها يتكون المجتمع السليم.الأسرة المسيحية هى النموذج الصادق لعلاقة الله مع شعبـه فى حبه ورعايته وتقديسه لأفرادها، وعلى الأسرة مسؤولية حماية الأخلاق والفضائل الإلهية المسيحية ونقلها عبر الأجيال بالمثل الصالح والتعليم المنقول من الأباء للأبناء. ومريم العذراء التى أطلقت على نفسها انها “آمـة للرب”(لوقا38:1)، ومن خلال طاعتها لمشيئة الله وقبولها تكريس ذاتها بالكامل لخدمتـه كزوجة وأم فى أسرة الناصرة فوضعت نفسه تحت إمرة الله وبالتالي تحت خدمة الآخرين، ولهذا فهى ملكة وسلطانة

وأم ومِثال وقدوة للأسرة المسيحية.

يـا سلطانـة السـلام: استجابت مريـم العذراء للعديد من الصلوات من اجل ان يحل السلام على الأرض وخاصة بعد الحرب العالـمية الأولـى ولهذا أطلق عليهـا “ملكة السلام”. ومريم كملكة تعطى العالم حضوراً لعدل ومحبة ورحـمة السيد الـمسيح. مريم أعطت العالـم “رئيس السلام”(اش 6:9) الذى سبّحت لـه الـملائكة “وعلى الأرض السلام” (لو14:2). والسلام هو بركـة وعطية من السيد الـمسيح للقلب والنفس وليس كسلام العالـم، وهو ثـمرة للروح القدس (غلا22:5)، ويدعـى صانعـو السلام بأبنـاء الله (مت9:5).ومريم الطاهـرة والـمـمتلئة نِعـمة تعطى مكرميهـا السلام الداخلي الذى تزينت به، وتشترك معهم فـى الصلاة لإبنهـا يسوع معطـى السلام “سلامى أعطيكم، سلامى أترك لكم”(يو27:14). لقد أضاف البابا بندكت الخامس عشر هذا اللقب لطلبة مريم العذراء فى عام 1916.

صلوات التساعية[20]

“التساعيـة” هـى تلاوة صلوات فعّالـة مع تقديم الإكرام لطلب نعـمة مـا بشفاعـة وصلوات أحد القديسين لـمدة تسعة أيام متتاليـة وذلك بإستحقاقات موت وقيامـة السيد الـمسيح.

أمـا رقم (9) فهو رقم يرمز للكمال كالرقم(3) و(7)، وكان قدماء اليونان و الرومان يقيمون العزاء لمدة تسعة أيام متتاليـة ليوم الوفاة، وكان المسيحيون الأوائل يقدمون ذبيحة القداس لمدة تسعة أيام متتاليـة من أجل راحة نفس الـمتوفـى. وهناك من يقول انـه يرجع لمدة التسعة أيام التى كانت ما بين صعود السيد الـمسيح وحلول الروح القدس، فقبل صعود السيد الـمسيح للسماء قال لتلاميذه: “أن لا تبرحوا من أورشليم”، حتى ينالوا قوة الروح القدس، وبينما هم ينتظرون الـموعد “كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة”(أعمال الرسل14:1)، وكان ذلك بعد تسعة أيام عندما صلّت مريم والرسل لمدّة تسعة أيام متتالية بعد صعود الرب يسوع وقبل حلول الروح القدس. لقد صلّوا بقلب واحد واستمرّوا بالصلاة بانتظار حلول الروح القدس، البارقليط، الذي وُعدوا به، والذي ملأهم “لمّا أتى اليوم الخمسون” (أع 2: 1). منذ ذلك الحين، التساعيات أصبحت تمارس بتكرار في الكنيسة.. والكنيسة تحتفل يوم الخميس بعيد الصعود وبعد تسعة أيام تاليـة تحتفل بذكرى حلول الروح القدس يوم الخَمسين والـموافق يوم الأحد. وكتذكار لتلك الأيام التسعة وضعت الكنيسة ترتيبـاً لتلاوة صلوات خاصـة قبل الأعياد أو الـمناسبات الدينيةولهذا أُطلق عليهـا إسم “تساعيـة”Novena من الترجمة اللاتينية للكلمة “Novem والتى تعنى الرقم 9.

ومن أمثلة تلك التساعيات ما يلي: تساعية لسيدة وردية بمباي، تساعية الشكر لسيدة وردية بمباي، تساعية لـمريم التى حُبل بها بلا دنس، تساعية الثلاث مرات السلام الملائكي، تساعية العذراء سيدة فاطيما، تساعية لأم الله، تساعية لسيدة المعونة الدائمة، تساعية لسيدة جوادالوب، تساعية لمريم سيدة الأحزان، تساعية لسيدة لورد، تساعية لمريم سلطانة السموات والأرض، تساعية لقلب مريم الطاهر، و تساعية الأيقونة العجائبية.

صلوات مريمية[21]

بسم الآب والإبن والروح القدس، إله واحد آمين

“فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني – لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس” (لوقا48:1-49)

نعظّمك يا أم النور الحقيقي ونـمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مـخلّص العالم، أتـى وخلّص نفوسنا، الـمجد لـك يا سيدنـا وملكنا الـمسيح، فخر الرسل إكليل الشهداء، تهليل الصديقين ثبات الكنائس، غفران الخطايا، نبشر بالثالوث الـمقدس، لاهوت واحد نسجد لـه ونـمجده.

السلام لك أيتها العذراء الـملكة الحقيقية، السلام لفخر جنسنا، إشفعي فينا أمام المسيح الذى

ولدتيه لكى ينعم لنا بغفران خطايانـا.

السموات تطوبك أيتها الـممتلئة نعمة، العروس التى بلا زواج، ونحن أيضا نـمجد ميلادك الغيـر مُدرك ياوالدة الإلـه، يا أم الرحمة والخلاص تشفعى من أجل خلاص نفوسنا يا باب الحياة العقلي، يا والدة الإله الـمكرمة خلّصي الذين التجأوا إليك بإيـمان من الشدائد لكى نـمجد ميلادك الطاهر فى كل شيئ من أجل خلاص نفوسنا.

انتِ هى سور خلاصنا يا والدة الإله العذراء الحصن الـمـنيع غيـر الـملثم، ابطلي مشورة

الـمعاندين، وحزن عبيدك ردّيه إلـى فرح وتشفعى عن سلامة العالم.

يا والدة الإلـه إذ قد حوينا الثقة بكِ فلا نخزى-بل نخلص وإذ قد إقتنينا معونتك ووساطتك أيتها الطاهرة الكاملة، فلا نخاف بل نطرد أعداءنا فنبددهم ونتخذ لنا ستر معونتك القويـة فى كل شيئ نظير الترس، ونسأل ونتضرع إليك هاتفين يا والدة الإله لكي تخلصينا بوسائلك وتنهضينا من النوم الـمظلم إلى التمجيد بقوة الإله الـمتجسد منك.

أيتها العذراء الطاهرة اسبلي ظلك السريع المعونة على عبدك وأبعدي أمواج الأفكار الرديئة عنى وأنهضي نفسي الـمريضة للصلاة والسهر لأنها استغرقت فى سبات عميق فإنك أم قادرة رحيمة معينة والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي يسوع المسيح رجائـي.

هيئـي لى أسباب التوبة أيتها السيدة العذراء فإليك أتضرع وبك أستشفع وإياكِ أدعو أن تساعديني لئلا أخذى، وعند مفارقة نفسي من جسدي إحضري عندى، ولأبواب الجحيم أغلقي لئلا يـبتلعوا نفسي يا عروسة بلا عيب للختن الحقيقي.

أنت هى الـممتلئة نعمة يا والدة الإله العذراء نسبحك لأن من قِبل صليب إبنك إنهبط الجحيم، بطُل الـموت، أمواتا كنا فأنهضنا واستحققنا الحياة الأبدية، ونلنا نعيم الفردوس الأول من أجل هذا نـمجد بشكر الغير مائت المسيح إلهنـا.

يا والدة الإله أنت الكرمـة الحقيقية الحاملة عنقود الحياة، نسألك أيتها الـمملوءة نعمة مع الرسل من أجل خلاص نفوسنا، مبارك الرب إلهنا، مبارك الرب يوما بيوم يهيئ طريقنا لأنه إله خلاصنـا. ياوالدة الإله أنت هـي باب السماء إفتحي لنـا باب الرحـمة. آميـن.

سيدة عذراء فاتيما

فقرة من رسالة عذراء فاتيما فى ظهوراتها وتحذيراتها للجنس البشري ووصيّتها للفتية الثلاثة لإعلانها على العالم للعمل بها: ´أنا قادمة من السماء-أنا سيدة الورديـة: أتيتُ لأُنذر المؤمنين لعلّهم يصلحوا حياتهم، ويلتمسوا مغفرة خطاياهم-عليهم ألاّ يتمادوا فى إهانـة ربّنا والهنا فيما بعد لأن خطاياهم وإساءاتهم إليـه تعالى قد تفاقمت-يجب عليهم أن يصلّوا الورديـة، فإذا عمل الجميع بـمطلبي هذا ستهتدي نفوس الكثيرين وبالتالي سيحّل السلام”.

صلاة علّمتها العذراء لأطفال فاطيـما

“يـا يسوع الحبيب أغفر لنـا خطايـانـا. نجّنـا من نار جهنّم والـمطهـر وخذ إلـى السماء جميع النفوس. خصوصاً تلك التى هى بأكثـر حاجـة إلـى رحمتك. آميـن.

صلاة: أيتها الحبيبة سيدة فاتيـما، سلطانة الوردية الـمقّدسة، شفاء الـمريض، معزيـة الحزين. أنى أجثو أمامك عرفاناً بحبك وإنعاماتك وكل أفضالك وبركاتك، فإظهاراً لحبي لكِ أيتها العذراء إنى أبجبّكِ وأكرّمكِ وأسبّحك مدى الحياة، واعداً إيّاكِ بأن أكرّس لكِ ذاتي بمداومة تلاوة الورديـة الـمقدسة وخاصّة فيما بين أصدقائي. كوني لي أمـاً وانعطفي بنظرك الرؤوف نحوي، وكوني لي عوناً حتى لا أنقاد للتجربـة، فأنيّ عقدت النيّة على إتمام كل واجباتي الـمسيحية معتمداً على معونتكِ لي لأحرص على عدم سقوطي فى الخطيئة ولا أسيئ لأبنك الإلهـي وإليكِ فيما بعد.

فإجعليني حقاً جديراً بأمومتك مدى حياتي وعند مماتي. آمين

اذكري يا عذراء سيدة فاتيما ذات القلب الأطهر، اذكرى السلطان غير الموصوف الذى منحك اياه ابنك الإلهى على قلبه المسجود له، وإذ نحن واثقون ملء الثقة باستحقاقاتك نوافيك طالبين حمايتك. فيا ايتها الأمينة السماوية لقلب يسوع، ذاك القلب الذى هو ينبوع النعم الدائم الفيضان، والذى يمكنك ان تفتحيه كلما شئتِ لتفيضي على البشر ما يحويه من كنوز الحب والرحمة والنور والخلاص. نتوسل إليكِ ان تمنحينا العطايا التى نطلبها بإلحاح………..

حاش لكِ يا مريم ان تحرمينا سؤالنا، وبما إنكِ امنا يا عذراء سيدة فاتيما، اقبلي صلواتنا واستجيبيها. آمين. ثلاث مرات السلام عليكِ….

ثلاث مرات يا عذراء سيدة فاتيما صلي لأجلنا.

صلاة فعالة لسيدة القلب الأقدس

(يحسن تلاوتها مراراً بقدر المستطاع تقال بدء التساعية يومياً)

اذكري يا سيدة القلب الأقدس القوة الفعالة والسلطان العظيم الذى منحك إياه إبنك يسوع على

قلبه الأقدس.

إنا بملء الثقة نلجأ اليك ملتمسين شفاعتك ايتها الملكة السماوية والحارسة الأمينة على كنوز القلب الإلهي، الينبوع الفياض لكل النعم والخيرات، اغترفي منه ما تشائين واغدقي علينا الحب والرحمة والنور والخلاص الطمأنينة والسلام.

يا سيدة القلب الأقدس تفضلي وأغمرينا بالنعم التى نلتمسها بحرارة فأنت أمنا الحنون فلا تردينا خائبين، ولا ترفضي طلباتنا بل تقبلي صلواتنا بعطف وشفقة وتنازلي باستجابتها. آمين

ابتهالات للقديسة مريم العذراء

يا أمـي المحبـوبـة: يا أمي الـمحبوبـة مريم، كطفل صغير لكِ أعطيك يدي خذيها وقوديني فى

هذا اليوم لأتمم مشيئة الله القدوسة فى كل الأشياء، ان أحارب العالم والجسد والشرير، وأن أقهرهم بكل الوسائل بواسطة النعم التى يحصل عليه كل من يطلبها بإتضاع منكِ. وبما اننى قاصد ان أتجنب الوقوع فى الخطيئة، فأعطني النعمة ان لا أُقهر، وأن لا أحب العالم وشهواتـه، بل كطفل لكِ أن أحب الله فوق كل الأشياء، بقلب نقي ومتواضع، عارفاً انه بدون الله وشفاعتكِ فلا أستطيع شيئاً. فيا أمي، أنا قاصد أن انال كل الغفرانات التى يمكنني الحصول عليها اليوم وكل الأيام وأن اقدمها لكِ تعويضاً عن تلك النفوس المعذبـة فى الـمطهر. فأسألكِ أن تهيبـينى كل النِعم الضروريـة لخلاصي الأبدي وخلاص كل الخطأة. سامحيني عن كل خطاياي، وعلميني أن أسير فى طريق الخلاص. احمليني الى السماء وكوني معي في كل أيام حياتي آمين.

التناول الروحي مع مريم: يا سلطانة السموات والأرض الطاهرة، يا والدة الله ووسيطة كلّ النِعم، أنا أؤمن بأنّ ابنك، ربنا يسوع المسيح، موجود حقاً في سرّ القربان الأقدس. أنا أحبه فوق كلّ شيء، وأتوق لأقبله في قلبي. وبما أنني لا أستطيع قبوله الآن سريّاً، تلطفي وضعيه روحياً في نفسي. يا يسوع، أنا أقبّلك وأعانقك لأنّك أتيت إليّ الآن وأوحّد نفسي كليّاً معك، لا تسمح

لي أن أنفصل عنك أبداً. آمين

السلام عليك يا سلطانة: السلام عليك يا سلطانة، يا أمَّ الرحمة. السلام عليك يا حياتنا ولذتنا ورجاءنا. نصرخ إليك نحن المنفيين أولاد حواء، ونتنهَّد إليك نائحين باكين في هذا الوادي، وادي الدموع. فلذلك يا شفيعتنا، أميلي إلينا بنظرك الحنون وأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنك المباركة، يا حنونة، يا رؤوفة، يا مريم الحلوة البتول. آمين.

تحت ستر حمايتك: تحت ستر حمايتك نلتجىء يا والدة الله القديسة فلا تغفلي عن طلباتنا في احتياجاتنا إليك، لكن نجّينا من جميع المخاطر على الدوام أيتها العذراء المجيدة المباركة. آمين.

يا سلطانتي: يا سلطانتي وأمي، إني أقدم لك ذاتي بجملتها وبرهاناً على تكريمي أقدِّم لك في هذا النهار (هذه الليلة)، عينيَّ وأذنيَّ وفمي وقلبي وكلَّ ذاتي، وبما أني لك يا أمي الحنون، فاحفظيني وحامي عني كابن لك. آمين

أذكري يا مريم البتول: أذكري يا مريم البتول الحنون، أنه لم يُسمع قط، أنك ان احدًا التجأ الي حمايتكِ وطلب معونتكِ والتمس شفاعتكِ ورُد خائباً، فأنا الخاطئ أتقدم اليكِ بهذا الرجاء وبهذه الثقة وأرتمي على قدميكِ مُتنهداً تحت نيّر خطاياي، ملتجئاً اليكِ، وأنا منتعش بهذه الثقة، فلا تزدري تضرعاتي يا أم الكلمة الإلهية، بل استجيبي لها، واقبليها بحنو، يا حنونة، يا رؤوفة يا

مريم البتول الحلوة اللذيذة. آمين. (القديس برناردس).

فعل التكريس لمريم العذراء سيدة لاساليت

أيتها الأمّ القديسة، سيدة لاساليت، يا من حبّاً بي، سكبتِ الدموع المريرة في ظهورك المليء بالرحمة، أرمقيني بنظرة عطف وحنان، وها أنا أكرّس نفسي لكِ دون تحفّظ. من هذا اليوم سيكون افتخاري بأن أُدعى ابناً لك. ليتني أحيا كي أمسح دموعكِ وأعزّي قلبك المعذّب. أيتها الأمّ المحبوبة، أعهد لك ولرعايتك المباركة ولحمايتك المقدسة، ولحضن رحمتك، من اليوم ولكل يوم وحتى ساعة موتي، أسلّمك نفسي، وجسدي وروحي، وكل أمل وكل فرح، كل عناء وكل حزن، أسلّمك حياتي ونهاية حياتي. تنازلي، أيتها الأمّ الحبيبة، وأنيري عقلي، ووجّهي خطواتي، وعزّيني بحمايتك الأمومية، حتى ما ان أتحرّر من كل أخطائي، وأُحفظ من كل خطر خطيئة، وأُحصَّن ضد أعدائي، أستطيع بحماس وشجاعة لا تُقهر، أن أسير في الدرب التي رسمتها لي أنتِ وابنك يسوع. آمين.

صلاة فعّالة الى مريم العذراء وسيطة جميع النِعم لنيل عونها وحمايتها

الكثير من المؤمنين شهدوا بأنهم نالوا معجزات أو نِعم خاصة، بعد تلاوتهم يومياً هذه الصلاة بإيمان وثقة.

أيتها العذراء البريئة من دنس الخطيئة الأصلية، أمّ الله العلي المنعم عليها، سلطانة الملائكة، محامية وشريكة في فداء الجنس البشري، وسيطة جميع النِعم أتوسّل إليك ألّا تنظري الى عدم استحقاقي بل إقبليني كإبن خاطئ تائب ولا تتخلّي عني أبداً.

السلام عليك يا مريم…

يا أمّي ويا رجائي، لمن ألتفت كي أنال منه العون؟           أنت وحدك وسيطة جميع النِعم التي في نور الله توزّع لمن تريد ومتى تريد، ثمار الفداء
الذي تمّمه إلهك وابنك يسوع، باستطاعتك مساعدتي في كل احتياجاتي، أنتِ وحدك شفاء المرضى، أنت الأمّ الوحيدة التي ترغب في خلاص كل أولادها من اللعنة الأبدية.
السلام عليك يا مريم…

ألتجئ إليك لأن يسوع اختارك لتكوني وسيطة جميع النِعم ومنحك السلطان المطلق على العالم

المنظور وغير المنظور، وأغناكِ بلاهوته ببقائه في أحشائك تسعة شهور
السلام عليك يا مريم…

إني أكرّس ذاتي لك دون شرط أو قيد فافعلي بي كل ما تشائين، أتخلّى عن نفسي لحبّك
يا أمّ ربي يسوع، متوسّلاً أن تقبلي معي عائلتي وكل من هو عزيز

لديّ، وجميع من يعتمد على صلواتي. السلام عليك يا مريم…

ألتمس عونكِ وحمايتك للكنيسة الواحدة التي أسّسها الرب يسوع. أنت أمّ الكنيسة ولأجل الخطأة المساكين الذين لا يعرفون النور الإلهي، أسألك أن تردّيهم الى ابنك. وعلى الأنفس القديسة في المطهر، أعطفي بنظرك، وأسرعي وقوديهم الى السماء. السلام عليك يا مريم…

صلاة السلسلة
من هذه المشرفة كالصبح , الجميلة كالقمر, الساطعة كالشمس , المرهوبة كصفوف تحت الرايات ؟

تعظم نفسي الرب.   و تبتهج روحي بالله مخلصي.

لأنه نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال

لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس.

ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونه.

صنع عزاً بساعده , وشتت المتكبرين بأفكار قلوبهم.

حط المقتدرين عن الكراسي , و رفع المتواضعين.

اشبع الجياع خيراً و الأغنياء أرسلهم فارغين.

عضد فتاه، فذكر رحمته.

كما كلم آباءنا إبراهيم ونسله إلى الأبد.

المجد للآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

كما كان في البدء والآن وإلى دهر الداهرين

من هذه المشرفة كالصبح , الجميلة كالقمر, الساطعة كالشمس , المرهوبة كصفوف تحت الرايات ؟

س : يا مريم التي حبل بها بلا خطيئة.

ج : تضرعي لأجلنا نحن الملتجئين اليك.

لنصل: أيها الرب يسوع المسيح، الوسيط لنا لدى الآب. الذي تنازل و أقام والدته العذراء الجزيلة القداسة أماً لنا وشفيعة لديه، تلطف برحمتك واجعل كل الذين يأتونك طالبين منك النِعم، يبتهجون بالحصول عليها كلها بشفاعتها. آمين

تحت ذيل حمايتك، نلتجئ يا والدة لله القديسة. فلا تغفلي عن طلباتنا عند احتياجنا اليك لكن نجنا دائماً من جميع المخاطر، أيتها العذراء المجيدة المباركة.

س: يا مريم الطاهر الوسيطة لجميع النعم.

 أو (لقب العذراء الذي يسمى به البريسيديوم )

ج : صلي لأجلنا.

س : أيها القديسان ميخائيل و جبرائيل   ج : صليا لأجلنا

س: أيتها القوات السماوية طغمات مريم الملائكية  ج : صلوا لأجلنا

س: يا قديس يوحنا المعمدان      ج : صلِ لأجلنا

س: أيها القديسان بطرس وبولس     ج: صليا لأجلنا

س: أيها القديس يوسف البتول     ج: صلي لأجلنا

 لنصل: امنحنا يا رب، نحن الذين نخدم تحت راية مريم، كمال الايمان بك والثقة بها – اللذين اعطيا موعد الغلبة على العالم – اعطنا ايماناً حياً تنعشه المحبة – يجعلنا قادرين أن نتمم أعمالنا كلها – بدافع المحبة الصافية لك – فنراك دوماً ونخدمك في شخص قريبنا – اعطنا ايماناً راسخاً كالصخر لا يتزعزع – به نظل هادئين وصامدين – فيما بين صلبان هذه الحياة و اخفاقات جهودها – ايمانا جريئاً يدفعنا إلى أن نباشر و نحق بلا تردد اعمالاً جليلة لأجل الله وخلاص النفوس ايماناً يكون عاموداً من اللجيومارية _ فيقودنا متحدين في سيرنا إلى الامام – لنشعل في كل مكان نار الحب الالهي , و ننير الجالسين في الظلمة وظلال الموت – و نضرم قلوب الفاترين – و نعيد الحياة للذين صاروا أمواتاً بالخطيئة – اعطنا ايماناً يهدي خطواتنا في سبيل السلام – حتى اذا انتهت معارك هذه الحياة – تعود اللجيومارية وهي لم تفقد

احداً من اعضائها – فتجتمع في ملكوت حبك و مجدك. آمين

فلتسترح نفوس الأخوة الراقدين و نفوس جميع الموتى المؤمنين بسلام , برحمة الله. آمين

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين

صلاة إلـى أم الرحمــة[22]

إلـى الأم..الضارعـة..الشفيعـة..الحاميـة..والـمحاميـة

إلى أمنا.. باب سماءنا.. وأم الرحمة

ها نحن نأت إليك..يامـريــم الحزينـة..

اننـا نعلـم إن حـِطمـك لعـظيم كالـبحـر فـمن ذا يـشفيك..

سيف الـوجـع قد غُرس فى فؤادك..وأنتِ ترين الأبناء يطعنون..يغرسون..يقتلعون..يهربـون..ينكرون..يفرطون..ويتواكلون..

أمــاه..أستحلفك أن تصغـى إلى صراخاتنا وأن تجيـبـيـي نداءنا..

جئنـا إليكِ يـا من ولدتـينا…

جئنـا إليكِ يـا من حملتينا بين ذراعيكِ الحانيتيـن وقدمتينا إلـى الآب السماوي..

جئنـا إليـكِ يــا مـن أرضعتـينـا من لبنك..غذاء طفلك الإلهـي..

جئنـا إليـكِ يــا مـن جعلتينـا أخـوة لوليدك الـمختار….

جئتنا إليكِ يا من غرستِ فينا معنى الإيمان والإتكال على الله وبركة تطبيق شريعـة العلي…

جئنا إليـكِ يــا مـن قدتِ خطواتـنا يوما مـا إلى الحق والطريق والحياة..

جئتنا إليـكِ يا مـن ساعدتينـا إلى أن نعرف معنى إختيارنا للملكوت وعظمة الأبديـة..

جئتنا ليـكِ يــا مـن أرشدتيـنا إلـى باب القوة والرحمة والـمحبـة..

جئنا إليـكِ نحن الأبناء تعابـى..حزانـى…يائسين..مرضى..دموعنا سكيـبة…والأرجل داميـة والقلب كئيب والأثـمال باليـة..

فجئنـا جميعـا إليـكِ بعد أن جف النبع ويبُس القلب وزاد الثقل..

جئنـا إليـكِ بعد أن جذبتنـا الأرض وأعمتنـا الشهوة وزادت سخرية العدو…

جئنـا إليـكِ فنحن لا نعرف أحداً سواكِ..فلم يُسمع أن أحداً إلتجأ إليك ورُد خائبـاً وهـى أيضا خبرة تعاملاتنـا معكِ طوال سنون العهد..

جئنـا إليـكِ يــا أمــاه..ونرددهـا يا أمـاه..ليست فقط بشفاهنا بل بكل دمعة

من عيوننـا وكل قطرة سالت من دماءنـا وبكل آهـة صرخهـا قلبنـا..

كَـمْ هـو عذب النطق بإسمك حتى ولو كنـا أشر الأبنـاء..

جئنـا إليـكِ مـن كل الـمراعى القاحلة..والصحارى القاتلة..

جئنـا إليكِ بعد أن هُدمت السياج وأصبح الكرم مدوساً من خنزير الغاب ووحش البـر..

جئنـا إليـكِ نحـن الأبنـاء..فهل تسمحيـن؟..

هـل ستمسحي الدمع وترحـمي الأبنـاء كـما عودتينـا؟

نحن خجلى من الإقتراب منكِ أو من إبنك يسوع..فالصورة ليست صورة أبناء أو حتى إخوة..حمأة الخطيئة قد شوهتها..وملابس العُرس لا تليق..

الأجاجيـن فارغـة..وعُرسنـا تحول إلـى مناحـة.والعريس والعروس قد فارقوننـا

بدونك نجهل الكلام..بدونك نضل الطريق..وبدونك نقف صامتين عاجزين…

فـمن يعرف الأبنـاء إلا أم تحمي وتحامـي وتصون وتتشفع..تبارك وتطلب البركـة..

أم تعرف إحتياج الأبنـاء..ولا تسهـر إلا لسعادة الأبنـاء.

ولـم يُعرف بعد أن أمـاً قد تلذذت بعذاب الأبنـاء…أو حرمتـهم من حنانها..أو من رحـمـة السـمـاء..

نحن بشر نعيش على أرض البشر…كيف نرتـفـع والجسم ثـقـيل؟!..

كيف نرتـفـع والأرض تجذب؟!..

كيف نرتـفـع والثقل على الكاهـل شديد؟!..

لا..لا.. نحن لا نسوق الحجج والأعذار او نبحث بماذا نُجيبكِ لكي نتبرر

لقد خطئنا يا أمـاه للسماء وإليكِ ولا نستحق أن نُدعى أبناء

ولكن عرفناكِ أمـاً..أم تجمع ولا تـفرق..أم تفتح الباب..أم قلبها يـنبض

ويجذب من بـعيد..أم تشيـر والإبن يـنـفذ..أم تـرى ولكنها لا ترى بالعين..بل ترى بقلب الأم..أم

تحيا حياة الأبناء..أم تعرف من هــم الأبناء..أم تــأتــى إلـى الأبناء..

يا أماه أبناءكِ فـى مـحنة..فى شدة..

أولادكِ يصرخون.إخلعي عنا الثوب القديم وألبسينا مجداً..ألبسينا نــوراً..ألبسينا فكراً صالحـاً..ألبسينا قـلبا حـيـاً..ألبسينا وزنـا فـى عقولنا..ألبسينا تفكيـراً سليما.. ألبسينا فضائلكِ..ألبسينا حبك..وأسكبِي علينا مواهب الروح القدس..

يا أمنا.. أيتها الشفيعة تشفعي لكي يحررنا إبنك من الثقل الذى على كاهلنا، تلك الظروف

القاسية التى نعيشها وتلك الجبال التى على صدورنا، فهو وحده القادر أن يحطمها…لا بل

يلاشيها ويُـفـنيها ويحرقها بالنار..

سامحينـا يا أمـاه..

حبكِ هو الحقيقـة التـى لا يـمكن أن ننساهـا أو حتـى يـمكن أن تُقبـر داخل الصخور.. ولكن واآسفاه كيف للأبنـاء أن يجدوا النبع..أو حتى القوة لـملئ الأجاجين وهم بلا أم تقود وترشد وتصون وتُعضد؟..

فها نحن نصرخ ونتوسل إليك يا حنونـة فهـل تقبلينـنـا مرة أخرى وتغفرى لـنا؟ هـل ترحمى، وترأفـى وتضمنـينـا إلـى صدرك كعادتك معنـا ؟.

ألا يـكفـي يا أمنـا عذاب الحرمـان ومرارة الـكأس الفارغة وشقاء الإحساس ببعدك؟..بـُعدك عنـا هـو الـجحيم، وصمتك هـو صدى للهاوية..

فياليت لنـا فـى عيونـنـا بـينابيع دموع تكفي الغفران..

وحـدنـا لا نستطيع أن نصنع شيئا، سيقوى علينـا الوحش والتنين والنبي وأصحاب الوسم، ولكن بكِ وحدكِ سيكون الإنتـصار…

فأجيـبي نداء.. آهـة..صرخـة من كنت يومـا تدعيـهم بالإبـناء. آمين.

عواطف روحية نحو القديسة مريم العذراء (يُرددها الجميع كلمة كلمة):

– يا مصدر سعادتنا وتعزّياتنا، دعينا نردّد لك ألف مرّة إننا نحبك ونريد أن نحبّك دائماً

– يا شفيعتنا القديرة، كوني بالقرب منّا فى الساعة الشاقّة من حياتنا وفى كل مصاعبنا

– يا مريم القديسة المحبوبة الوديعة والطاهرة قودينا الى قرب المذبح حيث يسوع موجود

– ليكن آخر فعل من حياتنا فعل محبّة ليسوع ومريم

– ما أسعدنا يا مريم العذراء ان نشعر بنفوسنا انها مؤثرة متخّشعة بذكرك ومحبتك.

– يا مريم العذراء اننا نحبّك لأنكِ أمّنا ولأنكِ تحبينا دائماً، رغم نسياننا وجحودنا لجميلك.

يا أبانا نشكرك لأنك إستجبت لنا وفى كل حين تستجيب لنا..

لـك الشكر.. لـك الـمجد يا قدير..

يا أمنـا الرحيمة نعدك من الآن فصاعدا أن نكون لك مـخلصين ولإبنك مـحبين..وللــه

شاكرين..

يــا أمنا تشفــعي لنا.. يا أمنا إرحمينا..

يا أمنا نعدك ونعد ابنك أن نكون أخوة متضامنين.. متحابين.. شاكرين دائما وفى كل حين..بسم الأب والإبن والروح القدس آميـــن.

 صلوات بالمسبحة[23]

  1. المسبحة الورديـة

أسرار الفرح ( تتلى أيام الاثنين والسبت)

أيَّتُها القِدّيسة مريم البَتول، إنّي أُقَدِّم لَكِ هذه خَمْسَة أسرار الفَرَح، عَن إخوَتي الأحياء المُشتَرِكين مَعي في هذه المَسبَحَة الوَرديّة، لِكَيما يَهِبَهم الرَبّ الإله بِشَفاعتِك، كَُل ما يوافِق خَلاصهم ويُنَجّيهم مِن الأعداء المَنظورين وغَير المَنظورين. آمين.

1. نقدّم لكِ ايتها البتول جزيل الفرح الذى فرحتيه لما بشرك الـملاك جبرائيل بالحبل الإلهي. الثمرة : التواضع  للتأمّل لوقا 1/ 26-38

 2. نقدّم لكِ ايتها البتول جزيل الفرح الذى فرحتيه لمّا زرتِ نسيبتكِ القديسة اليصابات وهى حُبلى فى شيخوختها الثمرة : محبّة القريب (لوقا39:1-56)

3. نقدّم لكِ ايتها البتول جزيل الفرح الذى فرحتيه لمّا ولدتِ إبنكِ سيدنا يسوع الـمسيح فى مغارة بيت لحم. الثمرة : الفقر والتجرّد(لوقا1:2-21)

4. نقدّم لكِ ايتها البتول جزيل الفرح الذى فرحتيه لمّا قدّمتِ ابنكِ يسوع الى الله على يد سمعان

الشيخ فى الهيكل. الثمرة : الطهارة  (لوقا22:2-38)

5. نقدّم لكِ ايتها البتول جزيل الفرح الذى فرحتيه لمّا وجدتِ ابنكِ يسوع فى الهيكل يسمع للعلماء ويسألهم. الثمرة: الطاعة (لوقا41:2-52)

أسرار النـور (تتلى يوم الخميس)

أيتها العذراء القديسة، سلطانة الورديّة المقدّسة، إنّنا نصلّي ونتأمّل بخمسة أسرار النور، المتألّقة

في حياة إبنكِ العلنيّة، والمُشعّة عليكِ وعلينا، ونقدّمها من أجل أخوتنا الذين لا يزالون في ظلمة الإبتعاد عن ابنك، متوَسّلين إليه بشفاعتك، ليفتح بصائرهم، ويُضيء دروبهم، فيكتشفوا فيه النور الذي جاء إلى العالم ليخلّصهم. آمين.

1.نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل النور الذى أفيض عليكِ لمّا إعتمد ابنكِ يسوع فى نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان الثمرة: البنوّة للآب (متى13:3-16)

2. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل النور الذى أفيض عليكِ لمّا أظهر ابنك يسوع مجده فى عُرس قانا الجليل عندما حوّل الماء الى خمر. الثمرة: التجدّد بالروح القدس (يوحنا1:2-11)

3. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل النور الذى أفيض عليكِ لمّا أعلن ابنكِ يسوع مجئ ملكوت الله ودعا الجميع للتوبة الثمرة: التوق إلى الملكوت (مرقس14:1-15)

4. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل النور الذى أفيض عليكِ لمّا تجلـّي الرب يسوع على الجبل. الثمرة: إتّباع تعاليم يسوع (متى1:17-18)

5. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل النور الذى أفيض عليكِ لمّا قدّم ابنكِ يسوع ذاته طعاما لنا فى

العشاء الأخير الثمرة: المشاركة في الذبيحة الإلهيّة (متى26)

أسرار الحزن (تتلى يومي الثلاثاء والجمعة)

يا والدة الإله العَذراء، إنّي أُقَدِّمُ لَكِ هذه خَمسَة أسرار الحزن، عَن إخوَتي المُشتَرِكين مَعي في هذه المَسبَحَة الوَرديّة، المُشرِفين على المَوت، لِكَيما يَهِبَهُم ابنكِ تَوبَة كامِلَة عَن جَميع خَطاياهُم، وتَكوني أنتِ عَونَهُم وشَفيعتهم في تِلكَ السّاعة. آمين.

1. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل الحزن الذى حزنتِه لمّا صلّى ابنكِ يسوع

فى بستان الزيتون وكان عرقه ينحدر على الأرض كالدم. الثمرة: الندامة (متى36:26-56)

2. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل الحزن الذى حزنتِه لمّا جُلد ابنكِ يسوع. الثمرة: إماتة الحواس (متى26:27)

3. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل الحزن الذى حزنتِه لمّا كُلل ابنكِ يسوع بإكليل من الشوك على هامته المقدسة. الثمرة: تواضع القلب (متى27:27-31)

4. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل الحزن الذى حزنتِه لمّا حمل ابنكِ يسوع صليبه. الثمرة: الصبر

(متى32:27)

5. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل الحزن الذى حزنتِه لمّا مات ابنكِ يسوع على الصليب. الثمرة: المغفرة للأعداء (متى33:27-56)

أسرار الـمجد (تتلى يوم الأربعاء والأحد)

أيَّتُها البَتول الطوباويَّة، إنّي أُقَدِّم لَكِ هذه خَمسَة أسرار المَجد، المُخْتَصَّة بِمَجدِكِ ومَجد ابنك، عَن نُفوس إخوَتي المُعتَقَلين في المَطْهَر، لِكَيما يُخَلِّصَهُم الرَبّ الإلَه بِشَفاعَتِكِ مِن النيران المَطهَريَّة، ويُصعِدهُم إلى مَلَكوته السَّماوي. آمين.

  1. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل المجد الذى تمجّدته لمّا قام ابنك

يسوع من بين الأموات. الثمرة: النهوض منالخطيئة (يوحنا1:20-29)

2. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل المجد الذى تمجّدته لمّا صعد ابنك يسوع الى السماء. الثمرة: الشوق ألى السماء (لوقا36:24-53)

3. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل المجد الذى تمجّدته لمّا حلّ الروح القدس عليكِ وعلى الرسل

الأطهار. الثمرة: الاصغاء لإلهامات الروح القدس (اعمال 1:2-41)

4. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل المجد الذى تمجّدته لمّا إنتقلتِ بالنفس والجسد للسماء. الثمرة: الميتة الصالحة (من إعلان عقيدة انتقال السيدة العذراء –البابا بيوس الثاني عشر فى 8ديسمبر 1950).

 5. نقدّم لكِ أيتها البتول جزيل المجد الذى تمجّدته لمّا كُللتِ سلطانة على السموات والأرض. الثمرة: تكريم العذراء (رؤيا1:12).

صلاة: يا سُلطانة السماء والأرض، ألجالِسَة في حَضرَة المَلِك السَّماويّ، إقبَلي مِنّا هذا التَكريم،

بِمَقام القُربان المَقبول لَدَيكِ ولدى يسوع ابْنِك. وأرسِلي إلَينا نِعمَة الغُفران الكامِل على جَميعِ خَطايانا، ووَفِّقينا أن نَخدُمَكِ ونَعبُد إبنِك بِخُلوص المَحَبّة والغَيرة، مِن صَميم القَلب، بِواسِطَة هذه المَسبَحة الوَرديَّة، إلى النَفَس الأخير. وفي ساعَة مَوتِنا أحضَري عِندَنا، أيَّتُها الرَحومَة الشَفوقة، واطْرُدي عَنّا مَحافِل الجِن الخُبَثاء. ونَجّينا من العُقوبات الجُهَنَّميّة والمَطهَريَّة بِما أنَّكِ حِمايتنا. ونَوِّري عُقول المَسيحيِّين، وردّي الضالّين مِنّا إلى حَظيرَة الخِراف الناطِقَة، أعني بيعَة السَيِّد المَسيحيّة الحَقيقيّة، الجامِعَة، الرسوليّة. لِكَي بِرأيٍ واحِد وَفَمٍ واحِد، نُعَظِّمكِ ونُمَجِّد الثالوث الأقدس: الآب والإبن والروح القُدُس، الآن وإلى أبَد الآبدين. آمين.

– يا رَبّ إستَمِع صَلاتي.

– وَصُراخي إلَيكَ يأتي.

– فَلْتَستَرِح نُفوس المَوتى المؤمِنين.

– بِرَحمَة الله والسَّلام. آمين.

س : تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة

ج : لكي نستحق مواعيد المسيح

 مسبحة دموع مريم

المسبحة مؤلّفة من 49 حبّة مقسّمة الى 7 أبيات وفي كل بيت 7 حبّات تفصل بين البيوت

حبة كبيرة (المجموع 7 حبات كبيرة) وتنتهي ب 3 حبات صغيرة.

تتلى مسبحة دموع العذراء هكذا:

صلاة البداية: أيها الرب يسوع، المصلوب الإلهي، ساجدين عند قدميك، نقدّم لك دموع تلك التي رافقتك في درب الجلجلة الأليم، بحبّ متقّد وشفوق. استمع، يا معلمّنا الصالح، لدعائنا واستجب طلباتنا، بحقّ محبّة دموع والدتك القديسة. امنحنا نعمة أن نفهم التعليم الأليم لهذه الدموع التي اعطتنا إياها هذه الأمّ الصالحة. لكي نحقّق دائماً إرادتك المقدّسة على الأرض وأن تعتبرنا جديرين بأن نسبّحك ونمجّدك في السماء الى الأبد. آمين

على الحبّات الكبيرة: “يا يسوع، تذكّر دموع من أحبّتك على الأرض أكثر من الجميع، والآن تحبّك حبّاً متّقداً في السماء”.

على الحبّات الصغيرة: “يا يسوع، استمع لدعائنا واستجب طلباتنا، بحقّ محبّة دموع والدتك القديسة”. (7 مرات)

(يعاد تلاوة هذان الابتهالان 7 مرات أي سبع أبيات وكل بيت مكوّن من حبة كبيرة و7 حبات صغيرة)

في النهاية أتل 3 مرات: “يا يسوع، تذكّر دموع من أحبّتك على الأرض أكثر من الجميع.

صلاة النهاية: يا مريم، أمّ المحبّة، أمّ الألم والرحمة، نسألك أن توحّدي صلواتك مع صلواتنا، لكي يرتضي ابنك الإلهي ويستمع لدعائنا، نتوجّه إليه بثقة، كي يمنحنا بواسطة استحقاقات دموعكِ، النعم التي نرجوها منه، وإكليل المجد في الأبدية. آمين

 مسبحة الأحزان السبعـة

تتكون من سبعة مجموعات، وكل مجموعـة 

مكونة من سبعة حبّات، بالإضافة الى 3

حبات أخرى و الصليب، وذلك لتذكار سبعة

أحزان مرت فى حياة مريم العذراء:

  • نبؤة سمعان الشيخ
  • الهروب الى مصر
  • فقد الطفل يسوع فى أورشليم
  • مقابلة مريم ليسوع حاملاً صليبـه  
  • الصلب
  • مريم حملت جسد الـمسيح بعد إنزالـه من على الصليب
  • وضع جسد يسوع فـى القبر.

وفى كل مجموعـة يُتلى 7 مرّات السلام الـملائكي وتختم بصلاة الأبانـا.

– أيتها العذراء الحزينـة، صلّي من أجلنـا

– لكى نستحق مواعيد الـمسيح

صلاة: أيها الرب يسوع، نلتجئ إليك الآن وفى ساعة موتنـا بشفاعـة

أمك القديسة مريم العذراء الـمباركـة، التى تألـمت نفسهـا وقت الامـك بسيف الوجع، هب لنـا هذه النعـمة يا مخلص العالـم الذى يحيا ويـملك مع الآب والروح القدس الآن والى الأبـد. آمين.

مسبحة السلام

في بداية ظهورات السيدة العذراء في مديوغوريه، عرّفت عن نفسها بأنها «ملكة السلام» وطلبت أن نصلّي من أجل السلام. بدءاً من السلام في قلوبنا، ومع الله والقريب. ونصحت بتلاوة «مسبحة السلام» يومياً. إنها مسبحة سهلة جداً، ولها مفعول جبّار في كسب السلام.

قالت السيدة العذراء أثناء ظهورها يوم السبت 24 نيسان 1982 :
“صلّوا! صلّوا وآمنوا إيماناً راسخاً. واتلوا مسبحة السلام وقوموا بمزيد من التكفير عن خطاياكم”. استجابة لدعوة العذراء تتلى «مسبحة السلام» يومياً في مديوغوريه حالاً بعد نهاية القداس الإلهي اليومي.

وفي ظهور آخر عندما سُئلت العذراء عن المطهر يوم 21 يوليو

 1982 قالت: “في المطهر نفوس كثيرة، وفيه حتى أشخاص مكرّسون لله: كهنة وراهبات. صلّوا لأجلهم على الأقل سبع مرات “الأبانا” و”السلام” و”المجد” وقانون الإيمان – مسبحة السلام. أوصيكم بهذه الصلاة، لأن هناك نفوساً كثيرة في المطهر منذ زمن طويل ولا أحد صلّى لأجلهم”.

ما هي «مسبحة السلام»

«مسبحة السلام» وتعرف أيضاً باسم مسبحة العُمّال هي عبادة كرواتية تقليدية، تناقلها السكان أباً عن جد. وهي تتألف من قانون الإيمان وسبع مرات الأبانا والسلام والمجد.
تحتوي المسبحة على أيقونة (يمكن أيضاً أن تكون صليب، أو حبّة كبيرة بعد الصليب). يتلى عليها نؤمن. وعلى 21 حبة، مرتبة في 7 مجموعات وفي كل مجموعة 3 حبات.
الرقم 7 في الكتاب المقدس هو رقم الكمال، الذي يجعل مسبحة السلام صلاة قصيرة مثالية.

كيف نتلو «مسبحة السلام»

نبدأ بالأيقونة أو الصليب ويتلى عليه قانون الإيمان (نؤمن…)
على مجموعة الحبات الثلاث الأولى نصلي الأبانا والسلام والمجد.
على مجموعة الحبات الثلاث الثانية نصلي الأبانا والسلام والمجد. وهكذا حتى ننهي السبع مجموعات. في النهاية نقول يا سلطانة السلام – صلّي لأجلنا. آمين 

 طلبات[24]

  1. طلبـة العذراء مريـم الـمجيدة

كيـريـاليسون كريستياليسون (2)               

يـا ربنـا يسوع الـمسيح               أنصت إلينـا

يـا ربنـا يسوع الـمسيح               إستجب لنـا يا رب

أيهـا الأب السـماوي          ارحـمنـا يارب

يـا إبـن اللـه مخلص العالم          ارحـمنـا يارب

أيهـا الروح القدس اللـه       ارحـمنـا يا رب

أيهـا الثالوث القدوس الإلـه الواحد          إرحـمـنـا يارب

يـا قديسـة مريـم              صلـى لأجلنــا

يـا والدة الله                 صلـى لأجلنــا

يـا عذراء العذارى                  صلـى لأجلنــا

يـا أم سيدنـا يسوع الـمسيح          صلـى لأجلنــا

يـا أم النِعمـة الإلهيـة                صلـى لأجلنــا

يـا أمـا طـاهـرة                      صلـى لأجلنــا

يـا أمـا عفيفـة               صلـى لأجلنــا

يـا أمـا غيـر مدّنـسة                       صلـى لأجلنــا

يـا أمـا بغيـر عيب           صلـى لأجلنــا

يـا أمـا حبيـبة                صلـى لأجلنــا

يـا أمـا عجيـبـة                     صلـى لأجلنــا

يـا أم الكنيسة               صلـي لأجلنــا

يـا أم الـمشورة الصالـحـة                   صلـى لأجلنــا

يـا أم الخـالـق                صلـى لأجلنــا

يـا أم الـمخلّص              صلـى لأجلنــا

يا أم الكنيسة          صلي لأجلنـا

يـا بتولا حـكـيـمة                    صلـى لأجلنــا

يـا بتولا مـكّرمـة                    صلـى لأجلنــا

يـا بتولا مـمدوحـة                   صلـى لأجلنــا

يـا بتولا قـادرة               صلـى لأجلنــا

يـا يتولا حنـونـة              صلـى لأجلنــا

يـا بتولا أمـينـة               صلـى لأجلنــا

يـا مرآة العـدل               صلـى لأجلنــا

يـا كرسي الحـكمة                  صلـى لأجلنــا

يـا سبب سرورنـا                   صلـى لأجلنــا

يـا إنـاء روحيـا                     صلـى لأجلنــا

يـا إنـاء العِبـادة الجليلـة                    صلـى لأجلنــا

يـا وردة سـرّيـة                     صلـى لأجلنــا

يـا أرزة لبنـان                صلـى لأجلنــا

يـا برج داود                 صلـى لأجلنــا

يـا برج العــاج               صلـى لأجلنــا

يـا بيت الذهـب              صلـى لأجلنــا

يـا تابوت العـهـد             صلـى لأجلنــا

يـا باب السـماء              صلـى لأجلنــا

يـا نجـمة الصـبح                   صلـى لأجلنــا

يـا شفـاء الـمرضى                  صلـى لأجلنــا

يـا ملـجـأ الخطـأة                   صلـى لأجلنــا

يـا معـزيـة الحزانـى                        صلـى لأجلنــا

يـا معونـة النصارى          صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الـملائكـة                      صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الآبـاء            صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الأنبيـاء                 صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الرسـل                  صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الشهـداء                صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة الـمعتـرفيـن                     صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة العذارى          صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة جمـيع القديسيـن                       صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة السـموات والأرض              صلـى لأجلنــا

يا سلطانة حُبل بهـا بلا دنس الخطيئة الأصلية    صلى لأجلنـــا

يـا سلطانة إنتقلت للسماء بالنفس والجسد          صلى لأجلنـــا

يـا سلطانـة الورديـة الـمقدسة                      صلـى لأجلنــا

يـا سلطانـة العـائلات               صلـى لأجلنــا

يا سلطانة جميع الشعوب       صلي لأجلنـا

يـا سلطانـة السـلام                 صلـى لأجلنــا

يـا حـمل اللـه الحامـل خطايـا العالـم         انصت الينـا

يـا حـامـل اللـه الغافـر خطايـا العالـم استجب لنا يارب

يـا حمل اللـه الرافـع خطايـا العالـم           ارحمنـا يارب

كيـريـاليسون  كريستياليسون كيـريـاليسـون.

صلاة:

  • تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة
  • لكي نستحق مواعيد المسيح

نسألك يارب ان تفيض في قلوبنا نعمتك حتى نحن الذين ببشارة الملاك جبرائيل قد عرفنا تجسد ربنا يسوع المسيح ابنك الوحيد نهتدي بآلامه وصلبه وموته الي مجد القيامة. آمين.

طلبة للعذراء من النصوص الإنجيلية

يـا من حُييت من الـملاك جبرائيل (لوقا28:1)     صلّي لأجلنـا

يـا ممتلئة نعـمة (لوقا28:1)                     صلّي لأجلنـا

يـا أم يسوع (لوقا31:1)                         صلّي لأجلنـا

يـا أم إبن العليّ (لوقا32:1)                     صلّي لأجلنـا

يـا أم إبن داود (لوقا32:1)                      صلّي لأجلنـا

يـا أم ملك إسرائيل (لوقا33:1)                   صلّي لأجلنـا

يـا أم بفعل الروح القدس (لوقا35:1 و متى20:1) صلّي لأجلنـا

يـا آمـة الرب (لوقا 38:1)                       صلّي لأجلنـا

يـا عذراء أم عمانوئيل (متى 23:1)              صلّي لأجلنـا

يـا من منكِ أصبح الكلـمة جسداً (يوحنا14:1)     صلّي لأجلنـا

يـا من منكِ ظهر الكلـمة بيننـا (يوحنا14:1)              صلّي لأجلنـا

يـا مباركة بين النساء (لوقا41:1، يهوديت18:13) صلّي لأجلنـا

يـا أم الرب (لوقـا 43:1)                        صلّي لأجلنـا

يـا من فرحت لأنك آمنتِ بـما قيل لكِ

  من قِبل الرب(لوقا43:1)                      صلّي لأجلنـا

يـا آمـة متواضعـة أمام الرب (لوقا48:1)          صلّي لأجلنـا

يـا من تطوبك جميع الأجيال (لوقا48:1)         صلّي لأجلنـا

يـا من منكِ صنع الرب العجائب (لوقا48:1)     صلّي لأجلنـا

يـا من تحقق فيك وعد الله لإبراهيم (لوقا55:1)    صلّي لأجلنـا

يـا أم اسحق الجديـد (لوقا37:1وتكوين14:18)    صلّي لأجلنـا

يـا من ولدت إبنكِ البِكر فـى بيت لحم (لوقا7:2)  صلّي لأجلنـا

يا من قمّطت إبنها ولفّته ووضعته فى المزود (لوقا7:2) ا

يـا إمرأة وُلد منها المسيح (غلاطية4:4 ومتى16:1)صلّي لأجلنـا

يـا أم الـمخلّص (لوقا11:2 ومتى21:1)          صلّي لأجلنـا

يـا أم الـمسيّا (لوقا11:2 ومتى 16:1)            صلّي لأجلنـا

يـا من وُجدتِ من الرعـاة مع يوسف وإبنك الـمولود (لوقا16:2)

يـا من إحتفظت بكل شيئ فى قلبكِ (لوقا19:2)   صلّي لأجلنـا

يـا من قدمتِ يسوع فـى الهيكل (لوقا22:2)        صلّي لأجلنـا

يـا من فـى نفسكِ سيجوز سيف (لوقـا 35:2)      صلّي لأجلنـا

يا من وُجدتِ من المجوس مع الطفل يسوع(متى11:2)  

يا من أخذك يوسف كمغتربة لأرض مصر(متى14:2)  

يا من أخذت الطفل يسوع الى أورشليم فى عيد الفصح (لوقا42:2)    

يـا من بحثتِ عن يسوع لمدة ثلاثة أيام (لوقا46:2)      صلّي لأجلنـا

يا من وجدت الطفل يسوع ثانية فـى يت أبيـه (لوقا46:2-49)

يـا أم أطاعك يسوع فى الناصرة (لوقا51:2)             صلّي لأجلنـا

يـا مـثال للأرامل (مرقس3:6)                           صلّي لأجلنـا

يا من صَحبت يسوع لعرس قانا الجليل (يوحنا1:2-2)  

يـا من قالت للخدام: “افعلوا كل ما يأمركم بـه”(يوحنا5:2)

يـا من على يديهـا صنع يسوع أولى عجائبه الزمنية يوحنا11:2)

يـا أم يسوع يـا من أتـممتِ إرادة الآب السماوي (متى50:12)

يـا من إختارت النصيب الصالح كمريم أخت لعازر(لوقا42:10)

يا من طُوبّت لأنهـا سمعت كلام الله وحفظته في قلبها لوقا28:11)    

يـا أم وقفت تحت أقدام الصليب (يوحنا25:19)         

يـا من أصبحت أما للتلميذ الذى أحبه يسوع (يوحنا26:19-27)

يـا سلطانـة الرسل والتى كانت معهم تصلّي فى العلّيـة (اعمال14:1)   

يـا إمرأة إلتحفت بالشمس (رؤيا1:12)             صلّي لأجلنـا

يـا إمرأة توجت بإثنى عشر كوكباً (رؤيا12:1)     صلّي لأجلنـا

يـا أمـاً للكنيسة المتألـمة (رؤيا2:12)              صلّي لأجلنـا

يـا أم الـمسيـّا الـممجد (رؤيا5:12)                صلّي لأجلنـا

يـا رمزاً لأورشليم السماويـة (رؤيا2:21)           صلّي لأجلنـا

يـا نهر مـاء الحيـاة الخارج من عرش الله والحَمل (رؤيا1:22)             

تساعيات[25]

  1. تساعية لأم المعونة الدائمة

يا أم المعونـة الدائمة تضرعي لأجلنـا

طبقاً لأسطورة قديمة أن القديس لوقا الإنجيلي قد قام برسم لوحـة للسيدة مريم العذراء وهـى تحمل الطفل يسوع على ذراعيهـا أثناء حياتهـا فى أورشليم وأهداهـا إلـى صديقه “العزيز ثاوفيلس” والذى جاء ذكره فـى مقدمة إنجيله (لوقا3:1)، وقيل أيضاً أنـه عندما رأت القديسة مريم الصورة باركت الرسّام والصورة وقالت:”بركتـي ستصاحب هذه الصورة”. وبمرور السنوات تمت العديد من الـمعجزات بواسطة تلك الصورة لدرجة أن البابا إينوسنت الثالث فى عام 1207 أعلن أن “الصورة بالفعل عجائبية”.

وهناك أسطورة أخرى تقول بأن القديس لوقا لم يرسم صورة واحدة فقط بل عدة صور قد باركتهـا كلهـا العذراء مريم، ولقد قيل أنـه قد قام بهذا العـمل كطلب الرسل ليحملوهـا معهم فـى رحلاتهم التبشيرية.
ولا يوُجد أي مصدر تاريخى حتى القرن الخامس الميلادي يُذكر فيـه أي شيئ عن تلك الصورة أو الصور الأخرى
، حتى جاءت إيـودوكيا زوجة الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى من القسطنطينية لزيارة الأراضى المقدسة وحصُلت على إحدى تلك الصور وأرسلتهـا الى القسطنطينية حيث تم بناء كنيسة ووضعت بهـا صورة العذراء مريم. وأصبحت الصورة مزاراً مقدساً يحج اليه الـمؤمنين وكم من الـمعجزات قد أجراهـا الله بشفاعة مريم العذراء فـى ذلك الـمكان، وكم من الكوارث والحروب أُنقذت منهـا مدينة القسطنطينية من خلال تلك الصورة الـمقدسة. ولقد أُطلق على هذه الصورة “سيدة الـمعونـة الدائـمة” لأنـه مـا من أحد إلتجأ لـمريم العذراء ورُد خائبـاً، وتم ترتيب صلوات لله بشفاعـة أمـه مريم العذراء.

وهناك أكثر من تساعية منشورة لسيدة المعونـة الدائمة.

اليوم الأول: يا أم المعونة الدائمة كم أحب أن أجثو أمام صورتك العجائبية فإنها تلهب دائما فى قلبي أحرّ عواطف الثقة البنوية. فعلى ذراعيك أشاهد يسوع مخلصي ينبوع كل خير ونعمة وأنت أمـه، فلكِ أن تطلبي وله أن يستجيب لأنه لم يُسمع قط انه رفض طلبك. فهأنذا التجئ الى شفاعتك الكلية الإقتدار. فامنحيني النعمة (أذكر النعمة المطلوبة) ولا ترفضي طلبي.آمين. (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم الثاني: يا أم المعونة الدائمة فى هذا الطفل الذى تضمينه الى قلبك تشاهدين ابن الله وابنك وممثل جميع البشر.فلا تنسي ان يسوع ابنك قد طلب منك وهو على الصليب ان تجيديه فى كل واحد منا. فيسوع هذا الذى على ساعديك ويطلب حماك هو كل نفس متألـمة، هو نفسي الآتية اليكِ تستنجد حنّوك. فيا أمي استجيبي لي فانك عارفة بطلبي. آمين

(أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم الثالث: يا أم المعونة الدائمة أحب صورتك المباركة لأنها تتعلق بجميع عظائمك فعليها لقبك المجيد “أم الله” وجبرائيل رئيس الملائكة الذى دعاك “ممتلئة نعمة” وميخائيل ممثل الطغمات الملائكية. ثم اني أشاهد ملك الملوك نفسه على ذراعيك. فأنت إذن المباركة بين النساء. أنت لجة كل كمال. فيا أمّاً عجيبة اني أُسّر بإعلان قداستك وأمجادك فهبيني ما أطلب من قدرتك السامية. آمين (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم الرابع: يا أم المعونة الدائمة أنت الفرع الـمقدّس الذى افرعت منه

زهرة الحياة. ومن محياك أشرق نجم ساطع لأنك أنت “نجمة الصبح” التى بشرتنا بيوم الخلاص. أنت “نجمة البحر” التى منها يشرق الرجاء. فيا أمّاً حبيبة كم تخففين علينا نير الواجب، فذكرك بهجة القلوب واسمك سلام لنفسي المضطربة، فدعينى أهتف اليكِ: يا أمّاً حبيبة اني أحبك وبك ومعك أحب ابنك الإلهي. فيا رجاءنا استجيبيني. آمين (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم الخامس: يا أم المعونة الدائمة ان لي فى صورتك المقدسة سبباً آخر يحثني على الثقة بجودك. فأنت فيها “أم الأوجاع” تضمين الى صدرك يسوع وهو ينظر لأدوات آلامـه، وتتألمين معه فأنى أدرك سمو استحقاقاتك وقدرة شفاعتك العظمى لدى العدل الإلهي وأتألم لآلام يسوع ولالآمك التى سببتها بآثامي وأتضرع اليك بإسم هذه الآلام طالباً الندامة والقوة فأصغى إليّ فى هذه التساعية. آمين. (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم السادس: يا أم المعونة الدائمة ان صورتك الـمؤثرة تنبئني بلآلامك الـمبرحة التي جعلتك تتعطفين على أوجاعنا. فكم يحلو للنفس أن تجد قلباً يرثى لأوجاعها نظير قلبك. فعند قدميك إذن آتى يا أماً حنونة لأجدد قواي لأنى على يقين من انك لن تتركي ابنك بل تصغين الى صوت شقائه وتسمعيه كلام التعزية، فهبيني النعمة التى أستمدها من حنوك. آمين. (أبانا،

السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم السابع: يا أم المعونة الدائمة اني ألتجئ اليك بثقة لأنك أنت القيّمة على كنوز النعم الإلهية. فأنتِ أم يسوع وفي يديك استحقاقاته الغير الـمتناهية. أنتِ أم الأوجاع ومن أوجاع يسوع وأوجاعك خرج ينبوع خلاصنا. أنتِ أم البشر وقد أخذت على نفسك أن تساعديهم. فمن اتكل عليكِ وعاد مخذولاً؟ فاستمدي لي أن أثبت فى خدمتكِ وأنال النعمة التى أطلبها منكِ. آمين. (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم الثامن: يا أم المعونة الدائمة تأخذني أحياناً الرجفة والجزع لشدة شقائي. نعم انكِ قديرة ورحيمة أما أنا فمسكين وحقير فكيف أتجرأ على النظر إليكِ؟. لكن صورتك العذبة تدعونى قائلة: “ثق يا بني فأنا أم الرحمة وغاية أماني ان أعزّي البائسين وأنا أم المعونة الدائمة فعليّ أن أشفي كل سقم ومرض”. فإلى حنانك التجئ إذن يا مريم فى هذه الساعة فإحفظيني وساعديني وعزّيني. آمين. (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

اليوم التاسع: يا أم المعونة الدائمة هاءنذا قد بلغت آخر يوم من هذه التساعية. لقد تضرعت

اليك كل يوم وأمّا الآن فترتفع اليك صلاتي بأكثر ثقة وحرارة. فاني على يقين من انك استجبت

طلبي أو أعددت لي ما هو خيرُ لي. فبحق ابنك الحبيب وبحق اوجاعك ومحبتك لي وخصوصاً بحق اسمك المجيد”ام المعونة الدائمة” تحتتي عليّ ولا تهمليني بل استجيبي طلبتي فى هذه الساعة وامنحيني أن أحبك مدة حياتي كلها حتى أسبحك وأمجدك وأشكرك مع ابنك الحبيب الى الآبد. آمين. (أبانا، السلام، المجد و اذكري يا مريم)

البركة: بـركـة الله الآب ومحبّة الابن وقوّة الروح القدس وحماية أمنا ملكة السماوات وحماية الملائكة الحراس وشفاعة القدّيسين تكون معنا وترافقنا دائما وفي كل مكان. آمين.

تساعية لسيدة بـمباي (لإلتماس النِعم فى أوقات الضيق والشدة)

 بسم الأب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين

السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة، السلام عليك يا حياتنا ولذتنا ورجانا، إليك نصرخ نحن المنفيين أولاد حواء، ونتنهد نحوك نائحين وباكين في هذا الوادي وادي الدموع، فأصغي إلينا يا شفيعتنا، وانعطفي بنظرك الرؤوف نحونا، وأرينا بعد هذا المنفى يسوع ثمرة بطنك المباركة، يا شفوقة يا رؤوفة، يا مريم البتول الحلوة اللذيذة. آمين.

– اجعلينى أهلاً لمديحك أيتها العذراء القديسة

– وقويني للإنتصار على أعدائِك

لنصلي: يا مريم يا ملكة الوردية وموزعة النعم فى وادي بمباي، يا سيدة قلبي الكريمة تقبلي اليوم هذه المسبحة التى اقدمها لك واوقدي محبتك فى قلبي وقلوب كل من يكرمونك بهذا الإكرام الذى ترتضيه. ليت العالم كله يعرف ما تصنعين من العجائب وما تمنحين من النعم فى معبد بمباي فيحبك ويختبر قوة شفاعتك ورحمتك الغزيرة. ألا فاجعلي الخطأة كافة يقبلون إليكِ نادمين ويلاقون يسوع مصدر السلام والسعادة الحقيقية، ولا تحرميني أنا من شفاعتك لألاقي يسوع يوم إنقضاء أجلي.

يا ملاكي الحارس ويا أيها القديس عبد الأحد أبي ويا أيتها القديسة كاترينا أمي و يا رئيس الملائكة ميخائيل ويا طغمات الملائكة أجمعين صلّوا معي. آمين.

أيتها القديسة كاترينا يا محاميتي ومعلمتي انك من السماء تساعدين من يقدم الإكرام لكِ حين

تلاوتهم وردية العذراء فساعديني الآن وتنازلى ان تتلى معى التساعية لملكة الوردية التى

نصبت عرش نعمها فى وادى بمباي لكى انال بشفاعتك النعمة المطلوبة. آمين

–  اللهم اصغ الى توبتي

–  يارب اسرع الى اغاثتي

–  المجد للآب والإبن والروح القدس

         (1)

أيتها العذراء البريئة من الدنس، سلطانة الوردية الـمقدسة، يا من أردت فى هذه الأزمنة الفاترة

إيمانا والمملوءة شراً أن تشيدي عرش سلطنتك الوالدي فى بمباي، هذه القديمة مقام عبادة الأوثان الذين بادوا، فأنك تجودين اليوم أنتِ أم النِعم الإلهية على الجميع بكنوز الـمراحم السماوية من حيث كانت هذه المدينة معبودة الآلهة الكذبة والشياطين، فهيا إذا يا مريم من ذلك العرش حيث تملكين راحمة وانعطفى بنظرك الرؤوف نحوي أنا أيضاً، وارحمينى فأنى لغوثكِ فى غاية الإحتياج. وكونى لي كما كنتِ ولن تزالي لكثيرين أم الـمراحم حقا بينما أهديك من صميم الفؤاد سلاماً أعترف به انكِ سيدتي سلطانة الوردية المقدسة. آمين.

السلام عليكِ يا ملكة الرحمة…

         (2)

انى منطرح أمام عرشك أيتها السيدة الـمجيدة ومستغيث بكِ، فقد أحاطت بي الضيقات من كل جهة، فبين هذه الضيقات والإضطرابات الشديدة أرفع نظري نحوك بثقة عظمى أنت التى اخترتِ قرى الفقراء والفعلة مقاما لك من حيث رفعت صوتكِ أمام الـمدن الـمتنعمة بالملذات الـمستغرقة فى الترف منادية عبيدك الأمناء من كل مكان ليقيموا لكِ هيكلاً هنالك، فهيا وانعطفي نحوي مشفقة عليّ أنا الـمنطرح بين محن هذه الدنيا وبلاياها. ارحمينى يا سيدتي أنا الـمثقل بالضيق والذل والهوان. أنتِ مبددة جيوش الأرواح الشريرة. خلصيني من هؤلاء الأعداء الـمحدقين بي. أنتِ معونة النصارى انتشليني من هذه الضيقات المحيطة بي. أنتِ حياتنا فانتصري على الـموت الذى يتهدد نفسي فى هذه المخاطر واعطينى سلاما وهدوءا وحباً وخلاصاً. آمين.

السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة……….

       (3)

ان ما علمت به من إغاثتكِ جمعاً غفيراً ممن التجأوا إليكِ بإيمان يعطيني همة جديدة وثقة عظمى للإسراع مسجيراً بكِ، فانك وعدت القديس عبد الأحد بأن من طلب نعمة بورديتكِ يحصل عليها حتماً، فأنا والـمسبحة بيمينى أطلب منك أيتها الأم الحنونة إتمام وعدك. وحيث انك تقومين فى ايامنا هذه بمعجزات وافرة فيكرمك ابناؤك ويزدادوا ثقة بكِ فترغبين إذا من ذاتك أن تمسحي دموعنا وتسكتي أوجاعنا، وانا من أعماق قلبي أصرخ بأمانة حيّة قائلاً يا أمي العزيزة، يا أمي اللذيذة. يا أمي الحنونة ساعدينى ولا تتأخري عن إسعافي يا أمي سيدة الوردية، ولا تؤجلي مد ذراعك لأغاثتي فإن التأخير يجعلنى فى خطر الهلاك. آمين.

السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة……..

        (4)

لـمن التجئ إلاّ إليكِ أنت غوث البائسين وقوة الـمتروكين وتعزية الحزانى، فها أنا أعترف أمامكِ بأني بائس ومسكين، مثقل بالخطايا والأثام الفظيعة ومستحق النار الأبديـة ولست أهلاً للرحمة والشفقة، ولكن ألستِ أنتِ رجاء البائسين والوسيطة بين الله والبشر، والمحامية الـمقتدرة أمام عرش العلي وملجأ الخطاة، فقولي كلمة هند ابنك يستجيبك واطلبي منه هذه النعمة التى أنا فى غاية الإحتياج اليها (هنا اطلب النعمة الـمرغوبة)، فأنت وحدك قادرة على نوالها لي أنت رجائي الوحيد وعزائي التام وراحتي الكاملة وحياتي بأجمعها، هكذا اؤمل وهكذا فليكن. آمين.

السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة………

          (5)

أيتها البتول سلطانة الوردية المقدسة، أنتِ ابنة الآب الأزلي وأم الإبن الإلهي وعروس الروح القدس. أنتِ القديرة أمام الثالوث الأقدس اطلبي لي هذه النعمة الضرورية بشرط الا تضر بخلاصي الأبدي (هنا يكرر طلب النعمة المرغوبة)

فأنى اطلب ذلك منك بحق الحبل البرئ من الدنس وبحق ولادتك الإلهية وبحق افراحك واحزانك وامجادك. اطلبها منك بحق قلب ابنك المحبوب، وبحق حبلك به تسعة اشهر، وبحق حياته الشاقة وآلارمه المرة وموته على الصليب وبحق اسمه الأقدس ودمه الثمين. اطلبها اخيرا بحق قلبك الحنون وبحق اسمك المجيد فانت نجمة البحر وباب السماء وام كل نعمة فارجو منك كل خير وكل معونة لتقودينى للخلاص بإبنك يسوع المسيح. آمين.

السلام عليك أيتها الملكة أم الرحمة والرأفة………

–  اجعلينى أهلا لتمجيدك أيتها البتول القديسة

–  أعطيني قوة على أعدائكِ

–  صلّي لأجلنا يا سلطانة الورديـة.

–  لكى نستحق مواعيد المسيح

نصليّ: اللهم يا من أعطى لنا ابنه الوحيد جزاء الحياة الأبدية بحياته وموته وقيامته، نسألك أن تمنحنا نحن المقيمين تذكار هذه الأسرار المقدسة بوردية العذراء مريم البِكر الطاهرة ان نقتدي بما تتضمنه فننال ما وعدنا به بواسطتها بحق ربنا يسوع المسيح. آمين.

أيها القديس عبد الأحد كاهن الله الذى كنت صديقا امينا وابنا محبوبا عند سلطانة السماء حتى انك صنعت معجزات عديدة بقوة الوردية المقدسة. وأنتِ ايتها القديسة كاترينا بكر أبكار رهبانية الوردية المقدسة الوسيطة القديرة أمام عرش العذراء مريم، ولدى قلب يسوع الأقدس الذى غيّر قلبك وجدده. فأنتما يا قديسي العزيزين انظرا الى احتياجاتي وتحننا على سوء حالي. انكما قد كنتما فى الأرض مشفقين على كل مصاب محزون، ومسرعين لإغاثته وتعزيته. والآن وأنتما فى السماء لم تنقص فيكما لا الرحمة ولا المقدرة. اطلبا من مريم أم الوردية وابنها الإلهي ما أحتاجه، ولي ثقة عظمى فى نوال ما أرجوه وأتمناه بشفاعتكما. آمين.

المجد للآب والإبن….(ثلاث مرات) ومرة للقديس منصور فراري لنوال شفاعته المستجابة.

 تحت ذيل حمايتك نلتجئ اليك يا والدة الله القديسة، فلا تغفلي عن

طلباتنا اليكِ فى شدائدنا لكن نجينا من جميع الأخطار أيتها العذراء

المباركة.

–  صلي من أجلنا يا سلطانة الوردية

–  لكى نستحق مواعيد المسيح.

تحية لأم الله

السلام عليك يا زنبق الثالوث البهي. السلام عليك يا صورة بهائه النقي. السلام عليك يا وردة زهيـة انتشر بها عطر السموات الذكي. السلام عليك يا بتولا لا شبيه لها يا من شاء ملك المجد أن يولد منها ويتغذى بلبنها. أحيي نفوسنا يا أم الحياة وأسكبي علينا سوابغ النِعم يا بتولا مملوءة من كل نعمة.

 يا سلطانة الوردية المقدسة صلي لأجلنا (ثلاث مرات).

(تنبيه) لكي ينال الـمصلّي بأعظم تأكيد النعمة المطلوبة فليتلوا يوميا فى ايام التساعية المذكورة

الوردية بتمامها أي العشرون بيتا.

      تساعية الشكر

–  اللهم اصغ الى معونتى

–  يارب اسرع الى إغاثتـى

       (1)

هاآنذا امام قدميك يا ام يسوع المنزهة عن كل وصمة يا من يسرها ان تدعى سلطانة الوردية فى وادى بمباي اقبلت اليك مملوء القلب سروراً متفانى النفس وفاء وشكر لعظيم فضائلك ايتها المحسنة الكريمة والسيدة العظيمة ملكة قلبي الجليلة، لقد اعلنت انك امى حقاً واعربت عن محبتك الفائقة لي لأنى كنت فى ضيق شديد فبادرت الى اغاثتى وكنت حزينا فعزيتنينى كنت فى ضيق واضطراب فأوليتيني السلامة والهناء، كانت أوجاع الموت وأهواله تيط بي فتنازلت وأنت على عرش بمباي أيتها الأم الرؤفـة أن تنظرى الى نظرة الحنو والشفقة ففرجت عنى وهدأتي من خوفى، من ذا يلتجئ الى حمايتك ويثق بك ويرجع خاسرا خائبا، فلو أدرك الناس محبتك الفائقة وأحاطوا علما بشفقتك على من تدركه المضايق والشدائد فما أعظم ما يكون تهافتهم على الإلتجاء إليك والإعتصام بحبال الإعتماد عليك، فلا زلت مباركة على مر الدهور يا ملكة بمباي العذراء ولا زال الشكر يؤدى لك منى ومن البشر والملائكة أجمعين فى الأرض

والسماء. آمين.

المجد للآب والإبن………… السلام عليكِ سا سلطانة يا أم الرحمـة…………..

        (2)

الى الله عز وجل أرفع الشكر وإليكِ يا أم الـمكارم والنِعم الكثيرة على ما جدت به عليّ من دلائل الرحمة والشفقة، فياويلي ما كان يحل بي لو أهملت طلبتى وتضرعاتى. ليشكرك عنى ملائكة السماء والرسل والشهداء والعذارى والمعترفين. ليشكرك عنى جماهير الخطاة الذين خلصتيهم وهم متمتعون اليوم فى السماء بمعاينة جمالك البديع. ليت جميع الخلائق يشاركونى فى محبتك وشكرك. ما الذى اقدمه لك ايتها الملكة الغنية بالمكارم والمحاسن. إنى أخصص ما بقى من عمرى لك وللعمل على نشر الإكرام بتلاوة ورديتك، يا من بشفاعتها تداركنى نعمة الرب وأخبر الناس بفضائلك وأعلن للجميع عظيم شفاعتك وإحسانك ليلتجئ إليكِ غير المستحقين مثلي والخطأة أجمعون وهم واثقون بكِ. آمين

المجد للآب والإبن…………

السلام عليكِ سا سلطانة يا أم الرحمـة…………..

       (3)

بأي الأسماء أدعوك يا حمامة السلم الوديعة، وبأي الأوصاف أستنجد بكِ يا من يدعوها الأباء سيدة الخلائق وباب الحياة وهيكل الله وشعاع النور ومجد السموات والقديسة الفائقة القديسين وأعجوبة الأعاجيب وفردوس العلي. أنت خازنة النعم والشفيعة المقتدرة ورحمة الله الشاملة للبائسين، على انى اعلم انكِ تحبي أن تُدعى ملكة الوردية فى وادى بمباي، وإذ أدعوك هكذا أشعر بحلاوة اسمك هذا يا وردة الفردوس التى نقلت فغرست فى وادى الدموع لتخفف بعطرها أحزاننا نحن المنفيين أولاد حواء، يا وردة المحبة الفائقة التى فاق نشرها أزهار لبنان كافة فأضجت تجنذب بعبيرها الطيب فى واديها قلوب الخطاة الى قلب الله عز وجل. أنتِ هى الوردة الدائمة النضارة المرتوية بجداول المياه السماوية وقد امتدت أصولك فى الأرض القاحلة المضطرمة بالسعير الـمحرق، أيتها الوردة الفاتنة الرونق التى غرست فى مقر الشقاء. روض ملذات الرب الطاهرة، تبارك الله الذى جعل اسمك عجيبا. باركوا أيها الشعوب اسم العذراء بمباي لأن الأرض جمعاء مملوءة من رحمتها. آمين

المجد للآب والإبن…………السلام عليكِ سا سلطانة يا أم الرحمـة…………..

        (4)

فى ليل الضيقات والشدائد رفعت عيني إليكِ يا نجمة الرجاء المتلألئة هذه الأيام فى وادى الهلاك، فناديتك من أعماق أحزانى يا ملكة وردية بمباي فعلمت قوة هذا الأسم الكريم لديك وعلى ذلك لن أزل أحييك هاتفاً: السلام عليك يا أم الرأفة يا بحر النعم غبلر المحدود يا أم الجودة والشفقة يا من يعجز القلم واللسان عن وصف معانى ورديتك وما حازته مسبحتك من آيات النصر الباهرة، إنك أعددت الخلاص للعالم إذ أفلت من ذراعى يسوع ليستسلم منقاداً لإبليس الرجيم فى واد كان يفترس فيه النفوس فهدمت أيتها الظافرة أركان هياكل الأوثان وعلى ردمها وضعن أساس مملكتك الوطيدة وحولت نواحى الموت الى وادى القيامة والحياة وفى أرض ساد عدوك فيها أقمت حصن ملجأ حصين يقصده الشعوب للفوز بالأمان والنجاة. وها إن أولادك فى أرجاء العالم ينصبون لك عرشاً عظيماً شهادة لسلطتك ودليلاً على قدرتك ورحمتك ومن ذلك العرش دعوتنى أنا أحد أبنائك الأخصاء ونظرتى إليّ برفق وشفقة أنا البائس المسكين. فلا زالت أعمالك ممجدة مباركة الى الأ[د أيتها السيدة السامية المقام. ولا زلت مباركة المعجزات العديدة التى صنعتيها فى وادى البلاء والشقاء. آمين.

المجد للآب والإبن…………

السلام عليكِ سا سلطانة يا أم الرحمـة…………..

       (5)

ليترنم بالثناء عليك كل لسان وليردد مديحنا لكِ فى الصباح والمساء، وليدعكِ مغبوطة القبائل والأجيال بل كل أصقاع المعمورة، وأرجاء السموات أنا أدعوكِ مثلثة الغبطة مع الملائكة ورؤساء الملائكة والأرباب والقوات والسلاطين، ألا يا سيدتي ومنقذتى لا تحول نظرك الرؤوف عن هذه العائلة وهذه الأمة والكنيسة جمعاء. وعلى الخصوص لا تنكرى عليّ فضل احسانك وتأذنى ان انفصل أنا الضعيف العاجز عنكِ. بل تكرمى على ان اموت وفى الإيمان والحب المتوقدان فيّ الآن وساعدى كل من اعتنوا بتشييد معبدك فى بمباى ان يكونوا فى زمرة المختارين. يا مسبحة وردية امى إنى أضمك الى صدرى واقبلك بإحترام. أنتِ هى الطريق الموصل الى كل فضيلة وذخيرة الإستحقاق للنعيم وعربون خلاص الأبدى والسلسلة التى تقيد العدو وتضبطه. أنتِ مورد السلامة لمن يكرمك فى هذه الدنيا. وآية النجاة لمن يقبلك فى سباق الموت، وأها لكِ يا أمي الكريمة انى اتوقعك تلك الساعة الهائلة فأن ظهورك يكون آية خلاصي إذ تفتح لي ورديتكِ أبواب السماء. آمين.

المجد للآب والإبن…………

السلام عليكِ سا سلطانة يا أم الرحمـة…………..

–  صلى لأجلنا يا ملكة الوردية المقدسة

–  لكى نستحق مواعيد المسيح

صـــلاة: اللهم يا أبانا سيدنا يسوع المسيح يا من علمنا أن نلوذ به واثقين، وندعوه أبانا الذى فى السموات وهو الرب الصالح الذى لا يزال يعلمنا بالراحة والصفح، بشفاعة البريئة من الدنس العذراء مريم، استجب لنا نحن الـمفتخرين بكوننا نسمى أبناء الوردية، وارض عن شكرنا الوضيع لـما حزنا من المواهب والتعم ومن على معبد بمباى أن يزداد كل يوم مجداً وثباتاً بإستحقاقات يسوع المسيح ربنا. آمين.

صلوات التساعية لسيدة الأيقونـة العجائبيـة

–  يا مريم البريئة من دنس الخطيئة الأصلية

–  صلي لأجلنا نحن الـملتجئين إليكِ

يا سيدنا يسوع المسيح، يا من ارتضيت أن تتمجد العذراء أمك الكلية القداسة البريئة من الحطيئة الأصلية بعجائب لا حد لها، إذ نحن نترجى دائما حمايتها اجعلنا نبلغ سعادة الآخرة، أنت الإله وحدك، الذى يحيا ويملك إلى دهر الداهرين. آمين.

أذكري، يـا مريم العذراء الحنون، أنـه لـم يُسمع قطّ أنَّ أحداً التجأ الى حمايتك وطلب معونتكِ والتـمس شفاعتك ورُدّ خائبـاً. فأنـا الخاطي أتقدّم اليكِ بهذا الرجاء وبهذه الثقة، وأرتـمي على قدميكِ متنهداً تحت نيـر خطاياي، مُلتجئـاً اليكِ. فلا ترذلـي تضرعاتـي، يا والدة الكلـمة الإلهيـة، بل استجيـبيهـا وأقبليهـا بحنـو. آميـن.     

صلاة أخرى: يا مريم، سلطانة حبل بها بلا دنس-ام يسوع وامنا-إذ نحن واثقون كل الثقة- بشفاعتك الكلية الإقتدار والفاعلية-التى طالما ظهرت بواسطة ايقونتك العجائبية-نتوسل اليك نحن ابناءك الأخصاء-ان تستمدى لنا النعم والهبات-التى نطلبها منكِ زمن التساعية هذه-إذا كانت تؤول لخير نفوسنا ونقوس الذين من اجلهم نصلي. آمين.

صلاة لسيدة الأيقونة العجائبية

يا سيدة الأيقونة العجائبية، يا من شئتِ ان تظهرى للقديسة كاترين لابوريه وسيطة بين الله والناس انى اتوسل اليك فأصغى الى….

ها انا اضع بين امومة يديك نباتي جميعها ورغباتي الروحية والزمنية ضارعا اليك بإنسحاق كليّ ان تستمدي لي من ابنك السماوي النعمة التى اتجاسر واعهد بطلبها اليك انت كلية الجودة والحنان وان تسأليه كي يستجيبني إذا كانت هذه النعمة التى التمسها تطابق ارادته القدوسة وخير نفسي.

ثم تنازلي ايتها العذراء القديرة وابسطي عليّ يديك المرتفعتين الى الله من اجلي ووسحيني بأشعة نعمك لكي ما بفضل نورها وحرارتها تنعتق نفسي من هموم هذا العالم فتتنقى وتقتفي أثارك فرحة حتى ذلك اليوم الذى فيه تأتيني الى ملاقاتي عند باب السماء. آمين.

صلاة أخرى: يا أمّ الله البتول، يا مريم الطاهرة، نحن نكرّس لك ذواتنا يا سيدة الأيقونة العجائبية. فلتكن هذه الميدالية إشارة أكيدة لكلّ واحد منا على عاطفتك تجاهنا وتذكيراً دائماً لنا بواجباتنا تجاهك. نأمل كلما ارتديناها أن تباركينا بحمايتك المُحبة وتحفظينا بنعمة ابنك. أيتها البتول القادرة، يا أمّ مخلصنا، ابقينا قربك في كل لحظة من حياتنا. استمدي لنا، نحن ابناؤك، نعمة الميتة الصالحة، حتى نتمتع معك بالسعادة الأبدية. آمين.

هتافات تمجيدية لسيدة الأيقونة العجائبية

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ أمي فابتسمي لي

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ حارستي فاحفظيني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ محاميتي فانصريني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ نوري فاهديني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ نصيري فدافعي عني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ رجائي فعزيني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ نجمتي فارشديني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ سلطانتي فدبريني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ شفيعتي فاشفعي فيّ

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ ملجأي فارحميني

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنتِ عوني فأغيثيني

يا سيدة الأيقونة العجائبية كوني لنا ضياءً ونوراً وأرشدينا إلى سواء السبيلِ.

يا سيدة الأيقونة العجائبية املكي على قلوبنا فلا تميل الى حب الأباطيل.

يا سيدة الأيقونة العجائبية ارشدي الأحبار والكهنة لبقوموا بواجبهم الجليل.

يا سيدة الأيقونة العجائبية ساعدينا على احتمال الكروب بالصبر الحميل.

يا سيدة الأيقونة العجائبية اهدي الضالين إلى الطريق القويم.

يا سيدة الأيقونة العجائبية اشفي مرضانا وخذى بيد المنازعين.

يا سيدة الأيقونة العجائبية قوي الضعفاء وحافظى على أنقياء القلوب.

يا سيدة الأيقونة العجائبية علمينا أن نجّل الحشمة ونحافظ على العِفة.

يا سيدة الأيقونة العجائبية ثبيتينا فى الإيمان وفى الخلاص لبارينا

يا سيدة الأيقونة العجائبية أنيري قلوبنا بنور الرجاء الوطيد.

يا سيدة الأيقونة العجائبية انعشي نفوسنا بحب يسوع فادينا.

يا سيدة الأيقونة العجائبية احمينا من خداع ابليس وساعدينا فى كل ضيق.

يا سيدة الأيقونة العجائبية عزّينا فى المحن والغم واحرسينا من كل شر.

يا سيدة الأيقونة العجائبية عينينا فى المخاطر وثبّتينا فى النعمة.

يا سيدة الأيقونة العجائبية احيي الإيمان فى القلوب وامنحي السلام للشعوب.

يا سيدة الأيقونة العجائبية القي الوفاق والوئام فى العائلات المسيحية.

يا سيدة الأيقونة العجائبية امنحي الأباء والأمهات الشهامة والإستقامة.

يا سيدة الأيقونة العجائبية احمي البنين والبنات من شرك ابليس اللعين.

يا سيدة الأيقونة العجائبية انصري الكنيسة على اعدائها نصراً مبيناً.

يا سيدة الأيقونة العجائبية امطري غزير بركاتك علينا أجمعين.

يا سيدة الأيقونة العجائبية باركي عائلاتنا وقدّسي أفرادها.

يا سيدة الأيقونة العجائبية باركي وطننا العزيز واشمليه بالوحدة والسلام.

يا سيدة الأيقونة العجائبية امنحينا جميعا حياة هادئة وآخرة صالحة.

 تساعية فعالة للقديسة مريم أم الأحزان وللقديس يوسف

يا قديسة مريم يا أم الأحزان بحق حزنك الأول الذي قاساهُ قلبكِ الحنون عند سماعكِ نبؤة سمعان الشيخ، ويا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألم بك عند ارتيابك بالحبل الإلهي، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس (النعمة التى اطلبها…..) ابانا والسلام والمجد.

 يا قديسة مريم، يا أم الأحزان بحق حزنك الثانى الذى ألّم بكِ وقاساه قلبُكِ الكلِّي الشعور والتأثّر في هربكِ وإقامتكِ بمصر، و يا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألم بك حينما لم تجد مأوى فى بيت لحم لـميلاد يسوع وحالة الفقر التى صاحبت ميلاده، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها….. ابانا والسلام والمجد.

يا قديسة مريم، يا أم الأحزان، بحق حزنك الثالث عند فقد طفلك يسوعِ الحبيب. ويا قديس يوسف، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها….. ابانا والسلام والمجد.

يا قديسة مريم، يا أم الأحزان، بحق حزنك الرابع عند التقائكِ بيسوع

حاملاً الصليب فى طريق الجلجلة، ويا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألم بك لما سمعت لنبؤة سمعان الشيخ لخطيبتك البتول بأنه سيجوز سيف فى قلبها، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها

ابانا والسلام والمجد.

يا قديسة مريم، يا أم الأحزان، بحق حزنك الخامس عند وقوفِكِ تحت أقدام يسوع منازعاً على جبل الجلجلة، ويا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألـم بك عندما أمرك الملاك بالهرب الى أرض مصر، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها…..ابانا والسلام والمجد.

يا قديسة مريم، يا أم الأحزان، بحق حزنك السادس عندما وُضع جسد يسوع بعدما أُنزل من

على الصليب بين ذراعيكِ، ويا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألـم بك عندما رجعت من مصر الى اليهودية وعلمت ان أركيلاوس ورث عن أبيه هيرودس الـمُلك، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها…..ابانا والسلام والمجد.

يا قديسة مريم، يا أم الأحزان، بحق حزنك السابع عندما وُضع جسد يسوع فى القبر، ويا قديس يوسف بحق الحزن الذى ألـم بك عندما غاب عنك يسوع مدة ثلاثة ايام، التمسا من أجلى عند قلب يسوع الأقدس النعمة التى اطلبها…..ابانا والسلام والمجد.

لنصلِّ: نتوسَّل اليك، أيها الرب يسوع المسيح، ربنا ومخلصنا الصالح، انه بحق صليبك المقدس وآلامك وموتك وقيامتك المجيدة ان ترحمنا نحن الخطأة.

يا يسوع، إرحمـنـا

يا يسوع قويّ إيماننـا وزد رجاءنا واجعل حب الله والقريب مغروسا فى قلوبنا حتى يمكننا ان نخدمك أنت وحدك بأمانـة فى هذه الحيـاة، لأن لك المجد والقوة والتسبيح الى الأبد. آمين.

صلاة القديس برناردسSt. Bernard of Clairvaux

ايتها العذراء الـمباركة امنحينا ان نأتي إلى إبنكِ بواسطتكِ، والذى أوجد فيكِ نعمة وحياة وفعل أن تكوني أمـاً للـخلاص. امنحي أن يقبلنا هو بواسطتك هذا الذى أتى منكِ. ياليت محبته الفياضة تغفر لنا خطايانا، ورحمته تقبلنا أمام الله، اطلبي الـسماح عن غرورنـا، وياليت محبتكِ تغطى تبعات خطايانـا، ويا ليت نتاج مجدكِ يعطينا أن نُثـمر عن إستحقاق.

يا سيدتنـا وسلطانتـا، شفيعتنـا، محاميتنـا، صالحينـا مع إبنكِ، توسطي لنـا عند ابنكِ، قدمينـا لإبنكِ.

أيتها العذراء القديسة بالنعمة التى وُجدتِ بها أمام الله، بالإختيار الذى استحققتيـه، بالرحـمة التى منحكِ إياهـا، امنحينا أن يعطينا هو بواسطتكِ أن تتعطفـي ان تاخذى ضعفنا وبؤسنا وتشركينا معكِ فى مجد وفرح ابنك ربنـا يسوع الـمسيح الذى هو فوق الجميع.الرب يباركك الى أبد الأبدين. آمين.

 فعل التكريس الدائـم لمريم البريئة من الدنس(القديس ماكسميليان مارياكولب)

أيتها البتول، سلطانة السماء والأرض، ملجأ الخطـأة، وأمنـا الـمحبوبـة، يا من وهبكِ الله ان

تكوني أميـنة لكنوز رحـمته، انى انطرح أمامكِ بكل تواضع أنا الخاطئ الشقي، أن تقبليني بكلّيتي ملكاً لكِ وأن تفعلي بي وبكل قوتي وجسدي ونفسي، وبحياتـي بكاملهـا، وبـموتي وأبديتـي ما يسرّ قلبكِ. افعلي بـي كما فعل الرب بكِ ليتحقق ما هو مكتوب:ِ”ستسحق رأس الحيّة”، ومن أجل هذا ومن خلالها وحدها كل الهرطقات قد تبددت. ها آنذا أيتها البتول ذو اليد الرحيمة اجعليني آداة طيّعة فى يديك لأعرّف العديد من النفوس الضالة أن تحبك وبهذا أساهم بطريقة أعظم فى تثبيت مملكة يسوع الـمسيح. لأنه فى الحقيقة من خلالكِ ستتحول وستتقدس النفوس ولأن كل النعِم تـمر الينـا من قلب يسوع الأقدس عبر يديكِ. آمين. 

فعل التكريس الكامل للعذراء للقديس لويس دى مونفور

أنا…الخاطئ الشقي ها أنا ذا أجددّ عند قدميك الطاهرتين مواعيد معموديتي وأثبتها حباً بكِ

وإكرامـاً لكِ وأكفر أبداً بالشيطان وأعماله، وأكرّس ذاتي بكليتها على يديكِ لربي وإلهي يسوع الـمسيح، الحكمة الـمتجسدة، وأعزم على نفسي بأن أحمل صليبه الـمقدس وأتبعه كل أيام حياتي، وأعيش وأموت أميناً فى خدمته، راغباً فى مرضاتـه أكثر من ذى قبل.

ولذلك فأني قد اخترتكِ اليوم بحضور كل أهل البلاط السماوي وجمهور الـملائكة والقديسين، أماً وسيدة لـي، وخصصت ذاتي عبداً لكِ، أعطيتكِ كل سلطان عليّ تتصرفيـن بحريـة تامة بجسدي مع كافة حواسي ونفسي مع كافة قواها وبكل ما أحصل عليه من الخيرات الباطنية والخارجية ومن الاستحقاقات والأجر بأعمالي الصالحة سواء أكانت فى الماضي والحاضر والـمستقبل، واضعاً بين يديكِ إرادتي وحريتي ومقيداً نفسي لخدمتكِ اليوم وكل أيام حياتي، فتنازلي أيتها السيدة القديرة واقبلي تقدمتي هذه التامة حسب مشيئتك الصالحة لمجد الله الأعظم فى هذه الساعة ولدى الأبديـة. آمين.

الإيـمان هو الطريق الى الله ولا يمكن الوصول اليه بدون صلاة

 نشيد مريم

تعظّم نفسي الربّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال. لأنّ القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس، ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونه. صنع عزّاً بساعده، وشتّت المتكبرين بأفكار قلوبهم. حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين. أشبع الجياع خيراً والأغنياء أرسلهم فارغين. عضد إسرائيل فتاه فذكر رحمته، كما كلّم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد. آمين

 صلاة البابا بيّوس الثاني عشر في عيد تقدمة العذراء

أيّتها البريئة من كل دنس، أمَّ يسوع وأمَّنا، إذ نحن مأخوذون ببهاءِ جمالكِ السماويّ ومدفوعون بضيقاتِ هذا الجيل، نرتمي بين ذراعيك، واثقين بأنْ نجد في قلبكِ الكلي الحب، تحقيقَ أمانينا

الحارّة والميناءَ الأمينَ بين العواصف التي تثورُ علينا من كلّ جهة.

رغمَ أنّنا مثقلونَ بالمآثم وغارقون في بحر من الشقاء، نُشيدُ منذهلين بتلك العطايا الباهرة التي

غِناها لا يُحَدّ، وقد أعدقَها عليكِ الربُّ فوق كلّ خليقةٍ بارّة، منذ الدقيقة الأولى من الحبل بكِ إلى يومِ انتقالِكِ إلى السماء وتتويجكِ ملكة العالم.

يا ينبوعَ الإيمانِ الصافي، أَروي عقولَنا من الحقائق الأزلية، أيّتها الزنبقةُ الفوّاحة بعرفِ القداسة إجذبي قلوبَنا بأريجِكِ السماوي، أيّتها المنتصرة على الشرِّ والموت، ضعي في قلوبنا بُغضَ الخطيئة…

أيّتها المنتَخَبة من اللّه، أصغي إلى النداءِ الحار الذي يوجّهه إليك كلُّ قلبٍ أمين.

إنحني على جراحاتِنا الأليمة، بدّلي عقول الأشرار، كفكفي دموعَ الحزانى والمظلومين.

أعيني الفقراءَ والوضعاء، أخمدي روحَ البغضِ، ليّني الطباعَ القاسية، أحرسي زهرةَ العفافِ في الشبّان، إحمي الكنيسة المقدّسة، إجعلي أن يشعرَ جميعُ الشعوبِ بجاذبية الصلاحِ المسيحي، ليعرفِ الناسُ باسمِكِ الذي تتوحّد على نغمتِهِ صفوفُ السماوات، أنهم إخوة، والأمم عائلة واحدة تُشِعُّ عليها شمسُ سلامٍ شاملٍ حقيقي. فتقبّلي أيّتها الأمُّ الكليّةِ العذوبة طلباتِنا الحقيرة، واستمدّي لنا عوناً في أن نردّد أمام عرشِكِ، ونحن متمتّعون بالسعادة معكِ، ذاكَ النشيد الذي يتصاعدُ اليومَ ضمنَ هياكلكِ: كلُّكِ جميلة يا مريم، أنتِ فخرُ وفرحُ وشرفُ شعبِنا. آمين.

صلاة القديس توما الأكويني للعذراء مريم

أيّتها البتولُ مريم، المثلّثةُ الطوبى والكليّةُ الحلاوة والممتلئة من المراحم، إنّي أسلّم ذاتي إلى رأفتِكِ مستودعاً نفسي وجسدي وأفكاري وأعمالي وحياتي وموتي، فعينيني يا سيّدتي وقوّيني ضدَّ وَثَباتِ الشياطين وتجارِبهم، واستمدّي لي الحبَّ الحقيقيّ الكامل الذي أُحِبُّ به من كلِّ قلبي

ابنَكِ الحبيب يسوعَ المسيحِ سيّدي. وبَعدَ حبّي إياه، أحبُّكِ أنتِ يا سلطانتي فوق الأشياءِ كلّها.

فاجعليني يا أمي بشفاعتِكِ الكليّة الإقتدار، أن أثبتَ في هذه المحبة حتى الموت، الذي إذ يفصِلُني من هذه الحياة، تقودين أنتِ نفسي إلى الفردوس السماوي. آمين.

صلاة القِدِّيسِ يوحَنّا الدِمَشْقي في عيد انتقال العذراء مريم

 نَحْنُ أَيضاً اليَوم، نَقِفُ أَمامَكِ، أَيَّتُها المَلِكَة، أَجَل، المَلِكَة، والِدَةُ الله العَذراء، نُعَلِّقُ عَليْكِ رَجاءَنا

كَما عَلى مِرْساةٍ أَمينَةٍ وَراسِخَة.

نُكَرِّسُ لَكِ عَقْلَنا ونَفْسَنا وَجَسَدَنا، بِجُمْلَتِه:

نُريدُ أَنْ نُكَرِّمَكِ “بِمَزاميرَ وتَسابيحَ وَأَغانٍ روحِيَّة” بِقَدْرِ ما نَستطيع،

لأنَّ تَكريمَكِ بِحَسَبِ مَقامِكِ يَفوقُ استِطاعَتَنا.

إذا صَحَّ، بِحَسَبِ القَولِ المَأْثور، أَنَّ ما يُقَدَّمُ مِنْ إكرام إلى سائِرِ الخِدَمِ

هوَ دَليلُ مَحَبَّةٍ لِسيِّدِ الكُلّ، فَهَلْ يُمْكِنُ اهْمالُ إكرامك، أَنْتِ والِدَةَ سَيِّدِكِ؟

ألا يَجِبُ أَنْ نَتَطَلَّبَهُ بِرَغْبَة؟

بِهذا نُثْبِتُ بالأحرى تَعَلُّقَنا بِرَبِّنا.

وماذا أَقول؟ يَكفي مَنْ يَحْفَظونَ تَذْكارَكِ بِتَقْوى، أَن يَنالوا مَوْهَبَةَ ذِكْراكِ

التي لا تُقَدَّر: فَهوَ لَهُم ذُرْوَةُ الفَرَحِ الدائِم.

أَيَّةُ غِبْطَةٍ وأَيُّ خَيرٍ لا يَمْلأُ مَنْ يَجعَلُ مِنْ عَقْلِهِ المَقَرَّ الخَفِيَّ لِذِكْرِكِ المُقَدَّس؟ أمين.

صلاة لوالدة الإله

أفتحي لنا باب التحنن ياوالدة الله المباركة، لأننا بإتكالنا عليك لا نخيب، بل نخلص من كل

المحن، لأنك خلاص المسيحيين. ارحمنا يارب ارحمنا، لأننا عليك اتكلنا فلا تسخط علينا ولا تذكر آثامنا لكن أنضر الينا بما أنك إله متحنن وخلصنا من أعدائنا لأنك أنت إلهنا ونحن شعبك وجميعنا صنعة يديك وبأسمك ندعى: هليلويا هليلويا هليلويا
السر الذي منذ الدهور، قد أنكشف لك ايتها البتول النقية، حين حضر جبرائيل مسلماً عليك وهاتفاً نحوكِ قائلاً أفرحي يا أرضاً غير مزروعة، أفرحي يا عليقة غير محترقة، أفرحي يا عمقاً يعسر النضر اليه، أفرحي يا جسرا ناقلاً الى السماوات وسلماً مصعداً الى العلاء الذي شاهده يعقوب، أفرحي يا جرة المن الالهية، أفرحي يامزيلة اللعنة، أفرحي ياسبب انتشال آدم الرب معك. 

أعينينا في هذا العصر على المصائب والقهر، نصرخ اليك بالسلام والفرح نحن المؤمنين، لأننا

بك أشتركنا بالفرح السرمدي فخلصينا من تجارب الشيطان ونجنا من كل ضربة أصابتنا بسبب

كثرة خطايانا.

إذ قد ظهرت لنا نوراً وثباتاً، فنصرخ اليك قائلين: افرحي ياكوكباً لايغيب، انتِ التي جذبت لنا الشمس المنيرة، افرحي ياعاموداً نارياً بك يدخل البشر الى الحياة الأبدية، افرحي ياسلطانة العالمين، افرحي ياجميلة النساء البريئة من كل العيوب، طوباك تطويباً لايزول، طوباك ياحمامة ولدت لنا الفادي الرحيم، طوباك يادائمة البتولية، طوباك يافخر المتحدين، طوباك ياجمال الصديقين، طوباك ياخلاص المؤمنين.

يارب، ابعد غضبك عنا، ولا تهملنا ولا تجعلنا فريسة للأعداء، ولكن أذكر دمك المراق لأجل خلاصنا وعاملنا كحسب لطفك وتحننك، امسح يارب دموع الباكين والباكيات، وارفع من قلوبهم كافة التنهدات والحسرات اذ لا إاله لنا سواك أنت يارجاء البائسين ومجيب الطالبين وحامي الجزعين، فقوم رجائنا ياإلهنا وبادر لسمع صراخ المساكين وارحم شقائنا وابعد نيران الحروب عن شباننا وتحنن على دموع أطفالنا ولا تذكر زلاتنا. إذ لنا عندك شفيعة هي التي ولدتك.

هلموا أيها المؤمنين وسبحوا مهللين لأن جبرائيل أقبل الى الناصرة الى

العذراء مريم حاملاً بشائر الفرح والسرور قائلاً: افرحي أيتها البريئة من كل عيب، افرحي يا شفيعة المسكونة، افرحي يا عرشاً سماوياً.

 يا أم المسيح المعظمة

يا ام المسيح المعظمة، ويا أمنا المكرمة، لقد اجتمعنا على ذكرك الطيب وعلى حبك العظيم، وتلونا عليك سلام الله بكل ما في ذواتنا من الحب و الوفاء ودعوناك على الرجاء مؤمنين بذاتك المقتدرة وشفاعتك المظفرة فبدلي بأمر المسيح ماءنا خمرا وضيقنا فرجا وعسرنا يسرا وداوي أوجاعنا وأزيلي همومنا وكفكفي دموعنا وحطمي قيودنا وعبئي بالحب والأيمان أجراننا واطرحي عنا أعباءنا كلما ثقلت واخمدي فينا أهواءنا كلما عصفت وباركي بيتنا واحفظي أهلنا واجمعي شملنا واذكري عند المسيح أمواتنا وجري علينا من حمايتك المجيدة رداء مجيدا واقيا صوني يا أمنا على صراط الإنجيل امتنا وصوني على الإيمان الأصيل رجالنا ونسائنا وصوني بهم كنيستنا وديننا وثبتي على حب المسيح جموعنا و اجعلي راية عندنا المسيح فوق كل راية نحميها فتحمينا وكلمة المسيح فوق كل كلمة نحياها فتحينا والقي في بلادنا رحمة ومودة وسلاما وهبينا أن نحقق على المدى دعوتنا تطويبا لذاتك الغالية وتعظيما وتعظيما لمقامك الرفيع آمين.

صلاة تكريس العائلة

أيتها البتول المباركة، البريئة من العيب، سلطانتنا وأمنا ملجأ المساكين ومعزية الحزانى جميعاً، إننا ننطرح أمام عرشكِ ونختارك سيدة العائلة كلها، وأماً ومحامياً عنها لدى الله. ونقدّم ذواتنا مكرَّسين لخدمتك وللتعبد لك على الدوام. فنتوسّل إليك يا والدة الإله بأن تقبلينا في عداد عبيدك. وتضعينا في ظلِّ حمايتك. وتعتني بنا وتساعدينا في هذه الحياة وفي ساعة الموت الرهيب. فقد أقمناك، يا أم الرحمة، سيدة ومدبرة لأهل بيتنا كافة، ولأقربائنا وانسبائنا وأرباحنا وأعمالنا كلها. فلا تأنفي من أن تأخذي على ذاتك الاهتمام بهذا جميعه، بل تصرفي بكل شيء لنا حسبما تريدين. فباركينا إذاً جميعاً، ولا تسمحي بأن أحداً منَّا يفعل ما يفعل ما يغيظ ابنك. أحمينا ساعة التجارب، وأنقذينا من المخاطر. أسعفينا عند الاحتياج، وأرشدينا بمشورتك الصالحة حال الارتياب. عزِّينا في الأحزان وافتقدينا في الأمراض. لا تسمحي بأن يقع في قبضة الشيطان احدٌ منا، نحن المكرَّسين لعبادتك. بل اجعلينا نأتي كلنا إلى السماء حيث نشكر

نعمكِ ونحبكِ ونحب ابنك يسوع فادينا ونباركه معك إلى دهر الداهرين. آمين

 من صلوات الأجبيـة

 أنت هي أم النور المكرمة، من مشارق الشمس إلى مغاربها يقدمون لك تمجيدات يا والدة الإله السماء الثانية، لأنك أنت هي الزهرة النيرة غير المتغيرة والأم الباقية عذراء، لأن الآب اختارك، والروح القدس ظللك، والابن تنازل وتجسد منك. فاسأليه أن يعطى الخلاص للعالم الذي خلقه، وأن ينجيَّه من التجارب. نسبحه تسبيحا جديدا ونباركه الآن وكل أوان وإلى الأبد. أمين.

السلام لك

السلام لك. نسألك أيتها القديسة الممتلئة مجدا العذراء كل حين، والدة الإله أم المسيح، أصعدي

صلواتنا إلى ابنك الحبيب ليغفر لنا خطايانا.

السلام للتي ولدت لنا النور الحقيقي المسيح إلهنا، العذراء القديسة، اسألي الرب عنا، ليصنع

رحمة مع نفوسنا، ويغفر لنا خطايانا.

أيتها العذراء مريم والدة الإله، القديسة الشفيعة الأمينة لجنس البشرية، اشفعي فينا أمام المسيح الذي ولدته لكي ينعم علينا بغفران خطايانا.

السلام لك أيتها العذراء الملكة الحقيقية، السلام لفخر جنسنا، ولدت لنا عمانوئيل. نسألك: اذكرينا، أيتها الشفيعة المؤتمنة، أمام ربنا يسوع المسيح، ليغفر لنا خطايانا

صلوات العذراء الزائرة

باسم الآب و الابن و الروح القدس الإله الواحد آمين

صلاة إفتتاحيـة وطلب الروح القدس…………

جميعا: هلمّ أيها الروح القدس , إملأ قلوب مؤمنيك , أشعل فيهم نـار محبتك.

س : ارسل روحك فيخلقوا.

ج : فيلتجدد وجه الارض.

لنصلِّ: اللهم يا من بنور الروح القدس ارشدت قلوب مؤمنيك، إجعلنا بالروح عينه نتلذذ بالخير ونبتهج بتعزيـته دائما. بيسوع المسيح ربنـا. آمين.

س : يا رب افتح شفتيَّ.

ج : ليُخبر فمي بتسبيحتك.

س : اللهم أصغ إلى معونتي.

ج : يا رب أسرع إلى إغاثتي.

س : المجد للآب والابن و الروح القدس 

ج: الآن و كل آوان وإلى أبد الأبدين. آمين

الكاهن: أيتهـا القديسة مريم البتول، انـنا نقدم لكِ هذه الصلوات، عن إخوتـنا الأحياء الـمشتركين معي فى هذه الـمسبحة الورديـة، لكيّما يهبهم الرب الإلـه بشفاعتك كل ما يوافق خلاصهم ولمجد اسم الرب يسوع. آمين.

 تلاوة المسبحة الوردية

صلاة: السلام عليك يا سلطانة يا أم الرحمة و الرأفة. السلام عليك يا

حياتنا ولذتنا ورجائنا. اليكِ نصرخ نحن المنفيين أولاد حواء ونتنهد نحوك نائحين وباكين في هذا الوادي وادي الدموع.فأصغي الينا يا شفيعتنا.و انعطفي بنظرك الرؤوف نحونا و أرينا بعد هذا المنفى يسوع

ثمرة بطنك المباركة يا شفوقة يا رؤوفة يا مريم البتول، الحلوة اللذيذة آمين

س : تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة

ج : لكي نستحق مواعيد المسيح

ترنيمة “حبك يا مريم” أو أية ترنيمة للعذراء…………

قراء وتأمل: حسب ما يختاره الأب الراعي

مشاركة من الجميـع فى النص الإنجيلي ثم صلوات شخصية

ترتيلة جماعية حسب النص الإنجيلي

صلاة السلسلة:
 المجد للآب و الابن و الروح القدس

الآن وكل آوان والى أبد الأبدين

س : يا مريم التي حُبل بها بلا دنس.

ج : تضرعي لأجلنا نحن الملتجئين اليك.

 لنصل: يا ربنا يسوع المسيح، الشفيع لنا لدى الآب. الذي تنازلت و أقمت البتول الطوباوية أمك أمـاً لنا وشفيعة، تلّطف برحمتك و اجعل جميع الذين يأتون طالبين منك النِعم، يبتهجون بالحصول عليها بشفاعتها. آمين.

+ طلبـة العذراء مريـم الـمجيدة

صلاة تكريس المنزل لقلب مريم الطاهر

ايتها الأم القديسة مريم العذراء أمنا، ذات القلب الـمُحب والمحبوب، الطاهر والمتألم، نختارك ملكة وسيدة لـمنزل——–. نتوسل إليكِ ايتها الأم القديسة أن تتكرمي وتظهري الـمعونة القوية لهذا المنزل. فبإسم يسوع المسيح ابنكِ أحمى هذا المنزل من كل مصيبة سواء كان حريق أو غريق أو دمار أو عاصفة أو زلزال أو لصوص أو أشرار أو حرب و من كل المصائب التى قد يمكن أن تحل به. وباركى واحمى ودافعى واحفظى ككنز يخصك لأنكِ امنا، جميع الساكنين فيه. احميهم من جميع المخاطر واللعنات، ولكن بالأكثر إمنحيهم النعمة ليقتربوا من ابنكِ يسوع المسيح ويبتعدون عن اسباب الخطيئة وان يعملوا على تمجيد الرب وعلى نشر ملك ابنك الإلهى، المُلك الذى تشركينا فيه أيتها الأم الطيبة. يا يسوع ويا مريم فليصبح هذا المنزل من الآن مكّرساً لكما على الدوام ويكون ابناؤك فى هذا المنزل مباركين وممتلئين من نعمة ربنا يسوع المسيح. آمين. 

صلاة تقال امام تمثال العذراء مريم يوميا

أيتها البتول الكلية القداسة البريئة من كل دنس، مريم أمي ألتجئ إليكِ اليوم أنتِ التى هى أم ربي وسلطانة العالم وشفيعة الخطـأة ورجاءهم وملجأهم مستغيثا بكِ أنا الأشد الحاجة إليكِ واسجد لكِ ايتها الملكة العظيمة واشكرك على جميع النعم العظيمة التى منحتيها لي حتى الأن، خاصة لأجل شفاعتكِ لنا فى كل وقت. إني أحبك أيتها السيدة الكلية الـمحبة ولأجل محبتي لكِ أعدك من الآن بأن أكرّس هذه الخدمة لكِ وان أخدمك بأمانة وبأن أهتم بقدر إستطاعتي فى أن يحبك الأخرون. أني أضع فيك كل رجائي وخلاصي فأقبليني إبناً لكِ فأكون تحت حمايتك يا أم الرحمة، وإستمدي لي النِعم من إبنكِ يسوع المسيح وساعديني ان انتصر على التجارب وألتمس الحب الحقيقي والقوة منه متمنيا أن أنال ميتة صالحة. فأتوسل إليكِ يا أمي بحق الحب الشديد الذى تحبين به الله أن تعينيني دائما وخاصة فى ساعة موتي، وأن لا تتركينني حتى تشاهدينني فى موكب السمائيين، حيث ابارك ابنكِ وأباركك وأسبّح رحمتك إلى أبد الأبدين. آمين

+ البركة والختام       

جنود مريم

 يصل عدد جمعية جنود مريم او الليجيوماريا إلي أكثر من عشرة ملاين عضو ( حوالي 3 ملايين عضو عامل بالإضافة إلي أكثر من 7 ملايين عضو مساعد ) منتشرين حول العالم. بدأت جنود مريم في سبتمبر 1921 ( تحديدا في 7 سبتمبر) بدبلن عاصمة ايرلندا. هذه الجماعة نظمت نفسها في فرق مريمية لخدمة الكنيسة في جهادها ضد الشيطان وجنود مريم يأملون أن يصيروا بامانتهم وفضائلهم وشجاعتهم جديرين بملكيتهم السماوية
إن هدف جنود مريم هي تقديس أعضائها بالصلاة والمساهمة الفعلية ” حسب توجيه الرؤساء الكنسيين” في عمل مريم والكنيسة ألا وهو سحق الحية ونشر ملك المسيح. إن روح جنود مريم هو روح مريم بعينها فجنود مريم يسعون علي وجه الخصوص لاكتساب تواضع مريم العميق وطاعتها الكاملة و وداعتها الملائكية ومداومتها علي الصلاة وأمانتها الشاملة وطهارتها الناصعة وصبرها البطولي وحكمتها السماوية ومحبتها لله في شجاعة وتفان وخصوصاً إيمانها – تلك الفضيلة التي مارستها مريم وحدها وعلي أوسع مدي ولم يكن لها مثيل فيها فجنود مريم إذ يستلهموا حب مريم هذا و إيمانها يقبلون علي أي عمل كان فعمل جنود مريم الأساسي بعد تقديس أنفسهم هي المساعدة علي تقديس أنفس الآخرين ومساعدة الكنيسة في خدمة الأنفس. فجنود مريم هي الساعد الأيمن للكاهن وتحاول تقديس الآخرين من خلال أنشطة روحية ورسوليه متعددة تختلف طبقا لطبيعة البلد أو المدينة أو الحي الذي تعمل بة الفرقة وهذه الإعمال علي سبيل المثال وليس الحصر: زيارة البيوت والأسر
– زيارة المستشفيات والملاجئ – افتقاد المرضي والأرامل و الايتام – العمل من اجل عناصر الشعب التعيسة والمهملة – نشر المطبوعات الكاثوليكية – التعليم المسيحي-
 تنظيم المؤتمرات الروحية والصلوات والتأملات للرعية – التشجيع علي حضور القداس والتناول- العمل في سبيل الرسالات البعيدة – خدمة البيئة المحيطة – خدمة المعاقين
 إحصاء الرعية وغيرها من الإعمال الرسولية المختلفة بجانب الإعمال الروحية والتقوية للأعضاء.
وجنود مريم متواجدة في اغلب الكنائس الكاثوليكية بمصر وبمختلف طوائفها وتتنوع في مراحلها السنية تبدءا من 12 عاماً ويوجد بمصر ما يقارب ثلاثة الآلاف عضو منتشرين من الاسكندرية حتى أسوان

 قلب مريم الطاهر

يعود تاريخ عيد قلب مريم الطاهر إلى رغبة العذراء مريم، في ظهورات فاطيما في البرتغال عام 1917، عندما طلبت تكريس العالم لقلبها الطاهر، فوضع البابا المُكرّم بيوس الثاني عشر عام 1944، عيد قلب مريم في 22 من شهر اغسطس من كل سنة لالتماس شفاعة العذراء “من أجل السلام بين الأمم، حريّة الكنيسة، ارتداد الخطأة، محبة الطهارة، وممارسة الفضيلة” فاحتفلت الكنيسة للمرة الأولى بهذا العيد رسميًا في 22 أغسطس عام 1948.

 لكن في عام 1969 نقل البابا بولس السادس هذا العيد إلى اليوم التالي الذي يصادف فيه عيد قلب يسوع الأقدس، أي السبت الذي يسبق الأحد الثالث بعد العنصرة. بالرغم من ذلك لا تزال بعض الكنائس في العالم، خصوصًا تلك التي تتبّع رزنامة الأعياد القديمة، تعيّيد العيد مرّتين في السنة.

 إنَّ تكريم قلب مريم الطاهر ليس بجديدٍ في تاريخ الكنيسة، فالقديس يوحنا أودس (1601-

1680) الذي بنى روحانيته وتعاليمه حول عبادة قلب يسوع الأقدس، كان أوّل من كرّم القلبين الأقدسين معًا قائلًا: “لا يجبُ الفصل بين ما جمعه الله بطريقةٍ مثاليّةٍ، فقلبي يسوع ومريم مُرتبطان ببعضهما البعض بشكلٍ وثيقٍ جدًا! فالذي يتعبّد ليسوع يتعبّد لمريم في الوقت نفسه…”.

 وفي القرن التاسع عشر سمح كل من البابوين بيوس السابع والبابا بيوس التاسع لعدّة كنائس أن تحتفل بعيد قلب مريم الطاهر. كما كان قلب مريم الطاهر موضوع تأملٍ معمّقٍ عند القديس برناردوس (1380-1444) لتستعير منه الكنيسة دروسًا في المزامير (المأخوذة من آباء الكنيسة) خلال احتفالات قلب مريم. وكذلك كان الأسقف القديس فرنسيس دو سال (1567-1622) يعظ حول كمال هذا القلب، كمثالٍ في المحبّة لله.. فكرّس نفسه له وكتب الكثير عنه متأثرًا بالقديس يوحنا أودس

تقديم الإكرام يوم السبت

قالت السيدة العذراء، خلال ظهورها في فاطيما، في 13 يونيو 1917، المثبّت كنسيًّا، من

بين أمور أخرى، للرائية لوسيا: “يريد يسوع أن يستخدمك ليجعلني معروفةً ومحبوبةً. يريد أن يكرّس الإخلاص لقلبي الطاهر في العالم “.

ثم، في ذلك الظهور، أظهرت للوسيا قلبها متوّجًا بالأشواك: قلب الأم الطاهر الذي تغمره خطايا البشر وعقابهم الأبدي!

تروي لوسيا: “في 10 ديسمبر 1925، ظهرت لي العذراء القديسة في الغرفة وبجانبها طفل، كما لو كانت معلّقة على سحابة. أمسكت السيدة بيدها على كتفه، وفي الوقت نفسه كانت تمسك قلبًا محاطًا بالأشواك. في تلك اللحظة قال الطفل: “إرحمي قلب أمّك القديسة المتوّج بالأشواك، أي الخطايا، التي يعترف بها الخطأة باستمرار، في حين أنه لا يوجد أحد يقوم بأعمال التكفير لانتزاعها منه”.

وعلى الفور أضافت العذراء المقدّسة: “أنظري، يا ابنتي، قلبي مُحاط بالأشواك التي يضعها

البشر النّاكرون باستمرار بواسطة تجديفهم وجحودهم. كوني على الأقل تعزيةً لي، وأعلني

بإسمي الوعد التالي:

إلى كلّ أولئك الذين سيتقدّمون من سرّ الإعتراف، لمدّة خمسة أشهر، في يوم السبت الأوّل،

ويتناولون القربان المقدّس، ويتلون المسبحة الوردية، ويبقون بصحبتي لمدّة خمس عشرة دقيقة

أثناء تأمّلهم بأسرار الوردية، مع نيّتهم في تقديم عمل صالح لي. أعدهم بمساعدتهم في ساعة

الموت، وبإعطائهم كلّ النعم الضرورية لخلاصهم “.

هذا هو الوعد العظيم لقلب مريم الطاهر الذي يتم وضعه جنبًا إلى جنب مع وعد قلب يسوع الأقدس.

للحصول على وعد قلب مريم الطاهر، يجب تتميم الشروط التالية:

1. الإعتراف، خلال الأيام الثمانية السابقة، بقصد إصلاح المخالفات التي تُرتكب لقلب مريم الطاهر. إذا نسي المؤمن هذه النيّة في خلال الاعتراف، يمكنه صوغها في الاعتراف التالي.

2. المناولة، التي تتم بنعمة الله، بنفس القصد من الاعتراف.

3. يجب أن تتمّ المناولة في السبت الأول من الشهر.

4. يجب أن يتكرّر الاعتراف والمناولة لمدة خمسة أشهر متتالية، دون انقطاع، وإلّا يجب أن

يبدأ المؤمن من جديد.

5. تلاوة الوردية، على الأقل ثلاثة مسابح، بنفس نية الاعتراف.

6. التأمّل، لمدة ربع ساعة، لمرافقة العذراء القديسة في التأمل في أسرار المسبحة الوردية.

سأل المُعرّف لوسيا، في مايو 1930، عن سبب الرقم خمسة. ولمّا سألت يسوع، أجابها: “إنها مسألة إصلاح الإهانات والتجاديف الخمس الموجّهة إلى قلب أمّي الطاهر، وهي:
1. التجاديف ضدّ الحبل الطاهر بها.
2. التجاديف ضدّ بتوليّتها الدائمة.
3. التجاديف ضدّ أمومتها الإلهيّة، ورفض الاعتراف بها كأم للبشر أجمعين.
4. تجاديف من يُحاولون علنًا، زرع اللامبالاة أو الإحتقار وحتى الحقد والكراهية في قلوب الاطفال، ضدّ أمّهم الطاهرة.
5. تجاديف من يُسيؤون إليها مباشرةً، بإنتهاك صورها وأيقوناتها المقدسة.”

صلاة لقلب مريم الطاهر في كلّ أوّل سبت من الشهر:
يا قلب مريم الطاهر، أنظر إلى أبنائك، الذين يريدون بحبهم إصلاح العديد من الإهانات التي جلبها لك الكثيرون، وهم مع كونهم أبناءك أيضًا، يجرؤون على إهانتك على الدوام. نطلب منك الصفح عن هؤلاء الخطاة المساكين، إخوتنا العميان بالجهل والمذنبين، كما نطلب منك الصفح أيضًا على عيوبنا ونواقصنا. وكتكريمًا للتعويض، نؤمن إيمانًا راسخًا بكرامتك الممتازة في أعلى الامتيازات، في جميع العقائد التي أعلنتها أمّنا الكنيسة المقدّسة، حتى بالإنابة عن أولئك الذين لا يؤمنون.

نشكرك على مزاياك التي لا تعد ولا تحصى، لأولئك الذين لا يتعرفون عليها ؛ نحن نثق بك ونصلي لك أيضًا من أجل أولئك الذين لا يحبونك، والذين لا يثقون بخير أمنا، والذين لا يلجئون إليك.

نحن نقبل عن طيب خاطر المعاناة التي يريد الرب أن يسمح بها، ونقدم لك صلواتنا وتضحياتنا

من أجل خلاص الخطاة. قم بتحويل العديد من أطفالك الضالين وافتحهم على قلبك كملاذ آمن،

حتى يتمكّنوا من تحويل الإهانات القديمة إلى بركات لطيفة، وعدم المبالاة إلى صلاة شديدة،

والكراهية إلى الحب.

وإمنحنا نعمة البقاء دائمًا ثابتين، بكلّ تواضع ووداعة، في محبة الله والقريب.

يا قلب مريم طاهر، صلّ من أجلنا الآن وفي ساعة موتنا. آمين.

أناشيد وترانيم وتراتيل مريمية[26]

افرحي يا من أنعم الله عليها

افرحي يا من أنعم الله عليها , الرب معك مباركة أنت النساء ومبارك ابنك يسوع

– هنيئــاً لـك, يـا مـن آمنـت بـأن مـا جاءهـا مـن عنـد الرب سيتــم.

– جميــع الأجيــال تهنئــك لأن القديــر آتــاك فضـــلاً عظيمـــا.

– يا قديسة مريم يا والدة الله, صلّي لأجلنا نحن الخطأة, الآن وفي ساعة موتنا. آمين.

        

أمُّنــــا مَريَـــــم

أمنَّـا مريـم أُنشُـري السَـلامَ فينـــا

والمحبـة علِّمينــا منــكِ يا مريــم

1- إشفعي فينا، واطلبي مِنَ السماءِ، رحمةً للبؤساءِ

وانسي ماضينـا، خلّصي الإنسان أنت يا مريـــم

2- نحنُ نرجوكِ، فاقبلي منا الرجاءَ، إحفظينا أنقياءَ

خلّصي الخاطئين، طهّري الأشرار، أنت يا مريــم

1-إنتِ بقلبي يا عـدرا يا أم الرحمِـة والقــدرة،

كلِّك نِعَم قلتِ نَعَـم، طـلّ الرجـا وصرنـا نغـم،

نـوّرتِ القلـب وصار الدربْ غنيّة حلوة بْرَدِّدهـا:

يا مريم، إنتِ الحـلاع شفافنـا إسمــك صــلا،

يـا مباركـة بيـن النسا، الرب الإله فيكِ انجلى(2)

2- يا إمّ الكلمة وأمّ النعمة فيكِ ضوَت كل العتمـة،

عْطيتِ العالم أحلى نغمة: صوت الرب يمحي الأسى.

ويبقى الإنجيل ما لو بديل أغلى كلام ما بينتســي.

3- يا إم يسوع وصرتِ إم لكلّ إنسان ووين ما كان،

مـدّي إيدَيـك للموجـوع، إنتِ الرجا، إنتِ الأمان.

وتشفّعـي الإيمـان يزيـد، ويبقـى عنـّـا العيد.

    

أمَ اللّــه طوبـــــاك

الشعب أُمَّ اللّـهِ طوباكِ  في ما خَصَّكِ الوَهَـــــابْ

أَشرَقَتْ مِنْ نَقـاكِ أَلثَّمْـــرةُ بِكْــرُ الآبْ

الكاهن يا ما أحْلــى ذِكـراكِ  في الأفواهِ والأذْهـــانْ

زَيَّحَتْ ذِراعـاكِ ذاكَ الحَامِــلَ الأكـــوانْ

الشعب رَبِّ، يــا مَنْ تَقَبَّـلْ قِدْمــاً خِدْمَـةَ الأَبــرارْ

يا حَنــونُ تَقَبــلْ واستَجِبْنـا كالأبــرارْ

   

أنتِ الشفيع الأكرم

أنتِ الشفيــعُ الأكـــرَمُ   عندَ ابنــكِ يا مريمُ

1- حُزتِ مقاماً في السَمـا فوقَ الخلائِق قَد سَمـا

وَبَلغـتِ في التقديـسِ مـا عنهُ الخلائـق تحجُمُ

2- بدرُ العلا شمسُ الـورى   مع نورِكِ لَن يُذكَـرا

مَن شـَكَّ فيـكِ وافتـرى فَلهُ الجزاءُ جَهَنـــمُ

3- جبريلُ وافـى الناصـرة  بِبشارةٍ لكِ بَاهـِــرة

قـالَ افرحـي يا طاهـِرة ولك الهَنـاءُ الأعظَـمُ

4- ربُّ الملائِـك والبَشـرْ يُهديكِ مجداً مُفتَخــر

إنَّ المسيـحَ المُنتظــــر   من جِسمِكِ يَتَجَسّــمُ

    

أي طهـر حـل فيـك

أي طهـر حل فيك نوره لا ينطفـي

اذكرينـا في دعاك انجدينا واعطفي

1- أمنا العـذراء انـت بلسم يشفي الجراح

أنـت فخـر للشعوب أنـت أضواء الصباح

واشرقي مجدا مضيئـا في سمـاء اللـه لاح

واشفعي فينـا لديه واعطنـا درب الصـلاح

2- إجعلــي القلب شفوقا واملئينا بالأمـل

يـا مـلاذ كـل تائـب عندما يأتـي الأجل

كلنـا نمشـي إليك دون خوف أو وجــل

ونصلـي باشتيــاق وخشــوع للحمـل

   

أنـا أمكـــــم

لمــا تبتعدون عنــي أولادي عودوا إلـــيَّ

عـــــودوا لأمكــــم

بكيت لأجلكم  حزنت لأجلكم  صليتُ لأجلكم

تمزق قلبي لما تفعلون بأنفسكم

أولادي عــودوا إلـيَّ عودوا لأمكــــــم

ألا يكفيكـم ضيـــاع أنتم للملكوت جيـــاع

ويـدي تمتـدُّ لكـــم عودوا إلـــــــيَّ

عـــــودوا لأمكــــم

    

إن البرايــا بأسرهـــا

إن البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئةً نعمة. محافـلُ الملائكة

وأَجنـاسُ البشر لك يعظِّمـون. أَيهــا الهيكــلُ المتقدّسُ

والفـردوسُ الناطق وفخر البتولية، التي منها تجســد الإلـهُ

وصار طفلاً، وهو إلهنا قبلَ الدهـور. لأنه صنع مستودعَـك

عرشاً، وجعل بطنَك أَرحبَ من السمـاوات. لذلك، يا ممتلئـةً

نعمةَ، تفرحُ بك كلُّ البرايا وتمجِّدُكِ.

    

المجد للآب الذي إختار البتول

المجد للآب الذي اختار البتول ابنة لــه

أ- السجود للإبن الذي، اتخذها له أمــاً

ب- الشكر للروح الذي قدسها، فقدسنا بها

  

أمنـا يـا مريــم

أمنــا يا مريم قدستـــك الأمــم،

نحن جئناك ابتهالاً طال فيــه الألـم.

1- واشفعي أنـت بنـا يا خير أم تكرم

إننا أهـل الخطايـا كم عليهــا ننـدم

2- واسألي الرب تعالى عفوه قد يرحم

ثم يعطينــا خلاصاً برضــاه نسلـم

3- وتسامينا صـلاة ودعـاء ينظــم

فيك روح الله جـادت فاسمعينا مريـم

   

إليــــك الـــوَرد

1- إليك الوردُ يا مريـــم   يُهـــــدَى من أيادينـا

هَلُمــّي واقبَلـــي مِنّـا عُربــــــونَ حُــبٍّ

أكيــدٍ مــــع تهانينـــا (*2)

2- نرومُ العفوَ يا مريــم لأنَّنــا قــد تركنــاكِ

نتـوبُ اليـومَ عن ذنـبٍ يــا أمَّ ربـــــــي

رضاهُ العمرَ يكفينــــا

3- على الأبوابِ أطفـــالُ  لهـُـــمْ في العُمرِ آمـالُ

يَــذوبُ القلبُ إن قالــوا حِنِّـــــي عَلينــــا

بأقــواتٍ تُغَذِّينــــا

4- بإخــلاصٍ نُناديــكِ   ونُنْمِــي حُبَّنـا فيـــكِ

ونَهوي النُّصحَ من فيـــكِ   إذْ فــي الخطايـــــا

فسـادٌ الطبـعِ يرمينــا

5- حــروبٌ تملأُ الأرضَ   وضيقٌ فيهِ لن نَرضـــى

غـَـدَونا كلُّنــا مَرضـى   وليـــــسَ فينــــا

سِـــــواكِ مَن يُداوينـــا

    
بيــــوت المدائـــــح

القسم الاول 

البيت الاول: إنَّ الملاكَ المتقدِمَ أُرسِلَ منَ السماء ليَقرَأَ السلامَ على والدةِ الإله. فلمَّا شاهدَكَ يا ربُّ متجسِّداً مع صوتِهِ المجرَّدِ عن الجَسَد، ذَهِلَ وانتصبَ صارخاً اليها هكذا:

السلامُ عليكِ يا مَن بها يُشرقُ الفرَح. السلامُ عليكِ يا مَن بها تَضمحِلُّ اللَعنة.

السلامُ عليكِ يا مُنعِشةُ آدمَ الساقط. السلامُ عليكِ يا مُنقذةَ حوَّاءَ من الدُّموع

السلامُ عليكِ يا عُلواًّ لا تَسمُو اليهِ أفكارُ البشر. السلامُ عليكِ يا عُمقاً لا تبلغُهُ حتى أَبصارُ الملائكة

السلامُ عليكِ لأَنّكِ سُدَّةُ الملِك. السلامُ عليكِ لأَنَّكِ تحمِلينَ حاملَ الكائِنات

السلامُ عليكَ يا كَوكباً مظهراً الشمس. السلامُ عليكِ يا حشا التجسُّدِ الإلهي.

السلامُ عليكِ يا مَن بها تتجدَّدُ الخليقة، السلامُ عليكِ يا مَن بها يصيرُ الخالقُ طِفلاً.

إفرحي يا عروسة لا عروسَ لها

 البيت الثاني: لمَّا التمسَت العذراءُ أَن تَعلَمَ ما لا يُعلَمُ، هتَفَت نحوَ الرسولِ: قُلْ لي كيفَ يُمكنُ أن يولَدَ ابنٌ من أَحشائي النقيَّة؟ فأجابَها ذاكَ بِتَهَّيُبٍ صارخاً هكذا:

السلامُ عليكِ يا مُطَّلِعةٌ على القرارِ المُعجِزِ البيان. السلامُ عليكِ يا إيمانَ المُحتاجين الى الصَّمت

السلامُ عليكِ يا فاتحةَ عَجائبِ المسيح. السلامُ عليكِ يا مجموعةَ تعاليمهِ

السلامُ عليكِ يا سُلَّماً سماويَّة بها انحدرَ الإله. السلامُ عليكِ يا جِسراً ناقلاً الأرضيِين الى السماء

السلامُ عليكِ يا عَجَبَ الملائكةِ الذائعَ الصيت. السلامُ عليكِ يا جُرحاً للشياطينِ مُثيراً لنحيبِهِم

السلامُ عليكِ يا من وَلدَتِ النورَ وِلادةً تُعجِزُ البَيان.

السلامُ عليكِ يا من لم تُعلِّمْ أَحداً أَن يقولَ كيف

السلامُ عليكِ يا من تَفرقُ عِلْمَ الحُكَماءِ. السلامُ عليكِ يا مَن تُنيرُ أَذهانَ المؤمنين.

إفرحي يا عروسةَ لا عروسَ لها.

       

هللويا

يا مريم يلي هالنعمة لينا يا أحلى بشارة حملت صبيها علينــــا

يا أم النور هالنور الصافـي لجايــي تيــزور عالمنا الغافـي

وعينا حتى نفهم معنى هالزيارة ومثلك يا عدرا مريم تحملها بشارة

هللويا عدرا وإم للـــه!

    

بسمة حلوة من السما

بسمة حلوة من السما   رشت عالأرض الهنا

زرعت بقلوبنا الرجا   وردة ومسبحة وصلاه

بسمة حلـوة .. بسمـة حلوة.. بسمـة حلوة من السما

العـدرا بتطــل علينــا والمسبحــة بإيدينــا

بتقــول تنصلــي معهــا السمـا كلها بتسمعنا

العــدرا بتطــل علينــا والمسبحــة بإيدينـا

بتقــول تنصلــي معهــا السمـا كلها بتسمعنا

بسمة حلوة .. بسمة حلوة.. بسمة حلوة من السما

   

    تبتهج روحي بالله مخلصي

تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه عطف على أمته الصغيرة. سوف تهنئني

جميع الأجيال لأن القدير آتاني فضلاً عظيماً، قدوس اسمه ورحمته للذين يتقونه من جيل إلى جيل. كشف عن شدة ساعده وشتت ذوي القلوب المستكبرة. وضع الأعزاء عن العـروش ورفع الأذلاء. أشبع الجياع من الخيرات وصرف الأغنياء فارغين. نصر الرب عبده فتذكر ما وعد به آباءنا من رحمة لإبراهيم وذريته إلى الأبد.

    

      تُعظّم نفسي الربّ

تُعظـــّمُ نفســــي الــــــربَّ    وتبتهِـجُ روحي باللــهِ مُخلّصـــي،

لأنـهُ نَظَـرَ إلــى تواضـعِ أمتــــهِ    فها منذُ الآنَ تُطوبُني جَميعُ الأجيـــال،

لأنّ القديرَ صَنَعَ بي العظائمَ واسمُه قـدوسٌ،   ورحمتهُ إلى أجيالٍ وأجيالٍ للذين يَتّقونـهُ،

صَنَع عزّاً بساعِدِهِ وشتّتَ المتكبّرينَ بأفكـارِ قلوبِهــم،

حَطّ المقتدرينَ عن ِ الكراسي، ورفَــعَ المتواضعيـن،

أشبعَ الجياعَ خيراً والأغنياءَ أرسَلهـم فارغيـــــن،

عَضَـــدَ إسرائيـل فتاهُ فذكرَ رحمتَـه،  كما كلّمَ أباءَنا لإبراهيمَ ونسلِهِ إلى الأبـد.

    

جميع الأفواه والألسنة

جميع الأفواه والألسنة وجميع الأجيال، تطوب مريم أم أللـــه.

طوبى لها، حملت وزيحت بكر الآب وصارت أماً له. طوبى لها.

   
حُبُـكِ يـا مريّـــم

سلام سلام لك يا مريم (*2)

1- حُبُكِ يا مريـم غايـةُ المُنــى يـا أمَّ المعظَّـــم كونـي أُمَّنـا

2- إبنُكِ أوصــاكِ بنا في الصليبْ أعطانا إياكِ في شخـصِ الحبيـبْ

3 – كالأمِّ الحنونـة بكِ نستعيــنْ أظهِـري المعونـة منكِ للبنيــنْ

4- ألرب أعطاكِ مجداً لا يــزول لم يعــط ســواك يا أما بتـول

5- من مثلك يرحم بين الأمهــات لا تنسينا مريـم فـي وقت الممات

6- جبريل وافاك يُهديـكِ السـلام هاتفاً طوباكِ يـا فخــر الأنـام

7- مريـمُ طوبـاكِ يـا أمَّ الحياة ثمـرةُ أحشـاكِ ربُّ الكائنــات

8- يا أبناء مريم يا خير الأنــام ذي أم المعظـم أهدوهـا السـلام

9- سُبحـة الوردية لأم الإنعــام تُغني الأخويــة لنظـم الســلام

10- وردة سريـة بـددي الخصـام واقبلي التحية منــا والســـلام

    

صّلاتــك مَعنـــــا

1-صلاتُكِ مَعنا يا أطهَر العِبــاد كوني عَـونَنا حَسبَ المُعتاد

2-هَوذا حالُنا للتَلفِ أشــــرَف إرحَمينا يا بريئةً مِنَ الفَساد

3- يا بتولُ صلِّي دائماً لأجلِنـــا لئلاَّ نهلِك من قِبَلِ شرِّنــا

4- أطلُبي تَضَرَّعي لِلإِلهِ ابنِــكِ لِكيما بطلباتِكِ يرحَمنـــا

5- نيح ورحـم نفوسا الراقديـن في سماء الخلد أبدا الأبدين

       

سَلــوى القلـــوب

1- سلوى القلوبِ قلبُ العـذراءِ  نورُ الدروبِ نحوَ السمـــــاءِ

إنّ خُطانـا تَهفــــو إليـــكِ نُلقـي شَقانا بينَ يديـــــــكِ

2- يا أمُّ جولي ملءَ الربيـــعِ بينَ الحقـــولِ بينَ الربـــوعِ

صوتَ الصـلاةِ فــوقَ الجبـالِ خلّيــه يَعلـــو طـولَ الليالـي

3- هَلاّ دفعـــتِ عَنّا البـلاءَ هلاّ بَعَثْــتِ فينـــا الرجــاءَ

لا شـــــيءَ يُغني عن كلِ لاهِ إلا التَغنّي : “يـا أمَّ اللّــــــهِ”

    

عليك السلام بلا ملل

عليكِ السـلامُ بلا مَلـلْ يا نجمةَ البحرِ والأمـلْ

يـا والــدَة ربِّ الأزل وهيَ بتولٌ لم تَـــزَلْ

1- بحقِّ السلامِ الذي تَلاه جبريلُ من قِبَلِ الإلــه

أعيــدي سَلاماً فَقَدْنــاه بِما قد فَعَلنا مِنَ الزلـل

2- ألربُّ مَعك إلى الأبـد وهو ابنك ومنكِ اتلــد

فويلاً لمن عنكِ ابتعـــد وطوبى لمن فيك اتصل

3- أنتِ الغنيةُ في النِعمْ  ونحنُ بنـوكِ في عَـدَم

فَرِّقِي لَنا عندَ النـــدَم  فَمن جَـاءَكِ نالَ الأمل

4- صِرتِ مَدى الدهرِ أُمَّنا وَفَضلُ حنانـكِ عَمَّنـا

لِذلـــكَ نُلقـي هَمَّنــا عَليكِ فنُصبِـحَ في جَذَل

5- ألقي المَحبَّةَ في القلـوب نحوَ ابنِكِ جالي الكروب

واستَغفِريـهِ عنِ الذنــوب لِمَن لاذَ فيكِ وابتهــل

    

عذراء يا ملجأ البنين

عذراءُ يا ملجا البنيــن جئنـا لَديـكِ طالبيـن

كونـي لنا خيرَ مُعيـن  يا سيّدةَ الإنتصـــار

1- أنتِ البتولُ الطاهرة  فـي كلِّ شيء قـادرة

أنعامـُك هيَ ظاهــرة فـي كلِّ دَهـرٍ وديـار

2-ربُّ الملائـك والبشـر أعطاكِ مجـداً مُفتَخـر

إنَّ المسيـح المُنتظــر منـكِ غدا جسماً وصار

3- بلادنا ترجوا الأمان لِبَنيـهِا ما طالَ الزمـان

أبقيـــها يا أمَّ الحنـان للسِلـمِ والإيمــان دار

    

في ظلّ حمايتك

في ظلْ حمايتـــــكِ نلتجىءُ يا مريـــمْ

لا ترُدي طِلبَتَنـــــا عندما ندعــــوكِ

1- يا فخــرَ البرايـا  يا خيـرَ الــــورى

يا بحــرَ العطايـــا في الدُّنيـا جَـــرى

2- يـا بـَابَ السمـاءِ يـا أُمَّ الفِــــــدا

يا عيــنَ الرجـــاءِ يا نُورَ الهُـــــدى

3- ارحمـي عبيــدا  باتـوا مخلصيـــن

يبغــونَ المزيـــدا  منكِ كـلَّ حيـــن

    

قدوس من عظم ذكر أمـه

 قدوسٌ من عظّمَ ذكرَ أمِهِ مريمْ   وجعـلَ عيدَها أبهـجَ الأعيادْ

1- الروحُ القدُس يحِلُ عليكِ يا مريمْ وقوةُ العلي تُظلِلُكِ فلذلكَ القدوسُ

المولودُ منكِ يُدعى ابنَ ألله ابنَ أللـه

2- مباركةٌ أنتِ في النساءْ ومباركةٌ  ثـمـرةُ بطنِكِ سيدنـا يسـوعْ

3- سينفذُ سيفٌ في قلبِكِ لتنكشِـفَ  الأفكارُ عن قلوبٍ كثيــــرة

    

قومي إستنيري، قومي إستنيري فإن نورك

قـد وافـى ومجـد الـرب أشرق عليـك

1- من هي المشرقة كالصبح الجميلة كالقمر، المختارة كالشمس، المرهوبة كصفوف تحت الرايات؟

2- مـن هـؤلاء الطاهـرون كالسحـاب وكالحمـام إلى كواها؟ مجـد لبنـان أعطـيَ إليــك.

    
كُلّـــك جميلـــة

كلُّـكِ جميلةٌ وَلَيسَ فيـكِ عيبْ

كلُّـكِ جميلةٌ وَلَيسَ فيـكِ عيبْ

هلمّي مَعي يا مريمُ البتولْ أيتهـا العَــروسْ

مـِنْ حَرَمونْ، مِنْ جِبالِ النمّورِ، مِـنْ لبنـانْ

1- أنظـري يا صِهيونْ طَلَعتْ مِنْ قَفـــــرٍ

كَعمـودِ بَخّـــــورٍ عَطَّرهـا اللُبــــانْ

2- أشرَقَتْ كالصُبــحِ أجمَلَ مـنْ شمـــسٍ

أرهَبَ مِن صُفـــوفٍ في ظِـلِّ الرايـــاتْ

3- رَفرفـي يا شَمـالْ  نَسِّمـي يا جَنـــوبْ

واحمِلي مِنْ شَذاهـــا  مَفَاخِـرَ الطيـــوبْ

    

لمّــا كنت زغيّر

لمّــا كنت زغيّرقالولي لا تهتم    بعمرك لا تتحيّر بالسما عندك إمّ

قلتلّن شــو إسما قالولي مريم    تعبدلا يا إبني بحاياتــك مـا بتندم

دلّوني عليها نجمة عــلى التلّة    بحريصا عم تلمع وقلبي صار يقلّي

يــا قديسة مريم يــا إم الله  صلّي يــا مريم لولاد الله 

صلّيلي يا مريم أنــا الخاطي  بهالحظة يا إمي وبلحظة مماتي

قلبها قلب إمّ وعينيها ما بتغفا     هي وحدا بتلمّ وبتشيلك عاكتفا

سهراني عاولادا بتصلّي وبتضرع    وبتطلب لأبنا اللي بلبّي وبيسمع

وعليها اتكلت ومشيت بحياتي     ترافقني عدربي وباصعب ساعاتي

دلتني عا إبنا وقلبي صار يحبّو    وعرفتني عا يوسف اللي ربّا ربّو

   

ما أحلى الركوع على قدميك

ما أحلى الركوع على قدميك مريم ونحـن نهتـف إليـك

سـلام عليــك يــا مريــم سـلام

يا عذرا العذارى يا سوسن النقاء يا أمنا الحبيبة يا ملجأ الخطأة

إننا نرجوك يا مريم العذراء ابقـي دائمــاً بقربنـــا

يا عذرا العذارى يا أمنا البتول يا فيض الصفاء يا زهرة الحقول

إننـا ندعــوك يـا مريــم البتــول اقبلـي منا الدعــا

   

معشر النصارى

معشر النصارى يا خيرَ الشعوبْ  ذي حِـمى العذارى أهدوها القلوبْ

مريمُ تُحامي عـن الـمؤمنيـنْ في دُجى الظلامِ تُـهدي التائهيـنْ

يا مـريـم….. يا مريم….. يا بابَ السـماء

1- يا فخـرَ البرايا يا خيرَ الـورَى يا بحـرَ العطايا في الدنيـا جَرى

أقبَلنَـا إليــك فـي جـدِّ السُـرى وارفعي البلايا في هولِ الحـروبْ

يـــا مـريـــم …

2- مالنـا سـواكِ يـا أمَّ القديـرْ أنتِ في علاكِ غوثُ المستجيــرْ

أهطلـي نــداكِ في فيضِ الغزيرْ أجزلي جدواكِ واستري العيـوبْ

يـــا مـريـــم …

    

مريم سلام عليك

مريم سلام عليك بين ذراعيك أحضنينا

إننا بين يديك رحمة بنا لا تتركينـــا

1- دعونــاك فاستجيبـي لعبيد خطأة تائبيــن

وعلـى حمـل الصليب دعينا فساعدي المؤمنيـن

2- طفلك مريم جميل في أحضانك رفيق الحيـاة

عندنا ملـك جليــل حنانه يرعانا فـي الممـات

    

من جبل الحزن

 من جبل الحزن انا آت اليـك يا عذراء،

صلّـي معـي، صلّـي معـي، أنـا آت

إليــك يـا عــذراء، صلّـي معـي

1- ليزهر الحزن فرحاً، والفرح محبة محبة، وتغـرق

الارض بالسلام بالسلام يا لـون السـلام صلّـي معـي

2- لتنفتح كل الابـواب ابواب الظلمِ، كأن الريح نور

يـا دفء النـور، يـا دفء النـور صلّـي معــي

    

مجد مريّم يتعظّم

مجـــــدُ مريــــم يتعظَّــم   في المشــــارِقْ والغــــروبْ

كَرِّموهـــــــا عَظِّموهــــا  ملِّكوهـــــا في القلـــــوبْ

1- قـــــد تَلالتْ وتعالَــــتْ  ما لأضْواهــــا غُـــــروبْ

وهـــــيَ قالتْ حينَ نالــــتْ   فلتطوِّبْنــي الشعــــــــوبْ

2- قــــــد رآها واصطفَاهــا  رَبُّهــا المَولــــى الأميـــنْ

ووقاهـــا مـــُذ بَراهـــــا   كـلَّ محــــــــذورٍ يَشيـنْ

3- هـِـيْ رجاكــُـمْ في شَقاكُــمْ  فاسمَعــــوا يا خاطِئيـــــنْ

لا تخافـــــــوا أن تُوافـــوا  لحِماهـــا طالبيـــــــــنْ

4- أُذكُرينـــــــا وانظُرينــا  نظـــــرةَ الأمِّ الحنـــــونْ

أسعِدينــــا ساعدينـــــــا عندمــــا نَلقـَــى المَنـــونْ

    

نعظمك بالمدائح

نعظمكَ بالمدائح يا والدة الإلـــه (2)

إنـتِ فخــر الأرض كلهــــــا

لأن كلمــةَ اللـه الذي ارسلــه الآب

شـاء فتجسّـدَ منــكِ.

1- نعظمك بالمدائح لأن الأجيال تطوّبكِ

يــا ممتلئــــةً نعمـــــــةً

الأمـم والشعــوب تكـرم تذكــارك

ويسألـون المراحـم بصلواتِـــــكِ.

2- نعظمك بالمدائحِ يا مباركةً في النساء

أيهــا الحقـــــل الخيّـــــر

الـذي فيـه نبتـت سنابـل الأفــراح

والجنــة الحاويـة شجـرة الحيــاة.

يـا مـن يـوم ظهـورِكَ يخرج للقائِكَ

الأبـــرارُ والصديقـــــون (2)

أهلنـا كـي نُحصـى بيـنَ أجواقِهِـم

ونرنـم لـــك بالتسابيـــــــح

    

نحـن عَبيــدك

نَحـنُ عبيـدَكِ يا والــدَةَ الإلـه نَكتُبُ لكِ آياتِ الغَلَبة يا جُنديّة قاهِرة

ونقدِّمُ الشكر لك كمُنقَذينَ من الشَدائِد لكن بما أن لكِ العِزَّةَ التي لا تُحارَب

أَعتِقينـا مـن أصنــافِ الشدائـد حتى نصـرُخَ إليـــــــك :

إفرَحي يا عَروسَةً لا عَروسَ لهـا

    

نشيـد لوالـدة الإلـه

إنــه واجــبٌ حقـاً أن نُغَبِّطـكِ،

يـا والـدةَ الإلـه، الدائمـةَ الغَبطة،

والمُنزَّهـةَ عن كلِّ عيب، وأُمَّ إلهنـا

يا من هي أكرمُ من الشروبيم، وأَمجدُ

بلا قيـاسٍ من السرافيم، يا من ولَدَتِ

اللـهَ الكلمــة وَلَبِثَـتْ بتولاً، إنـكِ

حقاً والدةُ الإله. أياَّكِ نُعَظِّـم.

    

نفسي تعظم الرب

نفســـي تعظم الرب وتبتهج روحي باللـه مخلصي

لأنــه نظــر الى تواضعـي من اسمــه قدوس،

نفسي تعظم الرب، وتبتهج روحي باللـه مخلصــي

لأنه نظــر الى تواضعي من اســمه قـــدوس.

    

يا ممتلئة نعمة

يــا ممتلئــة نعمـة الــــرب معــك

أنــتِ مباركــــة  أنــتِ مباركـــة

ومبــارك إبنــــك ومبــارك إبنـك (2)

 هللويا هللويــــــا هللويا هللويـــــا

مباركــــة مريــم مباركـــة مريــم

ومبــــارك إبنــك ومبـــارك إبنــك

    

يا أمّ الله أمّ الحياة

1- يـا أمَّ اللـــــه   أمَّ الحيــــــــاه

كونـي لنـــــــا   خيـــرَ صــــلاه

عنـــــدَ الإلـــه   نَلــــقَ رضـــاه

2- إنَّ ابنـــــــك         فـــوقَ الصليـــب

سلَّمــــــــــك         ســـراً عجيــــب

صيَّــــــــــرَكِ        أمَّ الحبيــــــــب

3- أُنشُـــري النـور         يا أمَّ النـــــــور

فـي دربِنـــــــا   في قلبِنـــــــــا

كي نلقــى النـــور   في ربِّنـــــــــا

    

            يَــا أمنــــا

 يا أمَّنا يا أمنا يا مريــمُ العـذراء شريكـة شريكـة أنــتِ بالفــداء

شفيعـــة لنــا يــا أمَّنـــا باليُســـــــرِ والصِعــــاب

يــــا أمّنـــــا

1- جبـــريـــلُ نـــاداكِ فـــي الســــر ناجــــاكِ

هيــا الــى الدنيــــا التـي سَمِعَـــتْ هَمســـا بلقيـــاكِ

أَعطــي حنانَـكِ لا تضنـــي لَكَــم طلبنـاكِ وتِقنـا لِلُقيــاكِ

2- سلامُنــــــا بسلامــكِ وحياتُنـــــا بحياتــــــكِ

كــم قـد غرقنــا ببعدِنـا عنكِ وكـــادَ المــــوجُ يَجرِفُنــا

لـــولا استِغاثتُنـــــا بـكِ

    

يا مريم سلطانة الجبال

 يا مريم سلطانة الجبال والبحار

 وملكة لبناننا الحبيب الذي أوتيت مجده

 وشئت أن يكون لك رمزاً.

 يا عذراء ضارعت نقاوتها ثلج لبنان

 وفاح عرف طهرها كعرف زهور لبنان

وتسامت مرتفة كالأرز في لبنان.

 نسألك أن ترمقي بنظرك الوالدي جميع بنيك

 وتبسطي يديك الطاهرتين و تباركيهم. آمين.

    

يا مريَم نحن بنوك

1- يا مريمُ نحنُ بَنـوكِ في خِبائكِ نَحتَمــــي

ونُحيِّي في لِقــــاكِ  أُمَّ فَادِينـــا الحبيـب

فَهلُمـي لِحِمانـــــا واسرِعي نحوَ الغريــق

مـا لَنــا إلاّ الرجـاء ودُعــاكِ في الشقـاء

إليــكِ يــا عـذراءُ قَــــد تَهافَتنــــا

2- أنقِـذي الإنسان مِنْ  أيدي الأعادي الظالميـن

واحفظي للأَرزِ دَومـاً  فيهِ طُهرَ الناسكيــــن

شعـبُنــــا يُنـادي  فاسمعي صوتَ النِــداء

مـا لَنا ملجا سِــواكِ  في الحياةِ والممـــات

إليــكِ يــا عـذراءُ قَــــد تَهافَتنــــا

3- عندَ أقدامِ الصليـبِ  كنـتِ تَبكينَ الحَبيــب

وَبأدمــــعِ النحيـبِ حُزنـُكِ كان مُذيــب

فاجعَلينـا للدَــــوامِ  نُكرِمُ فادي الأنــــام

واحفظينـا في أمــان  واقبلي منّا الســــلام

إليــكِ يــا عـذراءُ قَــــد تَهافَتنــــا

    

يا سلطانة الجبال

يا سلطانة الجبال   إننا نكرس لكِ ذاتَنــــا

فاحرسينا هذا اليوم

يا بنت أرضنـا يا إختنا الكبـرى يا أمنا الساهره

أنظري إلينا الآن   بعين الرضا والحنـــان

فإنك قديره آمين آمين.

    

يَـــــا أمّ اللـــــه

يـــا أُمَّ اللـــه يـــا حنونة يا كَنزَ الرَحمــــةَ والمّعونَــة

أنــــــتِ مَلجَانـــــــا وَعَليــــك رَجَانــــــــا

تَشَفَّعّـــــــِي فينــــــا يـــــا عَـــــــــذراء

وَتَحَنَّنـي علـى مَوتــــانـــــا

1- وإن كـانَ جسمُكِ بَعيداً مِنّــا أيتُهـا البتـــــولُ أمُّنــــا

صَلُواتُـــكِ هـــيَ تَصحَبُنـا وتكـون معنــــا وتحفظنــا

2- بِجاه مَن شرَّفك عَلى العَالَميـن حين ظَهَــر منــكِ ظهوراً مبين

أطلُبـي منــــــهُ للخاطِئيـن ألمراحم لدهر ِ الداهريــــــن

3- أنتِ أُمُّـنـــــا ورجانــا أنـــتِ فخرُنــــا وَمَلجانـا

عِندَ ابنِــــــكِ إِشفَعـي فينـا لِيَغفـــر برأفتِـه خَطايانـــا

4- لا تُهمِلينـا يـا حَنونَـــــة يـا مَملـــوءَةَ كـــلَّ نِعمَـة

بل خلِّصي عَبيدَك أجمَعيـــــن لِنشكـــرَكِ لدهر الداهريـــن

    

 يا مَريم البكر فقت

يا مريــمُ البكـرُ فُقتِ الشمسَ والقمــــرا

وكلَّ نجمٍ بأفــــلاكِ السماءِ سَــــــرا

1- يـا أمَّ يَسوعَ يَا أميّ ويـــا أملــــي

لا تُهمليني مَتـى عنـيّ الخَطــا صَـــدَرَا

2- يا نجمةَ الصُبحِ شِعِّي في مَعَابـدِنـــــا

وَنَــوِّري عقلَنـــا  والسمـعَ والبَصَــرَا

3- يا مريمُ البكر حنّـي اليـومَ لَيسَ غـــدا

علـى حقيـــرٍ ودمعُ العينِ منهُ جــــرى

4- يا مريمُ البكرُ كوني  دائمـــاً فَرَحـــي

وعنـدَ موتـي احضَري أمّـــي لأنتصِــرا

    

 يا أمّ اللّه كنز البركات

1- يـا أم الله  كنزَ البَركـاتْ عَنكِ الأنبيــاء

أخبـــروا فـــي البَرايـــا بِرُمــــوزِ وآيــاتْ

فيـكِ تمَّـتِ الأسـرارْ كَمُلَتِ النُبوءاتْ وابتَدَا الميثاق الجديـد

2- يــا أمّ الرَحمـانْ يا فخرَ الأكوان يا فيـضَ الرضوان

قــد شــاءَ منـــكِ الأسمــى أن يبنـي له جسمـاً

جــاءَ يُنقــذُ الإنســان مــن أظافِـــر السبــي

يُعطيـــهِ الصفــــحَ  والأمـــــان

    

يا نصيرة المسيحيين

يا نصيرةَ المسيحييـن التي لا تُخْزى،

ووسيطتَهـم الدائمةَ لدى الخالـق، لا

تُعْرضي عن أَصواتِ الخطأةِ الطالبين

إليكِ. بل بما إنكِ صالحة، بـــادري

الى معونتِنا، نحن الصارخينَ إليــكِ

بايمان: هَلّمي الى الشفاعة، وأسرعـي

الى الإبتهال، يا والدةَ الإلهِ المحاميـةَ

دائماً عن مكرميكِ.

    

يا أم المعونة

يـا أمِ المعونـةِ يـا أمِ الدنــــــي

يا عدرا الحنونةِ علينا تحنني يا أمِ الدنـي

1- يا فرحةْ أعيادنا، عينيك عا ولادنا  ردّي عن بلادنا، يا أمِ الدنــي

2- الطهـارةْ بعينيـك والوردْ حواليك  يللي عا ايديكِ الكـونْ بينحنـي

3- إنتِ يللي حبّـاً، فيك سرّو خبّـا  وعا إيديكِ تربَى، إلـهِ الدنـي

4- بإيديـكِ نجاتـي، حياتي ومماتـي  اسـمعيلي صلاتي، يا أمِ الدني

    

افرحي يا مريم العبدة والأم لأن الذي في حجرك الملائكة تسبحه والشاروبيم يسجدون له باستحقاق والسيرافيم بغير فتور. ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك وشفاعتك يا سيدتنا كلنا السيدة والدة الإله لكي نسبحك مع الشاروبيم قائلين: قدوس قدوس قدوس أيها الرب ضابط الكل السماء والأرض مملوءتان من مجدك وكرامتك.

تقديم الإكرام للقديسة مريم[27]

قبل الخوض فى معرفة من هى مريم العذراء أم يسوع ودورها ولماذا يلزم تقديم الإكرام لها، لابد من طرح السؤال التالي: ما هو معنى إكرام مريم؟ وهل هو عبادة أم تكريم؟

التكريم هو تقديم الإكرام والإحترام والخضوع لشخص آخر شهادة وإعترافـاً بسـمو مقامـه.

أمـا العبـادة فهى خاصـة بالله وحده بـما أنـه الرب الخالق الغير متناهـي فى الكمال والقداسـة.

لابد من أن نتفهم اولاً معنى كلمة “العبادة” والتى تُترجم بكلمة “worship” فى اللغة الإنجليزيـة، فهى تتضمن “العبادة” و”السجود” و”الإكرام”، و”الخضوع”، أو “قبول السيادة”, وعندما يقال ان يقوم شخص بالعبادة فهذا يعني إتباع نظم ورسوم معينة للتسبيح والإكرام والإعتراف والتكريس والسجود لـما هو فوق الطبيعة أو للآلهـة. وأفعال العبادة تتضمن الصلاة، تقديم الذبائح والمحرقات، ممارسة طقس أو فرائض معينة، طلب الشفاعة والتوسل، تحديد أيام للعطلات وإقامـة الإحتفالات والأعياد، الحج وزيارة الأماكن المقدسة، التسبيح والترنيم والإنشاد، بناء المعابد أو دور للعبادة، صنع تماثيل لهذه الآلهة المعبودة وغيرها. ولقد تطور إستخدام هذه الكلمة worship والمأخوذة من الكلمة الإنجليزية القديمة weorthscipe والتى تعنى حالة او شرط لإستحقاق التكريم والإحترام، ولقد استمر إستخدامها حتى عام 1972 للتعبير عن الإحترام أو الإكرام لأي شخص، ولكنها اقتصرت فيما بعد للتعبير عن الإكرام والإحترام والتقدير والعبادة المقدمة للـه وحده.

وكلمة “worship” والتى تماثلها فى اللغة اللاتينية كلمة ” adortio” وفى اليونانية كلمة “latria” او “latreia” فهى مخصصة لكل أفعال العبادة التى تقدم للـه وحده. فلقد جاءت “latreia“خمس مرات فى كتب العهد الجديد وتم ترجمتها “خدمة” أو “خدمة سماويـة” أو “خدمة إلهيـة” مختصة بالرب كتقديم قربان لله (يوحنا2:16)، او تقديم ذبائح حيّة مقدسة مرضية عند الله(رومية1:12)، او فرائض العبادة او الخدمة(عبرانيين 1:9و6). أما مشتقات تلك الكلمة latreuo وهى الفعل من الإسم latreiaوالتى تشير عادة الى “خدمة الله” فى الهيكل وكل ما يتضمنه ذلك من تقديم للذبائح والقرابين ولقد جاءت فى 21 موضع. فالعبادة لا تقدم إلاّ للـه وحده:”قد كٌتب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد”(متى10:4)، وحتى الملائكة لا يمكن تقديم العبادة لهم:”لا يُخيبكم احد من جِعالتكم مُبدعا مذهب تواضع وعِبادة للملائكة”(كولوسي18:2)، وحتى البشر لا يمكن تقديم العبادة لهم كما قال القديس بطرس الى كرنيليوس عندما خرّ ساجداً عند قدميه:”قُمّ فإني أنا أيضاً إنسان”(اعمال الرسل25:10).

أما التكريم أو تقديم الإكرام “veneration” والتى تماثلها فى اللغة اللاتينية

كلمة”veneratio” أو douleia، وفى اليونانية كلمة “dulia” فهو كل ما يُقدّم للمخلوقات والتى

تستحق نوعا ما من الإكرام نتيجة فضائلها وقداستها أو النعم التى أفاض بها الله عليها كالـملائكة والقديسين بـما أنهم الـمقربون إلى الله، فإحترامنا وإكرامنـا لهم راجع أولاً وأخيراً إلى الله. ولقد جاءت هذه الكلمة doulia فى كتب العهد الجديد خمس مرات وتم ترجمتها بمعنى “عبودية” كما جاء فى رسائل القديس بولس:”إذ لم تأخذوا روح العبودية..”(رومية 15:8و21) وفى جميعها لا تعني مطلقا ما يختص بالعبادة للـه فقط كما نرى فى الأمثلة التاليـة للكلمة ومشتقاتها: فجاءت كلمة douleuo والتى تم ترجمتها “أن تكون عبدا” 25 مرة فى العهد الجديد، وكلمة doule والتى تعنى “آمـة” فى 3 مواضع منها ما جاء على لسان العذراء مريم :”ها أنا آمة الرب”(لوقا38:1 و48)، وكلمة doulon/doulne والتى تعنى “عبد” او “خادم” فلقد جاءت 127 مرة.

ولقد تعرّض مجمع مسكوني تم عقده فى نيقية عام 787م للبحث فى موضوع الإكرام الـمقدّم للقديسين وصورهم وحدد كلمة “dulia” لتكريمهم، وكلمة “latria” للعبادة المخصصة للـه وحده.

والأفعال الخارجيـة للتكريم قد تشابه فى بعض الأحيان تلك المقدمـة فى العبادة ولكنها تختلف من حيث الغرض والنيـّة.

ولقد استخدمت كلمة جديدة وهى “hyperdulia” والتى تعنى “الأكثر إكراما”، وذلك للتعبير عن أفعال الإكرام الـمقدمة للقديسة مريم أم يسوع لكونها أم يسوع الله الكلمة المتجسدة، وأول من استخدمها هو القديس توما الأكويني (مات 1274م).

كل هذه الكلمات latria ,dulia, hyperdulia فى واقع الأمر تنضوى تحت الكلمة worship ومن هنا يأتى الغموض وعدم الفهم بما تقدمه الكنيسة من إكرام للقديسة مريم أم يسوع.

وهناك كلمة أخرى تستخدم الآن للتفريق ما بين إكرام الله وعبادتـه وحده والإكرام الذى يُقدم لقديسيه، فإستخدمت كلمات كـ: “adore”، و “adoration” لوصف العبادة والسجود والتكريم والعشق المقدم للـه تعالى، وكلمات مثل:”venerate” و”veneration” و”honor” والتى تعنى تقديم الإكرام اللائق للخلائق. وفى بعض مدارس علم اللاهوت تستخدم كلمة”worship of adoration” للتعبير عن العبادة المقدمة لله تعالى، وكلمة “worship of veneration” للتعبير عن الإكرام المقدم للقديسين.

ومن العجيب ان نرى كلمة worship كما جاءت فى اللغة الإنجليزيـة والتى تماثلها فى اللغة العبريـة shakhah، قد تم إستخدامها فى الكتاب المقدس للتعبير عن العبادة المقدمة للـه وحده وأيضاً للإكرام الذى يُقدم لبعض خلائقه، فلقد جاء فى حلم يوسف ان حزم أخوتـه قد “سجدت” sha لحزمته وان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا “سجدت” له (تكوين7:37-9). وفى سفر التكوين أيضا جاء فى بركة يعقوب لأولاده عن يهوذا “يسجد لك بنو أبيك”(تكوين2:49-27)، وفى سفر الخروج جاء ان موسى قد سجد لحميه (خروج7:18) وبالطبع لا يمكن ان تعني هذه

الكلمة “سجد” انها عبادة او سجود والذى يُقدم للـه وحده.

وتقديم الإكرام لشخص ما له ما يؤيده فى الكتاب الـمقدس، فلقد جاء مثلا وصية إكرام الوالدين “أكرم أباك وأمك لكي يطول عُمرك فى الأرض”(خروج12:20) وهى الوصية الإلهيـة الرابعة من وصايا الله والتى أكّد عليها مراراً عديدة كما جاء “ليَهَب كل إنسان أمه وأباه” (الأحبار3:19)، “أكرم أباك وأمك كما أمرك الرب إلهك”(تثنية16:5)، و”أكرم أباك وأمك وكذا من لعن أباه او أمه فليُقتل قتلاً”(متى4:15)، “أكرم أباك وأمك. تلك أولى الوصايا فى الموعد”(افسس3:6). وأيضا من الـمهم إعطاء الكرامة للشيوخ أو لمن هم اكبر سناً”قُم قُدّام الأشيب وكرّم وجه الشيخ وإتق إلهك أنا الرب”(اخبار32:19). وأيضا يلزم تقديم الإكرام للقادة الدينيون كما جاء:”واصنع ثياب قُدس لهرون اخيك للكرامة والبهاء”(خروج2:28).

وفى العهد الجديد جاء التأكيد على تقديم الإكرام للآخرين، فالقديس بولس أوصانا قائلاً:”أدّوا لكل حقّه الجزية لمن له الجِزية والجباية لمن له الجباية والمهابة لمن له المهابة والكرامة لمن له الكرامة”(رومية7:13). وجاء أيضا فى رسالة القديس بطرس:”أكرموا الجميع.أحبوا المؤاخاة.اتقوا الله.أكرموا الملك”(1بطرس17:2). وجاء أيضا فى العهد الجديد أهمية تقديم الإكرام للكهنة:”وليحُسب الكهنة الذين يحسنون التدبير أهلاً لكرامة مضاعفة ولا سيما الذين يتعبون فى الكلمة والتعليم”(1تيموثاوس17:5)، والسيد المسيح نفسه وعد ببركة خاصة لمن يكرمون رسله:”من قبِل نبيّاً بإسم نبي فأجر نبي ينال. ومن قبل صِدّيقاً باسم صِدّيق فأجر صِدّيق ينال”(متى41:10). فإذا كان تقديم الإكرام لشخص ما وهو ما زال حيّا على الأرض شيئاً مطلوبا ومحبوباً فكم بالأحرى تقديم الإكرام لـمن أنهوا حياتهم على الأرض فى ملء النعمة

والقداسة.

ولهذا فلابد من التأكد من معنى الكلمات والأفعال التى تعبر عن العبادة والسجود والمقدمة لله

وحده وأنواع الإكرامات الأخرى المقدمة للمؤمنين الذى نالوا نعمة وبركة خاصة من الله فإستحقوا

ان يقدم الإكرام للـه من أجلهم.

إكرام مـريـم العذراء:

إن مريم قد رُفعت بنعمة الله، وإنـمـا دون ابنها، فوق جميع الـمـلائكة وجميع البشر بكونها والدة

الإله الكلية القداسة الحاضرة فى أسرار الـمـسيح. لذلك تكرمها الكنيسة بحق بشعائر خاصة. والواقع ان العذراء الطوباوية، منذ أبعد الأزمنة، قد أكرمت بلقب -والدة الإله- ثيئوتوكوس. والمؤمنون يلجأون لحمايتها مبتهلين إليها فى كل مخاطرهم وحاجاتهم.

وقد إزداد تكريم شعب الله لـمريم ازديادا عجيباً، خصوصا منذ مجمع أفسس، بأنواع الإجلال والمحبة والتوسل اليها والإقتداء بها، محققا بذلك كلماتها النبوية: “جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع في عظائم” (لوقا48:1)، إنه تكريم للعظائم الكثيرة. وهذا الإكرام أو التطويب، على النحو الذى وُجد عليه دائما فى الكنيسة، يتصف بطابع فريد على الإطلاق. غير انه يختلف اختلافا جوهريا عن العبادة التى يُعبد بها الكلمة المتجسد مع الآب والروح القدس.

إن مـختلف صيغ التقوى نحو والدة الإله تجعل من الإبن الآزلي لأجله وُجد كل شيئ (كورنثوس15:1-16)، والذى إرتضى الآب الأزلي أن يحلّ فيه الـملء كله أن يُعرف ويُحسب ويُمجد ويطاع فى وصاياه من خلال الإكرام لأمه”فالكنيسة تقدم السلام للعذراء بخشوع وإحترام كما قدمه لها الـملاك ولكن بغير عبادة فهي كأم الإله نكرّمها ونعظمّها جدا ونتشفع بها

ولكن لا يمكن أن نعبدها.

ولم يكن تقديم الإكرام لـمريم أم يسوع أو للقديسين هو وليد تعاليم جديدة بل انه جاء منحدراً من عدة مصادر مؤكدة: شهادة الكتاب الـمقدس، تفسير منـزه من الخطأ للكتاب الـمقدس والـمنقول لنا عبر المجامع الكنسية الـمسكونية، قانون الإيمان والـموضوع من القرن الثالث والرابع الـميلادي، ومن أقوال آباء الكنيسة الأولـى، ومن الـممارسات التقويـة من الـمسيحيين فى أنحاء العالم منذ بدء المسيحية وحتى يومنا هذا لإكرام مريم وطلب شفاعتها والذى يتواءم مع ما تعلّمه الكتب المقدسة، ومع خبرة مريم الإيمانية ومسيرتها مع يسوع، وأيضاً من خلال ظهوراتها خلال التاريخ فى عدة مواضع من العالم والذى نتج عنه من حث للإيمان والحفاظ على تجديد الحياة الـمسيحية فى الـمسيح يسوع.

لـماذا إذن نُكرّم مريم العذراء؟

1. لأن مريم العذراء مـختـارة من الله منذ الأزل

ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث فى أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً كان يُـمكن أن يحدث فى أي مكان من العالـم، وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذى كانت فيـه عذراء الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط فى هذا الوقت أو كما ورد”فلما بلغ الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4)؟، ولـماذا أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذى تتصف بـه عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح”ام الله”( لوقا43:1)؟

إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي:”إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن فى بني اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التى يقّدرها له”، وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما فى التجسد والفداء والخلاص.

فإذا كان الله قد إختار مريم لتحبل وتلد الله الكلمة، فهل يمكن نحن ان لا نحتاج اليها أو أن نختارها لتكون أمـاً لنا أولتصلي معنـا؟

2. لأن مريم العذراء جاءت تتميمـاً لرموز ونبؤات العهد القديـم

إن الـمـسيح، كـلـمـة الله، هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء فـى القديم وكـلّم

الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص، ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن العذراء الأم الـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي.

3. لأن تكريمنا للعذراء هو تكريم لإبنها يسوع

كان مجمع أفسس المسكوني المقدس والذى انعقد فى عام 431م بحضور مئتين من الأباء الأساقفة من جميع العالم أول من وضع صيغة لتكريم والدة الله فوضعوا مقدمة قانون الإيمان:”نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الأله لأنك ولدت لنا

مخلص العالم “، أي اننا نعظمها من أجل انها والدة الإلـه.

  • لأنها أم يسوع

مريم أم يسوع هذا هو اللقب الأكثر إنتشاراً عن العذراء مريم في علاقتها بالسيد المسيح في تجسده، حين تمت ولادة الصبي يسوع أصبحت العذراء مريم تُدعى “أم يسوع وهو اللقب الذي يذكره عنها كُتَّاب العهد الجديد (يوحنا 2: 3، 19: 25-26، لوقا 2:48، مرقس 3: 31-33، مرقس 6: 3، أعمال 1: 14(.

حوى العهد الجديد العديد من الآيات التى تشير بأن مريم هـى أم يسوع:

– جاء فـى بشارة الـملاك لـمريم:”هـا أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسـمينه يسوع” (لوقا31:1-33).

– “يايوسف يا ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك لأن الذى حبل بـه فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنـه يخلص شعبه من خطاياهم”(متى20:1-21).

– ” ولـما تمت ثمانيـة ايام ليختتنوا الصبي سمى يسوع كما تسمى به من الـملاك قبل أن حبل

به فى البطن”(لوقا21:2).

– “كان عُرس فى قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك”(يوحنا1:2).

– وكانت واقفات عند صليب يسوع امـه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم الـمجدلية، فلما رأى يسوع امـه والتلميذ الذى كان يحبه واقفا قال لأمـه يا امرأة هوذا ابنك”(يوحنا25:19-26).فمريم إذن هى أم يسوع.

5. لأن يسوع ليس كأي إبن ومريـم ليست كأي أم

لابد ان نعرف أولاً من هو يسوع الـمسيح هو الله الكلمة، الإبن الوحيد للـه، والكلمة المتجسدة(يوحنا1:1و14)، وهو الإبن الإلهـي. فمريم العذراء ليست كأي أم ولدت بنين فإبنها هو يسوع الـمسيح. ويسوع ليس كأي إبن فلقد جاء ليخلّص العالـم كما أعلن ملاك الرب

ليوسف:”هو الذى يُخلّص شعبه من خطاياهم”(متى21:1).

6.لأن يسوع إبنها قد اكرمها هو أولاً بخضوعه لها

جاء ان يسوع كان خاضعاً لأمـه (لوقا51:2) منفذاً الوصية الإلهيـة التى شرّعها الله “أكرم أباك

وأمك”(تثنية الإشتراع 16:5)، وبقبول طلبها فى عرس قانا الجليل وصنع أول عجائبه الزمنيـة (يوحنا1:25)، وحرص على ان يسلمهـا لتلميذه الحبيب ليرعاها (يوحنا 27:19). فإذا كان يسوع قد أكرم أمـه فهل نقلل نحن من إكرامهـا؟

5. لأن القديسة مريم هى عنصر أساسي فى سر التجسد

الله الكلمة أخذ من لحمها ودمها جسداً “فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أي ابليس”(عبرانيين14:2).

6. لأن القديسة مريم قد ُدعيت فى الكتاب المقدس “الـمباركـة”

جاء الملاك جبرائيل برسالة من الله وجههـا لعذراء من الناصرة فدعاها “مباركة أنتِ فى النساء”(لوقا28:1)، ثم تكلم الروح القدس على لسان اليصابات ودعاها قائلاً:”مباركة أنتِ فى النساء”(لوقا42:1)، وصرخت إمرأة من الجمع قائلة:”طوبى للبطن الذى حملك وللثديين اللذين رضعتهما”(لوقا27:11). ومريم نفسها عندما صرخت قائلة:”فها منذ الآن تُطوبني جميع الأجيال”(لوقا 48:1) وهنا تأكيد ورجاء.

لقب “الـمباركـة” يعني مقدسة ومستحقة لكل إكرام وكما جاء فى سفر الأمثال:”ان بنات كثيرات قد أشأن لهن فضلاً أمّا أنتِ ففقتِ عليهن جميعا”(امثال39:31)، فالله يقول لنـا ان مريم هى قديسة وانه يجب ان تُطوب، فلماذا يرفض أي شخص طاعـة كلمة الله؟

7. لأن القديسة مريم هى عمل الله

كما جاء على لسان مريم العذراء:”لأن القدير صنع بي عظائم”(لوقا19:1).

  • لأن الروح القدس سجّل ذلك فى بشارته الـمفرحـة على لسان مريم العذراء:”هوذا منذ الآن
  • جميع الأجيل تطوبني”(لوقا48:1).

9. لأنهـا الـملكة القائـمة عن يـمين الملك كما رنّم الـمرّنم”قامت الملكة عن يمينك بذهب أوفير”(مزمور9:44).

10. لأن الله يُعظّم أولاده وقديسيه كما فعل مع يشوع بن نون كما جاء “عظّم الرب يشوع فى عيون جميع اسرائيل فهابوه كما هابوا موسى كل ايام حياته”(يشوع14:4)، أفلا يكون بالأولى من حملت الله الكلمة وأرضعته؟

11. ان كان السيد المسيح قد عظّم المرأة الكنعانية بسبب إيمانها وقال لها:”يا إمرأة عظيم هو إيمانكِ”(متى28:15)، فكم تكون مريم التى آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبل الرب(لوقا45:1)؟

12. ان الله قد عظّم ابراهيـم من أجل طاعتـه “من اجل انك سمعت لقولي”(تكوين18:22)، فكم تكون مريم التى سلّمت حياتها “فليكن لي بحسب قولِك”(لوقا38:1)؟

13. إن كان يوحنا المعمدان الذى إرتكض وهو جنين فى بطن امه اليصابات حينما سمع سلام مريم العذراء(لوقا41:1) وقد وصفه السيد المسيح بانه “اعظم من ولدتهم النساء”(متى11:11)، فكم تكون مريم العذراء التى لم تكن ملاكا يهيئ طريق الرب بل هى حاملة الإله ووالدته”الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تُظللكِ ولذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله”(لوقا35:1)؟

14. لأن الله امرنا قائلاً:”أكرم أباك وأمك” ولم يضع شروطاً لهذا الإكرام حتى نكرمهم بل نكرمهم من اجل أبوتهم وأمومتهم، فكم تكون مريم العذراء “حواء الجديدة” وام كل حي وام المسيح والذى نحن “الكثيرين جسد واحد فى المسيح”(رومية5:12)؟

15. ان كان القديس يوحنا قد أبصر وسمع فى رؤياه تطويب من له حظ فى عشاء

الحمل”طوبى للمدعوين الى عشاء عُرس الحَمَل”(رؤيا9:19)، فكم تكون مريم العذراء والأم والمؤمنة؟

16. ان كان من يحفظ الشريعة ووصايا الله قد طُوّب كما جاء فى سفر الأمثال:”الذى يحفظ الشريعة طوبى له”(امثال18:29)، “طوبى لمن يحفظ اقوال الكتاب”(رؤيا7:22)، فكم تكون مريم التى حافظت على تطبيق الشريعة (لوقا22:2و41) وكانت “تحفظ ذلك الكلام كله فى قلبها”(لوقا51:2)؟

17. ان كان “المتواضع بالروح يحصُل على الكرامة” (امثال23:29) فكم تكون مريم العذراء التى قالت:”ها انا آمة الرّب”(لوقا38:1) وصرخت قائلة:”لأنه نظر الى تواضع أمتهِ”(لوقا48:1)؟

18.لأن الله يكّرم قديسيه، وهذا ما وضحه الكتاب المقدس فيما يلي: “…والآن يقول الرب حاشا لي. فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون” (1ملوك30:2). ويوضح معلمنا بطرس الرسول أن الرب قد أعطى المؤمنين جميعهم أي القديسين في المسيح يسوع الكرامة بقوله: “فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة…” (1بطرس2: 7). وفي حادثة تجلي رب المجد يسوع على الجبل قد أكرم القديسين الذين رحلوا من هذا العالم عندما أحضر موسى وإيليا ليظهرا معه في تجليه أمام تلاميذه وكان يتكلم معهما(متى17: 1ـ 8). فكم يكون إكرام أم “قدوس القديسين”؟

19. وإن كان أهل العالم يكرّمون الأبطال وشهداء الوطن والشرفاء والأمناء في الأرض فكم يفعل الرب بأبطال الإيمان وشهداء الكنيسة والشرفاء والأمناء من عبيده القديسين؟

20. لأن أي إكرام للعذراء مريم يقودنا حتماً للسيد الـمسيح فكلمات مريم العذراء فى عرس قانا الجليل للخدام “مهما يأمركم به فإفعلوه”(يوحنا 5:2) ما زال قائماً، ففى كل الـممارسات التقوية نجد ان هدفها هو تمجيد السيد المسيح. ومريم العذراء فى جميع ظهوراتها تكرر هذا الرجاء “مهما قال لكم إفعلوه” فهى تحرص على أن تقود ابناءها نحو الـمسيح. ان كل تمجيد او إكرام مقدم ما هو إلاّ أصداء لما كان يردده شعب اسرائيل فى القديم عند قبولهم لعهد الله على جبل سيناء:”جميع ما تكلّم به الرب نعمل به..ونأتمر به”(خروج3:24و7)، وجددوه ايام يشوع (يشوع24:24)، وعزرا (عزرا12:10) ونحميا (12:5)، وهى أيضاً تلبيـة لأمر الله القائل:”هذا هو إبني الحبيب فله إسمعوا”(متى5:17). فإذا كانت مريم تطلب منا سماع كلمة يسوع وإن كان الرب يسوع يأمرنا أن نكرّم قديسيه ألا نسمع النداء؟.

21. لأن أي إكرام يتضمن التأمل بفضائل مريم العذراء. ان التأمل فى فضائل مريم وحياتها سوف يعكس لنا مثالاً حياً يشجع كل مؤمن على التقدم فى الفضائل الإنجيلية بفعل نعمة الروح القدس والذى حلّ على البتول وحصلنا نحن عليه فى المعمودية. سوف نتعلم من مريم إيـمانهـا وقبولها لكلمة الله (لوقا26:1-28)، وطاعتها (لوقا38:1)، وتواضعها (لوقا48:1)، ومحبتها (لوقا39:1-56)، وحكمتها (لوقا29:1ولوقا19:2)، وخدمتها للآخرين (لوقا56:1)، وممارستها للشرائع الإلهية(لوقا21:2-41)، فى شكرها لعطايا الله(لوقا46:1-49)، فى تقدمتها فى الهيكل(لوقا22:1-24)، وفى صلاتها مع المؤمنين(اعمال12:1-14)، وغربتها (متى13:2-23)، وآلامها (لوقا34:2-35و 49ويوحنا25:19)، وفقرها وثقتها فى الله (لوقا48:1و24:2)، وفى خدمتها لإبنها من الميلاد وحتى الموت على الصليب (لوقا1:2-7ويوحنا25:19-27)، فى رقة مشاعرها نحو إحتياج الآخرين(يوحنا1:2-11)، فى طهارة بتوليتها(متى18:1-25ولوقا26:1-38). هذه الفضائل والتى للأم سوف تنقلها لأبنائها والذى يتأملون فيها ويتمثلون بها فى حياتهم. ففى جميع الإكرامات والممارسات التقوية فرصة تقدمها الكنيسة المقدسة لأبنائها للنمو فى النعمة و التقوى ومحاولـة التشبه بأم يسوع وأم الكنيسة جمعاء “لكي نجعل كل إنسان كاملاً فى المسيح”(كولوسي28:1).

21. إكرام الموتـى فى جميع الحضارات القديمة

نجد فى العديد من الثقافات والحضارات القديمة دائما سجلات تحوي كيف كان الإنسان القديم يُكرّم الـموتى أو الأجداد، أويكرم الشهداء الذين ماتوا فى الحروب كأبطال، أو من شابهوا الآلهـة فى سلوكياتهم، أومن يقدمون القرابين إتقاء لغضب بعض الأرواح وإلى غير ذلك، وفى كل تلك الممارسات نجد انه كان هناك شيئ من الإعتقاد بأن هناك حياة ما بعد الـموت. فسكان أوربا القدامى وكذلك الإغريق والفراعنـة والرومان والعبرانيون والبابليون وغيرها من الحضارات القديمة مثلا نجد لديهم بعض الممارسات والإحتفالات عند الموت. فأهرامات الفراعنة مثلا لأكبر شاهد تاريخي على تكريم موتاهم وذلك بتحنيط اجسادهم والإحتفاظ بها لإعتقادهم بخلود الروح. أما الرومان القدامى مثلهم مثل شعوب البحر الأبيض المتوسط كانوا يحرمون بشدة التعرض لأجسام الـموتى. فالأجسام كانت تُعرض لفترة من الوقت ثم تؤخذ لمكان مقدس حيث تُحرق ويوضع رمادها فى جدار المدينة. وفى بدء القرن الثاني الميلاد تحول الحرق الى دفن الأجساد تشبها ببعض العقائد او الشعوب الأخرى التى كانت تمارس دفن الأجساد. فلم تخترع المسيحية شيئاً جديداً فى تقديم الإكرام لـمن رقدوا فى الرب فى قداسة.

21.فى بدء المسيحية حيث إزداد الإضطهاد دفع العديد من المسيحيين للإختباء تحت الأرض فى روما حيث الـمقابر catacombs، ووجدوا انفسهم يمارسون الصلاة والخدمة وسط مقابر أجساد الـموتى الـمؤمنين وكانت تلك المقابر تستخدم كمذابح لإقامة الشعائر الدينية، وكان يصحب ذلك معجزات عديدة للشفاء وانبعاث رائحة بخور من اجساد بعض القديسين. وبالطبع مع ايمان المسيحيين بقيامة السيد المسيح من بين الأموات نتج عن ذلك الإهتمام الكبير بتكريم القديسين ورفاتهم، وحرصهم على جمع رفات الشهداء الذين كانوا يستشهدون نتيجة ثباتهم على الإيمان. ولقد أصبح طلب شفاعة هؤلاء القديسين ممارسة دائمة لإيمان الـمسيحيين بأن من ماتوا مازالوا أحياء عند الله يرفعون عنهم الصلوات أمام العرش الإلهي كما جاء فى سفر الرؤيـا “ليقدم صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذى أمام العرش”(رؤيا3:8). إذاً فتكريم مريم سلطانة جميع القديسين ليس بدعة جديدة أوجدتها الكنيسة الكاثوليكية فى العصر الحديث.

22. لأنها جاءت ضمن دستور الكنيسة

لقد جاء فى دستور الكنيسة الكاثوليكية عقب المجمع الفاتيكاني الثاني ما يلي:

“إن الكنيسة المقدسة إذ تحتفل بأسرار السيد المسيح فى دورتها السنوية، تكّرم بمحبة خاصة الطوباوية مريم والدة الله المتحدة مع ابنها فى العمل الخلاصي، إتحاداً لا ينفصم. ففى العذراء مريم تتأمل الكنيسة بإعجاب ثمرة العذراء المباركة وتمجدها. كما تتأمل فيها بإبتهاج-فى صورة بالغة الصفاء-ما تشتهى وترجو أن تكون عليه هى ذاتها وبأكملها”(دستور الطقوس الدينية-الفصل الخامس-فقرة103).

وقد اشار ايضا المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني فى دستور الطقوس الدينية، الفقرة 104 ما

يلي:”هذا وقد أدخلت الكنيسة فى الدورة السنوية ذكرى الشهداء وغيرهم من القديسين الذين يُنشدون لله فى السماء التسبيح الكامل ويتشفعون لنا، بعد أن بلغوا الكمال بفضل نعم الله المتنوعة الأشكال وفازوا بالخلاص الأبدي. والكنيسة إذ تحيى أعياد ميلادهم تعلن السر الفصحي فى هؤلاء القديسين الذين تألموا مع المسيح وتمجدوا معه، وتقدم للمؤمنين قدوتهم التى تجذب الجميع الى الأب بواسطة المسيح، وتطلب إنعامات الله بفضل إستحقاقاتهم”.

23. لأنه تم ممارسته عبر الأجيال من خلال الطقوس الكنسية

احتفظت الكنيسة بنصوص وعقائد إيمـانية لتكريم مريم العذراء كما تسلمته من الرسل والأباء الأوائل (التقليد). وهذا التقليد (اي انها غير منصوص عنها فى الكتاب المقدس) حفظته الكنيسة كميراث روحي عن أباء العصور الأولـى. والتقليد فى المفهوم الروحي واللاهوتي لا يفيد مجرد عمل من الأعمال القديمة فى الكنيسة أو عادة من العادات التى وضعها القدماء، ولكن التقليد يفيد بالدرجة الأولى خبرة روحية عاشها أناس روحيون أتقياء مشهود لهم، ثم حافظ عليها أبناؤهم والأجيال التالية نتيجة إقتناع وإختبار أيضا.

كنيستنا القبطية تقدم للعذراء مريم تطوبيا وافراً وتمجيداً لائقاً بكرامتها السامية. وإذ نتتبع صلوات التسبحة اليومية ومزامير السواعى والقداس الإلهى نجد تراثاً غنياً من التعبيرات والجمل التى تشرح طوباويتها وتذكر جميع الأوصاف التى خلعتها عليها الكنيسة، وهى مأخوذة عن أصالة لاهوتية، وكلها من وضع آباء قديسين ولاهوتيين، استوحوها من الله، ومن رموز ونبوات العهد القديم، التى تحققت فى شخصية العذراء.

24. لأنها الشفيعة الـمؤتمنة عند إبنها يسوع

فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم فى درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس فى الذهن والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له.

إن وساطة المسيح لا تحول دون إقامة وسطاء آخرين بين الله والناس يتعاونون معاونة خدمية فى إتحاد البشر بالله. انهم يهيئون لقبول الخلاص كما هيأ المعمدان الشعب لإقتبال المخلص ولنا أمثلة عديدة من الكتاب المقدس فقد اختار الله ابراهيم واسطة تتبارك به جميع الشعوب، واختار موسى ليؤسس عهداً بين الله وشعبه، واختار الملوك والكهنة والأنبياء مسؤولين عن الشعب وحاملي مشعل العهد، اختارهم لا ليكونوا حاجزاً وفاصلاً بين الله والبشر بل ليكونوا امتداداًمنظوراً لعمل الله فى العالم.

والـمسيح يسوع هو الوسيط الـمخلّص (1تيموثاوس 5:2)، (أع12:4)، (عبرانيين 25:7) وبعد قيامته وصعوده جعل الكنيسة امتداداً لوساطته مع البشر فأعطى الرسل وخلفاؤهم مسؤولية نشر الكلمة والسلطان على العماد والإفخارستيا وغفران الخطايا، ولا شك انهم لا يزيدون شيئاً على وساطة المسيح ولكن المسيح يصل بواسطتهم الى جميع البشر.

25. لأن إكرام مريم العذراء جاء فى أقوال آبـاء الكنيسة

– فى وثيقة إستشهاد القديس بوليكاربوس (حوالى135م) جاء ما يلي:”لأنه لا يمكننا نحن ان نترك المسيح او ان نعبد احد غيره فنحن نعبده ونخدمه لأنه ابن الله. اما بالنسبة للشهداء ومكرموا الرب فنحن نحبهم لأعمالهم الغير عادية نحو ملكهم”. وذكرت هذه الوثيقة ايضاً رفات الشهداء واعتبرتها “أحجار ثمينة” وان الكنيسة تُعيّد ذكرى الشهادة فى يوم مماتهم لكونه هو عيد ميلادهم الى السماء.

– القديس غريغوريوس صانع العجائب (توفى عام 270م): “هلّم إذن يا أولادي الأعزاء نعظّم ونمّجد ونطّوب مريم هي الفرع الذى خرج من جذر يسّى فازهر وأثـمر بنوع عجيب فائق الوصف..”.

– القديس ميتوديوس (+315م) ” فيا أم الله القديسة يا من فُقتِ حنّواً وحبّاً سائر

القديسين قاطبة أنت الأقرب من الله لأنك الأم اننا نبتهل إليكِ بإلحاح ونستغيثك ونُشيد بـمدائحك..”.

– القديس مار افرام السرياني(+373): ان العذراء مريم هي التابوت المقدّس، والمرأة التي سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفسًا وجسدًا، والكاملة القداسة، وإذ يقابل بينها وبين حوّاء يقول: “كلتاهما بريئتان، وكلتاهما قد صنعتا متشابهتين من كل وجه، ولكنّ إحداهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا”. ويقول في موضع آخر: “في الحقيقة، أنت، يا ربّ، وأمّك جميلان وحدكما من كل وجه وعلى كل صعيد، إذ ليس فيك، يا ربّ، ولا وصمة وليس في أمّك دنس ما البتة”. ويقول فى موضع آخر: “إنها بعد الوسيط-الوسيطة للعالم بأسره”.

– جاء فى قوانين الرسل (الديداخي والتى يرجع تاريخها الى عام 390م) “والآن بالنسبة الى الشهداء نقول لكم انهم مستحقون لكل كرامة منكم”.

– القديس جيروم (342-420م): ” مريم حازت من النعمة ما يكفيها ليس فقط لأن تكون بتولاً

طاهرة، بل وأيضا بالقدر الذى يؤهلها بالشفاعة أن تمنح البتولية للأخرين الذين من اجلهم قد

جاءت”.

– القديس كيرلس الأسكندري (توفى عام 444م): ” بكِ الثالوث يُمجّد والصليب يُعظّم ويُعبد فى المسكونة كلها. بكِ السموات تتهلل فرحاً والملائكة تبتهج والشياطين تُهزم..”. وقال أيضاً فى عِظة أخرى:” تكريم للعذراء هو تكريم لسر التجسد الذى به حرر الإبن المتجسد الإنسان من اللعنة والموت”

– القديس اوغسطينوس (توفى 480م): “يا مريم المجيدة من يقدر ان يقوم نحوك بما يتوجب

من الشكران على ما جُدتِ به من المساعدة للعالم الهالك كله. بأي مديح يستطيع ان يمدحك ضعف طبيعتنا…”

– القديس ابيفانوس (توفى فى 403م): “أيتها العذراء الطوباوية الوسيطة بين السماء والأرض. يا حمامة طاهرة هيكل اللاهوت وعرشه…”.

– القديس رابولا اسقف مدينة الرها(توفى435م): “يا عذراء بمل أنكِ أصبحت سبباً

لخلاص جنسنا نحن المؤمنين ومصدراً لخيراتنا ومجددّة تحريرنا فنحن نقابلك بالترانيم والتهاليل ايتها العفيفة ونمدحك…”

– القديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية (توفى733م): يؤكد على دور مريم العذراء وشفاعتها من اجل البشر:”من بعد ابنكِ يُعنى عنايتك بالجنس البشري ومن يدافع دوما عنا فى شدائدنا ومن ينقذنا بسرعة من التجارب التى تهاجمنا ومن يهتم اهتمامك بالإبتهال من اجل الخطأة…”.

– القدّيس يوحنا الدمشقي (توفى عام 749): يعلن أنّ مريم قدّيسة طاهرة البشارة “إذ إنّها

حرصت على نقاوة النفس والجسد كما يليق بمن كانت معدّة لتتقبّل الله في أحشائها.” واعتصامها بالقداسة مكنّها أن تصير هيكلاً مقدّسًا رائعًا جديرًا بالله العليّ”. ومريم طاهرة منذ الحبل بها: “يا لغبطة يواكيم الذي ألقى زرعًا طاهرًا! ويا لعظمة حنّة التي نمت في أحشائها شيئًا فشيئًا ابنة كاملة القداسة”. ويؤكّد أنّ “سهام العدوّ الناريّة لم تقو على النفاذ إليها”، “ولا الشهوة وجدت إليها سبيلاً”.

ويعلن لنا التقليد الكنسي أن آباء الكنيسة قد أعلنوا بأن مريم هي حواء الثانية -أم كل حي

وشريكة المخلص فى عملية مصالحتنا الفائقة الطبيعة فأعلن هذا كل من القديس برناردس(1444) والقديس الفونس دي ليجوري (1787) وأعلنوا جميعا ان البركات السماوية انما تأتي عن طريق مريم.

26. لأنها حواء الجديدة

لقد شُبهت مريـم العذراء من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا بأنهـا “حواء الجديدة”، أو “حواء

الثانيـة”، كما أن الـمسيح هو آدم الثاني:”فكما فى آدم يموت الجميع كذلك فى المسيح سيحيا

الجميع”(1كورنثوس22:15).

وحواء العهد القديم هى أم كل حي كما دعاها آدم (تكوين20:3)، والعذراء هى أم كل مؤمن بإبنهـا يسوع فلقد ولدت المسيح الإله الـمتجسد فصارت به أمـاً لكل الأعضاء المتحدة بجسده:”نحن الكثيرين جسد واحد فى المسيح”5:12). وايضاً حواء العهد القديم أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق فى شخص إبنهـا يسوع. فهل لايمكن بعد ذلك للأبناء إكرام أمهم مريم حواء الجديدة؟

27. لأنهـا أم الله

ان هذا اللقب والذى اعلنه مجمع أفسس فى يونيو من عام 431 والذى اجتمع أكثر من 200 أسقفاً من جميع أنحاء الأرض فى مدينة افسس فى أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ورأس الـمجمع القديس كيرلس الكبير بطريرك الأسكندريـة وذلك للدفاع ضد هرطقـة نسطور أسقف القسطنطينية الذى نادى بأن يسوع ما هو إلآّ شخصان بشري وإلهي بدلاً من شخص واحد ذو طبيعتين بشريـة وإلهيـة وبهذا تكون مريم هى أمـا لشخص يسوع البشري. وأطلق الـمجمع لقب “ثيؤتوكوس” أي “حاملـة الإلـه” على القديسة مريم، وأعلنوا:” إن كلمة “ثيؤتوكوس” لا تستحدث أي عنصر جديد فى الإيمان، وإنما تجمع فى تعبير قاطع ما استخدمته الكنيسة قبل عصور الـمجامع”يعنى ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه، وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذى خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد كقول الرسول بولس:”عظيم سر التقوى الذى تجّلى فى الجسد”(1تيموثاوس16:3)، فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال فى سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل فى جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذى اتخذ طبيعتنا البشرية

من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.

28. لأنها دائمة البتوليـة

بتوليـة مريـم الدائـمة كانت هى العقيدة الثانيـة التى أعلنتهـا الكنيسة عن مريم العذراء، بعد أن أعلنت أمومتهـا الإلهية فى مجمع افسس سنة431م فحددت ذلك بقانون أصدره الـمجمع اللاترانـي ايام البابا مارتن الأول عام 649م واعتبرت من لا يؤمن بذلك يكون “محرومـا”، ومن قبل ذلك جاء ذكر “مريم دائـمة البتوليـة” فى مجمع القسطنطينيـة الثانـي (553-554). وجاء فى قانون الإيـمان الذى يؤمن به جميع الطوائف المسيحية والذى تم وضعـه فى مجمع نيقيـة أولاً (325م) ثم فى مجمع القسطنطينيـة الأول (381م) عن ملخص إيـمانـنا بشخص الـمسيح يسوع وطبيعتـه: “الذى تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء“.

وجاء المجمع المسكوني اللاتراني الرابع فى عام 1215 ليؤكد عقيدة بتولية مريم الدائمة، ومن بعده مجمع ليون الثاني عام 1274.

وشرح القديس البابا Hormisdas (مات 523) هذه العقيدة بقوله:”ان ابن الله اصبح ابن

الإنسان ولد فى الزمن بطريقة بشرية فاتحا رحم امه لتلد (لوقا23:2) وبقوة الله لم يُزل بتولية امه”. وأكد المجمع الفاتيكاني الثاني (1964) هذه العقيدة فأعلن:”ان الإبن البكر ابن مريم لم يُزل بكورية امه العذراء بل قدّسها”.

ان جميع الإعتراضات على بتوليـة مريم أو عدم بتوليتهـا لا يمكن أن يكون ذريعة للتقليل من شأنها وللإستهانة بها ولتبرير عدم إكرامهـا وإغفال تطويبهـا أو عدم التشفع بهـا. ان البتوليـة الدائـمة عند مريم العذراء هو إنعام ثانوي إلهـي ولكن النعمة الكبرى هو أمومتهـا الإلهيـة للـمسيح الرب الـمخلّص. وإذا رفض البعض أن يكرموها كبتول فليكرموها كوالدة للمسيح يسوع، وإذا عدّوا عدم إستمرارهـا فى البتوليـة كما يزعمون كمانع يحول دون تكريمهم لهـا فعليهم ألا يكرّموا أيـّا من أمهاتهـم!.

29. لأنها مثال للكنيسة

القديسة مريم والكنيسة كلاهما أم وعذراء فى نفس الوقت، كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للأبن الذى بلا عيب فالقديسة مريم هى أم الكلمة الإلهى ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم اعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته. فى هذا يقول القديس اغسطينوس : ” كما ولدت مريم ذاك الذى هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هى أيضا أم ( ولود ) وعذراء، أم فى أحشاء حبنا، وعذراء فى ايمانها غير المنثلم، هى أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفى نفس الوقت هى أم للواحد”.

القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الأيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية. تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أى ” حواء الجديدة “. فإن القديسة مريم قد ولدت ” الإبن المتجسد ” واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهى أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد. تشابه الكنيسة القديسة بكونها ” أمة الرب ” فهى كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذى يطلبنا فى اتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته. دعى كل من القديسة مريم والكنيسة بـ ” المقدسة أو القديسة “. يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذى ذكره موسى ” مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء ” ( تث 33 : 13 ) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة اذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء، يعود فيقرر انها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا : ” يمكن أن تقال عن الكنيسة، اذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة، أما الندى فهو الرب، المخلص نفسه”. ان شفاعة القديسة هى نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها

المجاهدون والمنتصرون الأقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل تجديد العالم

كله فى المسيح يسوع”.

30. لأن الـمولود من مريـم العذراء هو من الروح القدس:

جاء فى نص انجيل متى:”أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت مريم أمه ليوسف وُجدت من

قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس” (متى18:1). و عندما ظهر الـملاك ليوسف فى حلم قال:”لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود منهـا هو من الروح القدس..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا”(متى19:1-24). وفى نص القديس لوقا:” وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد”. وعندما تسآلت مريم”كيف يكون هذا”، “فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظلّلكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا31:1-32و35).

31. لأنها أمـنـا

   

يعلن الوحي على لسان الرسول بولس ” فإن الذين سبق فعَرفَهم سبق فحدّد أن يكونوا مشابهين لصورة إبنه حتى يكون بِكراً مـا بين أخوة كثيـرين” (رومية29:8)، فيسوع هو الإبن البكر لأخوةكثيرين. مريم هى أم الـمسيح يسوع بكل أعضاء جسده السري. الـمسيح هو الرأس ونحن الأعضاء” كذلك نحن الكثيرون جسد واحد فـى الـمسيح يسوع وكل واحد منا عضو للآخرين”(رومية5:12) ولا يـمكن للأعضاء ان تحيا بدون الرأس “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (يوحنا5:15)، فنحن أعضاء فى كرمة الرب” فأنتم جسد المسيح وأعضاء من عضو”

(1كورنثوس 27:12).

ومريم قد ولدت الجسد كله، فنحن أبناء لـمريم وإخوة ليسوع وأعضاء فى كرمتـه، وبعد أن كانت مريم أمـاً للـمسيح فقط صارت أمـا لكل من يؤمن بـه ويتبعه، وبإتحادنا فى جسد الـمـسيح أصبحنـا أبناء لـمـريم وإخوة ليسوع. إذن أمومة مريم لنا أصلها ناشئ من إيـماننا بالـمسيح وأخوتنـا لـه ومن أننا أصبحنا أعضاء فـى جسده..أي كنيسته.

وبما ان مريم هى أمنـا وحسب وصية الله فى إكرام أمهاتنـا لهذا تستحق مريم منا كل إكرام.

32. تمجيد رجال الله وصيّة مطلوبة كما جاء على لسان يشوع بن سيراخ:”لنمدح الرجال النُجباء آباءنا الذين وُلدنا منهم. فيهم انشأ الرب مجداً كثيراً وابدى عظمته منذ الدهر”(يشوع بن سيراخ1:44)، “ليكن ذكرهم مباركا ولتزهر عظامهم من مواضعها. وليتجدد اسمهم وليمجدهم

بنوهم”(يشوع بن سيراخ14″46-15)، افلا تستحق إذن منا القديسة مريم الإكرام والتمجيد؟

33. لأنهـا ملجـأ للخطــأة

نلتجئ لـمريم لأنهـا أم مثلنـا وعليه فنحن نشعر بجاذبية خاصة نحوها لتشفع لنا عند ابنها

الإلهـي. ففى الواقع لا يتجاسر الخاطئ فى كثير من الظروف أن يذهب رأساً إلـى يسوع لطلب الرحمة، وذلك لأنـه يعلم كل العِلم إن يسوع هو إلهـه وخالقـه، الرب العظيم الذى أهانـه وأغضبـه وداس وصايـاه، ولكنـه لا يخشى التقرب إلـى والدة يسوع ويطلب شفاعتهـا، لأنهـا ليست إلهه وخالقه، وليست ربـه وديـّانـه، إنـما هـى أم حنون ترثـى لشقاء إبنهـا الضال الخاطئ، فتقوده إلـى إبنهـا الإلهـى، طالبـة العفو والغفران. ويوجد فى التقليد الكنسي صلوات وتضرعات لـمريم العذراء يرجع تاريخها للقرن الثالث الـميلادي ومرفوعة لـمريم طالبة حمايتها وشفاعتها للإنقاذ من كل خطر. وطوال تاريخ الـمسيحية حتى يومنا هذا تمتلئ الكنيسة بالـمدائح والتضرعات والتسابيح والترانيم لـمريم العذراء لتشترك معنا فى شركة الصلاة إلى الله.

34. لأنها سلطانـة السموات والأرض

سلطانة السموات لأنهـا متوجـة بتاج العظمة والمجد لأنهـا والدة الكلمة المتجسد وهى تتطلع من عليائها بالرحمة والحنان على أبناء البشريـة، وسلطانة الأرض لأن لها مملكة واسعة النطاق حيث لها العديد من الكنائس والإيبارشيات الـمشيّدة على إسمهـا فـى جميع أنحاء الأرض بالإضافة إلـى كثير من الدول والـممالك التى اتخذت العذراء شفيعة ولها أبناء عديدون يدينون لهـا بالخضوع والحب والولاء لأنهـا أم يسوع وأمهـم. إن مريم صارت

حقاً سلطانـة السموات والأرض فـى الوقت الذى أصبحت فيـه أم الله صانع السموات والأرض (مزمور2:120).ان لقب ملكـة أو سلطانـة أُعطـي للعذراء مريـم منذ بدء القرن الرابع الـميلادى كدلالـة على مكانتهـا وقوة شفاعتهـا، ولقد أُدخل فـى كثيـر من الصلوات الطقسية، وحتـى فـى الفنون حيث تُرسم العذراء وعلى رأسهـا تاج. فـى نص بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء أن إبنهـا “سيعطيه الرب الإلـه عرش داود أبيـه ويـملك على آل يعقوب إلـى الأبـد” (لوقا32:1)، وفـى كلمات أليصابات عندما صاحت بصوت عظيم “من أين لـي هذا أن تأتـى أم ربـي إلـيّ” (لوقا43:1) نجد إنـه بسبب مُلك إبنهـا حصلت مريـم على هذا الشرف أن تكون “أم الرب الـملك” أي “الـملكة”. ومن أجل الحب الـمستمر للمخلّص ولرسالتـه من أجل البشر، ولأنهـا كانت رسولـة وتلميذة كاملة تبعت تعاليـم السيد الـمسيح وعـملت إرادة الآب السماوي فإستحقت أن تدخل ملكوت السماوات (متى21:7) وأن تنال إكليل الحياة (رؤ10:2) وأن تجلس معه على عرشه حسب وعد السيد المسيح للمؤمنيـن”أؤتيـه أن يجلس معي على عرشي” (رؤيا21:3). ومزمور داود يُعظّم الـملك والـملكة القائـمة عن يـمينه “قامت الـملكة عن يـمينك بذهب أوفيـر”(مز10:44). ومُلك العذراء مريـم يجب أن يُفهم على انـه فـى الحب والخدمـة وليس للدينونـة والحُكم، فسينكا الفيلسوف يعّلم قائلا: “إن جلالة الـملوك والـملكات إنـما تتلألأ فـى إسعافهم الـمساكين وإحسانهم إليهم وتكون غايتهم هو خيـر رعايـاهـم”، ومريم “ملكة الرحـمة” أمضت كل حياتهـا فى الأرض فـى تواضع وخدمـة مستـمرة “هـا أنـا آمـة الرب”(لوقا28:1)، ومع يسوع إبنـها وخضوعهـا التام لـه ولرسالتـه حتى الصليب والقيامـة، وحتـى بعد موتهـا واصلت خدمتهـا نحو أبناءهـا لتساعدهـم للوصول للحياة مع الله.

35. لأنها أم الـمخلّص

من الوجهة اللاهوتية فلا يوجد بين الله والبشر سوى واسطة واحدة ألا وهو سيدنا يسوع الـمسيح الذى تجسد وخلصنـا، ومريم العذراء لـم تخلّصنـا ولكنها كانت السبب فى خلاصنـا بولادتهـا يسوع مخلصنـا، ولـما كانت هـى أم يسوع- عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها “ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى” (لو 32:1)، فالذى ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلص) وهو ابن العلي، الله الكلمة الـمتجسد، وعند ظهور الـملائكة للرعاة فى بيت لحم قالوا: “أنـه قد وُلد لكم اليوم مُخلص وهو الـمسيح الرب فـى مدينة داود”(لوقا11:2)، وكما جاء فى رسالة القديس بولس الرسول:”فلّما بلغ ملء الزمان ارسل الله إبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4).

انّ تدخّل الله ليكوّن بقدرته الإلهيّة طبيعة يسوع الإنسانيّة في أحشاء مريم العذراء التي لم تعرف

رجلاً هو علامة لتدخّله الخلاصي في شعبه وفي العالم أجمع. فالمولود اسمه يسوع الذي يعني بالعبريّة “الله يخلّص”. وستقوم رسالته على أنّه “هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم” (متى 21:1). فخلاص البشر لا يمكن أن يأتي من إنسان، فالإنسان محدود في الزمان والمكان، ولا يمكنه أن يحقّق بنفسه المصالحة مع الله القدير الذي يفوق كل زمان ومكان. خلاص البشر ومغفرة خطاياهم لا يمكن أن يحقّقهما إلاّ الله وحده: “من يقدر أن يغفر الخطايا إلاّ الله وحده؟” (مرقس 2: 7). “والله هو الذي صالح في المسيح العالم مع نفسه ولم يحسب عليهم زلاّتهم”(2 كورنثوس 5: 17). وبما أنّ الخلاص لا يمكن أن يأتي إلاّ من الله، فالقول إنّ يسوع هو مخلّص إشارة واضحة إلى ارتباط خاصّ بين يسوع والله. رسالة يسوع هي إذًا فريدة بين البشر: إنّه هو المخلّص، وتكوين طبيعته الإنسانية أيضاً فريد بين البشر. إذ لم يُسمعَ قطّ أنّ امرأة تلد ابنًا من غير رجل. فمن فرادة الرسالة نخلص إلى فرادة الرسول. إنّه ليس مجرّد رسول كسائر الرسل البشر، وليس مجرّد نبيّ كسائر الأنبياء البشر. إنّه إنسان، ولكنّه أيضاً أكثر من إنسان. وهذا ما يعبّر عنه يوحنّا بقوله: “والكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده، مجدًا من الآب لابنه الوحيد” (يو 1: 14). إنّه “ابن الله” الكائن منذ الأزل مع الله. إنّه ابن الله

المخلّص. ومريم هي أمّ ابن الله المخلّص.

ولقد اطلقت الكنيسة هذا اللقب “ام المخلص” على القديسة مريم أم يسوع عندما اعلنه البابا يوحنا بولس الثاني فى رسالته فى 25 مارس 1987.

36. لأنها أم الكنيسة

   

يعلن الوحي على لسان الرسول بولس ” فإن الذين سبق فعَرفَهم سبق فحدّد أن يكونوا مشابهين

لصورة إبنه حتى يكون بِكراً مـا بين أخوة كثيـرين” (رو29:8)، فيسوع هو الإبن البكر لأخوةكثيرين. مريم هى أم الـمسيح يسوع بكل أعضاء جسده السري. الـمسيح هو الرأس ونحن الأعضاء: “كذلك نحن الكثيرون جسد واحد فـى الـمسيح يسوع وكل واحد منا عضو للآخرين ” (رو5:12) ولا يـمكن للأعضاء ان تحيا بدون الرأس “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (يو5:15)، فنحن أعضاء فى كرمة الرب ” فأنتم جسد الـمسيح وأعضاء من عضو” (1كو 27:12).

ومريم قد ولدت الجسد كله، فنحن أبناء لـمريم وإخوة ليسوع وأعضاء فى كرمتـه، وبعد أن كانت مريم أمـاً للـمسيح فقط صارت أمـا لكل من يؤمن بـه ويتبعه، وبإتحادنا فى جسد الـمـسيح أصبحنـا أبناء لـمـريم وإخوة ليسوع. إذن أمومة مريم لنا أصلها ناشئ من إيـماننا بالـمسيح وأخوتنـا لـه

ومن أننا أصبحنا أعضاء فـى جسده..أي كنيسته.

إن يسوع بوعده لنا ” لن أترككم يتامى” (يو28:18 ) فأرسل لنا روحه الـمعزي بعد قيامته

وصعوده للسماوات. وأعطى الـمجد أن يحل الروح القدس على الكنيسة بوجود العذراء

(اعمال14:1), فولدت الكنيسة فى ذلك اليوم وصارت العذراء أمــاً للكنيسـة(أعمال4:2).

فالعذراء مريم كانت موجودة فى البشارة وقبلت أن يتجسد إبن الله فى أحشائها البتول وسلّمت

ذاتهـا بكليتهـا فى تواضع عجيب. وكانت موجودة عند الصليب عند أقدام إبنهـا الوحيد الذى بذل ذاتـه من أجل خلاص العالـم (يوحنا19:26-27). وها هى تتواجد عند حلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ يوم الخمسين.

وعن دور العذراء فى الكنيسة نجده مبينا اولا فى سفر الرؤيـا:”وظهرت آيـة عظيمة فى السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها اكليل من اثنى عشر كوكبا وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد، فولدت ابنا ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد”(رؤيا1:12-5) ان هذه الصورة ترينا العذراء على رأس الكنيسة –القمر- ومزانـة بشمس البر (يسوع) ومتوجة بالإثنى عشر تلميذا، وهى بهذا تربط ما بين الشمس والقمر او بين المسيح والكنيسة.

لهذا دعاها البابا ليون الثالث عشر (مات 1903) فى رسالتـه البابويـة (سبتمبر 1895):” ان

مريم هى أم الكنيسة ومعلّمة وسلطانة للرسل”. والبابا يوحنا الثالث والعشرين (مات1963) يدعو مريم قائلاً:”أم الكنيسة وأمنـا الأكثـر حباً”.

ان لقب “ام الكنيسة” أستخدم اول مرة بمعرفة اسقف ترافس فالأم التى أرادت مـجداً للكنيسة لا تزال تعود الى أبناء الكنيسة لتحقيق ومواصلة هذا الـمجد. إن يسوع لم يتركنا يتامى بل أرسل روحه القدوس وأرسل ايضا مريم أمــنـا.. إن عمل العذراء فى السماء هو إمتداداً لعملها على الأرض، فلقد لعبت دوراً كبيراً فى سر الفداء وفى ذبيحة الـمسيح الخلاصية وهذا الدور الفريد جعل وساطتها تختلف عن وساطة القديسين وشفاعتهم لتشمل الكنيسة بكاملها.

“ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك وشفاعتكِ يا سيدتنا كلنا العذراء والدة الإلـه”(من صلاة الليتورجيا).

37. لأنها أعظم القديسـين

فـى رؤيـا القديس يوحنـا نجد “جمع كثيـر لايستطيع أحد أن يُحصيـه من كل أمـة وقبيلة وشعب ولِسان واقفين أمام العرش وأمام الحَمل لابسين حللا بيضا وبأيديهم سعف نخل..هؤلاء هم الذين أتوا من الضيق الشديد وقد غسلوا حُللهم وبيضوهـا بدم الحَمل لذلك هم أمام عرش الله”(رؤ9:7) وهؤلاء هـم القديسون. الكنيسة تضع السيدة العذراء مريم فى مقدمة هؤلاء القديسين لأن السمائيين ما هم إلا أرواح خادمة مرسلة لخدمة العتيدين ان يرثوا الخلاص (عبرانيين14:1)، أما العذراء مريم فهى أم الله، والفرق طبعا شاسع بين الأم والخادم.

وفى رسالة القديس يعقوب جاء ان ” طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها ” (يعقوب16:5) ومن يكون اكثر برارة من مريم المرأة التى اختارها الله ليأتى منها الإبن الوحيد؟

فمريـم إبنة صهيون… 

و مسكن الله

و الإبنة الـمختارة   

و الـملكة والأم والـمباركـة

      ألا تستحق منـا الإكرام اللائق؟

ردود على الإتّهامات حول اللاهوت المريمي في الكنيسة الكاثوليكية[28]

اللاهوت المريمي هو أحد أكثر المواضيع الكاثوليكية إثارة للجدل بالنسبة للبروتستانت، وللأسف غالباً ما يساء فهمه. وفيما يلي 5 اعتقادات خاطئة الأكثر شيوعاً حول اللاهوت المريمي وتكريم والدة الإله في الكنيسة الكاثوليكية.

الإعتقاد الأول: الكاثوليك يعبدون مريم

الحقيقة: هذا الإتّهام أبعد ما يكون عن الحقيقة، إلّا أنه لا يزال تهمة شائعة اخترعها البروتستانت. في الواقع يؤمن الكاثوليك أنّ مريم هي مخلوق، مسيحيّة مثلنا، ومفديّة بنعمة المسيح مثل جميعنا.
في حال كان هناك شك حول الموضوع، جاء المجمع الفاتيكاني الثاني في الفصل 8 من دستور عقائدي في الكنيسة – Lumen Gentium – نور الامم وصرّح بوضوح فيما يتعلّق بمريم: “لا يمكن لخليقةٍ أبداً، أن تُوضع على قدم المساواة مع الكلمة المتأنِّس والمخلص. ولكن كما أنه في كهنوتِ المسيح يشتركُ تحت أشكالٍ شتّى الخَدَمَةُ والشعب المؤمن، وكما أنَّ صلاحَ الله الواحد يفيض فعلاً على الخلائق بأنواعٍ مختلفة، كذلك وساطة المُخلِّص الفريدة لا تمنع، بل بالأحرى تَحثُّ الخلائق على التعاون المتنوِّع المشترَك، النابع من مصدرٍ واحد. وإنَّ الكنيسةَ لتعترف دون تردُّدٍ بمثلِ هذا الدور الذي تقوم به مريم مرتبطةً بإبنها، وإنها لا تبرح تختبره، كما أنها لتنصح قلوب المؤمنين، حتى إذا ما ساعدهم هذا العون الأمومي، أن يتمسَّكوا تمسكاً أوثق بالوسيط المخلِّص.(فقرة 62 من الفصل 8)

الإعتقاد الثاني: يؤمن الكاثوليك أن مريم لا تحتاج الى مخلّص

الحقيقة: يؤمن الكاثوليك أنّ مريم مفديّة بنعمة يسوع المسيح مثل أي إنسان آخر.

البروتستانت او اي شخص آخر يعتقد خلاف ذلك يكون قد خلط الأمر مع عقيدة الحبل بلا دنس.
عقيدة الحبل بلا دنس تقول “إن الطوباوية مريم العذراء حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى من الحبل بها، وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري”
” العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها، ومن هنا تظهر العلة الفاعلة للحبل بمريم البريء، فهي من الله القدير، وتظهر أيضاً العلة الاستحقاقية بيسوع المسيح الفادى، و النتيجة هى أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً، فهي كانت نتيجة لأصلها الطبيعي، لضرورة الخطيئة الأصلية، مثل أبناء آدم جميعاً إلا أنها بتدخل خاص من الله قد وقيت من دنس الخطيئة الأصلية، وهكذا افتديت بنعمة المسيح لكن بصورة أكمل من سائر البشر وكانت العلة الغائية القريبة للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية”.
إذن مريم كانت محتاجة إلى الفداء وافتديت ولكن بطريقة سامية “فقد فداها المسيح إذن ولكن بطريقة الوقاية، المناعة”
وبعبارة أخرى، فإن حقيقة ولادتها دون الخطيئة الأصلية، وبعد ذلك لم ترتكب خطيئة، حدث بسبب نعمة مجّانية من يسوع المسيح. وهكذا، في الكتاب المقدس، مريم تنشد بكل صدق “تبتهج روحي بالله مخلصي” (لوقا 1.47)

الإعتقاد الثالث: اللاهوت المريمي الكاثوليكي يتعارض مع الكتاب المقدّس

الحقيقة: الكتاب المقدّس ليس فقط لا يتعارض مع اللاهوت المريمي وحسب بل يدعمه ويؤكّده. هناك الكثير الذي يمكن أن يقال لكن نذكر بعض الأمثلة:
فيما يتعلّق ببتولية مريم الدائمة: الكتاب المقدّس لا يقول أن لمريم كان أولاد آخرين، عبارة “إخوة وأخوات يسوع” تُفهم (حتى من قبل البروتستانت) بأنّها مجرّد إشارة الى أقارب يسوع. ولدعم العقيدة، فسّر اللاهوتيون منذ العصور الأولى للكنيسة ارتباك مريم حول كيفيّة حبلها بيسوع، بالرغم من أنها على وشك الزواج من يوسف، كمؤشّر على أنّها قد اتّخذت نذر البتولية.

وفيما يتعلّق بالسلام عليك يا مريم: يعلّمنا الكتاب المقدّس بوجوب الصلاة من أجل بعضنا البعض (وهذا ما يتضمّنه السلام الملائكي : “صلّي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا”). والأسطر الأولى من الصلاة هي ببساطة من الكتاب المقدّس: تحيّة الملاك جبرائيل “السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك”. وما يليها هو كلمات القديسة اليصابات نسيبة مريم “مباركة أنت في النساء ومباركة ثمرة بطنك يسوع” (لوقا 1)

الإعتقاد الرابع: اللاهوت المريمي هو فساد في الإيمان من العصور الوسطى

الحقيقة: في الواقع كان المسيحيّون الأوائل مهتمّين بشكل مكثّف بدور مريم الفريد في تاريخ الخلاص. اللاهوت المريمي مثل جميع المجالات اللاهوتية الأخرى، تطوّر ونضج على مر الزمن، قد يفاجأ البروتستانت مما قد يجدونه، إن قرأوا عن آباء الكنيسة الآوائل ونظرتهم العميقة عن مريم وكونها “حوّاء الجديدة”.

الإعتقاد الخامس: مريم تحجب يسوع

الحقيقة: في الواقع الحقيقة هي العكس تماماً: حياة مريم بأكملها تتّجه نحو الله وتكرّم يسوع.
في الكتاب المقدّس بعد أن امتلأت أليصابات من الروح القدس، كرّمت مريم عند رؤيتها قائلة: «مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك! فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي؟» (لوقا 42، 1-43)
أمّا مريم فقامت على الفور بتحويل كل المجد لله : «تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته».(لوقا 46، 1-48)
هل يحجب الكتاب المقدس يسوع عندما يروي قصص المؤمنين؟ بالطبع لا: تذكّر حياة الرجال والنساء القدّيسين الذين خدموا الله بواسطة نعمة يسوع المسيح وتكريمهم، هو في النهاية وسيلة لتكريم الله. نفس الشيء ينطبق بشكل خاص على مريم، التي هي أفضل وأكمل مثال على الإيمان وأم ربّنا يسوع المسيح.

https://i0.wp.com/mariantime.org/wp-content/uploads/2016/10/2.png?resize=200%2C10

في النهاية أوّد أن أوجّه سؤال الى جميع الإخوة البروتستانت وغيرهم ممن يرفضون تكريم مريم، ولا يعترفون بمكانتها عند ابنها الرب يسوع ولا بدورها في خلاصهم وخلاص البشريّة جمعاء:
ماذا يكون شعورك إذا قام أحدهم بإهانة أمّك والإستهانة علانيّة بكرامتها، وهل ستسكت أم ستدافع عنها وتستردّ لأمّك كرامتها؟ فكيف تعتقد سيتصرّف يسوع؟ أم هل انت إذاً تكرّم والدتك أفضل من يسوع؟ إذا كنّا نحن البشر نكرّم أمّهاتنا فوق جميع الناس، ولا نرضى أن يمسّ كرامتهن أحد، فكيف برأيك يكون موقف الرب يسوع ممّن يحتقرون أمّه ويرفضونها؟ هل تعتقد أن أمّك تستحقّ الإكرام أكثر من أمّ يسوع؟

 يــــا مـــريـــــم، يــــا والـــدة الإلــــه، صــلـّـــي لأجـــلـــنـــا نــــحـــن الـــخــطـــأة

للمزيد يمكن الرجوع لمجلد “العقائد المريمية التى أعلنتهـا وتعلـمها الكنيسة الكاثوليكيـة”

المنشور في موقع الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر http://coptcatholic.net/

كيفيـة تقديـم الإكرام لمريـم العذراء[29]

ان تكريم مريم العذراء أو القديسين ليس فقط لـمجرد اننا نريد ان نقدم الحمد والشكر لهم، فهم

ممتلئون من الـمواهب السماويـة ولن يضيف حمدنا أو إكرامنا لهم أي شيئ للمجد السماوي الذين يتمتعون بـه الآن. نحن نكرّم القديسين لأننا معجبون بهم وإعجابنا هذا سيؤدى لأن نحبهم، ومحبتنـا هذه ستدفعنـا لأن نتمثل بسيرتهم وبهذا ننال رضى الآب السماوي ورضاهم عنـّا فيداوموا الصلاة من أجلنا. ان تلاوة صلاة امام تمثال او صورة لأحد القديسين أو وضع باقة من الزهور أو حتى التناول من الأسرار الإلهية فى عيد هذا القديس أو ذاك، مع أنها كلها أعمال حسنة ولكن ما جدواها إن لم يكن القلب والحياة اليومية تعكس نفس إيمان والـممارسات التقويـة التى

مارسها القديسون فى حياتهم على الأرض فنالوا بها تلك الأمجاد السماويـة.

أمـا عن إكرام القديسة مريم أم يسوع فهو تعبير عن حب شعب الله لـمريم والذى يتم فى صور متعددة عبر عصور الكنيسة منذ نشأتهـا. أن الـمـجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني يحث المؤمنين على تكريم مريم العذراء تكريما خاصاً، موضحا طبيعة هذا التكريم وأساسه والإختلاف الجوهري بين هـذا التكريم وعبادة الله، ويوضح ان إكرام أم الله موجه إلى المسيح موضوع الإيمان المسيحي، بمعنى أن مختلف صيغ التكريم للعذراء يجعل الابن يُعرف ويُحب ويُمجّد.

أنواع الإكرامات:

يوجد العديد من الوسائل والممارسات التقوية التى يمكن الإستعانـة بها لكل من برغب أن يقدم الإكرام للقديسة مريم أم يسوع

، فهناك إكرامات من خلال الطقوس الكنسية، الصلوات الرسمية، الممارسات التقوية، أو الممارسات الشخصية.

1. من خلال الطقوس الكنسية

  • الإشتراك فى الذبيحة الإلهيـة بكل خشوع والتأمل فى صلوات القداس أو الصلوات الطقسية الأخرى وكل ما جاء فيها من صلوات وترانيم وتسابيح عن مريم العذراء.
  • الإحتفال بأعيادها الرئيسية وتذكاراتها.
  • تخصيص أحد الشهور أو الأيام لتقديم الإكرام الخاص لها.
  • تقديم قداس خاص توجه صلواته وكلماته عن عظمة أم الله.
  • تحديد التعاليم الخاصة بها من خلال المجامع الكنسية و السلطة الكنسية.

2. من خلال تلاوة الصلوات الرسمية والتى اعتمدتها السلطة الكنسية

مثل نشيد مريم، وتسبحة الملاك، والسلام الـملائكي، صلوات الأجبيـة وغيرها.

3. من خلال الممارسات التقوية والشخصية والتى تهدف جميعها لتقوية صلة المؤمن بالله تعالى وبقديسيه وهى إختيارية وتشمل:

  • صلوات المسبحة الوردية
  • التأمل فى فضائلها والإقتداء بسيرتها
  • ممارسة الأصوام المخصصة لأسمها الطاهر
  • تلاوة الصلوات الخاصة
  • ترديد التراتيل والترانيم التى تشيد بدورها ومكانتها فى الكنيسة
  • حمل الأشياء الـمقدسة
  • رسم الأيقونات والصور أو وضع صورتها المقدسة فى الكنائس والمنازل والأدبرة وإنارة الشموع أمامها
  • الإشتراك فى المسيرات أو زيارة المغارات
  • الإنضمام للهيئات أو المؤسسات الـمريمية وغيرها
  • المساهمة فى بناء دور العبادة وتسمية الكنائس والأديرة بإسمها
  • تسمية بناتها بإسمها المبارك ومحاولة التشبه بها
  • الإستجابة للرسائل السماوية فى ظهوراتها والمعتمدة من السلطة الكنسية
  • تكريـم ألقابهـا
  • تكريس الذات لقلبها الطاهر
  • دعوة الآخرين لتقديم الإكرام لها
  • تقديم العطاء للمؤسسات الخيريـة
  • إقامة “المذبح العائلي” والصلاة العائلية
  • دراسة العلوم الـمختصة بها (علم اللاهوت الـمريمى Mariology).
  • تقديم أعمال رحمة
  • قراءة يومية فى الكتاب المقدس والتأمل فى ما تم قراءته
  • قراءة كتب مخصصة عن مريم العذراء

شروط تقديم الإكرام

إن مريم الـمحامية القوية والشفيعة التى لا تُرد شفاعتها هـي فقط لـمنسحقي القلوب.

فى التجربة..فى الضيق..فى الخطر..فى الحزن..وحتى فى الفرح..فى كل وقت نذهب الى مريم ندعوها ان تكون معنا كما كانت وقت مذبحة أطفال بيت لحم ووقت عرس قانا الجليل..إن الإلتجاء الى مريم وطلب شفاعتها إيمان راسخ منذ الأجيال الأولى فى الكنيسة وتمتلئ الطقوس الكنسية بالـمدائح والطلبات والصلوات لـمريم العذراء فلا نخجل من اللجوء الى مريم ونصرخ اليها ان تصلي معنا الى ابنها الإلهي ليرفع هذا الحزن او ليعطينا الصبر للإحتمال وفى كل هذا نكون متمثلين بمريم فى إحتمالها لسيف الوجع الذى غرس فى قلبها او فى إتضاعها وقبولها لمشيئة الرب “ليكن لي حسب قولك”.

وهذا الإكرام يتطلب منـا أن نعمل كل شيئ ومريم هي قدوتنا

أن نقتدي بقدر الإمكان بحياة مريم العذراء فى كل ما نصنعه. قال يسوع ” ياأبتاه..أنا مـجّدتك على الأرض، إذ اتممت العمل الذى أعطيتني لأعمله” (يو 4:17)، ان الله يتمجد بالعمل الذى نعمله وفقا لإرادة الله وبالثمار التى نعملها “بهذا يتمجد أبي وتكونون تلاميذي إذا أتيتم بثمر كثير” (يو8:15). فمريم قد استسلمت لإرادة الله “ها أنا آمة الرب فليكن لي بحسب قولك”

(لوقا38:1).

فمسيرة مريم هى مسيرة كل مسيحي يدخل بالإيمان فى علاقة مع الله. وبالنظر الى مريم نسير كما سارت وتكون غايتنا الأخيرة هي المسيح يسوع وحده.

مريم عاشت حياة الأرض بكل ما فيها من صعاب وقلق, عاشت فقيرة ولم تضطرب ولم تقلق وواظبت على صلتها بالله والهيكل.

عاشت مطرودة , غريبة فى أرض بعيدة عن وطنها ولم تتكاسل أو تهرب من أمام الرب.

عاشت حياة الترمل ولم تتذمر أو تشتكي بل واظبت صلاتها ورسالتها.

عاشت ثكلى بعد رحيل الإبن ولم تلعن السماء والأرض..

عاشت عذراء عفيفة ولم تشتهي إلا أن تكون آمـة للرب…

عاشت زوجـة ترعى منزلها وواجباتها ولم تهمل بيتها او الإهتمام برعاية ابنهـا الوحيد رغما عن ضآلة الدخل.

وهذا الإكرام يتطلب منـا أن نكون مشابهين صورة إبنها

“اهتموا بـما فوق لا بـما على الأرض” (كولوسي 2:3)

 فهل رأت فيك مريم يسوعاً آخر؟..لا فى صنع الـمعجزات بل فى نشر الحب والسلام وإنكار

الذات وخدمة الفقراء…هل رأت فيك مريم إنسانا سلم إرادته كلها لأبيه السماوي؟..وهل رأت فيك إنسانا يحيا فى العالم وهو ليس فى العالم لأنه من فوق؟..هل رأت فيك إنسانا متواضعاً غير مـحباً للمال منفذاً إرادة السماء وليست إرادتك أنت؟..هل رأت فيك نور الـمسيح وعظمة ومجد الله؟..وهـل رأت فيك القداسة والبر ومحبة القريب؟.

وهذا الإكرام يتطلب منـا ان نكون مواظبين على الصلاة

ما هى أقرب الصلوات الى قلب مريم؟..أي صلاة كانت صغيرة أو كبيرة يلزم أن تكون مـستمرة وثابتة وبعمق وإيـمـان.

فهل تصلي أم لا؟..هل صلاتك مستـمرة؟..هل تعي ما تقوله فى صلاتك أم هى تـمـتـمات شفاه فقط؟..هل تكون متخليا عن كل شهوة أرضية أو دنس عند إقترابك من الصلاة؟..هل تعلم ان الصلاة هى لقاء الـمحبين فلا تقول إني أحب الله او مريم وانت لا تصلي؟..هل رأت فيك مريم رجلا للصلاة كأرميا وموسى وداود ودانيال وكإبنها يسوع الذى لم يترك فرصة إلا وانفرد وصلى

لأبيه السماوي؟..هل تسمع مريم صلواتك وهى لا تطلب إلا الشهوات الأرضية ومجد الأرض؟

هذا الإكرام يتطلب منـا أن نكون منفذين لـمشيئة الرب ووصاياه

إن كل إهتمام الشخص الـمـسؤول هو أن يرعى ويلبي طلبات من يحبه وليس فقط فى مأكل أو مشرب أو مستلزمات الحياة بل ايضا كل ما يدخل السعادة فى قلب الـمحبوب..وإذ نقول اننا نحب مريم فهي لها طِلبة واحدة أعلنتها فى القديم ومازالت تعلنها فى كل وقت وزمان ومكان..”مـهـما قال لكم فأفعلوه” (يو 5:2)..أعلنتها فىعرس قانا الجليل وهى الوصية الوحيدة التى ترددها دائما لأبنائها وبها توجه قلبنا سراً إلى وصايا الـمـسيح، لتتميمها بكل دقة كما

أوصت أصحاب العرس..

هذا الإكرام يتطلب منـا بعض الـممارسات التقوية

حضور الذبيحة الإلهية والتى هى تجسيد لحياة ومجد السيد الـمسيح

تلاوة أبانا والسلام والمجد شكراً للرب يوميا.

قراءة يومية فى الكتاب المقدس والتأمل فى ما تم قراءته

قراءة كتب مخصصة عن مريم العذراء

الإلتزام بأصوام الكنيسة

خدمة الأخرين

الـتقدم لسر التوبة.

  1. IV.                   «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ”

الظهورات المريمية

مــريم الأم لا تـتحمل أن ترى أبناؤها فى خطر دون أن تسرع لحمايتهم وأنقاذهم. لم تترك مريم ابناءها لحظة واحدة.. فبصلواتها وشفاعتها الدائمة أمام عرش إبنها الإلهي تحمي الأبناء وترعاهم..ولكن فى بعض الحالات تجد مريم نفسها مـجبـرة ومضطرة كأم الى التدخل الـمباشر فى عالـمنا وحياتنا، فتظهر لنا نفسها لتحمل رسالة تحذير لخطر لا نراه بعد.

مئات الظهورات تعددت تحمل كلها معنى واحد..

“أنـــا مـريـم أمـكـم.. إبني غاضب.. تـوبـوا…صـلّـوا دائمـا.”…

لـم تشفق على نفسها لأجل ضيقة وشدة بنى جنسها، بل أرادت أن ترد الهلاك كما فعلت

يهوديت ذات يوم فإستحقت تطويب عُـزيّا رئيس شعب اسرائيل ويوياقيم الكاهن

 (يهوديت 10:15-12)..

مـريم تواصل الليل مع النهار متشفعة ومـحذرة للناس…ظهورها مستمر حتى اليوم بصورة تدفع للعجب..ولـِم العجب.. ألا تهتم أم بأبنائها ؟؟!.

قصة فقد الطفل يسوع فـى الهيكل وصرخة الأم “لـِم صنعت بنا هكذا هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك متوجعين” (لو 48:2) فـها هي مازالت تبحث عن الأبناء الضائعين البعيدين عن حضن الكنيسة صارخة هوذا أبوك السماوي وأنا أمك نبحث عنك متوجعين.

ظهرت عام 1531 فى المكسيك Guadaluupe لتحذر من قيام دولة أمريكا وفناء الهنود سكان القارة الأصليين. ظهرت عام 1830 فى فرنسا وكانت فرنسا فى حرب أهلية ضد الكنيسة فظهرت للقديسة كاترين لابوريه (الأيقونة العجائبية). وفى عام 1846 تظهر فى قرية لاساليت بفرنسا وكانت بلاد أوربا مهددة بمجاعة عظيمة استمرت عشرة سنوات. وظهرت عام 1858 فى لورد بفرنسا وحذرت العالم من تيارات الحروب وعبادة الشيطان والثورات الدموية فى المانيا والنمسا وفرنسا. وفى عام 1879 ببلدة Knock بتشيكوسلوفاكيا. وعام 1917 فى قرية فاطيما بالبرتغال والحرب العالمية الأولى (1914-1919) وحذرت من مخاطر الحرب العالمية الثانية وخطر الزحف الشيوعي ( اسرار فاطيما الثلاثة ). وفى عامي 1932 و 1933 فى فرنسا. وفى الستينات بمصر وبدء إضطهادات المسيحيين وهجرتهم من مصر. وعام 1981 فى قرية ميدجوري بيوغسلافيا , وعام 1982 بقرية برواندا فى وسط أفريقيا , وعام 1983 فى قرية الصوفانية بسوريا وفى اليابان وروسيا وقيل أنها ظهرت هنا فى امريكا فى التسعينيات.

مع كل هذه الظهورات كان التحذير بالخطر الذى يهدد العالم والتأكيد انها لن تترك ابناؤها يتألـمون.

تؤمن أغلب الطوائف المسيحية، بأن العذراء تظهر على الأرض بهدف إيصال رسالة إلهية معينة، وترى الكنيسة الكاثوليكية أن تكاثر الظهورات المريمية دليل على اقتراب يوم القيامة، وتمر عملية تثبيت الظهورات وتثبيتها بشكل رسمي بمراحل عديدة: إن أي تقرير حول أي ظهور أو أمر غير طبيعي يجب أن يحظى أولاً بمصادقة الأسقف المحلي الذي يبني قراره على تقييم تقدمه لجنة يعينها لتقوم بدراسة دقيقة لتتأكد أن الحدث لا يحمل شيئاً معاكساً للإيمان أو الأخلاق وبأنه موحى به أو فوق الطبيعي وبالتالي مستحق أن يجتذب إكرام المؤمنين. عمل اللجنة يقوم على أسس علمية مثل إخضاع مَن يتلقى الرؤيا لفحوص نفسية، وفي حال حدوث أي أمر في الطبيعة كظهور نجوم أو تحرك الشمس. تُخضع اللجنة كل هذه الأمور للبحث

العلمي مرتكزة على علوم الفيزياء والفلك والرياضيات وغيرها.

يلي ذلك رفع القضية إلى الكرسي الرسولي في الفاتيكان الذي ينظر بالقضية مجددًا ليثبتها بشكل رسمي، في الكنيسة الكاثوليكية في حين تختصّ المجامع المقدسة لدى سائر الطوائف بالتصديق على الأمر، على أن التشكيك عادة يرافق أي ظهور أو حدث عجائبي. والظهورات المريمية ليست بالأمر الحديث في المسيحية إذ إنّ عددًا كبيرًا من الظهورات المثبتة تعود لفترة القرون الوسطى وما سبقها.

قد أظهر علماء اللاهوت، على وجه عام، تحفظاً في شأن مثل هذه الظهورات، لذلك الكنيسة تقيم قواعد شديدة جداً للتمييز بينها، فلا ترفض مبدأ الظهورات، وانما تذكر بان الوحي الالهي ابتدأ بالأنبياء وانتهى بيسوع المسيح (راجع عب 1/1). فما من وحي خاصّ يستطيع إذاً أن يضيف إلى إيمان الكنيسة عنصراً جديداً، لا بل إيمان الكنيسة وعقائدها وتعليمها هو معيار صحة الظهورات.

وصف الظهورات

تتصف الظهورات المريمية الحديثة، على وجه عامّ، بثلاث صفات:

1.ـ إنها مبادرة من العذراء، فهي التي تبادر إلى الظهور.

 2ـ إنها ظهور حسّيّ، يحسّ به “الرّاءون” الذين يبصرون السيدة ويسمعونها.

 3ـ غايتها إبلاغ رسالة إلى الشعب المسيحي او فئة معينة:

ممكن ان تكون رسالة للصلاة او التوبة وخصوصاً في مكان ما (فيه مشاكل وحروب)!

وممكن ان تكون توصية بتعليم روحي او نوع من الحياة الروحية ( صلاة، تكريس )،

وممكن ايضاً ان تكون تأكيد لبعض التعاليم او العقائد المسيحية (المحبول بها بلا دنس).

سيدة الوردية تولوز، فرنسا 1213       : القديس عبد الأحد. (القديس دومينيك). تطوير صلاة المسبحة الوردية، والتأكيد على أهميتها في تذليل صعوبات الحياة اليومية ومرضاة الله وفق المعتقدات الكاثوليكية؛ يعترف بهذا الظهور في الكنيسة الكاثوليكية فقط.

سيدة جبل الكرمل: كان القديس سيمون ستوك مكرّماً بشدّة لأمّنا القديسة، وفي 16 يوليو من عام 1251 (عندما كان في السادسة والثمانين من عمره) ظهرت له العذراء مريم حاملةً بيدها ثوباً كتفياًّ بنّيَّ اللون (وهو ثوب فضفاض بلا كُمّين يتدلّى من الكتفين) وقالت له: “استلم يا بنيّ الحبيب، هذا الرداء لرهبنتك: سيكون امتيازاً لك ولكلّ الكرمليّين، أي شخص يموت مرتدياً إياه لن يقاسي النار الأبديّة.” ولفترة من الزمن أُعتبر ثوب الكرمل أحد أكثر الرموز الدينيّة انتشاراً والتي تدلّ على تكريس الذات لمهمّة مريم التي عُبّر عنها في كلماتها الأخيرة المدوّنة في إنجيل يوحنا(2: 5) لكنّ استخدام رموز التكرّس لمريم وحملات الترويج قد تضاءلت بشكل كبير ومؤثّر منذ الستّينات من القرن العشرين. لأكثر من 700 عام، ظلّ ثوب سيدة الكرمل أحد أثمن العطايا وواحداً من الرموز المقدّسة لا تقتصر قيمته على ذلك بل إنه في الحقيقة ثوب أعطي لنا من قبل السيّدة العذراء وجعلنا أولادها المميّزون. إنّ مباركة ثوب سيدة جبل الكرمل وارتداءه يُدرِج اسم الشخص في جمعيّة ثوب الكرمل ويجعله مشتركاً في كلّ الأعمال الروحيّة التي يؤدّيها المكرّسون في رهبنة سيدة جبل الكرمل.

سيدة الورديـة: فـى عام 1479 أعلن البابا سكتيوس الرابع موافقتـه على تلاوة صلوات الورديـة والتى كان قد بدأ فـى ممارستهـا منذ القرن الثالث عشر داخل بعض الرهبانيات. وفى سنة 1883 أصدر البابا لاون الثالث عشر منشوراً للعالم الكاثوليكى يحثـه فيـه على ممارسة تلاوة الـمسبحة طلبـا لمعونـة السيدة العذراء وأمر بدرج لقب “سلطانة الورديـة الـمقدسة” فى طلبة العذراء الـمجيدة.

سيّدة غوادالوبّي (1531): ظهور مريم العذراء فى بلدة Guadalupeبالمكسيك لأحد السكان الأصليين من الهنود الحمر اسمه خوان دييـجو Juan Diegoوكان قد آمن بالـمسيحية على يد الـمرسلين الأسبان، وذلك فى الفترة من 9-12 ديسمبر من عام 1531، وكان فى طريقـة للكنيسة، ولقد طلبت منه القديسة مريم أن يذهب لـمطران البلدة وينقل لـه رسالة من العذراء أن تُقام كنيسة فـى مكان الظهور. وعندما نقل خوان دييجو الرسالة للـمطران أجابـه قائلاً دع السيدة أن تأتـى بعلامـة حتى يمكنـه حملهـا للـمطران لكى يصدقـه. وهنا عاد جوان وقال للعذراء ما قد قيل لـه، وهنا طلبت منـه أن يلتقط بعض الأزهار من مكان الظهور والذى كان من الـمستحيل ظهورهـا لأنـه كان ذلك فى شهر ديسمبر وكان مكان قفر جبلي، وبالفعل وجد خوان الأزهار فقام بقطفهـا ووضعهـا داخـل عباءتـه. وعندما ذهب خوان للـمطران والذى سألـه أين العلامـة فبدأ جوان فـى فرد عباءتـه وهنا وجدوا صورة للعذراء مريـم مطبوعـة على العباءة، ومنذ ذلك الوقت بدأ فـى تكريـم مريم العذراء فـى تلك الـمنطقة والتى كانت قد إعتنقت الـمسيحية حديثاً وبنيت كنيسة فـى مكان ظهور العذراء وأصبح مزاراً ليس فقط لشعب الـمكسيك بل للعالـم أجمع وتم نشر إكرامهـا فـى كل أرجاء الـمكسيك.

 سيدة أبارِسيدا، سيدة البرازيل، مريم العذراء. عيدها، 12 أكتوبر: البرازيل هي أكبر دولة كاثوليكية في العالم. في أكتوبر من عام 1717، كان السيد بيدرو دي ألميديدا، كونت أسومار في طريقه إلى ولاية ميناس جيرايس من ساو باولو. كان عليه أن يمر بمدينة غوارانتينكويتا وهي مدينة صغيرة في وادي نهر بارايبا. قرر أبناء غوارانتينكويتا أن يقيموا احتفالا كبيرا تكريما للكونت وكانت هناك حاجة لكمية كبيرة من السمك. كان بين الصيادين ثلاثة رجال اعتادوا الصلاة إلى سيدة الحبل بلا دنس دائما وهم دومينغوز غارسيا، جوكو آلفيس، وفيليبي بيدروسو. قبل الذهاب للصيد، طلبوا من الله المعونة في هذه المهمة الصعبة، لإيجاد السمك في هذا الوقت الذي لا يتوفر فيه السمك. ركع فيليبي وصلّى مع مرافقيه، “يا أم الله وأمنا، نحتاج لإيجاد السمك”. بعد عدة ساعات من عدم اصطياد أي شيء، أصيب الصيادون بإحباط شديد. فرمى جوكو شبكته أكثر من مرة قرب مرفأ إيتاغواغو ولكن بدلا من السمك، وجدوا جسم تمثال، فرمى الثلاثة الشبكة ثانية ليمسكوا رأس التمثال. بعد تنظيف التمثال وجدوا أنه تمثال سيدة الحبل بلا دنس وأطلقوا على التمثال الذي عثروا عليه اسم سيدة أباريسيدا وقاموا بلفه ببعض قطع الملابس وتابعوا الصيد فامتلأت شبكتهم هذه المرة.

قاموا بغسل التمثال بحرص ووجدوا أنه تمثال سيدة الحبل بلا دنس. وقاموا بلفه ببعض قطع

الملابس وتابعوا الصيد. قال دومينغو: ” لقد عملنا الليل كله ولم نجد سمكا!” فاقترح فيليبي: “

دعونا نتابع الصيد بإيمان وثقة بعذراء أباريسيدا (التي ظهرت).” من تلك اللحظة فصاعدا، أصبحت الشبكة مليئة بالسمك. كانت هذه أول معجزة لسيدة أباريسيدا. قام فيليبي بيدروسو شريك جوكو آلفيس بأخذ التمثال إلى منزله وبدأ بتكريم سيدة أباريسيدا مع عائلته وجيرانه. وفي عام 1732، انتقل إلى بورتو اتاغواسو وأخذ التمثال إلى كنيسته الأولى التي بناها ابنه أتاناسيو. نشر المسافرون صيت وشهرة سيدة أباريسيدا وبدأ الحجاج بالقدوم. ثم قرر الناس بناء كنيسة أكبر على قمة هضبة قرب بورتو أتاغواسو لوضع التمثال فيها، وتم افتتاح الكنيسة عام 1745 عندما تم إحضار التمثال من مكانه السابق ونشأت قرية أباريسيدا كمقاطعة من غوارانتينكويتا

لا يُعرف كيف وصل التمثال إلى قاع النهر، ولكن صانعه معروف وهو الأخ أغوستينو دي جيسو وهو راهب من ساو باولو المعروف ببراعته في فن النحت. لا يتجاوز طول التمثال ستة أقدام وصنع في عام 1650 ولا بد أنه قد بقي في النهر عدة سنوات لأنه قد فقد لون الكروم الأصلي. والتمثال اليوم ذو لون بني غامق لماع ومغطى بغطاء صلب مصنوع من قماش سميك مطرز يسمح لوجهها ويديها فقط بالظهور. وتضع على رأسها تاجا ملكيا مرصعا بأحجار كريمة والذي توّجت به عام 1904. في عام 1930 أعلنها البابا بيوس الثاني عشر الشفيعة الأساسية للبرازيل.

ان عيد سيدة أباريسيدا في 12 أكتوبر هو يوم عيد ديني وعطلة رسمية في البرازيل. قام البابا يوحنا بولس الثاني نفسه بمباركة الكنيسة عام 1980. وقبل زيارته للبرازيل بعدة أيام قام أحدهم بإمساك التمثال ورميه على الأرض بقوة، وعلى الرغم من أن التمثال سهل الكسر تحطم إلى عدة قطع، إلا أن العمل المتقن الذي قام به عدة فنانين أعاد التمثال كما كان وعاد تمثال سيدة أبارسيدا إلى المكان المخصص له في الكاتدرائية. ويزور الكاتدرائية الآن أكثر من خمسة ملايين حاج سنويا. إن سيدة أباريسيدا هي في قلب كل برازيلي والكثريون يحملون اسم أباريسيدا أوأباريسيدو وحده أومع اسم ماريا، خوسيه، أوأسماء أخرى. كما أن الأسم هو جزء من مفردات اللغة العامية كتعبير عن الدهشة.

سيدة لورد 1858: ظهور مريم العذراء الى القديسة برناديت فى بلدة لورد عام 1858، ما بين 11 فبراير و16 مايو من عام 1858، 18 مرة الى فتاة عمرها 14 سنة اسمها “برناديت سوبيرو” فى مغارة بالقرب من بلدة لورد بجنوب فرنسا. ويُعد مزار لورد من أشهر الـمزارات التى يتوافد عليها الحجّاج وخاصة الـمرضى من كل مكان من العالـم للصلاة وطلب الشفاء والحصول على تلك الـمياه العجائبية التى تفجّرت كعلامـة سماويـة لظهور مريم العذراء.

ولدت برناديت سوبيرو في مدينة لورد الفرنسية.عمل والداها فرانسوا ولويز في إدارة طاحونة

للقمح حيث أدرت عليهما ما يكفي من الدخل لإطعام العائلة إلى حين. ولكن مع مرور الزمن وقلة صيانة الطاحونة, تآكل بعض أجزائها, وأصبح الطحين المنتج خشنا وغير مرغوب فيه. فاضطر والداها إلى إغلاق الطاحونة نهائيا, وانضم فرانسوا إلى سوق العمالة يبحث عن من يوظفه بين يوم إلى آخر. تدنى دخل عائلة سوبيرو بعد أن تركوا الطاحونة التي كانت مقر عملهم وإقامتهم, وانتقلوا للعيش في الطابق الأرضي من مبنى السجن القديم الذي كان يتصف بالرطوبة وقلة الإضاءة. عانت برناديت كثيرا من بيئة السكن المزرية, وخاصة أنها كانت تشكو من حالة مزمنة من السعال وضيق التنفس.

انتقلت برناديت بعد ذلك للعيش مع عائلة فرنسية, لكي ترعى ما عندهم من غنم, وتهتم بأمور أطفال العائلة. ومع أنها لم تجد حسن معاملة في مكان إقامتها الجديد, كانت تنظر بلهفة إلى خلوة البرية كراعية لقطيع الغنم, حيث أدت الأيام الطويلة التي قضتها برناديت في الحقول إلى خلق حب الصلاة والتأمل. فكانت تصلي السبحة الوردية, وتتأمل بمخلصها يسوع المسيح كراع صالح يهتم بقطيعه إلى آخر خروف ضال بمحبة وعطف.

بعد أن رجعت برناديت إلى منزل والدها في لورد, التحقت بمدرسة تابعة لراهبات المحبة, حيث تعلمت القراءة والكتابة, وتأهلت من خلال دروس التعليم المسيحي للمناولة الأولى. كانت برناديت ذو شخصية مرحة وجذابة وعيون سوداء كبيرة.

اهتمت برناديت كذلك بمساعدة والدتها في أمور المنزل والبحث عن الحطب وأغصان الأشجار كوقود للطهي والتدفئة. في الحادي والعشرين من شهر فبراير سنة ١٨٥٨ انطلقت برناديت مع أختها توانيت ماري وصديقتها جين لجمع الأغصان الناشفة قرب ضفاف نهر “جيف”, وذلك لحاجة والدتها للوقود. لاحظت جين وجود كمية لا بأس بها من الحطب على الضفة الثانية لجدول يحرك باندفاعه طاحونة حيث تقع مغارة مسابيل. عبرت توانيت وصديقتها جين الجدول إلى الضفة الثانية, بينما ترددت برناديت بسبب حالتها الصحية في عبور المياه الباردة, وأخذت تراقب أختها وصديقتها يجمعان الحطب على الضفة الثانية من الجدول, إلى أن اختفيا عن الأنظار. وفجأة سمعت برناديت دوي صوت ريح قوية. فالتفتت من حولها ولم تلاحظ أي حركة لأوراق الشجر. وبعد أن تكرر صوت الرياح, لاحظت أن جميع ما حولها ساكن باستثناء شجيرة الورد البرية التي كانت تهتز بعنف على مدخل مغارة مسابيل. ثم ظهرت العذراء بعمر ١٦ – ١٧ سنة في تجويف بصخر المغارة فوق شجيرة الورد البرية, مرتدية ثوبا أبيضا ووشاحا أزرقا, ومزينة بزهرة صفراء على كل قدم من قدميها, بينما تدلت المسبحة من يدها اليمنى. ابتسمت العذراء لبرناديت, وأشارت إليها بالاقتراب. أخرجت برناديت المسبحة من جيبها وركعت على ركبتيها, ولكنها لم تستطع رفع يدها لرسم إشارة الصليب أوالبدء بصلاة السبحة الوردية, إلى أن باشرت العذراء أولا برسم إشارة الصليب ونقل المسبحة إلى أصابع يديها. ثم بدأت برناديت وحدها بتلاوة السبحة الوردية, بينما كانت العذراء تمرر حبات المسبحة بين أصابع يديها, إلى أن شاركت بصلاة “المجد” في نهاية كل عقد من السبحة الوردية. لم تشترك العذراء في الصلاة الربانية أوبالسلام الملائكي لعدم حاجتها طلب الخبز اليومي أوطلب غفران خطيئة ما. كذلك لا حاجة للعذراء للسلام على نفسها. لكنها كانت سعيدة بتمجيد الثالوث الأقدس. وذلك عن طريق مشاركة برناديت بصلاة “المجد”.

فور انتهاء الظهور الأول للعذراء, رجعت توانيت وجين محملتين بأغصان الأشجار الناشفة, ليجدا برناديت راكعة على ركبتيها باتجاه مغارة مسابيل. عندها قامت برناديت بعبور الجدول واللحاق بهما, حيث وجدت المياه دافئة, وذلك بأعجوبة إلهية في هذا اليوم من فصل الشتاء البارد. أعلمت برناديت والدتها بما جرى فور وصولهم إلى المنزل, لكن والدتها وصفت قصة برناديت بالأوهام.

سيّدة بونتمان، أمّ الأمل، للعذراء مريم: كان في قرية بونتمان، التي تقع على بعد 30 كيلومتراً من شمال لافال، مزارعٌ يعمل في حظيرته مع ابنيه الصغيرين، أوجين بارباديت البالغ من العمر 12 سنة وجوزيف بارباديت البالغ من العمر 10 سنوات. وفي مساء السابع عشر من يناير عام 1871، وبينما كان الولدان يساعدان أباهما في الحظيرة توجّه الابن الأكبر أوجين نحو الباب ليطلّ خارجه. وحينما كان يحدّق في النجوم التي ترصع السماء لاحظ مساحةً خالية من النجوم فوق البيت المجاور. وفجأة ظهرت سيّدة جميلة تبتسم له إلا أنّ والده لم يرَ سوى ثلاثة نجوم لامعة كبيرة تشكّل مثلّثاً في السماء بينما استطاع أخوه جوزيف رؤية تلك السيّدة. كانت تلبس ثوباً طويلاً منثور عليه نجوم ذهبيّة وحجاباً أسود يعلوه تاجٌ ذهبيّ بعرض 20 سم مزدان بشريط أحمر في منتصفه وتنتعل حذاءً أزرق. وقد فتحت يداها بالشكل الذي بانت عليه في الصورة على ميداليّة المعجزة. وبشجاعة تامّة قاما بمناداة والدتهما، لكنّها لم تستطع مشاهدة ما شاهدوه حتى عندما رجعت للمنزل لجلب نظّارتها.

بعد ذلك، قال الأهل أنه لم يكن هناك شيء، ويجب على الأبناء متابعة عملهم ثم العودة الى المنزل لتناول طعام العشاء. وحتى بعد أن تناولا وجبة سريعة، ما زالا قادران على رؤية تلك السيّدة الجميلة، فقاما باستدعاء الأخوات في المدرسة لكنهنّ لم يرَوا شيئاً وبقيت العذراء في مكانها دون حراك وهي تبتسم للولدان حتى التاسعة مساءً. اجتمع الأطفال مع كاهن الأبرشيّة والرعيّة واستهلّ الأب غيرين بصلاةٍ للورديّة. وفي هذه اللحظة كبر حجم السيّدة وازداد عدد النجوم التي تزيّن ثوبها وتجلّت رايةٌ مضيئةٌ تحت قدميها. بعد ذلك أتت فتاتان من المدرسة الداخليّة وهما فرانسواز ريتشير البالغة من العمر 11 سنة وجانّي ماري لوبوس البالغة 9 سنوات وشاهدتا السيدة، وعندها ازداد عدد الجمع ووصل الى 60 بالغاً بدؤوا جميعهم بصلاة الورديّة بطلبٍ من الكاهن.حينما بدأ كاهن أبرشيّة بونتمان بالصلاة ظهرت حروف ذهبيّة رائعة على الراية بصورة متعاقبة وكأن يداً خفيّة تقوم بكتابتها. ثم قام أطفال القرية بقول الأحرف التي تظهر واحدةً تلو الأخرى وحينما اكتملت جميعها قرءوا الجملة التالية:”لكن يا أطفالي صلّوا أرجوكم”

سيدة الأيقونـة العجائبيـة: الايقونة العجائبية تعود في الاصل الى الظهورات المريمية في كنيسة بشارع دي باك في باريس يوم السبت الموافق 27 نوفمبر1830، فلقد ظهرت العذراء مريم لراهبة مبتدئة من راهبات “اخوات الرحمة للقديس منصور دى بول” بفرنسا، اسمها كاترين لابوريـه، وكانت العذراء واقفة على الكرة الأرضية وتدوس بقدميها الحيّة ويدها ممتدة لأسفل ويخرج منها أشعة مضيئة، وكان مكتوباً أسفل الكرة بكتابة ذهبية هذه الكلمات:”يا مريـم، يا من حبلت بلا خطيئة صلّي لأجلنا نحن الـملتجئين إليكِ”. ولقد طلبت منها العذراء أن تعمل أيقونة رسمتها لها هي بنفسها “احفري ايقونة على هذا النحو”، على أن يكون عليها صورة العذراء من جهة والجهة الأخرى عليها صليب وحرف M فوق قلبين واحد ليسوع ومحاط بإكليل الشوك والآخر لـمريم ومغروس بداخله سيف. ولقد قالت العذراء “كل من يحملها بثقة ينال نعما كبيرة”. وفى عام 1832 بدأ فى نشر هذه الأيقونة إنتشارا واسعا وخاصة فى منطقة باريس والتى كان بها وباء الكوليرا الذى أطاح بأكثر من 20 الف فى أقل من شهر واحد، ولكن كل من حمل تلك الأيقونة لم يمت. ولقد إنتشر سر تلك الأيقونة العجائبية فى كل أنحاء العالـم، بعد حصول كل من يحملها بإيمان ويكرّم العذراء ينال نعماً لاتحصى.

سيدة روما، سيدة المعجزة، 1842: ثمَ ظهرت السيدة العذراء على رجل يكره الدين المسيحيّ؟ وُلد ماري ألفونس راتيسبون في ستراسبيرغ في فرنسا في الأول من مايو عام 1814. كان ابناً ووريثاً لعائلة يهوديّة غنيّة وأرستقراطية تعمل في مجال البنوك. وحينما كان ما يزال طفلاً اعتنق أخاه الأكبر ثيودور الكاثوليكية وأصبح كاهناً. استقبلت عائلة راتيسبون ذلك بعدائيّة مريعة وعزم ألفونس ألا تكون هناك صلةٌ بينه وبين أخاه الأكبر كما نشأ في داخله بُغضٌ كبير للكاثوليكية وكل ما هو كاثوليكيّ. وعندما بلغ ألفونس الثامنة والعشرين من العمر في عام 1842، قام بخطبة ابنة عمّه فلور راتيسبون، وقرّر الزواج منها في أغسطس القادم. وفي الفترة التي سبقت الزواج، قام بجولة في أوروبا والشرق للاستمتاع واستعادة النشاط أيضاً. فكانت تلك الرحلة ترويحاً عن النفس قبل أن يستقر مع فلور ويدخل شريكاً في البنك مع عمّه. كما قرّر السفر الى نابلس لقضاء فصل الشتاء في مالطا لاستعادة عافيته.

أضاع ألفونس طريقه في نابلس، فبدلاً من أن يتوجّه الى مكتب الحجوزات (للسفر الى باليرمو كما كان محدّداً)، وصل الى مركز الحافلات المتوجّهة نحو روما. وبالرغم من معرفته بذلك، إلا أنّه بقي هناك وحجز رحلة بالباخرة الى روما. غادر ألفونس نابلس في الخامس من الشهر ووصل الى روما في السادس من الشهر، وهو يوم عيد الملوك الثلاثة. فتجوّل في روما لرؤية ما تحويه من متاحف وآثار رائعة. وفي الثامن من يناير ناداه أحد الأشخاص باسمه وهو يسير في الشارع. وكان ذلك الشخص زميلاً قديماً له من ستراسبيرغ، واسمه غوستافو دو بوسييري وهو بروستانتيّ. فأخذا يتذكّران الأيام الخوالي لصداقتهما. وبعد ذلك، حينما ذهب ألفونس للقاء غوستافو تلاقى صدفةً بأخيه الثاني الأكبر البارون ثيودور دو بوسييري، وهو معتنق للكاثوليكية وصديق حميم لأخ ألفونس الكاهن. شعر ألفونس ببغض نحو التحول الكاثوليكي المتحمّس من قبلهم، لكنه كان على علم بأن البارون خبير بإسطنبول التي ينوي زيارتها عن قريب فقبل أن يزوره لأخذ النصيحة منه في ذلك الموضوع. كان دو بوسييري يرى أن مهمّته في هذه الحياة أن يحوّل كل غير مؤمن يسلك طريقه في الحياة الى الكاثوليكيّة. فأصبح هو وراتيسبون أصدقاء إلا أن سخرية وتجديف راتيسبون كان يغضبه كثيراً.وأخيراً، اقترح البارون على ألفونس اقتراحاً غريباً. “بما أنك تمقت الخرافات بشدّة، وتعتنق أفكاراً متحرّرة، هل تقبل الخضوع لامتحان بسيط؟” “ما هو هذا الاختبار؟” “أن ترتدي شيئاً سأعطيك إيّاه. وهو ميدالية مريم العذراء المقدّسة. بلا شكّ سيكون ذلك عملاً سخيفاً في نظرك. لكنّه هامٌ للغاية بالنسبة إلي”. ثم أراه ميدالية المعجزة الملحقة بحبل. فشُدِه ألفونس وكان من الصعب عليه تصديق مدى وقاحة البارون. لكن باعتباره رجلاً في هذا العالم أراد أن لا يولي هذه الأمور التافهة اهتماماً كبيراً أمام الآخرين فقبل عمل ذلك مستشهداً بجملة من حكايات هوفمان: “إن لم تنفعني، على الأقل لن تضرّني”. ثم وضعت ابنة البارون الصغيرة ميدالية المعجزة حول عنق ألفونس فانفجر ضاحكاً: “ها أنا هنا، روميّ، كاثوليكيّ بابويّ!” لكن ذلك لم يكن كافياً لدو بوسييري فقال له: “والآن، يجب عليك إكمال الامتحان. يتوجّب عليك في كل صباح ومساء تلاوة صلاة قصيرة وفعّالة قامت برناديت بتأليفها للسيدة العذراء”. وقال راتيسبون: “فليكن! أعدك أن أتلو هذه الصلاة. فإن لم تنفعني، لن تضرّني”.

في الحقيقة، بدأت هداية البارون الصارمة تؤثّر على أعصاب ألفونس. وبدلاً من جذبه نحو الكاثوليكيّة أدّت الى نفوره أكثر. ومع ذلك ثابر البارون بكلّ شجاعة وواصل ما بدأ بعمله، كما أنه لم يعتمد على المناقشة فقط بل قام بالصلاة له بحرارة مع أصدقاءه أيضا، بالإضافة الى الأعضاء الزملاء في جماعة المغتربين الفرنسيّين الأرستقراطيين في روما. ويجدر ذكر أن الكونت لافيرونايز من بين هؤلاء الأصدقاء، وهو دبلوماسي سابق كان طالحاً لكنه أصبح الآن كاثوليكياً صالحاً وتقيّاً. وبالتماس من البارون دخل الكونت الكنيسة وصلى بحرارة لألفونس أكثر من 20 صلاة لكي يهتدي. وفي المساء ذاته أصيب الكونت بنوبة قلبية مميتة بعد أن تناول القربان المقدّس الأخير، وتوفي بخشوع محاطاً بعائلته المحبّة.

وفي منتصف نهار اليوم العشرين من شهر يناير عام 1842، وعندما كان يحضّر البارون لمراسم دفن صديقه الكونت لافيرونايز في كاتدرائية سان أندريا ديل فراتي في روما، طلب من راتيسبون أن ينتظره داخل الكنيسة. وحينما عاد البارون الى الكنيسة شاهد راتيسبون وهو راكع على ركبتيه يصلي. وقد دفعه هذا المشهد الى البكاء. ووفقاً لما قاله راتيسبون: “كنت أقف في الكنيسة بصعوبة حينها اعتراني ارتباك شديد. وحينما نظرت عالياً، بدا لي أن الكنيسة بأكملها قد عمّها الظلام، ما عدا المصلّى حيث تركّز كلّ الضوء عليه. وكنت أنظر باتجاه ذلك المكان حينما شعّ نورٌ قويٌّ منه، وفوق المذبح كان هناك شخص حيّ، طويل، مهيب، جميل ومليء بالرحمة. كان ذلك العذراء مريم المقدّسة، التي شابهة بصورتها الصورة على ميدالية المعجزة. وحينما رأيت هذا المشهد ركعت في المكان الذي كنت واقفاً فيه غير قادرٍ على النظر الى الأعلى بسبب الضوء القويّ. وقد ثبّتّ نظري على يديها ومن خلالهما استطعت قراءة تعابير الرحمة والمغفرة. وبوجود العذراء المقدّسة وبالرغم من عدم تفوّهها بأية كلمة لي، فهمت الوضع الكريه الذي كنت فيه، والأخطاء التي ارتكبتها وجمال الإيمان الكاثوليكيّ.

سيدة لا ساليت 1846، دعونا نمسح دموعها: ظهرت السيدة العذراء مريم مرّة أخرى في يوم عيد سيدة الأحزان الموافق التاسع عشر من سبتمبر من عام 1846 في قرية صغيرة تدعى لا ساليت ؛ تقع بالقرب من قرية كوربس، التي ترتفع 1800 متر عن مستوى سطح البحر وتبعد نحو 35 كيلومتراً عن غرينوبل في فرنسا. وتمّ هذا الظهور على طفلةٍ وطفل تعرّفا على بعضهما البعض من يومين فقط وكانا يرعيان الماشية واسمهما: ميلاني كالفات البالغة من العمر 15 سنة وماكسيمين جيرود البالغ من العمر 11 سنة. ووصفت ميلاني ما حدث لها قائلةً: “وأنا على التلّة رأيت الأبقار مستلقية وتمضغ العشب بهدوء. توجّهت نحو الأسفل بينما حاول ماكسيمين الصعود. وفجأةً شاهدت ضوءاً رائعاً أزهى من ضوء الشمس وشعرت بمحبّة تعمّ المكان وتبجيل هائل. ومن خلال الضوء شاهدت امرأة جميلةً تسند وجهها بكلتي يديها. ووقفت السيدة قائلةً: اقتربا منّي يا طفلاي، لا تخافا، جئت لأطلعكما على أخبار هامة. دُهش الطفلان من رؤية تلك السيدة والحزن بادٍ على وجهها والدموع تنهمر من عينيها. لقد بدأت بالتحدث معهم بالفرنسية لكن ما لبثت أن حدّثتهم بلهجتهم المحليّة. تكلّمت عن أن الناس لا يجب أن يخصّصوا يوم الأحد فقط للراحة وعدم إطاعة نواميس الله. وقد كانت كلماتها مؤثّرة وهامّة: “إن لم يطع الناس الله، سأكون مجبرةً على ترك ابني يفعل ما يشاء”. وتشير هذه الكلمات الى أيام العالم الأخيرة. وقد أظهرت تعابير السيدة المقدّسة الحزينة ودموعها وكلماتها مدى اهتمامها وتعاطفها مع الناس جميعاً. “

لن تستطيعوا إيفائي حقّي على ما فعلته من أجلكم”، وطلبت منّا أن نصلّي كثيراً لخلاص العالم وأن نعترف بأخطائنا ونبتعد عن السبل الشيطانيّة التي نسلكها وأن نكفّر عن خطايانا ونصلّي. وقد أشارت في حديثها عند ظهورها في لا ساليت عن النعم العظيمة والرحمة التي تجلبها صلاة الورديّة المقدّسة ورجتنا قائلة: “استرضوا الله”. وخلال تلك الفترة التي ظهرت فيها العذراء على الطفلين أطلعت كلُّ واحدٍ منهم على حدة على سرّ. حيث استقبل ماكسيمين السر أولاً ثم أطلعت السيدة العذراء ميلاني على السر الآخر. وعندما كانت تتحدّث السيدة المقدسة الى ماكسيمين، رأتها ميلاني وهي تحرّك شفتيها لكنّها لم تفهم ما كانت تقوله. قالت ميلاني أن السرّين قد تمّ تدوينهما على ورقة سُلّمت باليد الى البابا بيّوس الحادي عشر في عام 1851. ولم يفصح ماكسيمين عن السر الذي قيل له، وقد توفّي قبل أن يقوله. وأعطى الكاردينال أنتونيلي نسخة من السر الى كونتس كليرمونت-تونيري. أ. بيلادين والتي نشرها بدوره في “سجلات الظواهر غير الطبيعيّة” (أنالي دو سورناتوريل) في 1888. وهنا يمكنك الإطّلاع على بعض هذه الأسرار: سيفقد ثلاثة أرباع سكان فرنسا إيمانهم. ستتوب وتعلن الطائفة البروتستانتيّة في الشمال إيمانها وبسبب ذلك ستعود طوائف أخرى الى الإيمان أيضاً. ستنمو الكنيسة وتزدهر مرة أخرى. سيزعج هذا السلام بعد ذلك “قوّة مهدّدة هائلة”! ستأتي في نهاية القرن التاسع عشر أوفي آخر القرن العشرين.

سيدة بيليفوازان، إيستيل فاغيت 1876 –خمسة عشرة ظهور للعذراء

وُلدت إيستيل فاغيت في سان ميمي التي تقع بالقرب من شالون-سور-مارن في الثاني عشر من سبتمبر عام 1843. وتعمّدت في السابع عشر من الشهر نفسه. وفي بداية عام 1876، في قرية بيليفوازان مقاطعة إندر، رقدت إيستيل البالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً في الفراش معانيةّ من مرض السل الذي نتج عنه التهاب حاد وورم في البطن. وفي العاشر من فبراير عام 1876، منحها أحد الأطباء الإستشاريّين واسمه بيرنارد ساعات قليلة إضافيّة للعيش. وفي ليلة الرابع عشر وليلة الخامس عشر من فبراير، شهدت إيستيل ظهور العذراء المقدسة مريم الذي لحقت به ظهورات أخرى خلال السنة. الظهور الأول في بيليفوازان ليلة الرابع عشر وليلة الخامس عشر من فبراير عام 1876: بدأ الجزء الأول من الظهورات في بيليفوازان في ليلة الرابع عشر من فبراير عام 1876. وقد ظهر لإيستيل شيطان عند نهاية سريرها. وبعد أن لمحته رأت العذراء مريم واقفةً عند جانب السرير. ووبّخت السيدة العذراء الشيطان فغادر على الفور. وبعد ذلك نظرت السيدة الى إيستيل وقالت لها: “لا تخافي، أنت ابنتي”. كما قالت لها أن تتحلى بالشجاعة لمواجهة المعاناة التي ستدوم لخمسة أيام إضافيّة وذلك إجلالاً لجروحات المسيح الخمسة. وفي يوم السبت إما ستموت أوستُشفى.

سيدة نوك، ايرلندا 1879: تقع مقاطعة مايو في غرب ايرلندا، وقد عانت من محنة عظيمة في فترة 1870. حيث حدثت اضطرابات اقتصادية ومجاعات أدّت الى هجرة العديد من الإيرلنديّين. وفي تلك الظروف بعث الله أمه مرّة أخرى لزيارة أطفاله المظلومين.

وقع هذا الظهور في نوك في الواحد والعشرين من أغسطس من عام 1879، أي بعد ثمانية أعوام من ظهور العذراء في بونتمان في عام 1871. وبدا أن الظهورين متشابهين بشكل واضح، حيث أن كليهما قد حدثا في المساء وداما مدة ثلاث ساعات أوما الى ذلك كما لم

تُنطق أية كلمة في هذين الظهورين.

وفي مساء الخميس الموافق 21 من أغسطس عام 1879، كانت هناك امرأتان وهما ماري ماكلوغلين وماري بيرن من قرية نوك الصغيرة، تسيران تحت المطر راجعتين الى بيتهما مروراً من خلف الكنيسة. وهناك أمام جدار الكنيسة وقفت السيدة العذراء مريم، والقديس يوسف، والقديس جون المبشّر، وظهر مذبح وُضع عليه حمل وصليب. وكانت الملائكة تطير حول المذبح. نادت المرأتان أشخاصاً عدّة للمجيء الى الكنيسة. فرأوا هذا الظهور بأمّ أعينهم. وما رأته المرأتان مع الثلاثين شخصاً في ذلك اليوم، كان سيّدة جميلة ترتدي ثوباً أبيض وتاجاً لامعاً. وكانت يداها مرفوعتان كما في وضعية الصلاة. وكلّ من شاهد هذه المرأة عرف أنها مريم العذراء المقدّسة، والدة يسوع وملكة الملائكة. كما وصرّح القرويّون الذين لم يكونوا في مكان وقوع الظهور أنّهم شاهدوا ضوءاً مشرقاً يحيط بتلك المساحة حيث تقع الكنيسة. وفي تقارير لاحقة دوّنت شفاءات لا يمكن تفسيرها صاحبت الزيارة التي تمّت من قبل القديسين الى

الكنيسة في نوك. صدّق الكرسي الرسولي على الظهور عام 1936

وملخص الرسالة هي الحث على المواظبة على حضور القداس الإلهي والصلاة إضافة إلى الدعوة للتوبة؛ حصلت عدد من العجائب وحالات الشفاء إثر هذا الظهور وفقًا للمعتقدات الكاثوليكية؛ وقد كان السبب الرئيس لمبادرة البابا بيوس الثاني عشر بتطويب مريم سلطانة للسماء والأرض.

سيدة فاطيما 1917: ظهور القديسة مريـم فى بلدة فاطيـما بالبرتغال. ففـى خضم الحرب العالـمية الأولـى وفى بلدة فاطيـما بالبرتغال ظهرت القديسة مريم لثلاث أطفال كانوا يرعون الغنـم فـى تلك الـمنطقة وهـم: “لوتشيـا” Lucia de Santos وعمرها عشر سنوات، و”فرانشيسكو” Francisco وعمره تسع سنوات و”جيسانتـا” وعمرهـا سبع سنوات وكان هذا بالتحديد يوم 13 مايو 1917. لقد وصفت “لوتشيا” الرؤيـة قائلـة:”بأنهم رأوا سيدة جميلة من السماء، كان نورهـا أسطع من الشمس واقفة على سحابـة فوق شجرة دائـمة الإخضرار، وطلبت منهم السيّدة أن تلتقى بهم فى نفس الـمكان وذلك فى اليوم الثالث عشر من كل شهر من الشهور التاليـة وحتى شهر أكتوبـر لأنهـا تريد أن تعرّفهم بذاتهـا وطلبت منهم الصلاة من أجل الخطـأة”، ثم إختفت. وبالفعل ترددوا الفتيـة الثلاث على الـمكان حسب الـموعد الـمحدد بالرغم من الإرتياب الذى كان باديـاً من أهل القريـة بخصوص الرؤيـة. وحسب الوعد فقد تكررت الرؤيـة ست مرات خلال الفترة من 13 مايو وحتى 13 أكتوبـر من عام 1917، وسرعان ما إنتشر نبأ هذا الحدث العجيب وبدأ يتزايد عدد الـمشاهدين حتى وصل الى أكثر من خمسين ألفاً فـى الرؤيـة الأخيرة، وخاصة عندما أبلغتهم السيدة العذراء انهم سيشاهدون أعجوبـة كعلامـة للناس إثباتـاً بأن هذه الأحداث حقيقة. وفى يوم 13 اكتوبـر هرعت الجموع بلهفـة متجهة الى موقع الرؤية على الرغم من سيول الأمطار. وظهرت للفتيـّة الثلاث الصورة الـمضيئة للسيدة التى أرادت أن تكشف عن ذاتهـا بقولهـا لهم:”أنـا سيّدة الورديـة”، وبغتـة توقفت الأمطار ثم ظهرت الشمس، وشوهد قُرص الشمس وهو يدور لولبيـاً بسرعة مذهلة نحو الأرض، ففزع الجميع وخرّوا على الأرض ساجدين ومصلّيـن، وفى لـمح البصر عادت الشمس وإرتفعت الى موقعهـا الطبيعـي. وفى عامي 1918 و1919 توفيـا فرانشيسكو وأخته جيسانتا كما أعلنت لهـما العذراء من قبل، امـا لوتشيا فقد إلتحقت بالرهبنـة وعاشت مكرسة نفسها للـه ولـمريم العذراء. وتعاقب باباوات الكنيسة فـى الإعتراف بهذا الظهور وحث الـمؤمنيـن على تلاوة الـمسبحة الورديـة.

سيدة بوراينغ \ بوراين، بلجيكا 1932 أنا العذراء النقيّة

في المرّات القليلة الأولى التي ظهرت فيها العذراء مريم المقدّسة في بوراين، كانت على مقرُبة من خمسة أطفال وهم: أندري ديجيمبر البالغ من العمر 15 سنة، وأخته غيلبيرت البالغة 9 سنوات، وفرناند فوازين البالغة 15 سنة، وأختها غيلبيرت البالغة 11 سنة، وأخاها ألبيرت البالغ 13 سنة؛ إلا أنّها لازمت الصمت لفترة قبل أن تظهر لهم. وفور حدوث ذلك ركع الأطفال لا إرادياً ما أدى الى ارتطام ركبهم بالأرض، لكن ذلك لم يترك أية ندوب.

ظهرت العذراء مريم في بوراين أكثر من 30 مرة. ووقعت أولى الظهورات في التاسع عشر من

نوفمبر من عام 1932، أما الأخيرة ففي الثالث من يناير من عام 1933. وحينما تحدّث الأطفال عمّا رأوه لم يصدّقهم أحد، كما حدث في معظم الأماكن التي ظهرت فيها العذراء مريم. ومنعتهم الراهبات في المدرسة الداخليّة الملتحقين بها من التحدث بهذا الأمر ولم يأبهن أبداً بما كان الأطفال يطلعونهم عليه. لكن في الظهور الرابع، قامت مريم العذراء بالتوجه الى المبنى الجديد حيث تقطن الراهبات وتوقّفت عند شجيرة الزعرور البريّ. ثم فتحت يديها لإلقاء التحيّة وابتسمت وبعدها اختفت. لم يكن أندري، وغيلبيرت، وفرناند، وغولبيرت، وألبيرت طلاّباً قاطنين في المدرسة الداخليّة، فطلبت الأم السماويّة منهم بقاء الأمسية التالية في منازلهم وامتثل الأطفال لطلبها وقضَوا تلك الليلة بتلاوة الصلاة والالتماس.

حدثت جميع الظهورات في بوراين في المساء، نظراً لتواجد العديد من الناس في الدير في ذلك الوقت. وفي الأيام الأولى، كانت السيدة المقدّسة تنتظر الأطفال وتظهر لهم في الوقت الذي يقومون فيه بصلاة الورديّة. وعندما رآها الأطفال، علا صوتهم مصلّين بنسقٍ واحد. وقد صلى المئات من الناس معهم أيضاً. وعند سماع الراهبات لذلك، قُمن وبأمر من الشماس بإبقاء أبواب الدير مقفلة ولم يظهرن للعيان. في الصباح الباكر للثامن من ديسمبر، حضر عدد كبير من الناس للاعتراف، وبدى واضحاً أن قسماً كبيراً منهم كانوا من المهتدين. كما ذهب عدد لا حصر له لتناول القربان المقدّس. وبعد القدّاس أُقيم زيّاح الى شجيرة الزعرور البريّ. وقد كانت هناك حافلات آتية من شارليروا، وميرزيير، وجيفيت، ودينانت، ونامور وسانت هوبيرت وبروسيلز. وازدادت رحلات القطارات الآتية من دينانت وأردينان.

في الساعة الثالثة بعد الظهر امتلأت أرض الدير والشارع بحشد غفير من الناس. وحافظت الشرطة على الوضع بينما قام الناس بالترتيل مردّدين، “طوّقي بيديك المقدّستين بلجيكا”. وتوهّجت المساحة حول شجيرة الزعرور البريّ بالشموع المضاءة. ثم أُقفلت الأبواب المؤدّية الى الدير. واستُنفذت جميع الشموع، واستمر رجال الشرطة بحراسة المكان لحماية ممتلكات الراهبات ومنع الناس من اقتحام الدير. وفي الساعة السادسة مساءً وصل الأطفال وسُمع هتاف مفاده: “إنّها هنا!!! فركعوا جميعاً، مصلين وهاتفين باسمها طالبين منها التحدّث. لكنها لم تتفوّه بأية كلمة، فقط ابتسمت. ثم قاموا جميعاً بتلاوة المسبحة بأكملها وظلّ ظهورها مرئياً خلال ذلك

الوقت”. وعد بوراين العظيم: “سأقوم بهداية الخطأة”  

سيّدة بونّو، أنا عذراء الفقراء، بلجيكا 1933: اختارت العذراء مريم المقدّسة في عام 1933 طفلةً تبلغ من العمر 11 سنة من بونّو لنقل رسائلها وتوصياتها. وُلدت مارييت بيكو في بونّو في الخامس والعشرين من مارس عام 1921 وكانت الابنة الكبرى في عائلة فقيرة مكوّنة من 7 أطفال يقطنون في منزل يقع على بعد ميل من الكنيسة المبنيّة في منطقة مستنقعيّة. وفي الناحية الأخرى من الشارع تظهر غابة الصنوبر التي تمتدّ حتى تصل الى ايفيل. اول ظهور، بونّو، يوم الأحد الموافق 15 من يناير:غطّى الثلج الأرض وجلست مارييت بيكو بالقرب من نافذة المطبخ لتنظر الى الحديقة الصغيرة. كانت السابعة مساءً وهي تنتظر أخوها جوليان الذي كان من المتوجّب أن يعود الى المنزل باكراً. وبينما كانت تنتظره كانت تعتني بالطفل الموجود بالمهد أيضاً. وتجدر الإشارة الى أن هذه العائلة الكاثوليكيّة وبالرغم من أن أفرادها لا يقصدون الكنيسة أبداً أويصلّون إلا أن مارييت كان لها ميول دينيّة فذات مرّة وهي في طريقها الى تانكريمونت وجدت مسبحة فقامت بحملها معها أينما ذهبت. وبينما هي جالسة تحدّق في الظلام، شاهدت فجأة وعلى بعد أمتار قليلة منها سيّدة شابّة يشع منها الضوء وكانت على قدرٍ كبير من الجمال. فصاحت مارييت: “أمي انظري إنها سيدتنا المقدّسة، إنها تبتسم لي”. وما لبثت أن أخرجت المسبحة وباشرت بصلاتها، مع التحديق بالسيدة. أومأت السيدة الى مارييت للمجيء إليها، فوقفت مارييت وهمّت بالخروج، لكن أمها التي لم تستطع رؤية شيء اشتبهت بأن تلك السيدة من الممكن أن تكون ساحرة. فمنعت

مارييت من فتح الباب وأحكمت إغلاقه. رجعت مارييت الى النافذة لكن السيدة اختفت.

مريم العذراء الباكية في سيراكيوس 1953 : لم تظهر الأم العذراء المقدّسة في سيراكيوس، لكنها أرسلت دموعها الى الناس هناك تزوّجت أنتونينا بأنجيلو جانوسو وذهبا للعيش مؤقّتاً عند أمّه وأخيه في سيراكيوس التي تقع في صقلّية، الجزيرة الإيطاليّة الكبيرة. كانوا فقراء جداً، وإحدى هدايا زواجهما كانت لوحة جصيّة للسيدة العذراء. كانت هذه المنحوتة أواللوحة الجصيّة التي تصوّر قلب مريم النقيّ منتجة بكميّات كبيرة في أستوديو في توسكاني. وحينما اكتشفت أنتونيا أنها حامل، ترافقت حالتها هذه مع حالة تسمّم في الدم تؤدي الى تشنّجات ينتج عنها عماً مؤقتاً. وقد عزى الطبيب ذلك الى الحمل الصعب ونصحها بالاسترخاء على السرير. ولم تجد أنتونيا ملجأً لها سوى الصلاة.

أُصيبت في التاسع والعشرين من شهر أغسطس عام 1953 بمغص حاد دام لفترة أطول من

المعتاد. فأراد الأشخاص الذين كانوا معها إحضار الطبيب وزوجها. وفجأة هدأت المريضة. لقد عانت أنتونينا من نوبة أصابتها بالعمى. وفي الساعة الثامنة والنصف عاد إليها بصرها. وقالت أنتونينا: “فتحت عيني وحدّقت بصورة مريم العذراء المعلّقة فوق رأس السرير. ولدهشتي العظيمة رأيت الصورة تبكي. ناديت أخت زوجي غرازي وخالتي أنتونينا سغارلاتاالتي جلست بجانبي لأُريهما الدموع. في البداية اعتقدتا أنني أُهلوس نظراً لحالتي المرضيّة لكن عندما أصرّيت اقتربتا من الصورة ليَرَيا وبصورة واضحة الدموع وهي تنهمر من عيني مريم العذراء، على خدودها ساقطةً على مقدًمة السرير. ومن شدة الوهلة أخذتا الصورة خارجاً ونادتا الجيران الذين أكّدوا بدورهم هذه الظاهرة..”

شهدت كلّ من خالتها وأخت زوجها هذه المعجزة. ورأى باقي أعضاء العائلة ذلك أيضاً. لقد بقيت أنتونيا تراقب صورة السيدة العذراء المقدّسة لعدّة ساعات الى أن حصلت المعجزة حينها حاولت مسح دموع العذراء المقدّسة أولاً باستخدام منديل وثانياً بالقطن الطبي. واستمرّت مريم بالبكاء لأربعة أيام من التاسع والعشرين من أغسطس الى الأول من سبتمبر لأسباب مختلفة واجتذبت الآلاف من الحجاج الى سيراكيوس. وزار ثلاثة كهنة البيت خلال ذلك الوقت. وقد أعلم أحدهم المحكمة العليا، والتي جمعت بدورها كهنة بارزين، أربعة علماء، وثلاثة شاهدين محترمين من أجل تأليف هيئة للتحري. اجتمعت الهيئة في منزل جانوسو في صباح يوم الثلاثاء الموافق الواحد من سبتمبر من أجل دراسة هذه الظاهرة وجمع عينة من الدموع للتحليل الكيميائي. وبعد تحليل هذه الدموع، وُجد أنها مشابهة بتركيبتها للدموع الانسانيّة. الدموع هي دموع إنسانية وقد دُعّم ذلك بالوثائق التي أُمهرت بالتوقيع من قبل أربعة أطباء مختلفين

سيدة كنيسة الزيتون(صدقت عليه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 4 مايو 1968 (القاهرة، مصر2 أبريل و3 أبريل  1968)..يعترف بهذا الظهور في الكنائس الأرثوذكسية المشرقية بنوع خاص في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد صرح البابا كيرلس السادس في أعقابه: هذا الظهور بشير خير، وعلامة من السماء على أن الرب معنا، وأنه سيكون في نصرتنا، ولن يتركنا. وقد ترافق الظهور بحالات شفاء عديدة؛ وعلى عكس أغلب الظهورات حيث تظهر العذراء لأشخاص بعينهم فقد كان هذا الظهور شاملاً بحيث رآه جميع من كان متواجدًا.     

سيدة مدغوريه

في مديوغوريه (سيتلوك، البوسنة والهرسك)، أثبت بحزم ستّة شهود موثوق بهم بعد القسم ولفترة طويلة حتى الآن، أنّ الطوباوية السّيّدة العذراء أو “الغوسبا” (ملكة السلام والمصالحة)، كما تُعْرف بمودّةٍ هنا، كانت تظهر لهم كلّ يوم منذ 24 حزيران/ يونيو 1981 وما زالت تظهر حتّى أيامنا هذه.

السير مع مريم في حياتنا اليومية

ان أوامر مريم للخدام في غُرس قانا الجليل:”مهما قال لكم فافعاوه”(يو5:2)- هي اخر كلماتها المسجلة في الأنجيل المقدس، وهي كأنها آخر رغبة ومقولة لجميعنا لمن يرغب ان يتبع المسيح. من خلال تلك الكلمات تطلب منا مريم ان نثق في يسوع بالكامل كما سلّمت هي نفسها لخطة الله خطوة بخطوة خلال حياتها كخادمة متواضعة للرب.

أولا، كلمات مريم للخدام في حفلة العُرس في قانا هي طاعة نموذجية مقدمة من شعب الله يحيون تحت العهد في العهد القديم، فمثلا موضوع عمل “كل ما يقول لك” يظهر ثلاث مرات عندما اسسوا العهد مع “يهوة” على جبل سيناء، فعندما اعلن موسى أولا للشعب مهامهم وواجباتهم كما اعلنها لهم الرب كشعب مختار كانت مجاوبتهم لها هي:” فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ مَعًا وَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ»(خروج8:19)، وعندما أسس الله هذا العهد مع إسرائيل في احتفال شفهي في سيناء اعلن موسى بشكل رسمي كلمات الرب للشعب و جمهور الشعب مرة أخرى أجاب مرتان:” فَجَاءَ مُوسَى وَحَدَّثَ الشَّعْبَ بِجَمِيعِ أَقْوَالِ الرَّبِّ وَجَمِيعِ الأَحْكَامِ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا: «كُلُّ الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ»(خروج3:24) و “وَأَخَذَ كِتَابَ الْعَهْدِ وَقَرَأَ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ، فَقَالُوا: «كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ وَنَسْمَعُ لَهُ»(خروج7:24).

نفس الكلمات قد تم تكرارها في تاريخ شعب إسرائيل عندما جدد الشعب غهدهم في ارض الموعد:” فَقَالَ الشَّعْبُ لِيَشُوعَ: «الرَّبَّ إِلهَنَا نَعْبُدُ وَلِصَوْتِهِ نَسْمَعُ»(يشوع24:24)، وبعد ذلك عندما بدء في إعادة بناء أورشليم بعد السبي في بابل “فَقَالُوا: «نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ. هكَذَا نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ»(نحميا 12:5)، وهكذا ففي اللحظات المحورية في تاريخ إسرائيل- العج في سيناء والدخول الى ارض الميعاد وفي إعادة بناء اورشليم- يُفعل مهما قال الله هو أساس ومرتبط عن فرض بعد الطاعة.

هذا يلقي بظل نوره على كلمات مريم قي عُرس قانا، ففي فجر عهد المسيّا وهو نقطة تجول في تاريخ إسرائيل قد بدأ. كما ان المسيّا قريب ان يقوم بأولى عجائبه وبهذا يبدأ رسالته الجهورية العامة نحن هكذا مرة أخرى نواجه بموضوع القول بفعل مهما قال الله. تقول مريم للخدام ” اعملوا كل ما يقوله لكم” وبتلك الكلمات تردد صدى الإعتراف بالإيمان من شعب إسرائيل في جبل سيناء.

ان مريم تجسد بطريقة ما شعب إسرائيل في سياق العهد وتقف كممثلة لشعب إسرائيل.

ثانيا، كلمات مريم تجدها متوازية وقريبة مع ما فاله يوسف الصديق في سفر التكوين، ففي المجاعة القاسية في مصر وضع فرعون يوسف مسؤولا لتخزين القمح اثناء الحصاد في سنوات الرائعة قبل المجاعة وتوزيعه في حالة نقص الغذاء أيام القحط. عندما لجأ شعب الأرض وصرخوا الى فرعون لتوفير القمح لهم قال لهم فرعون:” «اذْهَبُوا إِلَى يُوسُفَ، وَالَّذِي يَقُولُ لَكُمُ افْعَلُوا»(تكوين55:41)- تعبير تقريبا مشابه لما قالته مريم فيما بعد في قانا.

هذا الترابط الأنجيلي ما بين القول افعلوا مهما قال لكم يوسف و والقول افعلوا مهما قال لكم يسوع لهو مهم جداً لأنه هناك عدة متوازيات ما بين يوسف ويسوع في هاتان المشهدان. فكما تغلب يوسف على نقص الغذاء اثناء المجاعة بمخازنخ للحبوب هكذا يسوع تغلب على نقص الخمر في حفل العُرس بتغييره لحجم كبير من الماء الي خمر، وكما قدم يوسف بأنه به روح الله في بدء عمله “فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلًا فِيهِ رُوحُ اللهِ؟(تكوين38:41)، هكذا يسوع قد قُدم بأن الروح قد حل ّ عليه قبل بدء خدمته” «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ(يوحنا32:1).وكما كان يوسف عمره ثلاثون عاما عندما بدأ في تخزين الحبوب للشعب “وَكَانَ يُوسُفُ ابْنَ ثَلاَثِينَ سَنَةً لَمَّا وَقَفَ قُدَّامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ”(تكوين46:41) هكذا كان يسوع عمره ثلاثين سنة عندما بدأ يوفر الخمر للمدعوين في عُرس قانا”وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً”(لوقا23:3) وكما كانت كلمات فرعون عن يوسف –”افعلوا كل ما يقول لكم”- عندما جاء يوسف ليقف لبدء قيادته في مصر، هكذا كلمات مريم- افعلوا كل ما يأمركم به”- جاء عندما بدأ يسوع خدمته العامة بصنع اول معجزة في مهمته الملوكية.

أخيرا، دعونا نأخذ في الإعتبار كيف ان وصيّة مريم «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» لها تأثيرات لاحقة على الخدام الهمتهم للثقة في يسوع بطريقة عجيبة. ضع نفسك فقط في مكان الخدام ويسوع يقول لهم ان يأحذوا الستة أجران المستخدمة للتطعير عند اليهود ويملأوها بالماء ويغترفوا ويقدموا للمدعوين في الحفل فتلك الأجزان الحجرية قد تم استخدامهم لتطهير وغسيل اليدان، ولكن من المستغرب ان يسوع يقول للخدام ان يملأوا تلك الأجران بالماء وبعدها يقدموا ذلك الماء الي رئيس المتكأ أي رئيسهم ثم بعدها يقدموه للمدعوين. ان ذلك يحتاج في الحقيقة الى شيئ من الإيمان، فتخيل ماذا كان يفكر الخدام:” املأ تلك الأجران؟ بالماء؟ ثم قم بالتقديم للضيوف؟ كيف سيحل ذلك المشكلة؟. فمن الوجهة البشرية المحضة خطة يسوع ليس لها معنى ولا تُفهم فأولا وفي المقام الأول يسوع يسأل الخدام ان لا يفهموا خطته ولكن فقط يثقوا به.

ولقد وثق الخدام في يسوع فأنجيل يوحنا أشار ان الخدام اسنجابوا بإيمان كتلاميذ مؤمنين يتبعون وصايا المسيح مهما كان عجيبة تلك الوصايا كما تظهر لهم. يسوع قد أعطى أمران للخدام، أولا ان قال لهم:” «امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً» وجاء في انجيل يوحنا انهم أطاعوا أمر المسيح وأدوه بالتمام “فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ”(يوحنا7:2). ثانيا، قال لهم يسوع:” «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ»، وانجيل يوحنا ذكر انهم “فَقَدَّمُوا”(يوحنا8:2). لاحظ كيف انجيل يوحنا استمر بطريقته ليقول لنا ان الخدام فعلوا بالتمام كما قيل لهم.

في وضوح هؤلاء الخدام اتبعوا نداء مريم «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» فكانوا تلاميذ مؤمنين اطاعوا لكلمات المسيح. بشكل كبير يقدهم انجيل يوحنا ليس فقط عبيد زلكن كخدام بمعنى تلاميذ. بدلا من استعمال الكلمة اليونانية للعبيد doilois انجيل يوحنا وصق هؤلاء الرجال كخدام diakonois الكلمة اليونانية في انجيل يوحنا ترجع الى التلاميذ الخقيقيين ليسوع. في يوحنا 26:12 مثلا “”إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي (diakonei) فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي diakonos. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ. وهكذا يمكننا ان وصية مريم «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» لها تأثير قوي؟، فمريم راقبت الخدام لكي يلبوا مثل نموذج لتلاميذ

مؤمنون يعطون طاعة فورية ليسوع.

ان كلاماتها الأخيرة في قانا تعني تشجيعنا في هذه اليام فنحن مدعوون ان نكون مشابهين للهدام في ذلك الحفل نثق تماما في الله في حياتنا ونقدم طاعة تامة للمسيح كما فعلوا عؤلاء في الماضي. نحن أيضا يمكن ان لا نفهم دائما عمل يسوع في حياتنا وقد لا نرى بوضوح اين يقودنا الرب لكن علينا فقط بالثقة والإيمان.

مع كل تلك الخلفية يمكننا ان نرى كيف ان كلمات مريم «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» يجب ان تحثنا وتلهمنا لإيمان عجيب، وفي الحقيقة هذه ليست أمر قانوني يجب ان يطاع او مقولة روحية جذابة ولكنها كلمات واثقة ولدت عن خبرة. طوال حياتها من الناصرة حتى الصليب فمريم عاشت بمثل ذلك الأساس من الثقة والطاعة وهي قد تعلمت ان تسلّم نفسها مهما يكن ما يسأله الله منها وتعلمت أيضا ماذا يعني ان تسير مع الله.

بتذكر كيف انها وثقت بدون تردد دعوة الرب عندما ظهر لها الملاك في الناصرة. ان الإيمان البسيط والبدائي قد وُضع تحت الإختبار عدة مرات وكما احتفظت وفكرّت فيما عسى ان يكون فقر ابنها وتواضعه ورفضه عند مولده وكيف انعكست كلمات سمعان الشيخ القاسية عليها من سيف يخترق قلبها، وكيف اختبرت قلة فهمها عن لماذا يسوع قد فقد منها لمدة ثلاثة أيام في الهيكل. بهذا المعنى مريم لم يكن لها بشارة واحدة فقط او مهمة محددة، ففي كل لحظة من حياتها سواء اختبرت فرح، مرافقة، ووضوح او معاناة وظلمة زصليب فمريم قد أعطيت العديد من الفرص لتؤكد أول “نعم” قالتها الى الله في الناصرة.

والآن بعد سفرها حتى الآن في رحلة ايمانها، بثقة مقدسة تحثنا القديسة مريم ان نحيا ما قد خُدم كأساس ثابت وقوي في حياتها وما قد اختبرته هي شخصيا الا وهو «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ» فإذا ما اتبعنا خطوات مريم وخبرتها كتلميذة مؤمنة وآمينة للرب سنجد كما وجدت هي نتيجة وجزاء وثمرة التصاقها بالرب من سعادة ومجد وحياة آبدية فالمسيح هذا وعده وهو صادق وآمين وهذا ما ينتظر كل المؤمنين من مجد في السماء.

قائمة المؤلفات –مؤلفات الشماس نبيل حليم يعقوب

1. “مريم العذراء التى حُبل بهـا بلا دنس” – مايو 1997       

2.”مريم الملكة المختارة والدة الإلـه” – سبتمـبر 1999   

3. “العذراء الناصعة، الرائعة، القانعة، والعذراء الخاضعة، الدامعة، الضارعة” – أكتوبر1999

4. “عند الصليب” – أبريل 2000         

5.”مريم وأبناءها: أمومتها..شفاعتهـا..إكرامها” – مايو 2000

6.”الصراع..قصة صراع الإنسان بين الخير والشر”– نوفمبر 2000

7. “أنتم من فوق” – ديسمبر 2000

8.”طلبة سيدتنا مريم العذراء..شرح وتفسير” – 15 أغسطس 2001

9.”القديس يوسف نجـّار الناصرة” – ديسمبر 2001

10. “عجائب الرب” – فبراير ‏2002     

11.”القديسة ريتا شفيعة الحالات الصعبة والمستحيلة”–مايو ‏2002

12. “قلب يسوع وقلب الإنسان” – يونيو ‏2002

13. “أخوة يسوع ما هي حقيقتهم؟” – سبتمبر 2002

14. “من وحـي الـميلاد” – نوفمبر‏2002                      

‏15.”أعياد القديسة مريم العذراء” – 8 ديسمبر2002

16. “القديسة تريزا الطفل يسوع” – ديسمبر 2002

17. “قلب يسوع” – ديسمبر 2002                          

18. “مريـم العذراء الفتاة والأم وربة البيت” – يناير 2003

19.”تعاملات الله” – أغسطس 2003 ‏‏                       

20. “الـتوبـة والـمصالحـة” – مايو 2003               

21.”الـمسبحة الورديـة” – مارس 2003                

22.”القديس يهوذا تدّاوس” – أبريـل 2003

23.”ثلاثون من الفضة” – مايو 2003   

24. “الرحمة الإلهيـة” – يونيو 2003

25.”حياة مريم أم يسوع” – أغسطس 2003            

26.”مريم العذراء فى الكتاب الـمقدس” -أغسطس 2003

27.”صلوات وطِلبات” – سبتمبر 2003        

28.”صلوات مُستجابـة” – اكتوبر2003         

29. “صلوات بالـمسبحة” – نوفمبر2003       

30.”القديس أنطونيوس البادوي” -يناير 2004

31.”الزواج الـمسيحي” –    مايو 2004

32.”فضائل القديسة مريم العذراء” –15أغسطس 2004

33.”الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع الجزء الأول-عصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصلية” – 8 ديسمبر2004

34. “وريقة من كتاب الدهر” -23 يوليو 2005

 35.”الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع-الجزء الثانى –قضية بتولية مريم الدائمـة”- اغسطس 2005

36. “الصَدَقـة: تعريفها، وجوبها وفائدتهـا” – نوفمبر 2005

37. “الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع” – الجزء الثالث –قضية والدة الله”- مارس 2006

38. “الأسانيد الكتابية للتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع- الجزء الرابع –إنتقال مريم العذراء الى السماء بالنفس والجسد”- أغسطس 2006

39. “القديسة مريم أم يسوع وسر تكريمها” -25 ديسمبر 2006

40. “ابناء الظلـمة” – يناير 2007

41. “صلوات مع القديسة مريم العذراء” –يونيو 2007

42. “حياتي مع مريم –كتيب للصلاة اليومية” (يونيو 2007) مترجم من كتيبMy Life With Mary http://www.franciscan-archive.org/bvm/ 

43. “التعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع–تساؤلات وبراهين”(15 أغسطس 2007)

44. “القديسة مريم أم يسوع وكيفية إكرامها” – (23 مارس 2008)

45. “مبدأ الكتاب المقدس وحده Sola Scriptura حوار لزمن الإفتقاد” – (يونيو 2008)

46. “تساعيات للقديسة مريم أم يسوع” – (8 ديسمبر 2008)

47. “طلبات للقديسة مريم ام يسوع” – (مارس 2009)

48. “صلوات بالمسبحة مع القديسة مريم أم يسوع” – (اغسطس 2009)

49. “الخِدمـة” – (مارس 2010)

50. “من هى القديسة مريم العذراء؟” – ( مايو2010 )

51. “كتيب عن الأب الدكتور بيشوي راغب وكنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك بلوس انجلوس” – 18 يونيو 2010 (ذكرى الأربعين لرحيله)

52. “سر الألــم” – سبتمبر 2010

53. “مريم العذراء المباركة وألقابها” (7 أكتوبر 2010)

54. ” أحزان مريم العذراء ” – (مايو 2011)

55. “صلوات إكراماً لآلام وأوجاع مريم العذراء” – (يوليو 2011)

56. التساعيات المشهورة للثالوث الأقدس- (ديسمبر 2013)

57. التساعيات المشهورة للملائكة والقديسين (مارس 2014)

58″صلوات في أيام الأعياد والتذكارات الدينية في الكنيسة الكاثوليكية” -(اول نوفمبر 2014- عيد جميع القديسين)

59. “صلوا بلا انقطاع” (مارس 2015) وإعادة طبعه سبتمبر 2015

60. “بماذا أناديك” (مارس 2015)

61. “الرياضة الروحية العائلية في الصوم الكبير” (ابريل 2015)

62. “الرياضة الروحية العائلية في الشهر المريمي (مايو2015)

63. “الرياضة الروحية العائلية الي قلب يسوع الأقدس في شهر يونيو(يونيو2015)

64. “الرياضة الروحية العائلية في صوم العذراء (يوليو2015)

65. “الرياضة الروحية العائلية في صوم الميلاد (سبتمبر 2015)

66. “رئيس الملائكة ميخائيل” (29 سبتمبر 2015)

67. “صلوات الى القديس يوسف في شهر مارس”(نوفمبر 2015)

68. الرياضة الروحية العائلية في الصوم الكبير – (فبراير 2016)

69. صلوات الشهر الريمي 2016 (30 ابريل 2016)

70. صلوات شهر قلب يسوع الأقدس 2016 (مايو 2016)

71. صلوات صوم العذراء مريم (يوليو 2016)

72. الرياضة الروحية في صوم الميلاد (نوفمبر 2016)

73. كتاب “تأملات في زمن المجيئ”(ديسمبر 2016)

74. تأملات في زمن الصوم الكبير 2017 (فبراير 2017)

75. “تأملات وصلوات الي القديس يوسف في شهر مارس (فبراير 2017)

76. “تأملات وصلوات في الشهر المريمي 2017 (ابريل 2017)

77. في شهر قلب يسوع الأقدس 2017 (28 مايو 2017)

78. صلوات صوم العذراء (يوليو 2017)

79. كتاب “العقائد المريمية والتعاليم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع” -سبتمبر 2017

80. تأملات في صوم الميلاد (نوفمبر 2017)

81. تأملات في الصوم الكبير (فبراير 2018)

82. قراءات الشهر المريمي(مايو 2018)

83. قراءات شهر قلب يسوع الأقدس (يونيو 2018)

84. صلوات صوم العذراء (أغسطس 2018)

85. كتاب صلوات الشهر المريمي في 2010-2018 (يونيو 2018)

86. كتاب “صلوات وتأملات في صوم الميلاد” (2007-2017) -يناير 2018

87. كتاب “تأملات روحية في الصوم الكبير” (2008-2018) -يونيو 2018

88. كتاب “صلوات وتأملات في الشهر المريمي” (2010-2018)-مايو2018.

89. كتاب” صلوات وتأملات في صوم القديسة مريم العذراء-2005-2018) -أغسطس 2018

90. كتاب “جاهدوا معي في الصلوات” 15 أغسطس 2018

91. كتاب “اذهبوا الي يوسف-صلوات وطلبات”سبتمبر 2018

92. تأملات في زمن المجيئ (نوفمبر 2018)

93. تأملات في الصوم الكبير (فبراير 2019)

94. صلوات الى القديس يوسف في شهر مارس”(2019)

95. قراءات الشهر المريمي(مايو 2019)

96. صلوات لشهر قلب يسوع الأقدس (مايو 2019)

97. كتاب “اذهبوا الي يوسف-صلوات وطلبات” (مارس 2019)

98. كتاب “صلوات وتأملات في صوم الميلاد” (2007-2018) – مارس 2019

99. كتاب “تأملات روحية في الصوم الكبير” (2008-2019) -مارس 2019

100. كتاب “صلوات وتأملات في الشهر المريمي” (2010-2019)-ابريل 2019.

101. كتيب “أنتم من فوق-الرياضة الروحية العائلية في اول مايو 2019 بالمقطم”

102. كتاب” نأملات وصلوات في شهر قلب يسوع الأقدس 2013-2019

103. “صلوات وتأملات في صوم القديسة مريم العذرراء”(2019)

104.كتاب “صلوات وتأملات في صوم القديسة مريم العذراء 2005-2019

105. صلوات في زمن المجيئ 2019

106.صلوات وتأملات في زمن الصوم الكبير 2020 (1ول فبراير 2020)

107. صلوات وتأملات للقديس يوسف البتول في شهر مارس 2020

108. صلوات وتأملات في الشهر المريمي 2020 (مارس 2020)

109. صلوات وتأملات في شهر قلب يسوع 2020 (مارس 2020)

110. صلوات صوم القديسة مريم العذراء 2020 (مارس 2020)

111. كتاب “تأملات روحية في زمن المجيئ” (2007-2020) مايو 2020)

112. كتاب “تأملات روحية في الصوم الكبير” 2008-2020) (مايو 2020)

113. كتاب ” أذهبوا الي يوسف” (مايو 2020)

114. كتاب “تأملات روحية في الشهر المريمي” (مايو 2020)

115. كتاب ” تأملات روحية في شهر قلب يسوع الأقدس 2020″ (مايو 2020)

116. كتاب ” تأملات روحية في صوم القديسة مريم العذراء 2020″ (مايو2020)

117- كتاب “مسيرة مع مريم – رحلة انجيلية من الناصرة حتى الصليب” (سبتمبر2020)

118- رحلة صوم مع مريم العذراء الأم (ديسمبر 2020)

119-مع القديس يوسف في شهر مارس 2021 (فبراير 2021)

120-قراءات وصلوات الشهر المريمى مايو 2021 (ابريل 2021)

121– تأملات شهر قلب يسوع الاقدس 2021( ابريل 2021)

122- صلوات صوم السيدة العذراء 2021 (مايو 2021)

123 – في زمن المجيئ وصوم الميلاد 2021 (سبتمبر 2021)

124- في فترة الصوم الكبير 2022 (نوفمبر 2021)

125- مع القديس يوسف 2022 (ديسمبر 2021)

126- تأملات الشهر المريمي 2022 (مارس 2022)

127- تأملات في شهر قلب يسوع الأقدس 2022 (مايو 2022)

128- تأملات في صوم العذراء مريم 2022 (مايو2022)

129- تأملات في زمن المجيئ 2022 (يوليو 2022)

130- مع القديس يوسف وعالمه (اكتوبر 2022)

131- في فترة الصوم الكبير 2023 (نوفمبر 2022)

132- تأملات الشهر المريمي 2023 (مارس 2023)

133- تأملات في شهر قلب يسوع الأقدس 2023 (مارس 2023)

134- تأملات في صوم العذراء مريم 2023 (مارس 2023)

135- تأملات في زمن المجيئ 2023 (ابريل 2023)

136= كناب تأملات في زمن المجيئ (ابريل 2023)

137- كناب تأملات في زمن الصوم المقدس (ابريل 2023)

138- كناب مع القديس يوسف (ابريل 2023)

139- كتاب الشهر المريمي (ابريل 2023)

140- كناب تأملات في شهر قلب يسوع (ابريل 2023)

141- كناب تأملات في صوم العذراء مريم (ابريل 2023)

142- كتاب “القاموس المريمي” (اغسطس 2023)

143- تأملات في فترة الصوم الكبير 2024 (تحت الكتابة)


[1] قائمة المؤلفات في نهاية الكتاب

[2] اسم عبراني معناه “أميرة”. وهي زوجة إبراهيم، وكانت في الأصل تدعى ساراي.تزوجت سارة من إبراهيم في أور الكلدانيين وكانت أصغر منه بعشر سنوات. وعندما خرج إبراهيم من حاران كان عمر سارة 65 سنة ولكنها كانت جميلة بالرغم مما بلغت من العمر، وكانت محتفظة بقوتها وشبابها. وبعد مغادرة حاران وقبل النزول إلى مصر، تحدث إبراهيم مع سارة وطلب منها أن تخفي أنها زوجته وتقول أنها أخته، وقد كانت بالفعل أخته ابنة أبيه ليست ابنة أمه وكان سبب طلب إبراهيم ذلك خوفه من أن جمال سارة يلفت نظر المصرين إليها، فيقتلونه ويأخذونها. وأطاعت سارة زوجها. فأخذها ملك مصر، ولكن الله منعه من الاقتراب إليها. ووبخ فرعون زوجها عندما أعلن له الله الأمر.وبعد عدة سنين سكن إبراهيم في جرار وقال عن سارة أنها أخته، فطلب أبيمالك أن يتزوج منها، ربما لغرض إيجاد تحالف مع الأمير البدوي القوي. وهنا أيضًا منع الله أبيمالك من الإساءة إلى سارة .وعندما كان عمر سارة 75 سنة ضعف إيمانها في إتمام وعد الله من حيث حصولها على نسل، فأشارت على زوجها أن يتزوج من جاريتها هاجر، فولدت هاجر إسماعيل.ندما بلغت سارة سن 89 جاءها الموعد بميلاد إسحق Isaac الذي ولدته بعد سنة. وغيَّر الله اسم ساراي إلى سارة في ذلك الوقت – وقت الموعد. وعندما فطم إسحق أقام والداه وليمة عظيمة.. ولاحظت سارة أن إسماعيل يمزح، وقد قيل أنه كان يصوب سهامه على إسحق مهددًا بقتله من باب التخويف، فطلبت سارة من إبراهيم أن يطرد الجارية مع ابنها. وقد ظن البعض أن ذلك كان قساوة وشرًا من سارة، غير أن البعض الآخر يعتقد أن سارة لم تطلب طرد هاجر إلا إلى الخيام الأخرى لإبراهيم والتي كان يقيم فيها عبيده الآخرون، أي أن سارة منعت الجارية وابنها من السكن في خيمة السيد، وجعلتها تأخذ مكانها كجارية فقط.واختلفت الآراء في سارة، ولكنها كانت في الحق مؤمنة فاضلة وزوجة أمينة وأمًا مثالية. (وقد ماتت سارة في سن 127 سنة، بعد ولادة إسحق بما يزيد على 36 سنة، ودفنها إبراهيم في حقل المكفيلة الذي اشتراه لهذا الغرض.

[3] اسم عبري معناه “شاة. ابنة لابان الصغرى وكانت حسنة المنظر فأحبها يعقوب للنظرة الأولى عندما رآها عند البئر بالقرب من حاران إذ كانت تسقي غنم أبيها لابان. وقد خدمه يعقوب سبع سنين لأجل راحيل فخدعه لابان وأعطاه ليئة. ثم خدمة يعقوب لأجل راحيل سبع سنين أخرى. وراحيل هي أم يوسف وبنيامين وماتت عند ولادة بنيامين وهي التي أخفت أصنام أبيها عند ارتحال يعقوب إلى كنعان. وقد تحدث ارميا عن حزن راحل جدة سبطي افرايم ومنسى، وكيف أنها صارت “تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزَّى عنهم لأنهم ليسوا بموجودين”. ويظن أن هذه النبوة تمت مرتين، الأولى عندما سبي السبطان المذكوران إلى ما وراء الفرات، والثانية عندما قتل هيرودس أطفال بيت لحم مؤملًا أن يتقل ضمنهم الطفل يسوع.

وقد ماتت راحيل ودفنت في “طريق افراته” أو بيت لحم. ولا يزال ضريحها قائمًا على بعد ميل شمالي بيت لحم ويعرف ذلك المزار بقبة راحيل.

[4] اسم عبري معناه “عصيان” rebellious، أو “مُر” bitter، أو قد يكون ذو أصل مصري من “مر” بمعنى “حب” أو “محبوب“: love; beloved وهو اسم:أخت موسى وهارون وابنة عمرام.ويظن أنها كانت أكبر من موسى نحو عشر سنين بدليل أنها راقبت سفط البردي الذي اخفي فيه موسى بين الحلفاء وإذ رأت ابنة فرعون تكشف عن الصبي قالت: “هل أتي لك بمرضعة؟” ثم ذهبت وأحضرت يوكابد أم الولد فأرضعته. وبعد عبور البحر الأحمر رنمت بعد ترنيمة موسى الشهيرة غير أنها لما اتحدت مع هارون في التذمر على موسى بسبب زواجه من المرأة الكوشية ضُرِبَت بالبرص. ثم إذ صلى موسى إلى الله من أجلها شفيت من هذه الآفة الكريهة. وماتت في قادش ودفنت هناك.

[5] عندما تحدَّى قورح بن يصهار من بني قهات -والجماعة التي انحازت إليه- سلطة موسى وهارون، وأهلك الرب القوم المتمردين (عد 16)، طلب موسى من بني إسرائيل أن يأخذ كل سبط منهم عصا، ويكتب اسم رئيس السبط على عصاه، وكتب اسم هارون على عصا لاوي. وأخذ موسى الاثنتين عشرة عصا ووضعها أمام الرب في خيمة الشهادة، وفي اليوم التالي “دخل موسى إلى خيمة الشهادة وإذا عصا هارون Aaron’s rod لبيت لاوي قد أفرخت. أخرجت فروخًا وأزهرت زهرًا وأنضجت لوزًا. فأخرج موسى جميع العصي من أمام الرب إلى جميع بني إسرائيل، فنظروا وأخذ كل واحد عصاه. وقال الرب لموسى رد عصا هارون إلى أمام الشهادة لأجل الحفظ فتكون علامة لبني التمرد… ففعل موسى كما أمره الرب. وهي ترمز للرب يسوع المقام من بين الأموات ليأتي بالثمر الكثير. ولعلها كانت هي نفسها العصا التي كان يحملها موسى في يده في جبل حوريب، والتي أجرى بها معجزاته في مصر، فقد سميت “عصا الله. كما كانت تسمى “عصا موسى” أو “عصا هارون. وكان أمر الرب أحيانًا أن يمد هارون يده بعصاه، وفي أحيان أخرى أن يمد موسى يده أي يمدها ممسكة بعصاه. وفي الحرب مع عماليق، وقف موسى على رأس التلة وعصا الله في يده، بينما كان هارون وحور يدعمان يديه. كما أن الرب أمر موسى أن يأخذ العصا التي ضرب بها النهر، ويضرب بها الصخرة في حوريب ليخرج الماء ليشرب الشعب. وفي برية صين لم يكن ماء للجماعة، فأمر الرب موسى أن يأخذ العصا ويجمع الجماعة، وأن يكلم هو وأخوه هارون الصخرة أمام أعين الجماعة لتخرج ماء. ولكن موسى أخذ العصا من أمام الرب ورفع “يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء غزير. فكان هذا العصيان لأمر الله سببًا في حرمان موسى وهارون من الدخول إلى أرض كنعان.لقد سميتعصا الله” لأنها كانت ترمز إلى سلطان الله، وسميتعصا موسى” لأنها كانت عصاه فعلًا من البداية, وسميت “عصا هارون” لأن هارون كان يستخدمها عوضا عن موسى. ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن تابوت العهد كان به “قسط من ذهب فيه المن، وعصا هارون التي أفرخت ولوحا العهد“.

[6] اسم عبري معناه “ابنة القسم” أو “ابنة اليوم السابع” ابنة أليعام وامرأة أوريا الحثي (2صم 11) شغف بها داود الملك واحتال على زوجها فقُتل، فتزوجها وجعل ابنها سليمان وريث ملكه. وهي ابنةعميئيل“.

[7] سم عبري معناه “نحلة”.كانت دبورة نبية وقاضية لإسرائيل، وكانت زوجة لفيدوت. وقد كانت تقيم تحت شجرة نخيل سميت باسمها، نخلة دبورة بين الرامة وبيت إيل في جبل أفرايم. وكان بنو إسرائيل يصعدون إليها للقضاء“، وهناك كانت تقضي لبني إسرائيل.

[8] سم عبري معناه “يهودية” Jewess أو “ممدوحة” Praised وهو اسم:يهوديت هي بطلة سفر يهوديت من الأسفار القانونية الثانية(1). وقد كانت يهوديت ابنة مراري “بن إيدوس ابن يوسف بن عزيا بن ألاي ابن يمنور بن جدعون بن رفائيم بن أحيطوب بن ملكيا ابن عانان بن نتنيا بن شألتيئيل بن شمعون بن رأوبين“.وقد كانت يهوديت هي محور هذا السفر؛ فهي بطلة يهودية جميلة، مشهود لها بالتقوى والغيرة. وقد أنقذت بمعونة الرب وبذكائها وحكمتها وشغبها من بطش أعدائه، وذلك بانتصارها على أليفانا.كانت أرملة، واسم زوجها منسى، وقد مات في بيت فلوى مدينته في أيام حصاد الشعير، وذلك بسبب ضربة الحرارة (يهو 8). وكان رجلًا غنيًا، ترك لها بعلها ثروة واسعة وحشمًا كثيرين وأملاكًا مملوءة بِأَصْوِرَةِ الْبَقَرِ وَقُطْعَانِ الْغَنَمِ..وفي بداية القصة كان لها ثلاث سنين وستة أشهر أرملة. وكانت تصوم جميع أيام حياتها ما خلا السبوت ورؤوس الشهور وأعياد آل إسرائيل.. وغارَت الغيرة المقدسة حينما سمعت أن عزيا وعد بأن يُسَلِّم المدينة إلى الأشوريين.

[9] اغلب الظن أن هذا الاسم من أصل هندي قديم ومعناه “سيدة صغيرة”، ثم انتقل إلى الفارسية وأصبح معناه “كوكب” ويظن بعض العلماء أنه يرجع إلى أصل أكادي لفظة “أشتار” ويقابل في العبرية “عشتاروت”. وكانت أستير فتاة جميلة، وهي ابنة أبيجائل الذي يرجّح أنه من سبط بنيامين (أس 2: 15؛ وقارن أس 2: 5؛ مع 2: 7) أما اسمها في العبرية فهوهدَّسة” أي “شجرة الآس” وقد تركت يتيمة وهي بعد صغيرة فأحضرها ابن عمها مردخاي الذي تبناها، إلى شوشن العاصمة الفارسية. وقد أقام الملك أحشويروش Assuerus (وهو المعروف باسم زركسيس عند اليونان) وليمة لعظمائه وإذ كانوا يحتسون الخمر لعبت الخمر برأسه فأمر أن يحضر امرأته الملكة وشتي كي يرى عظماؤه جمالها الرائع. ولكن وشتي رفضت أن تمتهن كرامتها. وأهاج رفضها ثائرة الملك فأصدر وفقًا لنصيحة مشيريه قرارًا بحرمان الملكة وشتي من المثول لديه. وأصدر أمرًا بأن تعطي مكانتها لأخرى. كذلك أمر بأن يبحثوا بين الفتيات في كل مملكته عن فتاة جميلة لتأخذ مكانة وشتي. فاختيرت أستير في السنة السابعة لملك أحشويروش ونصبت ملكة في القصر. ولم يكن معروفًا حينئذ أنها يهودية الجنس. ولقد اعتلت أستير العرش في ظروف دقيقة ومتحرجة أيضًا. فقد كانهامان” أقرب المقربين من الملك أحشويروش، وحدث بعد أن اعتلت أستير العرش بخمس سنوات أن ثار غضب هامان على مردخاي لأنه رفض أن يقدم له الخضوع والإجلال. وقصد هامان أن ينتقم لنفسه لا بقتله مردخاي فحسب بل بإبادة كل اليهود في كل أنحاء الإمبراطورية. وقد تمكن هامان من أن يحوز رضا الملك ويأخذ موافقته، فقد قدم رشوة باهظة وشكا اليهود بأنهم قوم صلاب عنيدون يتمسكون أين كانوا بشرائعهم وعاداتهم. ولكي يعضده الرعاع في فعلته بإبادة اليهود زيَّن لهم النهب وإشباع أطماعهم وقد حثَّ مردخاي أستير أن تتدخل في الأمر لحماية بني جنسها. ولكنها خافت ولم تجرؤ على الإقدام على مثل هذا الأمر فخاطبها مردخاي في عزم وقوة، فما كان منها إلا أن صامت وصلت وخاطرت بحياتها إذ مثلت في حضرة الملك دون أن يصدر لها أمر بذلك. وفي فطنة فائقة وحكمة نادرة انتهزت الفرصة لتوجيه التفات الملك إلى أن مؤامرة هامان غزت قصر الملك وامتدت إلى شخصها هي وبما أنه لم يكن من الممكن إلغاء أمر الإبادة فقد أمكنها أن تحصل لليهود على إذن بأن يدافعوا عن أنفسهم وأن يردوا كيد أعدائهم إلى نحورهم إن أرادوا. ولا يعرف شيء عن موت أستير أو كيفية موتها أو تاريخه ومتى كان ذلك، فإذا كان أحشويروش هو زركسيس كما هو الاعتقاد السائد تكون أستير إذًا واحدة من زوجاته. وأول زوجة لزركسيس ذكرها التاريخ على وجه التحقيق هي “أمسترس” حفيدة “أوثانوس”. فيذكر هيرودتس أنها كانت زوجته في سنة 479 ق.م. وهي السنة السابعة والثامنة من ملكه، وكانت وشتي زوجة لزركسيس في السنة الثالثة من ملكه، وكانت هي الملكة وقد حلت أستير محلها في الشهر العاشر من السنة السابعة لملكه وفي السنة الثانية عشرة من ملكه كانت لا تزال أستير ملكة.

[10]www.st-takla.org

[11] St Takla

[12] Sextus Julius Africanus (c. 160 – c. 240; Greek: was a Christian traveler and historian of the late second and early third centuries. He is important chiefly because of his influence on Eusebius, on all the later writers of Church history among the Church Fathers, and on the whole Greek school of chroniclers.

[13] للمؤلف

[14] من كناب “مريم العذراء وقضائلها”- مارس 2004 للمؤلف

[15] https://www.vatican.va/archive/hist_councils/ii_vatican_council/documents/vat-ii_const_19641121_lumen-gentium_ar.html

[16] من كتاب “الأعياد المريمية” للمؤلف

[17] من كتاب “القديسة مريم والقابها” للمؤلف

[18] منقول

[19] للمؤلف

[20] للمؤلف

[21] للمؤلف

[22] للمؤلف

[23] من كتاب “صلوات بالمسبحة” للمؤلف

[24] من كتاب “الطلبات” للمؤلف

[25] من كتاب “صلوات التساعيات” للمؤلف

[26] منقول

[27] من كتاب ” مريم العذراء وسر تكريمها” للمؤلف

[28] منقول

[29] من كتاب “مريم العذراء وكيفية اكرامها” للمؤلف